منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

كالإنسان وعامه كالحيوان (١) ، وأنه (٢) لا مجال هاهنا للبراءة

______________________________________________________

(١) المراد بالعامّ والخاصّ هنا هو العام المنطقي كالحيوان والخاصّ المنطقي كالإنسان كما مثل بهما في المتن ، وهذا إشارة إلى موارد الدوران بين التعيين والتخيير كما إذا أمر المولى بإطعام حيوان وشك في دخل خصوصية الإنسانية فيه.

والوجه في كونه مثالا للتعيين والتخيير هو : أن الحيوان حيث لا تحقق له خارجا وذهنا بدون فصل من فصوله ، لأنه علة لوجود ماهية الجنس ، ولذا لا يكون عروض الوجود لها كعروض الاعراض لموضوعاتها ، بل عروضه لها مجرد التصور مع اتحادهما هوية ، وأن الوجود لها من قبيل الخارج المحمول ، فمرجع الشك فيه إلى أنه أمر بإطعام حيوان مخيرا بين فصوله ، أو معينا في فصل الناطقية مثلا وقد يمثل له شرعا بدوران مطلوبية مطلق الذّكر في الركوع والسجود أو خصوص التسبيحة.

(٢) عطف تفسيري لقوله : «حال دوران» وضمير «انه» للشأن.

__________________

غير سديد ، لمنجزية الاحتمال أيضا في الشبهات الحكمية قبل الفحص ، وبعد الفحص لا بد في رفع منجزية الاحتمال من الاستناد إلى أدلة البراءة ، وإلّا لزم الاحتياط وعدم الاقتحام في الشبهة تقديما لأدلته على ما دل على البراءة كما ذهب إليه المحدثون في الشبهة التحريمية الناشئة من فقد النص.

وبالجملة : فما لم ترتفع منجزية احتمال التكليف المجهول لا يسوغ ارتكاب الشبهة ، ومع هذا المنجز هل تصح دعوى القطع بعدم الشرطية المترتبة على الحرمة النفسيّة المجهولة المنجزة بهذا الاحتمال على تقدير وجودها واقعا؟ فان هذه الدعوى كدعوى القطع بعدم الشرطية المزبورة بناء على القول بلزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية.

فالمتحصل : أن مجرد الشك في الحرمة النفسيّة ليس مساوقا للقطع بعدم

٢٦١

عقلا (١) ، بل كان الأمر

______________________________________________________

(١) وأما نقلا فسيأتي الكلام فيه ، والمراد بقوله : «هاهنا» الأجزاء التحليلية.

__________________

الشرط كما هو ظاهر كلامه (قده) بل لا بد من إجراء البراءة في الحرمة لرفع تنجزها حتى يترتب على عدم التنجز عدم الشرطية المشكوكة كما أفاده الشيخ الأعظم (قده) هذا.

وأما ما أفيد فيما إذا كان منشأ انتزاع الشرطية هو التكليف بوجوده الواقعي لا التنجزي من التفصيل بين كون الأصل الجاري فيه تنزيليا كالاستصحاب وغير تنزيلي كالبراءة وقاعدة الحل ، ففيه : أن الفرق المزبور مبني على إنكار الحكم الظاهري وكون مفاد حديث الرفع ونحوه مجرد الترخيص والعذر في مخالفة بالواقع المجهول على ما تقدم منه في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري. وأما بناء على استفادة الحكم الظاهري من أدلة البراءة ، فترتفع الحرمة الواقعية ظاهرا ويتبعها الشرطية المترتبة عليه ، ولا فرق حينئذ بين كون الرافع للحرمة الأصل المحرز وغيره ، إذ المهم حلية مشكوك الحرمة ظاهرا ولو استندت إلى حديث الرفع ، وبه تتم حكومة الأصل النافي للتكليف على الأصل في عدم الشرطية المترتبة عليه ، فلا يبقى حينئذ مجال لجريان الأصل في نفي الشرطية. وحيث ان المانعية واقعية كشرطية الطهارة الحدثية ، فصحة العبادة المشتملة على هذا المانع منوطة بعدم انكشاف الخلاف ، هذا.

مضافا إلى أن التمسك بالاستصحاب هنا مناف لما أسسه في بحث البراءة من عدم جريان استصحاب عدم التكليف في الشبهات الحكمية ، فلاحظ كلامه هناك ، وبه يشكل إجراء استصحاب عدم الحرمة الواقعية هذا.

ثم انه قد يوجه التفصيل بين الصورتين بناء على الأخذ بإطلاق كلام الشيخ الشامل لما إذا كان المانع مترتبا تارة على الحرمة المنجزة ليندرج في باب

٢٦٢

فيهما (١) أظهر ،

______________________________________________________

(١) يعني : في المطلق ومشروطه ، والعام وخاصه ، ووجه أظهرية المقام من الواجب المردد بين الأقل والأكثر في الاجزاء الخارجية هو توقف الانحلال أولا على الالتزام بوجوب المقدمة غيريا ، وثانيا على تعميم المقدمة لما يكون مستقلا

__________________

التزاحم ، وأخرى على الحرمة الواقعية وان لم تتنجز. وأما مع منع الإطلاق ، وكون مقصوده من الحرمة النفسيّة خصوص التكليف النفسيّ المنجز حتى يكون الشرط ـ كإباحة مكان المصلي ـ ناشئا من تزاحم خطابي «صل ولا تغصب» كما يظهر من شرح العبارة بما أفاده المحققان الآشتياني والمصنف (قدهما) فالإشكال على تفصيل المحقق النائيني (قده) أظهر.

وقد يشكل كلام الميرزا من التمسك بأصالة البراءة فيما إذا ترتبت المانعية على تنجز الحرمة النفسيّة بأن تقيد الصلاة حينئذ بإباحة المكان مثلا عقلي ناش من امتناع التقرب بالمبغوض ، وليس شرعيا مأخوذا قيدا في الماهية المأمور بها كسائر الشروط والموانع ، وفي مثله لا تجري البراءة الشرعية ، لعدم كون المرفوع شرعيا لحكومة العقل به ، كما لا تجري البراءة العقلية أيضا بنظر الميرزا (قده) في دوران الأمر بين الأقل والأكثر على ما تقدم في الأجزاء الخارجية وصريحه في هذا البحث. ولازم هذا عدم وجود أصل مؤمّن في الشك في هذا القسم من الموانع ، فتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال.

لكن يمكن دفعه بعدم منافاة حكم العقل بإباحة المكان لجريان البراءة الشرعية ، حيث ان هذا الحكم العقلي ليس واقعا في سلسلة معلولات الأحكام كباب الإطاعة والعصيان حتى يمتنع فيه الحكم المولوي نفيا أو إثباتا ، بل هو في المقام واقع في سلسلة علل الأحكام كالظلم الّذي يجتمع فيه الحكم المولوي أعني الحرمة والعقلي وهو القبح ، فتدبر.

٢٦٣

فان (١) الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر لا يكاد يتوهم هاهنا ، بداهة أن (٢) الاجزاء التحليلية (٣) لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا (٤) ، فالصلاة مثلا (٥) في ضمن الصلاة المشروطة

______________________________________________________

في الوجود كالسورة ولما لا يكون كذلك وهو التقيد. ولو فرض تسليم الأمر الأول لكن الثاني ممنوع.

(١) تعليل للإضراب المدلول عليه بكلمة «بل كان» فهو تعليل للأظهرية.

(٢) تعليل لفساد توهم الانحلال هنا ، وقد تقدم بيان الانحلال بقولنا : «وتقريب جريان البراءة العقلية والنقليّة .... إلخ» كما تقدم بيان فساد الانحلال بقولنا : «والمصنف أورد عليه في حاشية الرسائل كما في المتن بالمنع ... إلخ».

(٣) قد يطلق الجزء التحليلي ويراد منه الجزء المقوّم كالفصل للنوع كما تقدم في عبارة المصنف في حاشية الرسائل عند بيان أقسام الأقل والأكثر ، حيث جعله قبال الجزء الخارجي ، والذهني ، فلاحظ عبارته. وقد يطلق ويراد به كل ما يقابل الجزء الخارجي ، فيعم موارد الدوران بين الجنس والفصل وبين المطلق والمشروط ، وبين المطلق والمقيد ، والطبيعي والحصة ، والنوع والفرد. وغرضه هنا كل ما يكون في قبال الجزء الخارجي ، وذلك بقرينة قوله : «بين المشروط بشيء ومطلقة» حيث ان التقيد جزء ذهني.

(٤) قيد للمقدمة ، يعني : أن الأجزاء التحليلية ليست مقدمة عقلا حتى يعلم بوجوبها تفصيلا كي ينحل به العلم الإجمالي. وقد تقدم التنبيه على هذا أيضا في بحث التعبدي والتوصلي ، حيث قال في جواب إشكال أورده على نفسه : «لأن ذات المقيد لا تكون مأمورا بها ، فان الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا».

(٥) غرضه بيان وجه عدم اتصاف الجزء التحليلي باللزوم ، وحاصله : أن الصلاة

٢٦٤

أو الخاصة (١) موجودة بعين وجودها (٢) ، وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها (٣) وخصوصيتها تكون متباينة (٤) للمأمور بها كما لا يخفى (*).

______________________________________________________

الفاقدة للطهارة مثلا مباينة للصلاة المأمور بها التي هي المشروطة بالطهارة ، وليست جزءا من الصلاة المأمور بها حتى يعلم وجوبها تفصيلا ، والمفروض أنه على تقدير الانحلال لا بد أن يكون الأقل معلوم الوجوب تفصيلا وموجودا بوجود على حدة كما هو الحال في المركب الخارجي سواء كان الزائد عليه واجبا أم لا ، كما عرفت في الصلاة المؤلفة من عشرة أجزاء مثلا ، فانها لا تتغير بلحوق الجزء المشكوك فيه وعدمه ، وهذا بخلاف الصلاة الفاقدة للشرط أو الخصوصية ، فانها مباينة للمأمور به ، وليست جزءا منه أصلا حتى يكون الفاقد مقدمة عقلية للواجد ، ومع عدم كون الفاقد جزءا للمأمور به لا مجال لدعوى انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيليّ بوجوب الأقل.

(١) معطوف على «المشروطة» وذلك كالصلاة المقصورة المباينة للتامة ، وليست مقدمة لها حتى تجب بوجوب غيري مقدمي ، فضابط الانحلال مفقود ، لعدم العلم التفصيليّ بشيء واحد مع تعلق العلم الإجمالي بالمتباينين.

(٢) أي : وجود المشروطة أو الخاصة ، فلا تعدد في الوجود بأن تكون ذات الصلاة غير الصلاة الخاصة كي تتحقق المقدمية ويدعى العلم بوجوبها تفصيلا.

(٣) كالفاقدة للطهارة مثلا ، وفاقدة الخصوصية كصلاة الفجر الفاقدة لخصوصية صلاة الآيات إذا كانت هي الواجبة.

(٤) بحيث لا مقدمية بينهما ، لعدم وقوع الصلاة الفاقدة للطهارة في صراط

__________________

(*) لا يقال : هذا انما يتم بناء على كون المتصف بالوجوب الغيري خصوص المقدمة الموصلة ، إذ مع عدم كون الذات المجردة عن الشرط والقيد مقدمة

٢٦٥

نعم (١) لا بأس بجريان البراءة النقليّة في خصوص دوران الأمر

______________________________________________________

تحقق الصلاة عن طهارة : حتى تجب بوجوب غيري ، فالمراد بالمتباينين هنا عدم مقدمية أحدهما للآخر ، لا مجرد المباينة ، لمغايرة كل مقدمة لذيها وجودا. وقوله : «تكون» خبر للصلاة المقدرة قبل قوله : «وفي ضمن».

(١) غرضه إبداء الفرق بين المشروط ومطلقه وبين الخاصّ وغيره بجريان البراءة النقليّة في الأول وعدمه في الثاني ، وحاصله : أن الشرط ينتزع من أمر الشارع كقوله : «أعتق رقبة مؤمنة» فان شرطية الإيمان تكون بأمر الشارع ، ولا مانع من نفيه بحديث الرفع عند الشك فيه ، وهذا بخلاف خصوصية الإنسان ، فانها منتزعة عن ذات المأمور به ، لا من أمر خارج عنه حتى ينفي بالأصل ، وحينئذ يدور الأمر بين وجوب الخاصّ ووجوب العام ، فيكونان من قبيل المتباينين ، والاشتغال يقتضي الإتيان بالخاص تحصيلا للفراغ اليقيني ، وضمير «غيره» راجع إلى الخاصّ ، والمراد بالغير العام.

__________________

لتحقق المشروط والمقيد لا وجه لدعوى وجوبها بالوجوب الغيري ، لكن المصنف التزم بوجوب مطلق المقدمة ، ومقتضاه الالتزام بوجوب الفاقد ولو لم يكن مقدمة لتحقق المشروط والمقيد.

فانه يقال : لا منافاة بين الأمرين ، حيث ان المصنف ينكر مقدمية الذات المجردة لوجود الحصة الخاصة ، وما تقدم منه في بحث المقدمة من عدم وجوب خصوص الموصولة انما هو بالنسبة إلى عنوان المقدمة ، ومع تصريحه (قده) هنا بمباينة المشروط والمطلق وعدم وقوع الذات المطلقة في طريق وجود المشروط والمقيد فلا مجال لدعوى المقدمية كي يشكل عليه بما ذكر.

والحاصل : أن إنكار الصغرى وهي مقدمية الذات المجردة لتحقق المشروط والمقيد لا ينافي تسليم الكبرى وهي وجوب المقدمة مطلقا وان لم تكن موصلة.

٢٦٦

بين المشروط وغيره ، دون دوران الأمر بين الخاصّ وغيره ، لدلالة (١) مثل (٢) حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته. وليس كذلك (٣) خصوصية الخاصّ ، فانها انما تكون منتزعة عن نفس الخاصّ (٤) ، فيكون الدوران بينه (٥) وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين (٦) ، فتأمل جيدا (*).

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لا بأس» وقد عرفت توضيحه.

(٢) التعبير بالمثل لأجل دلالة سائر أخبار البراءة أيضا على نفي الشرطية.

(٣) أي : وليست خصوصية الخاصّ موردا للبراءة النقليّة ، فانها ....

(٤) أي : لا بجعل الشارع ، والفرق أنه يتعلق التكليف بالخاص وتنتزع الخصوصية منها ، بخلاف المشروط ، لتعلق الأمر بكل من الشرط والمشروط.

(٥) أي : بين الخاصّ كالإنسان وبين غيره من الخاصّ الآخر كالفرس ، وقوله : «فيكون» تفريع على الفرق بين المقامين.

(٦) في لزوم الاحتياط عقلا ، لكن بالإتيان بالخاص ، لا بالجمع بين الأطراف كما كان في المتباينين حقيقة.

__________________

(*) الحق جريان البراءة عقلا ونقلا في الأقل والأكثر مطلقا سواء كانا من قبيل الجزء والكل كتردد أجزاء الصلاة بين ثمانية وعشرة مثلا ، أم من قبيل الشرط والمشروط بأقسامه من كون منشأ انتزاع الشرطية شيئا خارجا عن المشروط مباينا له في الوجود كالوضوء للصلاة ، وكون منشئه أمرا داخلا في المشروط متحدا معه في الوجود كالإيمان والعدالة بالنسبة إلى الرقبة والشاهد مثلا ، أم كان الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع كالحيوان والإنسان.

والوجه في جريان البراءة في مطلق الأقل والأكثر الارتباطيين ولو كانت أجزاؤهما

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تحليلية هو اجتماع أركان البراءة فيهما ، فان أركانها من قابلية موردها للوضع والرفع تشريعا ، ومن تعلق الجهل به ، ومن كون رفعه منّة على العباد موجودة في جميع أقسام الأقل والأكثر ، ضرورة أن الشك في شرطية شيء للمركب سواء أكان منشأ انتزاعها موجودا مغايرا للمشروط كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، أم متحدا معه في الوجود كالعدالة بالنسبة إلى الشاهد مثلا يرجع إلى الشك في جعل الشارع ، بداهة أن الشرطية مما تناله يد التشريع ، فتجري فيها البراءة ، فإذا أمر الشارع بعتق رقبة وشككنا في اعتبار خصوصية الإيمان فيها ولم يكن لدليله إطلاق جرت فيه البراءة.

وكذا إذا أمر المولى بإطعام حيوان وشككنا في أنه اعتبر ناطقيته أولا ، فلا مانع من جريان البراءة في اعتبار الناطقية فيه ، لأن اعتبارها مما تناله يد التشريع ، فيصح أن يقال : إطعام الحيوان معلوم الوجوب ، وتقيده بالناطقية مشكوك فيه ، فيجري في البراءة.

وكذا يصح أن يقال : ان عتق الرقبة معلوم الوجوب ، وتقيدها بالايمان مشكوك فيه فينفي بالبراءة. ولا يعتبر في الانحلال وجريان أصل البراءة الا المعلوم التفصيليّ والشك البدوي ، وأما اعتبار كون الشيء المعلوم وجوبه تفصيلا موجودا كأجزاء المركب الخارجي كالصلاة فلا دليل عليه لا عقلا ولا نقلا ، وانما المعتبر فيه هو كونه قابلا لتعلق الحكم الشرعي به ، وذلك حاصل ، لإمكان إيجاب عتق مطلق الرقبة وإطعام مطلق الحيوان بدون تقييد الرقبة بالايمان ، وتقييد الحيوان بفصل خاص من فصوله وان توقف وجوده على أحد فصوله ، إلّا أنه يمكن لحاظه موضوعا بدون اعتبار فصل خاص من فصوله ، فيكون المطلوب حينئذ مطلق وجود الحيوان من دون

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

دخل فصل خاص في موضوعيته.

وعليه فتجري البراءة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، ففي مثال إطعام الحيوان إذا شك في اعتبار خصوصية الإنسان كان من صغريات التعيين والتخيير ، لأنه يجب إطعام الإنسان إما تخييرا ان كان الواجب إطعام مطلق الحيوان ، واما تعيينا ان كان الواجب إطعام خصوص الإنسان ، فيصح أن يقال : ان المعلوم وجوبه تفصيلا هو إطعام الحيوان ، وكونه خصوص الإنسان مشكوك فيه ، ولم يقم بيان على اعتباره فيجري فيه البراءة العقلية ، وكذا النقليّة ، للجهل باعتبار الخصوصية الموجب لجريان البراءة الشرعية فيه.

نعم إذا علم إجمالا بتقيد الجنس كالحيوان بنوع خاص ، وتردد بين نوعين أو أنواع دخل في المتباينين ، لتباين الحصص الجنسية بالفصول المحصلة لها ، فان الإنسان مباين لسائر أنواع الحيوان من الفرس والبقر وغيرهما ، فلا بد من الاحتياط ، ولا مجال لجريان البراءة فيها ، فانها متعارضة في الأنواع ، والمفروض أن الواجب إطعام نوع خاص لا مطلق الحيوان حتى يقال : ان وجوب إطعامه معلوم تفصيلا وخصوصية النوع مشكوكة ، حيث ان دخل نوع خاص معلوم إجمالا ، فلا تجري فيه البراءة كسائر أقسام المتباينين ، بل يجب فيه الاحتياط.

وبالجملة : فلا فرق في جريان البراءة عقلا ونقلا بين أقسام الأقل والأكثر من الأجزاء الخارجية والتحليلية ، إذا المناط في جريانها عدم البيان ، وقابلية المورد للجعل الشرعي ، والمفروض وجودهما في جميع أقسام الأقل والأكثر.

ومما ذكرنا ظهر ضعف إطلاق ما عن المحقق النائيني (قده) من وجوب الاحتياط فيما إذا كان الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع ، بتقريب : «أن الترديد بين الجنس والنوع بنظر العرف يكون من الترديد بين المتباينين ، فان

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإنسان بما له من المعنى مباين للحيوان عرفا ، فالعلم الإجمالي بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان يوجب الاحتياط بإطعام خصوص الإنسان ، لأن نسبة حديث الرفع إلى وجوب إطعام كل من الإنسان والحيوان على حد سواء ، فأصالة البراءة في كل منهما تجري وتسقط بالمعارضة ، فيبقى العلم الإجمالي على حاله ، ومقتضاه الاحتياط بإطعام الإنسان ، لأنه الموجب للعلم بفراغ الذّمّة».

وذلك لأنه تارة يعلم بوجوب إطعام الحيوان ويشك في تقيده بكونه إنسانا أو غيره ، فالشك حينئذ متمحض في تقيد موضوع الحكم بقيد وهو الناطقية أو غيرها ، وأخرى يعلم إجمالا بوجوب إطعام حيوان أو إنسان بمعنى أن المولى قال : أكرم حيوانا أو إنسانا ، بحيث يتردد الموضوع بينهما ، فعلى الأول لا ينبغي الإشكال في جريان البراءة في خصوصية الإنسانية أو غيرها ، ضرورة أن موضوعية الحيوان للحكم معلوم ، ودخل الخصوصية فيه مشكوك ، ولم يقم بيان عليه ، فتجري فيه البراءة.

وعلى الثاني يجب الاحتياط ، إذ المفروض دوران الموضوع بين الحيوان والإنسان ، وهما متباينان ، حيث ان الحيوان الّذي جعل موضوعا في مقابل الإنسان لا يراد به الا الحصة المتفصلة بفصل الناطقية المباينة للحصة المتفصلة بفصل الناهقية ، فأصل البراءة في كل منهما يجري ويسقط بالمعارضة ، ويبقى العلم الإجمالي على حاله ، ومقتضاه الاحتياط بإطعام الإنسان وغيره.

وكذا ظهر ضعف ما في المتن من عدم جريان البراءة مطلقا الا في المطلق والمشروط ، حيث انه أجرى فيه البراءة الشرعية دون العقلية ، مع أن الحكم إذا كان فعليا من جميع الجهات فلا مجال لجريان شيء من البراءتين فيه كما نبه عليه أيضا في الهامش.

٢٧٠

الثاني : أنه لا يخفى

______________________________________________________

(٢ ـ الشك في إطلاق الجزء والشرط لحال النسيان)

(١) الغرض من عقد هذا الأمر بيان حكم الجزء أو الشرط المتروك نسيانا كالقراءة والسورة في الصلاة ، وأن النسيان هل يوجب ارتفاع الجزئية أو الشرطية أم لا ، فيما لا يكون لدليليهما إطلاق يشمل حال النسيان؟ وشيخنا الأعظم تعرض لهذا الأمر بعنوان نقيصة الجزء سهوا في المسألة الأولى من المسائل الثلاث المعقودة لبيان حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة وبنى حكمهما على معرفة معنى الركن ، حيث قال : «وجوه لا نعرف الحق منها إلّا بعد معرفة الركن» ثم استظهر أصالة ركنية كل واحد من الأجزاء.

ثم ان ارتباط هذا التنبيه بمباحث الأقل والأكثر الارتباطيين انما هو من جهة العلم بتعلق التكليف بالجزء أو الشرط إجمالا والجهل بإطلاقه لحالتي الذّكر والنسيان واختصاصه بحال الالتفات فقط ، والمباحث المتقدمة كانت في مرجعية الأصل عند الشك في أصل الجزئية والشرطية ، وهنا في سعة دائرة المجعول وضيقها بعد العلم بأصالة ، للعلم بانبساط الوجوب الضمني على ذكر الركوع والسجود مثلا والشك

٢٧١

أن الأصل (١) فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه (٢)

______________________________________________________

لأجل إجمال النص ونحوه في إطلاق المأمور به وتقييده ، وبهذا يندرج الكلام هنا في كبرى الأقل والأكثر ، أما في الأجزاء الخارجية فللشك في الجزئية حال النسيان ، وأما في الأجزاء التحليلية فمن جهة الشك في إطلاق المجعول وتقيده.

وتنقيح ذلك يتوقف على بيان أمور : الأول فيما يقتضيه الأصل العملي ، والثاني فيما يقتضيه الدليل الاجتهادي ، والثالث في صحة العمل الخالي عن المنسي الملزوم لوجوبه ، وكونه مأمورا به.

أما الأول فحاصله : أن مقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رفع ما لا يعلمون» وحديث الحجب ونحوهما هو جريان البراءة الشرعية عند الشك في الجزئية والشرطية دون البراءة العقلية ، لما تقدم في الشك في أصل الجزئية والشرطية من جريان البراءة النقليّة فيه دون العقلية ، لعدم الانحلال ، وبقاء العلم الإجمالي الموجب للاشتغال على التفصيل المتقدم هناك ، فان المقام من صغرياته ، فلو لا البراءة الشرعية كان مقتضى قاعدة الاشتغال إعادة المأمور به الناقص والإتيان به بجميع ما له دخل فيه من الأجزاء والشرائط.

(١) هذا إشارة إلى الأمر الأول ، والمراد به بقرينة قوله : «ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية» هو أصل البراءة ، لكن لا يلائمه قوله : «ولا تعاد في الصلاة» فان عطف ذلك على «حديث الرفع» عطف الدليل الاجتهادي على الأصل العملي المستلزم لكونهما في رتبة واحدة ، مع أنه ليس كذلك ، ضرورة تقدم الدليل الاجتهادي على الأصل العملي ورودا أو حكومة ، وحينئذ فلا بد وأن يراد بالأصل ما هو أعم من الأصل العملي والمتصيد من الدليل الاجتهادي.

(٢) يعني : بعد العلم بجزئيته أو شرطيته في غير حال النسيان ، وانما الشك فيهما

٢٧٢

عقلا ونقلا (١) ما ذكر (٢) في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية (*) ،

______________________________________________________

نشأ من نسيان الجزء أو الشرط ، لا نسيان الجزئية أو الشرطية حتى يندرج في نسيان الحكم المدرج له في الجهل الطارئ بالحكم ، وضميرا «شرطيته ، نسيانه» راجعان إلى الشيء ، و «في حال» قيد لـ «جزئية شيء أو شرطيته».

(١) قيدان لقوله : «الأصل» والمراد بقوله : «عقلا» هو قاعدة الاشتغال كما مر آنفا.

(٢) خبر «أن» والوجه في كون الشك في جزئية المنسي كالشك في أصل الجزئية

__________________

(*) لا يقال : لا مجال للاستدلال على الاشتغال عقلا هنا بنفس العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر في الأجزاء ، لعدم كونه منجزا هنا ، بخلافه هناك ، وذلك للفرق بين المقامين ، لحدوث الشك هنا بعد الإتيان بالأقل الّذي هو العمل الفاقد للمنسي ، فالعلم الإجمالي بوجوب مردد بين الأقل والأكثر لا يوجب الاحتياط ، لفرض حصوله بعد الامتثال في أحد الأطراف ، ومثله لا ينجز ، كما لو علم بوجوب صوم أمس أو غد ، لعدم تأثير العلم في تكليف ظرف امتثاله متقدم على زمان حصوله ، ومعه لا يكون الشك في وجوب التمام ـ للشك في فساد العمل الناقص ـ من الشك في التكليف الفعلي حتى يجب الاحتياط.

فانه يقال : ان المقصود تعيين وظيفة المجتهد في أمثال المقام من جهة إجمال النص الدال على الجزء والشرط ، وتردد مطلوبيته بين الإطلاق والتقييد ، ومن الواضح منجزية هذا العلم الإجمالي واقتضاؤه للاشتغال عقلا ، إلّا مع دعوى انحلاله بمثل حديث الرفع كما أفاده المصنف ، وعليه فالمسألتان من واد واحد فيما يهم المجتهد. ولا يقاس المقام بمثال الصوم ، إلّا إذا تذكر بعد الوقت نسيانه للجزء وقلنا أيضا بأن القضاء بفرض جديد ، وأما لو تذكر في أثناء الوقت فقاعدة الاشتغال تقضي بلزوم الاستئناف لكون المطلوب الطبيعة لا الفرد.

٢٧٣

فلو لا مثل حديث الرفع (١) مطلقا (٢) و «لا تعاد» في الصلاة (٣) يحكم (٤) عقلا بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسيانا ، كما هو (٥) الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته

______________________________________________________

هو اندراجه في كبرى الشك في الأقل والأكثر ، حيث انه مع عدم إطلاق يدل على جزئية المنسي حال النسيان يشك في جزئيته في هذا الحال ، فان كان جزءا فالواجب هو الأكثر ، وإلّا فالأقل.

(١) المراد به فقرة «ما لا يعلمون» لأن رفع النسيان داخل فيما يذكره من قوله : «يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية» فحديث الرفع ـ حيث ان نسبته إلى أدلة الأجزاء والشرائط كالاستثناء على ما تقدم بيانه ـ يدل على صحة العمل الفاقد للجزء أو الشرط المنسي.

(٢) يعني : في الصلاة وغيرها.

(٣) يعني : وحديث «لا تعاد الصلاة الا من خمس» المروي عن الباقر عليه‌السلام في خصوص باب الصلاة ، وقد مر آنفا أن الأنسب ذكر «لا تعاد» في عداد الأدلة الاجتهادية.

(٤) جواب «فلو لا» والمراد بحكم العقل هو قاعدة الاشتغال الثابتة بالعلم الإجمالي الّذي لم ينحل على مذهب المصنف (قده) كما تقدم ، وضميرا «بجزئه ، شرطه» راجعان إلى «ما» الموصول.

(٥) يعني : كما أن وجوب الإعادة ثابت في الجزء أو الشرط الّذي دل الدليل على جزئيته أو شرطيته في جميع الحالات التي منها النسيان ، غاية الأمر أن وجوب الإعادة حينئذ مستند إلى نفس دليل اعتبار الجزئية أو الشرطية ، وفي صورة الشك إلى قاعدة الاشتغال لو لم تجر أصالة البراءة.

٢٧٤

مطلقا (١) نصا أو إجماعا (٢).

ثم لا يذهب عليك (٣) أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال (٤) بمثل حديث الرفع ،

______________________________________________________

(١) يعني : ولو في حال النسيان.

(٢) الأول كالخمسة المستثناة في حديث «لا تعاد» المعبر عنها بالأركان ، والثاني كتكبيرة الإحرام ، فان اعتبارها انما هو بالإجماع الّذي يعم معقده جميع الحالات التي منها النسيان دون الروايات ، لعدم نهوضها على ذلك كما لا يخفى على من راجعها.

(٣) هذا إشارة إلى الأمر الثاني ، وهو إمكان إقامة الدليل الاجتهادي على نفي الجزئية أو الشرطية في حال نسيان الجزء أو الشرط بحيث ينقسم المكلف بحسب الالتفاتات والنسيان إلى قسمين الذاكر والناسي ، ويصير الواجب بتمام أجزائه وشرائطه واجبا على الذاكر ، وبما عدا الجزء أو الشرط المنسي منه واجبا على الناسي ، خلافا لشيخه الأعظم ، حيث منع عن تنويع المكلف وجعله قسمين ذاكرا وناسيا ، نظرا إلى أن الغرض من الخطابات (لمّا كان) هو البعث والزجر المعلوم ترتبهما على إحراز المكلف انطباق العنوان المأخوذ في حيّز الخطاب على نفسه ، إذ الغافل عن الاستطاعة مثلا لا ينبعث عن إيجاب الحج على المستطيع أصلا ، ومن المعلوم امتناع خطاب الناسي بهذا العنوان ، ضرورة أن توجيه هذا الخطاب إليه يخرجه عن عنوان الناسي ويجعله ذاكرا (فلا بد) للناسي في الشك في الجزئية أو الشرطية من الإتيان بالواجب بتمامه ، من دون فرق في إطلاق الجزئية والشرطية بين الذاكر والناسي ، والتفكيك بينهما لا وجه له أصلا.

(٤) أي : حال النسيان بحديث الرفع ومثله من سائر أدلة البراءة النقليّة.

٢٧٥

كذلك يمكن تخصيصها (١) بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية ، كما إذا وجّه الخطاب (٢) على نحو يعم الذاكر والناسي

______________________________________________________

(١) أي : تخصيص الجزئية أو الشرطية بهذا الحال أي حال النسيان بحسب الأدلة الاجتهادية بنحو لا يلزم محذور أصلا ، إذ لا يتوقف تنويع المكلف بالذاكر والناسي على جعل الناسي موضوعا للخطاب حتى يمتنع ذلك ، لانقلابه بالذاكر كما أفاده الشيخ الأعظم (قده) ولذا حكم بجزئية شيء حال النسيان ان لم يكن لدليلها إطلاق يشمل تلك الحالة ، وان كان له إطلاق فهو دليل عليها وموجب لبطلان العبادة الفاقدة للجزء المنسي.

والحاصل : أنه (قده) يقول بأصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا ، اما لإطلاق دليل الجزئية ، وإما لامتناع خطاب الناسي بما عدا المنسي ، والحكم بالصحّة منوط بدليل عام أو خاص يدل على الصحة.

(٢) هذا جواب المصنف عن إشكال الشيخ (قده) وقد أجاب عنه في المتن بوجهين : أحدهما وهو الّذي أشار إليه بقوله : «كما إذا وجه الخطاب .... إلخ» أن يجعل عنوان عام يشمل الذاكر والناسي كعنوان «المكلف» ويخاطب بما عدا المنسي من الأجزاء ، ثم يكلف الملتفت بالمنسيّ ، فالذاكر الآتي بتمام المأمور به آت بوظيفته ، والناسي الآتي بالناقص آت أيضا بوظيفته ، من دون توجه خطاب إليه بعنوان الناسي حتى يلزم محذور الانقلاب ، والخروج عن حيّز الخطاب المتوجه إليه.

وبالجملة : فهذا الوجه يدفع استحالة تكليف الناسي بما عدا المنسي.

ثانيهما : أن يكلف الملتفت بتمام المأمور به والناسي بما عدا المنسي ، لكن لا بعنوان الناسي حتى يلزم الانقلاب إلى الذاكر بمجرد توجيه الخطاب إليه ، بل بعنوان آخر عام ملازم لجميع مصاديقه كالبلغمي أو قليل الحافظة أو كثير النوم

٢٧٦

بالخالي (١) عما شك في دخله مطلقا (٢) وقد دل دليل آخر (٣) على دخله في حق الذاكر ، أو وجه (٤) إلى الناسي خطاب يخصه (٥) بوجوب (٦) الخالي بعنوان آخر عام أو خاص (*) ، لا بعنوان الناسي كي (٧) يلزم استحالة إيجاب ذلك (٨) عليه بهذا العنوان

______________________________________________________

أو نحو ذلك ، أو بعنوان خاص كأخذ العناوين المختصة بأفراد الناسي كقوله : «يا زيد ويا بشر ويا بكر» إذا كان أحدهم ناسيا للسورة ، والآخر لذكر الركوع ، والثالث لذكر السجود مثلا.

(١) متعلق بـ «الخطاب» و «على نحو» متعلق بـ «وجه» كأنه قيل : «إذا وجه الخطاب بالخالي على نحو يعم الذاكر والناسي».

(٢) يعني : حتى في حق الناسي ، وضمير «دخله» راجع إلى «ما» الموصول.

(٣) يعني : غير ما دل على كون ما عدا المنسي مأمورا به للذاكر والناسي ، وضمير «دخله» راجع إلى الموصول في «عما شك».

(٤) هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما أن يكلف الملتفت بتمام المأمور به .... إلخ».

(٥) أي : يخص الناسي في مقابل الوجه الأول الّذي كان الخطاب فيه شاملا له وللذاكر.

(٦) هذا و «بعنوان» متعلقان بـ «خطاب» وقد مر تفسير العنوان العام والخاصّ آنفا.

(٧) تعليل لعدم صحة توجيه الخطاب بعنوان الناسي ، وقد تقدم بيانه.

(٨) أي : الخالي عن المنسي ، وضمير «عليه» راجع إلى الناسي ، وهو المراد أيضا بقوله : «بهذا العنوان».

__________________

(*) وله وجه ثالث أفاده في حاشية الرسائل ، ومحصله : أن يكلف الملتفت بالتمام

٢٧٧

لخروجه (١) عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة ، كما توهم لذلك (٢)

______________________________________________________

(١) تعليل للاستحالة ، وقد مر تقريب الاستحالة بقولنا : «خلافا لشيخه الأعظم (قده) حيث منع عن تنويع المكلف .... إلخ» وضمير «لخروجه» راجع إلى الناسي ، وضمير «عنه» إلى «عنوان الناسي» وضمير إليه» إلى الناسي.

(٢) أي : لاستحالة خطاب الناسي بعنوان النسيان ، وهذا إشارة إلى كلام شيخنا الأعظم ، وقد تقدم توضيحه ، وملخصه : أن تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذّكر بالدليل الاجتهادي على النحو المذكور ممتنع ، ولذا ذهب هو (قده) إلى استحالته ، وتعبير المصنف بالتوهم انما هو لأجل عدم التلازم بين التخصيص المزبور واستحالته بالدليل الاجتهادي ، وعدم المانع من التخصيص بالدليل كما أفاده بأحد الوجهين المتقدمين في المتن.

__________________

ولا يكلف الناسي ، بشيء ، ولكن يصح فعله للناقص ، لاشتماله على المصلحة ، ويكفي في بعثه إلى الناقص اعتقاده توجه أمر الملتفت إليه ، فيأتي بالناقص بداعي موافقة أمر الملتفت بالتمام».

ولا يخفى أن شيئا من الوجوه الثلاثة لا يجدي في مقام تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الالتفات. أما الأول لأن ، فلأنهما مجرد احتمال في مقام الثبوت ، وليس على اعتبارهما في مقام الإثبات للجمع بين الأدلة عين ولا أثر ، بل مقتضى حكومة حديث «لا تعاد» على إطلاق أدلة الأجزاء والشرائط للذاكر والناسي هو إطلاق الأدلة لهما في الأركان ، واختصاص جزئية غيرها بحال الالتفات ، فالذاكر والناسي يشتركان في الأمر بالأركان ، ويفترقان في غيرها من الأجزاء التي يلتفت إليها ولا يلتفت إليها.

وتقريبه للوجه الأول في حاشية الرسائل سليم عن الإشكال ، لموافقته لمقتضى الأدلة قال (قده) : «بأن يؤمر بالصلاة مثلا أولا ثم يقيد بدليل دال على جزئية

٢٧٨

استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذّكر ، وإيجاب (١)

______________________________________________________

(١) معطوف على «تخصيص» ومفسر له ، وإشارة إلى الأمر الثالث وهو كون الخالي عن المنسي واجبا حتى يلزمه الصحة وعدم وجوب الإعادة ، وهو مسألة فقهية وتفصيلها يطلب في الفقه ، ومحصله : أن مقتضى حديث «لا تعاد الصلاة الا من خمس» والنصوص الخاصة وجوب الأركان مطلقا حتى في حق الناسي ، فنسيان شيء منها يوجب الإعادة في الوقت وخارجه ، وأما غيرها فنسيانه لا يوجب الإعادة لا في الوقت ولا في خارجه.

__________________

السورة في حال الالتفات إليها بناء على وضعها للأعم ، أو يشرح به وبما يدل على سائر ما يعتبر فيها شطرا أو شرطا بناء على وضعها للصحيح ، فان الغافل حينئذ يلتفت إلى ما توجه إليه من الأمر ، ويتمكن من امتثاله حقيقة بإتيان ما هو المأمور به واقعا في هذا الحال وان كان غافلا عن غفلته الموجبة لكون المأتي به تمام المأمور به ....».

نعم لا يرد على أولهما امتناع أخذ الالتفات قيدا في موضوع الخطاب ، لتأخر الالتفات عن الحكم ، وذلك لأن الممتنع هو أخذه في الحكم دون الموضوع كالمقام كما هو واضح.

وأما الوجه الثالث ، ففيه : أن الأمر بالأركان وبالأجزاء غير المنسية موجود ، ولا حاجة معه إلى تصحيح العبادة بالمصلحة.

مضافا إلى : أنها لم تقصد ، مع أن صحة العبادة المقربة إليه تعالى شأنه منوطة بقصدها ان لم يكن هناك أمر ، أو كان وغفل عنه ، أو اعتقد عدمه.

وإلى : أن تصحيح العبادة بالملاك ليس مسلما ومفروغا عنه.

وكيف كان فما أفاده الشيخ من الاستحالة المزبورة في محله. نعم لا ينحصر التخصيص بما ذكره ، بل يمكن الجمع بين الأدلة بما تقدم من الحكومة ، بل هو المتعين في مقام الإثبات ، هذا.

٢٧٩

العمل الخالي عن المنسي على الناسي ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

(١) عن إمكان قيام الدليل الاجتهادي بأحد الوجهين المتقدمين في المتن على عدم جزئية المنسي لئلا تقول بالاستحالة كما قال بها الشيخ الأعظم والنراقي في محكي العوائد.

__________________

لا يقال : انه يمكن توجيه الخطاب إلى كلي الناسي على نحو القضية الحقيقية كإيجاب الحج على كلي المستطيع كذلك وان لم يصح توجيهه إلى الناسي الخارجي ، لا نقلا به إلى الذاكر ، فما أفاده الشيخ من الاستحالة يختص بمخاطبة الناسي الخارجي الشخصي دون الكلي.

فانه يقال : ان كل خطاب لا يمكن الانبعاث عنه أصلا ولو في زمان من الأزمنة لغو ، ومن المعلوم أن المقام كذلك ، ضرورة أن أفراد طبيعة الناسي يمتنع أن يطبّقوا هذه الطبيعة عليهم ، ويرون أنفسهم مأمورين بالأمر الموجه إلى عنوان الناسي ، بداهة أن إحراز انطباقه عليهم يوجب الانقلاب إلى الذاكر بحيث يمتنع انبعاثهم عن الأمر الموجه إلى كلي الناسي ، وليس كإيجاب الحج على كلي المستطيع لانبعاث أفراد المستطيع خارجا عن إيجاب الحج على هذا الكلي.

فقياس المقام بمثل إيجاب الحج على المستطيع في غير محله ، ومن البديهي امتناع صدور اللغو عن الحكيم.

فالمتحصل : أن خطاب الناسي بعنوانه كليا وجزئيا غير سديد ، ومحذور الاستحالة لا يندفع بجعله موضوعا للخطاب ولو على نحو القضية الحقيقية ، فتدبر.

وتحقيق المقام يستدعي التعرض أوّلا لإمكان توجيه الخطاب بما عدا المنسي وثانيا لإقامة الدليل أمارة أو أصلا على تعلق التكليف به بعد الفراغ عن إمكانه مع اقتضاء نفس الجزئية لسقوط الأمر عن المركب بنسيان الجزء ، إذ ليس في البين إلّا خطاب واحد متعلق بالمجموع أي بكل جزء بشرط الانضمام.

٢٨٠