مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

وكذا المذي ، والوذي ، والودي [١].

______________________________________________________

على الحقيقة فغير ظاهر ، لأن البول والغائط عرفاً غير الدم ، وأما مجرد كون أصله بولاً أو غائطاً ثمَّ استحال إلى الدم فلا يجدي في حصول النقض به ، لاقتضاء أدلة الحصر عدم ناقضية ما لم يكن بولاً. أو غائطاً حال الخروج وإن كان أصله بولا وأما استصحاب كونه ناقضاً على تقدير الخروج ، فلو تمَّ في نفسه ، ولم يستشكل فيه بما استشكل في مطلق الاستصحاب التعليقي ، ولو باختلاف الموضوع في المقام ، فلا يصلح لمعارضة إطلاق حصر النقض في غيره.

[١] لاقتضاء أدلة الحصر نفي ناقضيتها. مضافاً الى النصوص الخاصة. كمصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله ، ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء ، وإن بلغ عقبيك ، فإنما ذلك بمنزلة النخامة. وكل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل ، أو من البواسير ، وليس بشي‌ء ، فلا تغسله من ثيابك ، إلا أن تقذره » (١). و‌في مرسل ابن رباط عن أبي عبد الله (ع) : « يخرج من الإحليل المني والمذي والوذي والودي. فأما المني فهو الذي تسترخي له العظام ، ويفتر منه الجسد ، وفيه الغسل. وأما المذي فهو الذي يخرج من شهوة ، ولا شي‌ء فيه. وأما الودي فهو الذي يخرج بعد البول. وأما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ، ولا شي‌ء فيه » (٢) .. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. لكن‌ في صحيح ابن يقطين : « سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يمذي وهو في الصلاة ، من شهوة ، أو من غير شهوة. قال (ع) المذي منه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٦.

٢٦١

والأول هو ما يخرج بعد الملاعبة [١] ،

______________________________________________________

الوضوء » (١). و‌في صحيحه الآخر عنه (ع) : « عن المذي أينقض الوضوء؟ قال (ع) : إن كان من شهوة نقض » (٢) ‌، ونحوه خبر الكاهلي ‌(٣). وأصرح منهما في التفصيل‌ خبر أبي بصير : « قلت لأبي عبد الله (ع) المذي يخرج من الرجل. قال (ع) : أحد لك فيه حداً؟ قال : قلت : نعم جعلت فداك. فقال (ع) : إن خرج منك على شهوة فتوضأ ، وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء » (٤). لكن‌ في مرسل ابن أبي عمير : « ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الانعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مس الفرج ، ولا من المضاجعة ، وضوء » (٥). والجمع يكون بالحمل على الاستحباب ، كما يشهد به ما‌ في صحيح محمد بن إسماعيل : « إن علياً (ع) أمر المقداد أن يسأل رسول الله (ص) وأستحيي أن يسأله. فقال : فيه الوضوء. قلت : وإن لم أتوضأ؟ قال : لا بأس » (٦). ومثلها في الحمل على الاستحباب ما‌ في صحيح ابن سنان من قول الصادق (ع) : « والودي فمنه الوضوء ، لأنه يخرج من دريرة البول » (٧).

[١] كما يظهر من‌ صحيح عمر بن يزيد : « مرت بي وصيفة ففخذت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٠.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٩.

(٧) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٤.

٢٦٢

والثاني ما يخرج بعد خروج المني [١] ، والثالث ما يخرج بعد خروج البول [٢].

( مسألة ٤ ) : ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي ، والودي [٣] ، والكذب ، والظلم ، والإكثار من الشعر الباطل [٤] ، والقي‌ء ، والرعاف [٥] ،

______________________________________________________

لها فأمذيت أنا » (١). لكن اختلفت النصوص المتقدم إليها الإشارة في اختصاصه بالشهوة أو أن منه ما يكون لا من شهوة.

[١] ذكره غير واحد ، ولم أعرف له مستنداً. وقد تقدم ما في مرسل ابن رباط‌.

[٢] كما تقدم في مرسل ابن رباط‌ ، وصحيح ابن سنان‌.

[٣] قد عرفت ما يشهد به.

[٤] ويشهد به‌ موثق سماعة : « عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء؟ أو ظلم الرجل صاحبه ، أو الكذب. فقال (ع) : نعم إلا أن يكون شعراً يصدق فيه. أو يكون يسيراً من الشعر الأبيات الثلاثة والأربعة ، فاما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء » (٢). وموثقه الآخر (٣) وغيره في الكذب والغيبة. وهي محمولة على الاستحباب إجماعاً ، معتضداً بأدلة حصر النواقض.

[٥] ويشهد به‌ موثق سماعة : « عما ينقض الوضوء. قال (ع) : الحدث تسمع صوته ، أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلا شيئاً تصبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث ٢ وفي الباب غيره من الأخبار المشار إليها.

٢٦٣

والتقبيل بشهوة [١] ، ومس الكلب [٢] ، ومس الفرج [٣] ولو فرج نفسه [٤] ومس باطن الدبر ، والإحليل [٥] ،

______________________________________________________

عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء » (١). و‌في صحيح الحذّاء عن الصادق (ع) : « الرعاف ، والقي‌ء ، والتخليل يسيل الدم ، إذا استكرهت شيئاً تنقض الوضوء ، وإن لم تستكره لم تنقض الوضوء » (٢). لكنها معارضة بما دل على خلاف ذلك من النصوص المعول عليها ، المعتضدة بأدلة الحصر.

[١] ويشهد له‌ صحيح أبي بصير : « إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء » (٣) ‌المحمول على الاستحباب ، بقرينة غيره ، كخبر عبد الرحمن : « عن رجل مس فرج امرأته. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء ، وإن شاء غسل يده. والقبلة لا تتوضأ منها » (٤).

[٢] ففي صحيح أبي بصير : « من مس كلباً فليتوضأ » (٥). لكن الإجماع على خلافه ، وأدلة الحصر ، المؤيد باقتصار النصوص الواردة في مس الكلب على غسل اليد ، يوجب الحمل على الاستحباب.

[٣] تقدم ما يشهد به.

[٤] لا يحضرني ما يشهد به من النصوص.

[٥] ويشهد له‌ موثق عمار : « عن الرجل يتوضأ ثمَّ يمس باطن دبره. قال (ع) ، نقض وضوءه. وإن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٤.

٢٦٤

ونسيان الاستنجاء قبل الوضوء [١] ، والضحك في الصلاة ، والتخليل إذا أدمى [٢]. لكن الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم [٣]. والاولى أن يتوضأ برجاء المطلوبية.

______________________________________________________

الوضوء » (١). وعن الصدوق العمل به. لكن هجره ومعارضته بأدلة حصر النواقض ، وما دل على نفي النقض بمس الفرج ، مانع من العمل به.

[١] ويشهد له‌ صحيح سليمان بن خالد : « في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره. قال (ع) : يغسل ذكره ، ثمَّ يعيد الوضوء » (٢) ‌، ونحوه موثق أبي بصير‌ (٣) ، المحمول على الاستحباب ، لصحيح ابن يقطين : « في الرجل يبول فينسى غسل ذكره ، ثمَّ يتوضأ وضوء الصلاة. قال (ع) يغسل ذكره ، ولا يعيد الوضوء » (٤) ‌، ونحوه غير مما هو كثير.

[٢] ويشهد بالأول موثق سماعة المتقدم‌ ، وبالثاني في الجملة صحيح الحذّاء المتقدم‌.

[٣] لاحتمال صدور النصوص المتقدمة للتقية. لكن هذا الاحتمال مع أنه لا يجدي في رفع اليد عن الدليل مع إمكان الجمع العرفي بينه وبين معارضه ، لما تحرر في الأصول من أنه إذا تعارضت أصالة الظهور مع أصالة الجهة تعين سقوط الأولى عن الحجية ، فيتعين التصرف في الظهور لا الحمل على التقية ، وأن الحمل على التقية إنما يكون مع التعارض المستقر الذي لا يمكن معه الجمع العرفي بين الدليلين ـ لا يتم في بعض المذكورات. فلاحظ صحيح محمد بن إسماعيل المتقدم في المذي‌ ، فإنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١.

٢٦٥

ولو تبين بعد هذا الوضوء كونه محدثاً بأحد النواقض المعلومة كفى ، ولا يجب عليه ثانياً [١] ، كما أنه لو توضأ احتياطاً ، لاحتمال حدوث الحدث ، ثمَّ تبين كونه محدثاً كفى ، ولا يجب ثانياً.

فصل في غايات الوضوآت الواجبة وغير الواجبة

فإن الوضوء إما شرط في صحة فعل ، كالصلاة [٢] ،

______________________________________________________

كالصريح في الاستحباب.

[١] هذا يتم لو قلنا باستحباب الوضوء عند عروض أحد الأمور المذكورة ، لأن الوضوء حينئذ يكون صحيحاً واقعاً ، فيترتب عليه رفع الحدث الأصغر ، إذ لا يعتبر في رفعه أكثر من وقوع الوضوء صحيحاً وإن لم ينو به رفع الحدث ، كما سيأتي. وكذا يتم لو جاء بالوضوء برجاء المطلوبية الفعلية ، فإنه إذا انكشف الحدث انكشف الأمر بالوضوء ، فكان مطابقاً لأمره الفعلي. أما لو جاء به برجاء المطلوبية الاستحبابية ، بقيد كونها كذلك ، أشكلت صحة الوضوء لو لم يثبت الاستحباب ، لأن احتمال عدم الاستحباب واقعاً يستلزم احتمال عدم التقرب واقعاً المعتبر في الوضوء ، ولا بد من إحراز ذلك في صحة الوضوء. ومما ذكرنا يظهر الوجه في الفرع الآتي.

فصل في غايات الوضوء‌

[٢] إجماعاً مستفيض النقل ، بل ضرورة ، كما قيل. ويشهد به النصوص المتجاوزة حد التواتر ، كصحيح زرارة « لا صلاة إلا بطهور » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٢٦٦

والطواف [١]. وإما شرط في كماله ، كقراءة القرآن [٢].

______________________________________________________

و‌حديث : « لا تعاد .. » (١) ‌وغيرهما. وقد عقد في الوسائل في أوائل الوضوء أبواباً تتضمن بعض تلك النصوص (٢).

[١] إجماعاً محكياً في خمسة عشر موضعاً ـ كما في مفتاح الكرامة ـ بل في أكثر من ذلك. ويشهد به كثير من الصحاح ، كصحيح علي بن جعفر (ع) : « وسألته عن رجل طاف ، ثمَّ ذكر أنه على غير وضوء فقال (ع) : يقطع طوافه ولا يعتد به » (٣).

[٢] ففي رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (ع) : « سألته أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول ، فأقوم فأبول وأستنجي وأغسل يدي ، وأعود إلى المصحف فأقرأ فيه. فقال (ع) : لا حتى تتوضأ للصلاة » (٤) ‌و‌في حديث الأربعمائة : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر » (٥). و‌في رواية ابن فهد : « أن قراءة المتطهر خمس وعشرون حسنة وغيره عشر حسنات » (٦). وظاهر الروايتين الأولتين كراهة القراءة على غير وضوء. وعليهما يشكل الإتيان بالوضوء بقصد قراءة القرآن الكاملة ، بل لا بد من الإتيان به بقصد الكون على الطهارة ، أو غاية أخرى ويشير إليه في الرواية الأولى قوله (ع) : « حتى تتوضأ للصلاة ». اللهم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) راجع الوسائل باب : ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ من أبواب الوضوء.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الطواف حديث : ٤. وفي الباب أحاديث أخر دالة على المطلوب.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب قراءة القرآن من كتاب الصلاة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب قراءة القرآن من كتاب الصلاة حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ١٣ من أبواب قراءة القرآن من كتاب الصلاة حديث : ٣.

٢٦٧

وإما شرط في جوازه ، كمس كتابة القرآن [١]. أو رافع لكراهته ، كالأكل [٢].

______________________________________________________

إلا أن تكون الكراهة عبادية ، لكون القراءة من العبادات ، فيكون الفرد الأفضل القراءة على حال الوضوء ، فيكون الوضوء شرطاً فيها ، ويكون مستحباً غيرياً ، وتكون من غاياته.

[١] كما سيأتي قريباً.

[٢] ففي مصحح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) : « يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام وبعده يذيبان الفقر. قلت : بأبي وأمي يذهبان؟ فقال (ع) : يذيبان » (١) ‌، ونحوه غيره مما هو كثير نعم‌ في رواية هشام بن سالم عن جعفر (ع) عن آبائه قال رسول الله (ص) : « من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه ، ومن توضأ قبل الطعام وبعده عاش في سعة من رزقه ، وعوفي من البلاء في جسده » (٢) ‌، و‌زاد الموسوي في حديثه : « قال هشام : قال لي الصادق (ع) : والوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام وبعده » (٣). فيحتمل حكومتها على سائر النصوص الواردة في الباب ، كما هو ظاهر الوسائل وغيره ، وحينئذ فلا تصلح لإثبات استحباب الوضوء للأكل. ويحتمل اختصاص حكومته على خصوص النبوي المذكور في الرواية‌. والظاهر الأول ، كما يظهر من ملاحظة رواية الفضل ابن يونس المذكورة في باب استحباب غسل الأيدي في إناء واحد‌ (٤) من أطعمة الوسائل وغيرها من روايات الباب وغيره ، فان النظر فيها يشرف على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب آداب المائدة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب آداب المائدة حديث : ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب آداب المائدة حديث : ١٦.

(٤) وهو باب : ٥١ من أبواب آداب المائدة.

٢٦٨

أو شرط في تحقق أمره ، كالوضوء للكون على الطهارة [١]. أو ليس له غاية [٢] ، كالوضوء الواجب بالنذر [٣] ، والوضوء المستحب نفساً [٤] إن قلنا به كما لا يبعد.

______________________________________________________

القطع بان المراد بالوضوء غسل اليدين ، لا أقل من اقتضائه الاجمال المانع من البناء على استحباب الوضوء. ثمَّ إنه بناء على كون الروايات فيما نحن فيه مدلولها مختلف ، فظاهر بعضها أنه رافع لكراهة الأكل ، وبعضها ظاهر في أنه شرط لكماله. فلاحظ.

[١] فإنه يترتب على الوضوء للمحدث بالأصغر.

[٢] يعني : مقصودة من الأمر به أو من فعله.

[٣] فإنه لا إشكال في رجحانه ولو لغيره ، فيصح نذره ، وتجب موافقته ، نعم يشكل جعل هذا القسم مقابلا لبقية الأقسام ، لأن الأمر الآتي من قبل النذر لا يصلح أن يكون مشرِّعاً للمنذور ، بل لا بد أن يكون المنذور مشرِّعاً من قبل أمر آخر ، فيدخل في أحد الأقسام المذكورة بل قد يشكل جعل الوضوء للكون على الطهارة في عرض الوضوء للصلاة ونحوها مما يعتبر فيه الطهارة ، لأن الغاية في الثاني أيضاً الكون على الطهارة والغاية فيه الصلاة ، فيكون الغايتان طوليتين ، لا عرضيتين.

[٤] فسَّره غير واحد بالوضوء للكون على الطهارة ، الذي هو من الغايات التوليدية ، في قبال الوضوء المستحب غيرياً ، وهو ما يستحب لغيره من الأفعال الاختيارية للمكلف ، كالصلاة والطواف ونحوهما. واستحبابه بهذا المعنى كأنه لا خلاف فيه ، كما في كشف اللثام ، وعن الطباطبائي (ره) دعوى الإجماع عليه. ويدل عليه ما دل على استحباب الكون على الطهارة‌

٢٦٩

______________________________________________________

مثل إطلاق قوله تعالى ( وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١). و‌النبوي : « يا أنس أكثر من الطهور يزد الله تعالى في عمرك ، وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على الطهارة فافعل ، فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيداً » (٢).

لكن الظاهر ـ بقرينة جعله في قبال الكون على الطهارة ـ أن المراد استحبابه لنفسه لأي مصلحة كانت ولو كانت الكون على الطهارة. وقد يشهد له ما دل على الحث على الوضوء نفسه ، مثل‌ مرسل الفقيه « الوضوء على الوضوء نور على نور » (٣). وما‌ في الحديث القدسي الذي رواه الديلمي في الإرشاد : « من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني » ‌، ومثله عن النبي (ص) (٤). لكن المفروغية عن استحباب الكون على الطهارة ربما توجب انصراف ما ذكر من النصوص الى استحبابه لا استحباب نفس الوضوء في مقابله. ولا سيما مثل قوله (ع) : « نور على نور » ‌، فان النورانية تناسب الطهارة جداً. ولعل من ذلك كان القول به ضعيفاً ، بل ظاهر شيخنا الأعظم في التنبيه الثالث من تنبيهات مبحث نية الوضوء المفروغية عن بطلانه ، قال ـ فيما ذكره الفاضلان والشهيد في الذكرى من أنه لو نوى المحدث بالأصغر وضوءاً مطلقاً مقابلا للوضوء للغايات حتى الكون على الطهارة كان باطلا ـ : « لو أريد به الوضوء المأتي به لا لغاية ، ولا للكون على الطهارة ، خرج عن المقسم وهو الوضوء المندوب ، لكونه على هذا الوجه تشريعاً محرماً ». مع أن البناء على ظهور هذه النصوص في موضوعية نفس الوضوء لا بلحاظ الطهارة يوجب البناء عليه أيضاً في بقية‌

__________________

(١) البقرة ٢٢٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٤) رواهما في الوسائل باب : ٨ من أبواب الوضوء حديث : ٢ ، وملحقة.

٢٧٠

أما الغايات للوضوء الواجب فيجب للصلاة الواجبة [١] ، أداءً أو قضاءً ، عن النفس أو عن الغير ، ولأجزائها المنسية [٢] ، بل وسجدتي السهو على الأحوط [٣]. ويجب أيضاً للطواف الواجب [٤] ،

______________________________________________________

النصوص المتعرضة لتشريعه للغايات ، وحينئذ يشكل البناء على التداخل ، كما سيأتي وإن كان هذا الاشكال ، يختص بما إذا كان التعبير عن الشرط بالوضوء ، لا بكونه على وضوء.

وعلى كل حال فالظاهر أنه لا يترتب على الاستحباب النفسي بهذا المعنى مزيد فائدة ، إذ لعله يكفي في تحقق التقرب بالوضوء الإتيان به بداعي المحبوبية ، ولو مع الغفلة عن الكون على الطهارة ، واعتبار قصد التوصل إلى ذي المقدمة في تحقق التقرب بالمقدمة إنما هو في غير التوليديات أما فيها فيكفي في تحقق التقرب بالمقدمة الإتيان بها بداعي المطلوبية في الجملة ولو مع الغفلة عن المسبب.

[١] كما عرفت.

[٢] لما عرفت في أحكام النجاسات من أن القضاء متحد مع الأداء في جميع الخصوصيات المعتبرة فيه شطراً أو شرطاً أو غيرهما ، وإنما الاختلاف بينهما في المحل لا غير ( ودعوى ) : أن الطهارة شرط في الصلاة ، لا في الأجزاء ( مندفعة ) بأن الصلاة عين الأجزاء. نعم لو لم يثبت كون الطهارة شرطاً في الصلاة ، بل مجرد كون الحدث قاطعاً ، فلا موجب لاعتبار الطهارة فيها. إلا أن ذلك خلاف ظاهر‌ قوله (ع) : « لا صلاة إلا بطهور » ‌، ونحوه.

[٣] قد تقدم وجه الاحتياط وضعفه في أحكام النجاسات. فراجع.

[٤] كما عرفت.

٢٧١

وهو ما كان جزءاً للحج أو العمرة ، وإن كانا مندوبين [١] ، فالطواف المستحب ما لم يكن جزءاً من أحدهما لا يجب الوضوء له [٢]. نعم هو شرط في صحة صلاته. ويجب أيضاً بالنذر [٣] والعهد واليمين. ويجب أيضاً لمسّ كتابة القرآن إن وجب [٤]

______________________________________________________

[١] فإنهما يجب إتمامهما بالشروع فيهما إجماعاً ، كما عن المنتهى وغيره.

[٢] كما هو المشهور. وتقتضيه النصوص‌ كخبر عبيد : « لا بأس أن يطوف الرجل النافلة وهو على غير وضوء ، ثمَّ يتوضأ ويصلي ، وإن طاف متعمداً على غير وضوء فليتوضأ وليصل ومن طاف تطوعاً وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ، ولا يعيد الطواف » (١) ‌، وقريب منه صحيحا حريز‌ ومحمد بن مسلم‌ (٢). فما عن الحلبي والمنتهى من اعتبارها فيه ضعيف.

[٣] كما عرفت.

[٤] لحرمة المس بدونه ، كما هو المشهور ، كما عن جماعة ، بل عن المختلف وظاهر البيان والتبيان الإجماع عليه. واستدل عليه بقوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٣). ولكن يشكل بأن الظاهر منه ـ بقرينة السياق ـ كونه حكاية عن وصف خارجي للقرآن ، لا جعل حكم التشريعي ولا سيما بملاحظة ظهور المطهِّر ـ بالفتح ـ في المعصوم ، لا ما يعم المتطهِّر ولا ينافي ذلك ما‌ في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) : « المصحف لا تمسه على غير طهر ، ولا جنباً ، ولا تمس خطه ، ولا تعلقه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الطواف حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الطواف حديث : ٧ ، ٣.

(٣) الواقعة ٧٩.

٢٧٢

______________________________________________________

إن الله تعالى يقول لا يمسّه إِلاَّ المُطهّرون » (١). لإمكان أن يكون المراد الاستدلال على تعظيم الله تعالى للقرآن ، المناسب لكراهة الأمور المذكورة. بل ظهور الذيل في كونه تعليلا لجميع ما ذكر في الصدر يعين ذلك ، إذ لا يعتبر في جواز بعضها الطهارة جزماً ، فتكون الرواية على ما قلناه. ومن ذلك يشكل الاستدلال بها على المقام ، لأن قرينة السياق والتعليل المذكور يناسب الكراهة جداً.

نعم يدل عليه‌ مرسل حريز : « كان إسماعيل بن أبي عبد الله (ع) عنده ، فقال (ع) : يا بني اقرأ المصحف ، فقال : إني لست على وضوء فقال (ع) : لا تمس الكتابة ، ومس الورق واقرأه » (٢). وما‌ في معتبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء. فقال (ع) : لا بأس ، ولا يَمس الكتاب » (٣). وضعف السند ـ لو تمَّ في الثاني ـ ينجبر بما عرفت. ومنه يظهر ضعف ما عن الشيخ في المبسوط والحلي والأردبيلي وغيرهم من الخلاف في ذلك.

ثمَّ إن جعل المس غاية للوضوء لا يخلو من إشكال ، لأن المتوقف على الوضوء جواز المس ، لا نفس المس فلا يكون الأمر بالوضوء غيرياً ، بل يكون عقلياً من باب لزوم الجمع بين غرضي الشارع ، فاذا وجب المس بالنذر أو بغيره لم يكن ذلك الوجوب كافياً في تشريع الوضوء ، لعدم كونه مقدمة له ، بل هو مقدمة لجوازه ، والجواز ليس من فعل المكلف ، والوجوب الغيري إنما يتعلق بما هو مقدمة لفعل المكلف إذا وجب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٢٧٣

بالنذر [١] ، أو لوقوعه في موضع يجب إخراجه منه ، أو لتطهيره إذا صار متنجساً وتوقف الإخراج أو التطهير على مس كتابته ، ولم يكن التأخير بمقدار الوضوء موجباً لهتك حرمته ، وإلا وجبت المبادرة من دون الوضوء [٢]. ويلحق به أسماء الله [٣] وصفاته الخاصة ، دون أسماء الأنبياء [٤] والأئمة عليهم‌السلام ، وإن كان أحوط. ووجوب الوضوء في المذكورات ـ ما عدا النذر وأخويه ـ إنما هو على تقدير كونه محدثاً.

______________________________________________________

[١] صحة نذر المس تتوقف على رجحانه في نفسه ، كما عن جماعة ، لكنه غير ثابت. أو لرجحانه لغيره ، لتوقف الواجب المنذور عليه ، كما قد يتفق.

[٢] لسقوط حرمة المس حينئذ ، للمزاحمة بالواجب الأهم. نعم لو أمكن التيمم بقصد الكون على الطهارة وجب. نظير التيمم لضيق وقت الصلاة.

[٣] كما عن جماعة منهم أبو الصلاح. لفحوى المنع عن مس كتابة القرآن. لكنها غير ظاهرة ، لأن مهانة الحدث ليست من الأمور العرفية ، ليمكن أن تنتقل الى الذهن من الكلام ، ليتعدى عن مورده الى ما هو أولى. فتأمل. وكأنه لأجل ذلك لم يتعرض له الكثير من الأصحاب أو الأكثر. وسيأتي إن شاء الله في أحكام الجنابة ما له دخل في المقام.

[٤] للأصل ، وعن كشف الالتباس الإلحاق أيضاً ، للفحوى. والاشكال فيها هنا أظهر. ولذا لا يتوهم أن مس المحدث بدن النبي (ص) أو أحد الأئمة عليهم‌السلام حرام ، مع أنه أولى من مس أسمائهم.

٢٧٤

وإلا فلا يجب [١] ، وأما في النذر وأخويه فتابع للنذر ، فان نذر كونه على الطهارة لا يجب إلا إذا كان محدثاً ، وإن نذر الوضوء التجديدي وجب وإن كان على وضوء.

( مسألة ١ ) : إذا نذر أن يتوضأ لكل صلاة وضوءاً رافعاً للحدث وكان متوضئاً يجب عليه نقضه [٢] ، ثمَّ الوضوء. لكن في صحة مثل هذا النذر على إطلاقه تأمل [٣].

______________________________________________________

[١] لعدم الموجب له في ظرف حصول الطهارة التي هي الشرط في الغايات المذكورة.

[٢] يعني : بالحدث ، مقدمة لتوصيف الوضوء بكونه رافعاً.

[٣] لكون الوضوء المنذور في الفرض وان كان راجحاً في نفسه إلا أن وصف كونه رافعاً للحدث لما كان مستلزماً لنقض الطهارة المرجوح كان مرجوحاً ، ويعتبر في المنذور أن يكون راجحاً بذاته ووصفه ، كما هو المحكي عن جماعة من الأساطين ، بل هو الظاهر ، لا من جهة النصوص ، حتى يقال : المتيقن منها اعتبار كونه راجحاً بذاته ، واعتبار رجحان الوصف مخالف لعموم ما دل على لزوم الوفاء بالنذر. بل من جهة أن معنى صيغة النذر ـ أعني قول الناذر : « لله عليّ كذا » ـ يتوقف على أن يكون المنذور راجحاً محبوباً لله تعالى ، سواء أكانت اللام الداخلة على لفظ الجلالة للملك ـ كما هو الظاهر ـ فيكون معنى قول الناذر : « لله عليّ كذا » : جعلت لله عليّ كذا ، أم لام الالتزام ، فيكون معناه : التزمت لله تعالى. أما على الأول فلأن اعتبار الملكية للشي‌ء يتوقف على كون الشي‌ء محبوباً للمالك ومرغوباً فيه له ، ولذا لا يصح أن تقول : لزيد عليّ أن يخيط ثوبي ، كما يصح أن تقول : لزيد عليّ أن أخيط ثوبه. وأما على‌

٢٧٥

______________________________________________________

الثاني فكذلك ، إذ لا يصح اعتبار مفهوم الالتزام للغير بشي‌ء إذا لم يكن راجحاً في نظره ، لأن معنى الالتزام له الالتزام لأجله ، ولا معنى لكون الالتزام لأجل الغير إذا لم يكن الملتزم به محبوباً لذلك الغير. فلا يصح أن تقول : التزمت لأجلك أن أهدم دارك ، كما يصح أن تقول : التزمت لأجلك أن ابني دارك.

إذا عرفت هذا تعرف أن القيود المرجوحة المأخوذة في موضوع النذر ( تارة ) : يكون التقييد بها تمام المنذور ، فيبطل النذر ، كما لو نذر أن يوقع صلاته الواجبة في الحمام ، بحيث يكون المقصود نذر إيقاعها في الحمام وكونها فيه لا نذر نفس الصلاة ( واخرى ) : يكون بعض المنذور ، كما لو نذر أن يصلي صلاة في الحمام ، فيكون المنذور نفس الصلاة وكونها في الحمام وحكمه بطلان نذر التقييد ، وحينئذ فإن كان النذر المتعلق بالذات والتقييد منشأ بنحو وحدة المطلوب بطل في الذات ، وإن كان بنحو تعدد المطلوب صح في الذات فقط ( وثالثة ) : يكون خارجاً عن المنذور بأن يكون لوحظ مرآة للذات الملازمة للتقييد ، فيكون تمام المنذور نفس الذات ، وحينئذ صح النذر إذا كانت الذات راجحة في الجملة في حال القيد من دون لزوم ارتكاب أمر مرجوح ، كما لو نذر ذات الصلاة التي تكون في الحمام ، بجعل الموصول معرِّفاً لتلك الذات المخصوصة. وكأنه إلى ما ذكرنا أشار كاشف اللثام في صلاة النذر ان اشتراط المزية في المكان إنما هو إذا كان النذر نذرين ، كأن يقول : لله عليَّ أن أصلي ركعتين ، وأصليهما في مكان كذا. أما لو قال : لله عليَّ أن أصلي ركعتين في مكان كذا. فمصحح النذر إنما هو رجحان الصلاة فيه على تركها ، وهو حاصل وإن كرهت فيه ، لأن الكراهة إنما هي قلة الثواب ، انتهى.

٢٧٦

( مسألة ٢ ) : وجوب الوضوء لسبب النذر أقسام : ( أحدها ) : أن ينذر أن يأتي بعمل يشترط في صحته الوضوء [١] ، كالصلاة ( الثاني ) : أن ينذر أن يتوضأ إذا أتى بالعمل الفلاني غير المشروط بالوضوء ، مثل أن ينذر أن لا يقرأ القرآن إلا مع الوضوء [٢].

______________________________________________________

وأما ما نحن فيه ـ أعني : نذر الوضوء الرافع ـ فالظاهر أنه ليس من قبيل الأقسام المذكورة ، بل هو قسم آخر لأن الوضوء الرافع إنما يشرع على تقدير الحدث ، فاذا كانت مشروعيته على هذا التقدير كان نذره صحيحاً أيضاً منوطاً بذلك التقدير ، نظير نذر التوبة ، فإنه لا يصح إلا على تقدير الذنب ، ولا يكون مقتضياً لفعل الذنب ، وكذلك في المقام نذر الوضوء الرافع لا يكون مقتضياً لفعل الحدث. فلو نذره على نحو يكون مقتضياً لفعل الحدث كان باطلا ، لأنه غير راجح ، وكذا نذر التوبة على نحو يكون مقتضياً لفعل الذنب ، ونذر استعمال الدواء على نحو يكون مقتضياً لفعل المرض. وبالجملة : نذر الوضوء الرافع إن كان المقصود منه نذره على تقدير الحدث فهو صحيح ، ولكنه لا يقتضي نقض الطهارة ، وان كان المقصود نذره مقيداً بالحدث على نحو يقتضي الحدث ، لكونه من قبيل قيد الواجب ، فهو غير مشروع. ثمَّ إن قول المصنف (ره) على إطلاقه إشارة إلى صحته في بعض الفروض ، كما لو كان نقض الحدث راجحاً ، لكون حبسه موجباً للضرر المعتدّ به ، فيصح حينئذ نذر الوضوء بذاته وقيده. إلا أن يقال : إن وجوب دفع الضرر أو رجحانه لا يقتضي مرجوحية الطهارة.

[١] وحينئذ فوجوب الوضوء بالنذر للمقدمية للمنذور.

[٢] هذا النذر ـ مع أنه غير صحيح ، لأنه نذر لترك الراجح ، إذ‌

٢٧٧

فحينئذ لا يجب عليه القراءة. لكن لو أراد أن يقرأ يجب عليه أن يتوضأ ( الثالث ) : أن ينذر أن يأتي بالعمل الكذائي مع الوضوء. كأن ينذر أن يقرأ القرآن مع الوضوء. فحينئذ يجب الوضوء والقراءة ( الرابع ) : أن ينذر الكون على الطهارة ( الخامس ) : أن ينذر أن يتوضأ من غير نظر الى الكون على الطهارة. وجميع هذه الأقسام صحيح. لكن ربما يستشكل في الخامس من حيث أن صحته موقوفة على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء وهو محل اشكال. لكن الأقوى ذلك [١].

( مسألة ٣ ) : لا فرق في حرمة مس كتابة القرآن على المحدث بين أن يكون باليد أو بسائر أجزاء البدن [٢] ، ولو بالباطن ، كمسها باللسان أو بالأسنان. والأحوط ترك المس بالشعر أيضاً. وان كان لا يبعد عدم حرمته [٣].

______________________________________________________

القراءة على غير وضوء لا تخرج عن أن تكون راجحة ـ غير مطابق لقوله « الثاني أن ينذر .. » ، فإنه يتضمن أن المنذور الوضوء على تقدير القراءة بنحو الشرط المتأخر ، وهو غير نذر ترك القراءة بلا وضوء. وفرق واضح بينهما مفهوماً ، وحكماً ، وثمرة ، فإنه لو تعذر عليه الوضوء جازت القراءة على الأول وحرمت على الثاني ، على تقدير صحته.

[١] قد تقدم الكلام فيه.

[٢] للإطلاق. وقيل بالاختصاص بباطن الكف ، وعن جماعة الاختصاص بما تحله الحياة. وتردد شيخنا الأعظم (ره) في السن والظفر ، وكل ذلك غير ظاهر في قبال الإطلاق.

[٣] لقصور الأدلة عن شموله. بل هو نظير المس بثوبه.

٢٧٨

( مسألة ٤ ) : لا فرق بين المس ابتداءً أو استدامة [١] ، فلو كان يده على الخط فأحدث يجب عليه رفعها فوراً ، وكذا لو مس غفلة ثمَّ التفت أنه محدث.

( مسألة ٥ ) : المس الماحي للخط أيضاً حرام [٢] ، فلا يجوز له أن يمحوه باللسان أو باليد الرطبة.

( مسألة ٦ ) : لا فرق بين أنواع الخطوط [٣] حتى المهجور منها ، كالكوفي. وكذا لا فرق بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو القص بالكاغذ أو الحفر [٤] أو العكس.

______________________________________________________

[١] للإطلاق.

[٢] لأنه لا يخرج عن كونه من مس المحدث للكتابة ، والمحو إنما يكون بالمس.

[٣] للإطلاق. ومثله ما بعده.

[٤] قد جوّز في المستند المس فيه ، وفي المقلوب ، وفيما ليس بظاهر ـ وإن ظهر بعد عمل ، كمقابلة النار ـ لخروج ذلك عن المتعارف. لكن عرفت أن التعارف لا يعوّل عليه في رفع اليد عن الإطلاق. نعم استشكل شيخنا الأعظم رحمه‌الله في الكتابة بالحفر ، لعدم كون الكتابة مما يقبل المس ومثله الكتابة بالتخريم ، كما في الشبابيك المحرِّمة. وهو في محله في الثانية. اللهم إلا أن يعلم بعدم الفرق في الحكم. وأما في الأولى فغير ظاهر ، لأن المراد من مس الكتابة مس محل الكتابة ، وهو ممكن فيها. وربما يتأمل في صدق الكتابة على البياض الحادث من إدارة السواد على صورة الحرف ، وفي مثل الشبابيك المخرِّمة التي يحدث من إشراق الشمس عليها نور للشمس في الأرض بصورة الكتابة أو ظل كذلك ، لكن الإنصاف أن إطلاق كتابة‌

٢٧٩

( مسألة ٧ ) : لا فرق في القرآن [١] بين الآية والكلمة ، بل والحرف وإن كان يكتب ولا يقرأ [٢] كالألف في ( قالُوا ) و ( آمَنُوا ). بل الحرف الذي يقرأ ولا يكتب إذا كتب [٣] ، كما في الواو الثاني من ( داوُدَ ) إذا كتب بواوين ، وكالألف في ( رحمن ) و ( لقمن ) إذا كتب كرحمان ولقمان.

( مسألة ٨ ) : لا فرق بين ما كان في القرآن أو في كتاب ، بل [٤]

______________________________________________________

القرآن شامل للجميع.

[١] يعني في الجزء الممسوس منه.

[٢] فإنه جزء من الكتابة عرفاً ، فيحرم مسه كغيره من أجزائها.

[٣] هذا إذا لم يعد غلطاً زائداً ، وإلا كان خارجاً عن الكتابة ، ولا مانع من مسه ، ولعل واو ( داود ) من الثاني ، وألف ( رحمن ) من الأول. اللهم إلا أن يقال : إن مقتضى الإطلاق عدم الاختصاص بالكتابة المصطلحة.

[٤] وربما يتوهم اختصاص الحكم بمس الجزء في ضمن مجموع القرآن ، لأنه الظاهر من الآية والرواية. وفيه : أن الظاهر من قوله (ع) : « لا يمس الكتاب » ‌أن الموضوع مس الكتابة ، والاقتصار على مورده جمود لا يساعد عليه العرف.

نعم صرّح الشهيد في الذكرى (١) بجواز مس الدراهم المكتوب عليها القرآن ، لخبر محمد بن مسلم عن الباقر (ع) : إنى لأوتى بالدرهم فآخذه وإني لجنب ، ثمَّ ذكر أن عليه سورة من القرآن. وكأنه يريد بالخبر صحيح البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (٢). لكن يظهر‌

__________________

(١) في الملحق الأول للمقام الرابع في النفاس ص : ٣٤.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الجنابة حديث : ٣.

٢٨٠