منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

والأدلة (١) المتكفلة لحكمها بعناوينها الأولية (٢).

نعم (٣) ربما يعكس الأمر فيما أحرز بوجه معتبر أن الحكم في المورد ليس (٤) بنحو الاقتضاء ، بل بنحو العلية التامة (٥).

______________________________________________________

مائه على بذل مال كثير يوجب وقوعه في الحرج ، فان فعلية وجوب الوضوء حينئذ ترتفع بدليل نفي الحرج ، ويحمل وجوبه على الاقتضائي.

(١) معطوف على «سائر» وضميرا «لحكمها بعناوينها» راجعان إلى «الأفعال».

(٢) كوجوب الصوم والحج ونحوهما من الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأولية ، فانها ترتفع فعليتها بالأدلة النافية لها بالعناوين الثانوية كالإكراه والخطأ والنسيان والحرج وغيرها ، وتحمل على الحكم الاقتضائي.

(٣) استدراك على ما ذكره من التوفيق العرفي بين دليلي الحكم الأوّلي والثانوي بحمل الأول على الاقتضائي والثانوي على الفعلي ، ومحصل هذا الاستدراك : أنه قد يعكس الأمر ويقدم دليل الحكم الأولي على الثانوي فيما إذا أحرز بدليل معتبر كون الحكم الأولي مجعولا بنحو يكون علة تامة للفعلية ، لا مقتضيا لها حتى يمكن رفع فعليته وحمله على الاقتضائي بسبب عروض عنوان ثانوي عليه مطلقا سواء كان هو الضرر أم غيره ، كوجوب إنقاذ نبي أو وصي ، فان هذا الوجوب فعلي مطلقا وان كان موجبا للضرر أو الحرج على الغير ، فلا يحمل على الاقتضائي بالتوفيق العرفي بين دليله ودليل حكم العنوان الثانوي كالضرر وغيره.

(٤) يعني : ليس مجعولا بنحو الاقتضاء حتى يكون موردا للتوفيق العرفي المزبور ، بل هو مجعول بنحو يكون علة تامة للفعلية ، وقوله : «ان الحكم» نائب فاعل لـ «أحرز» والمراد بالوجه المعتبر الدليل المعتبر.

(٥) كحرمة نكاح المحارم ، ووجوب الدفاع عن النّفس ، وعن بيضة الإسلام ،

٥٢١

وبالجملة (١) : الحكم الثابت بعنوان أوّلي تارة يكون بنحو الفعلية مطلقا (٢) أو بالإضافة (٣) إلى عارض دون عارض

______________________________________________________

وارتكاب خلاف الواقع عن عذر لا ينافي علية الحكم وبقاءه ، غاية الأمر أن المكلف معذور في مخالفته ولا يعاقب عليها لأجل العذر ، فنكاح المحارم شبهة لا يرفع حرمته الواقعية ، والمراد بالعلية التامة عدم ارتفاع الحكم الواقعي بطروء عنوان ثانوي من الضرر والإكراه والاضطرار وغيرها عليه ، لا عدم المعذورية في مخالفته لطروء عذر من الأعذار الموجبة للأمن من العقوبة ، فان المعذورية لا تنافي بقاء الحكم الواقعي كما مر في نكاح المحارم شبهة ، فان حرمته الواقعية لا ترتفع بالشبهة بل الشبهة تمنع عن استحقاق العقوبة على ارتكاب الحرام الواقعي.

(١) هذا حاصل ما ذكره في قوله : «نعم» ومات قبله ، وملخصه : أن الدليل المتكفل لحكم الفعل بعنوانه الأولي ان دل على فعلية الحكم مطلقا ـ بحيث لا ترتفع فعليته بشيء من العناوين الثانوية من الضرر وغيره كالمثال المتقدم وهو وجوب حفظ النبي والوصي صلوات الله عليهما ، أو بالإضافة إلى بعض العناوين الثانوية ـ وجب تقديمه في الصورة الأولى على كل عنوان ثانوي يطرأ عليه ، لأن المفروض كونه علة تامة للفعلية. وفي الصورة الثانية على بعض العناوين الثانوية كوجوب الوضوء فانه مقدم على دليل الضرر ان لم يكن المال المبذول بإزاء ماء الوضوء مجحفا وموجبا لوقوعه في الحرج وان كان مجحفا وحرجيا ، فدليل نفي الضرر مقدم على دليل وجوب الوضوء ، للتوفيق العرفي الموجب لحمل وجوب الوضوء حينئذ على الاقتضائي. وان دل على فعلية الحكم لا بنحو الإطلاق والعلية التامة ، فسيأتي حكمه.

(٢) يعني : بالنسبة إلى جميع العوارض وهي العناوين الثانوية كما مرّ آنفا.

(٣) معطوف على «مطلقا» وقد تقدم المراد بقوله : «إلى عارض دون عارض» ومثاله بقولنا : «أو بالإضافة إلى بعض العناوين الثانوية وجب تقديمه في الصورة

٥٢٢

بدلالة (١) لا يجوز الإغماض عنها بسبب (٢) دليل حكم العارض (٣) المخالف له ، فيقدم (٤) دليل ذاك العنوان (٥) على دليله.

وأخرى (٦) يكون (*) على نحو لو كانت هناك دلالة للزم الإغماض

______________________________________________________

الأولى ... إلخ».

(١) متعلق بـ «يكون» يعني : أن دلالة الدليل على فعلية الحكم بالعنوان الأوّلي تارة تكون بنحو تأبى عن حملها على الاقتضائي كما إذا كانت دلالته بالنصوصية ، فيقدم حينئذ دليل الحكم الأوّلي على دليل الحكم الثانوي ، لتقدم النص على الظاهر ، وضمير «عنها» راجع إلى الدلالة.

(٢) متعلق بـ «الإغماض» يعني : لا يجوز الإغماض عن دلالة دليل الحكم الأوّلي بسبب دليل حكم العنوان الثانوي المخالف للحكم الأولي ، لما فرض من عدم جواز الإغماض عن دلالته بالنصوصية مثلا.

(٣) وهو العنوان الثانوي ، وضمير «له» راجع إلى «الحكم» في قوله : «الحكم الثابت».

(٤) هذا نتيجة فعلية الحكم الأولي مطلقا ، إذا لازم دلالة دليله بحيث لا يجوز الإغماض عنها هو تقدمه على دليل العنوان الثانوي.

(٥) يعني : أن العنوان الأولي يقدم على دليل العنوان الثانوي ، وضمير «دليله» راجع إلى «حكم العارض».

(٦) معطوف على «تارة» وهذا هو الشق الثاني الّذي أشرنا إليه بقولنا : «وان دل على فعلية الحكم لا بنحو الإطلاق والعلية التامة .... إلخ» وتوضيحه : أن دليل حكم الفعل بعنوانه الأوّلي ان كانت دلالته على فعلية الحكم بمثابة لا تأبى عن

__________________

(*) سوق الكلام يقتضي أن تكون العبارة هكذا : «وبالجملة ان كانت دلالة

٥٢٣

عنها بسببه عرفا (١) ، حيث (٢) كان اجتماعهما قرينة على أنه بمجرد

______________________________________________________

التصرف فيها بحمل الحكم على الاقتضائي كما إذا كانت دلالته بالعموم أو الإطلاق وجب الإغماض عن دلالته بسبب دليل حكم العنوان الثانوي ، وحمل الحكم الأولي على الاقتضائي ، إذ العرف يوفق بينهما بجعل اجتماع الدليلين قرينة على أن الحكم الأوّلي ليست فعليته بنحو العلية التامة حتى يأبى عن التصرف فيه بالحمل على الاقتضائي ، بل يقبل التصرف ، فيحمل على الاقتضائي ، ويجعل العنوان الثانوي مانعا فعليا عن فعليته ، حيث ان دلالة دليل الحكم بالعنوان الأولي تكون بالإطلاق ، وهو ظاهر في شموله لجميع الحالات والعناوين الثانوية ، ودلالة دليل الحكم بالعنوان الثانوي تصلح لتقييد إطلاق فعليته ، وحمله على الاقتضائي ، ولا عكس ، إذ لازم حمل العنوان الثانوي على الاقتضائي عدم صيرورته فعليا أصلا ، فيلغو تشريعه.

(١) قيد لـ «لزم» وضمير «عنها» راجع إلى «دلالة» وضمير «بسببه» إلى «دليل حكم العارض» وقوله : «لو كانت هناك دلالة» أي : دلالة على العلية.

(٢) تعليل للزوم الإغماض ، وقد مر توضيحه بقولنا : «إذ العرف يوفق بينهما بجعل اجتماع الدليلين قرينة .... إلخ» وضمير «أنه» راجع إلى «الحكم الثابت».

__________________

دليل فعلية الحكم الأوّلي بنحو الإطلاق أو الإضافة إلى بعض العناوين الثانوية بمثابة لا يجوز الإغماض عنها بسبب دليل حكم العارض المخالف له قدّم دليله على دليل حكم العارض. وان كانت بمثابة يجوز الإغماض عنها لزم التوفيق بينهما عرفا بقرينة اجتماعهما بحمل الحكم الأولي على الاقتضائي والعارض على المانع الفعلي».

وجه العدول إلى هذه العبارة هو : أن المفروض في التوفيق العرفي المفروغية عن وجود الدلالة في كلام الدليلين ، إذ مع فرض إجمال أحدهما يخرج عن مورد التوفيق العرفي ، ويندرج في المجمل والمبين.

٥٢٤

المقتضي ، وأن (١) العارض مانع فعلي. هذا (٢) ولو لم نقل بحكومة دليله على دليله (٣) ، لعدم (٤) ثبوت نظره (*) إلى مدلوله

______________________________________________________

(١) معطوف على «انه» وقد تقدم توضيح ذلك كله.

(٢) أي : تقديم دليل العنوان الثانوي على دليل حكم العنوان الأولي ثابت وان لم نقل بحكومة دليله على دليل حكم العنوان الأولي ، وغرضه : أن التقديم المزبور مسلّم إما للحكومة كما هو مختار الشيخ (قده) وإما للتوفيق العرفي ان لم يتم حديث الحكومة.

(٣) أي : دليل حكم العنوان الأولي ، والضمير الأول راجع إلى «العارض» وقوله : «ولو لم نقل» تعريض بما أفاده الشيخ (قده) من الحكومة كما سيأتي تفصيله.

(٤) هذا تعليل لعدم حكومة دليل نفي الضرر على أدلة أحكام العناوين الأولية. توضيحه : أن الشيخ (قده) قائل بحكومة دليل قاعدة الضرر على أدلة أحكام العناوين الأولية ، قال في الرسائل : «ثم ان هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضرري كأدلة لزوم العقود وسلطنة الناس على أموالهم ... إلى أن قال : والمراد بالحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر من حيث إثبات حكم لشيء أو نفيه عنه ، فالأوّل مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب ، أو بشهادة العدلين ، فانه حاكم على ما دل على أنه لا صلاة إلّا بطهور ، فانه يفيد بمدلوله اللفظي على أن ما ثبت من الأحكام للطهارة في مثل لا صلاة إلّا بطهور وغيرها ثابت للمتطهر

__________________

وعليه فلا حاجة إلى قوله (قده) : «لو كانت هناك دلالة» إلّا أن تكون هذه القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، فتدبر.

(*) ان كان المراد بالنظر التعرض والشرح لمدلول الدليل المحكوم

٥٢٥

كما قيل (١).

______________________________________________________

بالاستصحاب أو بالبينة. والثاني مثل الأمثلة المذكورة ـ يعني بها حكومة مثل أدلة نفي الضرر والحرج ورفع الخطاء والنسيان ونفي السهو عن كثير السهو ونفى السبيل على المحسنين إلى غير ذلك ـ بالنسبة إلى الأحكام الأولية» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

ومحصل إشكال المصنف (قده) على هذه الحكومة كما أوضحه في حاشية الرسائل هو : عدم انطباق ضابط الحكومة بنظر الشيخ على قاعدة الضرر ، حيث انه يعتبر في الحكومة أن يكون الدليل الحاكم ناظرا بمدلوله اللفظي إلى مدلول الدليل المحكوم وشارحا له. وليس دليل نفي الضرر كذلك ، لعدم نظر له إلى أدلة الأحكام الأولية ، بل هو في عرضها ، نظير «لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» ونحوها ، ولازم عدم انطباق ضابط الحكومة هنا ملاحظة مرجحات باب التعارض.

(١) القائل هو الشيخ الأعظم (قده) وقد تقدمت عبارته ، وضمير «نظره» راجع إلى دليل العارض ، وضمير «مدلوله» إلى دليل الحكم الأولي.

__________________

بكلمة «أي وأعني» وأمثالهما فذلك مجرد فرض ظاهرا ، وليس هو مراده قطعا بعد وضوح التزامه بالحكومة في كثير من الموارد التي منها المقام على ما صرّح به في عبارته المنقولة في التوضيح مع فقدان التعرض فيها بالنحو المزبور ، فهذا يكشف عن عدم كون النّظر بتلك الكيفية مراده. والنّظر بغير الوجه المزبور موجود هنا ، إذ بناء على كون الضرر عنوانا لنفس الحكم يكون المعنى : أن الحكم الشرعي المؤدّي إلى الضرر غير مجعول ، وهذا البيان ناظر إلى الأحكام الشرعية المؤدية إلى الضرر ، وهذا المقدار من النّظر كاف في تحقق الحكومة خصوصا بناء على وجود كلمة «في الإسلام» في روايات قاعدة الضرر ، إذ معناه حينئذ

٥٢٦

ثم انقدح بذلك (١) حال توارد دليلي العارضين كدليل نفي العسر

______________________________________________________

(١) أي : بالتوفيق العرفي بين دليل نفي الضرر وأدلة الأحكام الأولية بحمل الأول على الفعلية والثاني على الاقتضاء ظهر حال توارد دليلي العنوانين الثانويين وأن التوفيق العرفي لا يجري فيهما ، بل لهما حكم آخر وهو جريان حكم التزاحم أو التعارض فيهما.

وهذا إشارة إلى المبحث الثاني وهو نسبة دليل الضرر مع أدلة أحكام العناوين الثانوية غير الضرر كالحرج والنذر واليمين والشرط ، كما إذا كان حفر بئر أو بالوعة في ملكه مضرا بجاره وتركه حرجا على نفسه ، وكما إذا كان شرب التتن مضرا بحاله وتركه عسرا عليه ، وكما إذا نذر الصلاة في مسجد معين مثلا ، وكان أداؤها فيه مستلزما للضرر ، فحينئذ يقع التهافت بين أدلة النذر والضرر والحرج ، وكل منها عنوان ثانوي ، فلا يتأتى فيها التوفيق العرفي بحمل أحدهما على الفعلي والآخر على الاقتضائي ، لتساويها في الفعلية والاقتضاء ، وكونها من قبيل الواحد لعرضيتها وعدم طوليتها حتى يوفق بينها بحمل أحدها على الفعلي والآخر على الاقتضائي. ويعامل مع دليلي العنوانين الثانويين معاملة المتعارضين ان كان المقتضي للحكم في أحدهما دون الآخر ، فيرجح ذو المزية منهما على الآخر. وعلى تقدير التكافؤ

__________________

عدم جعل الضرر في الأحكام.

وبالجملة : فحكومة «لا ضرر» بناء على المعنى الّذي اختاره الشيخ (قده) على أدلة الأحكام الأولية ثابتة ، هذا.

بل الحكومة بناء على مختار المصنف (قده) من نفي الحكم بلسان نفى الموضوع أيضا ثابتة ، لأن مفاد «لا ضرر» بناء عليه هو نفي حكم الموضوع الضرري ، ومن المعلوم أنه ناظر إلى ذلك الحكم حتى يرفعه حال عروض الضرر على ذلك الموضوع.

٥٢٧

ودليل نفي الضرر مثلا (١) ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين (٢) لو (٣) لم يكن

______________________________________________________

يتخير أو يرجع إلى ما يقتضيه الأصل في المسألة.

وان كان المقتضي له في كليهما مطلقا حتى في ظرف الاجتماع كإنقاذ الغريقين المؤمنين ـ حيث ان الملاك في إنقاذهما حتى حال الاجتماع موجود ، وعدم قدرة المكلف على إنجائهما معا مانع عن امتثال أمر كليهما ، لكون إنقاذ أحدهما حرجيا والآخر ضرريا ، لتوقفه على بذل مال كثير مضر بحاله مثلا ـ عومل معهما معاملة التزاحم من تقديم ما هو أهم ملاكا كما إذا كان أحدهما عالما عاملا على الآخر. والتخيير مع عدم إحراز أهمية الملاك في أحدهما.

(١) كالأمثلة المتقدمة من حفر البئر وشرب التتن ونذر الصلاة في مسجد معين.

(٢) من الترجيح ، أو التخيير ، أو التوقف والرجوع إلى الأصل العملي ، وضمير «معهما» راجع إلى «دليلي العارضين».

(٣) قيد لـ «فيعامل» يعني : لو لم يكن توارد دليلي العارضين من باب تزاحم المقتضيين وهما ملاكا تشريع الحكمين ، فان كانا من هذا الباب عومل معهما معاملة التزاحم ، لأنهما حينئذ من صغرياته ، ويكفي في إحراز المقتضي في كليهما إطلاق دليلي العارضين الشامل لجميع الحالات التي منها حال الاجتماع ، وهذا الإطلاق متبع إلى أن يقوم دليل من الخارج على عدم المقتضي في أحدهما حال الاجتماع ، فيعامل معهما حينئذ معاملة التعارض.

ولعل قوله (قده) : «لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين» مع ظهور كل عنوان ثانوي في كونه مقتضيا وذا ملاك للحكم وعدم المجال معه للترديد بقوله : «لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين» ناظر إلى أدلة خصوص العناوين الثانوية الواردة مورد الامتنان ، حيث انها لا تجري فيما يلزم من إجرائها خلاف الامتنان ، فدليل نفي الضرر لا يشمل المورد الّذي يلزم من جريانه فيه الحرج.

٥٢٨

من باب تزاحم المقتضيين ، وإلّا (١) فيقدم ما كان مقتضية أقوى وان كان دليل الآخر أرجح وأولى (٢).

ولا يبعد أن الغالب في توارد العارضين أن يكون من ذاك الباب (٣) ، لثبوت (٤) المقتضي فيهما

______________________________________________________

وكذا دليل الحرج قاصر عن شموله لمورد يلزم الضرر من جريانه فيه ، فلا إطلاق في دليلي هذين العارضين حتى يتمسك به لإثبات المقتضي في مورد الدوران.

وبالجملة : ان كان ترديد المصنف بين التعارض والتزاحم من جهة استلزام جريانها لخلاف الامتنان الموجب لقصور المقتضي عن الشمول لموارد الدوران فله وجه ، فتدبر.

(١) يعني : وان كانا من باب تزاحم المقتضيين قدّم ما هو الأقوى ملاكا على غيره ، لأنه المرجّح في باب التزاحم ، والأولى من صاحبه في التأثير ، كمصلحة إنقاذ العالم الورع التي أهم من مصلحة إنقاذ المؤمن الجاهل ، وأهمية الملاك مرجّحة توجب التقدم وان كان دليل الآخر بحسب الجهات المعتبرة في الحجية أولى ، وذلك لاختصاص تلك الجهات بباب التعارض ، وعدم شمولها لباب التزاحم ، فالترجيح بالسند ونحوه لا يجري في باب التزاحم.

(٢) من حيث الدليليّة ، لما عرفت.

(٣) يعني : باب التزاحم ، وغرضه من قوله : «ولا يبعد» التعرض لمقام الإثبات بعد احتمال كل من التعارض والتزاحم ثبوتا ، وقال : ان غلبة ثبوت المقتضي في توارد العارضين أي العنوانين الثانويين توجب اندراجهما في باب التزاحم وجريان أحكامه عليهما.

(٤) تعليل للغلبة المزبورة ، وحاصله : أن ثبوت المقتضي في العارضين غالبا

٥٢٩

مع (١) تواردهما ، لا من باب التعارض ، لعدم ثبوته (٢) إلّا في أحدهما كما لا يخفى.

هذا (٣) حال تعارض الضرر مع عنوان أولي أو ثانوي آخر (٤).

وأما (٥) لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه : ان الدوران

______________________________________________________

في حال تواردهما دليل على كونهما من صغريات كبرى التزاحم دون التعارض الّذي يكون المقتضي فيه في أحد الدليلين لا كليهما ، والضمير المستتر في «يكون» الّذي هو اسمه راجع إلى «توارد».

(١) متعلق بـ «لثبوت» وضميرا «فيهما ، تواردهما» راجعان إلى «العارضين» وغرضه : أن المقتضي في كل من العارضين في حال تواردهما على مورد ثابت كثبوته فيهما حال انفراد كل منهما عن الآخر ، وثبوته فيهما حال التوارد أوجب اندراجهما في باب التزاحم. وقوله : «لا من باب» معطوف على «ذاك الباب».

(٢) أي : المقتضي ، وهذا تعليل للمنفي وهو التعارض ، وضمير «أحدهما» راجع إلى «العارضين». والحاصل : أن ثبوت المقتضي في العنوانين الثانويين حال تواردهما على مورد واحد يدرجهما في باب التزاحم دون التعارض المنوط بعدم ثبوت المقتضي إلّا في أحدهما.

(٣) يعني : أن ما ذكرناه إلى الآن كان راجعا إلى علاج تعارض دليل نفى الضرر مع دليل حكم العنوان الأولي والثانوي غير عنوان الضرر من التوفيق العرفي في الأول وإجراء حكم التزاحم أو التعارض في الثاني.

وأما تعارض عنوان الضرر مع مثله ، فسيأتي الكلام فيه.

(٤) أي : عنوان ثانوي آخر غير عنوان الضرر.

(٥) يعني : لو تعارض الضرر مع ضرر آخر ، وهذا إشارة إلى البحث الثالث

٥٣٠

ان كان بين ضرري شخص واحد (١) أو اثنين (٢) (*) فلا مسرح الا

______________________________________________________

وهو ملاحظة نسبة دليل نفي الضرر مع مثله ، ويعبر عنه بتعارض الضررين ، وهو تارة يكون بين ضرري شخص واحد ، وأخرى بين ضرري شخصين ، وثالثة بين ضرر نفسه وغيره ، وسيأتي تفصيلها.

(١) هذا هو القسم الأول ، وله صورتان : إحداهما : أن يكون الضرران واردين على غير المكره ، كما إذا أكرهه الجائر على أن يأخذ قطيع غنم من زيد أو ألف دينار منه سواء كان مالية الثاني أقل من مالية القطيع بكثير أو مساوية لها أو أقل منها.

ثانيتهما : أن يكونا واردين على نفس المكره كما إذا أكره الظالم زيدا على دفع أحد شيئين من مال نفسه إليه.

(٢) هذا هو القسم الثاني ، كما إذا وجّه الظالم الضرر على اثنين آخرين غير المكره المتقدم في الصورتين الأوليين ، بحيث كان الضرر دائرا بينهما والمكره خارجا عنهما ، كما إذا أكره زيد على أن يأخذ للجائر مائة دينار مثلا من عمرو أو بكر من دون خصوصية لأحدهما ، بحيث يندفع شر الظالم بدفع المبلغ المزبور إليه من أيّ واحد منهما كان.

والمصنف (قده) جعل جميع هذه الصور من صغريات التزاحم ، نظرا إلى وجود المقتضي لجريان قاعدة الضرر فيها ، فان كان أحد الضررين أقل من الآخر قدم ذلك ، وإلّا تخير.

ثم ان المصنف (قده) وان عبّر عن تزاحم الضررين بالتعارض ، لكن من المعلوم أن مراده هو التزاحم ، لأن حكمه الّذي أفاده من «اختيار أقل الضررين لو كان وإلّا فالتخيير» هو حكم التزاحم ، لا التعارض الّذي حكمه التساقط والرجوع إلى عمومات آخر.

__________________

(*) لا يخفى أن دوران الضرر بين شخصين يشمل كل اثنين من عدم كون أحدهما

٥٣١

لاختيار أقلهما (١) لو كان ، وإلّا (٢) فهو مختار.

وأما (٣) لو كان بين ضرر نفسه وضرر غيره ، فالأظهر عدم لزوم

______________________________________________________

(١) أي : أقل الضررين لو كان أحدهما أقل ، فان هذا حكم التزاحم ، وأما بناء على كونهما من باب التعارض كما ذهب إليه الشيخ فيسقطان معا عن الاعتبار ، ويرجع إلى عمومات أخر كقاعدة السلطنة أو غيرها.

(٢) أي : وان لم يكن أحدهما أقل بأن كانا متساويين فهو مختار عقلا في الأخذ بأيهما شاء كغيره من موارد التزاحم.

(٣) هذا إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي : تعارض ضرري شخصين يكون المكره ـ بالفتح ـ أحدهما ، كما إذا أكرهه الجائر على أن يدفع إليه مائة دينار مثلا اما من مال نفسه ، أو من مال زيد. وكذا مثل الضرر الوارد على الجار بحفر المالك البالوعة في ملكه ، وعلى المالك بترك حفرها فيه ، في غير صورة ورود الضرر من الظالم

__________________

المكره ـ بالفتح ـ كما في القسم الثاني المتقدم في التوضيح ، ومن كونه أحدهما كما سيأتي في القسم الثالث ، كما يشمل الضرر الدائر بينهما الضرر المتوجه من الظالم إليهما ، وغيره كما إذا لزم من حفر بالوعة في داره ضرر على الجار ، ومن تركه ضرر على نفسه ، فان هذين الضررين وردا في عرض واحد عليهما ، ويصدق عليهما دوران الضررين بين اثنين.

والحاصل : أن ضرر نفسه وضرر غيره من مصاديق الضرر الدائر بين اثنين ، فلم يظهر وجه لذكره مستقلا.

وان أريد به ما إذا توجه إلى الغير ، كما إذا أكرهه الظالم على أخذ مال من زيد ، فهو ليس من دوران الضرر بين اثنين ، لتوجه الضرر إلى خصوص زيد ، غاية الأمر أنه أكره على أخذه من زيد.

٥٣٢

تحمله الضرر ولو كان ضرر الآخر أكثر ، فان (١) نفيه يكون للمنة على

______________________________________________________

ومحصل ما أفاده المصنف فيها هو : أن الأظهر عدم وجوب تحمله للضرر عن الغير كما نسب إلى المشهور ، بل المحكي عن المبسوط والتذكرة نفي الخلاف فيه ، وان كان ضرر صاحبه أكثر ، إذ لا تجري فيه قاعدة الضرر التي وردت مورد الامتنان ، فان جريانها في ضرر الغير يوجب تحمل الضرر عنه ، ومن المعلوم أنه لا منّة على تحمل الضرر لدفعه عن صاحبه ، فمقتضى قاعدة السلطنة جواز التصرف في ملكه وان استلزم الضرر على الغير.

وعليه فيجوز أن يحفر بئرا أو بالوعة في داره وان تضرر جاره به. وقد مثل له أيضا بما إذا أكره الجائر شخصا على التولي من قبله ، حيث انه بقبوله للولاية يتضرر المسلمون ، وبعدم قبوله لها يقع هو في الضرر ، فيتعارض الضرران ، ويرجع إلى قاعدة نفي الحرج ، فلا يجب قبول الولاية من الجائر مطلقا سواء كان الضرران متساويين ، كما إذا كان الضرر الوارد عليه من ناحية الجائر على تقدير عدم قبول الولاية مائة دينار وكان ضرر المسلمين بوسيلته مع فرض قبولها هذا المقدار أيضا ، أم كانا متفاوتين ، لفقدان شرط جريان قاعدة نفي الضرر وهو الامتنان مطلقا.

والحاصل : أن المصنف (قده) ذهب إلى أن التعارض في القسمين الأولين يكون من باب التزاحم ، وفي القسم الثالث يكون من باب التعارض.

ثم ان ما أفاده المصنف (قده) هنا من التفكيك بين ضرري شخص وشخصين بما عرفت توضيحه في الصور الثلاث تعريض بما أفاده شيخنا الأعظم (قده) من معاملة التعارض بينهما ، وان كان المستفاد من كلامه في رسالته المستقلة إجراء حكم المتزاحمين على تعارض الضررين ، ولعلنا نتعرض لما هو الحق في الرسالة المستقلة.

(١) تعليل لعدم لزوم تحمل الضرر عن الغير الناشئ عن جريان قاعدة نفى الضرر في ضرر الآخر ، إذ مقتضى نفيه عن الآخر هو تحمل الضرر عنه. ومحصل

٥٣٣

الأمة ، ولا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر وان كان أكثر.

نعم (١) (*) لو كان الضرر متوجها إليه ليس له (٢) دفعه عن نفسه

______________________________________________________

التعليل : أن قاعدة الضرر لا تجري في ضرر الغير ، لأن لازمه تحمل صاحبه عنه ، وهو خلاف الامتنان ، فلا تجري فيه وان كان ضرره أكثر. وضميرا «نفيه ، لدفعه» راجعان إلى الضرر ، والضمير المستتر في «وان كان» راجع إلى ضرر الآخر.

(١) استدراك على قوله : «فالأظهر عدم لزوم» ومحصله : أن عدم لزوم تحمل الضرر عن الغير انما هو فيما إذا كان الضرر دائرا بينهما ، وأما إذا كان الضرر متوجها إليه ابتداء فلا يجوز له دفعه عن نفسه ، وتوجيهه إلى غيره ، كما إذا أكره الظالم زيدا على أن يدفع إليه من مال نفسه مائة دينار ، وأراد أن يوجه هذا الضرر إلى غيره ويدفعه عن نفسه ، أو توجه إليه الضرر بآفة سماوية كالسيل ونحوه ، فانه ليس له دفعه إلى غيره ، بل عليه تحمل الضرر.

(٢) لأنه ظلم على الآخر ، وهو قبيح وحرام ، إذ المفروض عدم توجه الضرر إلى الغير ، فتوجيهه إليه انما هو من ناحية نفسه.

__________________

(*) الأولى تبديله بـ «اما» لظهور «نعم» في الاشتراك في الموضوع والاختلاف في الحكم ، مثل «جاء القوم إلّا زيدا» فان الاختلاف بين المستثنى والمستثنى منه انما هو في الحكم أعني المجيء مع الاشتراك في الموضوع ، وهو كونه من القوم ، بخلاف ما نحن فيه ، فان ما بعد «نعم» أجنبي عما قبله موضوعا ، لأن دوران الأمر بين ضرر نفسه وضرر غيره مخالف لتوجه الضرر إلى نفسه ، ضرورة أنه ليس من الدوران أصلا ، بل من موارد توجه الضرر أوّلا وبالذات إلى فرد خاص ، فتحمّله للضرر حينئذ ليس من تحمل الضرر عن غيره ، لعدم وروده على الغير حتى يصدق تحمله عنه.

٥٣٤

بإيراده على الآخر.

اللهم إلّا أن يقال (١) (*) : ان نفي الضرر وان كان للمنة ، إلّا أنه (٢) بلحاظ نوع الأمة ، واختيار الأقل بلحاظ النوع منه ، فتأمل (٣) ،

______________________________________________________

والحاصل : أن تحمل الضرر ليس لأجل جريان القاعدة في حق الغير حتى يقال بمعارضته بالقاعدة الجارية في ضرر نفسه ، وذلك لعدم توجه الضرر إلى الغير من ناحية الحكم الشرعي حتى يرتفع بقاعدته ، بل الضرر أوّلا وبالذات متوجه إلى نفسه ، وصاحبه أجنبي عنه. وضميرا «دفعه ، بإيراده» راجعان إلى الضرر.

والأولى أن يقال : «فليس له» لكونه من موارد لزوم اقتران الجزاء بالفاء.

(١) هذا استدراك على قوله : «ولا منّة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر» وغرضه : أنه يمكن أن يقال باندراج دوران الضرر بين شخصين ـ الّذي قلنا فيه بعدم لزوم تحمل الضرر عن الغير وان كان ضرره أكثر ، إذ لا منّة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر ، بل في تحمله حرج ومشقة ـ في تعارض ضرري شخص واحد ، ببيان أن يلاحظ مجموع الأمة بمنزلة شخص واحد ، فحينئذ يتحقق الامتنان برفع أكثر الضررين. وأما إذا لوحظ كل واحد من الأمة بالاستقلال ، كما كان ذلك مبنى قوله : «ولا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر» فلا وجه لتحمل الضرر عن الغير كما تقدم.

ثم ان ما أفاده من احتمال ملاحظة مجموع الأمة شخصا واحدا ذكره الشيخ الأعظم في الرسالة المستقلة ، لكن المصنف تأمل فيه.

(٢) أي : المنة بتأويلها بالامتنان ، وضمير «منه» راجع إلى «الأمة».

(٣) الظاهر أنه إشارة إلى فساد لحاظ مجموع الأمة شخصا واحدا بعد وضوح

__________________

(*) الأولى جعل هذا عقيب قوله : «وان كان أكثر» لأنه متمم ذلك.

٥٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كون قاعدة الضرر كسائر القواعد الشرعية ، ووضوح كون الأحكام انحلالية بحيث يكون كل واحد من الأشخاص بالاستقلال مكلفا. وعليه فلا بد من المصير إلى ما ذكره قبل ذلك من أنه لا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر ، هذا.

وتلخص مما أفاده المصنف (قده) في تعارض ضرري شخص واحد أو شخصين : أنه ان كان أحدهما أقل فهو المختار ، وإلّا فالحكم التخيير ، وفي تعارض ضرر نفسه مع ضرر غيره عدم تحمل الضرر عن الغير وان كان كثيرا ، وفي الضرر المتوجه إلى نفسه عدم إيراده على الغير.

هذا آخر ما تيسر لنا من شرح كلمات المصنف (قده) في قاعدة نفي الضرر وأوكلنا بسط الكلام في القاعدة إلى رسالة مستقلة ألحقناها بهذا الجزء. والحمد لله تعالى شأنه على هذا التوفيق ، وأسأله عزوجل أن يوفقنا لتوضيح ما بقي من المتن ، وكان ذلك في النجف الأشرف على يمن حل به في كل آن أفضل الصلوات والتحف.

٥٣٦

قاعدة

لا ضرر ولا ضرار

٥٣٧
٥٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد أنبيائه محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين. أما بعد فلما كانت قاعدة نفي الضرر من القواعد الفقهية التي يكثر البحث عنها والابتلاء بفروعها أحببت أن أتعرض لما هو المهم من جهاتها ، فنقول وبه نستعين :

ان في هذه القاعدة مبحثين : الأول في مدركها ، والثاني في مفادها.

أما المبحث الأول ، ففيه جهات ثلاث : الأولى في مستندها ، الثانية في اشتمال بعض روايات الباب على كلمة «في الإسلام» أو «على مؤمن» بعد «لا ضرر ولا ضرار» وخلو بعضها الآخر عن هاتين الكلمتين.

الثالثة : في أن جملة «لا ضرر ولا ضرار» صدرت على وجهين : أحدهما : في ذيل قصة سمرة ومنع فضل الماء ومنع فضل ماء البئر بحيث تكون كبرى لقضية خارجية ، والآخر بالاستقلال من دون جعلها كبرى لقضية خارجية ، ويقع البحث في أنه يتفاوت ذلك في الاستدلال على اعتبار القاعدة أولا ، وسيتضح ذلك إن شاء الله تعالى.

أما الجهة الأولى ففي مستند القاعدة ، وهي روايات وهاكها :

١ ـ موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ان سمرة بن جندب

٥٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، وكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبى سمرة ، فلما تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكاه إليه وخبّره الخبر ، فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبره بقول الأنصاري وما شكا ، وقال : ان أردت الدخول فاستأذن ، فأبى ، فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيع ، فقال : لك بها عذق يمد لك في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فانه لا ضرر وضرار» (١)

٢ ـ مرسلة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : ان سمرة بن جندب كان له عذق ، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار ، فكان يجيء ويدخل إلى عذقه بغير اذن من الأنصاري ، فقال له الأنصاري : يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفاجئنا عليها ، فإذا دخلت فاستأذن ، فقال : لا أستأذن في طريق وهو طريقي إلى عذقي ، قال : فشكا الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه ، فقال له : ان فلانا قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير اذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل ، فقال : يا رسول الله : أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا ، فقال : لا ، قال : فلك اثنان ، قال : لا أريد ، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق ، فقال : لا ، قال : فلك عشرة في مكان كذا وكذا ، فأبى ، فقال : خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة ، قال : لا أريد ، فقال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ، قال : ثم أمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلعت ثم رمي بها إليه ، وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انطلق فاغرسها حيث شئت» (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، كتاب إحياء الموات ، الباب ١٢ ، الحديث : ٣ ، الكافي ، ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب الضرار الحديث ٢ ص ٢٩٢

(٢) الوسائل ، ج ١٧ ، كتاب إحياء الموات ، الباب ١٢ ، الحديث : ٤ ، الكافي ، ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب الضرار الحديث ٨ ص ٢٩٤

٥٤٠