منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

أو الالتزام (١) بكون المشروط أو الموقت مطلقا (٢) معلقا (٣) ، لكنه (٤)

______________________________________________________

والحاصل : أنه يندفع الإشكال بجعل المشروط والموقت واجبا مطلقا بأن يكون الوجوب فعليا والواجب استقباليا ، وهو المسمى بالواجب المعلق.

(١) معطوف على «ذلك» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني الّذي دفع به الإشكال ، وقد مر تقريبه بقولنا : «والآخر كون الوجوب في الواجب المشروط والموقت مطلقا ... إلخ».

(٢) أي : غير مشروط بمعنى كون الشرط من قيود المادة لا الهيئة حتى يكون الوجوب مشروطا ، وعطف «الموقت» على «المشروط» من عطف الخاصّ على العام.

(٣) صفة لـ «مطلقا» يعني : أن المشروط أو الموقت من قسم الواجب المطلق المعلق ، وهو ما يكون الوجوب فيه حاليا والواجب استقباليا ، لا من قسم الواجب المطلق المنجز ، وقد تقدم المراد بالمعلق والمنجز في بحث مقدمة الواجب.

(٤) أي : لكن الواجب المطلق المعلق ... إلخ. وهذا إشارة إلى الإشكال

__________________

المحتمل ينافي المصير إلى وجوب التعلم طريقيا مع فرض أن الإيجاب الطريقي هو الإنشاء بداعي تنجيز الواقع بحيث لولاه لما صح العقاب على المخالفة.

وحيث انك قد عرفت في أدلة منع العمل بالبراءة قبل الفحص أن احتمال التكليف الإلزامي من المولى الحقيقي منجز مع جريان عادته على عدم إيصال أحكامه إلى المكلفين إلّا بالفحص عنها في مظانها ، فالحاكم باستحقاق العبد التارك للفحص للعقاب عند مخالفته للواقع لا محالة هو العقل ، وبهذا يمتنع استظهار جعل الإيجاب المولوي الطريقي للتعلم لأجل تنجيز الواقع وإبداء احتمال العقاب. وعليه فلا محالة تكون الخطابات الشرعية الآمرة بالتعلم إرشادا إلى هذا الحكم العقلي وعدم معذورية الجاهل المقصر ، لا حكما مولويا ، لعدم وقوع هذا الحكم

٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

ودفعه. أما الإشكال فهو : أن مقتضى كون الواجب المشروط والموقت مطلقا معلّقا هو وجوب إيجاد مقدماتهما الوجودية قبل حصول الشرط ودخول الوقت ، إذ المفروض إطلاق وجوبهما المقتضي لإيجاب مقدماتهما ، ومن المسلّم عندهم عدم وجوب تحصيل المقدمات قبل الشرط والوقت ، فليكن هذا التسالم دليلا على عدم كون الواجب المشروط مطلقا ، وأن الشرط وقتا كان أو غيره قيد للهيئة كما هو مقتضى القواعد العربية ، فيكون شرطا للوجوب كما هو المشهور أيضا ، فلا وجوب قبل تحقق الشرط والوقت حتى يترشح منه وجوب على التعلم.

فالنتيجة : أن الالتزام بكون المشروط واجبا مطلقا معلقا حتى يجب به التعلم ويوجب تركه استحقاق العقوبة خارج عما تقتضيه القواعد العربية ، فلا يندفع به

__________________

العقلي في سلسلة علل الأحكام حتى يصح جعل الحكم المولوي في مورده ، بل هو واقع في سلسلة معلولاتها كما لا يخفى.

ومنه يظهر : أن ما أفاده في الوجه الثالث لكون وجوب التعلم طريقيا لا يجدي لإثباته أصلا ، فان عدم استحقاق العقاب إلّا على الواقع ليس لازما لخصوص هذا الإيجاب ، وانما يجري في الوجوب الإرشادي أيضا.

وقد تحصل : أن الإيجاب النفسيّ بكلا قسميه غير ثابت ، كعدم ثبوت الإيجاب الطريقي بما أفيد.

ويستدل للوجوب الطريقي بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) ومحصله : عدم دخل وجوب التعلم والاحتياط في الملاك ، وإلّا لكان عدم الفحص بنفسه موجبا لنقصان ملاك الحكم حتى لو احتاط وأتى بجميع ما يحتمل دخله في الواجب ، والالتزام بنقصان الملاك حينئذ بلا ملزم ، فلا مصلحة في نفس التعلم حتى يكون كسائر الواجبات النفسيّة ، بل مصلحته ليست إلّا طريقيته للخطاب الواقعي

٤٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الإشكال.

وأما الدفع ، فمحصله : أن جعل هذا الوجوب في الواجب المطلق المعلق انما يكون بمثابة لا يجب تحصيل مقدماته قبل الشرط والوقت الا خصوص التعلم ، ودخل سائر المقدمات انما هو بوجودها الاتفاقي ، فان الاستطاعة مثلا بوجودها الاتفاقي مقدمة ، لا بوجودها التحصيلي كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة.

وعلى هذا ، فيكون بين المقدمات تفاوت في ترشح الوجوب من الواجب على بعضها كالفحص والتعلم ، وعدم ترشحه على بعضها الآخر كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ، فانه لا يجب تحصيلها.

وبالجملة : فإطلاق الوجوب لا يقتضي إيجاب جميع المقدمات ، بل لا بد من ملاحظة نظر المولى في كيفية دخل المقدمات ، فان كان دخلها بوجودها الاتفاقي فلا يجب تحصيلها ، وإلّا وجب ذلك. والتعلم من هذا القبيل ، فيجب قبل الشرط أو الوقت ، ويعاقب على تركه.

__________________

المجهول لا متمما لقصور شموله ، إذ الخطاب المتمم على أنحاء : فتارة يكون متمما لقصور شمول الخطاب الأولي ، ضرورة أنه قاصر عن شموله للقيود المتأخرة عنه كقصد القربة التي يمتنع أن يتكفلها الخطاب الأولي ، وكالأمر بالغسل قبل الفجر لصوم الغد ، إذ بعد كون حقيقة الصوم الإمساك عن أمور من الطلوع إلى الغروب مع الشرائط التي منها الطهارة من الحديث الأكبر ، فلا بد من إيجاب الغسل على المكلف قبل الطلوع ليمكن تطبيق خطاب الصوم على الواجد لملاكه ، وليكون الحاصل من ضم الخطابين ما يقوم به الملاك والمصلحة.

وأخرى يكون الخطاب المتمم حافظا للقدرة على استيفاء الملاك في ظرفه كما في المقدمات المفوّتة التي يوجب عدمها خروج ذي المقدمة عن قدرة العبد ،

٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وذلك كالخطاب المستكشف بالسير إلى الحج من نفس أمر الشارع بالإتيان بالمناسك في وقتها لمن استطاع إليه سبيلا ، فان المسير إليه وان لم يكن دخيلا في اتصاف المناسك بالمصلحة ، لكونها واجدة للملاك في كلنا حالتي وجود المسير وعدمه ، لكن تركه يسلب القدرة على استيفاء مصلحة الحج في الموسم ، لوضوح توقف إيجاد الحج في ظرفه للنائي على المسير ، وليس وجوبه ناشئا عن ملاك يخصه ، بل من متممات الخطاب بذي المقدمة ، وهذا بناء على إنكار الشرط المتأخر والواجب المعلق.

وثالثة يكون الخطاب الثانوي متمما لقصور محركية الخطاب الأولي ، بداهة أن الخطاب بوجوده الواقعي ليس باعثا للمكلف ومحرّكا له ، بل محركيته منوطة بالوصول إليه بعلم أو علمي. وكذا حال الأمر بالاحتياط ، فانه طريقي ، بخلافه في القسمين الأولين ، إذ وجوب الفحص والاحتياط يؤثر في إيصال الواقع إلى العبد وتنجيزه في حقه ، ولا دخل لوجوب التعلم في نفس الملاك ولا في القدرة على استيفائه ، لإمكان إحراز الملاك عملا بالاحتياط.

وعليه ، فالحق كون وجوب التعلم طريقيا للحكم الواقعي المجهول للتحفظ عليه ، والقول بوجوبه نفسيا حتى يكون العقاب على تركه دون ترك الواقع خال عن الدليل. ومن هذا القبيل الأوامر المتعلقة بالطرق والأمارات والبناء على اليقين السابق في الاستصحاب ووجوب الاحتياط شرعا.

وبوضوح الفرق بين أنحاء الدخل ظهر أن قياس شيخنا الأعظم (قده) لوجوب التعلم على مسألة وجوب حفظ القدرة أو تحصيلها غير ظاهر ، لما عرفت من اختلاف سنخي الوجوبين.

٤٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هذا توضيح مرام الميرزا (قده) في دفع الإشكال في الواجبات المشروطة على ما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) في مجلس الدرس.

أقول : ما حققه في أنحاء دخل الخطاب المتمم وفي الوجوب الطريقي متين لا غبار عليه. ولا يرد عليه إشكال شيخنا المحقق العراقي (قده) من «أن الأمر الطريقي هو ما يكون بحسب لب الإرادة في فرض الموافقة عين الإرادة الواقعية ويكون موضوعه عين موضوعها ... ومن المعلوم بالضرورة مباينة الأمر بتعلم حكم الصلاة مثلا مع الأمر بالصلاة لاختلاف موضوعهما» (١) وذلك لأن المعتبر في الإيجاب الطريقي هو الإنشاء المولوي بداعي تنجيز الواقع ، ولا ملاك في متعلقه ، كوجوب تصديق العادل وحرمة نقض اليقين بالشك والأمر بالاحتياط على القول بشرعيته لا إرشاديته ، ودعوى لزوم وحدة المتعلق بلا بينة حتى يمتنع جعل الأمر بالفحص طريقيا.

نعم قد يشكل كلام الميرزا (قده) بما أوردناه على تلميذه المحقق مد ظله ، بيانه : أنه قبل أسطر من هذا البحث جعل مسألة وجوب الفحص عن الأحكام بمناط وجوب النّظر في معجزة من يدعي النبوة كما صنعه شيخنا الأعظم (قده) قال مقرر بحثه الشريف : «بل وجوب الفحص عن الأحكام الشرعية يكون من صغريات وجوب الفحص عن معجزة من يدعي النبوة بعد التفاته إلى المبدأ الأعلى ، ولا إشكال في استقلال العقل بذلك ، وإلّا لزم إفحام الأنبياء» ومقتضى هذا البيان اندراج مسألة وجوب التعلم في كبرى حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل ، حيث ان المصحح للمؤاخذة على تقدير المخالفة هو نفس احتمال التكليف الإلزامي

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ج ٣ ، ص ٤٧٧

٤٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وفي مثله يسقط المورد عن قابلية الحكم المولوي ، ضرورة أن الإيجاب الطريقي المدعى هو المنشأ لاستحقاق العقوبة ، لا ما كان العقاب محتملا مع الغض عن هذا الإيجاب. وبعد وضوح التنافي بين الأمرين لا وجه لاستظهار الوجوب الطريقي.

ويستدل للوجوب المولوي الغيري بما في المتن وفاقا لشيخنا الأعظم. لكن يشكل ذلك بأن المقدمة اما مقدمة الوجوب أو الوجود أو العلم ، والمعرفة بأحكام الله تعالى ليست مقدمة وجوبية لبرهان الدور أو الخلف.

كما لا ينطبق ضابط المقدمة الوجودية عليها ، لعدم مساوقة الجهل للعجز عن الامتثال ، وإلّا لبطل الاحتياط مع فرض عدم التزام القائل به. وإحراز وجه الأفعال من الوجوب والاستحباب غير لازم في مقام الإطاعة حتى يناط بالفحص والتعلم لعدم اعتبار التمييز في العبادات. ومع تسليمه فالوجه مختص بالعبادات ، ومورد النزاع أعم منها ، إذ الدعوى وجوب تعلم تمام الأحكام حتى التوصليات. نعم العلم بموضوعات الأحكام ومتعلقاتها كالقراءة في الصلاة ونحوها مقدمة وجودية ، لكنه خارج عن مفروض الكلام أعني تعلم الأحكام. ويزيد في الإشكال في خصوص الواجبات المشروطة بناء على ما اختاره المصنف من رجوع الشرط إلى الهيئة ، حيث انه لا فعلية للخطاب قبل الشرط حتى يترشح الوجوب على مقدمته التي هي علة لوجود الواجب.

هذا كله بناء على تسليم الملازمة بين وجوب المقدمة وذيها واستكشاف خطاب شرعي بها. وأما مع إنكارها وكون لزوم الإتيان بالمقدمة لأجل اللابدية العقلية لامتثال الخطاب بذي المقدمة ، فالمنع عن إيجاب التعلم غيريا أوضح وجها. هذا لو أريد بالوجوب الغيري ما هو بمناط المقدمية.

وان أريد به الوجوب الغيري الاستقلالي كما لعله المراد من آخر كلامه هنا

٤٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وصريحه في بحث مقدمة الواجب من قوله : «لكنه لا بالملازمة ، بل من باب استقلال العقل بتنجز الأحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها» فان أريد به الوجوب الطريقي فيرده ما تقدم في الاستدلال عليه. مضافا إلى أن هذا الوجه العقلي انما يمنع الرجوع إلى البراءة قبل الفحص ، ولا يقتضي لزوم تعلم الأحكام ، فله الاحتراز عن مخالفة الأحكام بالاحتياط.

وقد ظهر بما ذكرنا أن وجوب الفحص ليس حكما مولويا بأقسامه من الطريقي والنفسيّ والغيري. كما أنه ليس شرطيا بمعنى اشتراط حجية أدلة الأحكام والأصول النافية بالفحص ، لعدم أثر من الشرطية في الأخبار الآمرة بالتعلم ، فلا محالة يكون الأمر به في الروايات إرشادا إلى حكم العقل بعدم معذورية الجاهل الملتفت المفوت لأغراض المولى بتركه الفحص عنها ، إذ مثله يتعين عليه تعلمها أو العمل بالاحتياط. وقد تقدم في بحث البراءة كون أخبار الاحتياط إرشادا إلى حسنه العقلي وليس فيها جهة مولوية.

نعم يمكن الالتزام بوجوب التعلم غيريا على الجاهل الملتفت الّذي لو أدى ترك الفحص قبل الوقت والشرط إلى الغفلة عن الحكم والمتعلق وخصوصياته بعد تحقق الشرط ودخول الوقت وتعذر عليه الامتثال حتى الاحتياطي منه ، وذلك بمناط المفوتية كما يتصور ذلك بالنسبة إلى كثير من أهل البوادي والقرى الذين لم يتعلموا شرائع الإسلام فغفلوا ـ بسوء اختيارهم ـ لأجله عن كثير من الواجبات والمحرمات ، فيجب الفحص لاستكشاف خطابات بها من نفس الأغراض التامة الكامنة في الأفعال المشروطة والموقتة ، إذ لولاه لصار مسلوب القدرة على المتعلق في ظرفه كما في تفويت الحج في الموسم بترك المسير إليه.

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وكذا لو قيل بتعدد مراتب الإطاعة وتقدم الامتثال التفصيليّ على الإجمالي في صحة العبادة ، فانه حتى مع تمكنه من الاحتياط ومعرفته بكيفيته يجب عليه التعلم قبل حصول الشرط. لكن على المختار من عرضية مراتب الإطاعة لا يتعين عليه التعلم ، لفرض القدرة على الامتثال بأحد أنحائه في مورد الابتلاء به.

وما ذكرناه من وجوب المقدمة غيريا لحكم العقل بمناط التفويت غير ما تقدم من إنكاره بمناط المقدمة الوجودية التي تتوقف على أمرين : أحدهما فعلية خطاب ذي المقدمة ، فلا يجري في المشروط والموقت الّذي ليس لهما وجوب فعلي قبل الشرط والوقت. وثانيهما الالتزام بالوجوب الغيري المولوي بقاعدة الملازمة كما عرفت.

بقي الكلام في صحة عمل الجاهل الملتفت التارك للفحص وفساده بعد كون الصحة والفساد موافقة العمل للواقع ومخالفته له من دون مدخلية لموافقة الطريق ومخالفته له ، وانما الطريق محرز للواقع ، فإذا انكشف خطاؤه اندرج العمل المطابق له في المأمور به بالأمر الظاهري الّذي انكشف خلافه ، فلو أتى الجاهل قبل الفحص بعبادة كالصلاة بدون السورة ، أو عقد بالفارسية مع تردده في موضوعيته للأثر الشرعي اعتمادا على أصالة البراءة من جزئية السورة وشرطية العربية ، وتبيّن مطابقة ما أتى به للواقع ، فلا بد من الحكم بالصحّة والاجزاء ، إلّا أن اعتبار قصد التقرب في العبادة يوجب الحكم بالبطلان ، لعدم تمشي قصده منه مع تردده ، قال شيخنا الأعظم : «أنه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة كأن صلى بدون السورة ، فان كان حين العمل متزلزلا في صحة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال فلا شك في الفساد».

٤٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ودعوى كفاية مطلق الإضافة إليه تعالى في حصول التقرب ، فينبغي الحكم بالصحّة في الفرض مندفعة بأنه وان كان كذلك ، إلّا أن إضافة العمل إليه تعالى مع تردده في تعلق الأمر به وبنائه على الاقتصار عليه لا تتحقق أصلا ، لأن معنى الإضافة إليه تعالى هو كون العمل له عزوجل على كل حال ، ومن المعلوم عدم حصول ذلك مع التزلزل المزبور والبناء على الاقتصار عليه. نعم نلتزم بصحة عبادة الجاهل الغافل عن جزئية السورة ، لتمشي قصد القربة منه.

وقد يناقش فيما ذكره شيخنا الأعظم (قده) هنا وفي التنبيه الثاني من الشبهة الوجوبية بمنافاته لما أفاده في رابع تنبيهاتها بقوله : «لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي أجزأ عنها ، لأنه صلى الصلاة الواقعية قاصدا للتقرب بها إلى الله» لاقتضاء إطلاق حكمه باجزاء المأتي به عن الواقع عدم الفرق بين قصد إتيان المحتمل الثاني قبل الشروع في الأول وبين قصده في أثناء الأول وبين قصده بعد إتمام الأول قبل انكشاف المطابقة.

لكن يمكن منع المنافاة بإنكار إطلاق حكمه بالاجزاء ، وذلك لأنه قال بالاجزاء من جهة قصد التقرب بالمأتي به ، وأما ما يتحقق به هذا القصد فلم يذكره هنا ، وانما ذكره في التنبيه الثاني من لزوم البناء والعزم على إتيان سائر المحتملات من أول الأمر ، فلو قصد الاقتصار على فعل بعض المحتملات كذلك لم يكن مجزيا عن الواقع حتى مع انكشاف موافقته له ، لفرض عدم تمشي قصد القربة منه بنظر الشيخ (قده) ، وعليه فلا تهافت بين كلاميه ، هذا في العبادات.

وأما المعاملات بالمعنى الأعم من العقود والإيقاعات ، فقد يتوهم فسادها ، لأن الجاهل التارك للفحص من جهة الشك في ترتب الأثر العملي على ما ينشئه

٤٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لا يتأتى منه قصد الإنشاء ، فلا مقتضي لصحتها.

وقد دفعه شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «ان قصد الإنشاء انما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة وهو الانتقال في البيع والزوجية في النكاح ، وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشك فيه ، ألا ترى أن الناس يقصدون التمليك في القمار وبيع المغصوب وغيرهما من البيوع الفاسدة» وحاصله : أن الإنشاء لا يتعلق إلّا بما هو مقدور للمنشئ ، ومن المعلوم أن إيجاد مضمون العقد اعتبارا من الزوجية والملكية ونحوهما مقدور له ، فينشئه بلا مانع. وأما حكم الشارع بترتب الأثر فليس مقدورا له حتى ينشئه.

إلّا أن يقال بما أفاده بعض المدققين (قده) من أنه كذلك لو كان المنشأ بصيغ العقود والإيقاعات أو بالفعل فيها ما يعتبره المنشئ ويبرزه بمبرز من قول أو فعل مع الغض عن إمضاء الشارع له. وأما إذا كان تحقق الأمر الاعتباري في صقع الاعتبار متوقفا حقيقة على قصد التسبب بآلة الإنشاء إلى ما هو المؤثر بنظر العرف والشرع ، لا ما يعتبره المنشئ بنفسه مع الغض عن إمضائه شرعا وعرفا ، فمع الشك والترديد في دخل العربية مثلا في موضوعية الإنشاء لترتب الآثار عليه لم يتأت في النّفس قصد تحقق ذلك الأمر الاعتباري بالصيغة الفارسية مثلا. وعليه فيشكل الحكم بصحة المعاملة من الجاهل بما هو شرط فيها ، لمرجعية أصالة الفساد فيها ، والتفصيل بين العبادة والمعاملة حينئذ غير وجيه.

لكن الظاهر متانة كلام الشيخ في حقيقة الإنشاء ، وكفاية قصد مضمون الصيغة مما أوجده في وعاء الاعتبار بلا دخل لكونه موضوعا للأثر شرعا ، وإلّا لزم الحكم ببطلان إنشاء ما علم عدم كونه بمجرده موضوع الأثر شرعا كعقد الفضولي والمكره

٤٣٠

قد (*) اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية (١) عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم (٢) (**) فيكون الإيجاب حاليا (٣)

______________________________________________________

(١) دون الوجوبية ، لأنها شرائط نفس الوجوب ومقدمة رتبة عليه ، فيمتنع ترشح الوجوب المتأخر عنها عليها ، و «عقلا» قيد لـ «تتصف» و «بالوجوب» متعلق به أيضا.

(٢) هذا استثناء من «مقدماته» يعني : لا تتصف مقدماته الوجودية بالوجوب إلّا التعلم.

(٣) يعني : لا يكون الشرط قيدا للهيئة حتى يكون الوجوب منوطا به ، بل هو قيد للمادة ، فالوجوب حالي والواجب استقبالي ، ومن المعلوم اقتضاء الوجوب

__________________

والصبي ، إذ موضوعه هو العقد المتعقب بالإجازة والرضا وإمضاء الولي ، فإنشاء نفس تلك العقود بقصد ترتب الأثر الشرعي عليها مع العلم بعدم كونها مما يترتب عليها الأثر بدون ما يلحقها من الإجازة والرضا وإمضاء الولي لغو لا يترتب عليه شيء ، بل لا يتأتى إنشاؤها ، ولازمه عدم فائدة في تعقبها بالإجازة ونحوها ، مع أنه (قده) لا يلتزم به.

(*) لكنه لا يثبت إلّا إمكان كون الواجب من قبيل الواجب المطلق المعلق ، وهو لا يدل على الوجود ، ومن المعلوم أن مجرد الإمكان لا يدفع الإشكال خصوصا إذا كان ما هو ظاهر الكلام على خلافه ، وقد ثبت أن مقتضى القواعد العربية كون الشروط قيودا للهيئة لا المادة.

(**) عدّ التعلم من المقدمات الوجودية لا يخلو من المسامحة ، وذلك لعدم توقف وجود الواجب عليه حتى يترشح عليه وجوب غيري ، بداهة إمكان تحقق الواجب بالاحتياط في ظرف الشك ، فلا يتوقف وجود الواجب على العلم به حتى يجب التعلم لأجل المقدمة الوجودية ، فلا بد أن يكون وجوبه بوجه آخر.

٤٣١

وان كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه (١) ولا غير التعلم من مقدماته (٢) قبل شرطه أو وقته (٣).

وأما (٤) لو قيل بعدم الإيجاب إلّا بعد الشرط والوقت كما هو (٥) ظاهر الأدلة وفتاوى المشهور ، فلا (٦) محيص

______________________________________________________

الحالي لوجوب مقدماته.

(١) يعني : الشرط الّذي يكون بوجوده الاتفاقي دخيلا كالاستطاعة ، فانه لا يترشح من الواجب وجوب غيري عليها. نعم لو لم يكن دخله بهذا النحو كان مقتضى قيديته للواجب وجوب تحصيله.

(٢) أي : الواجب المطلق المعلق ، وضميرا «مقدماته ، شرطه» راجعان إليه أيضا.

(٣) هذا الضمير وضمير «شرطه» راجعان إلى الواجب الاستقبالي.

(٤) غرضه : أنه لو نوقش في الوجه الثاني ـ وهو كون الواجب المشروط والموقت مطلقا معلقا حتى يجب التعلم غيريا بعدم الوجوب إلّا بعد الشرط والوقت كما هو مقتضى كون الشرط قيدا لنفس الوجوب وفتاوى المشهور ، حيث انهم أفتوا بعدم وجوب مقدمات الواجب المشروط والموقت قبل الشرط والوقت ـ فيتعين دفع إشكال استحقاق العقوبة فيهما بكون وجوب التعلم نفسيا لتكون المؤاخذة على تركه ، لا على ترك الواقع.

(٥) أي : عدم الإيجاب ظاهر الأدلة المتضمنة للشرط والوقت ، كقوله تعالى : «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله» فان النداء المراد به زوال يوم الجمعة شرط لوجوب السعي.

(٦) جواب «وأما» وهو كالصريح في تعين دفع إشكال العقوبة في الواجب

٤٣٢

التعلم نفسيا (١) لتكون العقوبة لو قيل بها (٢) عن الالتزام (*) بكون وجوب

______________________________________________________

المشروط والموقت بالالتزام بنفسية وجوب التعلم.

(١) يعني : لا غيريا ترشّحيا ، لعدم إطلاق الوجوب لذي المقدمة قبل الشرط والوقت حتى يترشح منه وجوب غيري على التعلم ، مع أن الوجوب الغيري لا توجب مخالفته استحقاق العقوبة.

(٢) أي : بالعقوبة ، والأولى «ليكون استحقاق العقوبة» كما عبّر به قبل أسطر إذ ليس الكلام في العقوبة الفعلية بل في استحقاقها.

وقوله : «لو قيل بها» إشارة إلى أحد الأقوال الثلاثة المتقدمة في استحقاق العقوبة ، وهو القول بكون استحقاقها على ترك التعلم نفسه في قبال القولين الآخرين ، وهما استحقاقها على ترك الواقع وترك التعلم من حيث أدائه إلى ترك الواقع.

__________________

(*) بل هنا وجه آخر للتخلص عن الإشكال كتعرض له شيخنا الأعظم (قده) وأشار إليه المصنف (قده) في حاشيته المتقدمة بقوله : «إلّا أن يقال بصحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت عند العقلاء ... إلخ» ومحصله : استقرار بناء العقلاء على استحقاق تارك الواجبات المشروطة والموقتة للعقوبة لأجل ترك التعلم قبل الوقت والشرط ، كاستحقاق تارك الواجبات المطلقة لها ، ولا يفرّقون في الاستحقاق المزبور بين المطلقة والمشروطة ، وهذا البناء مما لم يردع عنه الشارع مع إمكان الردع عنه ، وعدم الردع في مثله كاف في الإمضاء.

ثم ان هذا البناء من العقلاء لا يختص بالتعلم ، بل يجري في سائر المقدمات التي لو لم يؤت بها قبل حصول الشرط ودخول الوقت لفات الواجب في ظرفه.

وبالجملة : تفويت الغرض الملزم والإخلال به لتعجيز العبد نفسه عن القيام بالواجب سواء كان مطلقا أم مشروطا قبيح عند العقلاء ، وهذا الملاك جار في جميع المقدمات التي يوجب فواتها فوت الواقع. وعليه فالتعلم واجب عقلا ، لا شرعا كما أفاده العلمان الأردبيلي وصاحب المدارك (قدهما).

٤٣٣

على تركه لا على ما أدى إليه من (١) المخالفة ، ولا بأس به (٢) كما لا يخفى. ولا ينافيه (٣) ما يظهر من الأخبار من كون وجوب التعلم

______________________________________________________

ولعل الأولى تقديم «على تركه» بأن يقال : «لتكون العقوبة على تركه لو قيل بها» فاستحقاقها مترتب على نفس ترك الفحص والتعلم والعمل بأصالة البراءة قبلهما سواء صادف تركهما ترك الواقع أم لا. وضمير «تركه» راجع إلى التعلم. وقوله : «لا على» عطف على «تركه».

(١) بيان لـ «ما» الموصول ، وضمير «إليه» راجع إلى الموصول ، والمستتر في «أدى» راجع إلى «تركه».

(٢) يعني : ولا بأس بالالتزام بالوجوب النفسيّ للتعلم في دفع الإشكال في الواجب المشروط والموقت ، لكون العقوبة حينئذ على الواجب النفسيّ.

(٣) يعني : ولا ينافي وجوب التعلم نفسيا ما يظهر من الأخبار ... إلخ. وغرضه تأييد مذهب الأردبيلي وسيد المدارك (قدهما) من كون التعلم واجبا نفسيا ، ودفع ما يتوهم من منافاته لظاهر الأخبار. ومحصل تقريب التوهم هو : أن الالتزام بالوجوب النفسيّ للتعلم مناف لظاهر أدلة وجوب التعلم ، حيث ان ظاهرها وجوبه للعمل ، فيكون وجوبه للغير ، كوجوب سائر المقدمات ، وليس وجوبه لنفسه ، فكيف التوفيق بين هذا الظاهر والوجوب النفسيّ؟ هذا.

وملخص دفع هذا التنافي هو : أن الوجوب للغير مغاير للوجوب بالغير ، فان الواجبات النفسيّة كلها واجبات للغير ، بمعنى أن وجوبها نشأ من الملاكات الداعية إلى إيجابها ، فالصلاة وجبت للغير وهو ملاكها كالنهي عن الفحشاء ، والوجوب بالغير هو الوجوب المترشح من وجوب آخر ، والأول واجب نفسي ، والثاني واجب غيري كمقدمات الصلاة. وقد تقدم آنفا أن الواجب التهيئي هو

٤٣٤

انما هو لغيره (١) لا لنفسه ، حيث (٢) ان وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون (٣) مقدميا ، بل للتهيؤ لإيجابه (٤) ، فافهم (٥).

______________________________________________________

ما وجب للتهيؤ لتشريع واجب.

وبالجملة : فالوجوب الغيري المقدمي غير الوجوب النفسيّ التهيئي.

(١) أي : لغير التعلم وهو العمل في الرواية التي أشير إليها ، وهي قوله عليه‌السلام : «قيل له : هلّا تعلمت حتى تعمل».

(٢) هذا وجه دفع المنافاة ، وقد عرفت تقريبه بقولنا : «وملخص دفع التنافي هو : أن الوجوب للغير .. إلخ» وضمائر «وجوبه ، لغيره ، كونه وجوبه ، غيره» راجعة إلى التعلم.

(٣) بالفتح ، يعني : حتى يكون التعلم واجبا مقدميا بأن ينشأ وجوبه عن وجوب غيره.

(٤) أي : لإيجاب الغير ، وهذا هو الوجوب النفسيّ التهيئي ، لأنه كما مر سابقا عبارة عن التهيؤ لإيجاب شيء على المكلف ، وقوله : «بل للتهيؤ» عطف على «لا يوجب» يعني : بل وجوبه للتهيؤ لإيجاب الغير.

(٥) يمكن أن يكون إشارة إلى وجوه لعل أوجهها إباء حمل نصوص وجوب التعلم على النفسيّ التهيئي الّذي وجّه به شيخنا الأعظم كلام العلمين الأردبيلي وسيد المدارك (قدهما) ضرورة أن قولهم عليهم‌السلام في بعضها : «هلّا تعلمت حتى تعمل» كالصريح في كون التعلم مقدمة للعمل في الخارج ، لا مقدمة لوجوب العمل حتى يكون وجوب التعلم نفسيا تهيئيا له لا غيريا لوجوده كما لا يخفى. فان كان وجوبه تهيئيا كان التعبير هكذا : «هلا تعلمت حتى يجب أن تعمل».

٤٣٥

وأما الأحكام (١) فلا إشكال في وجوب الإعادة (*) في صورة

______________________________________________________

وبالجملة : لا تدل نصوص وجوب التعلم على وجوبه النفسيّ التهيئي ، فإما تدل على وجوبه الغيري ، وإما على وجوبه الطريقي ، ولا يترتب استحقاق العقوبة على شيء منهما. وقد مرت الإشارة إلى الإشكال في وجوبه الغيري ، لعدم كون التعلم مقدمة وجودية للواجب ، بل هو مقدمة للعلم بوجوده ، فليس وجوب التعلم إلّا وجوبا طريقيا.

فما أفاده الشيخ (قده) من كون وجوبه غيريا بعد عدوله عن الوجوب النفسيّ التهيئي بقوله : «لكن الإنصاف ظهور أدلة وجوب العلم ـ يعني به التعلم ـ في كونه واجبا غيريا» لا يخلو من الغموض ، لما عرفت من عدم كون التعلم مقدمة وجودية للواجب حتى يجب بالوجوب الغيري المقدمي. مضافا إلى عدم اقتضاء الإيجاب الغيري لاستحقاق العقوبة. هذا تمام الكلام في المقام الأول المعقود لبيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من استحقاق العقوبة.

(١) هذا هو المقام الثاني المتكفل لحكم العمل بالبراءة قبل الفحص والتعلم ، وقوله : «أما الأحكام» معطوف على «أما التبعة» المذكور بعد قوله : «ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام».

ولا يخفى أن الأولى التعبير بـ «الحكم» كما عبر به الشيخ الأعظم (قده) بقوله : «وأما الكلام في الحكم الوضعي وهي صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده ، فيقع

__________________

(*) الأولى أن يقال : «فلا إشكال في الفساد في صورة المخالفة» فان وجوب الإعادة ليس إلّا بقاء الأمر الأول المستند إلى عدم امتثاله الّذي هو أعم من عدم الإتيان بالمأمور به رأسا ، أو الإتيان به على غير وجهه. مضافا إلى عدم كون وجوب الإعادة حكما وضعيا ، والوضعي هو الفساد ، فحق العبارة أن تكون هكذا : «فلا إشكال في الفساد مع المخالفة مطلقا عبادة كان أو معاملة».

٤٣٦

المخالفة ، بل في صورة الموافقة أيضا (١) في العبادة فيما لا يتأتى

______________________________________________________

الكلام فيه تارة في المعاملات وأخرى في العبادات ... إلخ» إذ المقصود هنا هو بيان الحكم الوضعي فقط أعني الصحة أو الفساد ، وهو حكم واحد ، وليس هنا حكم تكليفي مترتب على العمل بسبب ترك الفحص غير حكمه الواقعي الثابت له مطلقا سواء تفحص عنه أم لم يتفحص.

وكيف كان فمحصل ما أفاده في حكم العمل بالبراءة قبل الفحص والتعلم : أن المدار في صحة العمل وفساده هو الموافقة للواقع والمخالفة له مطلقا سواء أكان عبادة أم معاملة ، غاية الأمر أنه ان كان عبادة فقد اعتبر في صحته مضافا إلى المطابقة للواقع نشوه عن قصد القربة ، فمع قصدها ولو رجاء صح ولا يحتاج إلى الإعادة ، وبدون قصدها لا يصح وتجب إعادته وان كان مطابقا للواقع.

وان كان معاملة فلا يعتبر في صحتها غير الموافقة له.

فالمتحصل : أن العمل العبادي يصح في صورة واحدة وهي الموافقة للواقع مع حصول قصد القربة لغفلة أو لرجاء إدراك الواقع ، والبناء على تداركه مع تبين الخلاف ، ويفسد في صورتين : إحداهما مخالفته للواقع ، والأخرى موافقته له بدون قصد القربة ، وان كان رجوع كلتا الصورتين إلى صورة واحدة وهي المخالفة للواقع الّذي هو في العبادات العمل مع القربة.

(١) يعني : كعدم الإشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة للواقع في خصوص العبادة ، لفقدان شرط صحتها وهو قصد القربة ، كما إذا احتمل جزئية السورة مثلا للصلاة ، أو مانعية اللباس المشكوك لها ، فانه مع هذا الاحتمال وعدم الإتيان بالسورة رجاء وعدم البناء على الإعادة مع انكشاف الخلاف لا يتأتى منه قصد القربة ، للشك في صلاحية هذا العمل للمقرّبية. والتقييد بالعبادة لوضوح عدم اعتبار قصد القربة في التوصليات حتى يقدح عدم تمشيه في عبادية العمل.

٤٣٧

منه قصد القربة (١) ، وذلك (٢) لعدم الإتيان بالمأمور به (٣) مع عدم دليل على الصحة والاجزاء ، الا (٤) في الإتمام في موضع القصر ، أو الإجهار أو الإخفات في موضع الآخر ، فورد في الصحيح (٥) (*)

______________________________________________________

(١) كمثال احتمال جزئية السورة على ما عرفت آنفا ، فيبطل العمل العبادي ، لاختلال شرطه وهو قصد القربة.

(٢) تعليل لعدم الإشكال في وجوب الإعادة في صورتي المخالفة للواقع والموافقة له مع فقدان قصد القربة ، وهذه العلة مشتركة بين صورتي الموافقة للواقع بدون قصد القربة والمخالفة له ، وقوله : «مع عدم دليل على الصحة» تعليل لصورة الإتيان بالعمل فاقدا لبعض شرائطه ، وحاصله : أنه إذا أتى بالمأمور به ناقصا صدق أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فهو فاسد ، إلّا إذا دل دليل على صحته وعدم لزوم إعادته ، وهذا الدليل مفقود إلّا في موضعين أحدهما الإتمام في موضع القصر ، والآخر الجهر أو الإخفات في موضع الآخر على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى.

(٣) الأولى إضافة «على وجهه» إليه ، لما مرّ منه في بحث التعبدي والتوصلي من دخل قصد القربة في الغرض وعدم تكفل نفس الخطاب لاعتباره في العبادة ، وعليه فالمراد بقوله : «في صورة الموافقة» هو الموافقة لذات العبادة ما عدا قصد القربة ، فلا يتوهم التهافت بين صدر الكلام وذيله.

(٤) استثناء من قوله : «مع عدم دليل على الصحة».

(٥) أما الصحيح الدال على الأول فهو صحيح زرارة ومحمد بن مسلم : «قالا قلنا : لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال عليه

__________________

(*) مقتضى إطلاق الصحيحين صحة الصلاة مع الجهل المركب والبسيط

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام : ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد. وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه» (١).

__________________

الّذي هو مجرى أصالة البراءة ، وكذا الجهل القصوري والتقصيري ، ومن المسلم أن هذا الإطلاق ليس مورد فتوى المشهور ، ضرورة أنه مع الجهل مطلقا مع عدم تمشّي قصد القربة لم يفت أحد بصحة الصلاة ، فلا بد من تقييد إطلاق الجهل فيهما بصورة حصول نية القربة ، وهو يتحقق مع الغفلة ، أو مع الإتيان رجاء ، والإعادة على تقدير المخالفة للواقع ، وهاتان الصورتان أجنبيتان عن مورد البحث وهو الشاك العامل بالبراءة قبل الفحص مع التمكن منه ، إذ مورد البراءة هو الشك الفعلي المنفك عن الالتفات والتحير المضاد للغفلة واعتقاد الخلاف اللذين هما مورد فتوى المشهور بصحة عمل الجاهل.

فقول المصنف (قده) : «وقد أفتى به المشهور» صحيح في هاتين الصورتين ، لكنهما غير ما هو محل الكلام من العمل بالبراءة قبل الفحص ، فلا بد من فرض البحث في العمل بالبراءة قبل الفحص فيما إذا طرأ الغفلة حين العمل العبادي أو اعتقد الخلاف أو أتى به رجاء حتى يتمشى منه قصد القربة ويصير مما أفتى به المشهور من صحة عمل الجاهل ، وإلّا فمع فرض الشك الفعلي الملازم للالتفات الّذي هو مجرى البراءة يمتنع فرض صحة العبادة ، لامتناع تمشي قصد القربة الّذي هو مقوم عبادية العبادة.

والغرض من هذا التفصيل التنبيه على أن مورد فتوى المشهور مغاير للعمل بالبراءة قبل الفحص إلّا بهذا التوجيه الأجنبي عن مورد البراءة ، إلّا الصورة الثالثة وهي الإتيان بالعبادة رجاء ، والبناء على إعادتها مع انكشاف الخلاف.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، ص ٥٣١ ، الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث : ٤

٤٣٩

وقد أفتى به المشهور (١) صحة (٢) الصلاة وتماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا ولو كان (٣) عن تقصير موجب (٤) لاستحقاق العقوبة على

______________________________________________________

وأما الصحيح الدال على الثاني ، فهو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال عليه‌السلام : أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري ، فلا شيء عليه ، وقد تمت صلاته» (١).

فان هذين الصحيحين يدلان على صحة الصلاة التامة في موضع القصر الّذي هو المأمور به ، وصحة الصلاة التي أجهر فيها في موضع الإخفات ، وبالعكس ، ولو لا هذان الصحيحان لكان مقتضى القاعدة البطلان ، لعدم كونها مأمورا بها.

(١) غرضه : إثبات حجية الصحيحين المذكورين ، وعدم كونهما من الصحاح المعرض عنها عند المشهور حتى يسقطا بسبب الاعراض عن الحجية ، بل من المعمول بها عندهم.

وبالجملة : فالمقتضي للحجية فيهما وهو صحة السند موجود ، والمانع عنها وهو إعراض المشهور مفقود ، وعليه فلا إشكال في اعتبارهما وصحة الاعتماد عليهما.

وضمير «به» راجع إلى «الصحيح».

(٢) فاعل «فورد» وقوله : «وتماميتها» معطوف على «صحة» وضميرها راجع إلى «الصلاة».

(٣) بيان لقوله : «مطلقا» يعني : ولو كان الجهل عن تقصير في الفحص والسؤال.

(٤) صفة لـ «تقصير» و «لاستحقاق» متعلق به.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ ، ص ٧٦٦ ، الباب ٢٦ من أبواب القراءة ، الحديث : ١

٤٤٠