مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

رجعا إلى الأول [١] ، وقوى القول بالصحة [٢] وإباحة جميع الغايات به إذا كان قاصداً لامتثال الأمر الواقعي المتوجه إليه في ذلك الحال بالوضوء ، وان اعتقد أنه الأمر بالتجديدي منه مثلاً فيكون من باب الخطأ في التطبيق.

______________________________________________________

فمن القريب الاكتفاء به لغايات متعددة ما لم ينقض مثلاً إذا توضأ الجنب للأكل اكتفى به في الأكل والشرب والجماع أو النوم ، ولو توضأ غاسل الميت للتكفين جاز له الاكتفاء به في الدفن ، إلا أن يمس الميت عند تكفينه فينتقض ، ولو توضأ للجماع فجامع انتقض واحتاج إلى تكريره للأكل والشرب والنوم. والوجه في هذه الدعوى : أن سياق نصوص مشروعيته للغايات المذكورة سياق نصوص مشروعيته لغيرها ، الظاهرة في أن المعتبر هو كونه على وضوء غير منتقض ، فما دام الوضوء على حاله غير منتقض يكتفى به في الغايات المقصودة بفعله.

[١] يعني : رجوعاً موضوعياً حقيقياً.

[٢] ووجه البطلان أن الوضوء عبادة لا تصح بلا تقرب ، ولا مقرب في المقام ، إذ الأمر بالوضوء التجديدي لا يصلح للمقربية ، لانتفائه وعدم كون المأتي به من أفراد موضوعه ، والأمر بالوضوء المطهّر وإن كان موجوداً ، لكنه غير مقصود للمكلف. ومن هذا يظهر صحة التفصيل الذي ذكره المصنف (ره) ، فإنه إذا كان المقصود الأمر الفعلي المتوجه إلى المكلف كان منطبقاً على الأمر الواقعي بالوضوء المطهِّر ، فيكون الأمر المذكور مقصوداً ، ولا ينافيه اعتقاد كونه الأمر التجديدي ، لأن الخطأ في اعتقاد الصفة لا يمنع من قصد ذات الموصوف ، فمن قصد إكرام جاره وكان قد اعتقد أن عمره خمسون سنة فأكرمه ، كان إكرامه له مقصوداً ،

٣٠١

وتكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي [١] لا التقييد ،

______________________________________________________

وإن لم يكن عمره خمسين سنة. نعم لو قيد إكرامه له بالوصف المذكور فقصد إكرام جاره الموصوف بكونه عمره خمسون سنة فأكرمه لم يكن إكرامه له مقصوداً ، إذا لم يكن عمره خمسين سنة.

وسر الفرق : أن الوصف في الثاني لما أخذ قيداً لموضوع الإكرام المقصود ، فبدونه ينتفي موضوعه ، فينتفي بانتفاء موضوعه ، ويكون الإكرام الخارجي الوارد على غير الموضوع غير مقصود ، وفي الأول لما أخذ خارجاً عن الموضوع لم يكن انتفاؤه موجباً لانتفائه ، لينتفي الإكرام المقصود. ثمَّ إن ما ذكرنا من لازم التقييد إنما هو إذا كان التقييد بنحو وحدة المطلوب ، أما إذا كان بنحو تعدد المطلوب فحال القيد حال الأمور المقارنة في أن انتفاءه لا يوجب انتفاء القصد ، كما هو حكم الداعي أيضاً.

[١] فإن قلت : كما أن انتفاء الموضوع المقصود يوجب انتفاء القصد كذلك انتفاء الداعي للقصد يوجب انتفاءه ، لأن الداعي من علل وجود القصد ، وانتفاء العلة يوجب انتفاء المعلول.

قلت : هذا يتم لو كان الداعي بوجوده الخارجي علة إلى القصد ، أما لو كان بوجوده العلمي الاعتقادي فانتفاؤه بوجوده الخارجي لا يوجب انتفاءه مع تحقق الوجود اعلمي ومن هنا اشتهر أن تخلف الدواعي لا يوجب تخلف المقصود ، وبنى عليه الفقهاء في الإيقاعات والعقود.

فان قلت : كيف يمكن أخذ صفة التجديدية داعياً تارة وقيداً أخرى ، مع أن المحقق في محله أن شرائط الوجوب يمتنع أخذها شرطاً في الواجب ، وبالعكس.

قلت : الممتنع أخذ الداعي قيداً في الواجب مع بقائه على صفة الداعوية ،

٣٠٢

بحيث لو كان الأمر الواقعي على خلاف ما اعتقده لم يتوضأ [١] ،

______________________________________________________

وأخذ قيد الواجب مع كونه قيداً له ودخيلاً في ترتب الأثر عليه قيداً للوجوب ، ولا يمتنع أن يكون الوصف داعياً في حال وقيداً في حال أخرى مع انسلاخه عن الداعوية في حال أخذه قيداً ، وانسلاخه عن القيدية في حال كونه داعياً ، كما هو محل الكلام.

هذا ولا يخفى أن ما يتردد بين كونه داعياً وقيداً يختص بالعلل الغائية التي تترتب على وجود المراد ، أما ما لا يكون كذلك فلا يحتمل أن يكون داعياً ، والظاهر أن صفة التجديدية من هذا القبيل ، فينبغي التردد فيها بين أن تكون قيداً بنحو وحدة المطلوب ، وأن تكون بنحو تعدد المطلوب.

[١] هذا ليس من لوازم التقييد فقط ، بل من لوازم الداعي أيضاً نعم يمتنع ذلك في الصفات الملحوظة الموجودة من باب الاتفاق. وبهذا تفترق هي عن الداعي والتقييد. وأما الفرق بين الداعي والتقييد فلا يكون بذلك ، بل يكون بمحض لحاظ الوصف شرطاً لوجود القصد أو قيداً للمقصود.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن الأوصاف الملحوظة للفاعل حال إرادة الفعل تكون على أربعة أقسام : الأمور المقارنة ، والداعي الذي هو العلة الغائية ، وقيد الموضوع على نحو وحدة المطلوب ، وقيده على نحو تعدد المطلوب. ( الثاني ) : أن المائز الذي ذكره في المتن بين الداعي والقيد يلزم أن يُجعل مائزاً بين القيد على نحو وحدة المطلوب وبين القيد على نحو تعدد المطلوب ، لا بين القيد والداعي ، فان كلاً منهما يشترك في أنه لولاه لم يفعل الفاعل. ( الثالث ) : أن المائز بين القيد والداعي أن الأول ملحوظ قيداً في موضوع الإرادة والثاني علة للإرادة لا غير. ( الرابع ) : أن الداعي لما كان داعياً بوجوده العلمي لا الخارجي‌

٣٠٣

أما لو كان على نحو التقييد كذلك ، ففي صحته حينئذ [١] إشكال [٢].

( مسألة ٤ ) : لا يجب في الوضوء قصد موجبه [٣] ، بان‌

______________________________________________________

لم يكن تخلفه خارجاً مانعاً عن حصول المراد. وبعبارة أخرى : الداعي في الحقيقة اعتقاد ترتب الغاية ، لا نفس وجودها ، وإلا امتنع أن تكون علة للإرادة ومتأخرة عنها. فحال القيد على نحو تعدد المطلوب هو حال الداعي بعينه. ( الخامس ) : أن احتمال كون الوصف من قبيل الداعي وكونه من قبيل القيد يختص بالعلل الغائية ، وصفة التجديدية في الوضوء ليست منها ، وكذا الحكم في كثير من الموارد التي يذكرون أنه يتردد الأمر فيها بين أن تكون على نحو الداعي ، وعلى نحو القيد ، واللازم أن يكون التردد فيها بين القيد على نحو وحدة المطلوب وعلى نحو تعدده ، والغالب في مثل التردد المذكور كونه من قبيل تعدد المطلوب ، ولذا بني المحققون على ثبوت الخيار عند تخلف الوصف ، بناءً منهم على أن الارتكاز العرفي يساعد فيه على نحو تعدد المطلوب ، فيكون القصد فيه الى شيئين : ذات المطلق ، ونفس المقيد ولو كان القصد على نحو وحدة المطلوب كان اللازم الحكم بالبطلان. وكذلك ينبغي في كثير من الموارد التي يذكر الفقهاء ( رض ) التردد فيها بين القيد والداعي ، فإن التردد فيها بين القيد بنحو وحدة المطلوب ونحو تعدده ، والارتكاز العرفي فيها يساعد على الثاني.

[١] كما هو مقتضى إطلاق ما عن الشيخ والمحقق وجماعة.

[٢] والأقوى البطلان ، كما عرفت. ولا يبعد تنزيل إطلاق القائلين بالصحة على غير هذا المعنى.

[٣] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه ولا خلاف ، كما هو ظاهر جماعة ،

٣٠٤

يقصد الوضوء لأجل خروج البول أو لأجل النوم ، بل لو قصد أحد الموجبات وتبين أن الواقع غيره صحّ ، إلا أن يكون على وجه التقييد [١].

( مسألة ٥ ) : يكفي الوضوء الواحد للأحداث المتعددة إذا قصد رفع طبيعة الحدث [٢] ،

______________________________________________________

وعن المدارك نسبته إلى العلماء كافة. ويقتضيه إطلاق أدلة مطهرية الوضوء ، إذ هو على تقدير اعتباره يكون خارجاً عن الوضوء ، مقيداً لإطلاق أدلة مطهريته.

[١] للوجه المتقدم في سابقة ، فلا يظهر وجه للجزم هنا والتوقف هناك ،

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، وإن كان على خلاف أصالة عدم التداخل ، التي يقتضيها في المقام إطلاق مثل‌ رواية ابن الحجاج : « من وجد طعم النوم قائماً أو قاعداً فقد وجب عليه الوضوء » (١). لوجوب الخروج عنها بعد قيام الإجماع ـ بل الضرورة ـ على خلافها. مع عدم ورود مثل هذا اللسان في عامة الأحداث ، بل الشائع في النصوص التعبير بالنقض مثل : « لا ينقض الوضوء إلا حدث » (٢) ‌، ومن المعلوم أن صفة النقض لا تقبل التكرر والتكثر. فالمتحصل من النصوص : أن أسباب الوضوء إنما تؤثر في وجود صفة واحدة هي المعبر عنها بالحدث إن اقترنت أثَّر مجموعها فيها ، وإن ترتبت استند الأثر إلى المتقدم منها دون المتأخر كما هو الحال في العلل التي لها معلول واحد. ومن هذا يظهر لك أن التعبير في المتن وغيره بالأحداث ، وقصد رفع واحد دون آخر أو نحو ذلك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣٠٥

بل لو قصد رفع أحدها صح وارتفع الجميع [١]. إلا إذا قصد رفع البعض دون البعض ، فإنه يبطل ، لأنه يرجع الى قصد عدم الرفع [٢].

______________________________________________________

مبني على المسامحة بلحاظ الأسباب.

[١] كما هو المعروف بل قيل : « لم يُعثر على تصريح بالبطلان ». نعم احتمله العلامة في النهاية ، لأن ما لم ينو رفعه يبقى ، والأحداث لا تتجزأ. وفيه : ما عرفت من أنه ليس إلا حدث واحد يستند وجوده الى السبب المتقدم فان نواه ولم ينو رفع المتأخر فقد نوى رفع الحدث مطلقاً ، فلا موجب للبطلان. نعم لو نوى المتأخر أشكلت الصحة ـ بناءً على وجوب نية رفع الحدث ـ إذ ليس المتأخر حدثاً ، فما ذكر يكون حينئذ في محله.

[٢] هذا لا يتم لو قصد رفع أثر المتقدم دون المتأخر ، إذ المتأخر لا أثر له ليقصد رفعه ، فلا يقدح قصد مثل ذلك وإن قلنا باعتبار قصد الرفع. نعم يتم ذلك لو قصد عدم رفع المتقدم. لكنه مبني على اعتبار نية الرفع ، أما لو لم نقل به فلا مانع من الصحة. إلا أن يرجع الى خلل في القربة ، كما لو كان راجعاً الى تقييد الوضوء المقصود التقرب بفعله ، كأن يقصد الوضوء الذي يكون فعله موجباً لرفع حدث دون حدث ، فان البطلان حينئذ في محله ، لعدم مشروعيته.

والمتحصل في هذه المسألة : أنه إذا نوى رفع الحدث مطلقاً أو نوى رفع المتقدم مع الغفلة عن المتأخر ، أو مع عدم نية رفعه ، صح الوضوء ولو بناءً على اعتبار نية الرفع. وإن نوى رفع المتأخر بطل بناءً على اعتبار نية الرفع ـ إلا أن يرجع الى نية رفع المتقدم للجهل بالتطبيق ـ وصح‌

٣٠٦

( مسألة ٦ ) : إذا كان للوضوء غايات متعددة فقصد الجميع حصل امتثال الجميع [١] ، وأثيب عليها كلها ، وان قصد البعض حصل الامتثال بالنسبة اليه ويثاب عليه. لكن يصح بالنسبة إلى الجميع [٢] ويكون أداءً بالنسبة الى ما لم يقصد.

______________________________________________________

بناءً على عدم اعتبار نية الرفع ، إلا أن يلزم خلل في التقرب.

[١] ربما يقال : لا فرق بين المقام وبين العبادات الملحوظ في مقام فعلها الضمائم الراجحة ، فكما يتوقف صدق امتثال أمر العبادة على قصده أصالة لا تبعاً للضميمة ، يتوقف صدق امتثال أمر الغايات في المقام على قصد أمر كل غاية مستقلا لا تبعاً ، وكما أنه لا يكفي في تحقق امتثال الأمر العبادي كونه مع رجحان الضميمة داعياً واحداً ، لا يكفي في امتثال أمر الغايات كون مجموع أوامرها داعياً واحداً أيضاً.

وفيه : إمكان الفرق بين المقامين بأن أوامر الغايات كلها متعلقة بالوضوء ، فالإتيان به لأجلها إتيان به لمحض أمره ، سواء كان كل منها داعياً مستقلا ، أم كان المجموع داعياً واحداً ، أم كان بعضها داعياً وبعضها تابعاً ، بخلاف باب الضمائم فإن أمر الوضوء متعلق به ، وأمر الضميمة متعلق بالضميمة بعنوانها لا بالوضوء ، فالإتيان به لأجل أمر الضميمة ـ سواء كان بعض الداعي ، أم تمامه وكان أمر الوضوء تابعاً ـ لا يوجب كونه عبادياً بالمعنى الذي قام عليه الإجماع ـ أعني : كونه لا يترتب عليه الأثر إلا في ظرف الإتيان به بداعي أمره ـ كما لا يخفى. ثمَّ إن الظاهر أنه لا إشكال في ترتب الثواب بقصد الغاية ولو تبعاً لغاية أخرى. فتأمل.

[٢] لما عرفت من حصول الطهارة به المعتبرة في سائر الغايات ، فلا موجب للتكرار ،

٣٠٧

وكذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة [١]. وإذا اجتمعت الغايات الواجبة والمستحبة [٢] أيضاً يجوز قصد الكل ، ويثاب عليها ، وقصد البعض دون البعض ، ولو كان ما قصده هو الغاية المندوبة ، ويصح معه إتيان جميع الغايات ، ولا يضر في ذلك كون الوضوء عملاً واحداً لا يتصف بالوجوب والاستحباب معاً. ومع وجود الغاية الواجبة لا يكون إلا واجباً ، لأنه على فرض صحته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي وإن كان متصفاً بالوجوب فالوجوب الوصفي لا ينافي الندب الغائي ، لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب والاستحباب من جهتين.

______________________________________________________

[١] الكلام فيه كالكلام فيما قبله. ومثله ما بعده.

[٢] لا ريب في إمكان اجتماع الغايات الواجبة والمستحبة للوضوء ، كالوضوء بعد دخول الوقت ، فان له غاية واجبة وهي صلاة الفريضة ، وغاية مستحبة وهي صلاة النافلة. كما لا إشكال في أنه لو قصد الغاية الواجبة جاز له فعلها وفعل المستحبة. وإنما الإشكال في جواز فعله للغاية المندوبة ، فان المحكي عن ظاهر كثير أنه لا يجوز الوضوء بنية الندب لمن عليه وضوء واجب. والوجه فيه ـ بناءً على اعتبار نية الوجه ـ ظاهر ، لعدم إمكان نية الندب به حينئذ لا وصفاً ، ولا غاية ، لانتفائه. بل وكذا بناءً على عدم اعتبارها أيضاً ، إذ هو عبادة ولا يمكن التقرب بالأمر الندبي لانتفائه ، ولا بالأمر الوجوبي ، لاعتبار قصد التوصل إلى ذي المقدمة في مقربية الأمر الغيري ، فلا يمكن التقرب بالوجوب الغيري مع عدم إرادة التوصل إلى الغاية الواجبة.

وأجاب المصنف (ره) عن هذا الإشكال ( تارة ) : بأنه لا مانع‌

٣٠٨

______________________________________________________

من اجتماع الوجوب والندب في موضوع واحد من جهتين ، فان الوضوء بعنوان كونه مقدمة للصلاة الواجبة واجب ، وبعنوان كونه مقدمة للصلاة النافلة مستحب. وقد وافق في هذا ظاهر السلطان (ره) في حاشية له على الروضة في هذا المقام ، حيث قال : « لا نسلم أنه لا يكون في وقت العبادة الواجبة إلا الوضوء الواجب ، لأن الوضوء في كل وقت مستحب » ( وأخرى ) : بأنه لو سلم عدم اتصافه بالوجوب والاستحباب في زمان واحد ، فإنما يمنع ذلك من إمكان نية الندب وصفاً ، ولا يمنع من إمكان نيته غاية. والظاهر أن مراده إمكان التقرب بالأمر الندبي المتعلق بالغاية ، لا الأمر الغيري المتعلق به ، فان مبنى كلامه هذا انتفاء الأمر الغيري الندبي فيمتنع لحاظه غاية كما يمتنع لحاظه وصفاً. ولعل ما ذكره هو مراد جمال الدين (ره) في حاشيته حيث قال : « وحينئذ فقصد الندب فيه ليس بمعنى كونه مندوباً في نفسه مطلقاً ، حتى يكون فاسداً باعتبار كونه واجباً ، بل بمعنى كونه مندوباً لتلك الغاية .. ».

أقول : إذا فرض أن للوضوء غايتين واجبة ومندوبة ، فكما أن مقدميته للغاية الواجبة توجب كونه واجباً كذلك مقدميته للغاية المندوبة توجب كونه مندوباً ، وليس اقتضاء إحداهما أقوى من اقتضاء الأخرى ، ولازم التضاد بين الوجوب والاستحباب تزاحم مقتضاهما ، فاذا سلم تساويهما في في الاقتضاء سقطا معاً عن التأثير ، فلا يكون الوضوء واجباً غيرياً ، ولا مندوباً كذلك ، لأن ثبوت الوجوب دون الندب ترجيح بلا مرجح ، فالالتزام بالوجوب دون الندب ـ كما يجري على ألسنتهم ـ غير ظاهر الوجه.

والتحقيق أنه ( تارة ) نقول : إن الفارق بين الندب والوجوب هو اختلاف الطلب فيهما بالشدة والضعف ، فيكون الندب منتزعاً من مرتبة‌

٣٠٩

______________________________________________________

ضعيفة من الطلب ، والوجوب منتزعاً من مرتبة قوية منه ، ( وتارة ) نقول : إن الفارق بينهما ورود الترخيص وعدمه ، فيكون الندب منتزعاً من الطلب المرخص في تركه ، والوجوب منتزعاً من الطلب غير المرخص في تركه ، كما هو التحقيق ، وأوضحناه في ( حقائق الأصول ). وعلى كل من القولين فالندب له جهتان : جهة اقتضاء للفعل ناشئة من صرف الطلب ، وجهة لا اقتضاء ناشئة من القيد العدمي ، أو من القيد الوجودي على الخلاف المتقدم ، والمقدمية دائماً إنما تقتضي سراية الحيثية الاقتضائية من ذي المقدمة إلى المقدمة. ولا تقتضي سراية الحيثية اللااقتضائية ، ولذا لا تجد التنافي بين إباحة الشي‌ء وتحريم مقدمته ، ولكن تجد التنافي بين إباحة الشي‌ء وتحريمه ، فإن الإباحة لما كانت لا اقتضاء لا تسري من ذي المقدمة إلى المقدمة ، ليلزم التنافي بينها وبين تحريم المقدمة ، فالوضوء الذي يكون مقدمة لغاية مندوبة لا يسري إليه الندب بذاته وقيده ، بل إنما يسري إليه الندب بذاته لا غير ، وأما قيده ـ أعني : جواز الترك ـ فإنما يكون للوضوء ، لقصور ذات الندب في نظر العقل عن اقتضاء الإلزام ، لا بالسراية من الغاية المندوبة ومثل هذه المرتبة من الطلب لا تنافي وجوبه الغيري الناشئ من مقدميته للغاية الواجبة ، إذ يمكن أن يكون حينئذ واجداً لمرتبتين ، إحداهما لا اقتضاء لها في المنع من الترك ، والأخرى لها هذا الاقتضاء ، فيمكن الإتيان به بداعي تلك المرتبة فيكون امتثالا لذات الندب ، كما في جميع المندوبات النفسية ، إذ الانبعاث فيها إنما يكون من قبل ذات الطلب بذاته لا بقيده فان المقرب في فعل الصلاة النافلة هو فعلها بداعي ذات الطلب ، بلا دخل لحيثية ضعفه أو لحيثية الترخيص في مخالفته في حصول الإطاعة والمقربية أصلا. ومنه ظهر أن الوضوء حينما يكون له غايتان واجبة ومندوبة يسري إليه ذات الطلب‌

٣١٠

فصل في بعض مستحبات الوضوء‌

( الأول ) : أن يكون بمدّ [١] ، وهو ربع الصاع [٢].

______________________________________________________

الندبي ، كما لو لم يكن له إلا غاية مندوبة ، بلا فرق أصلا. كما ظهر أيضاً أن المقرب في حال كونه مقدمة لغاية مندوبة لا غير ، وفي حال كونه مقدمة لغاية مندوبة وواجبة إذا لم يقصد به إلا المندوبة ، هو بعينه المقرب في سائر المندوبات النفسية ـ أعني : ذات الطلب لا بحده ـ من دون فرق بين الجميع. وعلى هذا فلو كان للوضوء غايتان مندوبة وواجبة أمكن التقرب بمرتبة الطلب الندبي ، سواء لوحظت وصفاً أم غاية ، وبمرتبة الطلب الوجوبي ، وبمجموع المرتبتين كذلك. فلاحظ.

فصل في بعض مستحبات الوضوء‌

[١] كما هو مذهب علمائنا. كما عن المنتهى والتذكرة. صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « كان رسول الله (ص) يتوضأ بمد ، ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (١). و‌صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عنه (ع) : « كان رسول الله (ص) يغتسل بصاع من ماء ، ويتوضأ بمد من ماء » (٢) ‌، ومثلهما في ذلك غيرهما.

[٢] كما هو المعروف ، بل هو قول العلماء كافة ، كما عن المنتهى ، بل إجماعاً. كما عن الخلاف والغنية وظاهر التذكرة وغيرها وهو المصرح به في صحيح زرارة المتقدم‌. لكن‌ في موثق سماعة : « اغتسل رسول الله (ص)

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣١١

وهو ستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال [١] ، فالمد مائة وخمسون مثقالاً وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وحمصة ونصف [٢] ( الثاني ) : الاستياك [٣]

______________________________________________________

بصاع ، وتوضأ بمد ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد » (١) ‌، ونحوه خبر المروزي‌ (٢). إلا أنه لا مجال للاعتماد عليهما في قبال ما عرفت.

[١] ففي خبر جعفر بن إبراهيم الهمداني في الفطرة : « الصاع ستة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة » (٣). و‌خبر إبراهيم بن محمد الهمداني : « إن أبا الحسن صاحب العسكر (ع) كتب إليه : إن الفطرة صاع‌ .. إلى أن قال ـ تدفعه وزناً ستة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً ، يكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً » (٤). ومنه يظهر أن الوزنة في الأول هي الدرهم ، بل هو الموجود في النسخة المصححة من الوسائل وحيث أن الدرهم نصف مثقال شرعي وخمسه يكون الصاع ثمانمائة وتسعة عشر مثقالاً شرعياً ، وحيث أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي يكون ستمائة وأربعة عشر مثقالا صيرفياً وربعاً.

[٢] لأن المثقال الصيرفي أربع وعشرون حمصة.

[٣] بلا خلاف ، كما في الحدائق. و‌في صحيح معاوية بن عمار : « وعليك بالسواك عند كل وضوء » (٥) ‌، ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٤) الوسائل روى صدره في باب : ٨ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢. وروى ذيله في باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب السواك حديث : ١.

٣١٢

بأي شي‌ء كان [١] ، ولو بالإصبع [٢] ، والأفضل عود الأراك [٣]. ( الثالث ) : وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين [٤] ( الرابع ) : غسل اليدين قبل الاغتراف مرة في حدث النوم والبول ، ومرتين في الغائط [٥].

______________________________________________________

[١] للإطلاق.

[٢] فعن علي بن إبراهيم بإسناده : « أدنى السواك أن تدلكه بإصبعك » (١). و‌في رواية السكوني : « ان رسول الله (ص) قال : التسوّك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك » (٢).

[٣] فعن مكارم الأخلاق : « وكان (ص) يستاك بالأراك ، أمره بذلك جبرئيل (ع) » (٣) ‌و‌عن الرسالة الذهبية : « واعلم يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك ، فإنه يجلو الأسنان ، ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسمنها ، وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال .. » (٤).

[٤] ذكره الأصحاب ـ رضي الله عنهم ـ ولم نقف له على مستند كما في الحدائق. وعن بعض أنه علله بأنه أمكن في الاستعمال. وكأنه لذلك خصه في المتن بما يغترف منه ، لا ما إذا كان ضيّق الرأس ، فإن الأمكنية في الاستعمال تقتضي وضعه على اليسار. هذا ولكن قد ينافي الحكم المذكور ما في بعض الأخبار البيانية أنه (ع) دعا بقعب فوضعه بين يديه والأمر سهل.

[٥] كما هو المشهور. ففي صحيح الحلبي : « عن الوضوء كم يفرغ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب السواك حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب السواك حديث : ٤.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٦ من أبواب السواك حديث : ٥.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٦ من أبواب السواك حديث : ٦.

٣١٣

( الخامس ) : المضمضة والاستنشاق [١] ، كل منهما ثلاث مرات [٢] ،

______________________________________________________

الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال (ع) : واحدة من حدث البول ، واثنتان من حدث الغائط ، وثلاثاً من الجنابة » (١).

و‌في صحيح حريز أو حسنه : « يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثاً » (٢). ولعل الاكتفاء بالمرتين من البول والغائط معاً ـ كما هو الظاهر من عدم تكرار « من » ـ مبني على التداخل كما نسب في المقام إلى الأصحاب. وفي الجواهر : « لم أجد فيه خلافاً » ، وإطلاق المرتين في الجميع ـ كما عن اللمعة ـ أو المرة ـ كما عن النفلية ـ ضعيف.

[١] والنصوص به مستفيضة أو متواترة ، ففي موثق أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) عنهما ، فقال (ع) : هما من الوضوء ، فان نسيتهما فلا تُعد » (٣). وما دل بظاهره على نفي استحبابهما محمول على نفي الوجوب.

[٢] ففي عهد أمير المؤمنين (ع) إلى محمد بن أبي بكر : « وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة : تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثاً » (٤). وأما‌ رواية محمد بن الفضل : ان الكاظم (ع) كتب الى علي بن يقطين : تمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً .. (٥). فموردها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ١٩.

(٥) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٣١٤

بثلاث أكف [١]. ويكفي الكف الواحدة أيضاً لكل من الثلاث [٢] ، ( السادس ) : التسمية عند وضع اليد في الماء أو صبه على اليد [٣] وأقلها : « بسم الله » [٤] ،

______________________________________________________

التقية ، فيمتنع الاستدلال بها. بل ترك الأمر بهما عند زوال التقية شاهد بالخلاف. إلا أن يكون المراد بيان الوضوء الواجب. لكن ذكر فيه الإسباغ. فلاحظ.

[١] كما ذكر بعض ، وفي الجواهر : لم أقف له على مستند بالخصوص.

[٢] كما هو مقتضى إطلاق جملة من النصوص. بل مقتضاه الاكتفاء بكف واحدة لهما ، كما عن الاقتصاد والجامع.

[٣] ففي صحيح زرارة : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله. اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » (١). و‌في حديث الأربعمائة : « لا يتوضأ الرجل حتى يسمي ، يقول قبل أن يمس الماء : بسم الله .. » (٢). هذا وفي مصحح زرارة الحاكي لوضوء النبي (ص) « ثمَّ غرف ملأها ماءً فوضعها على جبينيه ، ثمَّ قال : بسم الله .. » (٣). وهو ظاهر في استحباب التسمية أيضاً عند غسل الوجه. ويظهر من بعض النصوص (٤) استحبابها في غير ذلك من الحالات. فراجع.

[٤] للإطلاق. وأما مجرد التلفظ باسم من أسمائه تعالى فالظاهر أنه لا تصدق التسمية عليه ، وإن كان قد يشهد له خلو بعض النصوص (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوضوء حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢ ، ١٠.

(٥) لعله يريد مثل ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) وذكره في الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام الخلوة : ١.

٣١٥

والأفضل : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) [١] ، وأفضل منهما‌ بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين‌ [٢].

( السابع ) : الاغتراف باليمنى [٣] ولو لليمنى [٤] ، بأن يصبه‌

______________________________________________________

عن لفظ الاسم والاكتفاء بالشهادة ونحوها.

[١] ففي حديث محمد بن قيس : « فاعلم أنك إذا ضربت يدك في الماء وقلت : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. تناثرت الذنوب .. » (١) ‌والجمع عرفاً بينه وبين ما سبق الحمل على الأفضلية.

[٢] لوروده في النصوص المعتبرة الصحاح‌ وغيرها‌ (٢). وكأن الوجه في أفضليته اشتماله على الدعاء ، وتكثر النصوص به. فتأمل. وفي مرسل الصدوق‌ (٣) حكاية صورة أخرى للتسمية عن علي (ع) إذا توضأ. والأمر سهل.

[٣] كما عن كثير. ويشهد به كثير من النصوص البيانية ، و‌في مصحح ابن أذينة الوارد في وضوء النبي (ص) في المعراج : « فتلقى رسول الله (ص) الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين » (٤).

[٤] كما يقتضيه مصحح ابن أذينة‌ ، و‌في مصحح بكير وزرارة : « ثمَّ غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء ، فأفرغه على يده اليسرى ، فغسل يده اليمنى » (٥) ‌، ونحوه مصحح محمد بن مسلم‌ (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢ ، ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ١١.

(٦) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

٣١٦

في اليسرى ثمَّ يغسل اليمنى.

( الثامن ) : قراءة الأدعية المأثورة عند كل من المضمضة [١] والاستنشاق [٢] ، وغسل الوجه [٣]. واليدين [٤]. ومسح الرأس [٥] ،

______________________________________________________

لكن ينافيه ما في جملة من الأخبار البيانية‌ ففي مصحح زرارة : « ثمَّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها علي يده اليمنى » (١) ، ونحوه مصححه الأخر‌ (٢) والثالث له ولبكير‌ (٣) ، وغيرهما. ولا يخلو الجمع بينهما عن إشكال. إلا أن يدعى أن الفعل المذكور لا يصلح لمعارضة القول الوارد في مصحح ابن أذينة‌.

[١] وهو : « اللهم لقني حجتك يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكرك ».

[٢] وهو : « اللهم لا تحرّم علي ريح الجنة ، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ».

[٣] وهو : « اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ».

[٤] وهو عند غسل اليمنى : « اللهم أعطني كتابي بيميني ، والخلد في الجنان بيساري ، وحاسبني حساباً يسيراً ». وعند غسل اليسرى : « اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطِّعات النيران ».

[٥] وهو : « اللهم غشني برحمتك وبركاتك ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء الحديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٣١٧

والرجلين [١]. ( التاسع ) : غسل كل من الوجه واليدين مرتين [٢].

______________________________________________________

[١] وهو : « اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، واجعل سعيي فيما يرضيك عني ». كل ذلك مذكور في رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي‌ (١) ، وفي نسخ كتب الحديث اختلاف في بعض الخصوصيات ، وما ذكرنا هو المطابق لما في نسخة معتبرة من التهذيب.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن الانتصار ، والغنية ، والسرائر : الإجماع عليه. وعن الاستبصار نفي الخلاف بين المسلمين في كون الثانية سنَّة. وقد يشهد له ما في صحيح معاوية بن وهب : « الوضوء مثنى مثنى » ‌(٢) ، ونحوه صحيح صفوان‌ (٣) ، ورواية زرارة‌ (٤) ، وما في موثق يونس بن يعقوب المتقدم في الاستنجاء : « ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين » ‌(٥) ، وما‌ في مرسل الأحول : « وضع رسول الله (ص) للناس اثنتين اثنتين » (٦) ‌، وما‌ في مرسل ابن أبي المقدام : « إني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين وقد توضأ رسول الله (ص) اثنتين اثنتين » (٧) ‌، وما‌ في رواية ابن بكير : « من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزؤه لم يؤجر على الثنتين » (٨) ‌، وما‌ في رواية محمد بن الفضل فيما كتبه الكاظم (ع) إلى ابن يقطين « اغسل وجهك مرة فريضة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢٨.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢٩.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ١٥.

(٧) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ١٦.

(٨) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣١٨

______________________________________________________

وأخرى إسباغاً » (١) ‌، ونحوها رواية الفضل عن الرضا (ع) (٢) ، وما‌ في رواية داود الرقي : « توضأ مثنى مثنى » (٣).

لكن قد يعارضها جملة أخرى كما‌ في حديث ميسرة : « الوضوء واحدة واحدة » (٤) ‌، وما‌ في خبر يونس بن عمار : أنه مرة مرة (٥) ‌ونحوه ما في كتاب الرضا (ع) إلى المأمون‌ (٦) ، و‌ما في مصحح عبد الكريم : « ما كان وضوء علي (ع) إلا مرة مرة » (٧) ‌، و‌مرسل الصدوق : « والله ما كان وضوء رسول الله (ص) إلا مرة مرة » (٨) ‌، و‌الآخر « توضأ النبي (ص) مرة مرة ، فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » (٩) ‌، و‌مرسل ابن أبي عمير : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة » (١٠) ‌، و‌رواية ابن أبي يعفور المروية عن النوادر : « الفضل في واحدة ، ومن زاد على اثنتين لم يؤجر » (١١) ‌، وخلو الأخبار البيانية.

هذا ولكن أخبار الواحدة والمرة محمولة على الفرض ، بل لعلها ظاهرة فيه. والأخبار البيانية لا تصلح لمعارضة ما عرفت. نعم ما تضمن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء ملحق حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٦) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢٢.

(٧) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

(٨) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ١٠.

(٩) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ١١.

(١٠) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(١١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢٧.

٣١٩

______________________________________________________

اقتصار النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) على المرة ظاهر في أفضلية الترك. ولا مجال للإشكال عليه بأنه حكاية حال ، لظهور المداومة في الفضل ، بل ظاهر صدور حكاية ذلك من الأئمة عليهم‌السلام ذلك. ومثلها رواية ابن أبي يعفور. ولا تصلح لمعارضتها الأخبار الأُول لإمكان حملها على مشروعية الثانية وإن كان تركها أفضل. ويشير إلى ذلك ما في صدر‌ رواية داود الرقي من قول الصادق (ع) : « وأضاف إليها رسول الله (ص) واحدة لضعف الناس ». وما‌ في مصحح زرارة الحاكي لوضوء النبي (ص) من قول أبي جعفر (ع) : « إن الله وتر يحب الوتر ، فقد يجزؤك من الوضوء ثلاث غرفات .. » (١). نعم قد يأبى الحمل على مجرد المشروعية مرسل ابن أبي المقدام ، بناءً على أن المراد يرغب عن أن يتوضأ كما يشهد به ذيله ، لا يرغب في أن يتوضأ ، كما لعله ظاهر نفس الكلام إلا أنه ـ مع إرساله ومنافاته لما دل على أن وضوء النبي (ص) وعلي عليه‌السلام ما كان إلا مرة ـ لا بد من حمله على ذلك ، فيكون التعجب من جهة اعتقاد الراغب عدم المشروعية ، ولا سيما مع الاستشهاد بفعل النبي (ص) في الجملة ولو كان المراد التعجب من اعتقاد عدم الأفضلية لم يكن التعليل مناسباً له. لأن مجرد فعله (ص) بلا مداومة لا يدل على الأفضلية ، بل المداومة على غيره دالٌّ على خلافها. وأما مرسل ابن أبي عمير فيمكن حمل نفي الأجر فيه على الثنتين على صورة اعتقاد وجوبهما ـ كما يشهد به خبر ابن بكير المتقدم ـ أو على إرادة عدم الأجر بالنسبة إلى الترك ، لأن الترك أفضل.

فتلخص : أن مقتضى الجمع بين النصوص مشروعية الثانية ، وإن كان تركها أفضل ، نظير صلاة النافلة ، والصوم في الأوقات المكروهة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٢٠