مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

والأحوط التعدد [١] في سائر النجاسات أيضاً ، بل كونها غير الغسلة المزيلة [٢].

( مسألة ٥ ) : يجب في الأواني إذا تنجست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرات [٣] في الماء القليل ، وإذا تنجست بالولوغ‌

______________________________________________________

الحت ، فالأمر به لا بد أن يكون محمولا على الاستحباب ـ كما عن جماعة ـ بل في المنتهى نسبته إلى علمائنا وأكثر أهل العلم ، أو على الإرشاد إلى أمر عرفي ، لأن الحت قبل صب الماء أرفق في التطهير ، وحينئذ فإطلاق الأمر بالغسل وغيره الصادق على الغسلة المزيلة ـ كما اعترف به جماعة ، منهم السيد في المدارك ـ محكم ( ودعوى ) : الانصراف إلى غيرها ولو ببقاء الصب مستمراً بعد زوالها ، غير ظاهرة. والظاهر عدم الفرق فيما ذكرنا بين المتنجس بالنجاسة ، والمتنجس بغسالتها ، والمتنجس بالمتنجس والنصوص في الجميع ـ في الجملة ـ وافية. فلاحظ رواية غسل اللحم‌ (١) ورواية العيص‌ (٢) المتقدمة في نجاسة الغسالة.

[١] بل هو الذي قواه جماعة ، إما مطلقا ، كالشهيد في الذكرى ، واللمعة والألفية ، والمحقق في جامع المقاصد وحاشية الشرائع ، وإما في خصوص ما له قوام وثخن ، كالعلامة في التحرير والمنتهى ، على ما حكي عنهم.

[٢] فان المشهور ـ كما في شرح النجاة ـ أن الاجتزاء بالمرة وعدمه إنما هو بعد غسلة الإزالة ، فلا يحصل الطهر بحصول الإزالة بهما أو بإحداهما.

[٣] كما عن ابن الجنيد ، والشيخ في كتبه غير المبسوط ، وعن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الماء المضاف حديث : ٣ ، وباب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف حديث : ١٤.

٢١

التعفير بالتراب مرة. وبالماء بعده مرتين [١].

______________________________________________________

الذكرى ، والدروس ، وجامع المقاصد ، وكثير من متأخري المتأخرين. لموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « سئل عن الكوز والإناء يكون قذراً كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال (ع) : يغسل ثلاث مرات ، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه .. » (١).

وفي الشرائع وعن النافع ، وأكثر كتب العلامة. والبيان ، وروض الجنان ، والمدارك وغيرها : الاكتفاء بالمرة. أما لاستضعاف الموثق والرجوع إلى أصل البراءة ، أو الإطلاق. وإما لحمله على الاستحباب ، بقرينة‌ المرسل المروي في المبسوط : « وقد روى غسلة واحدة » (٢). وفيه : أن المحقق في محله حجية الموثق ، فيمتنع الرجوع إلى الأصل ، أو الإطلاق لو سلم بنحو يشمل الآناء. مع أن الأصل محكوم بالاستصحاب والمرسل غير ثابت الحجية ، ومجرد موافقته للشهرة ـ كما قيل ـ غير جابر له ما لم يتحقق الاعتماد عليه.

وعن اللمعة ، والألفية : اعتبار المرتين. وكأنه لاستضعاف الموثق ، وإلحاق الأواني بالثوب والبدن في البول ، كما تقدم في غير الأواني بناء على التعدد ( وفيه ) : أن القطع بالإلحاق غير حاصل ، وفهم عدم الخصوصية من نصوص التعدد في البول في الثوب والبدن لو سلم لا يصلح لمعارضة الموثق ، إذ هو يكون كالخاص ، فيجب الأخذ به ، واستضعافه ضعيف ، كما عرفت.

[١] أما التثليث فهو إجماع محكي عن الانتصار والخلاف وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) المبسوط باب حكم الأواني ص : ٦ ، س : ٨ الطبعة القديمة.

٢٢

______________________________________________________

وعن المنتهى : « قال علماؤنا أجمع إلا ابن الجنيد : إنه يجب غسله ثلاث مرات إحداهن بالتراب ». وأما كون غسلة التراب أولاهن فهو المشهور وعن المفيد في المقنعة أنها وسطاهن ، وعن الانتصار والخلاف إطلاق القول بأنه يغسل ثلاث مرات إحداهن بالتراب ، وكذا حكي عن الصدوق في الفقيه.

والعمدة في لزوم التثليث ـ مضافا إلى الإجماع المتقدم ـ صحيحة البقباق ، قال فيها : « حتى انتهيت إلى الكلب ، فقال (ع) : رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ، ثمَّ بالماء مرتين ». كذا رواها في المعتبر (١) ، وحكي ذلك عن موضع من الخلاف ، وعن المنتهى ، والتذكرة ، والنهاية ، والذكرى وجامع المقاصد وشرح الإرشاد للفخر ، والروض ، وغوالي اللئالي. لكن قال في المدارك بعد ما رواها خالية عن لفظ المرتين (٢) : « كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث ، ونقله كذلك الشيخ في مواضع من الخلاف والعلامة في المختلف ، إلا أن المصنف (ره) نقله في المعتبر بزيادة لفظ : « المرتين » بعد قوله : « ثمَّ بالماء » ، وقلده في ذلك من تأخر عنه. ولا يبعد أن يكون ذلك من قلم الناسخ. ومقتضى إطلاق الأمر بالغسل الاكتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفير ، إلا أن ظاهر المنتهى وصريح التذكرة انعقاد الإجماع على تعدد الغسل بالماء ، فان تمَّ فهو الحجة ، وإلا أمكن الاجتزاء بالمرة لحصول الامتثال بها ». ولكن لا يخفى أن استدلال المحقق وغيره بها مما‌

__________________

(١) المعتبر في المسألة الثانية من أحكام الأواني ص : ١٢٧. وكذا رواها في مستدرك الوسائل في باب : ٤٤ من أبواب النجاسات ملحق حديث ٤. وله بيان في تأييد صحة الزيادة. فليراجع.

(٢) وهي كذلك في الوسائل في أبواب متعددة منها باب : ١ من أبواب الأسئار.

٢٣

______________________________________________________

يمنع من احتمال سهو القلم ، بل لعل عدم تعرض المحقق لاختلاف الأصل الذي روى عنه مع أصل الشيخ (ره) يشهد بكونها في التهذيبين كذلك واحتمال كون رواية المحقق لها بالزيادة المذكورة من جهة الاتفاق على التثليث بعيد ، بل كان المناسب تعرضهم لذلك. مع أنه لو بني على ترجيح روايتها خالية عن ذلك ، أمكن أن يكون مقتضى الجمع العرفي بينها وبين الموثق المتقدم في لزوم التثليث في تطهير مطلق الإناء لزوم التثليث هنا بعد التراب ، إذ الموثق المتقدم يكون مقيداً لإطلاق الصحيحة ، فلا وجه للعمل بالإطلاق. اللهم إلا أن يبنى على عدم حجية الموثق. لكنه خلاف ظاهر أدلة الحجية ، كما هو محرر في محله. بل يمكن التشكيك في إطلاق الصحيح ، بأنه وارد في مقام شرطية التراب قبل الماء ، لا في مقام بيان لزوم التطهير بالماء ، كي يؤخذ بإطلاقه ، وحينئذ يرجع في بيان التعدد في الماء الى الموثق المتقدم فتأمل. بل يمكن الاستدلال بالصحيح على مذهب المشهور ، وإن بني على ترجيح روايتها خالية عن لفظ المرتين ، بأن يحمل قوله (ع) : « أول مرة » ‌على أول المرات الثلاث اللازمة في تطهير الإناء ـ كما تضمنه الموثق ـ وتبقى المرتان الأخريان بالماء وحده. فتأمل.

هذا وعن ابن الجنيد (ره) وجوب الغسل سبعاً أولاهن بالتراب. وكأنه‌ لموثق عمار عن الصادق (ع) : « في الإناء يشرب فيه النبيذ ، فقال (ع) : تغسله سبع مرات ، وكذلك الكلب » (١) ‌وفيه ـ مع أن الغسل سبعا في النبيذ للاستحباب ، كما سيأتي ، فيجب كونه كذلك في الكلب ، لا لوحدة السياق ، بل لأن الحكم المجعول للكلب هو الحكم المجعول للنبيذ. ومع أن الموثق خال عن ذكر الغسل بالتراب ، كما هو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٢.

٢٤

والأولى أن يطرح [١] فيها التراب من غير ماء ويمسح به ، ثمَّ يجعل فيه شي‌ء من الماء ويمسح به. وإن كان الأقوى كفاية الأول فقط [٢] ، بل الثاني أيضاً. ولا بد من التراب ، فلا يكفي عنه‌

______________________________________________________

مدعاه ـ : أن صحيحة البقباق أخص منه مطلقاً ، لاختصاصها بصورة التنجس بالولوغ ، والموثق أعم من ذلك ، فيجب تقييد الموثق بها ، ولا مجال للأخذ بإطلاقه.

هذا وأما وجوب كون الاولى بالتراب ، فيدل عليه الصحيح المذكور بلا معارض. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المقنعة ، لعدم العثور على مستنده ـ كما عن غير واحد ـ ومثله ما عن الانتصار وغيره ، وإن كان يوافقه الرضوي‌ (١) ، إذ لو تمت حجيته فهو مقيد بالصحيح ، ولعل مرادهم ما هو المشهور.

[١] لأن فيه جمعاً بين المحتملين.

[٢] فيه إشكال ، بل عن الحلي والمنتهى وغيرهما تعين الثاني ، وهو في محله ، فان التراب وإن كان حقيقة في غير الممزوج ، إلا أن تسليط الغسل عليه ، يقتضي ظهوره في الممزوج بالماء ، على نحو يكون مائعاً ، فيكون قوله (ع) : « اغسله بالتراب » ‌نظير قولك : « غسلت يدي بالسدر والصابون ». وبه يظهر ضعف ما عن جامع المقاصد وغيره ، ونسب إلى المشهور ، من وجوب خلوصه عن الماء ، حملا للغسل على خلاف ظاهره ، فان ما ذكرناه أقرب. ومثله ما قوَّاه في الجواهر ـ تبعاً للشهيد الثاني (ره) ـ من جواز مزجه بالماء على نحو لا يخرج به التراب عن اسمه وجواز عدمه ، لحصول الغرض ، وهو إزالة ما حصل بالإناء من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٢٥

الرماد [١] والأشنان والنورة ونحوها. نعم يكفي الرمل [٢]. ولا فرق بين أقسام التراب [٣]. والمراد من الولوغ [٤] شربه‌

______________________________________________________

اللعاب بكل منهما. فان حصول الغرض بكل منهما أول الكلام. ( ومثلهما ) دعوى وجوب الجمع بينهما احتياطاً للإجمال ، كما عن الوحيد (ره) والرياض إذ قد عرفت ظهوره في المزج على نحو يكون التراب مائعاً بالعرض. وعليه فلا بد من خروج الماء عن الإطلاق وزيادة ، بل من المحتمل جواز المزج بغير الماء من المائعات ، لصدق الغسل بالتراب. فتأمل.

[١] لا اختياراً ، وإن حكي عن ابن الجنيد وأبي العباس كفايته حينئذ ، للأولوية الظنية ، التي هي على تقدير تسليم ثبوتها ليست بحجة. ولا اضطراراً ، لأنه خلاف الإطلاق ، وإن حكي عن المختلف والقواعد والذكرى والبيان الاكتفاء به حينئذ ، لحصول الغرض ، وهو قلع النجاسة ولكنه كما ترى. مع أن مقتضاه الاكتفاء ولو اختياراً ولا يقول به المدعي.

[٢] بناءً على أنه من التراب عرفاً ، كما سيأتي إن شاء الله في التيمم فتأمل. ولا ينافيه قوله : « عدد الرمل والحصى والتراب » ‌، فإنه من عطف العام على الخاص. وعن كشف الغطاء المنع ، لمنع كونه ترابا.

[٣] للإطلاق.

[٤] لا يهم الخلاف في معنى الولوغ ، وأنه الشرب ـ كما عن المصباح ـ أو بزيادة طرف لسانه ـ كما عن الصحاح ـ أو هو ذلك أو إدخال لسانه في الإناء وتحريكه ـ كما في القاموس ـ فإنه لم يذكر في النص وإنما ذكر في كلام الأصحاب ، والمذكور في النص الفضل ، وظاهره الباقي من الطعام والشراب. نعم قوله (ع) : « لا تتوضأ بفضله .. » ‌ظاهر في خصوص الماء الباقي من الشراب. لكن في الجواهر : « ينبغي‌

٢٦

الماء ، أو مائعاً آخر ، بطرف لسانه. ويقوى إلحاق لطعه الإناء بشربه [١]. وأما وقوع لعاب فمه فالأقوى فيه عدم اللحوق [٢] وإن كان أحوط [٣] ، بل الأحوط إجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته [٤] ولو كان بغير اللسان من سائر الأعضاء ، حتى وقوع شعره أو عرقه في الإناء.

______________________________________________________

القطع بعدم الفرق بين الماء وغيره من المائعات ». ولعل الارتكاز العرفي يساعده ، ويمنع من تقييد إطلاق الصدر به ، فتأمل.

[١] فإن النجاسة حينئذ سارية من الفم إلى الإناء بلا واسطة ، إذ احتمال اختصاص الحكم بالنجاسة السارية إلى الإناء بتوسط المائع مما لا ينبغي دعواه. ولذا حكي عن جامع المقاصد ، والروض ، وشرح المفاتيح : الجزم بالأولوية.

[٢] كما هو المشهور ، إذ هو ليس مورد النص ، ولا مما يقطع بأولويته منه. لكن الإنصاف أن اللعاب لا يقصر عن سائر المائعات في سراية الأثر بواسطته من الفم أو اللسان إلى الإناء ، فإلحاق المائعات بالماء دون اللعاب غير ظاهر.

[٣] بل عن العلامة (ره) في النهاية لزومه.

[٤] كما عن الصدوق ، والمفيد ، وفي المدارك : « لا نعلم مأخذه ». ولعله أخذه من‌ قوله (ع) في الصحيح (١) : « رجس نجس » ‌فإنه ظاهر في عدم الخصوصية للولوغ. لكن الأخذ بهذا الظاهر يستوجب التعدي إلى عامة النجاسات ، ولما لم يمكن ذلك ، يتعين التصرف فيه بإرجاعه إلى قوله (ع) : « لا يتوضأ بفضله » ‌، لا غير. لكن عن العلامة في النهاية‌

__________________

(١) وهو صحيح البقباق المتقدم.

٢٧

( مسألة ٦ ) : يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرات [١] ، وكذا في موت الجرذ [٢] ، وهو الكبير من الفأرة البرية [٣].

______________________________________________________

أنه الأقرب ، واستدل عليه بأن فمه أنظف من غيره ، ولهذا كانت نكهته أطيب من غيره من الحيوانات ، لكثرة لهثته. وهو كما ترى.

[١] كما في المختلف ، وقال فيه إنه اختاره في أكثر كتبه ، وحكي عن الموجز ، والروضة ، والمدارك. لصحيح ابن جعفر (ع) : « سألته عن خنزير يشرب من إناء ، كيف يصنع به؟ (ع) : يغسل سبع مرات » (١). وعن المبسوط ، والخلاف ، وغيرهما : إلحاقه بالكلب ، وعن الثاني الاستدلال له بأنه يسمى كلباً. وفيه : أنه مجاز لا يحمل عليه اللفظ بدون قرينة.

[٢] كما عن المشهور. لموثق عمار : « اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرات » (٢). وفي الشرائع ، والقواعد ، وعن غيرهما : كفاية الثلاث. لموثقة المتقدم في مطلق النجاسة. وفيه : أنه مطلق يجب حمله على هذا المقيد.

[٣] لا البحرية. وحكي عن العين والمحيط : أنه ذكر الفأر ، وعن النهاية : أنه الذكر الكبير منه ، وعن الصحاح ، والمغرب : أنه ضرب منه ، وعن ابن سيده : أنه ضرب منها أعظم من اليربوع أكدر في ذنبه سواد ، وعن الجاحظ : الفرق بينه وبين الفأر كالفرق بين الجواميس والبقر والبخاتي والعراب ، وعن بعض : أنه الضخم من الفئران ، ويكون في الفلوات وهو في عرفنا اليوم معروف يسكن البيوت والفلوات.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الأسئار حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٢٨

والأحوط في الخنزير التعفير [١] قبل السبع ايضاً. لكن الأقوى عدم وجوبه.

( مسألة ٧ ) : يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعاً [٢] والأقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث [٣].

______________________________________________________

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] وأوجبه جمع ، منهم المفيد ، والشيخ في الجمل ، والشهيد في أكثر كتبه ، والمحقق ، على ما حكي عنهم. لموثق عمار المتقدم في الولوغ‌ دليلا لابن الجنيد. لكن يجب حمله على الاستحباب‌ لموثقه الآخر : « في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر. قال (ع) : تغسله ثلاث مرات. وسئل : أيجزؤه أن يصب فيه الماء؟ قال (ع) : لا يجزؤه حتى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرات » (١) ‌( ودعوى ) : كون ظهوره مستنداً الى مفهوم العدد ، الممكن تقييده بموثق السبع ( مندفعة ) بكونه مستنداً الى منطوق التحديد ، كما ذكره شيخنا الأعظم (ره). ولذا اختار في الشرائع ، والقواعد : الاكتفاء بالثلاث ، وحكي عن الخلاف ، وغيره.

[٣] وعن جماعة كفاية المرة ، منهم أصحاب المعتبر والمختلف وروض الجنان والمعالم ، ونسب إلى جملة من كتب العلامة. إما‌ لموثق عمار الآخر (١) « عن الدن يكون فيه الخمر ، أيصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال (ع) : إذا غسل فلا بأس. وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال (ع) : إذا غسل فلا بأس ». وفيه : أنه على تقدير تسليم الإطلاق فهو مقيد بما عرفت. أو لعدم حجية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) وهو صدر الموثق المتقدم في الحاشية السابقة.

٢٩

( مسألة ٨ ) : التراب الذي يعفر به يجب أن يكون طاهراً قبل الاستعمال [١].

( مسألة ٩ ) : إذا كان الإناء ضيّقاً لا يمكن مسحه بالتراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه وتحريكه إلى أن يصل إلى جميع أطرافه [٢]. وأما إذا كان مما لا يمكن فيه ذلك فالظاهر بقاؤه‌

______________________________________________________

موثقات العدد ، فيرجع إلى الإطلاق ، أو أصل البراءة. وفيه أيضاً ما عرفت‌

[١] كما هو المشهور ، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن الأردبيلي وبعض ممن تبعه. والعمدة فيه : دعوى انصراف النص إليه بنحو يوجب تعينه ، لا بنحو يوجب رفع الإطلاق ، ليكون المرجع استصحاب مطهرية التراب قبل طروء النجاسة عليه ، الحاكم على استصحاب نجاسة الإناء. اللهم إلا أن يقال : استصحاب المطهرية من قبيل الاستصحاب التعليقي وجريانه محل إشكال. إلا أن يقال : العمدة في الاشكال عليه معارضته بالاستصحاب التنجيزي وهو في المقام استصحاب نجاسة الإناء ، وبعد التساقط يكون المرجع قاعدة الطهارة. مع أن في كون الاستصحاب المذكور من التعليقي إشكالا ، وقد تقدم بعض الكلام فيه في نجاسة عصير الزبيب فراجع. ثمَّ إن هذا كله مبني على اعتبار عدم المزج بالماء ، أما بناء على اعتبار المزج به ، فلا بد من طهارة التراب ، إذ مع نجاسته ينجس الماء مع أنه لا ريب في اعتبار طهارة الماء.

[٢] هذا يتم لو كان المراد من الغسل بالتراب ما يعم وصول التراب اليه ، أما إذا كان المراد خصوص المسح به ـ كما تقدم في المتن ـ فكفايته غير ظاهرة. وأما بناء على ما استظهرناه من إرادة مزجه بالماء بنحو يصير مائعاً بالعرض فكفايته حينئذ ظاهرة جداً.

٣٠

على النجاسة أبداً [١] ، إلا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير.

( مسألة ١٠ ) : لا يجري حكم التعفير في غير الظروف مما تنجس بالكلب [٢] ولو بماء ولوغه أو بلطعه. نعم لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير حتى مثل الدلو لو شرب الكلب منه [٣] ، بل والقربة والمطهرة وما أشبه ذلك.

( مسألة ١١ ) : لا يتكرر التعفير بتكرر الولوغ [٤] من كلب واحد أو أزيد بل يكفي التعفير مرة واحدة.

______________________________________________________

[١] لتعذر المشروط بتعذر شرطه وبدلية الماء عنه حينئذ غير ظاهرة ولزوم تعطيل الإناء لا يثبتها. وانصراف النصوص عنه ممنوع ، لورودها مورد الإرشاد إلى طريق التطهير ، لا مورد الإلزام والتكليف ، ليمتنع شمولها لصورة العجز. ولو سلم فإطلاق المادة كاف في بقاء الشرطية ، كما حرر في محله. فما عن الشيخ وجماعة من سقوط التعفير ، وحصول الطهارة بالغسل مرتين ، ضعيف. ومثله القول بالغسل ثلاثاً ، كما يقتضيه الوجوه المتقدمة لو تمت.

[٢] قد عرفت أن موضوع الحكم في النص فضل الكلب الصادق ولو في غير الظروف كالحوض الصغير. نعم التعبير فيه بالصب قد يقتضي اختصاصه بها. إلا أن يكون المراد مجرد إخلاء الإناء. فتأمل.

[٣] وإن كان ظاهر كلماتهم الاختصاص بالإناء.

[٤] ففي محكي الخلاف : « جميع الفقهاء لم يفرقوا بين الواحد والمتعدد إلا من شذ من العامة ، فأوجب لكل واحد العدد بكماله » ، ومثله كلام غيره. فاذاً الوجه فيه هو الإجماع. وإلا فأصالة عدم التداخل تقتضي‌

٣١

( مسألة ١٢ ) : يجب تقديم التعفير على الغسلتين [١] ، فلو عكس لم يطهر.

( مسألة ١٣ ) : إذا غسل الإناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث [٢] ،

______________________________________________________

التكرار. وما في المدارك من الاستدلال عليه بصدق الامتثال كما ترى ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في المسألة التاسعة من فصل كيفية التنجيس فراجع.

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] وفي الذكرى : « لا ريب في عدم اعتبار العدد في الجاري والكثير في غير الولوغ ». وقال قبل ذلك في الولوغ : « ولا يشترط فيهما العدد ». وكأنه لانصراف أدلته إلى القليل ، لأنه المتعارف في عصر الصدور. ولإطلاق مطهرية الكثير مثل ما‌ في المختلف عن أبي عقيل : أنه قال « ذكر بعض علماء الشيعة أنه كان بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر محمد بن علي (ع) وكان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف وكان يأمر الغلام يحمل كوزاً من ماء يغسل به رجله إذا أصابه فأبصره يوماً أبو جعفر (ع) فقال : إن هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره ، فلا تعد لله منه غسلا » (١). ولإطلاق بعض أدلة التطهير. وكأنه لذا ونحوه اكتفى العلامة (ره) في القواعد وغيرها والشهيدان والمحقق الثاني بالمرة.

وفيه : منع الانصراف المدعى في أدلة العدد. نعم تمكن دعوى نفي الإطلاق في موثقة عمار‌ (٢) الواردة في مطلق الإناء القذر من جهة اشتمالها‌

__________________

(١) المختلف الصفحة الثالثة المسألة الأولى.

(٢) المتقدمة في أول المسألة الخامسة.

٣٢

بل يكفي مرة واحدة حتى في إناء الولوغ [١]

______________________________________________________

على الصب الغالب في القليل ، كما ذكره في المختلف وغيره. لكن ـ مع أنه لا مجال لها في رواية التثليث في الخمر‌ (١) ، ولا في بعض روايات التثنية في البول‌ (٢) ، ولا في روايتي السبع في الخنزير‌ والجرذ‌ (٣) ولا في صحيح التثنية في الكلب‌ (٤). ومع إمكان دفعها بإرادة مجرد مماسة الماء للإناء من الصب ـ : آن الاجمال فيها يوجب الرجوع إلى استصحاب النجاسة بدون التثليث. ومرسلة المختلف ليست بحجة. وأما إطلاق بعض أدلة التطهير في غير الأواني فلا يصلح للمرجعية فيها ، لاختصاصه بمورده وعدم ثبوت الإجماع على عدم الفصل بين الأواني وغيرها. نعم لا يبعد الرجوع إلى إطلاق مطهرية الماء الذي قد عرفته سابقاً. لكنه فيما لم يكن لدليل العدد إطلاق يشمل المقام ، وإلا كان هو المرجع. وكأنه لذلك اعتبر العدد في المختلف ، والمبسوط ، والمعتبر ، وغيرها ، على ما حكي. نعم يمكن أن يستفاد عدم اعتبار التعدد مما ورد في ماء المطر من‌ قوله (ع) « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٥) ‌، بناء على عدم القول بالفصل بينه وبين الكثير والجاري ، للأولوية ، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الأخيرة من فصل ماء المطر. فراجع.

[١] مما سبق تعرف الاشكال هنا ،

__________________

(١) وهو موثق عمار الآخر المتقدم في المسألة السابعة.

(٢) تقدمت في المسألة الرابعة.

(٣) تقدمت في المسألة السادسة.

(٤) وهو صحيح البقباق المتقدم في المسألة الخامسة.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

٣٣

نعم الأحوط عدم سقوط التعفير فيه ، بل لا يخلو عن قوة [١] والأحوط التثليث حتى في الكثير.

( مسألة ١٤ ) : في غسل الإناء بالماء القليل يكفي صب الماء فيه وإدارته إلى أطرافه ثمَّ صبه على الأرض ثلاث مرات [٢] كما يكفي أن يملأه ماء ثمَّ يفرغه ثلاث مرات [٣].

( مسألة ١٥ ) : إذا شك في متنجس أنه من الظروف حتى يعتبر غسله ثلاث مرات ، أو غيره حتى يكفي فيه المرة ، فالظاهر كفاية المرة [٤].

( مسألة ١٦ ) : يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق صحيح البقباق (١) ( لا يقال ) : لا وجه للتفكيك بين العدد والتعفير ، فان لازم سقوط الأول لما ذكر سقوط الثاني أيضاً ( لأنا نقول ) : إن ظاهر ما تقدم جعل المطهرية للمعتصم بمجرد الإصابة في قبال الاحتياج إلى العدد أو الورود أو نحوهما ، مما يرجع الى الشرط في مطهرية الماء ، لا بلحاظ مطهرية غيره كالتراب ، لا أقل من احتمال ذلك على وجه يوجب إجماله ، فيرجع في وجوب التعفير إلى إطلاق دليله.

[٢] كما تضمنه موثق عمار ‌(٢).

[٣] ذكره جماعة من الأصحاب ـ كما عن الحدائق والذخيرة ـ إذ المفهوم عرفاً من التحريك في الموثق وصول الماء إلى الجزء المتنجس ، وهو حاصل في الفرض. فاستشكال الجواهر فيه غير ظاهر.

[٤] أما في الشبهة المفهومية فلوجوب الاقتصار على المتيقن عند إجمال‌

__________________

(١) تقدم في المسألة الخامسة.

(٢) تقدم في المسألة الخامسة.

٣٤

الغسالة على المتعارف [١] ، ففي مثل البدن ونحوه مما لا ينفذ فيه الماء يكفي صب الماء عليه ، وانفصال معظم الماء ، وفي مثل الثياب والفرش مما ينفذ فيه الماء لا بد من عصره ،

______________________________________________________

المقيد وتردده بين الأقل والأكثر ، ويكون المرجع في الفرد المشكوك هو المطلق ، وهو ما دل على كفاية المرة مطلقاً ، الذي تقدمت الإشارة اليه. وأما في الشبهة المصداقية فلأصالة عدم كونه من الظروف ، المنقح لموضوع العام ، بناء على أن موضوعه بعد الجمع بينه وبين الخاص كل فرد لا ينطبق عليه عنوان الخاص. أما بناء على عدم اقتضائه ذلك ، بل مجرد ثبوت حكم الخاص لأفراده الواقعية ، وبقاء ما عداه تحت حكم العام ، أو امتنع جريان الأصل المذكور ، لعدم الحالة السابقة ، وقلنا بعدم جريان الأصل في العدم الأزلي ، فحينئذ يدور الأمر في حكم الفرد بين حكم العام وحكم الخاص ، فالمرجع استصحاب النجاسة لا غير. نعم بناء على عدم العموم اللفظي ، واستفادة الحكم العام إنما كانت من جهة عدم القول بالفصل ، يشكل الحكم ، ولو بناءً على الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية.

[١] لأنه منصرف أدلة التطهير ، ولو بواسطة ورودها مورد التطهير وإزالة النفرة والقذارة ، فإن ذلك لا يحصل عرفا إلا بانفصال ماء الغسالة فإنه ما دام موجوداً لا ترتفع النفرة والقذارة. ولأجل ذلك لا مجال للأخذ بإطلاق ما اشتمل منها على الصب الصادق ـ قطعاً ـ على مجرد ملاقاة المحل ، فإن قرينة ورودها مورد التطهير ، المنزل على المرتكز العرفي ، مانعة عن الأخذ بالإطلاق المذكور. ويشير إلى ذلك مقابلة الصب بالغسل في بعض النصوص‌ (١) ، فان الظاهر منه أن التعبير بالصب للتنبيه على تحقق الانفصال‌

__________________

(١) مثل حسن الحسن بن أبي العلاء وما عن السرائر وقد تقدما في المسألة الرابعة.

٣٥

______________________________________________________

في مورده ـ كالجسد ـ بمجرد الصب ، لترتبه عليه غالباً بلا حاجة فيه إلى عناية أخرى. ويشهد بذلك الأمر بالغسل في كثير من الموارد التي لا يمكن فيها العصر ، إذ احتمال الفرق بين الموارد بأن يُكتفى بالصب في بعض الموارد ، ولا يكتفى به في المورد الآخر ، بل لا بد من الغسل ، مما لا مجال له قطعاً ، فلا بد من حمل الأمر بالصب على الأمر بالغسل ـ جمعاً ـ فيكون المراد من الصب الصب على نحو الغسل والتطهير المعتبر فيه الانفصال. ومنه يظهر أنه لا يهم في إثبات اعتبار الانفصال إثبات أخذ العصر في مفهوم الغسل ـ كما حكي عن الأكثر ـ أو مجرد حركة الماء ـ كما في الخلاف وغيره ـ إذ لو فرض صدقه على مجرد غلبة الماء على المحل جرى فيه ما ذكرنا في الصب ، من انصرافه إلى صورة ارتفاع النفرة والقذارة الموجب لاعتبار الانفصال.

نعم لا يتم ما ذكرنا ـ بناءً على طهارة ماء الغسالة ـ لأن الوجه في اعتبار الانفصال عرفا بناؤهم على سراية القذارة من المحل الى الماء المغسول به ، فمع عدم انفصاله عنه يكون المحل عندهم كأن لم يغسل ، فاذا حكم الشارع باعتصام الماء كان ذلك ردعا لهم ، فلا مانع من الأخذ بالإطلاق ولذا لا نعتبر الانفصال في التطهير بالكثير ، كما هو المشهور. كما أنه لو لم يتم ما ذكرنا من أصله لعدم ثبوت الارتكاز الموجب للانصراف كان إطلاق الأدلة محكما ، ولا ينافيه البناء على نجاسة الغسالة ، إذ أدلة انفعاله إنما تجري في المنفصل ، لا فيما كان على المحل ، لوجوب الخروج عنها بإطلاق أدلة التطهير التي قد عرفت دلالتها بالالتزام على طهارة البلل الكائن على المحل ، سواء أكان متخلفاً بعد انفصال مقدار من ماء التطهير ، أم كان تمام المقدار المطهر به باقياً في المحل غير منفصل عنه.

٣٦

أو ما يقوم مقامه [١] ، كما إذا داسه برجله ، أو غمزه بكفه ،

______________________________________________________

[١] يعني : في حصول المقصود ، وهو الانفصال المعتبر ، لأن الوجه المقتضي لاعتبار العصر شامل لمثل ذلك. هذا ولكن ظاهر المشهور ـ كما قيل ـ وجوب العصر تعبداً ، بل عن الحدائق : نفي خلاف يعرف ، وفي وسائل البغدادي : « لا يكاد يعرف في ذلك خلاف ». وعن المعتبر نسبته إلى علمائنا. وربما يستدل له ـ كما في المعتبر والمنتهى وغيرهما ـ بالأصل ، أو الإجماع ، أو لدخوله في مفهوم الغسل ، أو لأن النجاسة لا تزول إلا به ، أو لأن الغسالة نجسة فيجب إخراجها ، أو لظهور المقابلة بين الغسل والصب في بعض النصوص‌ (١) في إرادة الأمر به من الأمر بالغسل ، أو للأمر به في الرضوي‌ (٢) ، وفي المروي عن دعائم الإسلام عن علي (ع) (٣) ، وفي ذيل رواية الحسين بن أبي العلاء المتقدمة في بول الرضيع‌.

وفيه : أنه لا مجال للأصل مع الدليل. والإجماع ممنوع ، لتحقق الخلاف ، ونسبة دعوى ظهور الإجماع إلى المعتبر غير ظاهرة ، بل ظاهر عبارته كون المنسوب الى العلماء هو التعدد. ودخوله في مفهوم الغسل بنحو لا يرجع إلى ما ذكرنا ممنوع جداً ، لصدق الغسل فيما لا يمكن فيه العصر. وكون النجاسة لا تُزال إلا به مصادرة ، إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا ومقتضاه الاكتفاء عن العصر بتوالي الصب على الثوب ـ مثلا ـ إلى أن ينفصل الماء الأول ، وحينئذ لا حاجة إلى العصر لفصل الماء الأخير. ووجوب إخراج‌

__________________

(١) تقدم في المسألة الرابعة.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٣٧

أو نحو ذلك. ولا يلزم انفصال تمام الماء [١]. ولا يلزم الفرك والدلك [٢] ، إلا إذا كان فيه عين النجس أو المتنجس ، وفي مثل الصابون والطين ونحوهما مما ينفذ فيه الماء ولا يمكن عصره‌

______________________________________________________

الغسالة لنجاستها قد عرفت ما فيه من قيام الدليل على طهارة المتخلف. مع أنه مبني على نجاستها ، ولا يتم على القول بالطهارة ، والمقابلة بين الغسل والصب قد عرفت وجهها في صدر المسألة. والرضوي‌ لم تثبت حجيته ، وشهرة القول بمضمونه من دون اعتماد عليه غير جابرة ، ومثله مرسل الدعائم‌ ، ورواية الحسين‌ قد عرفت إجمالها. هذا والتأمل في جملة من أدلة لزوم العصر يقتضي الحكم بكون مراد المستدل منه مجرد الانفصال ، وقد عرفت أنه لا يتم تقريبه على القول بطهارة الغسالة ، كما لعله المشهور.

[١] فإنه المطابق للارتكاز العرفي.

[٢] وأوجبه العلامة (ره) في التحرير ، وعن النهاية. واستدل عليه في المنتهى بالاستظهار. وبالأمر به في تطهير الإناء الذي شرب فيه الخمر (١) ، إذ ليس ذلك إلا للنجاسة المطردة في غير الإناء. مع أن إطلاق الأمر بغسله أولاً ثمَّ الأمر بالدلك ثانياً يقتضي دخوله في مفهوم الغسل ، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة « وفيه » : أن الاستظهار إنما يمكن فرضه في ظرف الشك في زوال النجاسة ، وليس هو محلا للكلام. ولو أريد ما يجامع اليقين بذلك فلا دليل على وجوبه. ولاحتمال خصوصية لمورد النص مجال واسع. وتأخير الأمر بالدلك عن الأمر بالغسل مطلقاً ليس من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كسائر المقيدات والمخصصات‌

__________________

(١) تقدم في المسألة السابعة.

٣٨

فيطهر ظاهره بإجراء الماء عليه [١] ، ولا يضره بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه. وأما في الغسل بالماء الكثير‌

______________________________________________________

المنفصلة. وإمكان معارضة ذلك بأن عطف الغسل على الدلك مما يقتضي خروجه عن مفهوم الغسل ، وجعله من عطف الكل على الجزء خلاف الظاهر ، بل الظاهر أن خروجه عنه مما لا ينبغي الإشكال فيه. نعم يمكن دعوى أن الدلك المزيل للعين داخل في مفهوم الغسل من تلك العين ، لكنه خارج عن محل الكلام. ولعل الوجه في تركه في صدر الموثق الاكتفاء بذكر الغسل عنه ، والتنصيص عليه في ذيله لأجل عدم التفات السائل الى ذلك ، حتى احتمل الاكتفاء بمجرد الصب ولو مع بقاء العين ، كما هو الغالب في أواني الخمر.

[١] أما طهره بالقليل ظاهراً وباطناً ، فقد نسب منعه إلى شهرة المتأخرين ـ كما عن الذخيرة ـ أو المتعارف بينهم ـ كما عن المعالم ـ لعدم انفصال ماء الغسالة عنه المعتبر في التطهير. واستشكله في محكي المدارك بلزوم الحرج ، والضرر. وبأن المتخلف فيه لا يزيد على المتخلف في الحشايا بعد الدق والتغميز. وبمخالفته لمطلقات الغسل. انتهى. ومرجع الدليلين الأخيرين الى أن الانفصال المعتبر في التطهير ليس انفصال تمام الماء ضرورة بل المقدار الذي يتوقف عليه زوال القذارة والنفرة وهو حاصل ، لعدم المانع من جريان الماء إلى أطراف المحل المتنجس ، ونفوذ المقدار غير المعتد به عرفاً غير قادح ، وملاحظة عمل العرف في تطهيرهم لما هو محل الكلام من الصابون والطين والخبز والفواكه والقرطاس واللبن والجبن ونحوها شاهد‌

٣٩

فلا يعتبر انفصال الغسالة [١] ، ولا العصر [٢] ،

______________________________________________________

بما ذكرنا. ويشير إليه المرسل‌ (١) والمسند‌ (٢) في العيون في تطهير لقمة الخبز الواقعة في القذر. نعم لو كان محل الكلام ما يرسب فيه تمام ماء الغسالة أو أكثره تمَّ ما ذكر. فتأمل جيداً. نعم لا مجال للدليل الأول في إثبات الطهارة ، لأن الحرج والضرر لو فرضا فإنما ينفيان التكليف ، ولا يصلحان لإثبات التطهير. ثمَّ لو بني على عدم طهر الباطن لنفوذ ماء الغسالة فيه ، فهل يطهر الظاهر لانفصاله عنه ولو بالنفوذ إلى الباطن ، أو لا لعدم تحقق الانفصال المطلق؟ وجهان ـ كما في الجواهر وغيرها ـ أقواهما الأول ، لعدم الدليل على اعتبار الانفصال المطلق ، بل المعتبر هو الانفصال عن المحل المتنجس لا غير وهو حاصل. نعم لو امتلأ العمق بماء الغسالة على نحو يطفح إلى الظاهر بقي الظاهر على نجاسته. لكنه ليس من محل الكلام. والله سبحانه أعلم.

[١] لما عرفت من عدم تمامية وجه اعتبار الانفصال فيما لو كان الماء معتصما. نعم لو كان الوجه فيه دخوله في مفهوم الغسل أو انصراف الأدلة اليه ، كان اللازم عدم الفرق بين الكثير والقليل في اعتبار الانفصال ، ومرسل المختلف غير حجة ، وإن كان ظاهراً في نفي اعتباره.

[٢] إذ الوجه في اعتباره كونه أحد طرق الانفصال فاذا لم يعتبر لم يعتبر. نعم لو تمَّ ما نسب إلى ظاهر المشهور من اعتباره تعبداً اختلف الحكم باعتباره باختلاف الدليل المعتمد عليه في إثباته ـ كما تقدم ذلك ـ فان كان الدليل هو الأول ، أو الثالث ، أو الرابع ، أو السادس ، أو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

٤٠