منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

٣ ـ رواية أبي عبيدة الحذاء ، قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان لسمرة ابن جندب نخلة في حائط بني فلان ، فكان إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شيء من أهل الرّجل يكرهه الرّجل قال : فذهب الرّجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكاه ، فقال يا رسول الله : ان سمرة يدخل عليّ بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل إليه رسول الله فدعاه ، فقال : يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول : يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك ، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت ، ثم قال رسول الله : يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ، قال : لا ، قال : لك ثلاثة ، قال : لا ، قال : ما أراك يا سمرة إلّا مضارا اذهب يا فلان فاقطعها [فاقلعها] واضرب بها وجهه» (١).

٤ ـ رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قضى رسول الله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ، وقال : إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة» (٢).

٥ ـ عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا ، قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع الشيء ، وقضى صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلا ، فقال : لا ضرر ولا ضرار» (٣).

٦ ـ عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «لا ضرر ولا ضرار» (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، كتاب إحياء الموات ، الباب ١٢ ، الحديث : ١ ، ص ٣٤٠

(٢) المصدر ، ص ٣١٩ ، الكافي ، ج ٥ ، ص ٢٨٠ ، الحديث : ٥ ، وفيه : «رفت بدل «أرفت».

(٣) المصدر ، ص ٣٣٣ ، الحديث : ٢ ، الكافي ، ج ٥ ، ص ٢٩٣ ، الحديث : ٦ وفيه : «وقال» بدل «فقال».

(٤) المصدر ، ص ٣٤١ ، الحديث : ٥

٥٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

٧ ـ مرسلة الصدوق عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، فالإسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا» (١).

٨ ـ مرسلة الدعائم : «روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سئل عن جدار الرّجل وهو سترة بينه وبين جاره سقط ، فامتنع من بنيانه ، قال : ليس يجبر على ذلك ، إلّا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الأخرى بحق أو بشرط في أصل الملك ، ولكن يقال لصاحب المنزل ، استر على نفسك في حقك ان شئت ، قيل له : فان كان الجدار لم يسقط ، ولكنه هدمه أو أراد هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه إلى هدمه ، قال : لا يترك ، وذلك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا ضرر ولا ضرار [إضرار] وان هدمه كلّف أن يبنيه» (٢).

٩ ـ عنه أيضا : «روينا عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا ضرر ولا ضرار» (٣).

هذه مجموع ما ظفرنا عليه من الروايات المشتملة على جملة «لا ضرر ولا ضرار» التي هي سند القاعدة ، وان لم ترد في رواية الحذاء ، لكنا نقلناها باعتبار حكايتها لقصة سمرة واشتمالها على كلمة «مضار» وإلّا فالأخبار المتضمنة لمادة الضرر بصيغها المختلفة مثل «أن يضر ، هذا الضرار ، أضرت ، إلّا أن يضاروا ، غير مضار ، من ضار مسلما ، أن لا يضر» ونحوها كثيرة ، ولعل دعوى فخر الدين تواتر نفى الضرر بلحاظ مجموع ما اشتمل على هذه المادة وسيأتي نقل بعضها بالمناسبة ، وإلّا فما تضمن خصوص جملة «لا ضرر ولا ضرار» لا يبلغ حد التواتر قطعا.

ولا بد في الاستناد إلى هذه الجملة إما من إثبات استفاضة نقلها كما في تقرير المحقق النائيني ، وإما من تصحيح سند بعضها. وحيث يحتمل اتحاد بعض

__________________

(١) المصدر ، ص ٣٧٦ ، الحديث : ١٠

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ١٥٠

(٣) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ١٥٠

٥٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المرسلات المتقدمة مع المسندات ، وعدم اعتبار جميع المسندات ، فدعوى الاستفاضة مشكلة. وينتهي الكلام إلى البحث السندي ، والظاهر أن المعتبر منها خصوص موثقة زرارة كما تقدم في توضيح كلام المحقق الخراسانيّ.

وأما مرسلة زرارة فهي وان رواها الكافي ، لكن الإرسال مانع عن الاعتماد عليها ، الا بنظر من يطمئن بصدور روايات الكتب الأربعة أو خصوص الكافي ، فقد حكي عن بعض الأجلة أن البحث عن أسناد أخباره حرفة العاجز. وعليه فعدّ الشيخ الأعظم هذه الرواية في عداد ما هو أصح سندا وأوضح دلالة لا يخلو من تأمل.

وأما رواية الحذاء ، فهي وان كانت مسندة ، وطريق الصدوق إلى الحسن بن زياد الصيقل صحيح ، إلّا أن الحسن حيث لم يرد فيه توثيق خاص ولا عام فالاعتماد على روايته مشكل ، ومجرد رواية بعض أصحاب الإجماع كيونس بن عبد الرحمن عنه قاصر عن إثبات وثاقته كما تقرر في محله ، وإصرار شيخ الشريعة على إثبات اعتبار هذه الرواية لا يخلو من شيء.

وأما روايات عقبة بن خالد فهي بناء على المشهور ضعيفة به وبمن يروي عنه أعني محمد بن عبد الله بن هلال. وأما بناء على الاعتماد على عموم توثيق كامل الزيارات وشموله لمن يروي عنه ابن قولويه مع الواسطة ، فحيث ان كلّا من الرجلين وقع في أسناد كتابه ، فيشمله التوثيق العام ، وتتصف رواية عقبة بالاعتبار ، مضافا إلى ما قيل من أن الراوي عن محمد بن عبد الله هو محمد بن الحسين أبي الخطاب الثقة ، لاستبعاد روايته عن غير الثقة ، فتأمل.

تحديد متن الحديث

وأما الجهة الثانية فمحصلها : أنه قد يقال : باندراج المقام في الدوران بين الزيادة والنقيصة ، فتجري فيه أصالة عدم الزيادة التي هي المرجع في الدوران

٥٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المزبور عند أرباب الحديث ، كما أجراها بعض في روايات الكر المشتمل بعضها على ثلاثة أشبار ونصف في الأبعاد الثلاثة ، وبعضها على ذلك في بعض أبعاده ، وبذلك ضعّفوا مستند القميين القائلين بكفاية بلوغ الماء من حيث المساحة سبعة وعشرين شبرا ، هذا.

لكن فيه أولا : أن الأصل المزبور وان كان مسلّما عند أهل الدراية. لكنه لا أصل له ، لتطرق احتمال الغفلة في كل من طرفي الزيادة والنقيصة. وأرجحية احتمال عدم الزيادة على فرض حصولها من احتمال عدم النقيصة ظن لا دليل على اعتباره ، ولا عبرة بما ذكروه مستندا لحجية أصالة عدم الزيادة ، لأنها وجوه استحسانية. ودعوى كون بناء العقلاء تعبدا على أصالة عدم الزيادة غير مسموعة ، حيث ان بناءهم في عملهم انما هو على الاطمئنان ، دون التعبد.

وثانيا : أن مورد هذا الأصل بعد تسليم اعتباره هو الزيادة المغيّرة للمعنى ، دون الزيادة غير المغيرة له كما في المقام ، حيث ان نفي الضرر شرعا يراد به نفيه في الإسلام ، فلا يتفاوت المعنى بوجود كلمة الإسلام وعدمها.

كما لا يختل حكومة قاعدة نفي الضرر بعدم كلمة «الإسلام» في مدرك القاعدة كما عن الشيخ (قده) لما عرفت من أن هذه الكلمة بمنزلة القيد التوضيحي ، فوجودها كعدمها في عدم التأثير في معنى جملة «لا ضرر» ولا في حكومته على أدلة الأحكام الأولية كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وثالثا : أن مورد جريان أصالة عدم الزيادة هو الرواية التي ثبت اعتبارها ، والمفروض أن الرواية المشتملة على كلمتي «الإسلام» و «على مؤمن» مرسلة ولم يثبت انجبارها ، فالمستند حينئذ هو الروايات المسندة الخالية عن هاتين الكلمتين ، فلا بد من العمل بها والاستناد إليها دون المرسل كما لا يخفى.

ورابعا : أن مورد أصالة عدم الزيادة هو الرواية الواحدة الحاكية لقضية شخصية نقلها واحد بدون زيادة كلمة ونقلها آخر معها ، وأما مع إمكان تعدد المروي

٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تارة مع الزيادة وأخرى بدونها كما في المقام ، فلا تنافي بينهما ، إلّا أن هذه الزيادة كما أشرنا إليها لم تثبت في شيء من الأخبار المسندة ، وانما تضمنها ما أرسله العلامة في التذكرة وأثبتها ابن الأثير ، وهو عامي ، فلا مورد لأصالة عدم الزيادة هنا.

نعم يترتب فائدة على وجود كلمة «على مؤمن» وهي : اختصاص حرمة الإضرار بالمؤمن الّذي ظاهره الإيمان بالمعنى الأخص ، إذ هو الجدير بالامتنان دون غيره من المعاهد والذمي ، بل ولا فرق المسلمين ، بل ولا فرق الشيعة غير الفرقة الناجية الاثني عشرية كثرهم الله تعالى في البرية ، فلا بد في إثبات حرمة الإضرار بغير المؤمن كحرمة الإضرار بالنفس كحرمة الوضوء والحج الضرريين من التماس دليل آخر.

فيختص «لا ضرر» بالحكم الضرري بالنسبة إلى الغير ، لكن عمدة الإشكال هي عدم اعتبار المرسلة المتضمنة لكلمة «على مؤمن».

وأما الجهة الثالثة : وهي صدور «لا ضرر» مجردا عن قضية خارجية في بعض الروايات كروايتي دعائم الإسلام وغيرها ومقرونا بها في بعضها الآخر كقصة سمرة وأخبار الشفعة ومنع فضل الماء ، فمحصل الكلام فيها : أنه يقع الإشكال في أن «لا ضرر» في بعضها كقصة سمرة يصح أن يكون كلية منطبقة على قصة سمرة وغيرها ، ولا يصح ذلك في سائر الروايات ، فحاصل الإشكال : أن «لا ضرر» فيما ورد مجردا عن قضية خارجية أو معها مع صحة كبرويته لها يكون قاعدة كلية فقهية. وأما فيما ورد مقرونا بقضايا خارجية لا تكون علة تامة للضرر ، فلا يصح أن يكون كبرى كلية. وعليه ، فكيف يستظهر منه قاعدة كلية تارة وعدمها أخرى؟

وقد تصدى لدفع هذا الإشكال المحقق النائيني والعلامة المتتبع شيخ الشريعة.

٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أما النائيني فمحصل ما أجاب به عن هذا الإشكال هو حمل «لا ضرر» في بعض الروايات على الموضوعية ، وفي بعضها الآخر على الملاكية ، ولأجل كون الضرر مشككا لا متواطيا يصح جعله ببعض مراتبه موضوعا وببعضها ملاكا.

وتوضيحه منوط ببيان أمور :

الأول : أن علة الجعل ـ وهي الملاك الداعي إلى تشريع الحكم ـ مغايرة لعلة المجعول ، وهي موضوع الحكم ، حيث ان الملاك حكمة للجعل ، فلا اطراد ولا انعكاس له ، بخلاف الموضوع ، فانه مطرد ومنعكس ، ضرورة أن الحكم يدور مدار موضوعه وجودا وعدما ، وإلّا يلزم الخلف والمناقضة كما قرر في محله.

ثم استشهد للأول بوجوب العدة على المرأة ، واستحباب غسل الجمعة ، حيث ان ملاك الأول اختلاط المياه واختلال الأنساب مع عدم اطراده ، لوجوب العدة على المرأة التي لم يباشرها زوجها مدة مديدة ، وملاك الثاني دفع أرياح الآباط مع عدم اطراده أيضا ، لاستحبابه مع التنظيف الكامل وعدم أثر لأرياح الآباط.

الثاني : أنه لا بد من الاختلاف بين الملاك والموضوع ولو بحسب المترتبة فالكلي المتواطئ لا يصلح لأن يقع كليهما ، بل لا بد أن يكون مشككا ، لما عرفت من المغايرة بين الملاك والموضوع وامتناع اتحادهما.

الثالث : أن الأصل في العناوين الواقعة في حيّز الخطابات الشرعية أن تكون موضوعات الأحكام ، أو من أجزائها وقيودها ، لا الفوائد والآثار التي هي من الأمور الخارجية الداعية إلى تشريع الأحكام ، لأن بيانها اخبار عن أمور تكوينية ، وهو أجنبي عن مقام شارعية الشارع. لكن هذا الأصل متبع ما لم تقم قرينة على خلافه.

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم : أن جملة «لا ضرر» في قضية سمرة تكون موضوعا أي علة للمجعول ، لأن دخول سمرة إلى حائط الأنصاري بدون الاذن كان

٥٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

علة تامة للضرر ، وهو هتك عرضه الّذي يعد من أعظم المضار التي لا تتحمل عادة ، وصغرويته لكبرى الضرر مسلّمة ، فيستفاد منه قاعدة كلية ، وهي : أن كل فعل ضرري لا حكم له ، لأن التعدي عن المورد إلى مثله مقتضى العلة المنصوصة.

وأما جملة «لا ضرر» في ذيل روايات الشفعة ومنع فضل الماء فلا تصح لأن تكون علة للمجعول ، ضرورة أن بيع الشريك حصته من أجنبي ليس علة تامة للضرر حتى يكون من صغريات قاعدة الضرر ، إذ ربما يكون الشريك الجديد مؤمنا متقيا حسن الأخلاق وأحسن معاشرة له من الشريك القديم ، ولا يتضرر من مشاركته ، بل ينتفع به ، فهذا البيع ليس علة تامة ولا مقتضيا للضرر حتى يكون مصداقا لقاعدة الضرر. وكذا منع فضل الماء ، فانه ليس علة تامة للضرر وهو تلف المواشي ، لإمكان سقيها من غير هذا الماء أو نقلها إلى مكان آخر.

وبالجملة : فبيع الشريك وكذا منع فضل الماء ليسا من العلل التامة للضرر. ولو بني على كون الفعل المقتضي أو المعد للضرر من صغريات قاعدة نفي الضرر لزم من ذلك تأسيس فقه جديد ، لجواز التعدي حينئذ إلى جميع ما يشابه هذين الموردين من الأفعال المقتضية أو المعدة للضرر ، ففي الشفعة يتعدى من موردها وهو غير المنقول إلى المنقول كالفرش وغيره من أثاث البيت ، ومن البيع إلى سائر النواقل كالهبة والصلح ، ومن منع فضل الماء إلى منع سائر الأموال من الفلوس والبيوت والألبسة وغيرها ، فيجوز للفقير أخذ فضول أموال الأغنياء المؤمنين لأن منع أموالهم عن الفقراء ضرر على الفقراء. وهذا كما ترى مخالف للضرورة الدينية ومستلزم للهرج والمرج.

فهذا المحذور يوجب رفع اليد عن ظهور «لا ضرر» في موردي الشفعة ومنع فضل الماء في الموضوعية ، ولزوم حمله فيها على الملاكية التي ليست هي بمطردة ولا منعكسة.

٥٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والإشكال عليه بأن ضابط حكمة التشريع أيضا لا ينطبق على الواقع في ذيل روايتي الشفعة ومنع فضول الماء ، حيث ان ضرر الشريك على فرضه في بعض الموارد يندفع بما هو متقدم طبعا على الأخذ بالشفعة ، وهو عدم لزوم بيع الشريك. وكذا منع فضول الماء ، فانه لا يوجب الضرر ، بل يوجب عدم النّفع. (مندفع) أما في الشفعة ، فبأن عدم لزوم البيع يوجب الضرر على البائع ، لأنه لا يقدر حينئذ على بيع حصته دائما على وجه اللزوم ، فجعل حق الشفعة ناظر إلى دفع الضرر عن كلا الشريكين. وأما منع فضل الماء فقد يكون سببا لتلف المواشي والزرع ، وليس في جميع الموارد موجبا لعدم النّفع ، وهذا الضرر بنحو الموجبة الجزئية كاف في تحقق حكمة التشريع فيه وانطباق ضابطها عليه.

فحاصل جواب المحقق النائيني (قده) عن الإشكال هو : كون «لا ضرر» في قصة سمرة علة للمجعول ، وفي موردي الشفعة ومنع فضل الماء علة للجعل. ففي الأول يتعدى إلى كل فعل يكون علة تامة للضرر كفعل سمرة كما هو شأن العلة المنصوصة. وفي الثاني يقتصر على الشفعة ومنع فضل الماء كما هو شأن حكمة التشريع المعبر عنها بالملاك وعلة الجعل ، هذا.

وأما شيخ الشريعة (قده) فقد حسم مادة الإشكال ومنشأه ، وجزم بأن «لا ضرر» لم يذكر في النصوص صدرا ولا ذيلا لقضية خارجية ـ غير قضية سمرة ـ حتى يستشكل في كيفية الاستظهار منه وأنه علة للجعل أو للمجعول ، وإجماله أنه (قده) أتعب نفسه الشريفة بالتتبع والفحص عن ورود هذه الكلمة في كتب أحاديث الفريقين وعدمه ، وبعد الظفر بأقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي رواها أحمد بن حنبل مجتمعة عن عبادة ابن صامت عرض عليها الأقضية المروية بطرقنا عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه الصلاة والسلام التي فرّقها أصحاب الحديث رضوان الله تعالى عليهم على أبواب الفقه ، فوجدها مطابقة لها ، إلّا أن «لا ضرر» كان فيما رواه ابن حنبل مستقلا غير

٥٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

مصدر ولا مذيل بقضية خارجية ، نظير «لا رهبانية في الإسلام» و «لا شغار» ونحو ذلك مما ورد مستقلا ، وحصل له بهذا التتبع العلم بأن خبري الشفعة ومنع فضل الماء كانا في الأقضية المروية من طرقنا أيضا خاليين عن جملة «لا ضرر» وأصحاب الحديث حين تدوين الأحاديث جعلوا هذه الجملة في ذيل قضيتي الشفعة ومنع فضل الماء ، فليس «لا ضرر» جزءا من هاتين الروايتين حتى يقع الإشكال في كيفية الاستظهار منه.

وبالجملة : فعلى هذا التتبع ينهدم أساس الإشكال ولا يتصور بقاؤه حتى يدفع بجعل «لا ضرر» تارة علة للمجعول كما في قصة سمرة ، وأخرى علة للجعل كما في خبري الشفعة ومنع فضل الماء هذا.

وقد اعترض سيدنا الأستاذ (قده) في مجلس الدرس على كلا الجوابين.

أما الجواب الأول فبما حاصله : أن دعوى عدم لزوم اطراد الملاكات وانعكاسها ، لكونها حكما للتشريع لا عللا له خالية عن البرهان ، بل البرهان قائم على خلافها ، للزوم الجزاف والترجيح بلا مرجح ، ضرورة أن ثبوت حكم لموضوع دون آخر لو لم يكن لملاك فيه وان كان ذلك الملاك موجودا في موضوع آخر كان ترجيحا بلا مرجح ، وهو قبيح ، مثلا إذا كان اختلاط المياه في المرأة المطلقة المدخول بها داعيا إلى تشريع العدة لها لا يصلح ذلك لأن يكون ملاكا لتشريع العدة للمرأة التي تركها الزوج ولم يباشرها مدة مديدة ، فان وجود الملاك في بعض الأفراد لا يصحح تشريع الحكم في البعض الآخر الفاقد لذلك الملاك أو لغيره ، إذ ليس ذلك إلّا من تشريع الحكم لفاقد الملاك ، وهذا هو الجزاف الّذي لا يصدر من العاقل فضلا عن الحكيم.

وعليه فحمل «لا ضرر» في خبري الشفعة ومنع فضل الماء على الملاك ، ودعوى عدم اطراده وانعكاسه ، بعد وضوح بطلان الترجيح بلا مرجح ، وكون الأحكام

٥٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

انحلالية ليس على ما ينبغي ، بل موضوعية الموضوع انما هي بالملاك ، فلا محيص عن اطراده وانعكاسه كالموضوع. فدعوى كون الملاك حكمة لا علة حتى تكون مطردة ومنعكسة خالية عن الشاهد. والموارد التي استشهد بها على عدم اطراد الملاكات وانعكاسها فيها كوجوب العدة واستحباب غسل الجمعة لا تشهد بذلك ، لتوقف شهادتها به على دلالتها على انحصار ملاك التشريع في اختلاط المياه في الأول ، ودفع أرياح الآباط في الثاني ، ومن المعلوم عدم دلالتها على ذلك أصلا ، فاحتمال وجود ملاكات أخر لم تظهر لنا بعد باق ولا دافع له.

فتلخص مما ذكرنا : أن الإشكال لا يندفع بما أفاده المحقق النائيني (قده).

وأما الجواب الثاني فبما محصله : أن الجزم بما أفاده شيخ الشريعة (قده) من أن تذييل خبري الشفعة ومنع فضل الماء بلا ضرر كان من أئمة الحديث ، ولم يكن من النبي أو الإمام صلوات الله عليهما مشكل جدا ، لأن ذلك مستلزم لسوء الظن بأئمة الحديث وعدم أمانتهم في ضبط الأحاديث التي تلقوها ونقلها إلى غيرهم كما ضبطوها ، وتصرفهم فيها بما يغيّر المعنى ، نظير التقطيعات الموجبة لانقلاب الظهورات واختلاف المعاني ، وليس هذا التصرف جائزا لهم ، كما لا يجوز النقل بالمعنى إذا كان مغيّرا له.

والحاصل : أنه لا يمكن الالتزام بما لا يجوز ارتكاب الأصحاب له من النقص والزيادة والنقل المغيّرة للمعنى ، وقد عرفت اختلاف معنى «لا ضرر» الواقع في ذيل قصة سمرة مع الواقع في ذيل خبري الشفعة ومنع فضل الماء اختلافا فاحشا ، حيث ان الواقع في قصة سمرة كبرى كلية ، بخلاف ما وقع في ذيل خبري الشفعة ومنع فضل الماء ، حيث انه لا يصح أن يكون كبرى كلية ولو لموردهما.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : عدم اندفاع الإشكال بشيء من جوابي شيخ الشريعة والنائيني (قدهما) فلا بد من علاج آخر لدفع الإشكال ، بأن يقال :

٥٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

انه يمكن أن يراد بالضرر في حديث منع فضل الماء بقرينة منع فضل الكلأ عدم الانتفاع ، حيث ان منع فضل الماء علة تامة لعدم الانتفاع بالكلإ ، فضررهم عبارة عن عدم انتفاعهم ، فان الضرر خلاف النّفع كما عن الصحاح ، وضد النّفع كما عن القاموس ، وحيث ان المورد ـ وهو الماء ـ من المشتركات فيتعدى منه إلى مثله من سائر المشتركات ، والنهي عن الضرر فيه تنزيهي ، ولذا حكم فيه بكراهة منع فضل الماء لا حرمته ، هذا.

وأما «لا ضرر» في حديث الشفعة ، فيمكن أن يراد به سوء الحال كما هو أحد معانيه على ما عن القاموس ، حيث ان بيع الحصة من أجنبي يوجب سوء حال الشريك ونقصا في اعتباره ووجاهته بين الناس.

هذا ما يمكن أن يقال في دفع الإشكال في مقام الثبوت ، ولكن لا دليل عليه إثباتا ، فلا يمكن الالتزام به ، فالأولى رد علم «لا ضرر» الواقع في ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء إلى أهله صلوات الله عليهم أجمعين. هذا ما أفاده سيدنا الأستاذ في مجلس الدرس.

وأما قول شيخ الشريعة (قده) : «والّذي أعتقده أنها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما في رواية عبادة بن الصامت ، إلّا أن أئمة الحديث فرقوها على الأبواب» فتوضيح الجواب عنه موقوف على إيضاح مرامه ببيان كلامه تقديرا لما بذله من جهد بليغ وعناية فائقة لإثبات مقصوده ، سيما وقد اختار جمع من الأعاظم ما استظهره من عدم تذيل خبري الشفعة ومنع فضل الماء بقضائه صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا ضرر ، فجزم به المحقق النائيني لوجوه ، ومال إليه المحقق الأصفهاني (١) في تعليقته الأنيقة ، فينبغي نقل كلامه ثم التأمل فيه طلبا لحقيقة الحال ، قال : «يظهر بعد التروّي والتأمل التام في الروايات : أن الحديث الجامع لأقضية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما قضى به في مواضع مختلفة وموارد متشتتة كان معروفا عند الفريقين أما من طرقنا فبرواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه‌السلام ، ومن طرق

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٣٢٢

٥٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أهل السنة برواية عبادة بن الصامت ، فقد روى أحمد بن حنبل في مسندة الكبير الجامع لثلاثين ألف عن عبادة بن الصامت ، قال : ان من قضاء رسول الله أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار ، والعجماء البهيمة من الأنعام وغيرها ، والجبار هو الهدي الّذي لا يغرم. وقضى في الركاز الخمس ، وقضى أن ثمر النخل لمن أبرّها إلّا أن يشترط المبتاع. وقضى أن مال المملوك لمن باعه ، إلّا أن يشترط المبتاع ، وقضى أن الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور. وقضى لحمل بن مالك الهذلي بميراثه من امرأته التي قتلتها الأخرى ، وقضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة ، قال : فورثها بعلها وبنوها ، قال : وكان له من امرأتيه كلتيهما ولد ، قال : فقال أبو القاتلة ـ المقتضي عليه ـ يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ، ولا شرب ولا أكل ، فمثل ذلك يطل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا من الكهان. قال : وقضى في الرحبة تكون بين الطريق ثم يريد أهلها البنيان فيها ، فقضى أن يترك للطريق فيها سبع أذرع ، قال : وكان تلك الطريق تر البناء.

وقضى في النخلة أو النخلتين أو الثلاث ، فيختلفون في حقوق ذلك ، فقضى أن لكل نخلة من أولئك مبلغ جريدتها حيز لها. وقضى في شرب النخل من السيل : أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ، ثم يرسل الماء إلى الأسفل الّذي يليه ، فكذلك تنقضي حوائط أو يفنى الماء. وقضى أن المرأة لا تعطي من مالها شيئا إلّا بإذن زوجها. وقضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما سواء. وقضى من أعتق شركا في مملوك فعليه جواز عتقه ان كان له مال. وقضى أن لا ضرر ولا ضرار. وقضى أنه ليس لعرق ظالم حق. وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل الكلأ. وقضى في دية الكبرى المغلظة ثلاثين ابنة لبون وثلاثين حقة وأربعين خلفة. وقضى في دية الصغرى ثلاثين ابنة لبون وثلاثين حقة وعشرين ابنة مخاض وعشرين بني مخاض ذكور».

٥٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ثم قال (قده) : «أقول : وهذه الفقرات كلها أو جلها مروية في طرقنا ، موزّعة على الأبواب وغالبها برواية عقبة بن خالد ، وبعضها برواية غيره. وجملة منها برواية السكوني. والّذي أعتقده أنها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما في رواية عبادة بن الصامت ، إلّا أن أئمة الحديث فرّقوها على الأبواب».

ثم نقل في مقام الاستشهاد على مدعاه عدة من أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وآله المروية بطرقنا ، رواها عقبة بن خالد وغيره كما ستقف عليه.

ثم قال : «قد عرفت بما نقلنا مطابقة ما روي في طرقنا لما روي في طرق القوم من رواية عبادة بن الصامت من غير زيادة ولا نقيصة ، بل بعنوان تلك الألفاظ غالبا ، إلّا الحديثين الأخيرين المرويين عندنا من زيادة قوله : لا ضرر ولا ضرار وتلك المطابقة بين الفقرات مما يؤكد الوثوق بأن الأخيرين أيضا ـ وهما روايتا الشفعة والناهي عن منع فضل الماء ـ كانا مطابقين لما رواه عبادة من عدم التذييل بحديث الضرر ، وأن غرض الراوي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كذا وقال : كذا ، لا أنه كان متصلا به وفي ذيله».

وقد جزم المحقق النائيني (قده) بما حققه شيخ الشريعة كما ذكرنا وقوّاه بأمور قال : «بل يشهد اجتماع الأقضية في رواية عقبة أيضا كون الراوي عنه في جميع الأبواب المتفرقة محمد بن عبد الله بن هلال ، بل على ما تتبعت يكون الراوي عن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين ، والراوي عن محمد بن الحسين محمد بن يحيى ... الثاني : أنه لو كان من تتمة قضية أخرى في رواية عقبة لزم خلوّ رواياته الواردة في الأقضية عن هذا القضاء الّذي هو من أشهر قضاياه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه لو كان تتمة لقضية أخرى لا يصح عده من قضاياه مستقلا. الثالث : أن كلمة لا ضرار على ما سيجيء من معناها لا تناسب حديث الشفعة ومنع فضل الماء» (١).

__________________

(١) منية الطالب ، ج ٢ ، ص ١٩٤

٥٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أقول : لا يخفى أن خبري عقبة بن خالد الواردين في الشفعة وفضل الماء ظاهران بحسب السياق في الجمع بين المروي ، أما بناء على كون العاطف في خبر منع فضل الماء «الفاء» كما في الوسائل ، فواضح ، لظهوره في صدور الجملتين بالترتيب بلا فصل. وأما بناء على كون العاطف الواو كما في الكافي فكذلك ، لأن ظهور الكلام في صدور الجملتين في واقعة واحدة مما لا ينكر ، خصوصا مع تذيل خبر الشفعة بجملة «إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة» مما ظاهره صدور الفقرات الثلاث في مجلس واحد بلا تخلل فصل بينها.

وببيان أخر : أن فاعل كلمة «قال» التي صدر بها الروايتان ضمير يرجع إلى الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام ، و «قال» الواردة على جملة «لا ضرر» اما أن يكون معطوفا على «قال» الأول ، ونتيجته كون جملة «لا ضرر» من كلام الإمام الصادق عليه‌السلام ، واما أن يكون معطوفا على «قضى» ومعناه أنه عليه‌السلام حكى أولا قضاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة ، ثم حكى عليه‌السلام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر».

والظاهر من هذا النقل ونظائره هو الثاني ، لأن أمانة الراوي تقتضي التحفظ على خصوصيات كلام الإمام ، وهو سلام الله عليه شرع في حكاية قضاء النبي بالشفعة ، ولم يأت بقرينة دالة على انتهاء كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يكون الباقي من كلام الإمام عليه‌السلام. وحينئذ فيرتبط الذيل بالصدر من جهة كون مجموع الرواية كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويسقط احتمال الجمع في الرواية.

وكذا بناء على الاحتمال الأول ، فانه وان كان جملة «لا ضرر» من كلام الإمام عليه‌السلام ، فكأنه ألقى إلى عقبة جملا ثلاثا ، أولاها قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة ، وثانيتها جملة لا ضرر ، وثالثتها قيد الشفعة. ولكنه عليه‌السلام حيث جمع بين الجمل الثلاث ـ وان لم تصدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية واحدة ـ فلا بد أن يكون ذلك لأجل فهمه عليه‌السلام ارتباط «لا ضرر» بالشفعة ، وهو حجة لنا قطعا.

٥٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والحاصل : أنه على كل واحد من الاحتمالين يرتبط الحكم بالشفعة بلا ضرر ، وقد اعترف شيخ الشريعة في كلامه المتقدم بهذا الظهور السياقي ، ولكنه ادعى وجود المانع من الأخذ به بما عرفته.

وقد دعانا كلامه هذا إلى مزيد التتبع والفحص في الروايات للوقوف على حقيقة الأمر ، فاستقصينا روايات عقبة بن خالد في تمام الكتب الأربعة ـ حسبما أشير إلى مواضعها في معجم رجال الحديث ـ وهي نحو خمسين رواية ، ثم تتبعنا أقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المنقولة بطرقنا برواية رجال آخرين غير عقبة ، فاتضح لنا بهذا التتبع وجوه تشهد بعدم مطابقة ما روي بطرقنا من أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وآله لما روي من طرقهم فضلا عن شدة المطابقة.

أولها : أن ما رواه عقبة لا يزيد على سبعة موارد من أقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة منها في رواية عبادة وواحدة منها ليست في رواية عبادة ، كما ستقف عليه. مع أن أقضية عقبة لم ينفرد هو بنقلها عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، بل روى بعضها غيره.

ثانيها : أن أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وآله المنقولة بطرقنا أزيد من العدد الّذي رواه عبادة من أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف يحصل الوثوق بمطابقة ما حكاه عبادة لما حكي بطرقنا؟

ثالثها : أن قضاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدم جواز تصرف الزوجة في مالها بدون اذن زوجها غير موجود في رواياتنا ـ على مقدار ما تفحصنا فيها ـ لا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عن أحد المعصومين عليهم‌السلام. مع مخالفة هذا الحكم للقواعد المسلّمة.

ولأجل اقتران هذه الدعوى بالدليل نسرد عليك أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وآله التي رواها عقبة ، ثم الأقضية التي رواها رجال آخرون مما اشتمل عليه رواية عبادة ، ثم أقضيته المنقولة بطرقنا وليست في رواية عبادة ، فهاكها :

أما ما رواه عقبة بن خالد فهي :

٥٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

١ و ٢ ـ قضاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة (١) ومنع فضل الماء ، وقد تقدم نقلهما (٢).

٣ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قضى رسول الله في شرب النخل بالسيل : أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ، يترك من الماء إلى الكعبين ، ثم يسرح الماء إلى الأسفل الّذي يليه ، وكذلك حتى ينقضي الحوائط وينفي الماء» (٣).

٤ ـ عقبة بن خالد : «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى في هوائر النخل أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط الآخر ، فيختلفون في حقوق ذلك فقضى فيها أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها» (٤).

٥ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن ثمر النخل للذي أبرّها إلّا أن يشترط المبتاع» (٥) ورواه يحيى بن أبي العلاء (٦) وغياث بن إبراهيم (٧) أيضا عنه عليه‌السلام.

٦ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أتى جبلا فشق فيه قناة فذهبت الآخر بماء قناة الأول ، قال : فقال : يتقاسمان [يتقايسان] بحقائب البئر ليلة ليلة ، فينظر أيهما أضرت بصاحبتها ، فان رأيت الأخيرة أضرت بالأولى فلتعور ، وقضى رسول الله بذلك ، وقال : ان كانت الأولى أخذت من ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول سبيل» (٨) وهذا القضاء من الأقضية التي رواها عقبة وليست في رواية عبادة.

٧ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «كان من قضاء رسول الله : أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جبار ، والعجماء بهيمة الأنعام ، والجبار من الهدر الّذي

__________________

(١) راجع صفحه ٥٤١)

(٢) راجع صفحه ٥٤١

(٣) الوسائل ، ج ١٧ ، كتاب إحياء الموات ، ص ٣٣٥

(٤) المصدر ، ص ٣٣٧

(٥) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٤٠٧ ، الحديث ١

(٦) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٤٠٧ ، الحديث ٢

(٧) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٤٠٧ ، الحديث ٣

(٨) الوسائل ، ج ١٧ ص ٣٤٤ ، الحديث : ١ و ٢

٥٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لا يغرم» (١) ، ورواه السكوني (٢) وزيد بن علي ، وفيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وفي الركاز الخمس» (٣)

هذا جميع ما رواه عقبة بن خالد من أقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عدم انفراده بنقل بعضها كما ذكرنا ، وهي دون النصف مما جمعه عبادة في روايته.

وأما ما رواه غير عقبة مما اشتملت عليه رواية عبادة فهي :

١ ـ يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه : «من باع عبدا وله مال فالمال للبائع ، إلّا أن يشترط المبتاع ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك» (٤).

٢ ـ الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها ، فانه لا يورث منه شيء ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٥).

٣ ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جنين الهلالية حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها ميتا فان عليه غرة عبد أو أمة» (٦).

٤ ـ سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ضرب امرأة حلبي فأسقطت سقطا ميتا ، فأتى زوج المرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستعدى عليه ، فقال الضارب : يا رسول الله ما أكل ولا شرب ولا استهل ولا صاح ولا استبش [استبشر] فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انك رجل

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ ، ص ٢٠٣ ، الحديث ٤

(٢) الوسائل ، ج ١٩ ، ص ٢٠٣ ، الحديث ١

(٣) الوسائل ، ج ١٩ ، ص ٢٠٣ ، الحديث ٥

(٤) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٣٣ ، الحديث ٤ ، ورواه سالم عن أبيه أيضا ، الحديث : ٥

(٥) الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٥٦٦ ، الحديث : ١

(٦) الوسائل ، ج ١٩ ، كتاب الدّيات ، ص ٢٤٣ ، الحديث : ٣

٥٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

سجاعة ، فقضى فيه رقبة» (١).

٥ ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا ، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا ، وما بين العين إلى العين ـ يعني ـ القناة ـ خمسمائة ذراع ، والطريق يتشاح عليه أهله فحده سبعة أذرع» (٢). ونحوه رواية مسمع بن عبد الملك.

٦ ـ وقد وردت روايات متعددة في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أطعم الجد والجدة السدس وكذا الجدتين ، فراجع روايات باب العشرين من أبواب ميراث الأبوين مع الأولاد (٣).

٨ ـ عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن أخذ أرضا بغير حقها وبنى فيها ، قال يرفع بناؤه وتسلم التربة إلى صاحبها ليس لعرق ظالم حق» (٤).

وأما الأقضية المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق رجال آخرين وليست في رواية عبادة فكثيرة لا تخفي على المتتبع في الاخبار لا سيما أبواب الشفعة وإحياء الموات والإرث والدّيات وغيرها ، وهي خير شاهد على اختلاف ما روي من أقضية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرقنا لما روي بطرقهم لفظا وعددا ، ونحن نكتفي بإيراد شيء منها خوفا من الإطناب الممل ، فنقول وبه نستعين :

١ ـ طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) المصدر ، الحديث : ٤

(٢) الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٣٣٩ ، الحديث : ٥

(٣) المصدر ، الباب ٢٠ من أبواب ميراث الأبوين

(٤) المصدر ، الباب : ٣ من أبواب الغصب ، الحديث : ١ ، ص ٣١١

٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

قضى بالشفعة ما لم تؤرف يعني تقسم» (١) وما رواه عبادة من قضائه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة مطلق خال عن قيد التقسيم ، فالمنقول عنه بطرقنا مغاير لما روي بطرقهم.

٢ ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن سرق الثمار في كمه فما أكلوا منه فلا شيء عليه ، وما حمل فيعزر ويغرم قيمته مرتين» (٢).

٣ ـ مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المأمومة ثلث الدية ، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل» (٣).

٤ ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى في الدامية بعيرا» (٤).

٥ ـ عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في عبد قتل مولاه متعمدا ، قال : يقتل به ، ثم قال : وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك» (٥).

٦ ـ عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة ، أو حفر شيئا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن» (٦).

٧ ـ أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «دية الكلب السلوقي أربعون درهما ، جعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودية كلب الغنم كبش» (٧).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٣١٨

(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٥١٦ ، ب ٢٣ ، الحديث ٢

(٣) الوسائل ، ج ١٩ ، ص ٢٩١ ، الحديث ٦

(٤) المصدر ، ص ٢٩٢ ، الحديث ٨

(٥) المصدر ، ص ٧٧ ، الحديث ١٠

(٦) المصدر ، ص ١٨٢ ، ب ١١ ، الحديث ١

(٧) المصدر ، ص ١٦٧ ، الحديث ٢

٥٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

٨ ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجل باع نخلا واستثنى نخلة فقضى له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها» (١).

٩ ـ أبو مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أتي رسول الله برجل قد ضرب امرأة حاملا بعمود الفسطاط فقتلها ، فخيّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم وغرة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها ، أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف ويقتلوه» (٢).

١٠ ـ مرسل الصدوق ، قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن البئر حريمها أربعون ذراعا ، لا يحفر إلى جانبها بئر أخرى لعطن أو غنم» (٣).

١١ ـ مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في القلب إذا أرعد فطار الدية ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الصعر الدية ، والصعر أن يثني عنقه فيصير في ناحية» (٤).

١٢ ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى في الدامية بعيرا وفي الباضعة بعيرين ، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة ، وفي السمحاق أربعة أبعرة» (٥).

__________________

(١) الكافي ، ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب جامع في حريم الحقوق ، الحديث : ١٠. ص ٢٩٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ ص ٦٠ الحديث ٥

(٣) الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٣٣٩ الحديث ٧

(٤) الوسائل ، ج ١٩ ، ص ٢٨٧

(٥) المصدر ، ص ٢٩٢ ، الحديث ٨

٥٦٠