منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

الافراد. ولو سلم (١) فلا محيص عن أنه هاهنا بهذا اللحاظ (٢) يراد

______________________________________________________

(١) يعني : ولو سلم ظهور كلمة «من» في التبعيض بلحاظ الأجزاء بحسب الاستعمالات المتعارفة ، ولكنه بقرينة المورد لا بد هنا من إرادة التبعيض بحسب الأفراد ، حيث ان هذا الخبر ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أن خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ان الله كتب عليكم الحج ، فقام عكاشة» إلى آخر ما ذكره في المتن ، فلا محيص عن إرادة التبعيض هنا بحسب أفراد العام لا بحسب أجزاء الكل ، إذ لا معنى لوجوب بعض أجزاء الحج في كل عام.

(٢) أي : لحاظ الأفراد ، وضمير «أنه» راجع إلى التبعيض ، والمشار إليه في «هاهنا» هو الخبر النبوي المذكور الوارد في الحج ، و «يراد» خبر «أنه».

__________________

الأجزاء ليشمل كلمة «من» التبعيض بحسب الأجزاء والأفراد معا ، وذلك لمباينة لحاظ الفردية للحاظ الجزئية ، فيمتنع اجتماعهما في استعمال واحد ، فيدور الأمر حينئذ بين كون «من» زائدة وكونها بمعنى الباء بناء على صحته.

وأما جعلها بيانية فقد تقدم آنفا عدم انطباق ضابط البيانية عليه ، فلا يتوقف إرادة التبعيض بحسب الأفراد على كون «من» بيانية ، بل لا يصح ذلك ، وانما تصح إرادته بحسبها مع زيادة «من» أو كونها بمعنى الباء ، والمعنى حينئذ : «وإذا أمرتكم بشيء فأوجدوه بقدر استطاعتكم» هذا كله بناء على وجود كلمة «من» في النبوي.

وأما بناء على عدمها كما عن صحيح النسائي ، حيث ان المروي فيه «إذا أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم» فالأمر واضح ، لأن مفاده حينئذ وجوب الإتيان بالشيء المأمور به بمقدار الاستطاعة ، وهذا معنى التكرار كما فهمه غير واحد كصاحب الحاشية ، أو الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الإطاعة. وعلى التقديرين يكون الخبر أجنبيا عن عدم سقوط الأجزاء الميسورة بمعسورها ، والمقصود إثبات الوجوب المولوي للاجزاء الميسورة وعدم سقوطها بمعسورها.

٣٤١

حيث (١) ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به ، فقد روي «أنه خطب رسول الله ، فقال : ان الله كتب عليكم الحج ، فقام عكاشة ويروى سراقة بن مالك فقال : في كل عام يا رسول الله فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا ، فقال : ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم ، وانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (٢) وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «فلا محيص» وقد مر تقريبه بقولنا : «ولكنه بقرينة المورد لا بد هنا من إرادة التبعيض ، فمحصل ما أفاده المصنف (قده) في هذا الخبر : عدم تمامية الاستدلال به على وجوب الإتيان بالمركب الّذي تعذر بعض أجزائه.

(٢) المراد به الاستطاعة العرفية لا العقلية ، ضرورة أن ترك إطاعة الأمر لعدم الاستطاعة العقلية لا يوجب الكفر كما هو قضية ما قبله «ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم» فمعناه : «أنه لو قلت : نعم ، لوجب عليكم الحج في كل عام ، وكان ذلك عسرا عليكم ، ولو تركتم ولو مع المشقة العرفية لكفرتم». و «ما تركتم» بصيغة المفعول.

__________________

ويؤيد المتن المذكور في صحيح النسائي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فاجتنبوه» لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام بيان لزوم فعل المأمور به وترك المنهي عنه ، فالمناسب أن يكون عدل «فاجتنبوا فأتوا به أو خذوا به» حتى يكون بمنزلة «فافعلوه».

والحاصل : أن الاستدلال بهذا النبوي على اعتبار قاعدة الميسور غير سديد والله تعالى هو العالم.

٣٤٢

ومن ذلك (١) ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا (٢) ، حيث (٣) لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها ،

______________________________________________________

(١) أي : ومن عدم ظهور الخبر الأول في التبعيض بحسب الأجزاء ظهر الإشكال في دلالة الخبر الثاني وهو «الميسور لا يسقط بالمعسور» والإشكال الّذي أورده على الاستدلال بالخبر الثاني من وجهين :

أحدهما : أن الميسور يحتمل أن يكون بحسب الأفراد لا بحسب الأجزاء ، والمفروض أن الاستدلال به منوط بإرادة الميسور من الأجزاء ، ومع احتمال إرادة غيره لا يصلح للاستدلال به على المقام.

ثانيهما : أنه لا يدل على المطلوب وهو وجوب الأجزاء الميسورة بتعذر بعض الأجزاء أو الشرائط ، حيث ان الميسور عام للواجبات والمستحبات ، فان دل الخبر على وجوب الميسور لزم خروج المستحبات عن عموم الميسور ، لوضوح عدم وجوب الميسور من المستحبات التي تعذر بعض أجزائها أو شرائطها ، فيدور الأمر بين تخصيص الميسور بالواجبات وإخراج المستحبات عنه ، وهو مخالف لبنائهم على جريان قاعدة الميسور فيها أيضا ، وبين التصرف في ظهور الأمر في الوجوب وحمله على مطلق الرجحان ، فلا يدل حينئذ على وجوب الباقي الميسور.

والظاهر عدم أولوية أحد التصرفين من الآخر ، فلا يصح الاستدلال به على وجوب الميسور ، كعدم صحته بناء على أظهرية حمل الأمر على مطلق الرجحان والمطلوبية كما قيل من تخصيص الميسور بالواجبات.

(٢) يعني : كالإشكال على الخبر الأول ، والمراد بالثاني هو خبر «الميسور لا يسقط».

(٣) هذا تقريب الإشكال الأول المتقدم بقولنا : «أحدهما : أن الميسور يحتمل .... إلخ».

٣٤٣

لاحتمال (١) إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها (٢) ، هذا. مضافا (٣) إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما (٤) ، لعدم (٥) اختصاصه بالواجب ، ولا مجال معه (٦) لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم ، إلّا (٧) أن يكون المراد عدم سقوطه بماله من الحكم

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «حيث لم يظهر» وحاصله : أن هذا الاحتمال مصادم لاحتمال «الميسور من الأجزاء» بحيث يبطل الاستدلال به على قاعدة الميسور ، والضمير المستتر في «يظهر» راجع إلى الثاني.

(٢) الضمير راجع إلى «أفراد» و «من أفراد» متعلق بالميسور ، و «بالمعسور» متعلق بـ «سقوط».

(٣) هذا إشارة إلى ثاني وجهي الإشكال المتقدم آنفا بقولنا : «ثانيهما أنه لا يدل على المطلوب وهو وجوب الأجزاء الميسورة ... إلخ».

(٤) يعني : كما هو المطلوب ، فلا يدل الخبر الثاني على وجوب الأجزاء الميسورة ، لعدم اختصاصه بالواجبات ، لما عرفت من عموم «الميسور» لكل من الواجب والمستحب ، وضميرا «دلالته ، اختصاصه» راجعان إلى «الثاني».

(٥) تعليل لعدم دلالة الخبر الثاني على عدم سقوط الميسور لزوما ، وقد عرفت تقريبه بقولنا : ««لعدم اختصاصه بالواجبات لما عرفت من عموم .... إلخ».

(٦) أي : مع عدم اختصاص الخبر الثاني بالواجب لا مجال لتوهم دلالته على أن عدم السقوط يكون بنحو اللزوم ، وهذا من تتمة الإشكال ، فالأولى أن يقال : «فلا مجال» لأنه نتيجة عدم اختصاصه بالواجب ، وضمير «دلالته» راجع إلى «الثاني» ، وضمير «أنه» إلى «عدم السقوط».

(٧) هذا دفع الإشكال الثاني المذكور بقوله : «مضافا إلى عدم دلالته» واستدراك

٣٤٤

وجوبا كان أو ندبا بسبب سقوطه (١) عن المعسور (*) بأن (٢) يكون

______________________________________________________

عليه ، ومحصل الدفع : أن «لا يسقط» ان كان إنشاء لوجوب الميسور كانت المستحبات خارجة عن مورد قاعدة الميسور ، واختصت القاعدة بالواجب المتعذر بعض أجزائه. لكنه ليس كذلك ، لظهور «لا يسقط» في حكايته عن عدم سقوط حكم الميسور من الوجوب أو الندب بسقوط حكم المعسور ، فيشمل كلّا من الواجب والمستحب المتعذر بعض أجزائهما أو شرائطهما ، فلا تخرج المستحبات عن حيّز قاعدة الميسور. وهذا كـ «إبقاء ما كان» في الاستصحاب ، فمعنى «لا تنقض اليقين بالشك» إبقاء المتيقن السابق سواء كان حكما تكليفيا أم وضعيا أم موضوعا ، وليس معناه وجوب الإبقاء حتى يختص الاستصحاب بالواجبات.

وثبوت حكم الميسور بلسان ثبوت موضوعه وهو الميسور نظير نفي الموضوع المراد به نفي حكمه كـ «لا ضرر» ونحوه من العناوين الثانوية الرافعة للحكم الأوّلي ، فلزوم البيع مثلا منفي ان كان ضرريا.

(١) أي : سقوط الحكم عن المعسور ، وضميرا «سقوطه ، له» راجعان إلى الميسور ، و «من» بيان لـ «ما» الموصول ، و «بسبب» متعلق بـ «عدم سقوطه».

(٢) هذا مبيّن لكون سقوط الميسور بما له من الحكم ، وقد مر آنفا تقريبه بقولنا : «ومحصل الدفع أن لا يسقط ... إلخ» فقوله : «بحكمه» أي بما للميسور من الحكم واجبا كان أم مستحبا.

__________________

(*) هذا هو المتعين ، لما شاع في الخطابات الشرعية من إرادة الحكم إثباتا أو نفيا من إثبات الموضوع أو نفيه ، إذ لا معنى لإنشاء وجوب الميسور ، حيث ان لازمه وجوب الميسور مطلقا سواء كان حكمه قبل تعذر بعض أجزاء المركب وجوبا أم ندبا.

٣٤٥

قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه ، حيث (١) ان الظاهر من مثله هو ذلك (٢) ، كما أن الظاهر من مثل «لا ضرر ولا ضرار» هو

______________________________________________________

(١) غرضه الاستشهاد على كون قضية الميسور كناية عن عدم سقوط حكمه بأن الظاهر من مثل هذا الكلام النافي لموضوع أو المثبت له هو نفي الحكم عن الموضوع أو إثباته له ، حيث ان نفي الموضوع أو إثباته شرعا لا يراد منه الرفع التكويني أو الإثبات كذلك ، لمنافاة التكوين للتشريع ، ومن المعلوم أن مورد الرفع والوضع التشريعيين هو الحكم ، فإثبات الموضوع شرعا أو نفيه كذلك لا معنى له إلّا إثبات حكمه أو نفيه ، نظير «لا ضرر» فان نفي الضرر الخارجي كذب ، فالمراد به نفي حكمه مطلقا تكليفيا كان أم وضعيا ، وهذا التعبير عن ثبوت الحكم بلسان ثبوت موضوعه ونفيه بلسان نفي موضوعه شائع متعارف. وضميرا «سقوطه بحكمه» راجعان إلى الميسور ، وضمير «مثله» راجع إلى «الثاني» المراد به «الميسور لا يسقط بالمعسور» والمراد بـ «مثله» كل ما هو بلسانه من إثبات الموضوع أو نفيه.

(٢) أي : عدم سقوطه بحكمه ، وحاصله : أن إثبات الموضوع ونفيه في

__________________

وهذا كما ترى خلاف الضرورة الفقهية ، إذ لا وجه لتبدل الاستحباب قبل التعذر بالوجوب بعده. والقول باختصاصه بالواجبات يوجب خروج المستحبات عن حيز قاعدة الميسور. كما لا معنى لأن يكون «لا يسقط» اخبارا عن ثبوت الميسور تكوينا ، إذ لا يعقل أن يكون العدم ـ أي عدم المعسور ـ علة لوجود الميسور كما لا يخفى. كما لا معنى لإنشاء الوجوب للثبوت ، بأن يكون ثبوت الميسور واجبا ، إذ ليس ثبوته فعل المكلف حتى يصح تعلق التكليف به.

نعم يصح إرادة الإتيان بالميسور ، بأن يتعلق إنشاء الوجوب بالإتيان به ، حيث انه فعل المكلف لكن لا بد حينئذ من كونه «يسقط» مبنيا للمفعول من باب

٣٤٦

نفي ما له من تكليف أو وضع ، لا (١) أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة على جريان

______________________________________________________

الخطابات الشرعية كناية عن إثبات حكمه شرعا أو نفيه عنه كذلك.

(١) يعني : لا أن قضية الميسور عبارة عن عدم سقوط الميسور بنفسه وبقائه على عهدة المكلف حتى تختص القاعدة بالواجبات ولا تشمل المستحبات ، لاختصاص العهدة بالواجبات.

والحاصل : أن الجمود على ظاهر اسناد عدم السقوط إلى نفس الميسور يقتضي أن يكون نفس الميسور ثابتا في الذّمّة ، وحيث انه لا عهدة في المستحبات فيختص بالواجبات ، ولا يشمل المستحبات.

ولكن أورد عليه : بأن الظاهر من ثبوت الموضوع شرعا ونفيه كذلك هو ثبوت الحكم أو نفيه عنه. وعليه فيدل «الميسور لا يسقط بالمعسور» على ثبوت يحكمه مطلقا وجوبا كان أم مستحبا ، فتجري قاعدة الميسور في المستحبات بلا عناية وتكلف ، وضمائر «سقوطه ، بنفسه ، وبقائه» راجعة إلى الميسور.

__________________

الأفعال ، وجعل «لا» ناهية ، وان كان مخالفا للظاهر ومما لا يساعده دليل.

وبالجملة : فالمعنى الأول وهو الاخبار عن بقاء حكم الميسور وجوبا أو ندبا وعدم سقوطه بالمعسور هو الّذي ينبغي المصير إليه.

والإيراد عليه بما في تقريرات بعض أعاظم العصر دامت أيامه الشريفة : «ولكن التحقيق عدم تمامية الاستدلال المذكور ، لأن السقوط فرع الثبوت ، وعليه فالرواية مختصة بتعذر بعض أفراد الطبيعة باعتبار أن غير المتعذر منها كان وجوبه ثابتا قبل طروء التعذر ، فيصدق أنه لا يسقط بتعذر غيره ، بخلاف بعض أجزاء المركب فانه كان واجبا بوجوب ضمني قد سقط بتعذر المركب من حيث المجموع ، فلو ثبت وجوبه بعد ذلك فهو وجوب استقلالي ، وهو حادث ، فلا معنى للاخبار عن

٣٤٧

القاعدة في المستحبات على وجه (١) أو لا يكون له دلالة على وجوب

______________________________________________________

(١) وهو جعل «لا يسقط» للوجوب ، فانه حينئذ يختص بالواجبات ولا يشمل المستحبات.

__________________

عدم سقوطه بتعذر غيره» مندفع أولا : بأن فرعية السقوط على الثبوت انما هي ثابتة في الكل لا في الكلي بتعذر بعض أفراده ، حيث ان وجوب الأجزاء الميسورة قبل تعذر الأجزاء المعسورة كان ثابتا وان كان وجوبا ضمنيا ، وبعد التعذر تحكم القاعدة ببقاء ذلك الوجوب ان كان وجوبا ، وببقاء الندب ان كان ذلك ندبا ، فالحكم الضمني الثابت للأجزاء وجوبا أو ندبا لم يسقط بتعذر بعضها.

ودعوى سقوطه بتعذر المركب من حيث المجموع ممنوعة جدا ، لأنها أول الكلام ودعوى بلا برهان ، إذ لو كان ذلك مسلّما عندهم لما وقع النزاع بينهم في وجوب الباقي ، والتمسك لوجوبه بالاستصحاب تارة وبقاعدة الميسور أخرى ، ومن المعلوم أن المستصحب هو الوجوب السابق لا وجوب جديد.

نعم لو لم تكن قاعدة الميسور كان مقتضى الارتباطية سقوط الأمر بالكل ، لكن القاعدة تكشف عن سقوطه بالنسبة إلى خصوص الأجزاء المعسورة ، وسقوط تقيد الميسورة بها مع بقاء نفس أمرها الضمني.

وأما سقوط أوامر الأفراد المعسورة من الكلي كسقوط أمر صوم يوم أو أيام من شهر رمضان ، فلا وجه لتوهم مسقطيته لأوامر الأفراد الميسورة ، حتى يحتاج دفعه إلى القاعدة ، ضرورة أن كل فرد من أفراد الكلي موضوع مستقل لحكم على حدة ، ففي مثال الصوم لا منشأ لتوهم سقوط وجوب صوم أيام يتمكن المكلف منه بتعذر صوم أيام لا يتمكن منه.

والحاصل : أن السقوط المتفرع على الثبوت مختص بأجزاء الكل ، ولا يشمل أفراد الكلي أصلا ، كما لا يشمل أوامر الطبائع المختلفة ، ضرورة أنه لا وجه

٣٤٨

الميسور في الواجبات على آخر (١) فافهم (٢).

______________________________________________________

(١) أي : على وجه آخر ، وهو حمله على الثبوت ومطلق الرجحان والمطلوبية.

(٢) لعله إشارة إلى : أن حمل «عدم السقوط» على عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدته لا يوجب خروج المستحبات عن حيّز قاعدة الميسور ، إذ لا مانع من كون المستحبات في عهدة المكلف كالواجبات ، ويدل عليه مثل ما رواه مرازم ، قال : «سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : أصلحك الله ان عليّ نوافل كثيرة ، فكيف

__________________

لتوهم سقوط أمر الصلاة أو الحج أو الزكاة مثلا بتعذر الصوم حتى تجري فيها قاعدة الميسور. فتعذر بعض أفراد الكلي أجنبي عن مورد قاعدة الميسور ، فان الميسور من الشيء هو جزؤه ، ولا يصدق ذلك إلّا على ميسور المركب ، فان التمكن من صوم عشرة أيام من شهر رمضان مثلا لا يعد ميسورا للأيام التي لا يتمكن من صومها.

وثانيا : ـ بعد تسليم سقوط الأمر الضمني بتعذر المركب من حيث المجموع ـ بأن اسناد «لا يسقط» إلى نفس الميسور يدل على عدم سقوطه عما كان له من الموضوعية ، سواء كان الحكم الثابت له فعلا نفس الحكم الّذي كان له قبل تعذر بعض الأجزاء ، أم حكما آخر مسانخا له ، لصدق موضوعيته في كلتا الحالتين ، فكأنه قيل : «الميسور لم يسقط عن الموضوعية في عالم التشريع بسبب سقوط المعسور عن الموضوعية» وان كان الظاهر من بقاء موضوعيته هو بقاء نفس ذلك الحكم الضمني وعدم تبدل شيء منه إلّا حدّه الّذي هو أمر عدمي ، فقبل تعذر بعض الأجزاء كان المركب محدودا بعشرة أجزاء ، وبعده صار محدودا بثمانية مثلا ، ومن المعلوم أن الحدود أعدام ، ولا تؤثر في وجود المحدودات.

وبالجملة : فالاستدلال بالخبر الثاني على فرض صحته سندا ولو بالانجبار لا بأس به ، والإشكالات الواردة على دلالته قابلة للدفع.

٣٤٩

وأما الثالث (١) فبعد تسليم (٢) ظهور كون الكل في المجموعي

______________________________________________________

أصنع؟ فقال : اقضها ، فقال : انها أكثر من ذلك ، قال : اقضها ، قلت : لا أحصيها ، قال : توخّ» الحديث (١).

وعليه فالمستحب كالواجب يستقر في العهدة ، غاية الأمر عدم وجوب إبراء الذّمّة عنه ، نظير كون المال الّذي أتلفه الصبي في عهدته مع عدم وجوب إبراء ذمته قبل بلوغه ، فلا ملازمة بين الحكم الوضعي والتكليفي.

أو إشارة إلى : أن ما اختاره من عدم سقوط الميسور بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا يشمل الواجب والمندوب بلا تكليف ، فلا يلزم خروج المستحبات أصلا.

(١) وهو «ما لا يدرك كله لا يترك كله».

(٢) هذا إشارة إلى أحد الإشكالات التي أوردها شيخنا الأعظم (قده) على الاستدلال بهذا الخبر. ومحصل هذا الإشكال : أن الاستدلال به منوط بإرادة الكل ذي الأجزاء من كلمة «كله» كما هو واضح ، إذ لو أريد الكل ذو الأفراد كما هو المحتمل كان أجنبيا عن مورد قاعدة الميسور ، فإذا أمر بصوم كل يوم من شهر رمضان أو إكرام كل عالم ، وتعذر صوم بعض الأيام أو وجوب إكرام بعض العلماء ، لأن الميسور منهما ليس ميسورا لذلك المعسور بعد وضوح كون صوم كل يوم وإكرام كل فرد من أفراد العالم موضوعا مستقلا للحكم بنحو العام الاستغراقي.

والمصنف (قده) ـ بعد تسليم ظهور الخبر في الكل المجموعي حتى يشمل المركب ويصح الاستدلال به من هذه الحيثية على قاعدة الميسور ، والغض عن احتمال إرادة الكل الأفرادي من لفظ «كله» الأول ـ يورد على الاستدلال به من جهة أخرى ، وهي : أن الموضوع وهو «ما» الموصول عام يشمل الواجبات

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ، ص ٥٧ ، الباب ١٩ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث : ١ ونحوه غيره.

٣٥٠

لا الأفرادي لا دلالة له (١) الا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به واجبا كان أو مستحبا عند (٢) تعذر بعض أجزائه ، لظهور (٣)

______________________________________________________

والمستحبات ، فلا بد حينئذ أن يراد من «لا يترك» معنى عام وهو مطلق الرجحان ليناسب عمومية الموضوع ، لامتناع أخصية المحمول من الموضوع «الحيوان إنسان» ولئلا يلزم وجوب الإتيان بالبعض الميسور من المستحب الّذي تعذر بعض أجزائه ان أريد به حرمة الترك ، ومن المعلوم أن مطلق الرجحان لا يدل على حرمة ترك الباقي ووجوب الإتيان بما عدا المتعذر.

لا يقال : ان ظهور «لا يترك» في الوجوب يوجب تخصيص عموم «ما» الموصول بالواجبات ، فيختص الخبر بها ولا يعم المستحبات.

فانه يقال : ان ظهور الموصول في العموم لكونه بالوضع أقوى من ظهور «لا يترك» في الوجوب ، لكونه بالإطلاق ، فيمكن أن يكون ذلك قرينة على حمل «لا يترك» على الكراهة ومطلق المرجوحية.

فالنتيجة : أن الخبر لا يدل على وجوب الإتيان بما عدا المتعذر. ولو سلم عدم أقوائية ظهور الموصول في العموم من ظهور «لا يترك» في الوجوب ، فلا أقل من التساوي ، فيصير الخبر مجملا كما أشار إليه الشيخ (قده).

(١) أي : للخبر الثالث ، وهو : ما لا يدرك كله لا يترك كله.

(٢) متعلق بـ «الإتيان» وضمير «أجزائه» راجع إلى «المأمور به».

(٣) تعليل لعدم دلالة هذا الخبر إلّا على مجرد رجحان الإتيان بباقي المأمور به ، وقد تقدم آنفا تقريبه بقولنا : «وهي أن الموضوع وهو ما الموصول عام يشمل الواجبات والمستحبات ... إلخ» وضمير «يعمهما» راجع إلى الواجب والمستحب.

وبالجملة : فالإشكالات التي أشار إليها المصنف أمور :

الأول : ما تعرض له الشيخ (قده) أيضا من : أنه يحتمل أن يكون المراد بالكل

٣٥١

الموصول فيما يعمهما ، وليس ظهور (١) «لا يترك» في الوجوب لو سلّم (٢) موجبا (*) لتخصيصه (٣) بالواجب لو لم يكن ظهوره في الأعم

______________________________________________________

هو الأفرادي ، ومعه لا يمكن الاستدلال به ، لكونه أجنبيا عن الكل ذي الأجزاء الّذي هو مورد البحث ، وقد أشار إليه وإلى دفعه بقوله : «فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي».

الثاني : أن أعمية الموصول من الواجبات والمستحبات توجب حمل «لا يترك» على مطلق المرجوحية ، وتمنع عن إرادة حرمة الترك حتى يدل على وجوب الإتيان بباقي المأمور به. وأشار إلى هذا الإشكال بقوله ، «لا دلالة له الا على رجحان الإتيان».

الثالث : أن ظهور الجملة الخبرية مثل «لا يترك» في الوجوب غير مسلم لذهاب بعض الأعاظم إلى عدم دلالتها على الوجوب. لكن المصنف دفع هذا الإشكال واعترف بدلالة الجملة الخبرية على الوجوب كما أوضحه في مبحث الأوامر.

(١) قد مر توضيحه بقولنا : «لا يقال : ان ظهور لا يترك في الوجوب ... إلخ»

(٢) إشارة إلى الإشكال الثالث الّذي تقدم آنفا بقولنا ، «الثالث : أن ظهور الجملة الخبرية مثل لا يترك في الوجوب ... إلخ».

(٣) أي : الموصول الّذي يعمّ الواجب والمستحب ، وهذا إشارة إلى : أن ظهور «لا يترك» في الوجوب لا يوجب اختصاص الموصول بالواجب لو لم يمكن عموم الموصول قرينة على التصرف في ظهور «لا يترك» بحمله على الكراهة ، أو مطلق المرجوحية ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «فانه يقال : ان ظهور الموصول في العموم أقوى من ظهور لا يترك في الوجوب ...» وضمير «ظهوره» راجع إلى الموصول.

__________________

(*) بل ظهوره في الوجوب موجب لتخصيص عموم الموصول بالواجب ،

٣٥٢

قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي (١) وكيف كان فليس ظاهرا في اللزوم هاهنا (٢) ولو قيل (٣) بظهوره فيه في غير المقام (٤).

______________________________________________________

(١) وهو «لا يترك». لكن كون «لا» نافية غير معلوم ، لقوة احتمال كونها ناهية. وعلى هذا الاحتمال ينتفي موضوع الإشكال في دلالة الجملة الخبرية على الوجوب ، لكونها حينئذ جملة إنشائية.

(٢) يعني : في «لا يترك» لمعارضة ظهور الموصول في الأعم من الواجب والمستحب له ، والضمير المستتر في «ليس» راجع إلى «لا يترك».

(٣) كلمة «لو» وصلية ، يعني : وان قلنا بظهور الجملة الخبرية في سائر الموارد في الوجوب ، إلّا أنه لا نقول به في المقام ، للمعارضة المذكورة ، وضمير «بظهوره» راجع إلى «لا يترك» وضمير «فيه» إلى اللزوم.

(٤) أي : في سائر المقامات.

__________________

لكون الذيل قرينة على الصدر ، ولأن التخصيص لا يوجب المجاز كما ثبت في محله ، بخلاف حمل النهي على الكراهة أو المرجوحية ، فانه يوجب المجاز في الكلمة. وليس ظهور الموصول في العموم قرينة على التصرف في ظهور «لا يترك» في الوجوب ، لما مر من أن الذيل قرينة على الصدر ، إذ للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء ، فالظهور التصديقي في كل كلام منوط بإكماله ، وأما الدلالة الاستعمالية فلا عبرة بها في ترتيب الآثار.

وهذا من غير فرق بين كون دلالة الموصول على العموم بالوضع وبالإطلاق ، لتقدم ظهور القرينة ولو كان بالإطلاق على ظهور ذيها وان كان بالوضع كما قرر في محله.

وعليه فلا قصور في دلالة «لا يترك» على الوجوب ، كما لا قصور في دلالة «كله»

٣٥٣

ثم انه (١) حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، وغرضه من هذه العبارة : بيان موارد قاعدة الميسور ، وأنها تجري في تعذر كل من الجزء والشرط ، ولا تختص بتعذر الجزء كما هو خيرة شيخنا الأعظم (قده) حيث قال : «وأما القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة ـ يعني بها قاعدة الميسور ـ فالظاهر عدم جريانها» يعني عند تعذر أحد الشروط ، وان اختار في أثناء كلامه جريان القاعدة في بعض الشروط التي يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد له مع الواجد له كاتحاد الصلاة الفاقدة للطهارة والستر والاستقبال مثلا للواجدة لها.

__________________

الأول على الكل المجموعي والمركب ذي الأجزاء ، حيث ان إرادة الكل الأفرادي منه منوطة بتقدير ، بأن يقال : «ما لا يدرك كل أفراده» وهو خلاف الأصل لا يصار إليه بلا دليل ، بخلاف إرادة الكل المجموعي ، فانها لا تحتاج إلى تقدير ، إذ معناه حينئذ أن الكل الّذي لا يدرك كله بسبب تعذر بعض أجزائه يحرم ترك ما تيسر منه ، بل يجب الإتيان به حتى لا يترك كله بالعجز وبعضه بالاختيار.

بل التعبير بالكل المجموعي هنا في قبال الكل الأفرادي مسامحة ، إذ المتعارف إرادة المركب ذي الأجزاء من لفظ الكل ، لا إرادة الكل المجموعي بأن يلاحظ كل فرد من أفراد الكلي جزءا لموضوع الحكم.

وبالجملة : فالظاهر أن المراد بالكل في كلا الموردين هو المركب ذو الأجزاء ، والمقصود أن المركب إذا لم يمكن بسبب تعذر بعض أجزائه إدراك كله المعبر عنه بالفارسية «همه آن نبايد ترك شود همه آن» بأن يستند ترك بعضه إلى العجز وبعضه إلى الاختيار ، بل لا بد من الإتيان ببعضه المقدور حتى لا يترك كله.

والحاصل : أن الاستدلال بالخبر الثالث بعد الانجبار بالعمل كالخبر الثاني على اعتبار قاعدة الميسور لا بأس به.

٣٥٤

على الباقي عرفا (١) كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا (٢) لصدقه (٣) حقيقة عليه مع تعذره عرفا ،

______________________________________________________

وكيف كان فالمعتبر في جريان قاعدة الميسور عند المصنف (قده) هو صدق الميسور عرفا على الفاقد سواء كان المفقود جزءا أم شرطا ، حيث ان وزان هذه القاعدة وزان الاستصحاب في إبقاء الحكم السابق للباقي من حيث كون الفاقد هو الواجد ، وإلّا لم يكن إبقاء لذلك الحكم ، بل كان تشريعا لحكم جديد لموضوع مباين.

(١) الوجه في اعتبار صدق الميسور عرفا على الباقي في جريان القاعدة فيه هو عدم صدق بقاء الحكم السابق كما مر آنفا وعدم سقوطه إلّا إذا كان الباقي ميسورا للواجد حتى يكون الفاقد هو الواجد عرفا ، والحكم الثابت له فعلا هو نفس الحكم الّذي كان له قبل تعذر بعض الأجزاء ، وعليه فلا يصدق ميسور الشيء الا على ميسور الأجزاء والشرائط ، ولا يصدق على ميسور الأفراد الملحوظة بنحو العام الاستغراقي كما مر سابقا ، فان الحج الميسور في هذه السنة ليس ميسور الحج في العام الماضي.

(٢) يعني : كما تجري القاعدة مع تعذر الجزء ، وهذا تعريض بما أفاده الشيخ (قده) أولا من عدم جريان قاعدة الميسور في تعذر الشرط وان عدل عنه أخيرا والتزم بجريانها في بعض الشروط كما مر آنفا.

(٣) تعليل لجريان القاعدة في تعذر الشرط ، وحاصل التعليل : صدق الميسور على فاقد الشرط ، وهذا هو المناط في جريان القاعدة ، وضمير «صدقه» راجع إلى الميسور ، وضمير «عليه» إلى الباقي ، وضمير «تعذره» إلى الشرط ، و «حقيقة ، عرفا» قيدان لـ «صدقه» يعني : أن صدق الميسور على فاقد الشرط يكون نظير العرف على وجه الحقيقة لا المجاز.

٣٥٥

كصدقه (١) عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة (٢) وان (٣) كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا (٤) ولأجل ذلك (٥) ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها موردا لها (٦) فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا وان كان غير مباين لواجد عقلا (٧) (*)

______________________________________________________

(١) يعني : كصدق الميسور على الباقي عرفا مع تعذر الجزء ، فقوله : «كذلك» يعني عرفا.

(٢) يعني : بعض الأجزاء ، وهو غير المعظم منها كما سيأتي.

(٣) كلمة «وان» وصلية ، وغرضه : أن المناط في صدق الميسور على الباقي هو نظر العرف ، فلو صدق الميسور عرفا على فاقد الشرط ـ وان لم يصدق عليه عقلا بل كان فاقده بنظره مباينا لواجده ـ جرت فيه قاعدة الميسور.

(٤) قيد لقوله : «مباينا» فان فاقد الشرط مباين عقلا لواجده.

(٥) يعني : ولأجل كون المناط في صدق الميسور على الباقي هو النّظر العرفي دون العقلي ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو للركن منها موردا لقاعدة الميسور ، لعدم صدق الميسور من الصلاة عرفا على فاقدة الأركان وان كانت من مراتب الصلاة وميسورها عقلا.

(٦) أي : لقاعدة الميسور ، و «موردا» خبر «يكون» وعدم صدق الميسور عرفا على فاقد الركن مما لم يتعرض له الشيخ (قده) وان كان الحق ما أفاده المصنف (قده) وضمير «لركنها» راجع إلى الأجزاء.

(٧) بأن كان الفاقد بعض مراتب الواجد ، فيكون الفاقد ميسورا عقلا لا عرفا لخفاء كيفية دخل المفقود في المركب على العرف الموجب لعدم حكمهم بكون

__________________

(*) يرد عليه : أن العقل مع نظره الدقي كيف يحكم بعدم قدح المفقود

٣٥٦

نعم (١) ربما يلحق به شرعا ما لا يعدم بميسور عرفا

______________________________________________________

الفاقد ميسورا عرفيا ، فيفترق الميسور العقلي عن العرفي حينئذ ، هذا.

(١) هذا استدراك على ما ذكره من كون الملاك في جريان قاعدة الميسور هو صدق الميسور العرفي على الباقي ، وغرضه : أن هذا الملاك مطّرد في جميع الموارد إلّا فيما قام الدليل على خروج الميسور العرفي عن حيّز هذه القاعدة وعدم جريانها فيه مع كونه ميسورا عرفيا ، أو قام الدليل على جريان القاعدة فيما ليس بميسور عرفا.

وبالجملة : الضابط المزبور وهو اعتبار كون الميسور عرفيا متّبع إلّا مع قيام الدليل شرعا على إلحاق غير الميسور العرفي بالميسور العرفي في جريان قاعدة الميسور فيه كصلاة الغرقى مثلا ، فانها ليست بنظر العرف ميسور الصلاة ، لكن دل الدليل على أنها ميسورها اما تخطئة للعرف ، لعدم اطلاعه على وفاء الفاقد في حال التعذر بجميع مصلحة الواجد أو معظمها ، إذ مع اطلاعه على ذلك لعدّه كالشرع ميسورا ، وأما تشريكا للميسور وتوسعة له في الحكم مع عدم كونه ميسورا حقيقة.

__________________

في صدق الميسور على فاقده ، ولا يحكم العرف مع نظره المسامحي بذلك ، مع وضوح أن الأمر بالعكس ، فان العرف يحكم في بعض الموارد بميسورية الفاقد ولا يحكم بها العقل. نعم يتفقان في الحكم بميسورية الفاقد فيما إذا كان المفقود من قبيل الواجب في الواجب أو المستحب كذلك ، ضرورة عدم جزئية المفقود حينئذ للمركب أصلا ، لا جزءا مقوّما ولا غيره ، بل هو أجنبي عن أجزاء المركب ، وانما جعل المركب ظرفا لمشروعيته. بل الحق منع صدق الميسور حينئذ على الباقي ، لأنه نفس المركب ، لا جزؤه الميسور حتى تجري فيه قاعدة الميسور ، إذ الدليل المثبت لحكمه هو نفس الدليل الأوّلي لا الثانوي كالقاعدة.

٣٥٧

بتخطئته (١) للعرف ، وأن (٢) عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد من قيامه في هذا الحال (٣) بتمام ما قام عليه الواجد أو بمعظمه في غير الحال (٤).

______________________________________________________

أو مع قيام الدليل على إخراج الميسور العرفي عن حيز قاعدته ، اما تخصيصا لعموم القاعدة على حذو تخصيص سائر القواعد العامة ، واما تخطئة للعرف في عدّهم الفاقد ميسورا ، لعدم قيامه بشيء من مصلحة الواجد ، كأمر الشارع بالتيمم لمن لا يتمكن من غسل عضو من أعضاء الوضوء ، فان صدق ميسور الوضوء عرفا على غسل سائر الأعضاء وان كان مسلما ، لكن الشارع لم يعتن بهذا الميسور العرفي وأمر بالتيمم الّذي هو بدل الوضوء.

وبالجملة : فنظر العرف في تمييز الميسور متّبع ما لم يقم دليل شرعا على الإدراج أو الإخراج.

ومع الشك في صدق الميسور عرفا على الفاقد وعدم دليل خاص على حكمه إلحاقا أو إخراجا لا يرجع إلى قاعدة الميسور ، لكونه تشبثا بالدليل لإحراز موضوعه ، بل يرجع إلى ما تقدم من استصحاب وجوب الباقي على فرض صحته ، وإلّا فإلى البراءة العقلية كما عليه المصنف ، أو النقليّة كما عليه الشيخ. وقد عرفت هناك أن الحق وجوب الباقي ، وجريان البراءتين في نفس المتعذر جزءا أو شرطا.

(١) أي : بتخطئة الشرع للعرف ، وضمير «به» راجع إلى الميسور عرفا.

(٢) معطوف على «تخطئة» ومفسر له.

(٣) أي : حال التعذر ، و «من» مفسر لـ «ما» الموصول ، وضمير «قيامه» راجع إلى «الفاقد».

(٤) أي : في غير حال التعذر ، وهو متعلق بـ «قام» ، و «بمعظمه» معطوف

٣٥٨

وإلّا (١) عدّ أنه ميسوره. كما (٢) ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك أي للتخطئة ، وأنه (٣) لا يقوم بشيء من ذلك (٤).

وبالجملة : ما لم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان

______________________________________________________

على «بتمام» والمراد بتمام ما قام عليه الواجد أو معظمه هو الملاك الداعي إلى تشريع الأمر بالكل ، وضمير «بمعظمه» راجع إلى «ما» الموصول المراد به الملاك.

(١) أي : وان اطلع العرف على قيام الفاقد بتمام مصلحة الواجد أو معظمها لعدّ الفاقد ميسورا للواجد ، وضمير «أنه» راجع إلى الفاقد ، وضمير «ميسوره» إلى الواجد.

(٢) هذا معادل لقوله : «ربما يلحق به شرعا» يعني : كما ربما يلحق شرعا غير الميسور العرفي بالعرفي ، كذلك يخرج الميسور العرفي عن حيّز قاعدة الميسور لتخطئة الشرع للعرف في عدّ الفاقد هنا ميسورا ، وذلك لعدم قيامه بشيء من مصلحة الواجد ، فلا يكون الفاقد حينئذ ميسورا له.

والحاصل : أن الميزان في تشخيص الميسور هو العرف ، إلّا أن يسقطه الشارع بأن يخطئه في تشخيصه نفيا أو إثباتا ، فيخرجه عن الميسور الّذي يكون من صغريات قاعدة الميسور ، أو يلحقه بصغرياتها مع عدم كونه ميسورا عرفيا ، فان المعوّل عليه حينئذ هو هذا الدليل لا العرف. ومع شك العرف في صدق الميسور على الفاقد وعدم نهوض دليل على حكمه يرجع إلى ما تقدم قبيل هذا من قولنا : «بل يرجع إلى ما تقدم من استصحاب وجوب الباقي على فرض صحته ، وإلّا .... إلخ».

(٣) معطوف على «تخطئة» ومفسر لها ، وضميره راجع إلى «ميسور».

(٤) أي : الملاك الداعي إلى التشريع بحيث لو اطلع العرف على ذلك لاعترف

٣٥٩

المرجع هو الإطلاق (١) ويستكشف منه (٢) أن الباقي قائم بما يكون المأمور به (٣) قائما بتمامه (*) أو (٤) بمقدار يوجب إيجابه في الواجب

______________________________________________________

بخطائه في عدّ الفاقد ميسورا.

(١) أي : إطلاق دليل قاعدة الميسور ، لما مر من أن المدار في تشخيص الميسور نظر العرف ، فهو الحجة ما لم يتصرف الشارع فيه نفيا أو إثباتا على التفصيل المتقدم. نعم مع شك العرف في تشخيص الميسور لا يرجع إلى القاعدة ، بل يرجع إلى استصحاب وجوب الباقي أو غيره على ما تقدم.

(٢) أي : يستكشف من الإطلاق أن الباقي وهو الفاقد قائم بتمام ملاك الواجد أو بمقدار يوجب إيجاب الباقي في الواجب واستحبابه في المستحب ، لكن هذا الاستكشاف مبني على لحاظ الملاك في كون الفاقد ميسورا. وأما بناء على لحاظ نفس أجزاء المركب في ذلك مع الغض عن ملاك الواجد فلا يستكشف منه ذلك.

(٣) أي : الواجد ، و «قائما» خبر «يكون» وضمير «بتمامه» راجع إلى «ما» الموصول المراد به الملاك.

(٤) معطوف على «بما» يعني : ويستكشف من الإطلاق أن الباقي قائم بمقدار من الملاك يوجب إيجاب الباقي .... إلخ.

__________________

(*) الأولى أن يقال : «أن الباقي قائم بتمام ما يكون المأمور به قائما به ، أو بمقدار منه يوجب ... إلخ» وذلك لأن الغرض قيام الفاقد بتمام ملاك الواجد أو بعضه. والعبارة توهم خلافه ، وهو قيام المأمور به الواجد بتمام الملاك ، أو مقدار منه ، لأنه يتوهم في بادئ النّظر عطف «بمقدار» على «بتمامه» وكلاهما معمولا «قائما» وهو خبر «يكون» فعليه يكون القائم بتمام الملاك أو مقدار منه هو المأمور به الواجد لا الباقي الفاقد ، وهو خلاف المقصود كما هو واضح.

٣٦٠