منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

نرجو من المطالع ملاحضة ما يلي:

جعل المتن في اول الصفحه وتوضيحه تحت خط افقي يتلو المتن مباشرة واشر لا في ذلك بالارقام ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ والخ والتطبق مرفوزاً بهذه العلامة (*) وهذا لا يرتبط بالتوضيح اصلا وجعلنا الحواشي التي كتبها المصنف رحمه الله في الكفاية معامة)

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد النبيين محمد وآله الطاهرين

واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين

أما بعد : فلا يخفى أن الأمور مرهونة بأوقاتها وجارية على ما تقتضيها مصالحها وهذا الشرح المبني على توضيح كفاية الأصول قد مرت عليه الأعوام ولم تقتض المصلحة ابرازه لذوي العلم والافهام إلى أن من الله تعالى علينا في هذه الأزمنة بتسهيل وسائل طبعه ورفع عوائق نشره. ولذا جددت النظر فيه بصورة الاجمال مع اختلال الحال وانحراف المزاج وغيره من الأمور لعدم سقوط الميسور بالمعسور فأسقطت منه بعض الجمل التوضيحية واضفت إليه تعليقات غير مرتبطة بالتوضيح وجعلتها تحت خط افقي فاصل بينها وبين الحواشي التوضيحية واسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علي بالقبول وأن يجعله ذخرا لي يوم فقري وحاجتى إنه خير معين ومسؤول.

النجف الأشرف

٢٥ / ١٢ / ١٣٨٧ هج

المؤلف

محمد جعفر الموسوي (المروج)

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته وتحياته على أشرف أنبياءه محمد الكاظم للغيظ وآله الأئمة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

اما بعد فيقول أحوج العباد إلى رحمة ربه الباري محمد جعفر بن محمد علي الموسوي الجزائري الشوشتري المدعو بالمروّج عفا الله تعالى عن جرائمهما انه لما كان كتاب كفاية الأصول الّذي صنفه المحقق الفقيه الأصولي أستاذ العلماء الإمامية في القرن الرابع عشر بحر العلم المتلاطم الشيخ محمد كاظم الخراسانيّ قدس‌سره محوراً للأبحاث الأصولية في الأقطار العلمية لما أودع فيه من بدائع الأفكار الثاقبة ونتائج الأنظار الصائبة وتحقيقات بادر إلى اقتطافها علماء الأمصار من زمان نشره وسائر الأعصار وكان من الكتب الوجيزة الغامضة أحببت أن أعلق عليه تعليقة تكشف عن أستاره وتبحث عن أسراره وتبين مجملاته وتظهر مضمراته فعلقت عليه هذه الحواشي وسميتها بمنتهى الدراية في توضيح الكفاية مقتصراً فيها على إيضاح مرام المصنف قدس‌سره بأوضح تقرير وأظهر تعبير وأبين تفسير لتكون عوناً لإخواني الطالبين للعلم والفضيلة المشتغلين بدراسة المتن وبحثه على الوصول إلى حقائقه والنزول بفناء دقائقه محترزاً عن التعرض لما لا يرتبط بتوضيحه وان رجع إلى تأييده أو تعلق بتزييفه ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا الجهد بقبول حسن وأن ينفع به إخواننا المتقين من طلاب علوم الدين إلى عصر حضور خاتم الأوصياء المعصومين صلى الله عليه وعلى آبائه الحجج الطاهرين وعجل فرجه الشريف وجعلنا فداه وأن يجعله خير الزاد ليوم المعاد.

٥

وبعد فقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمة :

أما المقدمة ففي بيان أمور (١): الأول (٢) أن موضوع كل علم وهو الّذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة أي بلا واسطة في العروض (٣)

______________________________________________________

(١) الأمور المذكورة في المقدمة كلها خارجة عن مسائل علم الأصول ، لعدم انطباق ضابط المسألة الأصولية عليها كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(٢) ذكر في الأمر الأول جزءان من أجزاء العلوم التي هي الموضوعات والمسائل والمبادئ وهما الموضوع والمسائل. وقبل التعرض لموضوع العلم أشار إلى موضوع كل علم بنحو الضابط الكلي ، وهو أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ، فيعرف الموضوع بذلك ، مثلا البحث عن رفع الفاعل والمبتدأ والخبر ، ونصب المفعول وخبر كان الناقصة وأخواتها ، واسم الحروف المشبهة بالفعل وجر المضاف إليه والمجرور بالحروف الجارة بحث عن عوارض الكلمة التي هي موضوع علم النحو.

وكذا البحث عن وجوب الصلاة والحج وغيرهما وحرمة شرب الخمر بحث عن عوارض فعل المكلف الّذي هو موضوع علم الفقه وكذا سائر العلوم كما لا يخفى.

(٣) أشار بهذا التفسير للعرض الذاتي إلى الخطأ الواقع في تحديده بما في كتب القوم ، توضيحه أن العوارض جمع العارض وهو كما عن بعض المحققين : مطلق الخارج عن الشيء المحمول عليه ، فيشمل العرض المعبر عنه في لسان أهل المعقول بالعرضي كالأبيض والأسود المنقسم إلى الخاصة والعرض العام ، ويشمل غيره كالجنس المحمول على النوع والفصل ، فانّ المحمول من ذاتيات الموضوع ، والعرض المبحوث عنه في الفنون هو القسم الأول الّذي ينقسم عندهم على قسمين ذاتي وغريب ، لأن العرض إما يعرض الشيء بلا واسطة أصلا لا ثبوتاً ولا عروضاً

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كالتعجب المساوي للإنسان العارض له على ما قيل ، وإمّا يعرضه مع واسطة ، وهي إمّا داخلية مساوية للمعروض كالتكلم العارض للإنسان بواسطة الناطق الّذي هو ذاتي مساو له ، أو أعم منه كالحركة الإرادية العارضة للإنسان بواسطة جزئه الأعم وهو الحيوان. ولا ثالث للواسطة الداخلية ، لعدم تصور الأخصية لجزء الشيء.

وإمّا خارجية ، وهي إمّا مساوية للمعروض كالضحك العارض للإنسان بواسطة التعجب المساوي له.

وإمّا أعم منه كالتحيز العارض للأبيض بواسطة الجسم الّذي هو أعم من الأبيض. وإمّا أخص منه كالضحك العارض للحيوان بواسطة الإنسان الّذي هو أخص من الحيوان. وإمّا مباينة للمعروض كالحرارة العارضة للماء بواسطة النار المباينة له. هذه أقسام العرض ، والمنسوب إلى المشهور بل المدعى عليه الاتفاق كون ثلاثة منها ـ وهي عروض العرض بلا واسطة ، أو بواسطة جزئه المساوي ، أو الخارج المساوي ـ أعراضاً ذاتية ، كما ادعى الاتفاق أيضا على كون ثلاثة منها وهي العروض لخارج أعم وأخص ومباين أعراضاً غريبة ، واختلفوا في العارض لجزء أعم ، فعن القدماء أنه من الاعراض الغريبة بل نسبه بعض المتأخرين إلى المشهور.

وعن مشهور المتأخرين أنه من الاعراض الذاتيّة ، وكيف كان (لما كان) تفسير العرض الذاتي بما ذكره القوم مستلزماً لخروج جل مسائل العلوم عن كونها مسائلها كالاحكام الشرعية المترتبة على أفعال المكلفين بواسطة التشريع الّذي تقتضيه المصالح والمفاسد الموجودة في أفعالهم المأمور بها والمنهي عنها أو في نفس التكاليف على الخلاف بين العدلية. لمباينة التشريع والملاكات للافعال المستلزمة لخروج البحث عن وجوب الصلاة ونحوها وعن حرمة شرب الخمر ونحوه عن مسائل الفقه ، لاندراج الوجوب والحرمة في العرض الغريب ، حيث إنهما يعرضان

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأفعال بواسطة أمر مباين وهي المصالح والمفاسد (عدل) المصنف وصاحب الفصول (قدهما) دفعاً لهذا المحذور عن تفسير القوم إلى أن الملاك في العرض الذاتي هو كون العارض محمولا حقيقة على المعروض بحيث يعد من إسناد الشيء إلى ما هو له ولا يصح سلبه عنه كقولنا : «الماء جار» فإن لم يكن كذلك فهو عرض غريب كإسناد الحركة إلى جالس السفينة. إذ الحركة تحمل على السفينة حقيقة وعلى الجالس مجازاً ، ولذا يصح سلبها عنه ، فالواسطة في العروض هي الواسطة في الحمل.

والحاصل أن العرض إن كان محمولاً على المعروض حقيقة بحيث لا يصح سلبه عنه يسمى بالعرض الذاتي سواء كان هناك واسطة ثبوتية أم لا كما قيل (*) وسواء كانت الواسطة جزء أعم كالحيوان الّذي هو أعم من الإنسان وواسطة لعروض الحركة الإرادية له ، أم مبايناً كالنار التي هي مباينة للماء وواسطة في عروض الحرارة له ، مع أنّ العروض لأمر مباين بناءً على تفسير القوم داخل في العرض الغريب كما مر آنفاً ، ولجزء أعم محل الخلاف بينهم وإن نسب كونه عرضاً ذاتياً إلى المشهور.

وبالجملة ينحل (**) إشكال خروج مسائل جملة من العلوم عن كونها مسائلها

__________________

(*) لكنه مساوق لوجود المعلول بلا علة وهو ممتنع ، فعروض العارض بلا واسطة ثبوتية غير معقول ، ولا بد من التأمل في كلماتهم ، فلاحظ ولا تغفل.

(**) ويمكن حلّه بأن يقال : إنّ موضوع العلم هو ما يبحث فيه عن أحواله وأوصافه سواء كانت عرضاً مصطلحاً أم أمراً اعتبارياً كالأحكام الشرعية العارضة لأفعال المكلفين ، لعدم انطباق حدّ العرض عليها ، حيث إنّ العرض يوجد بوجود موضوعه والحكم يسقط بوجود موضوعه ، لتحقق الامتثال المسقط له ، فالعرض الذاتي هو كل محمول يحمل حقيقة على الموضوع بحيث لا يصح سلبه عنه وإن لم ينطبق على المحمول حدّ العرض المصطلح ، فتأمّل.

٨

هو نفس (١) موضوعات مسائله عيناً وما يتحد معها خارجاً وإن كان يغايرها

______________________________________________________

بجعل مناط العرض الذاتي عدم الوساطة في العروض ، فوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر مثلا من مسائل علم الفقه ، لكون الوجوب والحرمة محمولين على الصلاة والشرب اللذين هما من أفعال المكلفين حقيقة أي بلا واسطة في العروض وان كانا مع الواسطة الثبوتية ، وكذا الرفع والنصب والجر العارضة للكلمة بواسطة الفاعلية والمفعولية والإضافة ، فإنّها داخلة في العرض الذاتي وان كان عروضها لها بواسطة أمر خارجي أخص من الكلمة وهو عنوان الفاعل والمفعول والمضاف إليه ، ضرورة خروج هذه العناوين عن ذات الكلمة وذاتياتها ، لخروج النوع عن ذات الجنس وذاتياته.

والحاصل : أنّ البحث عن الرفع والنصب والجر على هذا الضابط في العرض الذاتي من مسائل علم النحو وكذا الحال في حجية خبر الواحد بواسطة الجعل الشرعي المباين للخبر ، فإنّها على هذا الضابط داخلة في العرض الذاتي ، لكون الحجية محمولة على الخبر حقيقة ، ولذا لا يصح سلبها عنه وان كان لها واسطة ثبوتية وهي الجعل الشرعي وواسطة إثباتية وهي أدلة حجية الخبر من الكتاب والسنة وغيرهما كالسيرة العقلائية. فالبحث عن حجية الخبر داخل في المسائل الأصولية.

ثم إنّه قد ظهر مما ذكرنا : أنّ الواسطة على ثلاثة أقسام : الواسطة الثبوتية ، وهي العلة لوجود شيء كعلية النار للحرارة والماء للبرودة ، والواسطة الإثباتية وهي العلة للعلم بوجود شيء كعلية الدخان للعلم بوجود النار ، والواسطة العروضية وهي الواسطة في الحمل الموجبة لصحة إسناد عرض إلى غير معروضه مجازاً كإسناد الحركة إلى جالس السفينة ، فإنّ الحركة محمولة على السفينة حقيقة وعلى الجالس مجازاً ، ولذا يصح سلبها عنه كما عرفت آنفاً.

(١) هذا اعتراض على ما ذكروه في علم الميزان من أنّه قد يكون موضوع

٩

مفهوماً تغاير الكلي ومصاديقه (١) والطبيعي (٢) وأفراده.

______________________________________________________

العلم مغايراً لموضوع المسألة ، وحاصل الاعتراض هو : أنّه على تقدير المغايرة يلزم أن لا تكون محمولات المسائل أعراضاً ذاتية لموضوع العلم ، وهذا خلاف مقتضى تفسير الموضوع بأنّه ما يبحث في العلم عن عوارضه الذاتيّة ، ولا يستقيم هذا التفسير إلّا بكون موضوع العلم نفس موضوعات مسائله كما لا يخفى.

(١) كمغايرة مفهوم الإنسان لمفهوم أفراده كزيد وعمرو وان كان عين أفراده خارجاً ، وكمغايرة مفهوم الكلمة التي هي موضوع علم النحو لمفاهيم موضوعات مسائله كالفاعل والمبتدأ والخبر وغيرها مع كونها عين تلك الموضوعات خارجاً (*).

(٢) هذا من العطف التفسيري لا من عطف الخاصّ على العام ، ضرورة أنّ اتحاد الكلي مع المصاديق منحصر في الكلي الطبيعي ، إذ لا وجود لغيره من الكلي المنطقي والعقلي كما هو واضح.

__________________

(*) لعل الداعي إلى جعل موضوع العلم نفس موضوعات مسائله هو الفرار عن محذور قاعدة استحالة صدور الواحد عن الكثير ، إذ الغرض كالقدرة على الاستنباط والعصمة عن الخطأ في الفكر المترتبتين على علمي الأصول والمنطق واحد ، فلا بد أن يستند إلى مؤثر واحد ، وليس ذلك إلّا موضوع العلم ، إذ المفروض تكثّر موضوعات المسائل. لكن فيه : أنّ المقام أجنبي عن تلك القاعدة ، إذ موردها هو الغرض الوحدانيّ البسيط من جميع الجهات دون ما له جهات كالقدرة على الاستنباط المترتبة على مباحث الألفاظ ، فإنّها غير القدرة المترتبة على حجية الأمارات وباب الاستلزامات ، والمسائل الأصولية مختلفة الدخل في ذلك ، فبعضها تحفظ الجهة الأولى وبعضها تحفظ الجهة الثانية ، فلا مانع من إنكار الموضوع لعلم الأصول وما هو بمنزلة من العلوم في تعدد جهات الأغراض المترتبة عليها.

١٠

والمسائل (١) عبارة عن جملة من قضايا متشتتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض (٢) الّذي لأجله دوّن هذا العلم ، فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض

______________________________________________________

(١) هذا ثاني الجزءين اللذين تعرض لهما في أوّل الأمور المذكورة في المقدمة ، وملخصه : أنّ كل علم مركب من قضايا متشتتة مختلفة موضوعاً ومحمولا كقولهم في علم النحو : «الفاعل مرفوع والمفعول منصوب» ويبرهن عليها بمثل قوله تعالى : «وكفى الله المؤمنين القتال» ، و «إنما يخشى الله من عباده العلماء» ، وأشعار إمرئ القيس ، وتسمى هذه الأدلة بالمبادئ التصديقية ، لكونها موجبة للتصديق بثبوت محمولات هذه المسائل لموضوعاتها ، كما أنّ المبادئ التصورية هي حدود موضوعات المسائل ومحمولاتها كتعريف الفاعل والمبتدأ والخبر ونحوها ، وتعريف الرفع والنصب والجر المحمولة على تلك الموضوعات ، فالمبادئ التصورية لعلم النحو هي هذه الحدود ، فيستفاد من قوله : «والمسائل عبارة ... إلخ» أنّ العلوم أسامٍ لمسائلها ، لأنّه بعد البناء على اتحاد موضوع العلم مع موضوعات المسائل ، وعلى كون محمولات المسائل أعراضاً ذاتية لموضوعاتها فلا بد من كون أسامي العلوم أسماءً لمسائلها ، إذ لا يذكر في العلوم غير تلك المسائل ، فعلم الأُصول اسم لمسائله لا للإدراك ولا للملكة المسببة عن الممارسة ، وكذا علم النحو اسم للمسائل التي توجب مراعاتها صحة الكلمة إعراباً وبناءً ، وهكذا سائر العلوم.

(٢) المستفاد منه أنّ تمايز العلوم بتمايز الأغراض المترتبة على المسائل المختلفة موضوعاً ومحمولاً ، لا الموضوعات كما اشتهر ، وذلك لتحسين العقلاء تدوين علم واحد للمسائل المتشتتة المختلفة موضوعاً ومحمولا إذا كان الغرض المترتب عليها واحداً ، وتقبيحهم تدوين علم واحد للمسائل مع تعدد الغرض المترتب عليها ولو كان موضوع جميعها واحداً ، فلو كان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات لم يكن وجه للتقبيح المزبور ، لفرض وحدة الموضوع في جميع المسائل مع تعدد الغرض المترتب عليها.

١١

المسائل مما كان له دخل في مهمين (١) لأجل كل منهما دوّن علم على حدة ، فيصير من مسائل العلمين. لا يقال : على هذا (٢) يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كان هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا لا يمكن انفكاكهما. فإنّه يقال (٣) : مضافاً إلى بُعد ذلك بل امتناعه عادة ـ لا يكاد يصح لذلك تدوين علمين وتسميتهما باسمين ، بل تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لكلا المهمين وأخرى لأحدهما ، وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل ، فإنّ حُسن تدوين علمين كانا مشتركين في مسألة أو أزيد في جملة (٤)

______________________________________________________

(١) أي : في غرضين مهمين ، كقولنا : «الأمر حقيقة في الوجوب» فإنّه مسألة لغوية وأُصولية ، فيتداخل علما اللغة والأصول في هذه المسألة ، وكمسألة التجري ، فإنّه يتداخل فيها علم الفقه والأصول والكلام ، لوجود الجهة الفقهية والأصولية والكلامية فيها ، وهكذا غيرها.

(٢) المراد بالمشار إليه هو كون بعض المسائل مما له دخل في غرضين مهمين دوّن لكل منهما علم على حدة ، وحاصل الإشكال : أنّه يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما إذا كان هناك غرضان مهمان مترتبان على جملة من القضايا.

(٣) ملخص ما أجاب به عن هذا الإشكال يرجع إلى وجهين : أحدهما : بُعد هذا الفرض بل امتناعه عادة ، ثانيهما : عدم حُسن تدوين علمين حينئذ حتى يقال بلزوم تداخلهما في جميع مسائلهما ، بل لا بدّ من تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لأحد الغرضين وأُخرى للغرض الآخر ، وبالجملة : فحُسن تدوين علمين عند العقلاء مفقود في صورة التداخل في جميع المسائل ، بخلاف التداخل في بعضها ، فإنّ حُسن تدوين علمين فيها عند العقلاء مما لا إشكال فيه.

(٤) متعلق بقوله : «تدوين» يعني : أنّ حُسن تدوين علمين في جملة من مسائلهما المختلفة مما لا يخفى.

١٢

من مسائلهما المختلفة لأجل مهمين مما لا يخفى (١).

وقد انقدح بما ذكرنا (٢) : أنّ تمايز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعية إلى التدوين لا الموضوعات (٣) ولا المحمولات (٤)

______________________________________________________

(١) خبر لقوله (قده) : «فإن».

(٢) المراد بالوصول ما ذكره في تعريف المسائل من كون الجامع بينها اشتراكها في الدخل في الغرض الموجب لتحسين العقلاء تدوين علوم متعددة لأغراض كذلك وان كانت القضايا التي تترتب عليها الأغراض المتشتتة متحدة موضوعاً ومحمولا ، ولتقبيحهم تدوين علمين مع وحدة الغرض وان كان موضوع المسائل مختلفاً كقولنا : «خبر الواحد حجة» و «الإجماع حجة» و «ظواهر الألفاظ حجة» و «الأمر ظاهر في الوجوب» ونحو ذلك من القضايا المختلفة موضوعاً مع وحدة الغرض المترتب عليها ، فلو كان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات لكان تدوين علمين لها حسناً ، مع أنّه قبيح عند العقلاء كما لا يخفى.

(٣) كما اشتهر ذلك ، وحاصل إشكال المصنف على كون تمايز العلوم بتمايز الموضوعات هو : أنّه بناءً على ذلك يلزم تدوين علوم متعددة بتعدد الأبواب بل المسائل ، لاختلاف الموضوع في الأبواب والمسائل ، فإنّ الموضوع في باب الفاعل غير الموضوع في باب المبتدأ مثلاً ، فلو كان تميز العلوم بتمايز الموضوعات لزم أن يكون باب الفاعل علماً على حدة وكذا باب المبتدأ ، وهكذا سائر أبواب علم النحو. وكذا علم الأُصول ، فإنّ الموضوع في باب الألفاظ غير الموضوع في باب الأمارات والأُصول العملية وهكذا.

(٤) كقولنا : «الفاعل مرفوع» و «الفاعل ركن في الكلام» و «الفاعل مضمر أو ظاهر» ، فإنّ المحمولات في هذه القضايا مختلفة ، وتمايز العلوم بتمايز المحمولات يقتضي أن تكون هذه المسائل علوماً متعددة ، وهو كما ترى.

١٣

وإلّا كان كل باب (١) بل كل مسألة (٢) من كل علم علماً على حدة كما هو واضح لمن كان له أدنى تأمل ، فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجباً للتعدد (٣) كما لا يكون وحدتهما سبباً لأن يكون من الواحد (٤). ثم إنّه ربما لا يكون لموضوع العلم ـ وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل ـ عنوان خاص واسم مخصوص ، فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه (٥) ، بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلا (٦).

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يكن تمايز العلوم بتمايز الأغراض بل كان بتمايز الموضوعات أو المحمولات لزم أن يكون كل باب كباب الفاعل والمفعول من علم النحو وباب الألفاظ والأمارات مثلا من علم الأُصول علماً على حدة.

(٢) يعني : بل يلزم أن يكون كل مسألة علماً على حدة كرفع الفاعل وركنيته ومضمريته كما تقدم آنفاً ، لاختلاف المحمول في هذه المسائل ، فلو كان الملاك في وحدة العلم وتعدده وحدة المحمول وتعدده لزم أن يكون كل واحدة من هذه المسائل علماً مستقلا ، وهو واضح الفساد ، لامتياز مسائل العلم الواحد بعضها عن بعض موضوعاً أو محمولا أو كليهما كالفاعل مرفوع والمفعول منصوب.

(٣) أي : لتعدد العلم.

(٤) يعني : كما لا يكون وحدة الموضوع والمحمول ـ كقولنا : «الأمر حقيقة في الوجوب» المذكور في علمي الفقه والأصول ـ كاشفة عن وحدة الغرض ، لما عرفت من إمكان ترتب أغراض متعددة على قضية واحدة ، فليست وحدة المسألة موضوعاً ومحمولا سبباً لوحدة الغرض المترتب عليها.

(٥) ويشير إليه ويعرّفه بعنوان إجمالي.

(٦) لأنّ الغرض مترتب على ذات الموضوع ، لا على العنوان والاسم المشيرين إليه ، فعدم العلم باسمه لا يقدح في موضوعيته القائمة بذاته كما هو واضح.

١٤

وقد انقدح بذلك (١) : أنّ موضوع علم الأصول هو الكلي (*) المنطبق على موضوعات مسائله المتشتتة ، لا خصوص الأدلة الأربعة بما هي أدلة (٢) بل ولا بما هي هي (٣)

______________________________________________________

(١) المشار إليه هو قوله : «نفس موضوعات مسائله عيناً» إذ لازم العينية وعدم دخل الاسم في موضوعيته هو : كون الموضوع كلياً طبيعياً منطبقاً على موضوعات المسائل ومتحداً معها كاتحاد غيره من الكليات الطبيعية مع أفرادها.

(٢) كما نسب إلى المشهور واختاره المحقق القمي (قده).

(٣) أي : ذوات الأدلة لا بوصف الدليليّة ، وهذا مختار الفصول ، ووجه عدوله عن مسلك المشهور هو : استلزام ذلك لخروج جملة من المسائل الأُصولية عن علم الأصول ودخولها في المبادئ ، بيانه : أنّ البحث عن العوارض بحث عن مفاد

__________________

(*) هذا مما لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لا ينطبق هذا الكلي على الموضوعات المتباينة هوية لمسائل علم الأصول كقولنا : «خبر الواحد حجة» و «الاستصحاب حجة» و «الظن حجة» و «إتيان المأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء» وغير ذلك من المسائل المختلفة موضوعاتها حقيقة ، ولا سبيل إلى استكشاف جامع متحد مع موضوعات المسائل الأصولية ، لما عرفت من أجنبية قاعدة عدم صدور الواحد إلّا عن الواحد عن المقام ، فإنكار الموضوع لعلم الأصول ودعوى كونه نفس موضوعات المسائل عيناً ومفهوماً أولى من الالتزام بكون موضوعه كلياً مجهول الاسم متحداً مع موضوعات مسائله ، لما عرفت من عدم جامع بين تلك الموضوعات.

فالمتحصل : أنّ موضوع علم الأصول ليس كلياً ، بل هو نفس موضوعات مسائله التي يترتب عليها القدرة على استنباط الأحكام بحيث لو لم يكن هذا الغرض لم تدون تلك المسائل ولم تكن فائدة مهمة في البحث عنها.

١٥

ضرورة أنّ البحث في غير واحدة من مسائله المهمة (١) ليس من عوارضها (٢) وهو واضح لو كان المراد بالسنة منها (٣) هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره كما هو المصطلح فيها ، لوضوح عدم البحث في كثير من مباحثها المهمة كعمدة (٤)

______________________________________________________

«كان» الناقصة ، فلو كانت الحجية قيداً للأدلة التي هي موضوع العلم كما هو المفروض يلزم أن يكون البحث عن الحجية بحثاً عن وجود الموضوع الّذي هو مفاد «كان» التامة ، فيندرج البحث عن الحجية في المبادئ التصديقية لعلم الأُصول ، (فإنّ البحث) عن حجية الخبر الواحد ، وأحد الخبرين المتعارضين تعييناً أو تخييراً ، وحجية ظواهر الكتاب والإجماع والعقل وحجية الأصول العملية ، والبحث عن الاستلزامات العقلية (ليس) بحثاً عن عوارض الأدلة الأربعة مع أنّها من مهمات المسائل الأُصولية ، وهذا بخلاف كون الموضوع ذوات الأدلة لا بوصف الدليليّة ، فإنّ البحث عن الحجية يندرج في عوارض الأدلة لا في المبادئ.

(١) كالمباحث المشار إليها آنفاً.

(٢) لما عرفت من عدم كونها بمفاد «كان» الناقصة حتى تدخل في العوارض.

(٣) أي : من الأدلة الأربعة. ثم إنّ قوله : «ضرورة ان البحث إلخ» تعليل لنفي الأمرين ، وهما : موضوعية ذوات الأدلة وبوصف دليليتها لعلم الأصول. توضيحه : أنّ البحث عن حجية الخبر ليس بحثاً عن عوارض الكتاب والإجماع والعقل كما هو واضح سواء كانت بذواتها موضوعاً أم بوصف دليليتها ، وكذا ليس بحثاً عن عوارض السنة إن أُريد بها ما هو المصطلح عندهم من نفس قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، إذ ليس الخبر نفس السنة حتى تكون حجيته من عوارضها ، بل الخبر حاكٍ عنها ، فلا يرجع حجية الخبر إلى عوارض السنة بمعناها المصطلح سواء كانت السنة بذاتها موضوعاً أم بوصف دليليتها كما هو واضح غايته.

(٤) كالبحث عن حجية أحد الخبرين ترجيحاً أو تخييراً ، والبحث عن

١٦

مباحث التعادل والترجيح بل ومسألة حجية خبر الواحد لا عنها (١) ولا عن سائر الأدلة (٢) ، ورجوع البحث فيهما (٣) في الحقيقة إلى البحث عن ثبوت السنة بالخبر الواحد في مسألة حجية الخبر كما أُفيد (٤) وبأي الخبرين (٥) في باب التعارض فإنّه

______________________________________________________

المرجحات ، نعم بعض مباحثهما يكون من عوارض الكتاب والسنة كالبحث عن تعارض السنتين أو القراءتين ، وعن تعيين الظاهر والأظهر فيما إذا دار الأمر بين العموم الشمولي والبدلي مثلا ، أو كان التعارض بين أكثر من دليلين ، ضرورة أنّ تشخيص الظاهر والأظهر من حالات الدليل وعوارضه كما لا يخفى.

(١) يعني : لا عن السنة ، لما عرفت من عدم كون الخبر عين السنة ومتحداً معها بل هو حاكٍ عنها.

(٢) قد مر آنفاً كون بعض مباحث التعادل والترجيح بحثاً عن عوارض الكتاب والسنة ، نعم ليس بحثاً عن عوارض الإجماع والعقل.

(٣) أي : في عمدة مباحث التعادل والترجيح ، ومسألة حجية الخبر.

(٤) المفيد هو شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) وغرضه تأييد ما عن المشهور من موضوعية الأدلة الأربعة بما هي أدلة لعلم الأصول ، وعدم الحاجة إلى تكلف صاحب الفصول بجعل الموضوع ذوات الأدلة ليكون البحث عن حجية الخبر بحثاً عن عوارض ذات السنة. ومحصل ما أفاده الشيخ (قده) هو : أنّه بناءً على موضوعية الأدلة الأربعة بوصف الدليليّة يرجع البحث عن حجية الخبر الواحد وأحد الخبرين المتعارضين إلى البحث عن عوارض السنة ، لأنّه في الحقيقة بحث عن ثبوت السنة الواقعية بهما ، كثبوتها بالخبر المتواتر والواحد المحفوف بالقرينة القطعية ، فيندرجان في المسائل الأصولية ، ولا يكونان حينئذٍ من المبادئ التصديقية.

(٥) معطوف على قوله : «بالخبر الواحد».

١٧

أيضا بحث في الحقيقة عن حجية الخبر في هذا الحال (١) غير مفيد (٢) ، فإنّ البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة ليس بحثاً عن عوارضه (٣) ، فإنّها (٤) مفاد كان الناقصة لا يقال : هذا (٥) في الثبوت الواقعي ، وأما الثبوت التعبدي

______________________________________________________

(١) أي في حال التعارض ، وحاصله : عدم الفرق في حجية الخبر بين حالتي التعارض وعدمه ، لكون البحث في كلتا الصورتين بحثاً عن حجية الخبر.

(٢) خبر لقوله : «ورجوع» وإشكال على ما أفاده الشيخ من توجيه موضوعية الأدلة الأربعة بما هي أدلة ، وملخص إشكال المصنف عليه (قدهما) : أنّ البحث عن العوارض لا بد أن يكون بحثاً عن الوجود النعتيّ الّذي هو مفاد «كان» الناقصة و «هل» المركبة الراجع إلى ثبوت شيءٍ لشيءٍ كثبوت العلم والعدالة والقيام والقعود لشخص ، والبحث عن وجود الموضوع بحث عن الوجود المحمولي الّذي هو مفاد «كان» التامة و «هل» البسيطة في مقابل العدم المحمولي المعبر عنه بليس التامة وإن لم تستعمل «ليس» في لغة العرب إلا ناقصة. وإن شئت فقل : إنّ البحث عن العوارض التي هي مفاد كان الناقصة بحث عن المحمولات المترتبة ، والبحث عن وجود الموضوع بحث عن المحمول الأوّلي ، لأنّه أوّل محمول يحمل على الماهية ، والبحث عن حجية الخبر إن رجع إلى البحث عن ثبوت السنة به ـ كما أفاده الشيخ (قده) ـ يكون بحثاً عن وجود الموضوع ، وهو داخل في المبادئ وخارج عن المسائل التي تكون محمولاتها عوارض لموضوع العلم.

(٣) أي : عوارض الموضوع.

(٤) أي : العوارض ، هذا تعليل لعدم كون البحث عن ثبوت الموضوع بحثاً عن عوارضه كما مر.

(٥) أي : رجوع البحث عن ثبوت السنة بالخبر إلى البحث عن وجود

١٨

كما هو (١) المهم في هذه المباحث ، فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة (٢) ، فإنّه يقال : نعم (٣) لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها ، فإنّ الثبوت التعبدي

______________________________________________________

الموضوع محمولياً ، وغرضه تصحيح كلام الشيخ بأن يقال : إنّ الإشكال الّذي أورده على الشيخ (قده) ـ من رجوع البحث عن ثبوت السنة بالخبر إلى البحث عن وجود الموضوع الّذي هو خارج عن العوارض وداخل في المبادئ ـ إنّما يرد عليه إذا كان المراد بالثبوت التكويني ، لأنّ مرجعه حينئذٍ إلى وجود السنة الواقعية بالخبر ، ومن المعلوم أنّ هذا الوجود هو المحمولي الّذي يكون أجنبياً عن عوارض الموضوع ولا يمكن إرادته هنا ، لعدم تعقل علّية الخبر لوجود السنة الواقعية كما لا يخفى على من له أدنى تأمل. وأمّا إذا كان المراد بالثبوت التعبدي الّذي مرجعه إلى حكم الشارع بالحجية والعمل بالخبر تعبداً فيندرج في العوارض ، لكونه مفاد «كان» الناقصة ويخرج عن المبادئ ، فكلام الشيخ تصحيحاً لما عن المشهور من موضوعية الأدلة الأربعة بما هي أدلة لعلم الأصول في محله.

(١) أي : الثبوت التعبدي هو المهم في مباحث حجية خبر الواحد وأحد الخبرين المتعارضين.

(٢) يعني : فيكون ثبوت السنة تعبداً بالخبر داخلا في العوارض ، فيخرج بحث حجية الخبر عن المبادئ ويندرج في المسائل.

(٣) يعني : سلّمنا أنّ الثبوت التعبدي من العوارض ، لكنه من عوارض الخبر الحاكي للسنة لا من عوارض السنة المحكية به ، والمفيد في دفع الإشكال ـ أعني كون البحث عن حجية الخبر بحثاً عن وجود الموضوع الّذي هو مفاد كان التامة وداخلا في المبادئ لا المسائل ـ هو كون الثبوت التعبدي من عوارض السنة لا من عوارض حاكيها وهو الخبر. وبالجملة : لا يندفع الإشكال بإرادة الثبوت التعبدي.

١٩

يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية به ، وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى. وبالجملة الثبوت الواقعي ليس من العوارض ، والتعبدي وان كان منها إلا أنّه ليس للسنة بل للخبر ، فتأمل جيداً. وأمّا (١) إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها (٢) فلأن البحث في تلك المباحث وان كان عن أحوال

______________________________________________________

(١) هذا عدل لقوله قبل أسطر : «لو كان المراد بالسنة منها ... إلخ» وحاصله : أن جعل موضوع علم الأصول ذوات الأدلة أو بوصف الدليليّة لا يخلو من الإشكال.

(٢) كما هو مراد الفصول ، توضيحه : أنّه إِن أُريد بالسنة معنى عام يشمل كلا من الحاكي والمحكي ففيه : أنّه وإن لم يرد على جعل السنة بهذا المعنى العام موضوعاً لعلم الأُصول إشكال خروج البحث عن حجية خبر الواحد وأحد الخبرين المتعارضين عن المسائل ودخوله في المبادئ ، إذ المفروض صدق السنة بهذا المعنى على الخبر ، فالبحث عن حجيته بحث عن عوارض السنة ، فيندرج في المسائل دون المبادئ ، لكن يبقى إشكال آخر وهو الأعمية بالنسبة إلى سائر المسائل الأصولية ، حيث إنّ العارض بواسطة أمر أعم لا يكون عند المحققين من الأعراض الذاتيّة ، فلا تكون سائر المسائل من مسائل علم الأُصول ، مثلا كون الأمر حقيقة في الوجوب أو الندب أو الجامع بينهما من عوارض ما يكون على هيئة «افعل» سواء كان من الكتاب والسنة أم لا ، وكذا مسألة الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، أو الملازمة بين وجوبه وحرمة ضده ، أو جواز اجتماع الحكمين المتضادين في موضوع واحد ذي جهتين أو استحالته ، ونظائر ذلك. وقد تنبه صاحب الفصول لهذا الإشكال وأجاب عنه بأنّ البحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة ، ولا يقدح في ذلك تعرضهم لوضعه اللغوي أو العرفي ، إذ المقصود بيان مداليل تلك الألفاظ بأي وجه كان ... إلخ ، لكن لا يندفع به إشكال أعمية الواسطة من المعروض.

٢٠