منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

ووجب موافقته ، فان التدرج لا يمنع عن الفعلية ، ضرورة أنه كما يصح التكليف بأمر حالي كذلك يصح بأمر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع ، فافهم (١).

______________________________________________________

إجمالا بوجوب صوم أحد اليومين بالنذر ، فان مجرد التدريجية لا تمنع عن الفعلية ، لصحة التكليف الفعلي بأمر استقبالي كصحته بأمر حالي ، حيث يكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا ، كما هو الحال في الواجب المعلق الفصولي كالحج ، حيث انه يستقر وجوب الحج في ذمة المستطيع قبل حلول زمان الواجب وهو الموسم ، ولذا يجب عليه المسير وتهيئة المقدمات التي يتمكن بها من إتيان المناسك في وقتها ، وقد تقدم توضيحه أيضا.

(١) لعله إشارة إلى أن صحة التكليف بأمر استقبالي ـ بحيث يكون التكليف فعليا غير مشروط بشيء ـ محل الكلام ، إذ القيود غير الاختيارية لا محالة تخرج عن حيّز الطلب ويتقيد هو بها ، ولذا بنى غير واحد من المتأخرين على استحالة الواجب المعلق ، خلافا لآخرين ، فراجع ما ذكرناه في هذا المقام في الجزء الثاني من هذا الشرح.

__________________

أو الحلف عليه في ليلة خاصة اشتبهت بين الليلتين أو أزيد. وبالبراءة في واحد منها وهو مثال المرأة المستمرة الدم ، لكن لا لما ذكره المصنف بل لوجه آخر سيأتي بيانه.

وينبغي قبل التعرض للاستدلال تحرير محل النزاع ، فنقول : ان المبحوث عنه هو الفعلان الزمانيان المتدرجان بحسب الوجود بمعنى عدم إمكان وقوع كليهما في الحال ، بل يتقيد أحدهما بزمان متأخر أو زماني كذلك. وأما الموجودان بالفعل مع عجز المكلف عن الجمع بينهما دفعة كشرب مائي الإناءين فهما خارجان

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

عن البحث ، إذ لا ريب في منجزية العلم الإجمالي حينئذ ، للعلم بتوجه الخطاب المنجز إلى المكلف. كما أن مفروض الكلام هو ما إذا لم تكن الأطراف منجزة بمنجز آخر.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أن الأقوال في مسألة تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات ثلاثة :

الأول : عدم التنجيز مطلقا ، فلا مانع من جريان الأصول في الأطراف ، لوجود المقتضي ـ وهو الشك ـ لجريان الأصل في الطرف الموجود فعلا ، وعدم مانع منه ، إذ في ظرف جريانه لا يعارضه الأصل الجاري في الطرف المعدوم اللاحق ، لإناطة جريانه بوجود موضوعه ، وبعد وجوده يجري الأصل فيه بلا معارض ، لانعدام كل منهما في ظرف وجود الآخر ، وعليه فالخطاب التنجيزي بالحرام المردد بين الموجود في الحال والمستقبل غير موجه إلى المكلف ، لفقدان شرطه وهو الابتلاء بالمتعلق ، فيندرج كل واحد من الأطراف في ضابط الشك في التكليف لا المكلف به.

الثاني : التنجيز مطلقا ، وعدم كون التدرج مانعا عن تأثير العلم الإجمالي فيما كان المعلوم تكليفا فعليا ، فان المدار في المنجزية هو العلم بالتكليف الفعلي سواء كانت الأطراف دفعية أم تدريجية.

الثالث : التفصيل في التدريجيات بالتنجيز فيما إذا لم يكن للزمان دخل موضوعي في الحكم كحرمة الرّبا والكذب والغيبة ونحوها ، وعدمه فيما إذا كان للزمان دخل في الملاك والخطاب كالحيض المردد بين أيام الشهر ، فان الأحكام الإلزامية المترتبة عليه لم تكن فعلية قبل حلول الزمان الخاصّ ، إذ ليس مجرد العلم بها علما بتكليف

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بالغ مرتبة البعث والزجر.

وكيف كان ، ففصّل شيخنا الأعظم بين الأمثلة الثلاثة وحكم في مثال المرأة المضطربة أو الناسية لوقتها بعدم التنجيز والرجوع إلى استصحاب الطهر ، لعدم الابتلاء دفعة ، قال (قده) : «فان تنجز تكليف الزوج بترك وطي الحائض قبل زمان حيضها ممنوع ، فان قول الشارع : ـ فاعتزلوا النساء في المحيض ، ولا تقربوهن حق يطهرن ـ ظاهر في وجوب الكف عند الابتلاء بالحائض ، إذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء ، فلا يطلب بهذا الخطاب» وحكم في المثالين الآخرين بالاحتياط.

لكن جعل الفارق الابتلاء وعدمه مشكل ، إذ لو أريد عدم الابتلاء بالمرة ، وصيرورة المكلف أجنبيا عن المتعلق بالكلية لم يتحقق هذا المعنى في المرأة الكذائية ، لوضوح ابتلاء الزوج بها في بعض أيام الشهر. وان أريد عدم الابتلاء الفعلي وان ابتلي في المستقبل لم يكن فرق بين المثال وبين المعاملة الربوية التي يعلم بابتلائه بها في يومه أو شهره ، مع عدم علمه بأنها أول معاملاته ، فيلزم الحكم بعدم الحرمة.

وكذا في مثال النذر. وعليه فلا وجه لجعل المناط في جواز المخالفة القطعية عدم الابتلاء الدفعي بتمام الأطراف.

مضافا إلى أن التفرقة بين مثال الحيض ونذر فعل في زمان خاص مشكلة أيضا ، حيث ان للزمان في كليهما دخلا موضوعيا ، لفرض تقيد المنذور بزمان خاص في صيغة النذر ، فيكون كالحيض في دخل الزمان في أحكامه.

وعليه فليس الزمان المستقبل ظرفا محضا للامتثال كما هو الحال في الرّبا ونحوه.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

نعم يتجه ذلك في النذر المطلق كصوم يوم وصلاة ركعتين ، لصيرورة وجوب الوفاء بالنذر حينئذ فعليا بمجرد انعقاد النذر ، فالزمان يكون ظرفا للامتثال لا قيدا للمنذور ، لا في مثل الحلف على صوم يوم معين.

وقد وجّه بعض المدققين كلام شيخنا الأعظم (قدهما) بقوله : «فعليه يكون مثال الحيض عنده من التكليف المشروط ، بخلاف مثالي الحلف والمعاملة الربوية ، فانه ليس الزمان فيهما شرطا لا للتكليف ولا للمكلف به ، فالإرادة فيهما فعلية لا على تقدير ، فيصح على هذا المبنى دعوى الشيخ الأجل (قده) جريان البراءة في مثال الحيض ، لدوران الأمر بين المطلق والمشروط الّذي لا باعثية له بالفعل ، وجريان الاحتياط في مثالي الحلف والمعاملة الربوية ، لأن التكليف في كل من الطرفين لا قيد له وجوبا وواجبا ، فالحكم فعلي لا على تقدير».

لكن هذا التوجيه لا يلتئم مع ما اختاره الشيخ الأعظم في الواجب المشروط من فعلية الوجوب ورجوع القيود طرّا إلى الواجب ، وإنكاره للوجوب المشروط المشهوري ، فالإرادة فعلية فيه لا على تقدير ، بل المراد فعلي على تقدير ، لفرض رجوع القيد إلى المادة ، فالواجب المشروط عند الشيخ هو المعلق الفصولي كما تقدم تفصيله في الجزء الثاني ، فالإرادة فعلية وفاعليتها منوطة بأمر متأخر ، وحيث كانت الإرادة فعلية مطلقا ، فلا فرق بين كون متعلقها الأمر الدفعي والتدريجي ، فالمكلف عالم بالإرادة الفعلية ، ولكن ظرف العلم دائر بين الموجود الحالي حتى تكون فاعلية الإرادة أيضا في الحال ، والموجود الاستقبالي حتى تكون فاعليتها في الاستقبال ، لانفكاك فاعلية الإرادة عن فعليتها حينئذ.

والحاصل : أن حمل كلام الشيخ على الوجوب المشروط المشهوري ـ ولذا

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

التزم بالرجوع إلى الأصول النافية للتكليف من استصحاب الطهر وأصالة الإباحة والبراءة ـ ينافي ما نسب إليه من إنكاره الواجب المشروط والتزامه برجوع القيود لبّا إلى المادة وفعلية الوجوب والحرمة.

نعم يمكن ابتناء كلام الشيخ الأعظم (قده) على ما ينسب إليه من عدم كون مقصوده ما هو ظاهر عبارة التقريرات ، بل يلتزم هو أيضا باشتراط نفس الوجوب لكن لا من جهة تقييد الهيئة الّذي يلتزم به المشهور ، بل من باب المحمول المنتسب ، فانه عليه يتم التوجيه المذكور ، وقد تعرضنا له في الجزء الثاني من هذا الشرح ، فلاحظ.

وأما التسوية بين مثال النذر والرّبا بعدم دخل الليلة المستقبلة «لا في مصلحة وجوب الوفاء بالحلف ولا في مصلحة الوفاء ، بل حيث ان الحلف تعلق بتركه في الليلة المستقبلة فلذا لا ينطبق الوفاء الواجب الا على ترك الوطء في الليلة المستقبلة ....» (١) فقد عرفت المناقشة فيها ، لعدم كون الزمان ظرفا محضا فيه ، ففرق بين النذر والمعاملة الربوية. والحق في المقام ما أفاده سيدنا الأستاذ الشاهرودي في مجلس الدرس وفاقا لشيخه المحقق النائيني (قدهما) من عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية للتكليف أعني استصحاب الطهر من أول الشهر إلى أن يبقى مقدار أقل الحيض ، وفيه يرجع إلى أصالة الإباحة ، وذلك لحكم العقل به ، لفرض تمامية الملاك ولزوم حفظ غرض المولى ، نظير المقدمات المفوتة ، فان المسير إلى الميقات ليس إلّا بحكم العقل ، لتوقف استيفاء ملاك الحج في الموسم على قطع المسافة وغيره قبل الموسم ، فمن تمامية الملاك يستكشف خطاب بحفظه.

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٢٤٧

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والحاصل : أن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما يوجب فوات مطلوب المولى مع علم المكلف بأن للمولى حكما إلزاميا ذا مصلحة تامة ، ففي باب المقدمات المفوّتة يحكم العقل بلزوم حفظ القدرة على ذي المقدمة. وفي المقام يستقل بلزوم ترك الاقتحام في كل واحد من الأطراف مقدمة لحصول غرض المولى ، لأنه يحتمل أن يكون ظرف وقوع الوطء المحرم في كل من أول الشهر وآخره هو ظرف تحقق الملاك والخطاب وعليه فلا فرق في منجزية العلم الإجمالي في الأطراف التدريجية بين الأمثلة المتقدمة التي يكون الزمان تارة ظرفا محضا لها كما في المعاملة الربوية ، وأخرى دخيلا في الملاك والخطاب كما في مثال الحيض المردد ، بضميمة حكم العقل بقبح تفويت مراد المولى والإلقاء في المفسدة.

لكن الّذي يسهل الخطب أن مثال الحيض أجنبي عن هذا البحث وليس من أمثلته كما قيل ، ضرورة أن الحائض بأقسامها من ذات العادة والمبتدئة والمضطربة والناسية والمستمرة الدم قد اتضحت أحكامها في الشريعة المقدسة.

ولو سلم اندراجه في هذا البحث فالحق فيه ما تقدم آنفا.

ومما ذكرناه ظهر الغموض في حكم شيخنا الأعظم بالرجوع إلى استصحاب الطهر ثم إلى أصالة الإباحة ، فان عدوله عنه إليها في الأيام الأخيرة من الشهر وان كان متينا في نفسه ، للعلم بانتقاض للحالة السابقة بعد تحقق الآن الأول من ثلاثة أيام في آخر الشهر ، فتتعارض الاستصحابات ، فيرجع إلى الأصل المحكوم وهو أصالة الإباحة. لكن المجعول وهو الترخيص حيث كان موجبا لتفويت الغرض الملزم كما عرفت فلا يمكن المصير إليه.

وتوجيه جريان الاستصحاب بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده)

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

«من أن الأصول النافية للتكليف تجري في الأطراف بلا تعارض ، فان الحيض لو كان في آخر الشهر لم تكن الأحكام المختصة به فعلية من أوله ، فأصالة عدم الحيض في آخره لا تجري من أول الشهر حتى تعارض بأصالة عدم الحيض في أوله ، ولم يجتمع الأصلان في الزمان حتى يتعارضا ، لأن الحيض في آخر الشهر لا يمكن الابتلاء به من أوله ، وكذا العكس. والعلم بالمخالفة الحاصل بعد انقضاء الشهر لا يمنع من جريان الأصول ، إذ لا دليل على حرمة حصول العلم بالمخالفة للواقع» (١) أجنبي عن مقصود الشيخ ، لتصريحه بأن الجاري في آخر الشهر هو أصالة الإباحة ، وأن الاستصحاب لا يجري في تمام الأيام لوجود المانع منه وهو المعارضة ، لما عرفت من علم المرأة ـ بعد انقضاء آن من الثلاثة الأخيرة ـ بعروض حالتين وهما الطهر والحيض عليها في هذا الشهر ، وجهلها بما تقدم منهما وما تأخر ، فلا مجال للاستصحاب.

نعم لا بأس بتوجيه العلم بالمخالفة للخطاب بما أفاده من عدم قبح العلم بتحقق المخالفة لخطاب لم يتنجز في ظرفه سواء كان مستندا إلى الاستصحاب النافي فقط أم إليه وإلى أصالة الإباحة. إلّا أن المفروض عدم تعرض الشيخ لحال العلم بالمخالفة الحاصل بعد انقضاء الشهر حتى يوجه بعدم تعارض الاستصحابات ، فتأمل فيما ذكرناه حقه.

وأما مثال المعاملة الربوية فقد حكم الشيخ فيه أوّلا بالاحتياط ، وعلى تقدير عدم منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات اختار ثانيا الرجوع إلى الأصول العملية بعد عدم حجية الأصول اللفظية في المقام ، لما سيأتي ، قال (قده) : «وفي

__________________

(١) فوائد الأصول ، ج ٤ ، ص ٣٦

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المثال الثاني إلى أصالة الإباحة والفساد ، فيحكم في كل معاملة يشك في كونها ربوية بعدم استحقاق العقاب على إيقاع عقدها وعدم ترتب الأثر عليها ، لأن فساد الرّبا ليس دائرا مدار الحكم التكليفي».

والحق ما أفاده المصنف في الحاشية والفوائد من الحكم بفساد كل معاملة يحتمل كونها طرفا للعلم الإجمالي من جهة الشبهة المصداقية ، لأن حرمة الرّبا فعلية والزمان ظرف محض فيها من دون دخل له فيها ملاكا وخطابا. ومع العلم بفعلية الحكم لا مناص من الاحتياط.

وعليه فما أفاده الشيخ من مرجعية أصالتي الحل تكليفا والفساد وضعا لا يخلو من شيء ، فان الرجوع إلى أصالة الحل فيما شك في كونه ربويا وان كان تاما في نفسه ، إلّا أنها محكومة باستصحاب العدم الأزلي في العقد المشكوك كونه ربويا عند من يرى اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزلية كما ينسب إلى شيخنا الأعظم قدس‌سره ، ومعه كما لا مجال لأصالة الفساد المحكمة في العقود ، كذلك لا مجال لقاعدة الحل ، لفرض أن أصالة عدم كونه ربويا أصل موضوعي لا يبقي معه موضوع للأصول الحكمية.

وما أفاده المحقق الآشتياني (قده) في الشرح من «جريان أصالتي الحل والفساد بأن صحة العقد وضعا تترتب على عدم كونه ربويا ، وبجريان أصالة الحل في نفس العقد لا يثبت ذلك فتجري أصالة لفساد» (١) لا يخلو من شيء ، لما عرفت من إمكان إحراز العنوان تعبدا باستصحاب عدم كونه ربويا الحاكم على كل من الأصلين المذكورين.

__________________

(١) بحر الفوائد ج ٢ ، ص ١١٧

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ثم ان شيخنا الأعظم (قده) جعل المانع من التمسك بعموم مثل «أوفوا بالعقود» لصحة كل معاملة يشك في كونها ربوية أمرين : أحدهما : أنه من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية الّذي لا يلتزم به. وثانيهما : إجمال العام ، للعلم الإجمالي بالمخصص الموجب لسقوط أصالة العموم عن كونها كاشفة عن المراد الجدي ولو لم يكن هذا العلم منجزا ، ولذا تجري الأصول العملية في الأطراف.

فالإشكال عليه بما في تقرير المحقق النائيني (قده) من «عدم انحصار المحذور في عروض الإجمال على العام ، بل في المقام مانع آخر وهو كونه من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية سواء قلنا بمانعية العلم الإجمالي أم لم نقل» كأنه نشأ من عدم ملاحظة كلام الشيخ (قده) بتمامه.

وقد أورد على جريان أصالتي الإباحة والفساد وإثبات حكومة الأولى على الثانية في التقرير المذكور بما لفظه : «وبالجملة : لا إشكال في أن المنهي عنه في المعاملة الربوية انما هو المعنى الاسم المصدري باعتبار صدوره عن العاقد بالعقد اللفظي أو بغيره ، وحرمة المعاملة على هذا الوجه تستتبع الفساد لا محالة ، لخروج المسبب عن حيّز سلطنة المالك بالمنع الشرعي كما أوضحناه في محله. وكما أن حرمة المعاملة على هذا الوجه تستتبع الفساد ، كذلك حلية المعاملة على هذا الوجه تستتبع الصحة ، وعلى ذلك يبتني جواز التمسك بقوله تعالى أحل الله البيع لنفوذه وصحته حتى لو كان المراد من الحلية الحلية التكليفية كما استظهره الشيخ (قده) في كتاب البيع ، لأن حلية البيع على الوجه المذكور تلازم الصحة والنفوذ» (١).

لكن الظاهر عدم توجه هذا الإشكال أيضا على الشيخ ، فان الأحكام الوضعيّة حتى الصحة والفساد وان كانت منتزعة من الأحكام التكليفية كما نسب إليه ، لكن

__________________

(١) فوائد الأصول ، ج ٤ ، ص ٣٧

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

صحة البيع انما تنتزع من حلية عقد البيع تكليفا ، وصريحه في البيع في الاستدلال بالآية الشريفة على صحة المعاطاة وترتب الملك عليها حلية التصرفات لا نفس العقد ، قال (قده) : «ويدل عليه أيضا عموم قوله تعالى : أحل الله البيع ، حيث انه يدل على حلية جميع التصرفات المترتبة على البيع ... إلخ» كما أن كلامه في ذيل تقسيم المكاسب إلى الأحكام الخمسة يشهد بعدم الملازمة بين الحرمة والفساد ، حيث قال : «ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النقل والانتقال بقصد ترتب الأثر المحرم ، وأما حرمة أكل المال في مقابلها فهو متفرع على فساد البيع ، لأنه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي وان قلنا بعدم التحريم ، لأن ظاهر أدلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف إلى ما لو أراد ترتيب الآثار المحرمة ، أما لو قصد الأثر المحلل فلا دليل على تحريم المعاملة الا من حيث التشريع» مضافا إلى تصريحه في المقام بعدم تبعية فساد المعاملة الربوية لحرمتها تكليفا ، ولذا تفسد في حق من لا يخاطب بشيء كالقاصر بالنسيان والصبي المميز. ومع هذه العبارات الظاهرة في عدم التلازم بين التكليف والوضع لا تصح نسبة الملازمة بين الحلية والصحة إليه (قده) من مجرد استظهار الحلية التكليفية من الآية.

نعم لو ادعى دلالة الآية على حلية عقد البيع توجه القول بانتزاع الصحة منها والملازمة بينهما. وعليه فالإشكال المذكور غير وارد على كلام الشيخ ، والتفكيك بين الأصلين وهما أصالتا الحل والصحة في محله.

إلّا أن يقال : ان الحلية وان تعلقت بالتصرفات ، لكنها تدل بالملازمة على حلية نفس العقد أيضا وصحته ، إذ المفروض ترتب التصرفات عليه ، فكيف تحل

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هذه مع عدم حلية سببها وهو الإنشاء بداعي تبدل الإضافة وحصول النقل والانتقال ، فلا بد أن يكون التسبب بالعقد اللفظي أو الفعلي ممضى شرعا وحلالا تكليفا أيضا ، وحينئذ تتجه دعوى التلازم بين حلية عقد البيع المستكشف من حلية التصرفات وصحته ، فلو جرت أصالة الحل في العقد المشكوك كونه ربويا ترتب عليه صحة البيع ، ولا مجال حينئذ لأصالة الفساد ، فتأمل فيما ذكرناه.

٥١

تنبيهات (١)

الأول : أن الاضطرار (٢) كما يكون مانعا عن العلم بفعلية (*)

______________________________________________________

(تنبيهات الاشتغال)

(١ ـ الاضطرار إلى بعض الأطراف)

(١) الغرض من عقد أكثر هذه التنبيهات بيان موانع فعلية التكليف المعلوم إجمالا كما سيظهر. وقد سبقت الإشارة إلى بعضها أيضا.

(٢) المراد به المشقة العرفية التي توجب ارتكاب بعض الأطراف ، لا الإلجاء الرافع للتكليف الشرعي عقلا ، ضرورة أن التكليف حينئذ غير قابل للوضع حتى يصح رفعه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رفع ما اضطروا إليه» فان المرفوع بالحديث هو ما يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ، وليس ذلك إلّا في الاضطرار العرفي ، دون الإلجاء الرافع للتكليف.

__________________

(*) الصواب أن يقال : «مانعا عن العلم بنفس التكليف» بدلا عن العلم بفعليته ، لتصريحه بكون الاضطرار من حدود التكليف ، لا أنه مانع عن فعليته مع

٥٢

التكليف (١) لو كان إلى واحد معين

______________________________________________________

(١) محصل ما أفاده في هذا التنبيه : أن الاضطرار إلى بعض الأطراف مطلقا ـ سواء كان حادثا قبل العلم الإجمالي بوجوب الاجتناب عنها أم بعده ، وسواء كان إلى فرد معين منها أم غير معين ـ مانع عن فعلية الحكم المعلوم ، إذ الاضطرار من حدود التكليف وقيوده شرعا على ما يقتضيه الجمع بين أدلة الأحكام الأولية وأدلة الأحكام الثانوية ، كالضرر والعسر ونحوهما ، حيث ان مقتضى الجمع بينهما هو ارتفاع الحكم الأوّلي بطروء العنوان الثانوي ، ففي الحقيقة يقيد إطلاق الحكم الأوّلي بعدم العناوين الثانوية ، فإطلاق حرمة شرب المتنجس مثلا يقيد بعدم الضرورة إلى شربه حدوثا وبقاء. وعليه ففي جميع الصور الست ـ التي سيأتي بيانها ـ يكون الاضطرار مانعا عن الفعلية أو رافعا لها بلا تفصيل فيها على ما أفاده في المتن وفي الفوائد ، لكنه عدل عنه في الحاشية إلى التفصيل كما سيظهر.

ولما كان تفصيله في ذلك ناظرا إلى ما فصّله شيخنا الأعظم وتعريضا به ، فينبغي أوّلا بيان مراد الشيخ (قده) ثم توضيح إشكال المصنف عليه ، فنقول : قال في خامس تنبيهات الشبهة المحصورة : «لو اضطر إلى ارتكاب بعض المحتملات فان كان بعضا معينا فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقي ان كان الاضطرار قبل العلم أو معه ، لرجوعه إلى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي لاحتمال كون المحرم هو المضطر إليه .... وان كان بعده فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر ... ولو كان المضطر إليه بعضا غير معين وجب الاجتناب عن الباقي ...».

وتوضيح ما أفاده : أنه إذا كان عند المكلف إناء ان في أحدهما ماء الرمان مثلا وفي الآخر ماء مطلق وعلم إجمالا بإصابة قطرة من الدم بأحدهما ، واضطر

__________________

فرض وجوده في نفس الأمر كما نبهنا عليه في بعض التعاليق المتقدمة. وعبارة شيخنا الأعظم أيضا غير خالية عن المسامحة ، لتعبيره بالتنجز ، فلاحظ.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى شرب أحدهما المعين كماء الرمان للتداوي مثلا أو لأحدهما غير المعين لرفع العطش المضرّ بحاله ، فالمستفاد من كلامه (قده) التفصيل أوّلا بين طروء الاضطرار إلى المعين وطروئه إلى غير المعين ، ثم التفصيل ثانيا في المعين بين عروضه قبل العلم الإجمالي بالتكليف أو مقارنا له وبين طروئه بعده وعليه فللمسألة صور ستّ نذكرها مع التنبيه على مورد مخالفة المصنف لنظر الشيخ الأعظم (قدهما) فيه.

الأولى : حصول الاضطرار إلى واحد معين ـ كماء الرمان في المثال ـ قبل العلم الإجمالي بوقوع النجس في أحدهما ، ولا خلاف حينئذ في عدم وجوب الاحتياط بالنسبة إلى المحتمل الآخر أو المحتملات الأخرى ، إذ لا علم بتكليف فعلي بوجوب الاجتناب ، حيث ان المضطر إليه ـ حتى لو كان في الواقع هو النجس المعلوم بالإجمال ـ مما يعلم بحليته وارتفاع حرمته بمقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رفع ما اضطروا إليه» فهو في حكم التلف قبل حدوث العلم الإجمالي في عدم ترتب أثر شرعي عليه ، والطرف الآخر مما يشك في كونه موضوعا لخطاب «اجتنب عن النجس» فيرجع فيه إلى أصالة البراءة كالشبهة البدوية.

وعليه فالعلم الإجمالي اللاحق بملاقاة النجس لأحدهما لا يؤثر في وجوب الاجتناب عن غير المضطر إليه ، إذ يعتبر في منجزيته كونه علما بحكم فعلي على كل تقدير ، ومن المعلوم أن هذا العلم الإجمالي ليس كذلك ، إذ على تقدير كون المضطر إليه هو الحرام الواقعي فهو حلال قطعا للاضطرار ، وعلى تقدير كونه هو الحلال الواقعي فيجب الاجتناب عن الطرف الآخر ، فلا علم بتكليف فعلي على جميع التقادير حتى يلزم رعايته ، بل هو احتمال التكليف الّذي يجري فيه أصالة البراءة.

فالمتحصل : أن الاضطرار الحادث قبل العلم الإجمالي مانع عن حصول العلم

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالتكليف الفعلي ، فلا يؤثر هذا العلم في وجوب الاجتناب حتى يلزم الخروج عن عهدته بحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل.

الثانية : حصول الاضطرار إلى واحد معين مقارنا للعلم الإجمالي بإصابة النجس بأحدهما ، كما لو أصاب النجس أحد الإناءين في الساعة الأولى ، وفي الساعة الثانية حصل العلم بذلك مقارنا للاضطرار إلى شرب أحدهما المعين ، فانه لا يجب هنا أيضا الاجتناب عن غير ما اضطر إليه ، لمانعية الاضطرار المقارن عن تأثير المقتضي ـ وهو العلم الإجمالي ـ في مقتضاه ، وهو التنجيز.

الثالثة : طروء الاضطرار إلى واحد معين بعد حصول العلم الإجمالي ، وقد اختلف فيها نظر شيخنا الأعظم والمصنف (قدهما) فحكم الشيخ بلزوم الاجتناب عن غير المضطر إليه ، وخالفه المصنف هنا وفي الفوائد ، ووافقه في الحاشية في دعوى لزوم الاجتناب عن غير المضطر إليه بوجه آخر غير ما استند إليه الشيخ ، من أن التكليف بوجوب الاجتناب قد تنجز بالعلم الإجمالي المؤثر على جميع التقادير ، والمعلوم بالإجمال كما كان قبل الاضطرار محتمل الانطباق على المضطر إليه وعلى الطرف الآخر كذلك بعد الاضطرار ، وقد انتهى أمد تنجز احتمال التكليف بالنسبة إلى المضطر إليه فقط بعروض الاضطرار ، وأما بالنسبة إلى الباقي فأصالة الاشتغال محكمة ، فلا وجه للرجوع فيه إلى البراءة ، قال (قده) : «فان اذن الشارع في ترك بعض المقدمات العلمية لا يستلزم الاذن في ارتكاب الطرف الآخر». وحاصله : أن ترخيص الشارع في ترك الموافقة القطعية ـ التي يقضي بها العقل ـ بقوله عليه‌السلام : «رفع ما اضطروا إليه» لا يستلزم اذنه في المخالفة القطعية ، لما عرفت من إمكان التفكيك بينهما بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا عن الحرام الواقعي.

واستدل المصنف (قده) على مدعاه من سقوط العلم الإجمالي عن التأثير

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

رأسا بالاضطرار إلى بعض الأطراف مطلقا بأن الاضطرار من حدود التكليف وقيوده ، وسيأتي بيانه.

الرابعة والخامسة والسادسة : طروء الاضطرار إلى بعض غير معين قبل العلم الإجمالي أو بعده أو مقارنا له ، وقد حكم شيخنا الأعظم بلزوم الاجتناب عن الطرف الآخر في جميع هذه الصور ، قال (قده) : «لأن العلم حاصل بحرمة واحد من أمور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه ...» والمقصود منه أن الاضطرار تعلق بالجامع بين الحرام والحلال لا بخصوص الحرام كي ترتفع حرمته بطروء الاضطرار ، فما هو مضطر إليه ـ أعني الجامع ـ ليس بحرام ، وما هو حرام واقعا ليس بمضطر إليه ، فلا وجه لرفع اليد عن حرمة المحرّم الواقعي المنجزة بالعلم الإجمالي بمجرد الاضطرار إلى الجامع. فالمقام نظير ما لو اضطر إلى شرب أحد الماءين مع العلم التفصيليّ بحرمة أحدهما بالخصوص ، فانه لا ريب في عدم ارتفاع الحرمة عن الحرام المعلوم بالتفصيل بمجرد الاضطرار إلى شربه أو شرب الإناء الآخر. هذا توضيح ما أفاده الشيخ (قده).

وقد تحصل من كلامه في مسألة الاضطرار تفصيلان أشرنا إليهما سابقا أيضا ، وعليه فالشيخ أوجب الاجتناب عن الباقي في أربع صور ، ثلاث منها هي صور كون الاضطرار إلى غير المعين ، والرابعة هي صورة كون الاضطرار إلى معين مع حصوله بعد العلم الإجمالي ، ولم يوجب الاجتناب عن الباقي في اثنتين منها ، وهما كون الاضطرار إلى معين مع حصوله قبل العلم الإجمالي أو معه ، وقد تقدم وجه كل من وجوب الاجتناب عن الباقي وعدم وجوبه مفصلا ، هذا.

ويظهر من المصنف (قده) في المتن والفوائد كما أشرنا إليه سابقا الإشكال على كلا التفصيلين ، أمّا على التفصيل الأوّل ـ وهو بين غير المعين والمعين بوجوب

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاحتياط عن غير المضطر إليه في غير المعين مطلقا ـ فبما توضيحه : أن المناط في منجزية العلم الإجمالي تعلقه بتكليف فعلي على كل تقدير بمعنى أنه لو كان المعلوم بالإجمال في أي واحد من الطرفين أو الأطراف كان مورد بعث الشارع أو زجره ، ومن المعلوم أن اذن الشارع في ارتكاب المضطر إليه كاشف عن عدم فعلية التكليف بالاجتناب عن الحرام وعدم لزوم مراعاته أصلا ، لانتفاء موضوع لزوم المراعاة بعروض الاضطرار ، وذلك لسقوط الإلزام التعييني الواقعي بمزاحمته للترخيص التخييري ، وأهمية مصلحة الترخيص من ملاك الإلزام المعين ، وبعد سقوط الإلزام بانتفاء موضوعه لا يبقى علم بالتكليف الفعلي في الطرف الآخر ، بل هو احتمال التكليف الّذي لا شك في مرجعية البراءة فيه.

وأما على التفصيل الثاني ـ وهو في المعين بين حصول الاضطرار بعدم العلم الإجمالي فيجب الاجتناب عن غير المضطر إليه وحصوله قبله أو مقارنا له فلا يجب ـ فبما تقريبه : أن الاضطرار من حدود التكليف بمعنى اشتراط فعلية التكليف بالاختيار ودورانه مداره حدوثا وبقاء وعدم حصول العلم بالتكليف الفعلي المنجز في الاضطرار السابق على زمان العلم به والمقارن له واضح ، كما يظهر من التزام شيخنا الأعظم بالبراءة في سائر الأطراف في هاتين الصورتين ، وكذا في الاضطرار اللاحق ، لأن العلم بالتكليف الفعلي وان كان ثابتا ظاهرا حال اختيار المكلف وقدرته على الامتثال ، إلّا أن طروء الاضطرار يوجب انتفاء العلم بالتكليف الفعلي المنجز لاعتبار الاختيار في فعلية الحكم حدوثا وبقاء كما عرفت. ومع احتمال انطباق الحرام الواقعي على المضطر إليه لا مقتضي لوجوب الاجتناب عن سائر الأطراف كما في الاضطرار السابق والمقارن. والعلم الإجمالي وان حصل في زمان الاختيار واستقل العقل بلزوم رعايته ، إلّا أن طروء الاضطرار بعده أوجب اختصاص تنجيزه

٥٧

كذلك (١) يكون مانعا لو كان إلى غير معين ، ضرورة (٢) أنه (٣) مطلقا موجب لجواز ارتكاب (٤) أحد الأطراف أو تركه (٥) تعيينا أو تخييرا (٦)

______________________________________________________

بزمان قبل قبل عروض الاضطرار ، لعدم بقاء العلم بالتكليف الفعلي المنجز على كل تقدير بعد عروضه ، حيث انه ترتفع به القضية المنفصلة الحقيقية المقومة للعلم الإجمالي ، لمنافاة الترخيص الفعلي في المضطر إليه مع التكليف الإلزامي المحتمل وجوده ، لأن احتمال جعل المتنافيين كالقطع به في الاستحالة.

(١) يعني : كذلك يكون الاضطرار مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان الاضطرار إلى طرف غير معين من الأطراف وهذا إشارة إلى أول تفصيلي الشيخ الأعظم (قده) وهو متضمن للصورة الرابعة والخامسة والسادسة ، وقد عرفت توضيحها بقولنا : «الرابعة والخامسة والسادسة طروء الاضطرار إلى بعض غير معين ... إلخ».

(٢) تعليل لقوله : «مانعا» وإشكال على هذا التفصيل ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «أما على التفصيل الأول فبما توضيحه : أن المناط ... إلخ».

(٣) أي : الاضطرار مطلقا ـ سواء كان إلى معين أم إلى غير معين ـ موجب لجواز الارتكاب في الشبهة التحريمية ، لما عرفت من منافاة الترخيص الفعلي مع فعلية الحرمة على كل تقدير ، فلا وجه للتفصيل بين المعين وغير المعين.

(٤) هذا في الشبهة التحريمية كالاضطرار إلى شرب أحد الماءين معينا أو مخيرا مع العلم بنجاسة أحدهما لا على التعيين.

(٥) عطف على «ارتكاب» هذا في الشبهة الوجوبية ، كما إذا وجب عليه الإتيان بأربع صلوات عند اشتباه القبلة ، واضطر لضيق الوقت أو غيره إلى ترك إحداها معينة أو غير معينة ، وضمير «تركه» راجع إلى «أحد».

(٦) قيدان لجواز الارتكاب أو الترك تعيينا في الاضطرار إلى المعين ، وتخييرا في الاضطرار إلى غير المعين.

٥٨

وهو (١) ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا (٢).

وكذلك لا فرق (٣) بين أن يكون الاضطرار كذلك (٤) سابقا على حدوث العلم أو لا حقا (٥) ، وذلك (٦) لأن التكليف (*) المعلوم بينها

______________________________________________________

(١) أي : جواز الارتكاب أو الترك. وهذا شاهد صدق على عدم الفرق ـ في ارتكاب بعض الأطراف بالاضطرار ـ بين كونه إلى طرف معين أو غير معين أي الجامع ، وذلك لمنافاة اذن الشارع وترخيصه لفعلية التكليف وتنجزه بالعلم الإجمالي كما مر توضيحه.

والحاصل : أن الباقي مشكوك الحرمة بعد احتمال كون النجس هو الّذي ارتكبه ، فلا يكون الحكم فعليا.

(٢) قيد لـ «بحرمة المعلوم أو بوجوبه» وضمير «بينها» راجع إلى الأطراف.

(٣) يعني : في عدم تنجيز العلم الإجمالي وعدم وجوب الاحتياط ، وهذا إشارة إلى التفصيل الثاني للشيخ (قده) وإشكال عليه ، وقد عرفت توضيح هذا التفصيل في الصورة الأولى والثانية والثالثة بقولنا : «الأولى حصول الاضطرار ...» و «الثانية حصول الاضطرار ...» و «الثالثة طروء الاضطرار ... إلخ».

(٤) يعني : سواء أكان الاضطرار إلى معين أم غير معين سابقا على حدوث العلم أم لاحقا.

(٥) أم مقارنا له ، فان الاضطرار اللاحق ان أوجب ارتفاع فعلية المعلوم فدافعيته لها في صورة المقارنة تكون بالأولوية ، ولعله (قده) ترك ذكره لوضوحه ، فتدبر.

(٦) بيان لوجه الإشكال على هذا التفصيل الثاني ، وقد تقدم تقريبه بقولنا :

__________________

(*) لا يخفى أن ذلك انما يتم فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه. وأما

٥٩

من أول الأمر (١) كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه ، فلو عرض على بعض أطرافه لما كان (٢) التكليف به معلوما ،

______________________________________________________

«وأما على التفصيل الثاني .... فبما تقريبه ... إلخ» وتوضيحه : أن الشك ان كان في مرحلة الفراغ وسقوط ما في الذّمّة كان المرجع فيه قاعدة الاشتغال ، وان كان في مرحلة ثبوت التكليف واشتغال الذّمّة به كان المرجع فيه أصالة البراءة ، وحيث ان الحكم الواقعي مقيد بعدم طروء الاضطرار ، فمع طروئه لا علم بالتكليف حتى يكون الشك في مرحلة الامتثال والفراغ لتجري فيه قاعدة الاشتغال ، بل الشك يكون في مقام الثبوت الّذي هو مجرى البراءة.

وبعبارة أخرى : التكليف المعلوم إجمالا ليس مطلقا ، بل هو مقيد بعدم الاضطرار ، فمع عروضه يشك في التكليف حدوثا ان كان الاضطرار سابقا على العلم أو مقارنا له ، أو بقاء ان كان الاضطرار لا حقا ، فالمورد من مجاري أصل البراءة.

(١) أي : من زمان تشريعه ، فان التكليف المعلوم إجمالا شرّع مقيدا بعدم الاضطرار ، وضمير «بينها» راجع إلى الأطراف.

(٢) جواب «فلو عرض» أي : فلو عرض الاضطرار إلى بعض أطراف العلم

__________________

لو كان إلى أحدهما المعين ، فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز ، لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم إجمالا المردد بين أن يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر ، ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم أصلا ، وعروض الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه ، لا عن فعلية المعلوم بالإجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض. وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه ، فانه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا ، فافهم وتأمل.

٦٠