منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

مستلزما لعدم تنجزه (١) إلّا إذا كان متعلقا بالأقل كان (٢) خلفا (*).

______________________________________________________

(١) أي : لعدم تنجز التكليف كما ادعاه شيخنا الأعظم في تقريب الانحلال.

(٢) جواب «فلو كان» وقد عرفت تقريب الخلف.

__________________

لو كان متعلق الأمر هو الأكثر لم يكن الإتيان بالأقل مجديا في سقوط الأمر بالأقل ، لتقيده بالأكثر. وقياس الأمر المتعلق بالمركب الارتباطي بالخيط والخيمة المحيطين بعدة أشياء في غير محله ، إذ لا تعلق للخيط بالمخاط ، بل يكون إحاطته بالشيء مجرد الاتفاق دون التعلق والارتباط ، وإذا قيل ان الخيط قد أحاط بكذا فانه مجرد عنوان مشير إلى حد الخيط ، وهذا بخلاف الأوامر المتعلقة بالمركبات الارتباطية ، فان الأمر يتعلق بما انبسط عليه ، ولذا ينتزع الجزئية لكل ما انبسط عليه ، ويتوقف ارتفاعها على جريان البراءة الشرعية فيها على ما ستقف عليه.

وبالجملة : المنشأ أمر واحد يتعلق دفعة بمتعلقه المردد بين الأقل والأكثر ، ويؤول الأمر إلى أن وجوب الأقل مقيد أم مطلق ، ومن المعلوم أن بيان كيفية المجعول كأصله وظيفة الشارع ، إذ مع كفاية العلم الإجمالي في البيانية لا مسرح لقاعدة القبح ، لعدم صلاحيتها لإثبات إطلاق وجوب الأقل ، والاجتزاء به إطاعة احتمالية غير مؤمنة من خطر العقاب عقلا.

(*) ثم ان الانحلال يتوقف أيضا على أمور منها : تصور مقدمية الأجزاء الداخلية ، وهو ممنوع ، الا مع كفاية التقدم الطبعي في صدق المقدمية ، لمغايرة الأجزاء حينئذ للكل من وجه ، فانه الأجزاء بقيد الانضمام.

ومنها : ترشح الوجوب من ذي المقدمة على مقدمته ، وهو كسابقه ممنوع أيضا.

ومنها : كفاية العلم بالوجوب الجامع بين النفسيّ والغيري في مقام الانحلال وعدم اعتبار السنخية بين المعلوم بالتفصيل وما ينحل به ، وهو محل نظر أيضا.

هذا ما يتعلق بالطريق الأول الّذي سلكه شيخنا الأعظم (قده) لانحلال العلم

٢٠١

مع (١) أنه يلزم من وجوده

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثاني من الإشكال على الانحلال وهو التناقض ، ومحصله : أنه يلزم من وجود الانحلال عدمه ، وما يلزم من وجوده عدمه محال ، لأنه من التناقض ، فالانحلال محال ، توضيحه : أن انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيليّ والشك البدوي منوط بالعلم بوجوب الأقل تفصيلا ، وهذا العلم التفصيليّ موقوف على تنجز وجوب الأقل مطلقا نفسيا كان أو غيريا ، وتنجز وجوبه الغيري يقتضي تنجز وجوب الأكثر نفسيا حتى يترشح منه على الأقل ويصير واجبا غيريا ، لما مر من تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في أصل الوجوب والتنجز ، مع اقتضاء الانحلال لعدم تنجز التكليف بالأكثر نفسيا المستلزم لعدم تنجز وجوب الأقل غيريا ، فإذا لم يكن وجوب الأكثر منجزا ـ لجريان قاعدة القبح فيه ـ فلا يتنجز وجوب الأقل أيضا ، فيمتنع الانحلال.

__________________

الإجمالي حقيقة بجريان البراءة العقلية. وله (قده) مسلك آخر للانحلال ، ومحصله وجوب الأقل قطعا بالوجوب النفسيّ الجامع بين الوجوبين الاستقلالي والضمني على تقدير تعلق الطلب بالأكثر.

ولم يتعرض المصنف (قده) لصحته وفساده لا في المتن ولا في حاشية الرسائل ، وقد يدعى ارتضاؤه له ، لسلامته من الإشكال الوارد على الوجه الأول ، مع أن مختاره في بحث المقدمة وجوب الأجزاء بالوجوب الضمني النفسيّ ، فيقال في تقريب الانحلال : ان الأقل واجب على كل تقدير ، أما على تقدير كونه هو الواجب النفسيّ الاستقلالي فواضح. وأما على فرض كون الواجب هو الأكثر ، فللعلم بوجوبه النفسيّ أيضا المنبسط عليه من وجوب الكل ، والعقاب عليه مع البيان ، بخلاف المؤاخذة على ترك الأكثر المشكوك فيه فانه بلا بيان ، وليس الأقل مقدمة للأكثر حتى يكون تنجز وجوبه الغيري منوطا بتنجز الأكثر على تقدير كونه هو المطلوب

٢٠٢

عدمه ، لاستلزامه (١) عدم تنجز التكليف على كل حال (٢) المستلزم (٣) لعدم

______________________________________________________

وان شئت فقل : ان لازم الانحلال عدم تنجز وجوب الأكثر على تقدير تعلق الوجوب به ، ولازم عدم تنجزه عدم الانحلال ، لإناطة الانحلال بتنجز وجوب الأقل مطلقا ولو كان الواجب هو الأكثر ، فإذا كان تنجز وجوب الأقل في صورة واحدة وهي وجوب الأقل نفسيا ، فلا ينحل العلم الإجمالي بالتفصيلي ، لعدم حصول العلم التفصيليّ حينئذ بوجوب الأقل على كل حال ، بل يبقى العلم الإجمالي على حاله ، ومقتضاه وجوب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر تفريغا للذمة عن الواجب النفسيّ المعلوم. وعليه فوجوب الأقل ثابت على كل حال وغير ثابت كذلك ، وليس هذا إلّا التناقض ، فملاك هذا الإشكال هو التناقض ، كما أن ملاك الإشكال الأول هو الخلف.

(١) هذه الضمائر غير ضمير «انه» الّذي هو للشأن راجعة إلى الانحلال ، وقد عرفت وجه الاستلزام ، إذ معنى الانحلال هو تنجز التكليف في بعض الأطراف بالخصوص ، وصيرورة غيره مشكوكا فيه بالشك البدوي ، وكون التكليف فيه غير منجز على تقدير تعلقه به.

(٢) أي سواء كان وجوب الأقل نفسيا أم غيريا.

(٣) صفة لقوله : «عدم» والوجه في الاستلزام ما عرفت من أنه على تقدير

__________________

ويعود المحذور ، بل المناط في الانحلال هو العلم بوجوب الأقل نفسيا ، وقد يورد على الماتن بعدم الوجه في إهمال هذا الطريق الثاني للانحلال العقلي الّذي لا ينبغي الإشكال فيه.

إلّا أن يقال : ان مقتضى الارتباطية وتلازم أوامر الاجزاء ثبوتا وسقوطا عدم جواز الاكتفاء عقلا بالأقل ، إذ على تقدير كون الواجب هو الأكثر لا يكون الإتيان بالأقل مسقطا للأمر ووافيا بالغرض منه ، لتقيده بالجزء المشكوك وجوبه ، ومناط امتناع الانحلال هو عدم العلم بوجوب الأقل على كل تقدير ، لعدم تنجز التكليف

٢٠٣

لزوم الأقل مطلقا (١) المستلزم (٢) لعدم الانحلال ، وما (٣) يلزم من وجوده عدمه محال.

نعم (٤) انما ينحل إذا كان الأقل ذا مصلحة ملزمة ، فان وجوبه

______________________________________________________

عدم تنجز وجوب الأكثر نفسيا استقلاليا ينتفي تنجز وجوب الأقل غيريا ، لتبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في التنجز وعدمه ، فيصير الأقل منجزا في صورة واحدة وهو وجوبه نفسيا لا مطلقا ولو كان غيريا.

(١) أي : ولو كان متعلقا بالأكثر ، لأن وجوب الأقل حينئذ غيري ، وليس بمنجز ، لعدم تنجز وجوب الأكثر.

(٢) بالجر نعت لقوله : «لعدم» والوجه في هذا الاستلزام أيضا واضح ، إذ لا بد من تنجز وجوب الأقل على كل تقدير حتى ينحل به العلم الإجمالي ، والمفروض عدم تنجزه كذلك كما مر غير مرة.

(٣) أي : الانحلال المستلزم للمحال محال أيضا ، وهذا هو التناقض ، وضميرا «وجوده ، عدمه» راجعان إلى الموصول المراد به الانحلال.

(٤) استدراك على عدم انحلال العلم الإجمالي بالأقل والأكثر الارتباطيين ،

__________________

على كل تقدير أي سواء كان متعلقا بالأقل أم بالأكثر ، فان وجوب الأقل ضمينا مرتبط بوجوب الأكثر ، إذ لو لا وجوبه لم يكن وجوب للجزء أصلا ، والمفروض انتفاء وجوب الأكثر بأصالة البراءة ، فينتفي احتمال وجوب الأقل ضمنيا ، ويبقى احتمال وجوبه الاستقلالي فقط ، وقد عرفت توقف الانحلال على العلم بوجوبه على كل تقدير ، وليس فليس. وحينئذ فالاكتفاء بالأقل في مقام الامتثال منوط بشمول دليل البراءة الشرعية له ، والتفكيك في التنجز بين الأقل والأكثر ، فيقتصر عليه لقيام الحجة على وجوبه ، دون الأكثر وان كان هو المأمور به لا الأقل المأتي به ، وسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف للبراءة النقليّة إن شاء الله تعالى.

٢٠٤

حينئذ (١) يكون معلوما له ، وانما كان الترديد لاحتمال أن يكون الأكثر ذا مصلحتين (٢) أو مصلحة أقوى (٣) من مصلحة الأقل ، فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة (٤) بلا كلام ، إلّا أنه خارج (٥) عما هو محل

______________________________________________________

وهذا الاستدراك خارج موضوعا عن محل البحث كما سينبه عليه المصنف ، وحاصله : أن الأقل والأكثر إذا كانا استقلاليين وعلم إجمالا بمطلوبية أحدهما فلا مانع عقلا من انحلاله ، فان المصلحة الملزمة في الأقل تقتضي وجوبه النفسيّ الاستقلالي ، لإمكان وجود مصلحتين ملزمتين تقوم إحداهما بالأقل ، والأخرى بالأكثر ، فلو اقتصر على الأقل ترتبت عليه مصلحته ، وجرت البراءة عن وجوب الأكثر ، كتردد الدين بين الدرهم والدرهمين. هذا إذا لم يتوقف استيفاء مصلحة الأقل على استيفاء مصلحة أخرى ، وإلّا فمع التوقف أو التلازم لا يستقيم جريان البراءة عن الأكثر ، الموقوف جريانها على انحلال العلم الإجمالي ، لتلازم أوامر الأجزاء حينئذ ثبوتا وسقوطا الموجب لاندراجه في الأقل والأكثر الارتباطيين.

(١) أي : فان وجوب الأقل حين كونه ذا مصلحة نفسية مستقلة ـ وان كانت بالنسبة إلى مصلحة الأكثر ضعيفة ـ يكون معلوما له.

(٢) يعني : غير متلازمتين ، وإلّا فيجري عليهما حكم الارتباطية ، لعدم قيام المصلحة بالأقل على فرض كون واجد الملاك واقعا هو الأكثر كما أشرنا إليه.

(٣) بلا ملازمة بين مراتب المصلحة المترتبة على الأقل والأكثر بحيث يمكن استيفاء مصلحة الأقل بدون مصلحة الأكثر.

(٤) للشك في تعلق خطاب نفسي آخر بالأكثر غير ما تعلق قطعا بالأقل.

(٥) أي : خروجا موضوعيا ، لأن محل الكلام هو الأقل والأكثر الارتباطيين ، وليس هذا منهما بل من الاستقلاليين اللذين لا إشكال في استقلال العقل بالبراءة

٢٠٥

النقض والإبرام في المقام ، هذا (١).

مع أن (٢) الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلّا بالأكثر

______________________________________________________

فيهما ، لكون العلم الإجمالي فيهما صوريا لا حقيقيا ، لأنه من أول الأمر يعلم تفصيلا بوجوب الأقل ويشك في وجوب الأكثر ، فالتعبير بالانحلال فيهما مسامحة.

(١) أي : ما ذكرناه من لزوم الإتيان بالأكثر عقلا في الارتباطيين ، لعدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف الدائر بين الأقل والأكثر.

(٢) هذا هو الوجه الثاني الّذي استدل به المصنف على لزوم الاحتياط عقلا بالإتيان بالأكثر ، مع الغض عن العلم الإجمالي بالتكليف وتسليم صحة الانحلال المزبور وعدم كون المكلف عاصيا بترك الأكثر على تقدير وجوبه واقعا ، ولكن للعقل حكم آخر بوجوب الاحتياط في هذه الأحكام الشرعية لأجل إحراز مصلحتها الشرعية لأجل إحراز مصلحتها الواقعية الملزمة الباعثة إلى الأمر بها. ومحصل هذا الوجه هو اقتضاء الغرض الداعي إلى التشريع لوجوب الاحتياط بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها كما عليه مشهور العدلية ، فإذا علم المكلف بأمر المولى المتعلق إما بالأقل واما بالأكثر فقد علم بالغرض الملزم الوحدانيّ المترتب عليه ، لاستلزام العلم بالمعلول للعلم بالعلة ، فيجب عقلا تحصيل العلم باستيفاء ذلك الغرض ، والاقتصار على فعل الأقل لا يوجب العلم باستيفائه ، للشك في كونه محصّلا له ، فلا يجوز الاكتفاء به عقلا ، بل لا بد في إحراز الغرض اللازم الاستيفاء من الإتيان بالأكثر ، لكونه محصّلا له قطعا.

وبالجملة : فالمقام من صغريات الشك في المحصّل.

وقد تعرض الشيخ الأعظم (قده) للاستدلال بالغرض ، ولكنه أجاب عنه بوجهين سيأتي بيانهما ، فانه بعد تقرير دلالة العقل على البراءة بما تقدم نقله عنه أورد على نفسه بأن الأوامر الشرعية نظير أمر الطبيب بتركيب معجون فشك في

٢٠٦

بناء (١) على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الا وامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها ، وكون (٢)

______________________________________________________

جزئية شيء له مع العلم بعدم إضرار ، فتركه المريض مع تمكنه منه فانه مستحق للّوم ، ثم أجاب عنه ... إلى أن قال : «فان قلت : ان الأوامر الشرعية كلها من هذا القبيل ، لابتنائها على مصالح في المأمور به ، فالمصلحة فيها اما من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض ، وبتقرير آخر : ان المشهور بين العدلية ان الواجبات الشرعية انما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقلية ...».

(١) وأما بناء على حصول الغرض بنفس الأمر لا بفعل المأمور به وترك المنهي عنه ، فلا موجب للاحتياط حينئذ ، للعلم بحصول الغرض بمجرد إنشاء الأمر.

(٢) بالجر معطوف على قوله : «تبعية» وحاصله : أن الواجبات الشرعية تقرّب العباد إلى الواجبات العقلية وهي المقرّبة إليه جل وعلا ، فان التنزه عن القبائح تخلية للنفس عن الرذائل ، وفعل الواجبات تكملة وتحلية لها بالفضائل ، كما يرشد إليه قوله تعالى : «أقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» و «انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر» فالواجب تحصيل اللطف ، وهو يتوقف على الإتيان بالأكثر ، لأنه محصل له قطعا بخلاف الأقل ، فانه يشك معه في تحقق تلك الواجبات العقلية ، فلا وجه للاقتصار عليه.

ثم ان المصلحة الكامنة في الفعل اما أن تكون من قبيل العنوان والوجه للمأمور به كالطهور المطلوب حقيقة من الأمر بإزالة الحدث بالغسل والوضوء الرافعين له ، فيتعلق الأمر بنفس العنوان ، فيقول المولى : «تطهر» ، واما أن تكون من قبيل الغرض من الأمر به أي المترتب على المأمور به ، ولم يتعلق به الأمر ، ولكن لا بد من تحصيله ، للعلم بأن المقصود من الأمر تحققه ، فإذا شك في حصولها بفعل بعض

٢٠٧

الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية (١) ، وقد مر (٢) اعتبار موافقة الغرض وحصوله (٣) عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه ، فلا بد من إحرازه (٤) في إحرازها كما لا يخفى (*).

______________________________________________________

محتملات الواجب فلا بد من الاحتياط بالإتيان بالمشكوك دخله شطرا أو شرطا في حصوله ، وهذا معنى قول الشيخ الأعظم : «فالمصلحة اما من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض».

(١) فالواجب الشرعي مقرب إلى الواجب العقلي وهو القرب إليه تعالى بالطاعة ، والحرام الشرعي مبعد عن المعصية التي تكون مبغوضا عقلا.

(٢) حيث قال في بحث التعبدي والتوصلي في مقام الفرق بينهما : «بخلاف التعبدي ، فان الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ، بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقربا به منه تعالى» ومعنى كلامه هنا : أن الغرض لا يسقط في التعبديات الا مع قصد الإطاعة ، والإطاعة فيها تتوقف على قصد أمرها ، فما لم يقصد أمرها لم يسقط الغرض الباعث على الأمر.

(٣) معطوف على «موافقة» وضميره راجع إلى «الغرض» و «عقلا» قيد لـ «اعتبار» وهذا بناء على ما اختاره المصنف من دخل قصد الأمر عقلا في العبادة ، لامتناع دخله فيها شرعا.

(٤) أي : إحراز الغرض في إحراز الإطاعة. وحاصله : أن علة الأمر حدوثا وبقاء هو الغرض ، فسقوط الأمر موقوف على سقوط الغرض ، ومن المعلوم عدم حصول العلم بتحقق الغرض إلّا بالإتيان بالأكثر ، وضمير «إحرازها» راجع إلى «إطاعة».

__________________

(*) قد يقال : ان هذا انما يتم فيما إذا كان الفعل المأمور به علة تامة لحصول الملاك والغرض المترتب عليه ، ولم يتوسط بينهما إرادة فاعل مختار ، وأما فيما

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

إذا كان الفعل معدّا لوجود الغرض وأنيط تحققه بأمور خارجة عن قدرة المكلف كما في حرث الأرض وإلقاء البذر فيها لصيرورته سنبلا ، فلا يوجب الاحتياط العلم بترتب الملاك على الإتيان بكل ما يحتمل دخله في حصوله. وحيث ان جل الأحكام الشرعية بل كلها من قبيل المعدات لملاكاتها ، فلا مجال للتمسك لوجوب الإتيان بالأكثر بلزوم تحصيل العلم عقلا بحصول الغرض المنوط بإتيان الأكثر.

لكن فيه : أن المعوّل في معرفة كون الأفعال المتعلقة للأحكام الشرعية معدّات أو عللا تامة لترتب ملاكاتها الداعية إلى تشريع أحكامها عليها هو الأدلة المتكفلة لبيان ترتبها على تلك الأفعال ، ومن المعلوم ظهورها في ترتبها عليها بدون توسيط مقدمة وضم إرادة فاعل مختار إليها ، ومقتضى أصالة التطابق بين مقامي الثبوت والإثبات هو كون الأفعال عللا تامة لترتب الملاكات عليها ، لا أن تكون معدّات لذلك ، حيث ان دخل أمر آخر في حصول الغرض يتوقف على مئونة زائدة ثبوتا وإثباتا ، والإطلاق كاشف عن انحصار المحصل له في خصوص الفعل المتعلق به الطلب ودافع لاحتمال دخل غيره فيه ، ويشهد له ما ورد في خطبة الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها : «جعل الصلاة تنزيها من الكبر والزكاة تنمية للمال والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ...».

والحاصل : أن عدّ الأحكام الشرعية كالتكوينيات نظير إلقاء البذر ونحوه مما يكون معدا لحصول الغرض مما لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه ، وحيث ان الأغراض مترتبة على نفس الأفعال فيستكشف منه أن الفعل مستقل في التأثير ، ولا بد من الاحتياط حينئذ عند دوران الأمر بين ترتب الغرض الملزم على الأقل وترتبه على الأكثر بإتيان الأكثر.

٢٠٩

ولا وجه للتفصي عنه (١) تارة بعدم ابتناء مسألة البراءة

______________________________________________________

(١) أي : عن الاستدلال بالغرض ، وهذا تعريض بشيخنا الأعظم (قده) فانه تفطن لكون الغرض مقتضيا للاحتياط في الارتباطيين وان لم يكن العلم الإجمالي بالتكليف موجبا لذلك بدعوى الانحلال المتقدم ، لكنه تخلص منه بوجهين ، حيث قال بعد تقرير دليل الغرض : «قلت : أولا مسألة البراءة والاحتياط غير مبتنية على كون كل واجب فيه مصلحة هو لطف في غيره ... وثانيا : ان نفس الفعل من حيث هو ليس لطفا ، ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصح ولم يترتب عليه لطف آخر ....».

وتوضيحه : أنه (قده) أجاب عن برهان الغرض الموجب للاحتياط بفعل الأكثر بوجهين : الأول أن الالتزام بوجود الغرض مبني على مذهب مشهور العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في متعلقاتهما وهي أفعال المكلفين ، ومن المعلوم أن مسألة البراءة والاحتياط ليست مبنية على ذلك ، بل تجري على مذهب بعض العدلية أيضا المكتفي بوجود المصلحة في نفس الأمر الّذي هو فعل المولى ، وعلى مذهب الأشعري من عدم التبعية أصلا ولو في نفس الأمر ، فيمكن المصير إلى أحد هذين المذهبين ، ومن المعلوم عدم وجود غرض حينئذ حتى يجب إحرازه في إحراز سقوط الأمر المنوط بإتيان الأكثر.

الثاني : أن الغرض بعد تسليم كونه في فعل العبد كما هو مقتضى مذهب المشهور من العدلية وان كان موردا لقاعدة الاشتغال ، لما اشتهر من عدم جريان البراءة في الشك في المحصل ، إلّا أنه يكون فيما يمكن تحصيل العلم بوجود الغرض ، وأما فيما لا يمكن للعبد إحرازه فلا كالمقام ، ضرورة أن حصول المصلحة في العبادات وان كان منوطا بقصد الإطاعة ، لكنه يحتمل عدم حصولها بمجرد ذلك ، لاحتمال دخل قصد وجه أجزاء العبادة من الوجوب والندب في تحققها أيضا ،

٢١٠

والاحتياط (١) على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها (٢) على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين (٣) لذلك ، أو بعض العدلية المكتفين (٤) بكون المصلحة في نفس الأمر (٥) دون المأمور به.

______________________________________________________

ومن المعلوم أن هذا القصد موقوف على معرفة وجه الأجزاء من الوجوب والندب ومع الجهل به لا يتمشى قصد الوجه ، فلا يحصل العلم بالغرض.

وبالجملة : فمرجع هذا الوجه إلى عدم القدرة على تحصيل العلم بوجود الغرض في العبادات ، فلا يجب إحرازه ، فمن ناحية الغرض لا يبقى وجه لوجوب الاحتياط بإتيان الأكثر ، وحينئذ فلا يبقى في البين إلّا التخلص عن تبعة التكليف المنجز بالعلم الإجمالي ، والبيان المسوغ للمؤاخذة على المخالفة منحصر بالأقل دون الأكثر ، فلو كان هو الواجب فالمؤاخذة عليه تكون بلا حجة وبيان ، وهو قبيح بالوجدان ، فلا ملزم بإتيان الأكثر.

هذا توضيح كلام الشيخ. والمصنف أورد عليه هنا كما في حاشية الرسائل بما ستقف عليه.

(١) هذا إشارة إلى أول جوابي الشيخ عن الاستدلال بالغرض ، وقد أوضحناه بقولنا : «الأول : أن الالتزام بوجود الغرض مبني على مذهب المشهور .... إلخ».

(٢) معطوف على «عدم ابتناء» والضمير راجع إلى المسألة ، و «على ما ذهب» متعلق بـ «ابتناء».

(٣) أي : المنكرون لما ذهب إليه العدلية من قيام الملاكات بالمتعلقات.

(٤) الصواب «المكتفي» لكونه صفة لـ «بعض» كما أن الصواب «المنكرون»

(٥) لا في فعل العبد الّذي هو المأمور به حتى يلزم إحرازه ، بل الغرض قائم بفعل المولى وهو الأمر.

٢١١

وأخرى (١) بأن حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا بإتيانها على وجه الامتثال ، وحينئذ (٢) كان لاحتمال اعتبار معرفة أجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال (٣) ، ومعه (٤) لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الأمر ، فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته بإتيان (٥) ما علم تعلقه (٦) به ،

______________________________________________________

(١) هذا ثاني جوابي الشيخ الأعظم ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «الثاني : أن الغرض بعد تسليم كونه في فعل العبد كما هو مقتضى مذهب المشهور من العدلية .... إلخ».

(٢) أي : وحين عدم حصول المصلحة إلّا بإتيان العبادة على وجه الامتثال ، وضمير «بإتيانها» راجع إلى «العبادات».

(٣) اسم «كان» و «لاحتمال» خبره ، وضمير «أجزائها» راجع إلى «العبادات» وضمير «بها» إلى «أجزائها».

(٤) أي : ومع احتمال اعتبار معرفة الأجزاء لا يكاد يحصل القطع بحصول المصلحة بدون قصد وجه الاجزاء ، ولا يتمشى هذا القصد مع فرض عدم معرفة وجه الاجزاء ، فلا يمكن إثبات وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر من ناحية لزوم تحصيل الغرض.

(٥) متعلق بـ «التخلص» وضمير «مخالفته» راجع إلى الأمر.

(٦) أي : تعلق الأمر ، وضمير «به» راجع إلى الموصول في «ما علم» المراد به فعل العبد ، لأنه المتعلق للأمر كالصلاة والصوم وغيرهما من أفعاله ، والمراد بـ «ما علم» هو الأقل ، وحاصله : أنه بعد عدم إمكان تحصيل الغرض بإتيان الأكثر لا يبقى في البين إلّا التخلص عن تبعة مخالفة التكليف ، وهو يحصل بفعل الأقل ،

٢١٢

فانه (١) واجب عقلا وان لم يكن في المأمور به مصلحة ولطف رأسا ، لتنجزه بالعلم به (٢) إجمالا وأما الزائد عليه (٣) لو كان فلا تبعة على مخالفته من جهته (٤) فان العقوبة عليه بلا بيان.

وذلك (٥) ضرورة أن حكم العقل بالبراءة على مذهب الأشعري

______________________________________________________

لأنه المنجز بالعلم الإجمالي.

(١) أي : فان الإتيان بالأقل المعلوم تعلق الأمر به واجب عقلا ، لكونه إطاعة تجب بحكم العقل ، فان وجوب الإطاعة حكم عقلي ، وأمرها الشرعي أمر إرشادي كما تقدم.

(٢) هذا الضمير وضمير «لتنجزه» راجعان إلى الأمر ، وقوله : «لتنجزه» متعلق بقوله : «واجب عقلا» يعني : يجب عقلا الإتيان بمتعلق الأمر ـ وهو الأقل ـ لتنجزه بالعلم به إجمالا.

(٣) أي : على ما علم تعلق الأمر به وهو الأقل ، والمراد بالزائد هو الأكثر.

(٤) أي : فلا تبعة على مخالفة الأمر من جهة الزائد ، لعدم تنجز أمره على تقدير وجوده واقعا ، فالعقوبة عليه بلا بيان.

(٥) تعليل لقوله : «ولا وجه للتفصي عنه» وشروع في الإشكال على كلا الجوابين اللذين ذكرهما الشيخ الأعظم (قده) عن الاستدلال بالعلم بالغرض ، وقد تعرض المصنف قدس‌سره لبعض الإشكالات في حاشية الرسائل أيضا ، وملخص اشكاله على الجواب الأول هو : أن إنكار أصل الغرض بناء على مذهب الأشعري لا يجدي في التخلص عن برهان الغرض على مذهب غيره ، نعم هو يجدي من يلتزم بذلك المذهب الفاسد. وما أفاده الشيخ من إمكان كون الغرض في نفس الأمر كما عليه بعض العدلية لا في المأمور به ـ حتى يكون الغرض مشكوك الحصول بالإتيان

٢١٣

لا يجدي (١) من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية ، بل (٢) من ذهب إلى ما عليه غير المشهور ، لاحتمال أن يكون الداعي إلى الأمر ومصلحته (٣) على هذا المذهب (٤) أيضا (٥) هو (٦) ما في الواجبات

______________________________________________________

بالأقل ويوجب ذلك فعل الأكثر ـ يرد عليه : أن مقصود ذلك البعض من العدلية القائل بتبعية الأمر لمصلحة في نفسه هو ردّ من التزم بوجوب كون المصلحة في المأمور به بأنه يجوز أن تكون المصلحة في نفس الأمر ، لا أنه يجب أن تكون في المأمور به ، وعلى هذا فيحتمل أن تكون في المأمور به ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن الاقتصار على الأقل ، لعدم العلم بحصول الغرض منه.

(١) لفرض قيام الملاكات بنفس المتعلقات الموجب للاحتياط بإتيان الأكثر.

(٢) عطف على «مذهب» وهو منصوب محلا لكونه مفعولا به لـ «لا يجدي» يعني : ولا يجدي هذا التفصي على مذهب غير المشهور أيضا القائل بقيام المصلحة بنفس الأمر ، وجه عدم الإجداء ما عرفت آنفا من أن غرض ذلك البعض جواز قيامها بالأمر ، لا منع قيامها بالمأمور به ، ومع احتمال قيامها بالمتعلقات يقتضي العقل بالاحتياط بفعل الأكثر.

(٣) معطوف على «الداعي» وضميره راجع إلى الأمر ، وقوله : «لاحتمال» تعليل لعدم إجراء حكم العقل بالبراءة على مذهب غير المشهور من العدلية ، وقد مر توضيحه بقولنا : «ومع احتمال قيامها بالمتعلقات .... إلخ» والأولى إضافة كلمة «أيضا» بعد قوله : «غير المشهور» كما لا يخفى وجهه.

(٤) يعني : مذهب غير المشهور من العدلية.

(٥) يعني : كمذهب مشهور العدلية.

(٦) أي : الداعي إلى الأمر.

٢١٤

من المصلحة وكونها (١) ألطافا ، فافهم (٢).

وحصول اللطف (٣) والمصلحة في العبادة وان كان يتوقف على

______________________________________________________

(١) معطوف على «المصلحة» يعني : أن الداعي إلى الأمر هو ما في الواجبات من المصلحة ومن كون الواجبات ألطافا ، فقوله : «من المصلحة» بيان للموصول في «ما في الواجبات».

(٢) لعله إشارة إلى أنه بعد احتمال كون الغرض الداعي إلى الأمر على مذهب بعض العدلية هو المصلحة في نفس الأمر لا المأمور به ، فلا يكون هنا علم بغرض قائم بفعل العبد حتى يجب عليه إحرازه ، إذ لو كان قائما بنفس الأمر فليس هو مقدورا للعبد ، لعدم كون الأمر فعل العبد ، ومع احتمال قيام الغرض بالأمر لا ملزم بالاحتياط بفعل الأكثر لا عقلا ولا نقلا.

(٣) هذا شروع في الإشكال على ثاني جوابي الشيخ الأعظم (قده) من تعذر استيفاء الغرض في العبادات ، لاحتمال دخل قصد وجه أجزائها في تحققه ، فيصير الشك في حصول الغرض الداعي إلى الأمر بدون قصد الوجه شكا في المحصّل الّذي يكون المرجع فيه قاعدة الاشتغال لا البراءة ، لكن يتعذر الاحتياط هنا ، لعدم المعرفة بوجه الأجزاء حتى يقصد ، فلا يبقى إلّا الإتيان بما قام عليه البيان ، وهو الأقل تخلصا عن تبعة مخالفته.

والمصنف أورد عليه بوجوه ، الأول : ما أشار إليه بقوله : «إلّا أنه لا مجال ..» وبيانه : أن حصول المصلحة في العبادات وان كان منوطا بقصد الامتثال ، لكنه لا يتوقف على قصد وجه الأجزاء ، إذ لا منشأ لاحتمال اعتباره فيها ، فانه مع هذا الاحتمال يخرج المقام ـ أعني الأقل والأكثر الارتباطيين ـ عن الشك في المكلف به الّذي يمكن معه الاحتياط ، ويندرج فيما يتعذر فيه الاحتياط ، مع أن من الواضح كون الارتباطيين كالمتباينين في إمكان الاحتياط بالإتيان بكلا الطرفين كما لو دار أمر

٢١٥

الإتيان بها على وجه الامتثال ، إلّا أنه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الاجزاء وإتيانها على وجهها (١) ، كيف (٢)؟ ولا إشكال في إمكان الاحتياط هاهنا (٣) كما في المتباينين ، ولا يكاد (٤) يمكن مع اعتباره ، هذا مع (٥) وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه

______________________________________________________

العبادة بين القصر والتمام ، فانه لو اعتبر في صحة الامتثال الجزم بالوجه لما أمكن فيها الاحتياط ، لعدم العلم بجزئية ما زاد على الركعتين حتى يقصد المكلف وجوبه ، الا مع التشريع المحرم ، فيترتب على اعتبار هذا القصد احتياطا خلاف الاحتياط لعدم التمكن منه ، مع أن البحث في المقام وفي المتباينين ليس في إمكان الاحتياط ، بل في لزومه وعدمه بعد الفراغ عن إمكانه كما هو واضح.

فحاصل الوجه الأول : أنه لا دليل على اعتبار قصد وجه الأجزاء في العبادة حتى يتم كلام الشيخ الأعظم من عدم إمكان الاحتياط بإتيان الأكثر ، بل الدليل على خلافه موجود ، وهو كون المقام كالمتباينين في إمكان الاحتياط فيه كما عرفت.

(١) الضميران راجعان إلى الأجزاء ، و «إتيانها» معطوف على «معرفة».

(٢) يعني : كيف يكون لهذا الاحتمال مجال مع أنه لا إشكال في إمكان الاحتياط هنا كالمتباينين؟ ولا يكاد يمكن الاحتياط مع اعتبار إتيان الأجزاء على وجهها كما مر آنفا.

(٣) يعني : في الأقل والأكثر الارتباطيين ، والحاصل : أن الاتفاق على حسن الاحتياط هنا يأبى عن اشتراط إتيان الأجزاء على وجهها.

(٤) يعني : ولا يكاد يمكن الاحتياط مع اعتبار إتيان الأجزاء على وجهها ، ومن المسلم إمكان الاحتياط فيها ، فهو دليل على عدم اعتبار قصد الوجه فيها.

(٥) هذا هو الوجه الثاني من الوجوه التي أوردها على الشيخ (قده) ومحصله :

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أنه على تقدير اعتبار الجزم بالنيّة في العبادة ليس المقصود منه اعتباره في كل واحد من الأجزاء ، بل المقصود منه اعتباره في العبادة في الجملة ، وهذا المقدار يمكن تحققه بالاحتياط بإتيان الأكثر بقصد وجوبه النفسيّ في الجملة بما اشتمل على الأجزاء والشرائط. بيانه : أن القائل بلزوم الإتيان بالعبادة على وجهها من الوجوب والاستحباب ـ كما حكي عن العلامة قدس‌سره ـ انما يدعي لزوم فعل العبادة الواجبة بقصد وجوبها النفسيّ ، ومن المعلوم أن الاحتياط بفعل الأكثر بقصد مطلوبيته النفسيّة بمكان من الإمكان ، وليس مقصوده لزوم قصد الوجوب في كل واحد من الأجزاء ـ اما بالوجوب الغيري المقدمي كما تضمنه كلام الشيخ الأعظم (قده) من وجوب الاجزاء ترشحيا غيريا ، واما بالوجوب النفسيّ الضمني الثابت للأجزاء بواسطة اتصاف الكل بالوجوب ، لوقوعه تحت الطلب ـ حتى يتعذر الاحتياط بفعل الأكثر ، لعدم الجزم بوجوب تمام الأجزاء.

ومع عدم اعتبار قصد وجوب كل واحد من الأجزاء واستحبابه فللمكلف إيقاع العبادة بنية وجوبها النفسيّ في الجملة أي بلا تعيين أن فرد الواجب تمام المأتي به أو بعضه كالصلاة المشتملة على السورة مع عدم وجوبها في الصلاة ، فتكون السورة كالإتيان بالفريضة في المسجد من مشخصات طبيعة الصلاة وخارجة عن ماهيتها وحقيقتها. فلو كان الأكثر هو الواجب فقد أتى به ، لاشتمال المأتي به على السورة المشكوكة جزئيتها للعبادة ، ولو كان الأقل هو المأمور به فقد أتى به أيضا ، واحتمال اشتماله على ما ليس بواجب ـ وهو السورة ـ مثلا غير قادح في قصد الوجوب النفسيّ لطبيعة الصلاة وان لم يقصد وجوب خصوص الجزء المشكوك فيه ، فان السورة حينئذ كسائر المشخصات الفردية التي ليست دخيلة في مطلوبية الطبيعة ، ولا تضر في صدقها على الفرد المتشخص بها ، للقطع بعدم كونها من الموانع.

٢١٧

كذلك (١) ، والمراد (٢) (*) بالوجه في كلام من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب (٣) اقترانه به هو وجه نفسه من وجوبه النفسيّ ، لا وجه أجزائه من وجوبها

______________________________________________________

نعم لو كان مشكوك الجزئية محتمل المانعية أيضا لكان منافيا لقصد وجوب الفعل المشتمل عليه ، إلّا أن المفروض أن السورة يدور أمرها بين كونها جزءا للطبيعة وبين كونها من مشخصات الماهية التي تكون الطبيعة صادقة في صورتي وجود السورة وعدمها ، وليست كالمانع في الإخلال بقصد الوجوب النفسيّ للصلاة إجمالا ، وعليه فيكون الأكثر محصلا للغرض من المأمور به ، هذا.

(١) أي : قصد الوجه في كل واحد من الأجزاء.

(٢) قد تقدم توضيحه بقولنا : «ومحصله : أنه على تقدير اعتبار الجزم بالنية في العبادة ليس المقصود منه ... إلخ» والوجه في وضوح البطلان : أن الواجب بحكم العقل في بابي المقدمة والكل هو الإتيان بذات المقدمة ونفس الجزء من دون اعتبار فعلهما بداعي أمرهما ، فقصد الوجه لو قيل باعتباره انما يكون مورده هو الوجوب النفسيّ المتعلق بعنوان المركّب كالصلاة ، لا الوجوب الغيري أو العرضي لأجزائها.

(٣) معطوف على «وجوب» ، وضمائر «اقترانه ، بنفسه ، وجوبه ، أجزائه» راجعة إلى الواجب ، وضمير «به» إلى «الوجه».

__________________

(*) الأولى أن يقال : «إذ المراد» لأنه تعليل لوضوح الفساد ، وليس وجها آخر. ثم ان ما أفاده من كون مورد اعتبار قصد الوجه نفس الواجب دون أجزائه خلاف ظاهر معقد إجماع السيد الرضي (قده) من دعوى الإجماع على بطلان صلاة من لا يعلم أحكامها ، حيث ان المراد بأحكامها أحكام أجزائها.

٢١٨

الغيري (١) أو وجوبها العرضي (٢) ، وإتيان (٣) الواجب مقترنا بوجهه غاية (٤) ووصفا

______________________________________________________

(١) صفة لـ «وجوبها» وهذا إشارة إلى ما قيل في وجوب المقدمة من كونه غيريا ، يعني : أن وجوب الاجزاء ليس لمصلحة في نفسها حتى يكون نفسيا ، بل المصلحة في المركب ، فيكون كل واحد من الأجزاء واجبا غيريا ، لكونه مقدمة لتحقق الكل ، وضمير «وجوبها» راجع إلى «أجزائه».

(٢) يعني : الوجوب النفسيّ المنبسط من الأمر بالكل على كل واحد من الأجزاء ، وتسميته بالعرضي انما هي لأجل كون المتصف بالوجوب أوّلا وبالذات هو الكل ، لتعلق الطلب به بقوله : «صل» ووجوب الجزء يكون ثانيا وبالعرض وليس المراد بالعرضي ما يساوق الوساطة في العروض الّذي يصح معه سلب المحمول حقيقة عن الموضوع كما في جالس السفينة المتحركة. وضمير «وجوبها» راجع إلى «أجزائه».

(٣) مبتدأ خبره «بمكان من الإمكان» وغرضه : إثبات إمكان الإتيان بالأكثر بقصد الوجه بعد وضوح أن قصده على تقدير اعتباره يكون في نفس الواجب لا في أجزائه ، إذ من المعلوم أن إتيان صلاة الظهر مثلا بفعل الأكثر بقصد الوجه بمكان من الإمكان ، لأن المشكوك فيه ان كان مرددا بين كونه جزءا للماهية وجزءا للفرد انطبق طبيعي الواجب على تمام الأجزاء. وان كان مرددا بين كونه جزءا للماهية أو الفرد وبين كونه مقارنا ـ اما للغويته أو وجوبه نفسيا أو استحبابه كذلك من قبيل الواجب في الواجب أو المستحب كذلك ـ انطبق الطبيعي المأمور به اما على تمامه بناء على جزئيته ، واما على ما عدا المشكوك من سائر الاجزاء بناء على عدم جزئيته.

(٤) كأن ينوي : «أصلي صلاة الظهر لوجوبها» ووصفا كأن يقول : «الواجبة» بدل «لوجوبها».

٢١٩

بإتيان (١) الأكثر بمكان من الإمكان ، لانطباق (٢) الواجب عليه ولو كان (٣) هو الأقل ، فيتأتى من المكلف معه قصد الوجه (٤) ، واحتمال (٥) اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس (٦) بضائر إذا قصد وجوب المأتي به على إجماله (٧) بلا تمييز ما له دخل في الواجب من أجزائه ، لا سيما (٨) إذا دار الزائد بين كونه جزءا لماهيته وجزءا لفرده

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «إتيان الواجب».

(٢) تعليل لقوله : «بمكان من الإمكان» وضمير «عليه» راجع إلى الأكثر.

(٣) أي : ولو كان الواجب بحسب الواقع هو الأقل.

(٤) بمعناه الأخير الّذي أفاده بقوله : «والمراد بالوجه ...» وضمير «معه» راجع إلى إتيان الأكثر.

(٥) إشارة إلى إشكال ودفعه ، أما الأول فهو : أنه قد يستشكل فيما أفاده من إمكان إتيان الواجب مقترنا بوجه نفسه بإتيان الأكثر بما محصله عدم إمكان ذلك ، لاحتمال اشتمال الأكثر على ما ليس جزءا له ، ومعه كيف يمكن قصد الوجه بإتيان الأكثر؟

وأما الثاني فملخصه : أن الاحتمال المزبور لا يقدح في تمشي قصد الوجه بإتيان الواجب إجمالا ، وانما يقدح في قصد الوجوب بالنسبة إلى كل جزء من أجزاء الواجب ، وضمير «اشتماله» راجع إلى الأكثر.

(٦) خبر «واحتمال» وهو إشارة إلى دفع الإشكال ، وقد أوضحناه بقولنا : «وأما الثاني فملخصه .... إلخ».

(٧) أي :بلا تعيين أنه الأقل أو الأكثر ، و «من أجزائه» بيان لـ «ما له دخل».

(٨) وجه الخصوصية : أنه جزء قطعا ، غاية الأمر أنه يشك في كونه جزءا

٢٢٠