منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ولنكتف بهذا العدد الميمون شاهدا على عدم مطابقة ما روي بطرقنا من أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ما رواه عبادة ، وبه يشرف الفقيه على القطع بعدم وحدتها فضل عن تأكدها ، وقد كان المنع من حجية ظهور السياق في خبري الشفعة ومنع فضل الماء في الجمع بين المروي متوقفا على إثبات وحدة الأقضية المنقولة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عرفت أنه بمراحل عن الواقع.

ومع الغض عما ذكرناه ، فانما تتم قرينية رواية عبادة على المنع من ظهور سياق خبري الشفعة وفضل الماء لو كانت معتبرة في نفسها ومندرجة تحت كبرى دليل حجية الخبر ، وقد تصدى شيخ الشريعة (قده) لإثبات صحة الرواية واعتبارها من جهة الإتقان والضبط وكون عبادة من الأجلاء.

لكن الظاهر عدم حجية هذه الرواية ، لقصور المقتضي فضلا عن وجود المانع. أما الأول فلضعف السند ، إذ الموجود في مسند أحمد هكذا : «حدثنا عبد الله ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا الفضيل بن سليمان ، حدثنا موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة عن العبادة بن الصامت قال : ان من قضاء رسول الله ...» (١) لجهالة فضيل بن سليمان ، لتعارض كلمات علماء الرّجال فيه ، فعن ابن معين «انه ليس بثقة» وعن ابن حاتم والنسائي «انه ليس بقوي» وعن ابن حيان «انه صدوق» فالرجل مجهول الحال ، ولو قلنا بتقديم الجارح فالأمر أوضح.

مضافا إلى ما حكي عن البخاري من وجود قطع في السند ، لأن إسحاق لم يدرك عبادة حتى يروي عنه بلا واسطة.

وأما الثاني ـ أعني وجود المانع ـ فللزوم طرح ما خالف العامة من الخبرين المتعارضين ، إذ لا ريب في معارضة الظهور السياقي لخبري الشفعة وفضل الماء في

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ، ج ٥ ، ص ٣٢٦. ورواه ابن ماجة في جامعه ج ١ ، ص ٣١٣

٥٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الجمع بين المروي وتذيل نفس الحكمين بلا ضرر ، مع ظهور رواية عبادة في الجمع في الرواية. ورفع اليد عن ظهور الخبرين معناه الأخذ بما رواه العامة وطرح ما خالفهم ، وهو أردأ من الأخذ بما وافقهم من أخبارنا ، فإذا وجب طرح الخبر المروي بطرقنا لمجرد موافقته لهم ، فبالأولوية القطعية يجب طرح ما استقلوا بروايته المفروض مخالفته لما روي من طرقنا.

هذا كله فيما يتعلق بكلام شيخ الشريعة.

وأما ما استشهد به الميرزا ـ في عبارته المتقدمة ـ على عدم تذيل خبري الشفعة وفضل الماء بـ «لا ضرر» فلا تخلو من المناقشة.

أما الأول ـ وهو دعوى وحدة الراوي الكاشفة عن وحدة الرواية ـ فبأن الروايات السبع المتقدمة عن عقبة وان كانت بسند واحد ، إلّا أن ذلك لا يكشف عن كونها رواية واحدة في الأصل وزّعها أرباب الجوامع على أبواب متفرقة ، وانما يكشف عن وحدة الكتاب الّذي رويت عنه ، فان النجاشي والشيخ في الفهرست ذكرا وجود كتاب لعقبة ، ولعل الكليني (قده) وصل إليه كتابه بالسند الّذي ذكره في عدة من روايات عقبة ، لوجود هذا السند في غير ما يرويه عقبة من أقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثل روايته عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه ، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غدا إن شاء الله ... ، فسرق المتاع ، من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الّذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته ، فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه» (١) وغيرها كثير.

ومن المستبعد جدا دعوى كون هذه المجموعة رواية واحدة وزعها الأصحاب على الأبواب ، لعدم ارتباط بين الأحكام التي تضمنتها.

__________________

(١) الكافي ، ج ٥ ، كتاب المعيشة ، ص ١٧١ ، الحديث : ١٢

٥٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والحاصل : أن وحدة السند لا تكشف عن وحدة الرواية ، بل تدل على وحدة الكتاب ، كما أن تعدده لا يدل على تعددها ، لإمكان رواية جمع حكما واحدا بتمام خصوصياته من المعصوم عليه‌السلام.

هذا مضافا إلى أنه لو سلم اجتماع أقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواية عقبة امتنع أيضا اتحادها مع ما رواه عبادة ، لاختلافها عددا ، فأقضية عقبة سبعة ، وأقضية عبادة عشرون ، مع مغايرة متونها ، فانا نقلنا كلام شيخ الشريعة بطوله ، ثم الأقضية المروية بطرقنا لئلا تكون دعوانا بلا بينة ، فلاحظ.

وأما الثاني ـ وهو استلزام كون لا ضرر ذيلا لحديث الشفعة لعدم صدوره بالاستقلال ـ فيرده : أن المتسالم عليه صدور جملة «لا ضرر ولا ضرار» منه صلى‌الله‌عليه‌وآله اما للتواتر الّذي ادعاه فخر الدين ، وإما للاستفاضة ، وإما لاعتبار سند بعض الروايات. وأما صدوره بالاستقلال أو بعنوان الذيل ، فليس بذلك الوضوح حتى يجعل قرينة على تقطيع رواية الشفعة وعدّها من الجمع في الرواية. ولو بنينا على اعتبار المرسلات فقد روي فيها جملة لا ضرر مستقلة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما رواها عقبة عن الإمام الصادق عليه‌السلام بلا اسناد إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأما الثالث ، وهو أجنبية «لا ضرار» عن الشفعة فيمكن الجواب عنه ـ بعد تسليم تعدد مدلولي الضرر والضرار ونفي التأكيد ـ بأن الموجب لحق الشفعة هو الضرر ، وذكر الضرار لأجل اشتهار الكلمتين معا على الألسن.

وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه : أن إشكال تذيل خبري الشفعة ومنع فضل الماء بلا ضرر باق بحاله ، ولم يندفع ببيان شيخ الشريعة والميرزا النائيني قدس‌سرهما ، حيث لا قرينة على كون جملة «لا ضرر» أجنبية عن قضائه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة وفضل الماء ، وينحصر التخلص عن الإشكال بإسقاط الروايتين سندا عن الاعتبار كما نبهنا عليه في الجهة الأولى ، أو جعل «لا ضرر» علة للجعل لا للمجعول. هذا

٥٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تمام الكلام في هذا المبحث.

المبحث الثاني : في فقه الحديث الشريف ، وفيه مقامان : الأول في معاني مفردات ألفاظ الحديث ، والثاني في معنى الجملة التركيبية.

مفاد كلمة «ضرر» و «ضرار»

أما المقام الأول ، فتفصيله : أن المعنى العرفي للضرر الّذي هو اسم المصدر ويقابله المنفعة التي هي أيضا اسم مصدر عبارة عن النقص في الأموال والأنفس ، والمصدر هو الضرّ في مقابل النّفع الّذي هو مصدر «نفع» فيقال في النقص المالي والنفسيّ : ضره الغذاء الفلاني وأضرّ به ، وضرّه البيع الفلاني وأضرّ به ، ونفعه البيع الفلاني وأضرّ به ، ولا يقال في النقص العرضي : أضر زيد بعمرو مثلا إذا هتك عرضه ، أو إهانة ، أو نظر إلى أهله ، كما لا يقال «نفعه» إذا جلّله وأكرمه.

وبالجملة : فالضر والنّفع والضرر والمنفعة لا تطلق عرفا إلّا على النقص المالي والنفسيّ كما قيل.

وأما المعني اللغوي للضرر ، فقد ذكر له أهل اللغة معاني :

أحدها : الضيق ، فعن الصحاح مكان ذو ضرر أي ضيق.

ومنها : ما عن القاموس وعن المنجد من أن الضرّ والضرر «ضد النّفع الشدة والضيق وسوء الحال ، النقصان يدخل في الشيء».

ومنها : ما عن المصباح : الضرّ بمعنى فعل المكروه ، وضره فعل به مكروها.

فالمتحصل : أن معنى الضرر والضرّ عرفا هو النقص المالي والنفسيّ دون النقص العرضي وغيره ، ولغة هو الضيق والشدة وسوء الحال. والمناسب للحديث الشريف من هذه المعاني هو الضيق والشدة ، حيث ان سمرة كان مضارا أي مضيقا وموجبا لوقوع الأنصاري في الشدة والحرج والمكروه ، لأنه المناسب لقول

٥٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الأنصاري على ما في مرسلة زرارة : «يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليها» ولما في خبر الحذاء : «فكان سمرة إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شيء من أهل الرّجل يكرهه الرّجل لا أنه كان موجبا لورود نقص في مال الأنصاري أو نفسه ، فاحتمال النقص المالي في مالية داره الناشئ من الدخول فيها بلا اذن ضعيف.

فتلخص مما ذكرناه أمور :

الأول : أن الضرر عرفا هو النقص في النّفس والمال ، ويقابله النّفع والمنفعة.

الثاني : أن بين الضرر والنّفع واسطة ، لأن المال إذا لم ينقص ولم يزد عليه لا يصدق عليه النّفع ولا الضرر ، فهما من الضدين اللذين لهما ثالث ، إذ ليس عدم النّفع مساويا للضرر ، لوجود الواسطة بينهما كما عرفت.

الثالث : أن المناسب من المعاني اللغوية للضرر لمورد الحديث هو الضيق والشدة ، دون الضرر المالي أو النفسيّ.

الرابع : أن مادة الضرر تستعمل متعدية إذا كانت مجردة ، فيقال «ضرّه يضره» ومتعدية بالباء إذا كانت من باب الأفعال ، فيقال : «أضرّ به» هذا ما يتعلق بمعنى الضرر.

وأما الضرار فيحتمل كونه مصدرا للثلاثي المجرد من قبيل كتب كتابا وكتبا ، كما تقدم في كلام بعض اللغويين ، ويحتمل كونه مصدرا لباب المفاعلة ، وهو اما أن يكون من صيغ المزيد فيه ، وإما غير مأخوذ من الثلاثي المجرد كما قد يقال في «سافر» حيث لم يصغ من «سفر» بمعنى الكشف ، ولا من السفر بمعنى الضرب في الأرض كذا أفيد. لكنه في شرح الكافية جعل «سافر» للمبالغة في نفس معناه الثلاثي المجرد وهو الكشف.

وبناء على الاحتمال الثاني ، فالمشهور أن الأصل في المفاعلة الاشتراك في

٥٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المبدأ ، وفي خصوص المورد ، حيث لا يراد منه فعل الاثنين ، فهل هو تأكيد للضرر كما زعمه المحقق الخراسانيّ ، أم أنه للتعمد والتقصد بالضرر كما اختاره المحقق الأصفهاني ، أو الإصرار عليه كما اختاره المحققان النائيني والعراقي ، أو قيام الفاعل مقام إيجاد المادة كما في تقرير بعض الأعاظم ، أو للسعي لإيجاد المادة كما في مستمسك سيدنا الأستاذ؟ وجوه ، بل أقوال.

وتنقيح البحث منوط بالنظر أولا : إلى مفاد هيئة المفاعلة ـ بناء على عدم كون ضرار مصدرا للثلاثي المجرد ـ وثانيا : إلى ما يمكن أن يدل عليه اللفظ في خصوص المورد ، فينبغي البحث في موضعين.

الأول : في مفاد باب المفاعلة ، والمشهور أنه فعل الاثنين ، بل هو الأصل الّذي يحمل عليه اللفظ. وقد أورد عليه المحقق الأصفهاني في تعليقته على الكفاية واختار أن مدلول هذه الهيئة تعدية المادة إلى الغير وإيصالها إليه فيما إذا لم يكن الفعل بنفسه متعديا إلى شخص ، والتقصد بإيصالها إليه فيما كان الفعل متعديا بنفسه كما سيتضح.

ومحصل كلامه (قده) : أن ما يدعيه المشهور غير سديد ، وذلك لاستعمال هذه هذه الهيئة في القرآن الكريم وغيره من الاستعمالات الصحيحة مع عدم صحة انتساب المادة إلى الاثنين أو عدم إرادته ، وذلك كقوله تعالى : «يخادعون الله ، ومن يهاجر إلى الله ويراءون ، ونافقوا ، وشاقوا ، وناديناه ، ومسجدا ضرارا ، ولا تمسكوهن ضرارا ولا تؤاخذني» وقولهم : عاجله بالعقوبة ، وبارزة بالمحاربة ، وساعده التوفيق ، وباشر الحرب ، وخالع المرأة ، وواراه في الأرض ... إلى غير ذلك. ولا ريب في إرادة فعل الواحد في هذه الأمثلة ونحوها. مع أن المشهور فرّقوا بين مدلول صيغتي المفاعلة والتفاعل ـ بعد اشتراكهما في إفادة قيام الفعل بالاثنين ـ بانتساب المادة إليهما بالأصالة في التفاعل ، وبالأصالة إلى أحدهما والتبعية إلى الآخر في المفاعلة.

٥٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ولكن هذه التفرقة غير معقولة ، فلا اشتراك في انتساب المادة إلى اثنين في شيء من البابين. أما في التفاعل ، فلأن هذه الهيئة موضوعة بإزاء نسبة خاصة من النسب وهي الاختلاط في المبدأ ، ولا تتكفل لإفادة نسبتين إلى فاعلين ، حيث ان الهيئات موضوعة بوضع المعاني الحرفية ، وانما المدلول نسبة خاصة قائمة بطرفين ، فمفاد هيئة «التضارب» ما يعبر عنه بالفارسية بقولهم : «بهم زدن» وهي نسبة متقومة بطرفين ، وليس مدلول «تضارب زيد وعمرو» نسبة ضرب كل منهما للآخر حتى تعدد النسبة ، وانما لوحظ ضرب كل منهما الآخر نسبة واحدة على نهج إضافة مادة واحدة إلى طرفين.

وأما في المفاعلة ، فلأن مفاد هيئة «ضارب زيد عمراً» هذه النسبة الوحدانية ذات الطرفين ، فهي متحدة مع مدلول هيئة التفاعل لا غيرها ، وعليه فلا مشاركة في شيء من البابين.

وأما التفرقة بينهما بالأصالة والتبعية في باب المفاعلة ، فان أريد التبعية في مقام الثبوت فممنوعة ، لتوقفها على تعدد النسبة حتى يكون انتساب المادة إلى أحدهما تابعا لانتسابها إلى الآخر ، وقد عرفت استحالة تعدد النسبة ، لأن الهيئات موضوعة بوضع الحروف. وان أريد التبعية في مقام الإثبات كتبعية المدلول الالتزامي للمطابقي ، فهي وان كانت صحيحة ، لكنها فرع التبعية في مقام الثبوت المفروض استحالتها.

والصحيح وجود الفرق الأساسي بين بابي التفاعل والمفاعلة ، لكون مفاد الأول النسبة الوحدانية المتقومة بطرفين ، ومفاد الثاني تعدية المادة وإنهاؤها إلى الغير ،

وتوضيحه : أن الفعل الثلاثي المجرد إما أن يكون لازما كجلس ، أو متعديا وهو تارة يتعدى بنفسه لا إلى شخص آخر ، بل إلى شيء آخر مثل «كتب الحديث» وأخرى يتعدى بنفسه إلى شخص آخر مثل «خدعه». وتعدي الأول والثاني إلى

٥٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الشخص يتوقف على الاستعانة بحرف الجر مثل «جلس إليه وكتب إليه الحديث» والمدلول المطابقي لباب المفاعلة هو إنهاء المادة إلى الغير بنفسه بدلا عن حرف الجر المستعمل مع الثلاثي المجرد ، فمفاد «جالسته وكاتبته» هو معنى «جلس إليه وكتب إليه».

وأما المتعدي بنفسه مثل «خدعه» فصوغه من باب المفاعلة يدل على التصدي لإنهاء الخديعة إليه ، والفعل وان كان متعديا بنفسه إلى الآخر مثل «ضرب زيد عمراً» إلّا أن هذا التعدي ذاتي مفاد الفعل ، بخلاف «خادع وضارب» فان حيثية الإنهاء إلى الغير ملحوظة في مقام إفادة النسبة ، فإذا صدر منه ضرب واقع على عمرو صدق عليه «أنه ضربه» ولا يصدق «أنه ضاربه» إلّا إذا تصدى لضربه ، ولذا لمّا أبي سمرة عن الاستئذان قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انك رجل مضار» أي متصد لا ضرار الأنصاري ، لا مجرد كون دخولك ضررا عليه ، وليس «لا ضرار» للتأكيد ولا لغيره ، بل لنفي التصدي للإضرار.

هذا ما حققه الشيخ المدقق الأصفهاني (قده) حول مدلول باب المفاعلة كبرويا ، وتطبيقه على «الضرار» وقد أفاد مثل هذه البيانات في حاشيته على المكاسب ، غير أنه جعل فيها مدلول المفاعلة المطابقي التعمد والتقصد بالمادة ، ولعل مقصوده منه هو التصدي بإيصال المادة إلى الغير الّذي ذكره في تعليقته الأنيقة على الكفاية (١).

وعلى كل فليس مفاد شيء منهما أن مدلول باب المفاعلة قيام الفاعل مقام إيجاد المادة بدون تحققها خارجا كما نسب إليه في كلمات بعض أجلة تلامذته ، لتصريحه (قده) بأن مدلول هذه الصيغة إيجاد المادة عن قصد ، لا مجرد إرادة إيجادها.

وكيف كان ففي كلامه (قده) مواقع للنظر ، منها : استشهاده على عدم دلالة المفاعلة على المشاركة بعدة من الأمثلة ، إذ يتوجه عليه أولا : أن بعض الأمثلة لا يصلح

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٣١٧ ، حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٣

٥٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لانتقاض المدعى به ، فان دلالة المفاعلة على المشاركة في المادة منوطة بصوغها من الثلاثي المجرد الّذي يتحد معناه مع ما اشتق منه سوى أن صوغها من باب المفاعلة يوجب ظهورها في الاشتراك ، وأما ما كان ثلاثية والمزيد فيه بمعنيين لبّا فلم يدل باب المفاعلة منه على الاشتراك ، قال نجم الأئمة (ره) في شرح الشافية في بيان معنى المفاعلة : «أقول : لنسبة أصله ـ أي لنسبة المشتق منه فاعل ـ إلى أحد الأمرين أي الشيئين» (١) وعليه فإذا كان الفعل الثلاثي بمعنى والمزيد فيه من باب المفاعلة بمعنى آخر لم يدل على الاشتراك حتى ينتقض القول المشهور به ، فمثل «ناديناه ، باشر نافق ، ساعد» خارج عما هو الأصل في هيئة المفاعلة موضوعا.

أما الأول أعني «ناديناه» فلأن «ندا الرّجل بمعنى اعتزل» وهو أجنبي عن «نادى» الّذي هو بمعنى صاح. وأما الثاني فلأن «سعد» بمعنى «يمن» وهو أجنبي عن «أعان» الّذي هو مدلول الفعل من هذا الباب. وأما الثالث فلأن «نفق» بمعنى «خرج» ولا ربط له بستر الكفر بالقلب وإظهار الإيمان باللسان الّذي هو معنى «نافق». وأما الرابع فلأن «بشر» بمعنى «اهتم بالأمر وتولّاه» وهذا المعنى في نفسه غير قابل لصدوره من شخصين بنحو يصدر من كل منهما ويقع على الآخر ، فلا بد أن يراد بالفعل المصوغ من باب المفاعلة المبالغة فيه كما يقال في «سافرت وناولته الشيء» فانهما للمبالغة في الخروج إلى السفر وإعطاء الشيء لغيره ، أو بمعنى ثلاثيّة المجرد ، وهكذا حال بعض الأمثلة الأخرى كما لعله سيأتي التعرض له.

وثانيا : أن الأمثلة المذكورة لم تبلغ حدا تنافي ما هو المشهور من وضع المفاعلة للاشتراك ، إذ هذه الأفعال الخارجة عن الأصل بالقياس إلى ما بقي منها كالقطرة من البحر.

ومنها : ما نسبه إلى المشهور من دعواهم وحدة معنى بابي المفاعلة والتفاعل ،

__________________

(١) شرح الشافية ، ج ١ ، ص ٩٦

٥٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وانما الفرق في دلالة المفاعلة على انتساب المادة إلى أحدهما بالأصالة وإلى الآخر بالتبعية ، ودلالة التفاعل على انتساب المبدأ إليهما بالأصالة. إذ فيه : أن نجم الأئمة الّذي هو أسطوانة علم الصرف أنكر هذا في شرح الشافية وادعى وحدة مدلولي البابين ، قال : «ثم اعلم أنه لا فرق من حيث المعنى بين فاعل وتفاعل في إفادة كون الشيء بين اثنين فصاعدا ، وليس كما يتوهم من أن المرفوع في باب ـ فاعل ـ هو السابق بالشروع في أصل الفعل على المنصوب ، خلاف باب تفاعل ، ألا ترى إلى قول الحسن بن علي عليهما‌السلام لبعض من خاصمه : سفيه لم يجد مسافها ، فانه سمى المقابل له في السفاهة مسافها وان كانت سفاهته لو وجدت بعد سفاهة الأول».

ومنها : ما أورده من المحذور على دلالة بابي التفاعل والمفاعلة على نسبتين من أن الهيئة موضوعة بإزاء نسبة خاصة قائمة بطرفين. إذ يتوجه عليه : أنه لا محذور في دلالة الهيئة الواحدة على نسبتين لا من ناحية الوضع الّذي هو الجعل الاعتباري بمعنى جعل اللفظ علامة للدلالة على المعنى المستلزم لاختصاصه به ، ولا من ناحية الاستعمال الّذي حقيقته إيجاد المعنى باللفظ ، فلزيد أنحاء من الوجود الخارجي والذهني ومنها وجوده الجعلي المتحقق بالتلفظ به.

أما عدم المحذور من جهة الوضع ، فلجواز جعل لفظ المفاعلة والتفاعل علامة على معنيين اسميين ، وهما صدور المبدأ من كل منهما. وأما عدمه من ناحية الاستعمال فلأن الممتنع على هذا المبنى إيجاد المعنيين بوجود لفظي واحد ، لاتحاد الإيجاد والوجود حقيقة وتغايرهما اعتبارا.

وأما إذا لوحظ المعنيان معا واستعمل اللفظ فيهما بنحو المعية لم يترتب عليه محال ، لعدم استعمال اللفظ في كل من النسبتين الصادرتين من طرفين بالاستقلال كما هو الحال في المشترك اللفظي مثل العين المستعملة تارة في العين الجارية

٥٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وحدها ، وأخرى في غيرها ، وانما الموضوع له في بابي التفاعل والمفاعلة كل من المادتين على حد العام المجموعي.

وما أفاده من كون معنى «تضارب زيد وعمرو» هو الاختلاط المعبر عنه بالفارسية بـ «بهم زدن» لا يخلو من تأمل ، لفرض قيام المادة بكل من الفاعلين ـ وهما زيد وعمرو ـ لصحة استعمال كلمة «من» النشوية مع كل منهما ، فيقال : «صدر الضرب ونشأ من زيد وعمرو» فالنسبة متعددة حقيقة ، لا أنها واحدة قائمة بطرفين لاستحالة وحدة النسبة مع تعدد من يصدر منه الضرب ، ولا جامع للمعاني الجزئية التي منها الهيئات. وعليه فحيث لا محذور ثبوتي في دلالة البابين على قيام المبدأ بكل واحد من الطرفين ، فلا مانع من الالتزام به ، ويكفي دليلا عليه كلمات علماء الأدب.

ومنها : ما أفاده في تحقيق مختاره من أن باب المفاعلة يدل على ما يدل عليه حرف التعدية إذا كان الفعل لازما أو متعديا إلى غير شخص. وان كان الفعل الثلاثي بنفسه متعديا ، فصوغ باب المفاعلة منه يدل على التصدي لإنهاء المادة إلى الغير.

إذ يرد عليه : أنه لا ينطبق على جملة من الاستعمالات الفصيحة القرآنية وغيرها ، مثل قوله تعالى : «مهاجرا إلى الله» و «يهاجر إلى الله» فانه لو كان مدلول المفاعلة المطابقي هو الإنهاء إلى الغير المدلول عليه بحرف الجرّ لزم الاستغناء عن حرف التعدية ، مع أنه لا محصل للكلام بدون «إلى» والمفروض أن مادة الهجران بنفسها تفيد الابتعاد عن المهجور ، ولا مناص من كون «يهاجر» هنا بمعنى الثلاثي المجرد بمعنى «هجر» مثل «توانيت بمعنى ونيت».

مضافا إلى أن التسوية بين مفاد المفاعلة وحرف الجر من كونهما للتعدية لا تخلو من شيء ، لأن صوغ باب المفاعلة من الفعل الثلاثي اللازم يدل على صدور الفعل من كل منهما بعد أن كان صادرا من أحدهما بدون وقوعه على المفعول به

٥٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

مثل «جلس وجالس» لصدور الجلوس من فاعلين في الثاني ، وهذا بخلاف التعدية بحرف الجر ، فان معنى «جلس إلى زيد» لم يتغير عما كان قبل التعدية بالحرف ، لعدم وقوعه على زيد ، وانما يدل الحرف على تخصيص الجلوس وتقييده بكونه إلى جانب زيد لا إلى جنب عمرو ، سواء كان زيد نائما أم قائما أم جالسا. وعليه فجعل مدلول حرف الجر والمفاعلة واحدا غير ظاهر الوجه.

وأما مسألة الإنهاء إلى الغير عن تعمد وتقصد الّذي جعله مفاد المفاعلة لخصوص الأفعال المتعدية وعدم تغير معانيها ، فيردها : المنع من إطلاقه ، كما صرح به نجم الأئمة في شرح الشافية ، لاختصاص تلك الدعوى على تقدير تسليمها بالأفعال التي لا يتغير مفعولها بعد نقلها إلى باب المفاعلة ، مثل «ضاربت زيدا» حيث لم يتغير معنى الضرب قبل تلبسه بباب المفاعلة وبعده. وهكذا الحال في بعض الأفعال اللازمة مثل «كارمته». وأما ما يتغير معناه بنقله إلى باب المفاعلة سواء كان لازما أم متعديا بشهادة تغيير المفعول فلا يتم دعوى أن الهيئة وضعت لإنهاء المادة إلى الغير عن تعمد ، مثل «نازعت زيدا الحديث» و «جاذبته الثوب» فان النزاع تعدى إلى مفعولين بعد أن كان المجرد منه متعديا إلى مفعول واحد وهو الحديث ، وفي الثاني أيضا صار المفعول الأول الضمير بعد أن كان المفعول الواحد هو الثوب ، وكذا في الفعل اللازم مثل «سايرته في البرية» والمناط كون المشارك ـ في باب المفاعلة ـ نفس المفعول في الثلاثي المجرد ، فانه لا يتعدى إلى مفعولين كشاتمته ، وان كان غيره تعدى إلى مفعولين كما في «جاذبته».

وما استعرضه من الأمثلة للدلالة على التقصد في إنهاء المادة إلى الغير مثل «خادع وضارب ومضار» فمضافا إلى عدم تماميته في جميع الموارد مثل «قابلته وصادفته» لتصريح المنجد بأن الثاني أعم من كون المواجهة عن قصد وعدمه أنه يشكل تسليمه ، لأن «خدع» بنفسه يتضمن التقصد ، فقد قيل في معناه : «أظهر

٥٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

خلاف ما يخفيه وألحق به المكروه من حيث لا يعلم» وهذا معنى «خادع» أيضا ، فهذه المادة تدل على إلحاق المكروه بالغير ، لأن الخدعة هي المكر والحيلة.

ولعل إشراب التعمد في «خادع» لأجل ما حكي عن تبيان الشيخ في تفسير قوله تعالى : «يخادعون الله» من أنه بمعنى قصد الخدعة بدون وقوعها خارجا. وأين هذا من دعوى إصدار الفعل عن قصد؟ ولو تم لاختص بهذه المادة.

وأما الاستشهاد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انك رجل مضار» فسيأتي عدم منافاته للمدعى.

وقد تحصل : أن ما أفاده المحقق الأصفهاني في معنى باب المفاعلة لا يمكن المساعدة عليه.

فالحق هو المشهور بين النحاة والصرفيين من دلالة هذه الهيئة على المشاركة في المبدأ. وهو لا ينافي دلالتها على معان أخرى أحيانا ، فقد وردت بمعنى «فعّل» للتكثير في مثل «ضاعفت الشيء» و «ناعمه» أي كثرت أضعافه ونعمته ، وبمعنى «أفعل» أي جعل الشيء ذا أصله في مثل «راعنا سمعك وعافاك الله» أي أجعله ذا رعاية لنا وجعلك ذا عافية ، وبمعنى الثلاثي المجرد مع المبالغة فيه مثل «بارك الله فيه وناولته وعاودته وراجعته» ، هذا تمام الكلام في الموضع الأول.

الموضع الثاني : في استظهار معنى «ضرار» في موارد استعماله في الأخبار سواء كان مصدرا للثلاثي المجرد أم المزيد فيه من باب المفاعلة ، وسواء قلنا بأن مفاد هيئة المفاعلة التعمد بأنها المادة إلى الغير أم لا ، ففي تقريرات المحقق النائيني بعد الاعتراف بأن الأصل في باب المفاعلة المشاركة : «إلّا أن الظاهر بل المتعين في أغلب موارد استعماله أن يكون بمعنى الضرر. ويحتمل قريبا أن يكون استعمال ـ لا ضرار ـ هنا بعناية أخرى ، وهي العناية الموجبة لخطابه صلى‌الله‌عليه‌وآله لسمرة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انك رجل مضار ، وهي عبارة عن إصرار

٥٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ذلك الشقي بإضراره على الأنصاري على ما يظهر من متن الحديث ... إلى أن قال : فان أغلب موارد استعمال اسم الفاعل من باب المفاعلة هو أن يكون صدور المبدأ نعتا للفاعل ، كما يقال : زيد محارب أو مماطل ، أو مقاتل ، قال الله سبحانه : فضل الله المجاهدين على القاعدين ... فحاصل الفرق بين الضرر والضرار : أنه لو كان حكم أو فعل يلزم منه الضرر من دون تعمد إصرار عليه فهو الضرر ، وأما ان كان عن قصد إلى ورود الضرر وتعمد عليه فهو الضرار» (١).

والإنصاف أن موارد استعمال هيئة «ضرار ومضارة» في الكتاب والسنة مختلفة ، فقد استعمل تارة متضمنا للقصد بإيصال الضرر إلى الغير. وأخرى بدونه ، فمن الأول ما ورد في النهي عن إمساك الزوجة ضرارا ، كخبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها وليس له فيها حاجة ، ثم يطلقها ، فهذا الضرار الّذي نهى الله عزوجل عنه ، إلّا أن يطلق ثم يراجع ، وهو ينوي الإمساك» (٢).

وكرواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم ، فجاء وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضي أن البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير ، قال ، فقال : لصاحب الدرهمين : خذ خمس ما بلغ ، فأبى ، قال : أريد الرّأس والجلد ، فقال : ليس له ذلك ، هذا الضرار ، وقد أعطي حقه إذا أعطي الخمس» (٣).

وخبر محمد بن مسلم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ورث غلاما وله فيه شركاء ، فأعتق لوجه الله نصيبه فقال : إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر

__________________

(١) قاعدة لا ضرر المطبوعة مع تقريرات المكاسب للحجة الخوانساري ، ص ١٩٩

(٢) الوسائل ، ج ١٥ ، الباب ٣٤ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث : ١ ص ٤٠٢

(٣) الكافي ، ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب الضرار ، الحديث : ٤ ، ص ٢٩٣

٥٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ضمن للورثة ، وإذا أعتق نصيبه لوجه الله كان الغلام قد أعتق من حصة من أعتق ويستعملونه على قدر ما أعتق منه له ولهم ، فان كان نصفه عمل لهم يوما وله يوم. وان أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له ، لأنه أراد أن يفسد على القوم ، ويرجع القوم على حصصهم» (١) ونحوه روايات أخرى من الباب نفسه.

ومن الثاني : ما ورد في باب عدم جواز الإضرار بالورثة في الوصية ، كخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : «قال علي عليه‌السلام : من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته» (٢) بداهة أن بطلان الوصية فيما زاد على الثلث لا يتوقف على قصد الموصي الإضرار بورثته.

وما ورد في سقوط ولاية الجد على الصغيرة كموثق عبيد بن زرارة ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر ، فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا ان لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد» (٣) لوضوح أن سقوط ولاية الجد يدور مدار تضرر الجارية واقعا بالتزويج بالرجل الّذي يعينه ، وليس لقصد الإضرار ـ مع بعده في نفسه في خصوص المورد وندرته ـ دخل في سقوط ولايته ، كما لا دليل آخر على سقوط ولايته عند تضررها ولو لم يقصده الجد.

وبملاحظة الروايات المتقدمة ونحوها ظهر أنه لا وجه للتفصيل بين الضرر والضرار بأن الغالب من موارد استعمال الأول هو الضرر المالي ، والثاني هو التضييق وإيصال الكلفة والإلقاء في الحرج والمكروه مستظهرا ذلك من مثل قوله

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٦ ، الباب ١٨ من أبواب العتق ، ج ١٢ ، ص ٢٣

(٢) الوسائل ، ج ١٣ ، الباب ٥ من أبواب كتاب الوصايا ، الحديث : ٢ ص ٣٥٦

(٣) الوسائل ، ج ١٤ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ٢ ص ٢١٨

٥٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تعالى : «ولا تضار والدة بولدها» ولما ورد في تفسيره من قوله عليه‌السلام : «لا ينبغي للرجل أن يمتنع من جماع المرأة فيضار بها إذا كان لها ولد مرضع [مرتضع] ويقول لها : لا أقربك فاني أخاف عليك الحبل فتقتلي ولدي ، وكذلك المرأة لا يحل لها أن تمنع عن الرّجال ، فنقول : اني أخاف أن أحبل ، فأقتل ولدي ، وهذه المضارة في الجماع على الرّجل والمرأة» وقوله تعالى : «مسجدا ضرارا» فان الضرار الوارد على المؤمنين ببناء مسجد ضرار معنوي ، لاستلزامه تفريق جمعهم واختلاف كلمتهم ، وليس المراد النقص في الأموال.

وذلك لما عرفت من أن موارد استعمال «ضرار» مختلفة ، والمقصود منه في الآيتين الكريمتين ونحوهما وان كان الإلقاء في الحرج والضيق ، لكن دعوى استقرار ظهوره في ذلك كي يحمل عليه في موارد الشك ممنوعة ، وقد عرفت إرادة الضرر المالي منه في روايتي الغنوي والسكوني المتقدمتين.

وبعد ورود «ضرار ومضارة» في النصوص تارة بما يتضمن قصد الإضرار والتعمد به وأخرى بدونه سواء كان الضرر ماليا أم معنويا ، فلا وجه للقول بظهور الصيغة في واحد منها ، لاستلزامه مجازية الاستعمال في كل منها بالخصوص بلا قرينة عليه.

نعم في خصوص قضية سمرة حيث كان بصدد الإضرار بالأنصاري ـ بقرينة معارضته لكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما أمره بالاستيذان ثم طلب منه بيع النخلة وتعويضها بنخل الجنة وغير ذلك ـ فالمراد بـ «مضار» الوارد في مرسلة زرارة وخبر الحذاء هو الإصرار على الضرر ، وكذا المراد من «ضرار» في موثقة زرارة لو لم يكن لمعنى آخر مما قيل فيه.

لكن إرادة التعمد في إيصال الضرر حينئذ انما هي بقرينة المورد ، فهو من موارد تعدد الدال والمدلول ، لا لتضمن نفس الكلمة للقصد والإصرار ، فان إطلاق اللفظ

٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الموضوع للعام وإرادة الخاصّ منه بدال آخر لا يوجب المجازية كما هو واضح.

وعليه ، فالعناية التي ادعاها المحقق النائيني في كلامه المتقدم لاستعمال الضرار في قصة سمرة في الإصرار بإضرار الغير تتوقف أولا على إحراز أن «ضرار» مصدر لباب المفاعلة ، وثانيا : على دلالة هذا الباب على مزاولة المادة بنحو يتصف بها الفاعل كما مثّل بالمجاهد والمماطل ونحوهما. لكنك عرفت المنع منه.

ولعله لذا التزم المحقق الخراسانيّ بأن ضرار تأكيد للضرر ، لاحتمال كونه مصدرا للثلاثي المجرد ، وغير ذلك. وعلى تقدير كونه مصدر باب المفاعلة فلم يظهر لهذا اللفظ مدلول غير معنى الثلاثي ، لاختلاف اللغويين في معناه. لكن التأكيد أيضا يتوقف على إحراز وحدة اللفظين ، مع أنه يقتضي تكرار «لا ضرر» بنفس الهيئة كما في «دكا دكا» و «صفا صفا» ونحوهما ، والاستغناء عن العاطف في التأكيد كما هو واضح ، هذا مضافا إلى أصالة الاحتراز والتأسيس وبرودة الزيادة والتأكيد خصوصا مع صدوره ممن كلامه يتلو كلام الخالق في الفصاحة والبلاغة.

وقد تحصل : أن الأقوال في «ضرار» مختلفة ، وتعيين واحد منها غير مهم في تعيين مفاد القاعدة ، إذ المستدل به عليها خصوص «لا ضرر» فلا إجمال في ما يرتبط بالمقام.

هذا ما يتعلق بمعنى كلمتي «الضرر والضرار».

وأما كلمة «لا» فهي إذا دخلت على اسم الجنس تكون لنفي الطبيعة المستلزم لنفي جميع أفرادها ، فان قولنا : «لا رجل في الدار» لا يصح إلّا إذا لم يكن شيء من أفراد طبيعة الرّجل في الدار ، هذا.

مفاد الهيئة التركيبية لجملة «لا ضرر»

وأما المقام الثاني وهو معنى الجملة التركيبية فيحتمل فيه وجوه كثيرة :

٥٧٧

١ ـ نفي الحكم الضرري

__________________

أحدها : ما احتمله شيخنا الأعظم (قده) في رسائله من إبقاء النفي على حاله من إرادة نفي الطبيعة وهي الضرر بجعله عنوانا لنفس الحكم إما باستعمال الضرر فيه بنحو المجاز في الكلمة بعلاقة السببية ، حيث ان الحكم الشرعي سبب للوقوع في الضرر كوجوب الوضوء مع الضرر البدني أو المالي ، ولزوم البيع الغبني ، ضرورة أن وجوب الوضوء ولزوم البيع سببان للضرر عرفا ، وهذه السببية تصحح استعمال الضرر في الحكم مجازا.

وإما بنحو المجاز في الحذف ، بأن يرد من قوله : «لا ضرر» لا حكم ضرري ، فالمنفي حينئذ هو طبيعة الضرر في وعاء التشريع ، فجنس الحكم الضرري في الشريعة الإسلامية معدوم.

وإما بنحو الحقيقة الادعائية بعلاقة السببية ، بدعوى أن الحكم الّذي هو سبب للضرر كأنه نفس الضرر ، فتصح دعوى نفي الضرر حقيقة أي نفي الحكم الشرعي الناشئ منه الضرر.

ولم يظهر من كلام الشيخ تعين أحد هذه الوجوه عنده واعتماده عليه ، نعم يظهر منه مطلبان : أحدهما بالصراحة ، وهو تعذر إرادة المعنى الحقيقي ، والآخر بالظهور ، وهو عدم تذيل «لا ضرر» بـ «على مؤمن» إذ مع تذيله به لا يدل إلّا على الحكم الضرري بالنسبة إلى الغير ، ولا يشمل مثل وجوب الوضوء الضرري ، قال (قده) : «فاعلم أن المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر ، بمعنى أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد تكليفيا كان أن وضعيا ، فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون ، فينتفي بالخبر إلى أن قال : وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلّا بثمن كثير» فان

٥٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هذا المثال أجنبي عن الإضرار بالغير ، فقوله : «لا ضرر» حينئذ إما غير مذيل بشيء وإما مذيل بكلمة «في الإسلام». لكن التمثيل بالوضوء الضرري ينافي جعل مدرك القاعدة مرسلة زرارة المشتملة على «على مؤمن» حيث عدها الشيخ أصح ما في الباب سندا وأوضحه دلالة.

وكيف كان فمحصل هذا الوجه الّذي أفاده الشيخ (قده) هو : أن الحكم الموجب تشريعه للضرر ذاتا كجواز أخذ مال الغير عدوانا ، أو إطلاقا كوجوب الوضوء ولزوم البيع ونظائرهما إذا صارت ضررية منفي في الشريعة وغير مجعول فيها ، هذا.

ويرد عليه بعد تسليم صحة تعنون الحكم بالضرر ، والغض عن إناطة صحته بعلية الحكم للضرر دون معدّيته له كما هو كذلك ، حيث ان الحكم واقع في مبادئ علة الضرر ، ضرورة أن مجرد وجوب الوضوء مثلا ليس علة تامة له ، لتوقف الضرر على استعمال الماء الّذي هو منوط بالإرادة المتوقفة على مباديها ، فعلقة السببية المصححة لاستعمال لفظ المسبب في السبب مجازا أو لإرادة الحقيقة ادعاء مفقود كفقدان القرينة على المجاز في الحذف.

والغض أيضا عن الفرق بين العناوين المبدئية والاشتقاقية بصحة الحمل في الثانية ، لوجود الاتحاد بينها ، كحمل كل من العالم والعادل والغني مثلا على الآخر ، وعدم صحته في الأولى ، لعدم الاتحاد بينها كحمل العلم على العدالة مثلا. والحكم والضرر من العناوين المبدئية ، فلا يتحدان حتى يصح حمل الضرر على الحكم ويصير عنوانا للحكم ، وتفصيل ذلك محرّر في الأصول.

أولا : أن ذلك يختص بما إذا كان نفس الحكم ضرريا ، كوجوب الخمس والزكاة وسائر الواجبات المالية ، دون ما إذا كان متعلقه ضرريا كالوضوء الضرري والبيع الغبني ونحو ذلك ، مع أن الشيخ (قده) جعل المتعلقات

٥٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الضررية أيضا من صغريات كبرى «لا ضرر».

وثانيا : أن لازم كفاية كون الحكم معدا للضرر في صحة تعنونه بالضرر اندراج كثير من الموارد تحت قاعدة نفي الضرر ، كما إذا كان بيع متاعه موجبا لتنزل سعره وورود الضرر الفاحش المالي على أرباب ذلك المتاع ، أو كان بيع أراضيه ودكاكينه سببا لضرر شركائه أو جيرانه أو مستأجريه مثلا ، إذ يصح أن يقال : ان جواز البيع في هذه الموارد ضرري فيرتفع بقاعدة نفي الضرر ، مع بداهة بطلان ذلك ، فتأمل.

بل يلزم ارتفاع بعض المحرمات القطعية في بعض الحالات ، كما إذا تاقت نفس الشاب غير القادر على الزواج إلى ارتكاب بعض المحرمات بحيث يكون تركه وكفّ النّفس عنه ضررا عليه ، لإمكان أن يقال : ان حرمة ذلك المحرّم حينئذ ضرر عليه ، فترتفع بقاعدة نفي الضرر ، وهو كما ترى.

وثالثا : أن المناسب لكون «لا ضرر» الواقع عقيب الأمر بالقلع هو نفى الحكم الضرري أي : حق إبقاء العذق في مكانه ، والمناسب لكونه نهيا تحريميا هو الواقع عقيب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انك رجل مضار» وحيث انه لم يعلم كون اختلاف المتن من المعصوم عليه‌السلام حتى يستفاد منه حكمان أحدهما حرمة الإضرار بالمؤمن ، والآخر نفي الحكم الضرري ، أو من الراوي ، فلا محالة تصير الرواية مجملة ، ولا يصح الاستدلال بها على المعنى الّذي رجّحه الشيخ (قده) وهو نفى الحكم الضرري. واحتمال قرينية الأمر بالقلع على كون المتن الصادر هو وقوع «لا ضرر» عقيب الأمر بالقلع ضعيف ، لقوة احتمال كون الأمر بالقلع من باب الولاية.

ورابعا : أن نفي الطبيعة مع وجود بعض أفرادها غير سديد ، لما مر من أنه مستلزم لنفي جميع أفرادها ، فذا كان فرد واحد من طبيعة الرّجل موجودا في الدار لا يصح أن يقال : «لا رجل في الدار» لمكان التناقض ، ومن المعلوم أن نفى

٥٨٠