مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

( مسألة ٤٧ ) : التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه ‌

______________________________________________________

فقال (ع) : سله هذا الذي يأتيه من أي شي‌ء هو؟ فإنه يقول لك : من عمل الشيطان » (١) ‌، وقريب منها غيرها.

ومورد الجميع عدا صحيح ابن سنان هو الصلاة ، والتعدي منها إلى الوضوء غير ظاهر ، وكونه من توابع الصلاة وشرائطها غير كاف في ذلك. وأما التعليل فالالتزام به على إطلاقه مشكل. مضافاً الى أنه إنما يقتضي التعدي لو أحرز كون الشك من الشيطان ، وما تضمنته النصوص من أن كثرة الشك في الصلاة من الشيطان لا يقتضي أن تكون كثرة الشك في غيرها من الافعال من الشيطان. وبالجملة : الذي يستفاد من التعليل عموم الحكم لكل شك علم أنه من الشيطان ، لا عموم الحكم لكثرة الشك مطلقاً. ثمَّ إن إحراز كون الشك من الشيطان موكول إلى ما هو المرتكز عند المتشرعة على ما يظهر من الصحيح وخبر الواسطي الآتي. ومنه يظهر الإشكال في الصحيح الأخير أيضاً ، لا سيما مع عدم ظهور له في المقام ، لقرب حمله على الوسواس الذي لا إشكال في عدم الاعتناء به.

وأما ما قد يظهر من‌ خبر الواسطي : « أغسل وجهي ثمَّ أغسل يدي فيشككني الشيطان أني لم أغسل ذراعي ويدي. قال (ع) : إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد » (٢) ‌من وجوب الإعادة في الجملة مع إحراز كون الشك من الشيطان ، فلا مجال للعمل به في قبال ما عرفت. ولعل مورده الوسواس ، فيكون به وارداً مورد التنبيه على ما يرتفع به الوسواس.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

٥٢١

حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء [١] ، وكذا الغسل والتيمم بدله ، بل المناط فيها التجاوز عن محل المشكوك فيه وعدمه ، فمع التجاوز تجري قاعدة التجاوز ، وإن كان في الأثناء ، مثلا إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة في أنه ضرب بيديه على الأرض أم لا يبني على أنه ضرب بهما ، وكذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنه غسل رأسه أم لا لا يعتني به. لكن الأحوط إلحاق المذكورات أيضاً بالوضوء.

( مسألة ٤٨ ) : إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل ، أو مسح في موضع الغسل ، أو غسل في موضع المسح ، ولكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة أو ضرورة أو تقية أو لا ، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي الظاهر الصحة ، حملا للفعل على الصحة ، لقاعدة الفراغ أو‌

______________________________________________________

[١] لعدم الدليل عليه ، واختصاص صحيح زرارة المتقدم بالوضوء ، ولا إجماع على الإلحاق ليعول عليه ، ومجرد البدلية عن الوضوء لا توجب الإلحاق به قطعاً ، فعموم ما دل على عدم الاعتناء بالشك في وجود الشي‌ء بعد التجاوز عنه ، كما‌ في صحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » ‌، و‌صحيح إسماعيل : « كل شي‌ء شك فيه مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (١) ‌محكم. وخصوص موردهما ـ أعني : الصلاة ـ لا يوجب اختصاصهما بها لأن خصوص المورد لا يخصص الوارد ، وإلا لزم الاقتصار على خصوص ما ذكر في السؤال دون غيره من موارد الشك في الجزء الصلاتي ، وقد‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في مسألة : ٤٥.

٥٢٢

غيرها. وكذا لو علم أنه مسح بالماء الجديد ولم يعلم أنه من جهة وجود المسوغ أو لا ، والأحوط الإعادة في الجميع [١].

( مسألة ٤٩ ) : إذا تيقن أنه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله ، ولكن شك في أنه أتمه على الوجه الصحيح أو لا ، بل عدل عنه اختياراً أو اضطراراً ، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ ، فيجب الإتيان به ، لأن مورد القاعدة ما إذا علم كونه‌

______________________________________________________

ادعى في الجواهر أنها قاعدة محكمة في الصلاة وغيرها من الحج والعمرة وغيرهما. ومنه يظهر الحال في الغسل والتيمم بدلا عنه ، وإن ادعى شيخنا الأعظم في طهارته الشهرة المحققة على الإلحاق في الأول ، إذ هي غير كافية فيه ، لا سيما وأن شيخنا في الجواهر ادعى عدم العثور على القائل به عدا الفاضل في الرياض ، وأن منشأ الوهم في دعوى الشهرة ما في بعض عبارات الأصحاب ـ كالمحقق وغيره ـ من ذكر لفظ الطهارة الشاملة للوضوء وغيره مع أن الظاهر إرادة الوضوء منه لذكرهم ذلك في بابه ، وإن كان ما ذكره رحمه‌الله لا يخلو من خدش ، فراجع طهارة شيخنا الأعظم رحمه‌الله.

[١] لاحتمال اختصاص قاعدة الفراغ بالشك في صحة الموظف وفساده فارغاً عن كونه موظفاً ، فلا تعم صورة الشك في الصحة ، للشك في كون المأتي به موظفاً كما في الأمثلة المذكورة ، ولازمه عدم جريانها فيما لو علم أنه صلى تماماً ولم يعلم أنه كان حاضراً أو مسافراً ، لكن الاحتمال المذكور منفي بإطلاق الأدلة المتقدمة ، أو لاحتمال انصراف أدلتها عما لو كان الشك في الصحة ناشئاً عن الشك في توظيف المأتي به الناشئ عن طروء العناوين الثانوية ، فهي وإن عمت صورة كون الشك في توظيفه ، لكنها تختص بالتوظيف الناشئ عن مقتضى العناوين الأولية ، فلو توضأ وشك في صحة‌

٥٢٣

بانياً على إتمام العمل وعازماً عليه ، إلا أنه شاك في إتيان الجزء الفلاني أم لا [١] ، وفي المفروض لا يعلم ذلك. وبعبارة أخرى : مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان. لا احتمال العدول عن القصد.

( مسألة ٥٠ ) : إذا شك في وجود [٢] الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو في الأثناء ، وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه ، إن لم يكن مسبوقاً بالوجود ، وإلا وجب تحصيل اليقين ، ولا يكفي الظن. وإن شك بعد الفراغ في أنه كان موجوداً أم لا بنى على عدمه [٣] ، ويصح وضوؤه. وكذا إذا تيقن أنه كان موجوداً وشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا. نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل‌

______________________________________________________

وضوئه من جهة احتمال حرمة الوضوء عليه لرمد ونحوه جرت قاعدة الفراغ ، ولكنها لا تجري في مثل الفروض المذكورة في هذه المسألة ، وهذا الاحتمال أيضاً لا يعول عليه في قبال الإطلاق. نعم إذا كان الشك في الصحة ناشئاً من الشك في أصل التوظيف ، كما لو صلى وشك في أن صلاته كانت قبل الوقت أو بعد دخوله ، لم تجر القاعدة ، لخروجه عن مورد أدلتها.

[١] قد عرفت اختصاص القاعدة بصورة تحقق الفراغ البنائي ، ولم يُحرز في الفرض.

[٢] تقدم الكلام في هذه المسألة في غسل الوجه ، وفي الثالث من شرائط الوضوء. فراجع.

[٣] لقاعدة الفراغ فيه وفي ما بعده.

٥٢٤

إذا علم أنه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل ، ولكن شك في أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا ، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه [١] ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة. وكذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه وشك في كونه موجوداً حال الوضوء أو طرأ بعده ، فإنه يبني على الصحة ، إلا إذا علم أنه في حال الوضوء لم يكن ملتفتاً إليه ، فإن الأحوط الإعادة حينئذ.

( مسألة ٥١ ) : إذا علم بوجود مانع ، وعلم زمان حدوثه وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة لقاعدة الفراغ ، إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء ، فالأحوط الإعادة حينئذ [٢].

( مسألة ٥٢ ) : إذا كان محل وضوئه من بدنه نجساً فتوضأ وشك بعده في أنه طهره ثمَّ توضأ أم لا ، بنى على بقاء النجاسة [٣] فيجب غسله لما يأتي من الأعمال ، وأما وضوؤه فمحكوم بالصحة‌

______________________________________________________

[١] قد تقدم في المسألة الحادية عشرة من فصل الماء المشكوك ضعف هذا الاشكال ، لا سيما بملاحظة‌ حسن الحسين بن أبي العلاء : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخاتم إذا اغتسلت. قال (ع) : حوله من مكانه وقال في الوضوء : تدره ، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة » (١).

[٢] للإشكال المتقدم ، الذي أشرنا إلى ضعفه.

[٣] للاستصحاب. ولا ينافيه قاعدة الفراغ الجارية في الوضوء ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٥٢٥

عملا بقاعدة الفراغ ، إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة [١]. وكذا لو كان عالماً بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقاً على الوضوء ، ويشك في أنه طهره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا [٢] ، فان وضوءه محكوم بالصحة ، والماء محكوم بالنجاسة. ويجب عليه غسل كل ما لاقاه [٣] ، وكذا في الفرض الأول ، يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة [٤].

( مسألة ٥٣ ) : إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه بنى على صحتها [٥] ، لكنه محكوم ببقاء حدثه [٦] ، فيجب عليه‌

______________________________________________________

لاختصاص نظرها بحيثية صحة الوضوء ، فلا تصلح لإثبات طهارة الأعضاء بلحاظ جميع الآثار الأجنبية عن صحة الوضوء ، مثل صحة الصلاة ، والتفكيك بينهما جائز قطعاً. كما أن العلم الإجمالي بكذب أحد الأصلين من القاعدة والاستصحاب لا يقدح في جريانهما ، لأنه لا يلزم من جريانهما معاً مخالفة عملية ، كما حرر في محله.

[١] للإشكال المتقدم.

[٢] الكلام فيه كما قبله.

[٣] عملا بالاستصحاب.

[٤] لنجاسة الماء بمقتضى استصحاب نجاسة الأعضاء ، فينجس كل ما يلاقيه.

[٥] لقاعدة الفراغ الجارية فيها.

[٦] لاستصحاب بقاء الحدث ، الذي لا يعارضه قاعدة الفراغ في الصلاة ، لما عرفت.

٥٢٦

الوضوء للصلوات الآتية ، ولو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء [١]. والأحوط الإتمام مع تلك الحالة [٢] ، ثمَّ الإعادة بعد الوضوء.

( مسألة ٥٤ ) : إذا تيقن بعد الوضوء أنه ترك منه جزءاً أو شرطاً أو أوجد مانعاً ، ثمَّ تبدل يقينه بالشك ، يبني على الصحة عملا بقاعدة الفراغ ، ولا يضرها اليقين بالبطلان بعد تبدله بالشك. ولو تيقن بالصحة ثمَّ شك فيها فأولى بجريان القاعدة.

( مسألة ٥٥ ) : إذا علم قبل تمام المسحات أنه ترك غسل اليد اليسرى ، أو شك في ذلك ، فأتى به وتمم الوضوء ، ثمَّ علم‌

______________________________________________________

[١] فإن قاعدة الفراغ وإن اقتضت صحة الأجزاء التي فرغ منها ، الا أنها لما لم تصلح لإثبات الطهارة بلحاظ الغايات التي لم يدخل فيها لم يكن لبقية الصلاة مصحح.

[٢] لاحتمال جريان قاعدة التجاوز لإثبات الوضوء قبل الدخول في الصلاة ، بناء على أن الشرط نفس الوضوء. فيكون نظير الأذان والإقامة مما له محل معين ، يكون الشك فيه في أثناء الصلاة شكا بعد التجاوز. ولكن المبنى المذكور ضعيف ، وان كان قد يساعده ظاهر الآية الشريفة : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) (١) ، الا أنه خلاف ظاهر‌ قولهم (ع) : « لا صلاة إلا بطهور » (٢) ‌وغيره ، الظاهر في اعتبار الطهارة في الصلاة فتكون من الشروط المقارنة لأجزاء الصلاة ، ليس لها محل معين يصدق التجاوز عنه ، فهي نظير الاستقبال والستر.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٥٢٧

أنه كان غسله ، يحتمل الحكم ببطلان الوضوء ، من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد. لكن الأقوى صحته ، لأن الغسلة الثانية مستحبة على الأقوى ، حتى في اليد اليسرى ، فهذه الغسلة كانت مأموراً بها في الواقع ، فهي محسوبة من الغسلة المستحبة ، ولا يضرها نية الوجوب [١]. لكن الأحوط إعادة الوضوء ، لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها [٢]. هذا ولو كان آتياً بالغسلة الثانية المستحبة وصارت هذه ثالثة تعين البطلان ، لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

فصل في أحكام الجبائر

وهي الألواح الموضوعة على الكسر [٣] ، والخرق ،

______________________________________________________

[١] لأنه من قبيل الاشتباه في التطبيق ، فهو في الحقيقة ناو للأمر الواقعي المتعلق بالغسل ، الذي يعتقد أنه على سبيل الوجوب ، وتخلف الاعتقاد لا يوجب فساد العبادة ، كما تقدمت الإشارة إليه في فصل الغايات. ومنه يظهر أنه لو كان ناوياً للوجوب على سبيل التقييد أشكل الحال ، كما سبق.

[٢] هذا الاحتمال وإن كان ضعيفاً جداً ، لكفاية القصد الإجمالي ـ كما في سائر المقامات ـ إلا أنه منشأ لحسن الاحتياط. وكان الأولى أن يجعل منشأ الاحتياط احتمال أن يكون الامتثال على وجه التقييد ، كما عرفت والله سبحانه أعلم ، وله الحمد أولا وآخراً. ٤ ذي الحجة ١٣٤٨.

فصل في الجبائر‌

[٣] ظاهر غير واحد أنها في الأصل مختصة بالكسر ـ كما تساعده‌

٥٢٨

والأدوية الموضوعة على الجروح والقروح والدماميل. فالجرح ونحوه إما مكشوف أو مجبور ، وعلى التقديرين إما في موضع الغسل أو في موضع المسح ، ثمَّ إما على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء ثمَّ إما يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن. فإن أمكن ذلك بلا مشقة ولو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه في الماء حتى يصل إليه ، بشرط أن يكون المحل والجبيرة طاهرين ، أو أمكن تطهيرهما وجب ذلك [١]. وإن لم‌

______________________________________________________

المادة ـ وتعميمها لما يوضع على القروح والجروح توسع من الفقهاء ـ كما قيل ـ لعدم الفرق بينهما في الحكم. وقد يشير إلى التوسع‌ صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام : « عن الكسير تكون عليه الجبائر ، أو تكون به الجراحة ، كيف يصنع بالوضوء ، وعند غسل الجنابة ، وغسل الجمعة؟ فقال (ع) : يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر ، ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته » (١). والأمر سهل.

[١] أما أصل الوجوب في الجملة فلا إشكال فيه ولا خلاف ، فإنه مقتضى ما دل على وجوب الوضوء التام ، وقصور أدلة بدلية غيره عن شمول الفرض. مضافاً إلى‌ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ. فقال (ع) : ان كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها قال : وسألته عن الجرح كيف اصنع به؟ قال : اغسل ما حوله » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٥٢٩

______________________________________________________

و‌موثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء ، فلا يقدر أن يحله لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال (ع) : إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ، ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده » (١).

وأما التخيير بين النزع والغسل وبين تكرار الماء وبين الرمس فهو المحكي عن ظاهر جماعة ، وعن المدارك نفي الخلاف في التخيير بين الأولين وعن الحدائق ظاهر الإجماع عليه ، بل في طهارة شيخنا الأعظم رحمه‌الله نفي الخلاف والاشكال في التخيير بين الثلاثة. وهو في محله ، بناء على ما عرفت من عدم اعتبار الجريان في مفهوم الغسل والاكتفاء فيه بمجرد الغلبة والاستيلاء ، لحصول ذلك في الجميع ، وكذا بناء على اعتبار الجريان فيه إذا كان يحصل بالتكرار والوضع في الماء. نعم يشكل بناء على اعتباره فيه مع عدم حصوله بهما. بل يشكل أيضاً بناء على اعتبار الترتيب في أجزاء العضو ، لعدم حصوله غالباً إلا بالنزع. ويشهد له ما‌ في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها » ‌وهو ظاهر محكي التذكرة : « الجبائر إن أمكن نزعها نزعت واجبا وغسل ما تحتها إن أمكن ، وإن لم يمكن وأمكن إيصال الماء الى ما تحتها بأن يكرره عليه أو يغمسه في الماء وجب » ، وفي الذخيرة احتمل أن يقال : ان الغسل المستفاد من الأدلة عرفاً ما كان خالياً عن الحائل ، وإلا لزم جواز الاكتفاء به ، وان أمكن النزع ، والظاهر أنهم لا يقولون به. الا أن يقال : هذا مستثنى بالإجماع انتهى. ويقتضي ظاهر هذه العبارة أن وجوب النزع مع الإمكان إجماعي ، لكن بقرينة ما قبل هذه العبارة يكون ظاهرها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

٥٣٠

يمكن ـ إما لضرر الماء [١] ، أو للنجاسة وعدم إمكان التطهير [٢] ،

______________________________________________________

الإجماع على عدم الاجتزاء بالغمس عند إمكان النزع ، والتكرار مع عدم النزع ، وهو مخالف لما تقدم من كلمات الجماعة. وكيف كان فالظاهر تحقق مفهوم الغسل بمجرد غلبة الماء على المحل ولو في حال وجود الحائل ، فإطلاق ما دل على الاجتزاء بالغسل محكم. والصحيح المذكور لا يقوى على تقييده ، لاحتمال كون الأمر فيه للإرشاد إلى التخلص عن بلل الخرقة والا فمن البعيد جداً أن يكون ذو الجبيرة أشد حكما من غيره. نعم إذا كان الغسل مع الحائل إما بالتكرار أو بالغمس فلا بد فيه من الاحتفاظ بالترتيب المعتبر بين أجزاء العضو الأعلى فالأعلى ـ على ما تقدم في الوضوء الارتماسي ـ فلو لم يمكن تعين النزع.

[١] كما نص عليه في صحيح الحلبي‌ وغيره.

[٢] عن المدارك : أنه لا خلاف فيه. ولعله ظاهر ما عن جامع المقاصد وكشف اللثام. نعم احتمل الأخير اختصاص الحكم بصورة تضاعف النجاسة. وكيف كان فان تمَّ إجماع فهو ، وإلا فإلحاقه بصورة لزوم الضرر مشكل ، لقصور نصوص الباب عن شموله ، إذ مورد بعضها خصوص صورة حصول الضرر بإيصال الماء إلى المحل ، كصحيح الحلبي المتقدم‌ ، وظاهر‌ خبر كليب الأسدي قال (ع) فيه : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره » (١) ‌، وظاهر الآخر خصوص صورة عدم القدرة على إيصاله من وراء الجبيرة مع الضرر بنزعها كصحيح ابن الحجاج المتقدم‌ وخبر عبد الأعلى الوارد في المرارة‌ (٢) ، وحسن الوشاء الوارد في الدواء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٥٣١

أو لعدم إمكان إيصال الماء تحت الجبيرة ولا رفعها [١] ـ فان‌

______________________________________________________

المطلي على يد الرجل‌ قال (ع) : « نعم يمسح عليه ويجزيه » (١). نعم قد يستفاد من‌ مصحح ابن سنان « عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال (ع) : يغسل ما حوله » (٢) ‌ونحوه ذيل صحيح الحلبي من جهة غلبة نجاسة الجرح‌ ، فالسؤال عنه ينصرف إلى السؤال عن نجاسته. لكن لا يظهر منه أن المانع من الوضوء الاختياري هو جهة النجاسة ، بل من القريب أن يكون هو لزوم الضرر من استعمال الماء ، المانع ذلك من تطهير المحل والوضوء التام. وحمله على أن السؤال من جهة النجاسة ، التي لا يمكن رفعها من جهة دوام نبع الدم ، لا من جهة الضرر ، لا قرينة عليه ، لا أقل من إجمال الجهة المسؤول عنها المانع من صحة الاستدلال على ما نحن فيه. ولا مجال للتمسك بترك الاستفصال على عموم الحكم ، لأن ترك الاستفصال إنما يقتضي العموم الأحوالي مع تعين الجهة المسؤول عنها ، لا أنه يقتضي عموم الحكم في الجواب لجميع الجهات التي يمكن أن يكون السؤال بلحاظها ، فما لم تكن قرينة على تعيين الجهة يكون الكلام مجملا. وأما مجرد اعتبار طهارة محال الوضوء فلو تمَّ أوجب تعذر الطهارة المائية ، لا صحة وضوء الجبيرة ، إلا بناء على تمامية قاعدة الميسور في المقام. وكذا لو لزم من إيصال الماء تضاعف النجاسة الذي تقدم عن كشف اللثام المفروغية عن ثبوت الحكم فيه. فإذاً العمدة في جريان الحكم في المقام دعوى نفي الخلاف ، وقاعدة الميسور ، والاعتماد على الأولى محل تأمل ، وسيأتي إن شاء الله الإشكال في القاعدة.

[١] كما عرفت وجهه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٥٣٢

كان مكشوفاً يجب غسل أطرافه [١] ووضع خرقة طاهرة عليه والمسح عليها مع الرطوبة [٢]. وإن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعين ذلك إن لم يمكن غسله ـ كما هو المفروض ـ وإن لم يمكن وضع الخرقة أيضاً اقتصر على غسل أطرافه.

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال.

[٢] المحكي عن جماعة ـ بل في جامع المقاصد في مبحث التيمم نسبته إلى نص الأصحاب ـ الاكتفاء في الجرح المكشوف بغسل ما حوله ، وفي المدارك : « ينبغي القطع بذلك ». لظاهر مصحح ابن سنان المتقدم‌ ، ومثله ما في ذيل صحيح الحلبي‌. وفي التذكرة ، والدروس ، والمعتبر ، وعن النهاية وغيرها : وجوب مسحه. وعلله في محكي النهاية بأنه أحد الواجبين ولتضمن الغسل إياه فلا يسقط بتعذر أصله. وأشكل عليه بما لا يخفى ، إذ كونه أحد الواجبين لا يقتضي بدليته عن الآخر ، وتضمن الغسل إياه ممنوع ، لما عرفت من تباين الغسل والمسح مفهوماً وخارجاً ، وإنما بينهما عموم من وجه مورداً ، وهذا المقدار غير كاف في اقتضاء قاعدة الميسور وجوب المسح عند تعذر الغسل لو تمت. نعم قد يستفاد ذلك من فحوى ما دل على وجوب مسح الجبيرة إذا تعذر غسل البشرة. لكن قد يوهنها ما في صحيح الحلبي‌ من الأمر بالمسح على الجبيرة في صدره ، والسكوت عن المسح على الجرح في ذيله ، وكون مورده صورة إيذاء الماء لا ينافي ذلك ، لأن الظاهر منه الإيذاء بنحو الغسل لا مطلقاً. إلا أن يقال : الإيذاء من جهة الغسل يمنع من إمكان تطهير الجرح ، فلا يمكن المسح عليه ، فيكون مورد السؤال صورة امتناع المسح ، فلا تدل الرواية على عدم وجوبه. بل إطلاق قوله : « يؤذيه الماء » ‌أنه يؤذيه ولو بنحو المسح‌

٥٣٣

لكن الأحوط ضم التيمم إليه [١]. وإن كان في موضع المسح ولم يمكن المسح عليه كذلك يجب وضع خرقة طاهرة ،

______________________________________________________

بل بناء على أصالة الاحتياط في المقام يكون مقتضاها الوجوب.

ثمَّ على القول به لو تعذر ذلك فهل يجب وضع جبيرة عليه والمسح عليها؟ قولان ، والأوفق بظاهر الخبرين السابقين ـ بناء على حملهما على صورة تعذر المسح على البشرة ـ هو العدم حيث لم يتعرض فيهما لذلك. واستفادته من الأمر بالمسح على الجبيرة غير ظاهرة ، لأن موضوعه الجبيرة الموضوعة ، فهي من قبيل شرط الوجوب لا الواجب. نعم بناء على إهمال الخبرين التعرض لهذه الجهة ، بل كونهما في مقام نفي غسل الجرح نفسه وإن وجب مسحه ، فاذا تعذر يتعين وضع الجبيرة ، والمسح عليها ، لأصالة الاحتياط ، بناء على كون المقام من قبيل الشك في المحصل ، كما تقدم في أوائل الوضوء تقريبه.

ثمَّ إن الظاهر من المتن أن المكشوف من القرح والجرح والكسر كلها بحكم واحد ، وعن شرح الدروس : أن الأصحاب ألحقوا الكسر المجرد عن الجبيرة أيضاً بالجرح في الحكم. وكذا كل داء في العضو لا يمكن بسببه إيصال الماء إليه. انتهى ونحوه كلام غيره. ولكن استفادة ذلك من النص الوارد في الجرح محل تأمل.

[١] لاحتمال خروج الفرض عن مورد النصوص ، لأن حكم الجبيرة مورده الجبيرة المضطر إليها لا مطلق الخرقة الملفوفة على العضو ، فيتعين فيه التيمم. لكن هذا الاحتياط ضعيف جداً ، لأن الصحيحين كالصريحين في الجرح المكشوف ، وغاية ما يناقش فيهما عدم ظهورهما في الاجتزاء بذلك بل لا بد من مسح الجرح إن أمكن ، فان لم يمكن مسح على الخرقة ، ولا‌

٥٣٤

والمسح عليها بنداوة [١] ، وإن لم يمكن سقط ، وضم إليه التيمم [٢] ، وإن كان مجبوراً وجب غسل أطرافه [٣] مع مراعاة الشرائط ، والمسح على الجبيرة [٤] إن كانت طاهرة ، أو أمكن‌

______________________________________________________

يحتمل فيهما أن يكون حكمه التيمم.

[١] كأنه لما دل على وجوب المسح على الجبيرة في موضع المسح ، كخبر عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (ع) : « عثرت فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارة ، كيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه‌السلام يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » (١). لكن مورده صورة وجود الجبيرة ، فلا يدل على وجوب وضعها. والاجتزاء بالوضوء في المقام يتوقف على تمامية قاعدة الميسور ، ولا إجماع ، لتحقق الخلاف.

[٢] احتياطاً لما عرفت ، لخروج الفرض عن مورد النصوص ـ كما عرفت ـ فالاحتياط هنا في محله ، بل الاجتزاء بالتيمم فيه أولى من الاجتزاء بالوضوء. وهذا بخلاف الجرح في موضع الغسل ، كما عرفت.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال.

[٤] على المشهور ، بل عن المختلف ، والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، وغيرها : الإجماع عليه. للنصوص كصحيح الحلبي‌ ، وخبر كليب الأسدي في الكسير‌ ، المتقدمين ، ونحوهما غيرهما. ولا ينافيها ما في صحيح ابن الحجاج المتقدم‌ ، حيث لم يتعرض فيه للمسح على الجبيرة ، لإمكان حمله على كون المتكلم (ع) في مقام لفي توهم وجوب غسل البشرة ، كما هو ظاهر سياقه كما لا ينافيه ما في ذيل الصحيح الأول ومصحح ابن سنان ، من الأمر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٥٣٥

تطهيرها ، وإن كان في موضع الغسل. والظاهر عدم تعين المسح حينئذ [١] ، فيجوز الغسل أيضاً.

______________________________________________________

بغسل ما حول الجرح‌ ، لظهوره في الجرح المكشوف ، ولا سيما بملاحظة جمعهما في كلام واحد في الصحيح ، واختلاف عبارة السؤال فيهما ، حيث ذكر وضع الجبيرة في السؤال عن القرحة ، ولم يذكر في السؤال عن الجرح وإنما سأل عنه نفسه فدل ذلك على اختلاف المسؤول عنه ، ولذا جعل الصحيح المذكور في الجواهر كالصريح في المكشوف. ومنه يظهر ضعف ما عن ظاهر الصدوق من التخيير بين المسح على الجبيرة والاكتفاء بغسل ما حولها.

[١] كما عن ظاهر الشهيدين. ويحتمل أن يكون المراد من المسح مجرد إيصال البلل ولو لم يكن بإمرار اليد ليكون مسحاً ، ولا بنحو الغلبة والجريان ليكون غسلا ، كما هو محتمل جماعة ، ولم يستبعده شيخنا الأعظم (ره) ويحتمل أن يكون المراد الغسل ، كما عن نهاية الأحكام ، وكشف اللثام ، وعن شرح المفاتيح للوحيد تنزيل النصوص والفتاوى عليه. وكأن وجه الأخير دعوى ظهور النصوص في مجرد بدلية الجبيرة عن البشرة ، فكما يجب غسل البشرة يجب غسل الجبيرة. ووجه ما قبله دعوى ظهور النصوص في مجرد لزوم إيصال البلل إلى الجبيرة ، كما يستفاد من‌ قول السائل في صحيح الحلبي : « ويمسح عليها إذا توضأ » ‌، فإن الارتكاز العرفي الموجب للسؤال عن إجزاء المسح إنما يناسب كون المراد منه مجرد إيصال البلل من دون دخل خصوصية إمرار اليد فيه. ووجه ما قبلهما دعوى كون الأمر وارداً مورد توهم الحضر ، فلا يدل إلا على الرخصة في الاكتفاء بالمسح عن الغسل الثابت بمقتضى بدلية الجبيرة عن البشرة. لكن الجميع ـ كما‌

٥٣٦

والأحوط إجراء الماء عليها مع الإمكان بإمرار اليد من دون قصد الغسل أو المسح [١]. ولا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل [٢]. ويلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة [٣]. ولا يكفي مجرد النداوة ،

______________________________________________________

ترى غير ظاهر. لمنع الأول ، فإن ظاهر النصوص بدلية المسح على الجبيرة عن غسل البشرة ، فالبدلية قائمة بأمرين لا بأمر واحد. ولمنع الثاني أيضاً لمنع كون مقتضى الارتكاز بدلية الجبيرة ، فإنها أمر أجنبي عن البدن ، ولو كان الارتكاز يقتضي ذلك كان المناسب السؤال عن بدلية غسلها ، لا مجرد وصول البلل إليها ، ولا خصوص مسحها ، فالموجب للسؤال ليس هو الارتكاز ، بل أمر آخر. ولمنع الثالث أيضاً ، فإن الأمر وإن كان للرخصة والاجزاء ، لكنه في مقابل غسل البشرة ، لا غسل الجبيرة فالبناء على ما يقتضيه ظاهر النصوص والفتوى ـ وهو اعتبار خصوص المسح ـ متعين. وكون لازم ذلك المنع عن الوضوء الارتماسي ، لانتفاء المسح فيه غير قادح.

[١] جمعاً بين المحتملات المتقدمة.

[٢] للإطلاق.

[٣] كما عن الخلاف ، والمعتبر ، ونهاية الاحكام ، والتذكرة ، وغيرها وعن الحدائق أنه المشهور. لكن عن الذكرى انه استشكله لصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها. وفيه : أنه وإن سلم ذلك ، إلا أن مناسبة الحكم للموضوع تقضي بالاستيعاب ، فان منصرف النص كون المسح على كل جزء من الجبيرة بدلا عما تحته من البشرة ، كما لعله ظاهر جداً. ولأجل ذلك يلزم القول باعتبار كونه من الأعلى فالأعلى. ثمَّ إن الظاهر من أخبار‌

٥٣٧

نعم لا يلزم المداقة بإيصال الماء إلى الخلَل والفُرَج [١]. بل يكفي صدق الاستيعاب عرفاً. هذا كله إذا لم يمكن رفع الجبيرة والمسح على البشرة ، وإلا فالأحوط تعينه ، بل لا يخلو عن قوة [٢] إذا لم يمكن غسله ، كما هو المفروض. والأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة وعلى المحل أيضاً بعد رفعها. وإن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو المانع آخر ، فإن أمكن وضع خرقة طاهرة عليها ومسحها يجب ذلك [٣] ، وإن لم يمكن ذلك أيضاً فالأحوط الجمع بين الإتمام بالاقتصار على غسل الأطراف والتيمم.

______________________________________________________

المسح هو المسح بالماء ، فلا بد من صدق الماء على ما يمسح به ـ كما أشار إليه في الجواهر ـ ولا يكفي مجرد النداوة في اليد.

[١] للزوم الهرج ، الكاشف عدمه عن عدمه.

[٢] لأنه أقرب إلى الواجب الاختياري ، فيكون هو الميسور الواجب نعم قد ينافي ذلك إطلاق النص والفتوى. إلا أن يمنع إطلاق الأول ، لظهور صحيح ابن الحجاج في من لا يستطيع نزع الجبيرة‌ ، وقرب دعوى ظهور صحيح الحلبي‌ في من يؤذيه الماء ولو بنحو المسح ، وخبر كليب‌ محتمل لكل منهما. وكذا إطلاق الفتوى ، لما قيل من أن مسألة الجبيرة مفروضة في كلام أكثرهم في صورة تعذر نزع الجبيرة. وحينئذ فإن تمت قاعدة الميسور تعين الاكتفاء بمسح البشرة ، وإلا وجب المسح على كل من البشرة والجبيرة ، للعلم الإجمالي بوجوب مسح إحداهما. لكن لو قيل بوجوب مسح البشرة كفى مجرد إمساسها بالبلل وإن لم يصدق المسح ، لأنه الذي تقتضيه قاعدة الميسور.

[٣] كما عن ظاهر العلامة والشهيدين ، وعن المدارك أنه لا خلاف‌

٥٣٨

( مسألة ١ ) : إذا كانت الجبيرة في موضع المسح ، ولم يمكن رفعها والمسح على البشرة ، لكن أمكن تكرار الماء إلى أن يصل إلى المحل ، هل يتعين ذلك أو يتعين المسح على الجبيرة؟ وجهان [١] ، ولا يترك الاحتياط بالجمع.

______________________________________________________

فيه. وكأن الوجه فيه أن المسح على الجبيرة لما كان بدلا عن غسل البشرة وجب تحصيله ولو بوضع خرقة طاهرة ، فإن وجود الجبيرة وإن كان شرطاً لوجوب المسح لكنه حاصل بالفرض ، فكما يجب تطهيرها لو أمكن كذلك يجب وضع الخرقة الطاهرة ، فهما واجبان على التخيير من باب المقدمية ، لتوقف مسح الجبيرة الواجب على أحدهما. هذا إذا كان وضع الخرقة على نحو تعد جزءاً من الجبيرة ، ليكون وضعها مقدمة للمسح على الجبيرة ، أما إذا لم يمكن ذلك فلا موجب لوضعها على الجبيرة ولا للمسح عليها. ولو بني على عدمه ففي وجوب التيمم ، والاكتفاء بمسح الجبيرة النجسة ، أو بغسل ما حولها ، وجوبه جارية فيما لو تعذر تطهير الجبيرة. والثاني أوفق بقاعدة الميسور ، كالثالث ، لكنه مبني أيضاً على دعوى الإجماع على عدم دخل المسح على النجس. والأول مبني على عدم تمامية القاعدة. ومنه تعرف أن الأحوط فيما لو تعذر تطهير الجبيرة ووضع خرقة طاهرة عليها هو المسح على الجبيرة ، وغسل ما حولها ، والتيمم ، لا الجمع بين الأخيرين كما ذكر في المتن.

[١] مبنيان على تمامية قاعدة الميسور وعدمها ، فعلى الأول يبتني الأول ، وعلى الثاني الثاني. استظهر ثانيهما في الجواهر ، لكن لو سلم لم يجد في إثبات الاكتفاء بالمسح على الجبيرة ، إذ لا إطلاق لأدلته يرجع إليه في الفرض ، لانحصار دليل الجبيرة الموضوعة على الممسوح برواية عبد الأعلى‌

٥٣٩

( مسألة ٢ ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء فالظاهر جريان الأحكام المذكورة [١] ، وإن كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالاجراء مشكل [٢] ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة والتيمم.

( مسألة ٣ ) : إذا كانت الجبيرة في الماسح ، فمسح عليها بدلا عن غسل المحل ، يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة [٣] أي : الحاصلة من المسح على جبيرته.

( مسألة ٤ ) : إنما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت

______________________________________________________

وهي لا تشمل الفرض ، وحينئذ فمقتضى العلم الإجمالي وجوب الأمرين معاً ولو احتمل وجوب التيمم أيضاً كان اللازم الجمع بينه وبينهما ، بل مقتضى إطلاق أدلته تعينه والاكتفاء به. إلا أن احتماله ضعيف جداً ، إذ من البعيد أن تكون الجبيرة على الممسوح إذا لم يمكن إيصال الماء إلى البشرة من وراء الجبيرة توجب الوضوء والمسح على الجبيرة ، وإذا أمكن ذلك توجب التيمم.

[١] لإطلاق النص والفتوى.

[٢] إذ هو وإن صرح به في محكي كلام جماعة كالفاضلين وغيرهما ، بل لعله يقتضيه إطلاق كلام الأصحاب ، إلا أن استفادته من النصوص محل منع ـ كما يظهر ذلك من ملاحظتها ـ فالتعدي من مواردها إليه يتوقف إما على العلم بالمساواة ، أو بإلغاء خصوصية المورد عرفاً ، وكلاهما غير حاصل ، وإن كان ثانيهما ظاهر شيخنا الأعظم (ره) في طهارته. ومنه يظهر أن مقتضى إطلاق أدلة التيمم هو تعينه والاكتفاء به.

[٣] لما تقدم من وجوب المسح ببلل الوضوء.

٥٤٠