مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

______________________________________________________

لا يخلو من إشكال. وما ورد من أخذ البلل لمسح الرأس والرجلين من اللحية والحاجبين وأشفار العينين (١) ، وإن كان مورده صورة النسيان.

وكأنه لذلك كله ـ مضافاً إلى رواية معمر بن عمر المتقدمة‌ ـ يحمل صحيح البزنطي المتقدم في معنى الكعب ، المذيل‌ بقوله : « قلت : جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه. قال (ع) : لا إلا بكفه كلها » ‌على الاستحباب ، ولا سيما مع عدم العمل به من أحد. وأما‌ رواية عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (ع) : « عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال (ع) : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » (٢). فهي وإن كانت ظاهرة في وجوب الاستيعاب لأن تطبيق قاعدة الحرج يتوقف عليه إلا أنها محمولة ـ بقرينة ما سبق ـ على إرادة ردع عبد الأعلى عن توهمه أنه على تقدير وجوب المسح على تمام الأصابع لا بد من رفع المرارة ولو كان حرجاً ، لا في مقام ردعه عن اعتقاد الوجوب. فتأمل.

هذا وربما نسب إلى الشيخ رحمه‌الله القول باعتبار الإصبع ، لقوله رحمه‌الله في النهاية : « فإن اقتصر في المسح عليهما بإصبع واحدة لم يكن به بأس .. ». لكن من القريب أن يكون وجه الاقتصار على الإصبع أنه أقل ما يقع به المسح غالباً. وعن التذكرة عن بعض أصحابنا اعتبار أن يكون بمقدار ثلاث أصابع. وكأنه لرواية معمر بن عمر المتقدمة‌ ، التي عرفت في مسح الرأس عدم ظهورها في الوجوب ، ولو فرض فهي محمولة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٨١

ولو بعرض إصبع أو أقل ، والأفضل أن يكون [١] بمقدار عرض ثلاث أصابع ، وأفضل من [٢] ذلك مسح تمام ظهر القدم ويجزئ الابتداء بالأصابع وبالكعبين [٣] ، والأحوط الأول [٤].

______________________________________________________

على الاستحباب ، وكذا نقول هنا ، لامتناع التفكيك بينهما عرفاً في ذلك ، كما يظهر من سياقها. وعن إشارة الحلبي اعتبار الإصبعين ، وربما كان هو ظاهر الغنية. ولم نعرف له دليلا. وكأنه لذلك لم يعتد به في المتن.

[١] لرواية معمر‌.

[٢] لصحيح البزنطي ‌(١).

[٣] على المشهور ، كما عن الذكرى وغيرها. لصحيح حماد المتقدم في مسح الرأس‌ أو صحيحيه‌ (٢) ، لظهوره في التخيير بين الأمرين ، واحتمال إرادة نفي البأس في الجمع بين المسح مقبلا ومدبراً خلاف الظاهر مع أنه لا مجال له في‌ مصحح يونس : « أخبرني من رأى أبا الحسن (ع) بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدمين إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : الأمر في مسح الرجلين موسع ، من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبراً ، فإنه من الأمر الموسع إن شاء الله » (٣). ولا يقدح ما في صدره من التعبير بعد وضوح المراد.

[٤] بل عينه جماعة ، كما هو ظاهر كتبهم. كالفقيه ، والمقنعة والانتصار ، والوسيلة ، والغنية ، وصريح السرائر ، والبيان ، والألفية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الوضوء حديث : ١ ، ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٣٨٢

كما أن الأحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى [١] ، وإن كان الأقوى جواز مسحهما معاً. نعم لا يقدّم اليسرى على اليمنى.

______________________________________________________

لظهور ( إلى ) في الانتهاء ، وللوضوءات البيانية. ولصحيح البزنطي المتقدم‌. الموافق كل ذلك لقاعدة الاشتغال ، بناءً على جريانها في المقام. لكن يجب الخروج عن جميع ذلك ـ لو تمَّ ـ بما تقدم ، فتحمل ( إلى ) على كونها لتحديد الممسوح ، كما في ( إِلَى الْمَرافِقِ ). والوضوءات البيانية على أنه أفضل. والصحيح على كونه لبيان الأفضل ، ولا سيما بعد وجوب حمله على ذلك من حيث المقدار ـ كما عرفت ـ أو يحمل على أنه لبيان الكم. والأصل لا مجال له مع الدليل.

[١] بل وجوبه محكي عن الفقيه ، والمراسم ، وشرح الفخر ، والبيان واللمعة ، وجامع المقاصد والمسالك ، والمدارك وغيرها ، بل نسب إلى الخلاف دعوى الإجماع عليه. ويشهد له‌ مصحح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « وامسح على القدمين ، وأبدأ بالشق الأيمن » (١). وما‌ عن النجاشي عن ابن أبي رافع. عن علي (ع) : « إذا توضأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده » (٢). والوضوءات البيانية (٣) بضميمة القطع بعدم وقوع خلاف الترتيب فيها. و‌المسند : « كان النبي (ص) إذا توضأ بدأ بميامنه » (٤). و‌عنه (ص) : « إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم » (٥) ‌لكن فيه إرسال الأخير. وضعف ما قبله جداً بابي هريرة وغيره. وأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٣) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء.

(٤) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٥) مستدرك الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣٨٣

______________________________________________________

القطع بعدم وقوع خلاف الترتيب في الوضوءات البيانية لا يجدي مع احتمال كونه مستحباً ، وكون المبيّن هو الفرد الفاضل ، كما هو مبنى دعوى القطع وخبر النجاشي غير ثابت الحجية. ويمكن القدح في المصحح باعراض المشهور عنه. فتأمل. أو معارضته بعدم التعرض لمضمونه في النصوص البيانية ، ونصوص الترتيب الظاهرة في عدمه ، أو‌ بالتوقيع المروي عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (ع) : « كتب إليه يسأله عن المسح على الرجلين بأيهما يبدأ ، باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً ، فأجاب (ع) : يمسح عليهما جميعاً معاً ، فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين » (١). ولا يقدح فيه مخالفة المشهور لإمكان عدم عثورهم عليه ، لا كالمصحح المروي في الكافي. وإجماع الشيخ غير ظاهر من محكي عبارته. وعلى هذا فالأخذ بالتوقيع المذكور ـ كما في المتن ـ متعين ، فيقدم لا ظهريته مما عداه. ولأجله اختار ما في المتن جماعة كما عن جامع المقاصد ، وشرح المفاتيح نسبته إليهم. ولا مجال لما نسب إلى المشهور ـ كما عن جماعة ، بل في محكي السرائر : لا يظهر من أحد منا الخلاف فيه ـ من جواز تقديم اليسرى كالمقارنة ، فان ذلك خلاف ظاهر التوقيع ، وقد عرفت عدم ثبوت الاعراض الموهن له. كما أن منه يظهر ما في محكي المقنعة من وجوب المقارنة. هذا كله على تقدير تمامية سند التوقيع الشريف. ولكنه غير ظاهر ، لعدم وضوح سند الاحتجاج إلى الحميري. فيتعين العمل بمصحح ابن مسلم ـ كما عليه الجماعة المتقدمة ـ والاعراض عنه غير ثابت ، وعدم التعرض لمضمونه في النصوص البيانية ونصوص الترتيب لا يقوى على رفع اليد عن ظاهره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٨٤

والأحوط ان يكون مسح اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى [١] ، وإن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكل منهما [٢]. وإن كان شعر على ظاهر القدمين فالأحوط الجمع بينه [٣] وبين البشرة في المسح.

______________________________________________________

[١] كما تضمنه‌ صحيح زرارة : « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى » (١).

[٢] كما عن المفاتيح التصريح به ، بل عن المناهل عن بعض دعوى الاتفاق عليه. ويشهد له إطلاق كلماتهم في المقام. لكن عن شرح المفاتيح. ولوامع النراقي ، رد الدعوى المذكورة ، اعتماداً على ظهور عبارة ابن الجنيد في الوجوب ، الا أن الظهور لو تمَّ لا يقدح في دعوى الاتفاق ، كما لا يخفى. وكأن الوجه فيه إطلاق الأدلة ، وعدم ظهور صحيح زرارة‌ في الوجوب بنحو يقوى على تقييد إطلاق الآية والرواية. وأما ما‌ في مصحح الأخوين من قولهما : « ثمَّ مسح رأسه وقدميه بفضل كفه ، لم يحدث لهما ماء جديداً » (٢) ‌وما‌ في مصحح زرارة : « ثمَّ مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه ، ولم يعدهما في الإناء » (٣). فظاهرهما تعدد الكف واليد ، بقرينة ذيل الثاني فيكون حالهما حال بقية النصوص البيانية المتضمنة للمسح باليدين والكفين وقد عرفت الإشكال أيضاً في ظهور ذلك في الوجوب. لكن عرفت في ما سبق ظهور صحيح زرارة‌ في الوجوب ، فالعمل بمضمونه متعين ، ويقيد به إطلاق الأدلة.

[٣] للإشكال في وجوب مسح البشرة ، كما يقتضيه ظاهر التعبير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

٣٨٥

وتجب إزالة الموانع والحواجب [١] ،

______________________________________________________

بالبشرة في المقام ، ولأجله نسب في الحدائق إلى ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق عليه ، وعلله الشهيد الثاني في شرح الرسالة بأن الشعر لا يسمى رجلا ولا جزءاً منها. و‌قوله (ع) : « كل ما أحاط به الشعر .. (١) ‌قد تقدم بيان اختصاصه بالوجه ، فلا يشمل المقام. مع أنه لا يجدي في الشعر غير المحيط. لكن لا يبعد كون المراد بالبشرة في كلامهم ما يقابل الحائل بقرينة إردافه بقولهم : « ولا يجوز المسح على الحائل .. ». والشعر وإن لم يسم رجلا ولا جزءاً ، إلا أن نباته غالباً في الرجل وصعوبة التخليل بالمسح ، ولزوم الحرج من وجوب إزالته بالحلق ونحوه ، يوجب البناء على عموم الدليل له. لكن هذا إنما يتم لو كان الغالب من الشعر النابت مستوعباً للخط العرضي ، وهو ممنوع ، فوجوب المسح على البشرة أوفق بالأدلة. وعليه فهل يجب أيضاً مسح الشعر النابت فيها ـ كما قيل بوجوب غسله ـ إذا كان نابتاً في الوجه واليدين أولا؟ وجهان مبنيان على دلالة ما دل على وجوب مسح البشرة على وجوب مسحه أيضاً تبعاً كما تقدم من بعض الجزم بها في غسل الوجه واليدين وعدمها. لكن عرفت الاشكال فيها. فينبغي الرجوع فيه إلى الأصل من الاحتياط أو البراءة ، كما تقدم بيان ذلك في حكم شعر الوجه.

[١] لعدم الاكتفاء بالمسح عليها. ويقتضيه ظاهر الكتاب والسنة ، بل قيل : هو إجماع. بل ينبغي عده من ضروريات المذهب. ويشهد به كثير من النصوص الواردة في المنع عن المسح على الخف والعمامة ، وظاهر بعضها عدم الخصوصية ، ففي خبر الكلبي النسابة عن الصادق (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٨٦

واليقين بوصول الرطوبة إلى البشرة [١] ، ولا يكفي الظن. ومن قطع بعض قدمه مسح على الباقي [٢] ، ويسقط مع قطع تمامه [٣].

______________________________________________________

« قلت له : ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم (ع) ثمَّ قال (ع) : إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شي‌ء إلى شيئه ، ورد الجلد إلى الغنم ، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟! » (١).

[١] لقاعدة الاشتغال ، ولا دليل على اعتبار الظن. نعم لو شك في وجود الحاجب لم يبعد الاكتفاء بالظن بعدمه ، كما عرفت.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل يظهر من كلماتهم كونه من المسلمات. وتقتضيه قاعدة الميسور المتسالم على جريانها في الوضوء ، وعن الذكرى : « لم نقف على نص في مسح موضع القطع كما في اليدين ، غير أن الصدوق لما روى عن الكاظم (ع) غسل الأقطع عضده قال : « وكذلك روي في قطع الرجلين » (٢) نعم‌ في رواية رفاعة عن أبي عبد الله (ع) : « عن الأقطع اليد والرجل ، كيف يتوضأ؟ قال (ع) : يغسل ذلك المكان الذي قطع منه » (٣). ولعلها هي مرسل الصدوق. إلا أن الاستدلال بها يتوقف على حملها على قطع بعض الواجب لا جميعه ، وعلى حمل الغسل على المسح من باب الازدواج ، والاعتماد في الحمل على ذلك على الإجماع ليس بأولى من الاعتماد عليه في أصل الحكم.

[٣] هذا كما قبله في ظهور التسالم عليه ، وهو الحجة فيه ، كما سبق في قطع اليد أيضاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) كتاب من لا يحضره الفقيه ج : ١ ، باب حد الوضوء حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٣٨٧

( مسألة ٢٥ ) : لا إشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء [١] ، فلا يجوز المسح بماء جديد. والأحوط أن يكون بالنداوة الباقية في الكف [٢] ، فلا يضع يده بعد تمامية الغسل على سائر أعضاء الوضوء ، لئلا يمتزج ما في الكف بما فيها ، لكن الأقوى جواز ذلك [٣] ،

______________________________________________________

[١] كما تقدم وجهه في مسح الرأس.

[٢] لما يظهر من محكي عبارات كثير ، كالمقنعة والمبسوط والسرائر وكثير من كتب الفاضلين والشهيد ، من عدم جواز أخذ البلل من غير اليد مع وجوده فيها ، بل عن كشف اللثام وشرح المفاتيح للوحيد وحاشية المدارك اختياره. ويشهد له ما يتراءى من كثير من النصوص ، كالنصوص البيانية المتضمنة للمسح بما في اليد ، وكالآمرة بالمسح ببلل اليد ، وكالآمرة بالأخذ من بلل اللحية إن جف ما في اليد.

[٣] كما يقتضيه إطلاق كلام كثير ، وعن المقاصد العلية والمدارك اختياره ، بل هو الذي استظهره العلامة الطباطبائي من كلامهم فجعل جفاف اليد شرطاً لوجوب الأخذ من غيرها ، لا جوازه. لكنه غير ظاهر وإن كان يشهد له إطلاق الآية والروايات الآمرة بالمسح مطلقاً‌ ، وإطلاق ما في مكاتبة ابن يقطين‌ (١) من دون مقيد ظاهر ، إذ ما يتراءى منه التقييد لا يصلح له ، لما تقدم في الكلام على مسح الرأس من الإشكال في الوضوءات البيانية ، ومصحح ابن أذينة الوارد في المعراج‌ (٢) ، وأما الأمر بالأخذ من اللحية إن جف ما في اليد فلم نعثر منه إلا على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٨٨

______________________________________________________

المرسل في الفقيه عن الصادق (ع) : « إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك ، فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي‌ء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء » (١) ‌، فان قوله (ع) : « فان لم يكن .. » ‌وإن كان في نفسه ظاهراً في الترتيب الشرعي ، لكن لا يبعد حمله على إرادة التنبيه على محالّ البلل التي يترتب عرفاً وعادة الأخذ منها. ويشهد به عدم العثور ـ كما في الجواهر ـ على من أفتى بالترتيب بين اللحية وبين الحاجب وأشفار العين ، وعن ظاهر بعض دعوى الإجماع على عدمه. بل ولا يتوقف جواز الأخذ من الأخيرين على فقد اللحية ، كما هو مفاد المرسل. ولأجل ذلك لا يقوى مثله على تقييد المطلقات ومنه يظهر وجه حمل‌ مرسل خلف بن حماد عن الصادق (ع) : « قلت له : الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة؟ قال (ع) : إن كان في لحيته بلل فليمسح به : قلت : فان لم يكن له لحية؟ قال (ع) : يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه » (٢) ‌على الترتيب العادي لا الشرعي. هذا ولكن عرفت سابقاً (٣) ظهور مصحح زرارة‌ في الوجوب ، وقد تضمن مسح القدم اليمنى ببلة اليمنى والقدم اليسرى ببلة اليسرى. اللهم إلا أن يقال : إن المراد من المسح ببلة اليمنى ليس ما يقابل المسح ببلة اليسرى ، بأن يكون إطلاقه يقتضي المسح بالبلة المذكورة ولو بواسطة غير اليمنى ، بل المقصود المسح بنفس اليمنى المبتلة في مقابل المسح باليسرى ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٣) في مبحث مسح الرجلين ص : ٣٨٥.

٣٨٩

وكفاية كونه برطوبة الوضوء وإن كانت من سائر الأعضاء ، فلا يضر الامتزاج المزبور. هذا إذا كانت البلة باقية في اليد ، وأما لو جفت فيجوز الأخذ من سائر الأعضاء [١] بلا إشكال ، من غير ترتيب بينها على الأقوى [٢]. وإن كان الأحوط تقديم اللحية والحواجب على غيرهما من سائر الأعضاء [٣].

______________________________________________________

فالمقابلة تكون بين اليمنى واليسرى ، لا بين بلة اليمنى وبلة اليسرى ، لا أقل من احتمال ذلك على نحو لا يصلح الحديث لأجله أن يرفع به اليد عن إطلاق المسح المقتضي جواز المسح بمطلق بلل الوضوء. فلاحظ.

[١] يعني : ولو كان من غير اللحية والحاجبين وأشفار العينين ، كما صرح به في محكي المسالك والمدارك. والكلام فيه هو الكلام في ما قبله ، والمتحصل : أنه إن كان إطلاق المسح ببلل الوضوء حجة ، لعدم ثبوت المقيد له ، تعين ما ذكر من جواز الأخذ من سائر الأعضاء بلا ترتيب ، وإن لم يكن حجة لوجود المقيد تعين الترتيب بين بلل اليد وغيره. وأما الترتيب بين بلل اللحية وغيره ، فان قام الإجماع على انتفائه فهو ، وإلا فالمرسلان المذكوران يصلحان لإثباته. إلا أن يناقش فيهما لضعف السند والإطلاقات تنفيه. وعلى تقدير البناء على الترتيب فلا ينبغي التأمل في جواز الأخذ من غير الثلاث على تقدير فقدها أو فقد البلل فيها ، كما يعطيه ذيل المرسل المتقدم المعتضد بالإطلاقات.

[٢] كما عرفت.

[٣] أخذاً بما يتراءى بدواً من النص. وأحوط منه تقديم اللحية على الحاجب وأشفار العين ، كما يتراءى أيضاً من المرسلين.

٣٩٠

نعم الأحوط عدم أخذها مما خرج من اللحية عن حد الوجه [١] ، كالمسترسل منها. ولو كان في الكف ما يكفي الرأس فقط مسح به الرأس ثمَّ يأخذ للرجلين من سائرها ، على الأحوط ، وإلا فقد عرفت أن الأقوى جواز الأخذ مطلقاً.

( مسألة ٢٦ ) : يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح [٢] ، وأن يكون ذلك بواسطة الماسح [٣] لا بأمر آخر. وإن كان على الممسوح رطوبة خارجة ، فان كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح [٤] فلا بأس [٥] ،

______________________________________________________

[١] كأنه لاحتمال انصراف النصوص إلى خصوص المقدار المفروض غسله بالوضوء ، فيكون بلله بلل الوضوء ، وقد تقدم أن المقدار المسترسل مما لا يجب غسله ، فلا يعمه الإطلاق. ويظهر وجه الاحتياط الآتي مما مرّ آنفاً.

[٢] لأن المسح بالبلل كالمسح بالدهن ظاهر في ذلك ، لا مجرد المسح بالعضو متلبساً بالبلل ، كما صرح به جماعة كثيرة.

[٣] فإن ذلك مقوم لمفهوم المسح به ، فلو نقل رطوبة الماسح إلى الممسوح لا بامراره عليه ، بل بواسطة جسم آخر ، لم يجز.

[٤] بحيث تنتقل بلة الوضوء خالصة من الامتزاج بغيرها إلى الممسوح.

[٥] لإطلاق الأدلة بل ظاهر ما في محكي التذكرة من قوله رحمه‌الله : « لو كان على الرأس أو الرجل رطوبة ففي المسح عليها قبل تنشيفها إشكال » عدم الإشكال في جواز وجود رطوبة في المحل في الجملة ، لأن تقييد الاشكال بصورة عدم التنشيف يختص بالرطوبة المسرية ، لأنها الصالحة للتنشيف ، ونحوه أو أوضح منه في ذلك محكي الذكرى وغيرها. فتأمل.

٣٩١

وإلا لا بد من تجفيفها [١]. والشك في التأثير كالظن لا يكفي بل لا بد من اليقين [٢] ،

( مسألة ٢٧ ) : إذا كان على الماسح حاجب ولو وصلة رقيقة لا بد من رفعه [٣] ولو لم يكن مانعاً من تأثير رطوبته في الممسوح.

______________________________________________________

[١] كما هو المحكي عن جماعة ، منهم العلامة في المختلف ، وحكاه عن والده ، معللا له بحرمة التجديد ، ومع الرطوبة يكون المسح بماء جديد. ومحصل ما أشار إليه من التعليل : أن المستفاد من الأدلة اعتبار المسح ببلل الوضوء خالصاً ووجود الرطوبة مانع من ذلك ، إذ بوضع الماسح على المحل تنتقل الرطوبة إليه ، ولا يكون المسح ببلل الوضوء خالصاً ، ومنه يظهر ضعف ما حكي عن السرائر ، والمعتبر ، وربما نسب إلى الأكثر ، من أنه لو كان في ماء وغسل وجهه ويديه ثمَّ خرج منه جاز له مسح رأسه ورجليه ، لأن يديه لا تنفك عن ماء الوضوء ، ولا يضر ما كان على قدميه من الماء لعموم ظواهر الآيات والأخبار. وكأن ذلك لعدم اعتبار الخلوص ، كما هو صريح ما عن المعتبر أيضاً من جواز المسح بعد الغسلة الثالثة التي صرح بأنها غير مشروعة ( وفيه ) : أنه خلاف ظاهر ما دل على اعتبار المسح ببلل الوضوء ، فان ظاهره اعتبار الخلوص. ومن هنا يظهر أن المعيار في منع رطوبة الممسوح كونها بحيث تنتقل إلى الماسح قبل تحقق المسح ببلل الوضوء فيكون مسحاً بغيره ، ولا يكفي مجرد غلبة بلل الماسح ، كما عن الدروس إلا أن يكون المراد صورة استهلاك رطوبة الممسوح ، بحيث لا يكون المسح إلا ببلل الوضوء ، وإن كان فرض الاستهلاك مع اتحاد الجنس لا يخلو من إشكال.

[٢] لقاعدة الاشتغال.

[٣] لظهور الأدلة في اعتبار المباشرة.

٣٩٢

( مسألة ٢٨ ) : إذا لم يمكن المسح بباطن الكف يجزئ المسح بظاهرها [١] ، وإن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع إليه ثمَّ يمسح به [٢]. وإن تعذر بالظاهر أيضاً مسح بذراعه [٣] ، ومع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع [٤]. وإن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة‌

______________________________________________________

[١] أما بناءً على عدم اعتبار خصوص الباطن فظاهر ، وأما بناء على اعتباره ـ كما تقدم في المتن ـ فهو مبني على تمامية قاعدة الميسور ولو في خصوص المقام ، فإنه لا يظن من أحد التوقف فيه ، ولذا قال في محكي المدارك : « الظاهر أن محل المسح هو باطن اليد. نعم تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر قطعاً ». نعم يبقى الإشكال في تعيين الظاهر دون سائر الأعضاء. اللهم إلا أن يُبنى على أصالة الاحتياط في المقام ـ كما عرفت ـ أو يبنى على الاحتياط عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير الذي منه المقام ، أو يكون إجماع على وجوب الميسور عرفاً ، فإنه إنما ينطبق على الظاهر ، لأنه من الكف المشتمل عليها بعض النصوص ، أما الذراع مثلا فليس ميسور الباطن عرفاً. فتأمل.

[٢] لما تقدم من جواز المسح بمطلق بلل الوضوء ، إما مطلقاً ، أو مع فقد البلل عما يلزم المسح به ، كما هو المفروض.

[٣] الكلام فيه هو الكلام في سابقة ، وفي محكي المدارك : « لو تعذر المسح بالكف فالأقوى جوازه بالذراع ». ولم يتضح الفرق بين المسألتين بالقطع هناك وعدمه هنا ، ومجرد اختلاف التقييد بالباطن عن التقييد بالكف بالوضوح والخفاء لا أثر له في الفرق.

[٤] للوجه المتقدم في الكف.

٣٩٣

وعدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء [١]. وكذا بالنسبة إلى ظاهر الكف. فإنه إذا كان عدم التمكن من المسح به عدم الرطوبة وعدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل إلى الذراع ، بل عليه أن يعيد.

( مسألة ٢٩ ) : إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة ، بحيث توجب جريان الماء على الممسوح ، لا يجب تقليلها [٢] ، بل يقصد‌

______________________________________________________

[١] إذ لا موجب لسقوط المسح ببلل الوضوء مع إمكانه بالإعادة. وكذا الحال في ما بعده.

[٢] كما هو صريح محكي الذكرى ، حيث قال : « لا يقدح إكثار ماء الوضوء لأجل المسح ، لأنه من بلل الوضوء ، وكذا لو مسح بماء جار على العضو وإن أفرط الجريان ، لصدق الامتثال ، ولأن الغسل غير مقصود » ووجهه : ما عرفت الإشارة إليه في مبحث غسل الوجه ، من أن الغَسل والمسح وإن كانا متباينين مفهوماً وخارجاً ، إلا أن بينهما عموماً من وجه مورداً ، فالمسح مع كثرة الماء الممسوح به يلازمه الغسل ، وإن كان منشأ انتزاع المسح هو إمرار الماسح على المحل ، ومنشأ انتزاع الغَسل هو غلبة الماء على المحل. وبذلك يظهر ضعف ما عن المقاصد العلية من قوله رحمه‌الله : « الحق اشتراط عدم الجريان في المسح مطلقاً ، وأن بين المفهومين تبايناً كلياً. لدلالة الآية والأخبار والإجماع على أن الغسل لا يجزئ عن المسح ، ولا شك أن الماء الجاري على العضو على هذا الوجه ( يعني : بالمسح ) غسل ، لتحقق مفهومه ، فيجوز سوق الإجماع على عدم جوازه .. ». ووجه الضعف : أن الإجماع على عدم إجزاء الغسل لا يدل على عدم أجزاء المسح المصاحب له ، كما أن الإجماع على وجوب غسل الوجه واليدين وعدم‌

٣٩٤

المسح بإمرار اليد وإن حصل به الغسل ، والأولى تقليلها.

( مسألة ٣٠ ) : يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح [١] فلو عكس بطل. نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضر بصدق المسح.

( مسألة ٣١ ) : لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح ، من جهة الحر في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك ، ولو باستعمال ماء كثير بحيث كلما أعاد الوضوء لم ينفع ، فالأقوى جواز المسح بالماء الجديد [٢]. والأحوط المسح باليد اليابسة ،

______________________________________________________

الاجتزاء بالمسح لا يدل على عدم إجزاء الغسل المصاحب له ، كما هو ظاهر. ومنه يظهر الوجه في قول المصنف رحمه‌الله : « والأولى تقليلها ».

[١] بدعوى اعتباره في مفهوم المسح. لكنه غير ظاهر ، لصدق قولنا : مسحت يدي بالجدار ، ومسحت رجلي بالأرض. والفارق بين الماسح والممسوح أن الممسوح هو الذي يقصد إزالة شي‌ء عنه والماسح ما يكون آلة لذلك ، فان كان الوسخ باليد تقول : مسحت يدي بالجدار ، وإن كان الوسخ بالجدار تقول : مسحت الجدار بيدي ، واستعمال العكس مجاز.

[٢] كما عن المعتبر والبيان والمقاصد العلية وغيرها. لقاعدة الميسور الواردة على أدلة بدلية التيمم ، لظهور دليلها في صحة الوضوء الناقص ، وأدلة بدلية التيمم إنما تدل على بدليته في ظرف العجز عن الوضوء الصحيح نعم قد عرفت الإشكال في تمامية القاعدة المذكورة ، لضعف دليلها بالإرسال وعدم ثبوت الجابر لها. ورواية عبد الأعلى مولى آل سام‌ (١) ـ الواردة في من عثر فانقطع ظفره فوضع على إصبعه مرارة ـ ظاهرة في مجرد نفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٩٥

______________________________________________________

لزوم رفع المرارة والمسح على البشرة ، بقرينة التمسك بآية نفي الحرج التي هي نافية لا مثبتة ، ولا تعرض فيها لقاعدة وجوب الوضوء الناقص عند تعذر التام. واستصحاب وجوب المسح ـ كما اعتمد عليه في المستند لإثبات وجوب الوضوء الناقص ـ غير تام إذ المتيقن سابقاً هو وجوب المسح ببلل الوضوء ، وهو معلوم الارتفاع. مع أن الاستصحاب يختص بصورة طروء العذر في الوقت ، إذ لو كان ثابتاً قبل الوقت كان الاستصحاب تعليقياً ، والاشكال فيه معلوم. وإطلاق أدلة المسح ، بعد قصور أدلة اعتبار المسح ببلل الوضوء ، لاختصاص الأدلة المذكورة بصورة القدرة ـ كما استند اليه في الجواهر ـ مدفوع بمنع القصور ، لإطلاق أدلة التقييد ببلل الوضوء من الإجماع وغيره ، ولا ينافي الإجماع على التقييد بناء جماعة على السقوط في المقام لظهور أن بناءهم على ذلك من قبيل وجوب الميسور ، لا لعدم المقتضي.

وأما عدم ذكر الأصحاب في عداد مسوغات التيمم عدم التمكن من المسح بنداوة الوضوء ، فغير كاف في وجوب الوضوء الناقص ، وعدم مشروعية التيمم ، لإمكان فهم مشروعيته من إطلاق كلماتهم ، فإنهم أطلقوا مشروعية التيمم عند العجز عن الوضوء ، الظاهر في الوضوء التام الصحيح وحكمهم بوجوب الوضوء الناقص في كثير من موارد العجز عن الوضوء التام لا يصلح أن يكون دليلا في المقام ، لإمكان الفرق بين الموارد في ذلك. وكأنه لهذا احتمل في محكي جامع المقاصد ، والمدارك ، والأنوار القمرية ، وجوب التيمم ، بل عن المقاصد العلية حكاية ذلك قولا.

ثمَّ إنه لو بنى على تمامية قاعدة الميسور فالظاهر صدقه على المسح بماء جديد ، لا المسح باليد المجردة ، لشبهة أن الماء الجديد أجنبي عن بلل الوضوء فكيف يكون المسح به ميسوراً له؟!. إذ يدفعها ـ مع أن القول بذلك‌

٣٩٦

ثمَّ بالماء الجديد ، ثمَّ التيمم أيضاً [١].

( مسألة ٣٢ ) : لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع ويمسح إلى الكعبين بالتدريج ، فيجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل ويجرها قليلا بمقدار صدق المسح [٢].

______________________________________________________

لم يعرف لأحد ـ أن ذلك لا ينافي صدق الميسور بحسب ارتكاز العرف الناشئ من فهمهم من الخطاب وجوب أمرين : رطوبة العضو ، وكونها رطوبة اليد ، فاذا تعذر الثاني بقي الأول. ومنه يظهر ضعف القول بسقوط المسح رأساً ، بدعوى عدم جريان القاعدة عند تعذر القيود ، لعدم صدق الميسور عرفاً. وجه الضعف : أن الظاهر صدقه عرفاً.

ثمَّ إنه ربما يقال بأنه إذا شك في تمامية قاعدة الميسور فالواجب الجمع بين الوضوء الناقص والتيمم ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، وأصالة عدم وجوب الوضوء الناقص لا يجدي في تعيين التيمم ، إذ لم يؤخذ مجرى الأصل المذكور في لسان الأدلة موضوعاً لوجوب التيمم. وأما عدم القدرة على الوضوء فلو سلم كونه موضوعاً لوجوب التيمم فليس مجرى للأصل للعلم بالقدرة على الناقص ، وبعدم القدرة على التام ، وإنما الشك في صحة الناقص وعدمها. وفيه : أن إطلاق أدلة الجزئية والشرطية كاف في إثبات عدم مشروعية الناقص وعدم القدرة على الوضوء الصحيح ووجوب التيمم. وسيجي‌ء إن شاء الله في أحكام الجبائر ما له نفع في المقام.

[١] أخذاً بالاحتمالات الثلاثة. لكن الظاهر كفاية الأخيرين ، إذ لا يحتمل قدح الماء الجديد ، كما لعله ظاهر.

[٢] لإطلاق دليل وجوب المسح ، المقتضي لعدم الفرق بين التدريج‌

٣٩٧

( مسألة ٣٣ ) : يجوز المسح على الحائل كالقناع والخف والجورب ونحوها ـ في حال الضرورة من تقية أو برد [١] يخاف منه على رجله ، أو لا يمكن معه نزع الخف مثلا ، وكذا لو خاف من سبع أو عدو أو نحو ذلك مما يصدق عليه الاضطرار‌

______________________________________________________

والدفعة. وما في صحيح البزنطي (١) الوارد في كيفية المسح على القدمين‌ محمول على بيان المقدار العرضي ـ كما قد يقتضيه السؤال الثاني ـ لا لزوم التدريج مع أنك عرفت وجوب حمله على الاستحباب ، ومعارضته بما دل على جواز النكس ، ومع ذلك لا يقوى على تقييد الإطلاق.

[١] أما في البرد فإجماع ، كما عن ظاهر الناصريات وصريح الخلاف والمختلف والتذكرة والذكرى ، وفي الحدائق : « ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق عليه ». ويشهد به‌ الصحيح عن أبي الورد : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن أبا ظبيان حدثني أنه رأى علياً (ع) أراق الماء ثمَّ مسح على الخفين. فقال (ع) : كذب أبو ظبيان ، أما بلغكم قول علي (ع) فيكم : سبق الكتاب الخفين. فقلت هل فيهما رخصة؟ فقال (ع) : لا ، إلا من عدو تتقيه ، أو ثلج تخاف على رجليك » (٢). وضعفه بأبي الورد ـ لو سلم ـ مجبور بالعمل. وفي حاشية الوحيد رحمه‌الله في الرجال : « ربما أجمع على العمل بروايته في المقام ». مع أنه عده في الوجيزة في الممدوحين ، وأن في السند حماد بن عثمان وهو من أصحاب الإجماع. فتأمل. ومورده وإن كان هو الخف والثلج ، لكن يجب التعدي عنهما إلى مطلق الحائل والضرورة ، للإجماع المتقدم. مع إشعار الخوف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٣٩٨

______________________________________________________

المذكور فيه في ذلك. وأما رواية عبد الأعلى المتقدمة في مسألة كفاية المسمى عرضاً فقد عرفت الاشكال فيها ، فلا مجال لاستفادة القاعدة الكلية منها. نعم لأجل كون موردها المرارة ، كالحناء التي هي مورد بعض النصوص ـ المحمول على الضرورة ـ يسهل التعدي من موردها إلى مطلق الحائل.

وأما في التقية فقد نفى الخلاف فيه غير واحد. ويشهد له خبر أبي الورد المتقدم‌. مضافاً إلى عمومات مشروعية التقية ، بناء على دلالتها على الصحة والاجزاء ، وقد عقد لها في الوسائل في كتاب الأمر بالمعروف أبواباً (١). فراجعها. وعن ظاهر المعتبر والمقنع عدم الجواز ، وعن المفاتيح الميل اليه. لمصحح زرارة : « هل في مسح الخفين تقية؟ فقال عليه‌السلام : ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً : شرب المسكر ، والمسح على الخفين ، ومتعة الحج » (٢). و‌في المصحح عن أبي عمر : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا عمر تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له. والتقية في كل شي‌ء إلا في شرب النبيذ ، والمسح على الخفين ، ومتعة الحج » (٣). وقد تأولها الأصحاب بوجوه مذكورة في المطولات. والجمع العرفي بينها وبين خبر أبي الورد‌ يقتضي حملها على نفي الوجوب ، ويكون المراد من الرخصة في خبر أبي الورد‌ الرخصة على غير وجه الوجوب. ولعله مراد زرارة‌ حيث قال في ذيل مصححه الأول : « ولم يقل : الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحداً ». ويحتمل أن يكون مراد زرارة أن عدم الاتقاء من خواصه. لكنه ينافيه ظاهر السؤال ، وبقية الأخبار. ويحتمل أن يكون المراد نفي التقية فيها موضوعاً ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها‌

__________________

(١) راجع الوسائل في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب : ٢٤ الى باب : ٣٦‌

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث : ٢.

٣٩٩

من غير فرق بين مسح الرأس والرجلين [١]. ولو كان الحائل متعدداً لا يجب نزع ما يمكن [٢] ، وإن كان أحوط. وفي المسح على الحائل أيضاً لا بد من الرطوبة المؤثرة في الماسح [٣] ، وكذا سائر ما يعتبر في مسح البشرة.

( مسألة ٣٤ ) : ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضاً مسوغ للمسح عليه [٤] ، لكن لا يترك الاحتياط بضم التيمم أيضاً.

( مسألة ٣٥ ) : إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها ، ولم يكن بد من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت [٥].

______________________________________________________

فلا يكون في ترك المسح على الخفين خوف الضرر. ولعله الأقرب.

[١] لإطلاق معاقد الإجماع ، بل صريح غير واحد الاتفاق في المقامين. وهذا هو العمدة في عموم الحكم للرأس في الضرورة غير التقية. أما ضرورة التقية فعموم أدلتها كافية فيه ، فلا مجال لاحتمال الانتقال إلى التيمم فيها ، وإن حكي ذلك عن بعض فيها وفي غيرها من الضرورات. نعم لا بأس به في غيرها لو لا الإجماع.

[٢] للإطلاق المتقدم.

[٣] لأن ظاهر الدليل كون الحائل بمنزلة البشرة ، فيعتبر في المسح عليه ما يعتبر في المسح عليها ، وقد تقدم اعتبار ذلك فيه.

[٤] لأن ظاهر الضرورة في كلام الأصحاب ما يعم ذلك. وكذا خبر أبي الورد‌ ، بعد البناء على التعدي عن مورده. لكن هذا المقدار غير كاف في عموم الحكم للفرض ، لاحتمال اختصاص الضرورة في كلامهم بغير ذلك ولأن التعدي عن مورد خبر أبي الورد‌ حتى إلى المقام غير واضح.

[٥] لأنه المتيقن من معقد الإجماع ، ولا إطلاق في خبر أبي الورد‌ ،

٤٠٠