مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

______________________________________________________

من الاجمال وعدم الظهور في الوجوب.

واما‌ مرسل خلف بن حماد عن أبي عبد الله (ع) : « الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة. قال (ع) : إن كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت : فان لم يكن له لحية؟ قال (ع) : يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه (١) ». ففيه ـ مع أنه ضعيف ، وظاهر في صحة الصلاة مع نقص الوضوء. فتأمل ـ أنه غير ظاهر في الوجوب أيضاً ، لاحتمال كون ما ذكر فيه لأنه أقرب إلى المحافظة على بقاء الهيئة الصلاتية وعدم حصول المنافي. نعم لا يتأتى ذلك‌ في خبر مالك بن أعين عنه (ع) : « من نسي مسح رأسه ثمَّ ذكر أنه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء (٢) » ‌، ونحوه مرسل الفقيه المصرح فيه بالمسح أولا من بلة الوضوء‌ ، فلا بأس حينئذ بالاعتماد عليهما مؤيدين أو معتضدين بما سبق.

وأما ما‌ في موثق أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) عن مسح الرأس ، قلت : أمسح بما على يدي من الندى رأسي؟ قال (ع) : لا ، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح (٣) » ‌، و‌خبر جعفر بن عمارة : « سألت جعفر بن محمد (ع) أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال (ع) : خذ لرأسك ماء جديداً (٤) » ‌، ونحوهما خبر معمر بن خلاد‌ (٥). فهي صريحة في المخالفة لجميع ما تقدم ، وغير معمول بها حتى من ابن الجنيد ، فلا بد إما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٦١

ويجب أن يكون على الربع المقدم من الرأس [١] ، فلا يجزئ غيره.

______________________________________________________

من طرحها ، أو حملها على التقية ، لموافقتها لمذهب كثير من العامة ، كما عن الشيخ رحمه‌الله.

وأما ما عن ابن الجنيد من جواز المسح بماء جديد فيشهد له إطلاق الآية والنصوص التي ورد بعضها في ناسي المسح‌ (١). وقد يستدل له بما‌ في خبر أبي بصير الوارد في من ذكر وهو في الصلاة من قوله (ع) : « وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة وليمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه وليمسح به رأسه » (٢). لكن إطلاق الآية وغيرها مقيد بما عرفت. والخبر ليس مما نحن فيه ، لوروده في الشك الذي هو مورد قاعدة الفراغ ، فالمسح فيه غير واجب. فتأمل. ولو سلم فلا يصلح لمعارضة ما تقدم. ولا سيما مع حكاية الإجماعات على خلافه. وهذا وسيجي‌ء التنبيه على اعتبار كون المسح ببلل اليد دون غيره أو عدمه في المسألة الخامسة والعشرين فانتظر.

[١] إجماعاً ، كما عن الخلاف والانتصار والغنية والمعتبر والتذكرة والذكرى والمدارك وغيرها. ويشهد له‌ صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « مسح الرأس على مقدمه (٣) ». و‌مرسل حماد عن أحدهما عليه‌السلام : « في الرجل يتوضأ وعليه العمامة. قال (ع) : يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه (٤) » ‌، ونحوهما غيرهما. وبهما يقيد إطلاق الآية وبعض النصوص. وأما مثل‌ حسن الحسين بن أبي

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٣٦٢

والأولى والأحوط الناصية [١] ، وهي ما بين البياضين من‌

______________________________________________________

العلاء : « قال أبو عبد الله (ع) : امسح الرأس على مقدمه ومؤخره » (١). فواجب الطرح في قبال ما عرفت.

[١] للتنصيص عليها في صحيح زرارة المتقدم‌ ، و‌في خبر الحسين بن زيد (ع) الوارد في مسح المرأة : « إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها » (٢). لكن الإشكال في كيفية الجمع بينهما وبين ما تقدم ، فيكون الجمع بتقييد النصوص المتقدمة بهما ، أو بحملهما على الاستحباب ، أو بحمل المقدم على الناصية ـ كما هو أحد معانيه كما عن القاموس ـ أو بحمل الناصية على المقدم ـ كما عن المصباح وظاهر البيضاوي وغيره ، وفي مجمع البيان انها شعر مقدم الرأس. وجوه ، وبعضها أقوال ، أقربها الأخير ، إذ الظاهر من المقدم عرفا ولغة هو ما يقابل المؤخر والجانبين ، وكون الناصية أحد معانيه مما لا يُعهد ، وعده في القاموس منها مبني على المسامحة ، كعدة الجبهة من معانيه أيضاً. مع أن الذي يظهر من القاموس أن الناصية أحد معاني مقدمة الرأس ، لا أحد معاني مقدم الرأس ، اما الناصية فلا يخلوا المراد منها من إجمال ، إذ كما حكي تفسيرها بالمقدم ـ كما عرفت من المصباح وغيره ـ جعلها في القاموس قصاص الشعر ، وكذا في المجمع ، لكن قيده بما فوق الجبهة ، وعن التذكرة وغيرها أنها ما بين النزعتين ، ومع هذا الاجمال لا مجال لرفع اليد عن ظاهر ما عرفت. ومنه تعرف الوجه في ما ذكره في المتن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٦٣

الجانبين فوق الجبهة. ويكفي المسمى [١] ولو بقدر عرض إصبع واحدة أو أقل. والأفضل ـ بل الأحوط ـ أن يكون بمقدار‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن مجمع البيان ، وظاهر التبيان ، وآيات الأحكام للأردبيلي ، وغيرها. وهو الذي يقتضيه إطلاق‌ صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « قلت له : أما تخبرني من اين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك (ع) وقال : يا زرارة قاله رسول الله (ص) ونزل به الكتاب من الله عز وجل ، لأن الله عز وجل قال : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) ، فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ، ثمَّ قال : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) ، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أنه ينبغي أن يغسلا إلى المرفقين ، ثمَّ فصل بين الكلامين فقال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) ، فعرفنا حين قال ( بِرُؤُسِكُمْ ) أن المسح ببعض الرأس ، لمكان الباء » (١). و‌في صحيح زرارة وبكير : « فاذا مسحت بشي‌ء من رأسك ، أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ، فقد أجزأك (٢) ». وأما ما تضمن وجوب مسح المقدم أو الرأس أو الناصية فلا مجال للاستدلال به على ذلك ، لظهوره في وجوب الاستيعاب. ولا مجال لقياسه بمثل : مسست زيداً أو ضربته. للفرق بينهما بشهادة صحة قولك : « مسحت بعضه » في قبال قولك : « مسحته » وكذا في « غسلت بعضه وغسلته » ، ولا كذلك « مسست بعضه ومسسته » و« ضربت بعضه وضربته » فإن الأخيرين بمعنى واحد. وكأنه إلى ذلك يشير الصحيح الأول. وقوله عليه‌السلام فيه : « لمكان الباء » ‌إما أن يراد منه كون الباء للتبعيض ـ كما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣٦٤

______________________________________________________

أثبته جماعة من أهل العربية ـ أو كونها للإلصاق ، ويكون الوجه في إفادتها للتبعيض انها تفيد مجرد إيضاح المسح وإلصاقه بالمحل. ولو لأجل مسح بعضه ، فيكون المراد بها ما هو أعم من الكل والبعض. وبذلك افترقت عن باء التبعيض ، كما ظهر الفرق بين وجود الباء وعدمها.

وكيف كان فالمحكي عن الفقيه ، وخلاف السيد ، وكتاب عمل يوم وليلة للشيخ : وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة. وكأنه‌ لخبر معمر ابن عمر ـ كما في الوسائل ـ عن أبي جعفر (ع) : « يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع. وكذلك الرجل » (١). و‌مصحح زرارة عنه (ع) : « المرأة يجزئها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ، ولا تلقي عنها خمارها » (٢) ‌، بناء على عدم الفصل بين الرجل والمرأة. لكن فيه أن إجزاء الثلاث أشبه بمفهوم العدد ، غير ظاهر في التعيين بنحو يصلح لتقييد المطلقات ، ولا سيما مثل الآية والصحيحين المتقدمين. مع أن الأول ضعيف غير مجبور. والثاني يحتمل فيه رجوع الاجزاء إلى عدم إلقاء الخمار. مضافاً إلى معارضتها بمرسل حماد المتقدم المتضمن إدخال الإصبع تحت العمامة‌ ونحوه ما رواه حماد عن الحسين‌ (٣) ، ولعله عين المرسل. لكن مورده ما إذا ثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد. وحمله على الضرورة ، كما عن الشيخ رحمه‌الله في النهاية ، حيث فصّل بين الضرورة فيكفي الإصبع للمسند ، وبين الاختيار فلا بد من الثلاث للخبرين المتقدمين. في غير محله ، إذ لو سلم أن مورده الضرورة فالضرورة في لبس العمامة حال الوضوء ، لا في إدخال إصبع واحدة دون ثلاث ، فان التمكن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٦٥

عرض ثلاث أصابع ، بل الأولى أن يكون بالثلاث [١]. ومن طرف الطول أيضاً يكفي بالمسمى [٢] ،

______________________________________________________

من إدخال الإصبع ـ بناء على كون التقدير في العرض ـ يلازم غالباً التمكن من إدخال الثلاث. ومنه يظهر ضعف ما عن أبي علي من التفصيل بين الرجل فاصبع واحدة وبين المرأة فثلاث. عملا بالمرسل والصحيح كل في مورده.

كما أن من التأمل فيما ذكر يظهر ضعف ما عن ظاهر جماعة من الأساطين من تحديد الأقل بإصبع واحدة ، إذ ليس عليه دليل يعتد به. وما عن الشيخ في التهذيب ، حيث قال ـ بعد الاستدلال على ما في المقنعة من كفاية الإصبع بإطلاق الآية ـ : « إنه لا يلزم على ذلك جواز ما دون الإصبع ، لأنا لو خلينا والظاهر لقلنا بجواز ذلك ، لكن السنة منعت من ذلك ». غير ظاهر ، إذ لم يعثر في السنة على المنع المذكور. نعم ورد كما عرفت ذكر الثلاث ، ولا يبعد أن يكون له نحو اختصاص ، فليحمل على الاستحباب. ومنه تعرف الوجه في قول المصنف رحمه‌الله : « والأفضل بل الأحوط .. ».

[١] لاحتمال أن يكون المراد المسح بتمام الثلاث ، لا مجرد المقدار ، بل عن الصدوق والحلبي الجزم باستحباب ذلك. لكنه غير ظاهر.

[٢] اتفاقاً ، كما عن صريح شرح الدروس واللوامع ، وجعلا محل الخلاف المتقدم في وجوب الثلاث أصابع واستحبابها عرض الرأس لا طوله. وكثير من محكي كلام الأصحاب ( رض ) يساعده. لكن ظاهر المسالك أن محل الخلاف هو طول الرأس وأما عرضه فيكفي فيه المسمى. وكأنه لدعوى كونه الظاهر من خبر التثليث ، وربما وافقه عليه في الجواهر ، واستظهر‌

٣٦٦

وإن كان الأفضل أن يكون بطول إصبع [١]. وعلى هذا فلو أراد إدراك الأفضل ينبغي أن يضع ثلاث أصابع على الناصية ، ويمسح بمقدار إصبع من الأعلى إلى الأسفل. وإن كان لا يجب كونه كذلك ، فيجزئ النكس [٢] ، وإن كان الأحوط خلافه.

______________________________________________________

في الحدائق ما حكاه عن الأمين الأسترابادي من أن المعتبر في عرض الرأس طول الإصبع. والتثليث إنما هو في طوله ، مستظهرين له من روايتي الثلاث‌ ، ومن صحيح المسح على الناصية‌. وظاهر المستند التخيير بين عرض الثلاث عرضاً وطولها طولا وبين العكس.

والانصاف أن منصرف نصوص الثلاث‌ هو التقدير العرضي ، بل رواية معمر بن عمر‌ كالصريحة في ذلك بقرينة عطف الرجل ، كما لا يخفى ، وحينئذ يكون المرجع في الطول الإطلاق. ومنه يظهر ضعف ما في المسالك والحدائق ، وصحيح الناصية‌ لا يوافقه طولا ولا عرضاً. لأن الناصية من قبيل المثلث تقريباً ، وضلعها الفوقاني أطول من الإصبع. كما أن الاحتمال الأخير يتوقف على ظهور روايتي الثلاث في التقدير بطولها وعرضها ، وهو خلاف الظاهر أيضاً ، لا سيما في رواية معمر‌. وإذا اقتضى الإطلاق التخيير بين الأمرين اقتضى أيضاً الجواز بشكل قطر المربع. فلاحظ.

[١] هذا يخالف الوجوه المتقدمة ـ عكس ما في الحدائق ـ مبني على كون الثلاث أصابع مذكورة لتحديد العرض بعرضها والطول بطولها ، فهو قريب من الاحتمال الأخير ، الذي عرفت أنه خلاف الظاهر ، لا سيما في رواية معمر‌.

[٢] كما عن جماعة ، بل عن شرح المفاتيح نسبته إلى مشهور المتأخرين لإطلاق الأدلة. و‌لصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) :

٣٦٧

______________________________________________________

« لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبراً » (١). ولما دل على جواز النكس في الرجلين‌ (٢) ، بناء على عدم الفصل بينهما وبين الرأس. نعم قد يناقش في الأخير بعدم ثبوت عدم الفصل. وفي الصحيح بأنه وإن روي كذلك في التهذيب في شرح قول ماتنه : « ولا يستقبل شعر ذراعه .. » ‌لكنه روي في شرح قول ماتنه : « وليس في مسح الرأس .. » : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبراً » (٣). واحتمال تعدد الرواية بعيد مع اتحاد الراوي والمروي عنه ، ومجرد رواية المتن الأول عن سعد بطريق ابن قولويه ، والثاني عنه بطريق العطار ، لا يدفع الاستبعاد. وما في الوسائل الرائجة من رواية المتن الأول عن حماد بن عيسى غلط ، كما يظهر من ملاحظة. النسخة المصححة. وأما ما في الاستبصار بعد ذكر المتن الأول من قوله : « هذا مخصوص بمسح الرجلين .. » فهو وإن كان قد يظهر منه عموم المتن للرأس ، لكن يوهن الظهور المذكور ما في التهذيب ، فإنه ـ بعد ما روى خبر يونس الآتي الدال على جواز النكس في الرجلين ـ‌ قال رحمه‌الله : « هو مقصور على مسح الرجلين .. ( إلى أن قال ) : ويدل على ذلك أيضاً ( يعني : على جواز النكس في الرجلين ) ما رواه الشيخ أيده الله ». ثمَّ روى المتن الأول. لكن لا يخفى أن مجرد استبعاد تعدد الرواية لا يصلح وجهاً لرفع اليد عن أصالة التعدد الراجعة إلى أصالة عدم الخطأ ، لا سيما وفي بعض نسخ التهذيب رواية المتن الثاني عن حماد ابن عيسى. مع أنه لو سلم الاتحاد فاطلاقات المسح كافية في جواز النكس.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٦٨

ولا يجب كونه على البشرة ، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدم [١] ، بشرط أن لا يتجاوز بمده عن حدّ الرأس ، فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز وإن كان مجتمعاً في الناصية ،

______________________________________________________

كما أشرنا إلى ذلك ، فلا يهم حينئذ تحقيق الاتحاد والتعدد. نعم لو بني على كون المتعارف عدم النكس ، وعلى قدح التعارف في تمامية الإطلاق ـ كما هو ظاهر جماعة ممن منع من النكس ، كالصدوق ، والمفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف ، وابن حمزة ، وغيرهم من المتأخرين ، على ما حكى عنهم ، بل عن الدروس نسبته إلى المشهور ، وعن الانتصار أنه مما انفردت به الإمامية ، وعن الخلاف الإجماع عليه ـ كان تحقيق التعدد مهماً جداً ، ليترتب عليه جواز النكس ، ولا مجال لدعوى الانصراف فيه ، لأنه نص في التعميم. لكن عرفت غير مرة أنه لا عبرة بالتعارف في تقييد الإطلاق ، وإجماع الخلاف خالفه حاكيه وغيره في المبسوط وغيره ، فلا يمكن الاعتماد عليه ، فالقول بالجواز متعين. وعليه فعن جماعة الكراهة ، وعن آخرين استحباب المسح مقبلا. وليس عليهما دليل ظاهر إلا ما دل على حسن الاحتياط. فتأمل.

[١] إجماعاً محققاً ومنقولاً مستفيضاً ، بل لعله ضروري. ويشهد به ما دل على الاكتفاء بمسح الناصية‌ (١) ، بناء على أنها هي الشعر النابت في المقدم والجمع عرفاً بينه وبين ما دل على لزوم مسح البشرة ـ كما في المرفوع الوارد في المختضب‌ (٢) ـ أو مسح الرأس الظاهر في البشرة ، هو حمل البشرة والرأس على ما يعم الشعر النابت فيه ، كما هو المتعارف.

__________________

(١) تقدم في أول الكلام في مسح الرأس.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٦٩

وكذا لا يجوز على النابت في غير المقدم وإن كان واقعاً على المقدم [١]. ولا يجوز المسح على الحائل [٢]

______________________________________________________

وحينئذ فيقيد إطلاق الناصية الشامل للشعر المتدلي على الوجه أو غيره مما هو خارج عن المقدم ، فيختص بما كان على المقدم ، ليصدق مسح الرأس أو المقدم لا رفع اليد عن التعيين في كل منهما مع الأخذ بإطلاقه ، كي يكون مقتضى إطلاق الناصية جواز المسح على المتدلي على الوجه مثلا إذا كان نابتاً في المقدم. نعم يشكل الأمر في المجتمع منه على المقدم إذا كان يخرج بمده عن حده ، لصدق الناصية والرأس بالمعنى المتقدم عليه. ولذا قال في شرح الدروس : « ان المشهور بين القوم بحيث لم نعرف فيه خلافاً عدم جواز المسح إلا على أصول ذلك المجتمع ، وإن في إثباته بالدليل إشكالا ». ويمكن دفع الإشكال بأنه لم يثبت كون الناصية اسماً للشعر ، والعمدة في جواز المسح عليه الإجماع والضرورة ، والقدر المتيقن منه غير الفرض.

[١] إجماعاً كما عن المدارك وكشف اللثام ، لعدم صدق المقدم عليه ، ولا الناصية ، بل هو حينئذ من الحائل.

[٢] إجماعاً كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى والذكرى والمدارك وغيرها ويشهد به‌ صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن المسح على الخفين وعلى العمامة قال (ع) : لا تمسح عليهما » (١) ‌و‌في مرفوع محمد بن يحيى في الذي يخضب رأسه في الحناء « قال (ع) : لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء » (٢). نعم‌ في صحيح عمر بن يزيد : « يمسح فوق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٧٠

ـ من العمامة أو القناع أو غيرهما ـ وإن كان شيئاً رقيقاً [١] لم يمنع عن وصول الرطوبة إلى البشرة. نعم في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع [٢] كالبرد ، وإذا كان شيئاً لا يمكن رفعه. ويجب أن يكون المسح بباطن الكف [٣]. والأحوط أن يكون باليمنى [٤].

______________________________________________________

الحناء » (١) ‌، وقريب منه صحيح ابن مسلم‌ (٢). لكنهما محمولان على التقية ، أو الضرورة ، أو غيرهما ، لما عرفت من الإجماع المعتضد بظاهر الأدلة ، وبالنص المتقدم.

[١] إجماعاً ، خلافاً لأبي حنيفة.

[٢] كما سيأتي إن شاء الله في أحكام الجبائر.

[٣] أما أنه باليد ففي الحدائق حكاية دعوى الاتفاق عليه من جملة من أصحابنا ، وفي طهارة شيخنا الأعظم نفي الخلاف فيه نصاً وفتوى. وأما أنه بالكف فهو المحكي عن جماعة ، والموجود في جملة من الأخبار البيانية ، والغالب المتعارف. إلا أن في كفاية هذا المقدار في رفع اليد عن الإطلاقات تأملا ظاهراً. إلا أني لا يحضرني قائل بعدم وجوبه. وأما أنه بباطن الكف فهو المتبادر للغلبة. لكن يقع الإشكال في قدح مثل هذا التبادر في الإطلاق. وكأنه لذلك كان ظاهر الشهيد في محكي ذكراه عدم الوجوب ، حيث قال : « والظاهر أن باطن اليد أولى » ، وعن الغنية : « الأفضل أن يكون بباطن الكفين ».

[٤] فان فيه قولين : الوجوب ، كما عن الإسكافي. ويساعده صحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣٧١

والأولى أن يكون بالأصابع [١].

( مسألة ٢٤ ) : في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضاً أو منحرفاً [٢].

( الرابع ) : مسح الرجلين [٣] ،

______________________________________________________

زرارة : « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك » (١) ‌، والاستحباب ، كما عن المشهور ، بل في الحدائق : « ظاهرهم الاتفاق عليه ». ويساعده إطلاق الأدلة. لكنه مقيد بالصحيح ، لما عرفت من أن احتمال عطف‌ « تمسح » ‌على فاعل‌ « يجزئ » ‌خلاف الظاهر.

[١] لاحتمال اعتباره ، بل في الحدائق نسبته إلى جملة من الأصحاب. لكن في الجواهر : « لم أقف على مصرح به ». وكيف كان فدليله غير ظاهر ، والأمر بإدخال الإصبع تحت العمامة في النص المتقدم (٢) وارد مورد الإرشاد إلى كيفية المسح في حال لبس العمامة ، لا التعيين والإلزام ، فلا يصلح مقيداً للإطلاق.

[٢] للإطلاق المتقدم في النكس بعينه.

[٣] إجماعاً محققاً عندنا. ولعل النصوص به متواترة ، بل عن الانتصار : انها أكثر من عدد الرمل والحصى. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٣) ، سواء قرئ بجر « أَرْجُلِكُمْ » ـ كما عن ابن كثير ، وأبي عمر ، وحمزة ، وعاصم في رواية أبي بكر ـ أم بالنصب ـ كما عن نافع ، وابن عامر ، والكسائي ،

__________________

(١) تقدم في أول الكلام في مسح الرأس.

(٢) تقدم في أوائل الكلام في مسح الرأس.

(٣) المائدة : ٦.

٣٧٢

من رؤوس الأصابع [١].

______________________________________________________

وعاصم في رواية حفص ـ إذ على الأول يكون عطفاً على لفظ : ( رؤسكم ) وعلى الثاني على المحل ( ودعوى ) : أنه على الثاني معطوف على ( وُجُوهَكُمْ ) وكذا على الجر ، بجعل الجر للمجاورة ، كقولهم : جحر ضب خرب ( مدفوعة ) بأن ذلك من غرائب الاستعمال ، فلا يحمل عليه الكلام ، لا سيما كلام الله تعالى ، ولا سيما إذا كان وارداً مورد الاعجاز.

[١] بلا خلاف كما اعترف به غير واحد ، بل حكى في مفتاح الكرامة الإجماع عليه عن الخلاف ، والانتصار ، والغنية ، والسرائر ، والمنتهى ، والتذكرة ، وغيرها ، وهذا هو العمدة فيه. أما النصوص البيانية فقد عرفت الإشكال في استفادة الوجوب منها ، وكذا حديث المعراج. وأما صحيح البزنطي‌ (١) المتضمن للمسح بتمام الكف من أطراف الأصابع إلى الكعبين ، فهو محمول عندهم على الاستحباب. والتفكيك بين العرض والطول ـ فيحمل الأول على الاستحباب والثاني على الوجوب ـ خلاف المرتكز العرفي. وأما‌ صحيح زرارة وبكير : « وإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ، فقد أجزأك » (٢). فدلالته لا تخلو من خفاء ، لأنها تتوقف على زيادة الباء ، وكون الموصول بدلا من مدخولها تحديداً له ، إذ لو كانت للإلصاق لأفادت المعنى المتقدم الملازم للبعضية ، فلا يدل على الاستيعاب الطولي ، وإن جعل الموصول بدلا من الشي‌ء ، فضلا عما لو كان بدلا من القدمين.

وأما الآية الشريفة فالإشكال في دلالتها أظهر ، من جهة عطف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣٧٣

______________________________________________________

الأرجل على الرؤوس ، التي لا يجب فيها الاستيعاب لمكان الباء ، كما صرح به في الصحيح ، فان مقتضاه مجرد إلصاق المسح بالأرجل ، ولا فرق في ذلك بين جعل « إلى » غاية للمسح كما يقتضيه ظاهر الكلام ، أو للممسوح كما يقتضيه الجمع بينه وبين ما دل على جواز النكس.

اللهم إلا أن يقال : بناء على قراءة النصب والعطف على المحل تكون الأرجل غير مقدر دخول الباء عليها ، بل تكون مفعولا به للمسح ، ومقتضاه الاستيعاب ( وفيه ) : أن مقتضى العطف على المحل عدم تقدير لفظ الباء ، لا عدم ملاحظة معناها.

ولأجل ذلك ـ مضافاً إلى ما تضمنته جملة من النصوص من عدم وجوب استبطان الشراك (١) ، والاكتفاء في مسح الرجل بإدخال اليد في الخف المخرق (٢) ـ احتمل في محكي الذكرى عدم الوجوب ، ونفي عنه البعد في رياض المسائل ، وجزم به في المفاتيح. لكن الإنصاف أن السبر لنصوص الباب مع التأمل يشرف الفقيه على القطع باعتبار الاستيعاب الطولي ، وعدم استبطان الشراك ، وإدخال اليد في الخف المخرق أعم من عدم الاستيعاب ، كما يظهر مما يأتي ، بل ذكر الشي‌ء في مسح الرأس والقدمين في صحيح زرارة وبكير المتقدم‌ ظاهر في إرادة بيان معنى الباء ، فالباء الداخلة على الشي‌ء لا يراد منها التبعيض ، إذ لا معنى لبعض الشي‌ء في مقابل الشي‌ء ، ولأجل أن الظاهر من قوله (ع) : « ما بين .. » ‌أنه تفسير للشي‌ء لا للقدمين ، يكون الكلام ظاهراً في استيعاب المسح لما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع. فالعمل على المشهور متعين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٧٤

وهما قبتا القدمين على المشهور [١] ، والمفصل بين الساق والقدم على قول بعضهم [٢] ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

[١] فقد فسره بذلك المفيد في المقنعة ، وحكى الشيخ رحمه‌الله في التهذيب الإجماع عليه ممن قال بوجوب المسح ، وفي محكي المعتبر نسبته إلى مذهب فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، وفي الذكرى : « الكعبان عندنا معقد الشراك ، وقبتا القدم ، وعليه إجماعنا » ، وفي محكي الانتصار : « الكعبان العظمان الناتيان في ظهر القدم عند معقد الشراك » ، ـ ثمَّ ادعى الإجماع عليه ، وفي محكي مجمع البيان نسبته إلى الإمامية ، وفي محكي الخلاف : « هما الناتيان في وسط القدم » ، ثمَّ ادعى إجماع الفرقة .. إلى غير ذلك من عباراتهم المتقاربة ، المدعى على مضمونها الإجماع ، وفي محكي نهاية ابن الأثير : « ذهب قوم إلى أنهما العظمان اللذان في ظهر القدم. وهو مذهب الشيعة » ونحوه محكي المصباح ولباب التأويل.

[٢] هو العلامة رحمه‌الله ، قال في المختلف : « ويراد بالكعبين هنا المفصل بين الساق والقدم .. ( إلى أن قال ) : وفي عبارة علمائنا اشتباه على غير المحصل ، فان الشيخ وأكثر الجماعة قالوا : إن الكعبين هما الناتيان في وسط القدم » ، ثمَّ نقل كلام المفيد والسيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد المتضمنة تفسيره بما تقدم عن المشهور ، ثمَّ استدل برواية زرارة وبكير عن أبي جعفر (ع) الآتية المعروفة بصحيحة الأخوين‌ ، ورواية زرارة عن الباقر (ع) (١) المتضمنة : أنه (ع) مسح على مقدم رأسه وظهر قدميه‌ ، لظهورها في استيعاب ظهر القدم في المسح ، ثمَّ قال رحمه‌الله : « ولأنه أقرب إلى ما حدده أهل اللغة » ، وفي التذكرة : « محل المسح ظهر القدمين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٧٥

______________________________________________________

من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما العظمان الناتيان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك ـ أعني مجمع الساق والقدم .. ( إلى أن قال ) : لأنه مأخوذ من كَعب ثدي المرأة أي ارتفع ، ولقول الباقر (ع) .. » ثمَّ ذكر صحيحة الأخوين الآتية‌. وخطأه جماعة ممن تأخر عنه أولهم الشهيد ـ على ما قيل ـ قال في الذكرى : « تفرد الفاضل بأن الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ، وصب عبارات الأصحاب كلها عليه ، وجعله مدلول كلام الباقر (ع) محتجاً برواية زرارة عن الباقر (ع) المتضمنة لمسح ظهر القدمين‌ ، وهو يعطي الاستيعاب. وأنه أقرب إلى حد أهل اللغة. وجوابه أن الظهر المطلق هنا يحمل على المقيد .. ( إلى أن قال ) : وأهل اللغة إن أراد بهم العامة فهم مختلفون ، وإن أراد بهم لغوية الخاصة فهم متفقون على ما ذكرنا ، حسب ما مر. ولأنه إحداث قول ثالث مستلزم رفع ما أجمع عليه الأمة .. » ، ونحوه كلام غيره. لكن وافقه عليه آخرون ففي كنز العرفان : « الكعبان ملتقى الساق والقدم ، والناتيان لا شاهد لهما لغة ، ولا عرفاً ، ولا شرعاً ». وأطال غيره في تقريب مختار العلامة رحمه‌الله ، بل حكى غير واحد عن الفخر الرازي في تفسيره أنه قال : « قالت الإمامية وكل من ذهب إلى وجوب المسح : إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر ، موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم ، وهو قول محمد بن الحسن .. » ، ومثله محكي كلام النيشابوري في تفسيره. لكن هذه الحكاية منهما من الغرابة بمكان إذ لا يعرف ذلك من أحد من أصحابنا ولا من غيرهم ، كما عرفت كلماتهم نعم حكي عن علماء التشريح.

وكيف كان فظاهر عبارات الأصحاب في معنى الكعب هو ما ذكره‌

٣٧٦

______________________________________________________

المفيد وغيره ، ونسب إلى المشهور وحمله على المفصل ـ كما صنع العلامة رحمه‌الله ـ لا تساعده كلماتهم ، ومجرد كون المفصل أقرب إلى تفسير أهل اللغة لا يجدي في حمله على المفصل ، مضافاً إلى ما عرفت من الشهيد وغيره من حكاية اتفاق لغوية الخاصة على المعنى المشهور ، وغيرهم بين موافق للمشهور وقائل بأنهما العظمان الناتيان في جانبي الساق ، فكيف يكون المفصل أقرب إلى حد أهل اللغة؟!. نعم عن الكشاف وطراز اللغة : « إن كل من أوجب المسح قال : إنه المفصل بين الساق والقدم ». لكن على هذا يكون عين ما ذكر أهل اللغة ، لا أنه أقرب إليه. مع غرابة حكايتهما كحكاية الرازي والنيشابوري. وأما ما‌ رواه زرارة عن أبي جعفر (ع) : أنه (ع) مسح على مقدم رأسه وظهر قدميه (١). فلا يصلح لتعيين الكعب ، لإهماله. مع أنه لا يصلح لمعارضة‌ صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) « عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم » (٢) ‌فان الظاهر أن الغاية الثانية تفسير للأولى ، فيكون الكعب متحداً مع ظاهر القدم في المقدار ، وما‌ في رواية ميسرة عن أبي جعفر عليه‌السلام الواردة في الوضوء البياني ، قال فيها : « ثمَّ مسح رأسه وقدميه ثمَّ وضع كفه على ظهر القدم ، ثمَّ قال : هذا هو الكعب. قال : فأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمَّ قال : هذا هو الظنبوب » (٣). و‌حسنته عنه (ع) : « الوضوء واحد » (٤) ‌ووصف الكعب في ظهر القدم. ( والمناقشة ) في الأول : بأن المراد من الظاهر‌

__________________

(١) تقدمت قريباً في هذه الحاشية.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٧٧

______________________________________________________

مقابل الباطن ، فلا تدل على معنى الكعب ( مندفعة ) بمنافاة ذلك لحرف الغاية ، إذ الظاهر بهذا المعنى ليس غاية المسح والممسوح ، بل هو محل المسح. ( وفي الثاني ) باحتمال كون المومأ اليه هو المشار إليه أولا ، خلاف الظاهر ، ( وفي الثالث ) بأن الوصف ظاهر في ذكر أوصاف الكعب ولو كان هو المرتفع المحسوس لم يحتج إلى الوصف ، بل كان ينبغي أن يقول : هو هذا. ( كما ترى ) خروج عن ظاهر قوله في ظهر القدم أو صريحه.

وربما يستدل للمشهور بما دل على عدم وجوب استبطان الشراك (١) لكنه موقوف على ظهوره في انتهاء المسح الواجب الى الشراك ، ومعرفة موضع الشراك إذ لو دل على الاكتفاء بمسح الشراك عن البشرة أو كون موضع الشراك هو المفصل لم ينفع المشهور ، لكن مقتضى ما ذكروه في معنى الكعب أن موضع الشراك هو قبة القدم لا المفصل ، وما تقدم في التذكرة من أنه المفصل قد عرفت وجهه وضعفه ، واحتمال الاجتزاء عن مسح البشرة بمسح الشراك مما لم يقل به أحد. فالمناقشة في الاستدلال المذكور ضعيفة. نعم قد يشكل الاستدلال به حينئذ بناءً على وجوب مسح الكعبين إلا أن يقال : إن الشراك يندفع بالماسح إلى منتهى الكعب فلا يمنع من مسحه. فتأمل.

وأما استدلال العلامة رحمه‌اللهبمصححة الأخوين : « فقلنا : أين الكعبان؟ قال (ع) : هاهنا ـ يعني : المفصل دون عظم الساق ـ فقلنا له هذا ما هو؟ فقال : هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك » (٢) ‌فلا فرق في دلالتها على مدعاه بين كون : « دون عظم الساق » من كلام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٣٧٨

______________________________________________________

المعصوم أو من كلام الراوي ، ولا بين كون المراد تحت عظم الساق ـ كما عن البهائي رحمه‌الله ، حيث زعم : أن الكعب عبارة عن العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم الناتئ في وسط القدم العرضي نتوءاً غير محسوس كثير الارتكاز زائد في أعلاه في حفرتي الساق وزائد في أسفله في حفرتي العقب ـ أو كون المراد غير عظم الساق ، يعني : الناتئ في جانبي الساق ـ يعني : أن الكعب في المفصل وليس هو العظم الناتئ في الساق ـ فقد يشكل ـ أعني : الاستدلال المذكور ـ بأن من المحتمل قريباً أن يكون‌ « دون عظم الساق » ‌من كلام الراوي قيداً للمفصل يعني أشار بقوله (ع) : « هاهنا ». إلى المفصل الذي يكون دون عظم الساق وليس هو مفصل الساق ، فينطبق على ما ذكر المشهور ، فان الظاهر تسالمهم على وجود مفصل في قبة القدم ، وعلى هذا يكون المشار اليه بـ « هذا » ‌الواقع في السؤال الثاني هو قصبة الساق ، والتعبير بأنه أسفل من الساق أو دونه بلحاظ قامة الإنسان ، فيكون الكعب بالمعنى المشهور أسفل من الساق لا أنه تحت الساق ـ ومع هذا الاحتمال لا مجال للاستدلال المذكور. ولو سلم أن هذا المعنى خلاف الظاهر أمكن حمل الكلام عليه ، جمعاً بينه وبين النصوص المتقدمة.

بل الإنصاف يقتضي أن اتفاق القدماء والمتأخرين إلى زمان العلامة على أن الكعب هو ما يكون في ظهر القدم مع كثرة الابتلاء بالوضوء في كل يوم مرات ، ودعواهم الإجماع ، يوجب وضوح الحكم على نحو لا يحتاج إلى الاستدلال عليه برواية أورد الاستدلال على خلافه بالرواية ، ولو كان ما ذكره العلامة هو معنى الكعب لما خفي على الأكابر المتقدمين عليه المتصلين بالمعاصرين للأئمة (ع) في ما هو محل الابتلاء العام الكثير. وحمل‌

٣٧٩

ويكفي المسمى عرضاً [١] ،

______________________________________________________

كلامهم على ما ذكره قد عرفت ما فيه. فالعمل على المشهور متعين.

[١] على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعاً. بل في محكي المنتهى : « لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح ، بل الواجب من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة. وهو مذهب علمائنا أجمع » ونسبه في محكي التذكرة إلى فقهاء أهل البيت (ع) ، وعن المعتبر : دعوى الإجماع على مثل ذلك. ويقتضيه إطلاق جملة من النصوص ، بل خصوص بعضها ، كصحيح الأخوين المتقدم عن أبي جعفر (ع) : « وإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك » (١). إلا أن يقال : إنه كما يدل على التحديد الطولي ـ كما تقدم الاستدلال به عليه ـ يدل على التحديد العرضي ، والتفكيك بينهما غير ظاهر. و‌كصحيح زرارة حيث قال (ع) فيه : « فعرفنا حين قال : ( بِرُؤُسِكُمْ ) أن المسح ببعض الرأس ، لمكان الباء. ثمَّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه ، فقال ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما » (٢). فان البعضية لا بد أن تكون من حيث العرض. إلا أن يقال : إن البعضية بلحاظ مجموع الظاهر والباطن. نعم هي مطلقة صالحة للانطباق على تمام الظاهر إلى الكعبين وبعضه ، فلا يصلح لمعارضة غيره إذا كان مقيداً له ، كما سيأتي. ومثل ما ورد في المسح بإدخال اليد في الخف المخرق‌ (٣) ، وإن كان سنده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٨٠