منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

الزائد فيه بنحو مع عدم علمه (١) بدخله ، فان تشريعه (٢) في تطبيق

______________________________________________________

(١) إذ مع علمه بدخل الزائد في موضوع الأمر لم يكن إدخال الزائد فيه تشريعا ، وان كان مخطئا في اعتقاده على تقدير عدم الدخل واقعا ، فالتشريع منوط بالعلم بعدم دخل الزيادة في الواجب ، أو عدم العلم بالدخل وعدمه ، وضمير «علمه» راجع إلى المكلف ، وضمير «دخله» إلى الزائد.

(٢) تعليل لقوله : «كان صحيحا ولو كان مشروعا» وقد عرفت تقريبه ، وأن التشريع في التطبيق ليس تشريعا في نفس الأمر ولا في المأمور به ، فلا ينافى داعوية الأمر المقومة للقربة ، وقوله : «في تطبيق» خبر «فان تشريعه».

__________________

فالحق أن يقال : ان التشريع ان كان مانعا عن داعوية أمر الشارع كما إذا كان على وجه التقييد كان مبطلا للعبادة ، لمنعه عن تمشي قصد القربة ، وان لم يكن مانعا عن دعوة الأمر كانت العبادة صحيحة ، فمانعيته انما هي في صورة التقييد سواء كان التشريع في ذات الأمر أم في حده ، أم في المأمور به ، أم في تطبيقه على المأتي به المشتمل على الزيادة ، فالتشريع على وجه التقييد في جميع هذه الصور مبطل للعبادة ، لإخلاله بامتثال أمر الشارع.

وكذا الحال في التشريع النقيصي ، فإذا شرّع في تنقيص أجزاء الصلاة وأتى بها كذلك بطلت الصلاة ، لانبعاثه عن غير أمر الشارع ، وان كان النقص العمدي أيضا مبطلا ، لكن لا تصل النوبة إليه بعد بطلانها في نفسها ، لعدم قصد القربة.

ثم ان في معنى الزيادة وحكمها المستفاد من الجمع بين النصوص مباحث شريفة نتعرض لها تبعا للقوم ، فنقول وبه نستعين : ان في المسألة جهات من البحث موضوعا وحكما.

الأولى : في تصوير الزيادة في الأجزاء. وقد عرفت في المتن تبعا للشيخ الأعظم (قده) منعه ، لأنه بعد استحالة الإهمال الثبوتي ان لوحظ الجزء بشرط لا

٣٠١

المأتي مع المأمور به ، وهو (١) لا ينافي قصده الامتثال والتقرب (٢)

______________________________________________________

(١) أي : التشريع في تطبيق المأمور به لا ينافي قصد الامتثال والتقرب بالأمر ، إذ المفروض أن التشريع ليس في نفس الأمر حتى يكون الأمر التشريعي داعيا له ومنافيا لإطاعة أمر الشارع ، بل الداعي للإطاعة هو أمر الشارع.

(٢) معطوف على «الامتثال» وضمير «به» راجع إلى «وجوبه».

__________________

فوجوده الثاني يستلزم عدم تحقق القيد العدمي فيئول إلى النقيصة. وان لوحظ لا بشرط بالإضافة إلى إيجاده ثانيها وثالثا فالمأمور به بالأمر الضمني هو الطبيعي ، فالكل هو الجزء ، وليس وجوده الثاني والثالث زائدا.

لكن يمكن تصويرها بما أفاده بعض المدققين (قده) باعتبار الجزء لا بشرط ، لكن لا بالمعنى المتقدم ، بل بمعنى مطلوبية صرف الوجود من الطبيعة وما هو طارد العدم ، قال (قده) : «وثالثة أخذ الجزء لا بشرط بمعنى اللابشرط القسمي أي لا مقترنا بلحوق مثله ولا مقترنا بعدمه ، فاللاحق لا دخيل في الجزء ولا مانع من تحققه ، وإلّا فمصداق طبيعة الجزء المأخوذ في الصلاة أول ركوع مثلا يتحقق منه ، ولكن مراد من يقول باعتبار الجزء لا بشرط هذا المعنى لا اللابشرط المقسمي ...» (١).

والظاهر أن هذا هو مراد المحقق النائيني أيضا «من تحقق الزيادة إذا كان الجزء ناقض العدم وهو أول الوجودات وما عداه زيادة قهرا» (٢) ، فلا يرد عليه ما في تعليقة المحقق المتقدم «من أن اعتبار أول الوجودات ان كان بنحو بشرط لا كانت الزيادة نقيصة ، وان كان بنحو لا بشرط كان الجزء هو الطبيعة الصادقة على

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٢٨٣

(٢) أجود التقريرات ، ج ٢ ، ص ٣٠٧

٣٠٢

به على كل حال (١).

______________________________________________________

(١) يعني : سواء كان للزائد دخل واقعا أم لا ، فان هذا التشريع لا ينافي التقرب بأمر الشارع.

__________________

القليل والكثير والواحد والمتعدد» (١) ، وذلك لأن المقصود بصرف الوجود من الركوع مثلا ما يصدق على أول وجود منه لا مقترنا بلحوق مثله ولا مقترنا بعدمه ، فيكون وجوده الثاني خارجا عن حريم الجزء ، وليس دخيلا في اقتضاء الركوع الأول للغرض المترتب عليه حتى يكون الكل جزءا ولا مخلا به حتى يكون مانعا.

والحاصل : أنه ليس لوجوده الثاني ولا لعدمه دخل في المركب.

كما لا بأس بتصوير الزيادة بما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) من صدق الزيادة عرفا إذا أخذ الجزء بشرط لا ، وأو له إلى النقيصة بالدقة العقلية لا ينافي إطلاق الزائد عرفا على الوجود الثاني ، فان الخطابات المتضمنة لحكم الزيادة ملقاة إلى العرف.

وقد يشكل «بأنه لا كلام في زيادته عرفا ، إلّا أن مثله لا يعقل أن يكون له اعتبار المانعية شرعا بعد فرض اعتبار عدمه شرعا بعين اعتبار الجزء بشرط لا» (٢) ومحصله : لغوية جعل المانعية للزيادة حينئذ ، لكفاية نفس اعتبار الجزء بشرط لا في بطلان الصلاة ووجوب إعادتها في رتبة سابقة على جعل المانعية ، فلا يترتب البعث والزجر على إنشاء المانعية بلسان مثل «من زاد في صلاته» وعليه فالزيادة العرفية وان كانت متحققة في الفرض ، لكنها لا تنفع في لزوم الإعادة ، لاستناد البطلان في رتبة سابقة على الزيادة إلى الإخلال بشرط الجزء أعني اعتبار وحدته وعدم تكرره. وهذا معنى لغوية جعل مانعية الزيادة الثاني الوجودين ، ولا مناص لدفع اللغوية إلّا بأن يجعل موضوع دليل مانعية الزيادة مختصا بغير ما كان الجزء

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٢٨٣

(٢) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٢٨٣

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ملحوظا بشرط لا ، هذا.

لكن يمكن أن يجاب عنه بأن الظاهر وحدة المجعول ثبوتا في أمثال المقام وأن لبّ مراد المولى بيان إخلال تكرار الركوع بالصلاة وان عبر عنه في مقام الإثبات تارة بجعل الجزء بشرط لا مما يرجع إلى النقيصة عقلا ، وأخرى بعنوان «من زاد في صلاته» نظرا إلى صدق الزيادة عرفا على ما عدا الوجود الأول ، كما قد يعبر عن الجزء تارة بلسان التكليف وأخرى بلسان الوضع كما عرفت في التنبيه المتقدم.

والحاصل : أن محذور اللغوية منوط بتعدد المجعول حقيقة حتى يكون الجعل الثاني لغوا ، ومع استكشاف وحدته بمعونة القرائن يسلم كلام الميرزا من الإشكال المزبور.

نعم يرد على هذا التصوير النقض بما أفاده سيدنا الأستاذ الشاهرودي (قده) من أنه إذا انحنى بمقدار الركوع لا بقصده بل لقتل العقرب أو أخذ الطفل لحفظه عن التلف أو نحوهما ، فان الزيادة حينئذ صادقة عرفا ، مع أنها لا تعد زيادة في الصلاة حتى تندرج في دليل مانعية الزيادة.

لكن يمكن أن يقال : انه لا يتم النقض المزبور حتى بناء على عدم اعتبار القصد في صدق الزيادة في المركبات الاعتبارية ، حيث ان الزيادة وان كانت صادقة عرفا لكنها ليست على إطلاقها قادحة ، فان الانحناء لمثل ما ذكر من الحوائج قد خرج عن حكم الزيادة وهو المانعية تخصيصا ، لا عن موضوعها تخصصا ، لما مر من صدق الزيادة عليه.

وقد تحصل : أن تصوير الزيادة أمر ممكن ، فلا بد من بيان ما يعتبر في صدقها.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الجهة الثانية : الظاهر أن قوام الزيادة في المركبات الاعتبارية بأمرين :

أحدهما : أن يكون الزائد من سنخ المزيد عليه كالأفعال والأذكار الخاصة في الصلاة.

ثانيهما : التجاوز عن الحد المخصوص للمزيد عليه.

أما الأول ، فلظهور الزيادة الحقيقية فيما يكون الزائد مسانخا للمزيد عليه ، وإلّا فلا يخلو إطلاقها عن العناية ، وقد مثل له شيخنا المحقق العراقي بزيادة مقدار من الدبس على الدهن ، فان الزيادة انما تصدق بالنسبة إلى وزن ما في الظرف ، فانه بعدم ما كان أوقية مثلا بلغ أوقية ونصفا ، ولكن لا تصدق بالنسبة إلى نفس الدهن فلا يقال : «زيد في الدهن» فالزيادة كالنقيصة تتقوم بالمسانخة والمماثلة ، فانها حقيقة توسعة في وجود الشيء ، ومن المعلوم عدم تحققها بإضافة المباين الأجنبي إليه ، نظير ما إذا قرأ البنّاء ، سورة من القرآن حين اشتغاله بالبناء ، فانه لا يعد القراءة بالضرورة جزءا للبناء ولا زيادة فيه ، كما لا تكون حركة اليد ونحوها في الصلاة زيادة فيها.

وأما الثاني : فلتوقف صدق الزيادة على فرض حد خاص للمزيد فيه ، بحيث يوجب إضافة الزائد انقلاب حده إلى حد آخر كالماء البالغ نصف الإناء ، فزيد عليه إلى أن امتلأ الإناء منه ، ضرورة صحة إطلاق الزيادة حينئذ على الماء. وفي المركبات الاعتبارية لا بد من اشتمال الجزء على حد خاص ولو اعتبارا كاعتبار بشرط لا أو لا بشرط بالمعنى الثاني الصادق على أول وجود من الطبيعة بحيث يوجب انضمام الوجود الثاني المماثل للوجود الأول انقلاب حده وصدق عنوان الزيادة عليه ، لخروج الوجود الثاني عن دائرة اللحاظ.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وما ذكرناه من الأمرين هو المناط في تحقق الزيادة. ويستفاد هذان الأمران من تعليله عليه‌السلام للنهي عن قراءة العزيمة في الصلاة بقوله : «لأن السجود زيادة في المكتوبة» فأطلق الزيادة على سجود التلاوة بمجرد كونه مسانخا لسجدتي الصلاة المعتبر فيهما عدد مخصوص ، مع أن المكلف في مفروض الرواية لم يسجد بقصد سجدتي الركعة التي بيده ، بل قصد الخلاف وهو امتثال الأمر بسجدة التلاوة ، ولا يوجب مجرد قصد الخلاف منع صدق عنوان الزيادة مع كون الزائد من سنخ المزيد عليه حقيقة ، ولذا يتعدى عن مورد النص إلى كل ما يكون مسانخا لأجزاء الصلاة كالركوع والقراءة والتشهد.

هذا بالنسبة إلى اعتبار السنخية في صدق الزيادة. وأما بالنسبة إلى التجاوز عن الحد ، فلأن المفروض اعتبار عدد خاص في السجود الصلاتي ، وسجدة التلاوة زائدة على ذلك العدد وموجبة لانقلاب الحد.

ودعوى اعتبار القصد في صدق الزيادة في المركبات الاعتبارية ، وأن إطلاق الزيادة على سجدة التلاوة بضرب من العناية ، لأجل «أن قصد الجزئية في القراءة أوجب صدق الزيادة عليها أيضا ، وأين ذلك من مثل سجدة الشكر ونحوها مما لا يؤتى به بقصد الجزئية ولا هو من توابع ما أتى به كذلك. أو أن السجدة الواحدة حيث انها لا استقلال لها بنفسها فلا حافظ لها الا الصورة الصلاتية ، فيصدق على مجرد وجودها ولو مع قصد عدم الجزئية أنها زيادة فيها ، فلا يشمل مثل سجدتي السهو المشتملتين على التشهد والسلام ونحوهما ...» (١) غير مسموعة.

أما التوجيه الأول فلأنه أخص من المدعى ، إذ التعليل بأنها زيادة في المكتوبة

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ٢ ، ص ٣٠٨

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

غير مختص بما إذا قرأها بعنوان الجزئية للصلاة ، بل الحكم كذلك لو قرأها بعد الفراغ من قراءته الصلاتية بعنوان قراءة القرآن ، فانه لم يقصد الجزئية حتى يكون صدق الزيادة عليها لأجل قصد الجزئية بقراءة العزيمة.

وأما الثاني ، فلان المدعى كفاية نفس المشاكلة والمجانسة بين المنضم والمنضم إليه بلا اعتبار أمر آخر كأن لا يكون للزائد راسم وحدة وجهة استقلال كسجدتي السهو ، وصلاة الآيات المضيقة في أثناء الصلاة اليومية ، فان وجود راسم الوحدة كعدمه غير دخيل في صدق الزيادة عرفا على المسانخ ، بل لا يصح جعل راسم الوحدة مخرجا له عن عنوان الزيادة وان التزم به المحقق النائيني (قده) ولذا أفتى بالصحّة في غير مورد النص وهو الإتيان باليومية في أثناء صلاة الآية كما أفتى به جماعة أيضا ، كالإفتاء بالصحّة في مورد النص وهو الإتيان بصلاة الآية في أثناء اليومية. وذلك لورود النقض عليه بما لا يظن الالتزام به ، مثل وجوب الإتيان بصلاة المغرب في أثناء العشاء إذا تجاوز عن محل العدول ، كما إذا تذكر نسيان المغرب بعد الدخول في ركوع الرابعة ثم الإتيان ببقية صلاة العشاء. وكذا وجوب الإتيان بسجدة السهو الواجبة عليه في الصلاة السابقة في أثناء اللاحقة التي بيده ثم البناء عليها والإتمام ، حيث ان وجوب سجدة السهو فوري ولها راسم وحدة كما صرح به.

والمتحصل : أن الحق صدق الزيادة على المسانخ مطلقا حتى مع وجود موجب الوحدة والاستقلال ، ولذا لا نتعدى عن مورد النص الدال على إتيان صلاة الآيات في أثناء اليومية إلى غيره ، فانه على خلاف القاعدة.

وأما الاستدلال على اعتبار قصد الجزئية بما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده)

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

من «أن حقيقة الصلاة عبارة عن الأفعال والأذكار الخاصة الناشئة عن قصد الصلاتية لا مطلقا ولو مجردة عن قصد الصلاتية ، ولذا لا يحرم على الحائض الإتيان بها بعنوان الصلاتية ، وعليه فيحتاج صدق الزيادة فيها إلى قصد عنوان الصلاتية بالجزء المأتي به أيضا ، وإلّا فمع فرض خلوه عن قصد الصلاتية وعنوان الجزئية لها لا يكون المأتي به حقيقة من سنخ الصلاة ، فلا يرتبط حينئذ بالصلاة حتى يصدق عليه عنوان الزيادة في الصلاة إلّا على نحو من العناية للمشاكلة الصورية» (١) فلا يخلو من غموض ، لأن الصلاة ، وان كانت هي مجموعة من المقولات المتباينة التي جمعها عنوان واحد قصدي يوجب توقف اتصاف كل واحد من تلك المقولات بالجزئية على القصد ، ولكن ذلك لا يستلزم توقف صدق الزيادة على القصد أيضا ، لكون الزيادة من المفاهيم العرفية غير المتوقفة على القصد كما هو ظاهر ، ومن المعلوم أن أدلة مانعية الزيادة ملقاة إلى العرف ، فمعنى الزيادة عرفا خال عن اعتبار القصد فيه ، فاعتباره فيه لا بد أن يكون بدليل شرعي ، وهو مفقود أيضا.

وبالجملة : فقد عرفت صدق الزيادة عرفا على المسانخ مطلقا حتى مع قصد الخلاف. وأما غير المسانخ كحركة اليد وضم الطفل والجارية فليس زيادة في الصلاة وان قصد به الجزئية ، ولو أوجب خللا فيها فانما هو للاقتران بالمانع مثل ما ورد في النهي عن التكتف من أنه عمل وليس في الصلاة عمل.

وأما تأييده لمدعاه بجواز سجدة التلاوة في النافلة مع وضوح اشتراك الفريضة والمندوبة في الشرائط والموانع ، ولذا لا يجوز تكرار الركوع فيها بقصد الجزئية فلم يظهر وجهه ، للفرق بين الصلاة الواجبة والمندوبة في عدة أمور كجواز الإتيان

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ج ٣ ، ص ٤٣٧

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بالنافلة ماشيا وراكبا ، وعدم وجوب سجدة السهو فيها ، وجواز البناء على كل من الأقل والأكثر في الأوليين ، والبناء على الأقل في خصوص الشك بين الاثنتين والثلاث ، وجواز ترك السورة فيها ، وغير ذلك ، وليكن منها أيضا اغتفار الزيادة المتحققة بمجرد انضمام ما يسانخ بعض الاجزاء فيها سواء قصد الجزئية أم لا ، أخذا بإطلاق التعليل «فانه زيادة في المكتوبة» النافي لاعتبار القصد.

هذا كله في ما يتقوم به صدق عنوان الزيادة.

الجهة الثالثة : في حكمها ، وهو مبطلية الزيادة السهوية بل العمدية للعمل وعدمها ، فنقول : ان بطلان العمل لا بد وأن يستند إلى الإخلال به اما بفقد شرط أو جزء منه ، واما بوجود ما اعتبر عدمه من الموانع والقواطع فيه ، وإلّا فإذا كان المأتي به واجدا لجميع ما اعتبر فيه جزءا وشرطا ، وفاقدا لما اعتبر عدمه فيه من المانع والقاطع ، ولكنه اشتمل على زيادة كان الشك في بطلان العمل حينئذ ناشئا من الشك في تقيد المأمور به بعدمها ، وهو يرجع إلى الشك في الأقل والأكثر في الاجزاء التحليلية ، ولا بد حينئذ من النّظر في أن دليل المركب هل له إطلاق ينفي قدح الزيادة وإخلالها بالعمل ، أم لا؟ بأن لم يكن لفظيا كالإجماع ، أو كان ولم تنم مقدمات الحكمة فيه ، لكونه في مقام أصل التشريع.

فان كان له إطلاق فهو المرجع ، وإلّا فتصل النوبة إلى ما يقتضيه الأصل العملي من استصحاب الصحة ونحوه ، وإلّا فالبراءة عن مانعية مطلق الزيادة. هذا إذا لم تكن الزيادة موجبة للبطلان من جهة أخرى كالتشريع في الأمر بالعبادة لا ما يرجع إلى التطبيق على التفصيل المتقدم.

هذا ما تقتضيه القاعدة في المركبات الاعتبارية ، إلّا أنه وردت نصوص تدل

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

على بطلان الصلاة والطواف والسعي بالزيادة مطلقا أو خصوص العمدية ، فلا بد من ملاحظتها وما يستفاد منها بعد الجمع بينها ، ونحن نقتصر للاختصار على بيان أخبار الزيادة في الصلاة خاصة ، فنقول وبه نستعين : ان روايات الصلاة على طوائف :

الأولى : ما دل على فسادها بالزيادة مطلقا سواء أكانت عن عمد أم سهو ، وهي نصوص :

منها : معتبرة أبي بصير ، قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١) وظهورها في إخلال مطلق الزيادة بالصلاة مما لا ينكر.

لكن قد يشكل الإطلاق «بأن خروج الزيادات السهوية عن موضوع هذا الحكم يصلح لأن يكون قرينة صارفة عن الإطلاق ، فلا يتعين حينئذ إرادة العمد ، لجواز أن يكون المراد بها زيادة الأركان ، أو الزيادة في عدد الركعات ، والأول وان كان أسبق إلى الذهن في بادي الرّأي من حيث مقابلة العمد بالسهو ، واشعار نسبة الفعل إلى الفاعل المختار بإرادة الاختيار ، ولكن بعد الالتفات إلى ندرة حصول الزيادة عمدا ، وكون زيادة الركعة هو الفرد الواضح مما يطلق عليه أنه زاد في صلاته بحيث قد يدعى انصراف الإطلاق إليه يوجب التشكيك فيما أريد من الرواية» (٢).

وقد ادعي هذا الانصراف في خبر عبد الله بن محمد الوارد في بطلان الطواف بالزيادة فيه «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذلك السعي» (٣) وأنها منصرفة عن الزيادات المتخللة في

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ١٩ من أبواب الخلل ، الحديث ٢ ص ٣٢٢

(٢) مصباح الفقيه ، ج ٢ ، ص ٥٣٨ و ٥٣٩

(٣) الوسائل ، ج ٩ ، الباب ٣٤ من أبواب الطواف. الحديث : ١١ ، ص ٤٣٨

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الأثناء وتختص بالزيادة اللاحقة سواء أكانت شوطا أم ركعة أم أبعاضهما وان كان الأظهر اختصاصها بالشوط والركعة.

لكن ذلك ممنوع ، فان إطلاق الزيادة محكم ، إذ اختصاص الزيادة المبطلة بالركعة ان كان لأجل أنها القدر المتيقن وجودا فهو غير مانع عن الإطلاق ، لعدم كونه متيقنا في مقام التخاطب. وان كان للانصراف كما تقدم في كلام القائل فممنوع أيضا بعد صدق الزيادة على الركعة التامة وعلى أبعاضها ، خصوصا بملاحظة النص الآتي الناهي عن قراءة العزيمة في الصلاة معلّلا بأن السجود زيادة في المكتوبة. والانصراف لا يمنع عن الإطلاق ما لم يوجب التشكيك في الصدق ، وقد عرفت عند بيان ما يعتبر في صدق الزيادة أنها تصدق مع مماثلة الزائد والمزيد فيه بلا اعتبار القصد.

وأما توهم دلالة رواية الطواف على كون الزيادة المبطلة في الصلاة هي الركعة كمبطلية الشوط للطواف وعدم مبطلية ما دون الشوط له ، فمردود بأن الزيادة على الطواف لا تتوقف على الشوط ، بل تصدق على أبعاضه أيضا ، إلّا أن النص دل على عدم تحقق الزيادة المبطلة في الطواف بما دون الشوط ، ومن المعلوم أنه لا يوجب رفع اليد عن إطلاق مانعية الزيادة في الصلاة ولو بأبعاض الركعة. هذا بالنسبة إلى إطلاق الرواية للركعة وأبعاضها.

وكذا بالنسبة إلى الزيادة العمدية والسهوية ، والمنع من الإطلاق بخروج الزيادات السهوية وبإشعار اسناد الفعل إلى الفاعل بصدوره عن اختيار غير متجه. أما خروج الزيادات السهوية في غير الأركان فانما هو بدليل منفصل غير مانع عن انعقاد الظهور في مانعية مطلق الزيادة ، وانما هو مانع عن حجية هذا الظهور

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإطلاقي كما في نظائره. وأما اشعار اسناد الفعل إلى الفاعل المختار فمنقوض بحكمهم بضمان المتاع الّذي تلف بحركة يد النائم تمسكا بعموم «من أتلف» فالمصحّح لإسناد الفعل إلى فاعل ما هو صدوره منه بأي وجه اتفق.

ومنها : معتبرة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرّجل يقرأ في الفريضة سورة النجم ، أيركع بها أو يسجد ، ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ، ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة» (١) وحيث ان للشيخ طريقا صحيحا إلى كتاب علي بن جعفر فلا يقدح وقوع حفيده عبد الله ابن الحسن الّذي لا توثيق له في سند قرب الإسناد. والذيل يدل على مبطلية الزيادة ، وصدر الخبر وان صدر تقية ، حيث انه عليه‌السلام أمر بالسجود ، لكنه لا يوهن الاستدلال بالذيل الصادر لبيان الحكم الواقعي ، وهذا المضمون قد ورد في رواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، «لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم ، فان السجود زيادة في المكتوبة» (٢).

ومنها : رواية الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في حديث شرائع الدين ، قال : «والتقصير في ثمانية فراسخ ، وهو بريدان ، وإذا قصرت أفطرت ، ومن لم يقصر في السفر فلم تجز صلاته ، لأنه قد زاد في فرض الله عزوجل (٣). قال شيخنا الأعظم : «دل بعموم التعليل على وجوب الإعادة بكل زيادة في فرض الله عزوجل لكن مورد الرواية ـ مع الغض عن سندها ـ الزيادة في فرض الله وهو الركعتان في قبال فرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تدل على إخلال مطلق الزيادة ولو في

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ ، الباب ٤٠ من أبواب القراءة ، الحديث : ٤

(٢) الوسائل ، ج ٤ ، الباب ٤٠ من أبواب القراءة ، الحديث : ١

(٣) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث : ٨ ، ص ٥٣٢

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ثالثة المغرب أو رابعة العشاء مثلا.

والحاصل : أن الظاهر منها هي الزيادة على عدد الركعات الّذي افترضه الله عليه في السفر ، فجعل الركعتين أربعا. ومعه لا مجال للتمسك بإطلاق «زاد في فرض الله» والحكم بإخلال كل زيادة ، لقرينية المورد على اختصاص الزيادة المبطلة بما إذا زاد على فرض الله ، ولا يكون ذلك إلّا بركعة أو ركعتين ، وهذا أجنبي عما إذا زاد في السفر بقراءة سورة مثلا ، لعدم صدق الزيادة عليها في فرض الله وهو الركعتان ، لعدم إتيانه حسب الفرض بركعة ثالثة. وحينئذ فالاستدلال بهذه الرواية على إخلال مطلق الزيادة مخدوش ، لأنها أخص من المدعى.

فتحصل : أن هذه الطائفة تدل على بطلان الصلاة بكل زيادة سواء كانت في الأركان أم غيرها وسواء كانت عمدية أم سهوية.

الطائفة الثانية : ما تدل على بطلانها بالزيادة السهوية ، كقوله عليه‌السلام في صحيح زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال : إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» (١) وصريحه إناطة بطلان الصلاة في الزيادة السهوية بكون الزائد ركعة ، فما دون الركعة ليس مبطلا لها. هذا بناء على المتن المزبور الّذي نقله الوسائل عن الكافي والتهذيب (٢) المروي عن زرارة وبكير ابني أعين ، لكنه في الكافي والتهذيب خال عن «ركعة» فان المتن المذكور فيهما «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها» فمن العجيب نقل الوسائل ذلك عن الكليني والشيخ معا.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، ص ٣٣٢ ، الحديث : ١

(٢) الكافي ، ج ٣ ، كتاب الصلاة ، باب من سها في الركوع ، الحديث : ٢ ، التهذيب ، ج ٢ ، ص ١٩٤ ، الحديث ٧٦٣

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

نعم في الكافي (١) في باب السهو في الركوع روى عن زرارة المتن المذكور مع كلمة «ركعة» وفي الوسائل أيضا في باب بطلان الصلاة بزيادة ركوع ولو سهوا ، وفهم غير واحد كالمجلسي وصاحب الوسائل أن المراد بالركعة هو الركوع بقرينة الروايات الثلاث المشتملة على بطلان الصلاة بالركوع دون السجود.

ويمكن تأييد فهمهم لذلك بلغوية جعل المبطلية للركعة بعد القطع بالبطلان بالركوع فقط ، أو السجدتين كذلك ، إذ الركعة تتألف من ركنين وهما السجدتان والركوع ، وبعد فرض مبطلية الركوع للصلاة لا معنى لجعل المبطلية للركعة.

وبالجملة : فالمبطل ليس هو تمام الركعة ، فلا محيص عن إرادة الركوع من الركعة ، فالمعتمد هو المتن الخالي عن الركعة في الرواية المزبورة التي رواها زرارة وبكير ، والمستفاد منه هو بطلان الصلاة بكل زيادة سهوية. وقد ظهر أيضا أن المراد بالركعة في الروايات المشار إليها المشتملة على الركعة هو الركوع.

الطائفة الثالثة : ما تدل على بطلانها بالزيادة والنقص سهوا في الأركان ، وعدم البطلان بالزيادة والنقيصة في غير الأركان ، كقوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ، الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ، ثم قال : القراءة سنة والتشهد سنة فلا تنقض السنة الفريضة» (٢) فان عقد المستثنى يدل على الحكم الأول وعقد المستثنى منه يدل على الحكم الثاني.

الطائفة الرابعة : ما دل على الصحة مطلقا سواء كان بالزيادة أم النقيصة وسواء

__________________

(١) ج ٣ ، باب من سها في الركوع ، الحديث ٣ ، ورواه في الوسائل ، ج ٤ ، الباب ١٤ من أبواب الركوع ، الحديث : ١ ، ص ٩٣٨

(٢) الوسائل ، ج ٤ ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث : ٤ ، ص ١٢٤

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كان في الأركان أم غيرها ، لكن في خصوص السهو ، وذلك مثل مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (١) بناء على الاعتماد على مراسيل ابن أبي عمير إما لشهادة الشيخ في العدة في بحث حجية خبر الواحد «بأنه من الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة» وإما لانجبار ضعف السند بعمل المشهور لو لم يكن وجه عملهم بها اعتمادهم على كلام الشيخ.

لكن لمّا لم تكن هذه الشهادة مقبولة عند الشيخ نفسه ، لمخالفته لها في جملة من المراسيل كما يظهر من التهذيب والاستبصار ـ حيث انه ضعّف رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في الكتابين (٢) بقوله : «فأول ما فيه أنه مرسل ، وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة» وغير ذلك من الموارد التي ناقش الشيخ فيها بالإرسال وان كان المرسل ابن أبي عمير أو غيره من أصحاب الإجماع ـ صار اعتبار مرسلة سفيان موردا للإشكال ، فلا يمكن الحكم باعتبارها من ناحية كلام الشيخ ، وكذا من ناحية الجبر بعمل المشهور ، لعدم إحراز استنادهم إليها ، فاندراجها في كبرى الجبر بالعمل أيضا غير معلوم. وعليه فما في خلل صلاة الجواهر من الاعتماد على هذه المرسلة لكون المرسل ابن أبي عمير لا يخلو من تأمل.

وبالجملة : فلم تثبت حجية المرسلة المزبورة حتى يجمع بينها وبين سائر الروايات ، فذكر المرسلة في جملة أخبار الباب انما هو على فرض اعتبارها.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٣٢ من أبواب الخلل ، الحديث : ٣ ، ص ٣٤٧

(٢) التهذيب ، ج ٨ ، باب العتق وأحكامه ، الحديث : ٩٣٢ ، ص ٢٥٧ ، الاستبصار ج ٤ ، باب ولاء السائبة الحديث : ٨٧

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهذه الطوائف الأربع غير متعارضة في نقص الأجزاء غير الركنية سهوا ، كما أنها ليست متعارضة في الزيادة والنقيصة العمديتين. أما عدم معارضتها في حكم النقيصة غير الركنية فلأن الطائفة الأولى منها مختصة بالزيادة ، وليست متعرضة لحكم النقيصة ، والثانية مختصة بالزيادة سهوا ، والأخيرتان تدلان على صحة الصلاة بنقص الجزء غير الركني سهوا ، نعم عقد المستثنى من حديث «لا تعاد» يدل على بطلانها بنقص الركن سهوا.

وأما عدم تعارضها في الزيادة والنقيصة العمديتين ، فلدلالة «من زاد» على فساد الصلاة بالزيادة العمدية ، ولا معارض لها. وأما النقيصة العمدية ، فللزوم لغوية جعل الجزئية والشرطية للأجزاء والشرائط لو لم توجب النقيصة بطلان المركب ، ولزوم الخلف أيضا.

ويقع التعارض بينها في زيادة الأجزاء سهوا ركنا كانت أو غيره وفي نقص الأركان سهوا ، لاقتضاء المرسلة الصحة ، و «لا تعاد» البطلان في خصوص الركن زيادة ونقصا ، واقتضاء «من زاد» و «من استيقن» البطلان في الزيادة السهوية ركنا كانت أو غيره. وحيث ان نسبة أخبار الزيادة مع حديث «لا تعاد» تختلف كما سيظهر بالعموم والخصوص من جهة اختصاص الحديث بالنقيصة عن نسيان ونحوه كالجهل القصوري وعدم شموله للزيادة ، لأن النقيصة هي القدر المتيقن منه ، لاحتفافه بما يصلح لأن يكون مانعا عن انعقاد الإطلاق لكل من الزيادة والنقيصة وهو عدم تصور الزيادة في الوقت والطهور والقبلة ، أو عدم اختصاصه بالنقيصة وشموله لكل منهما سواء أكان الإخلال عن نسيان أو جهل قصوري ممن يرى أن المأتي به هو الوظيفة الفعلية ـ كما هو الأقوى ـ فلا بد من ملاحظة النسبة معه على

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المبنيين فنقول وبه نستعين :

انه بناء على اختصاص الحديث بالنسيان وعمومه للزيادة والنقيصة يكون مفاده بطلان الصلاة بالزيادة والنقيصة السهويتين في الأركان دون غيرها على ما هو قضية عقد المستثنى ، والنسبة حينئذ مع ما يدل على مانعية الزيادة أعني رواية «من زاد» هي العموم من وجه ، لاقتضاء كل منهما بطلان الصلاة بالزيادة السهوية في الأركان وان دل «لا تعاد» على بطلانها بالنقيصة كذلك ، ولدلالة «من زاد» على بطلانها بالزيادة السهوية حتى في غير الأركان ، ودلالة «لا تعاد» على صحتها ، و «من زاد» أعم منه ، لشموله للجهل والعمد والنسيان ، وأخص منه ، لاختصاصه بالزيادة. كما أن «لا تعاد» أعم منه ، لشموله للزيادة والنقيصة ، وأخص منه ، لاختصاصه بالنسيان حسب الفرض ، ومورد اجتماعهما زيادة غير الأركان سهوا ، وفيه يتحقق التنافي بين «لا تعاد» المقتضي للصحة و «من زاد» المقتضي للبطلان ، ومورد الافتراق من «لا تعاد» هو النقيصة ، ومن «من زاد» هو الزيادة العمدية والجهلية.

والنسبة وان كانت هي العموم من وجه ، إلّا أن حديث «لا تعاد» حاكم على «من زاد» لأن الحديث من الأدلة الثانوية الشارحة للأدلة الأولية المتكفلة لبيان الأجزاء والشرائط والموانع ، و «من زاد» يكون من الأدلة الأولية المتكفلة لمانعية الزيادة ، فلا تلاحظ النسبة بينهما ، ومقتضى هذه الحكومة اختصاص «من زاد» بغير ما يدل عليه «لا تعاد» كالزيادة لا عن نسيان.

وكذا الحال بناء على عموم الحديث لغير الناسي ، للحكومة. ويختص «من زاد» بالجهل التقصيري.

وأما رواية «من استيقن» القاضية بإخلال الزيادة السهوية مطلقا فلا تنافي عقد

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المستثنى من الحديث كما هو واضح ، وهي أعم من المستثنى منه ، لشمولها للأركان وغيرها ، وأخص منه لاختصاصه بالزيادة ، وعقد المستثنى أعم منها ، لشموله للزيادة والنقيصة ، وأخص منها ، لاختصاصه بالأركان ، والنسبة هي العموم من وجه ، ويتعارضان في زيادة غير الركن سهوا أو جهلا ، ولكن لا يعامل معهما معاملة المتعارضين ، لتقييد «من استيقن» بحديث «لا تعاد» إذ لو لم يقدم عقد المستثنى لم يبق مورد للحكم بعدم الإعادة في الزيادة السهوية في غير الأركان ، مع ظهور كلام الإمام عليه‌السلام في الفرق بين العقدين ، لقرينية المقابلة بين المستثنى منه والمستثنى على أن كل ما يثبت في المستثنى يثبت نقيضه في المستثنى منه ، ومن المعلوم أن الثابت في المستثنى وجوب الإعادة في زيادة الأركان ونقصانها سهوا ، ونقيضه هو عدم وجوب الإعادة في غير زيادة الأركان ونقصانها كذلك ، ويختص «من استيقن» بالأركان ، كما أنه بناء على اختصاص «لا تعاد» بالنقيصة لا تعارض ، لاختلافهما موردا.

وأما مرسلة سفيان الدالة على عدم قدح الزيادة والنقيصة السهويتين مطلقا من غير فرق بين الخمسة وغيرها فهي موافقة لعقد المستثنى منه في حديث «لا تعاد» ولكن يقع التعارض التبايني في عقد المستثنى ، لدلالة الحديث على بطلان الصلاة بالخلل في الخمسة سهوا ، ودلالة المرسلة بالدلالة المطابقية على كفاية سجدتي السهو للإخلال السهوي ومدلولها الالتزامي صحة الصلاة ، ومن المعلوم وقوع التهافت بين ما يدل على الصحة والبطلان. وبعد تساقطهما في المجمع يكون المرجع القاعدة الأولية المقتضية لعدم البطلان.

إلّا أن يعالج التعارض تارة بما أفيد من توقف المعارضة على أن تكون المرسلة

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

متكفلة لبيان حكمين أحدهما نفي وجوب الإعادة لكل زيادة ونقيصة سهوية حتى في الأركان ، وثانيهما وجوب سجدتي السهو ، وهو ممنوع ، لظهورها في بيان الحكم الثاني خاصة إذا أحرز من الخارج صحة الصلاة وعدم مانعية الزيادة السهوية ، بلا تعرض لبيان ما يقدح فيه الزيادة وما لا يقدح ، وحينئذ يكون لسان عقد المستثنى من حديث «لا تعاد» لسان الشرح والحكومة ، ويبين أن الزيادة السهوية في الأركان مبطلة لها ، ويرتفع بها موضوع وجوب سجدتي السهو (١).

وأخرى بأظهرية عقد المستثنى في البطلان من ظهور مدلول المرسلة الالتزامي في الصحة ، لبنائهم على ترجيح الدلالة المطابقية على الالتزامية.

وثالثة بما في تقرير شيخنا المحقق العراقي (قده) من أن الحكم في العامين من وجه وان كان هو التساقط ، إلّا أنه فيما لم يكن مرجح لأحدهما ، وهو موجود ، فلا بد من تقديم عقد المستثنى لئلا يلزم محذور لغوية الاستثناء الظاهر في الفرق بين الإخلال بالخمسة وغيرها ، إذ لو أخرجنا مورد التصادق عن عقد المستثنى بمقتضى المرسلة وحكمنا بالصحّة في زيادة الأركان سهوا وخصصنا البطلان بالزيادة العمدية لزم لغوية الاستثناء ، لمساواة جميع الأجزاء في إخلال زيادتها العمدية بالصلاة على ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «ان الله تعالى فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه» مع ضميمة عدم الفصل بين النقيصة والزيادة. وهذا بخلاف ما لو عملنا بعقد المستثنى ، إذ لا يلزم لغوية المرسلة ، لوجوب السجدتين لكل زيادة ونقيصة في غير الأركان وهذا المضمون أعم من صدر حديث لا تعاد (٢).

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ج ٣ ، ص ٤٤٤

(٢) نهاية الأفكار ، ج ٣ ، ص ٤٤٤

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهذا الوجه وان كان متينا في نفسه ، إلّا أنه يتوقف على تخصيص مفاد الحديث بالناسي ، لكن تخصيصه به بلا موجب ، لظهوره في حكم الخلل الواقع في الصلاة في الخمسة وغيرها ممن لا يصح مطالبة الركن منه الا بالأمر بالإعادة سواء كان عن نسيان أم جهل أم غفلة ، وحينئذ فلا يلزم لغوية الاستثناء لو أخل بالركن سهوا وحكم بصحة الصلاة مع السجدتين ، وان كان خلاف المتسالم عليه ، لكن لاندراج موارد الخلل غير السهوي في عقد المستثنى تبقى حكمة الاستثناء محفوظة.

وأما نسبة المرسلة مع «من استيقن» فهي العموم والخصوص ، لدلالة «من استيقن» على بطلان الصلاة بالزيادة السهوية ، وهذا أخص من المرسلة الدلالة على صحتها مع كل زيادة ونقيصة مطلقا ، فتخصص المرسلة من طرف الزيادة بالركوع أو الركعة بناء على رواية زرارة المشتملة على زيادة الركعة ، وبناء على ما رواه زرارة وبكير من إخلال مطلق الزيادة فيستقر التعارض بينهما ، وعلاجه منحصر بالتصرف في مدلول كل منهما بحديث لا تعاد.

وأما نسبة المرسلة مع حديث «من زاد» الدال على البطلان بكل زيادة عمدا وسهوا سواء كانت في الأركان وغيرها ، فهي العموم والخصوص من وجه لاختصاص المرسلة بالسهو ، وشمولها للزيادة والنقيصة ، فمادة الاجتماع هي الزيادة السهوية ، ومادة الافتراق من طرف المرسلة النقيصة ، ومن طرف «من زاد» الزيادة العمدية ، ويقع التعارض ، والمرجع بعد التساقط حديث «لا تعاد» المبيّن لكيفية الدخل.

وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه : إخلال زيادة الخمسة سواء كان عمديا كما يقتضيه إطلاق «من زاد» أم سهويا كما يقتضيه «لا تعاد» بناء على شموله للزيادة.

٣٢٠