منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٢

ثم انه (١) ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة ، وهو لا يخلو من كلام (٢) ونقض وإبرام خارج عما هو المهم

______________________________________________________

(١) غرضه الإشارة إلى ضعف ما قيل من إثبات صحة العبادة مع الزيادة باستصحاب الصحة ، لا بأصالة البراءة في الشك في مانعية الزيادة ، بزعم أن الشك يكون في بقاء الصحة المعلومة حدوثا قبل فعل الزيادة المشكوكة بقاء بعد فعلها ، للشك في مانعية الزيادة ، وهو مجرى استصحاب الصحة ، لاجتماع أركانه ، دون أصالة البراءة في مانعية الزيادة ، لحكومته عليها.

ولا يخفى أن مورد هذا الاستصحاب هو ما إذا نشأ احتمال البطلان في أثناء الصلاة بزيادة جزء تشريعا ، وأما إذا قصد التشريع من أول الصلاة بحيث كان الداعي له الأمر التشريعي ، فلا مجال حينئذ للاستصحاب ، لانهدام ركنه الأول ، وهو اليقين السابق بالصحّة ، بل اليقين بعدمها ثابت ، فالاستصحاب يجري فيما علم بالصحّة قبل فعل الزيادة ونشأ الشك في البطلان في الأثناء.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أن للاستصحاب تقريبات عديدة نذكر بعضها ونحيل معرفة جميعها إلى رسائل الشيخ (قده) :

منها : أن المستصحب موافقة الأجزاء السابقة لأوامرها الضمنية.

ومنها : كون الأجزاء السابقة بحيث لو انضم إليها سائر الأجزاء لالتأم الكل.

ومنها : بقاء الأجزاء السابقة على تأثيرها في المصلحة ، بداهة أن لكل جزء تأثيرا في المصلحة المترتبة على الكل.

ومنها : غير ذلك.

(٢) هذا إشارة إلى تضعيف الشيخ لهذا الاستصحاب ، وحاصله : أن استصحاب صحة الأجزاء السابقة لا يجدي في صحة الأجزاء اللاحقة ، لأن المستصحب ان كان هو الصحة بمعنى موافقة الأجزاء السابقة لأوامرها الضمنية فذلك قطعي البقاء ،

٣٢١

في المقام (١) ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب (٢) إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

ولا شك فيها حتى يجري فيها الاستصحاب ، حيث ان الشيء لا يتغير عما وقع عليه. وهذه الصحة مع القطع بها فضلا عن استصحابها لا تنفع في صحة الأجزاء اللاحقة.

وكذا الحال ان كان المستصحب هو المعنى الثاني ، للعلم ببقاء قابلية الأجزاء السابقة للانضمام وعدم الشك فيه ، وانما الشك في مانعية الزيادة ، والاستصحاب لا يرفع المانعية ، فمع الزيادة لا يعلم بالتئام الكل بانضمام اللاحقة إلى السابقة ، هكذا قيل (*).

وان كان المستصحب هو المعنى الثالث ، فلعدم اليقين السابق حتى يكون الشك في البقاء ليستصحب ، ضرورة أن الشك في البقاء يتصور فيما إذا كان مشكوك المانعية رافعا لأثر الأجزاء السابقة ، وأما إذا احتمل كونه مانعا عن تأثيرها من أول الأمر كان الشك في الحدوث دون البقاء ، ومعه لا مجال للاستصحاب.

(١) إذ المهم في المقام هو إحراز صحة العبادة مع الزيادة بحيث يسقط بها الأمر ، وهي الصحة الفعلية التي لا تثبت بالاستصحاب.

(٢) لا يخفى أن المصنف (قده) لم يف بوعده ولم يتعرض لتحقيقه في مبحث الاستصحاب.

__________________

(*) ولعل الأولى في تزييفه أن يقال : ان استصحاب الصحة بمعنى صحة الأجزاء السابقة بحيث لو انضم إليها قبل الزيادة الأجزاء اللاحقة التأم الكل بالمجموع ، وبعد الزيادة يشك في بقائها فتستصحب ، يرد عليه ـ مضافا إلى أنه من الاستصحاب التعليقي الّذي لا يخلو اعتباره من الإشكال ـ أنه ان أريد بالأجزاء اللاحقة جميع ما يعتبر فيها شطرا وشرطا ، ففيه : أنه لا يحرز حينئذ انضمام تمام الباقي إلى الأجزاء السابقة ليلتئم الكل ، لاحتمال شرطية عدم الزيادة في الواجب ،

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والمفروض تحققها.

وان أريد بالأجزاء اللاحقة خصوص المعلومة دون المشكوكة ، ففيه : أنه لا يقين بالتئام الكل بانضمام الأجزاء اللاحقة المعلومة إلى السابقة مع فرض احتمال دخل عدم الزيادة شرطا في الواجب ، بداهة أنه مع احتمال شرطية عدم الزيادة لا يقين بالتئام الكل بانضمام الأجزاء اللاحقة المعلومة دون المشكوكة إلى الأجزاء السابقة حتى يصح استصحاب الصحة بمعنى التئام الكل بانضمام اللاحقة إلى السابقة.

وقد يقرر الاستصحاب بأن الزيادة توجب الشك في بقاء القابلية التي كانت معلومة قبل فعل الزيادة ، فتستصحب ، ثم يورد عليه بأن استصحاب القابلية لا يصلح لإثبات الفعلية ، فلا محرز لفعلية الالتحاق التي هي موضوع سقوط الأمر.

أقول : لم يظهر وجه لعدم صلاحية استصحاب القابلية لإثبات الفعلية بعد كون الملحوظ نفس القابلية المعلومة قبل طروء الزيادة ، فان هذه القابلية المستصحبة تلازم الفعلية حين انضمام الأجزاء اللاحقة إلى السابقة ، وإلّا فلا معنى لاستصحابها ، فالاستصحاب على فرض جريانه هنا من الاستصحابات الجارية في الشك في مانعية الموجود ، كجريان استصحاب الوضوء عند الخفقة والخفقتين المثبت للوضوء المسوغ للدخول في المشروط بالطهارة.

نعم ان أريد بعدم صلاحيته ما تقدم من أنه لا يقين بالقابلية لو أريد بالأجزاء خصوص المعلومة ، أو جميع ما يعتبر فيها شطرا وشرطا كان عدم الصلاحية وجيها.

٣٢٣

الرابع (١) : أنه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته

______________________________________________________

(٤ ـ الشك في إطلاق الجزء أو الشرط لحال العجز)

(١) الغرض من عقد هذا الأمر بيان حال الجزء والشرط من حيث الركنية وعدمها ، ومحصل ما أفاده فيه هو : أن دليل الجزء أو الشرط ان كان مطلقا بحيث يشمل جميع الحالات فلا كلام فيه ، لأن مقتضى إطلاقه ركنية الجزء والشرط والدخل المطلق ، ومن المعلوم أن تعذرهما حينئذ يوجب سقوط الأمر عن سائر الأجزاء ، لما اشتهر من انتفاء الكل والمشروط بانتفاء الجزء والشرط ، إلّا إذا قام دليل ثانوي كقاعدة الميسور على وجوب الباقي.

وأما ان كان لدليل المأمور به إطلاق دون دليل الجزء أو الشرط ، فمقتضاه وجوب الإتيان بما عدا المتعذر من سائر الأجزاء الميسورة ، فان إطلاق دليل المركب يقتضي مطلوبيته مطلقا وان تعذر بعضه ، من دون حاجة إلى قاعدة الميسور أو غيرها لإثبات وجوب الباقي.

وان كان دليل الجزء أو الشرط لبيا أو لفظيا مجملا كإجمال دليل المأمور به أيضا ، فحينئذ يدور أمره بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا حتى في حال العجز عنه كي

٣٢٤

في الجملة (١) ودار الأمر بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا ولو (٢) في حال العجز عنه ، وبين (٣) أن يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه ، فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول (٤) ، لعدم (٥) القدرة حينئذ على المأمور به ،

______________________________________________________

يسقط بتعذره أمر سائر الأجزاء ، أو في خصوص حال التمكن منه حتى لا يسقط بتعذره أمر الكل ، والمرجع هو الأصل العملي الّذي يأتي بيانه عند تعرض المصنف له. وقد تعرض الشيخ لهذا البحث في الأمر الثاني ، وسيأتي نقل عبارته إن شاء الله تعالى.

(١) كما إذا لم يكن لدليل الجزء أو الشرط ولدليل المأمور به إطلاق كما تقدم آنفا.

(٢) بيان للإطلاق ، وضمير «عنه» راجع إلى «شيء».

(٣) معطوف على «بين».

(٤) وهو الجزئية المطلقة أو الشرطية كذلك ، والفاء في «فيسقط» للتفريع ، يعني : أن ثمرة إطلاق الجزئية أو الشرطية هي سقوط الأمر بالكل ، لانتفاء القدرة ـ التي هي شرط التكليف ـ على فعل المأمور به بتمامه ، وضميرا «منه ، عنه» راجعان إلى «شيء» والمراد بـ «الأمر» هو الأمر بالكل ، كأمر الصلاة ، والباء في «بالعجز» للسببية ، يعني : أن العجز عن الجزء أو الشرط صار سببا لعدم القدرة على إتيان المأمور به ، فلا محالة يسقط الأمر عن الكل.

(٥) تعليل لسقوط الأمر بالكل بسبب العجز عن الجزء أو الشرط ، يعني : أن عدم القدرة على المأمور به الناشئ عن العجز المزبور صار علة لسقوط الأمر ، وقوله : «حينئذ» يعني : حين العجز عما علم دخله إجمالا في المأمور به.

٣٢٥

لا على الثاني (١) ، فيبقى متعلقا (٢) [معلقا] بالباقي ولم يكن (٣) هناك ما يعيّن أحد الأمرين من (٤) إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا ، أو إطلاق (٥) دليل المأمور به مع إجمال (*) دليل اعتباره

______________________________________________________

(١) وهو اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال التمكن ، فيبقى الأمر متعلقا بما عدا الجزء أو الشرط غير المقدور.

(٢) هذا هو الصواب ، وما في بعض النسخ من «معلّقا» فلعله من سهو الناسخ وذلك لأن ظاهر قوله : «معلقا» هو عدم الجزم ببقاء الأمر بالباقي ، وهذا خلاف لازم ما فرضه من دخل التمكن في الشرط أو الجزء.

(٣) معطوف على قوله : «علم» وضمير «فيبقى» راجع إلى «الأمر».

(٤) بيان لـ «ما» الموصول ، والمراد بالأمرين هو الجزئية أو الشرطية المطلقة أو المقيدة بحال التمكن.

(٥) معطوف على «إطلاق دليل» ولازم إطلاق دليل المأمور به ، وإجمال دليل الجزء والشرط هو وجوب الفاقد للمتعذر ، لكونه مطلوبا مطلقا سواء تمكن من المتعذر أم لا ، فقوله : «مع إجمال» قيد لإطلاق دليل المأمور به ، إذ لو كان لدليل الجزء إطلاق أيضا قدّم على إطلاق دليل المأمور به ، لحكومته عليه.

__________________

(*) ظاهره اشتراط اعتبار إطلاق دليل المأمور به بإهمال أو إجمال دليل اعتبار الجزء أو الشرط ، وعدم إمكان اجتماع إطلاقهما. مع أنه ليس كذلك ، ضرورة أن إطلاق دليل المأمور به ليس منوطا بعدم إطلاق دليل اعتبار الجزء أو الشرط ، فلعل الأولى أبدال العبارة من قوله : «ولم يكن» إلى «لاستقل» بأن يقال : «ولم يدل شيء من دليلي المأمور به واعتبار الجزء أو الشرط على تعين أحد الأمرين من الدخل مطلقا أو في خصوص حال التمكن لإجمالهما أو إهمالهما».

٣٢٦

أو إهماله (١) لاستقل (٢) العقل بالبراءة عن الباقي ، فان العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال : نعم (٣) ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية

______________________________________________________

(١) أي : إهمال الدليل ، وضميرا «اعتباره» في الموردين راجعان إلى «شيء» والمراد بالإجمال هو قصور الخطاب عن إفادة الإطلاق في مقام الإثبات ، لعدم ظهوره الناشئ عن إجماله ، لاشتراك اللفظ أو غيره. والمراد بالإهمال هو عدم كون المولى في مقام البيان الّذي هو من مقدمات الإطلاق.

(٢) جواب «لو» في قوله : «لو علم بجزئية شيء ... إلخ» ومحصل ما أفاده المصنف (قده) من أول الأمر الرابع إلى هنا هو : أنه مع الشك في كون الجزء أو الشرط دخيلا في حالتي التمكن والعجز معا أو في خصوص حال التمكن ، وعدم دليل اجتهادي يعيّن إحدى الكيفيتين تجري البراءة العقلية عن وجوب الباقي إذا تعذر بعض أجزاء الواجب أو شرائطه ، لأن العقاب على ترك الباقي بلا بيان.

(٣) هذا استدراك على قوله : «لاستقل العقل» وإشكال عليه ، وغرض المستشكل : أن البراءة العقلية وان كانت جارية في وجوب الباقي ، ورافعة للعقاب على تركه ، إلّا أنه لا مانع من جريان البراءة الشرعية الثابتة بحديث رفع التسعة ونحوه في نفي الجزئية أو الشرطية في حال التعذر والبناء على وجوب الباقي بها ، حيث ان حديث الرفع يضيق دائرة الجزئية أو الشرطية ويخصصها بحال التمكن ،

__________________

ومنه يظهر وجه حذف كلمة «إطلاق» في كلا الموردين ، إذ الكلام في عدم الدليل على تعين كيفية الدخل من الإطلاق أو التقيد بحال التمكن ، وليس مورده عدم الدليل على خصوص إطلاق الدخل في حالتي التمكن والتعذر كما لا يخفى.

٣٢٧

أو الشرطية الا في حال التمكن منه (١) (*).

______________________________________________________

فلا يكون للجزء أو الشرط المتعذر دخل في الواجب حتى يقيد الباقي به ، ويلتزم بسقوطه ، بل الباقي مطلق بالنسبة إلى المتعذر ، فيجب الإتيان به ، فوزان التعذر وزان النسيان ، فكما يثبت بحديث الرفع وجوب ما عدا الجزء أو الشرط المنسي ، فكذلك يثبت به وجوب ما عدا المتعذر من الجزء أو الشرط ، فقوله : «نعم» تصديق لجريان البراءة العقلية ، ولكن البراءة الشرعية تثبت وجوب الباقي ، لأن الشك في بقائه نشأ عن الشك في اعتبار المتعذر مطلقا حتى في حال التعذر ، وحديث الرفع يرفع اعتباره كذلك ، ومقتضاه بقاء وجوب الباقي وعدم تقيده بالمتعذر.

وعليه فالمراد بحديث الرفع هنا جملة «ما لا يعلمون» لفرض الجهل بكيفية دخل الجزء والشرط في المأمور به.

(١) أي : من الشيء المراد به الجزء أو الشرط.

__________________

(*) لم يظهر وجه عدوله عما أفاده الشيخ (قده) من إجراء البراءة في وجوب الباقي إلى إجرائها في نفس الجزء أو الشرط حتى يتوجه عليه : أن إجراءها فيه خلاف الامتنان ، لاستلزامها وجوب الباقي ، بل هذا الإشكال يوجب إجراءها في وجوب الفاقد وعدم إجرائها في الجزئية أو الشرطية وان كان ذلك الشك سببيا والشك في وجوب الباقي مسببيا ، حيث ان الأصل السببي هنا لا يجري ، لكونه مثبتا ، فلا محالة يجري في الشك المسببي.

وكيف كان فالحق أن يقال : انه لا قصور في شمول أدلة البراءة العقلية والنقليّة معا للجزء أو الشرط المتعذر ، إذ مفروض البحث هو عدم الدليل على إطلاق الجزئية أو الشرطية لحالتي التمكن والتعذر ، فعدم البيان الّذي هو موضوع حكم العقل بقبح المؤاخذة وكذا عدم العلم الّذي هو موضوع البراءة الشرعية محقق ، فتجري البراءة العقلية والنقليّة معا في الجزء أو الشرط.

٣٢٨

فانه يقال (١) : انه لا مجال هاهنا (٢) لمثله ، بداهة (٣) أنه ورد في

______________________________________________________

(١) هذا دفع الإشكال المزبور ، ومحصله : عدم جريان البراءة الشرعية في نفي الجزئية أو الشرطية في حال التعذر ، بداهة أن من شرائط جريانها حصول الامتنان ، وهو مفقود في تعذر الجزء أو الشرط ، لأن لازم اعتبارهما في خصوص حال التمكن وجوب سائر الأجزاء عند تعذرهما ، وهذا ينافي الامتنان المعتبر في جريان البراءة ، فلا يقاس التعذر بحال نسيان الجزء أو الشرط الّذي تجري فيه البراءة ، وذلك لأن في جريانها هناك كما الامتنان ، لاقتضائها نفي الإعادة بعد الالتفات والتذكر ، ففرق بين النسيان والتعذر ، لوجود الامتنان في جريان البراءة في الأول دون الثاني.

(٢) يعني : في تعذر الجزء أو الشرط ، وغرضه بيان الفرق بين التعذر وبين النسيان ، وقد عرفت الفارق بينهما ، وضمير «أنه» للشأن ، وضمير «لمثله» راجع إلى «حديث الرفع».

(٣) تعليل لقوله : «لا مجال» وقد مر توضيحه بقولنا : «بداهة أن من شرائط جريانها حصول الامتنان وهو مفقود» وضمير «أنه» راجع إلى «مثله».

__________________

وأما وجوب الباقي فهو غير مستند إلى البراءة حتى يقال بعدم جريانها فيها لكونها خلاف الامتنان ، حيث انها نافية للتكليف لا مثبتة له ، وذلك لأن وجوب الباقي مستند إلى أدلة الأجزاء والشرائط ، لا إلى البراءة حتى يستشكل فيها بأنها تنافي الامتنان.

ومنه يظهر : أن المنع عن جريان البراءة الشرعية في الجزئية أو الشرطية وإجراء البراءة العقلية في وجوب الباقي كما عليه المصنف (قده) وإجراء البراءة الشرعية في وجوب الباقي كما عليه الشيخ (قده) لا يخلو من منع ، لما عرفت من جريان البراءتين في نفس الجزئية أو الشرطية من دون إشكال المثبتية ، وعدم وصول النوبة إلى جريان البراءة الشرعية في وجوب الباقي ، فلاحظ وتأمل.

٣٢٩

مقام الامتنان ، فيختص (١) بما يوجب نفي التكليف لا إثباته (٢).

نعم (٣) ربما يقال : بأن قضية الاستصحاب

______________________________________________________

(١) يعني : فيختص مثل حديث الرفع بنفي التكليف بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عن أمتي» وضمير «أنه» راجع إلى «مثل حديث الرفع».

(٢) أي : إثبات التكليف كالمقام ، فان لازم اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال التعذر بأصالة البراءة وجوب الباقي ، وهو ينافي الامتنان ، لأنه إثبات للتكليف ، مع أن البراءة رافعة له. فحاصل مرام المصنف (قده) هو : أن البراءة العقلية تجري في نفي وجوب الباقي ، وعدم العقاب على تركه ، ولا تجري البراءة الشرعية في نفي الجزئية أو الشرطية ، لأنها تقتضي وجوب الباقي ، وهو خلاف الامتنان.

هذا ما أفاده المصنف. وأما شيخنا الأعظم (قدهما) فقد أجرى البراءة في وجوب الفاقد للمعتذر جزءا أو شرطا ، قال في الأمر الثاني ما لفظه : «إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة ، فهل يقتضي الأصل جزئية وشرطيته المطلقتين حتى إذا تعذر سقط التكليف بالكل أو المشروط ، أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكن ، فلو تعذر لم يسقط التكليف؟ وجهان بل قولان ، للأول أصالة البراءة من الفاقد وعدم ما يصلح لإثبات التكليف به كما سنبين».

وإشكال المصنف (قده) ـ وهو أن البراءة نافية للتكليف لا مثبتة له ، وإلّا يلزم خلاف الامتنان ـ لا يتوجه عليه ، لأن مورد الإشكال جريان البراءة في الجزئية أو الشرطية المستلزم لوجوب الباقي ، إذ مقتضى البراءة اختصاصهما بحال التمكن فلا موجب لسقوط التكليف عن الباقي ، لكن الشيخ أجرى البراءة في وجوب الباقي ، وفيه كمال الامتنان.

(٣) هذا استدراك على قوله : «لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي» والغرض

٣٣٠

في بعض الصور (١) وجوب الباقي في حال التعذر أيضا (٢) ،

______________________________________________________

منه منع جريان البراءة عن وجوب الفاقد للجزء المتعذر ، وإثبات وجوب الباقي كما هو القول الآخر في المسألة بالاستصحاب ، ومحصله : أنه قد يقال بوجوب الباقي بالاستصحاب الّذي يمكن تقريبه بوجوه ، لكن المذكور منها في المتن اثنان :

أحدهما : ـ وهو الظاهر من عبارة الشيخ حيث قال : «ولا يعارضها ـ أي أصالة البراءة ـ وجوب الباقي ، لأن وجوبه كان مقدمة لوجوب الكل ، فينتفى بانتفائه. وثبوت الوجوب النفسيّ له مفروض الانتفاء» ـ كون المستصحب هو الوجوب الكلي ، بأن يقال : أن الصلاة كانت واجبة مع السورة والاستقبال والستر مثلا ، ويشك في حدوث الوجوب لها مقارنا لتعذر بعض أجزائها أو شرائطها ، فيستصحب طبيعي الوجوب الجامع بين الغيري المرتفع بتعذر البعض والنفسيّ المحتمل حدوثه للباقي مقارنا لارتفاع الوجوب الغيري ، وهذا ثاني وجوه ثالث أقسام استصحاب الكلي ، كاستصحاب كلي الإنسان مثلا فيما إذا وجد في ضمن زيد وعلم بارتفاعه وشك في وجود عمرو مقارنا لارتفاعه.

(١) وهي ما إذا علم بوجوب الباقي قبل طروء التعذر ، كما إذا تعذر بعض الأجزاء بعد توجه الخطاب وتعلق الأمر بالكل ، إذ لو كان التعذر قبل ذلك لم يكن هناك يقين بوجوب الباقي حتى يستصحب ، بل الشك حينئذ يكون في أصل الحدوث لا في البقاء ، ومن المعلوم أن المعتبر في الاستصحاب هو الشك في البقاء دون الحدوث.

(٢) يعني : كوجوب الباقي قبل التعذر ، هذا.

ثانيهما : كون المستصحب خصوص الوجوب النفسيّ القائم بالكل ، بدعوى بقاء الموضوع بالمسامحة العرفية ، وجعل المتعذر من الجزء أو الشرط من قبيل حالات الموضوع لا من مقوماته ، فيقال : «هذا الباقي كان واجبا نفسيا سابقا ، والآن

٣٣١

ولكنه (١) لا يكاد يصح إلّا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي ، أو على (٢) المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب وكان (*)

______________________________________________________

كما كان» نظير المثال المعروف وهو استصحاب كرية ماء أو قلته فيما إذا أخذ منه مقدار أو زيد عليه ، فيقال : «ان هذا الماء كان كرّا أو قليلا والآن كما كان» مع وضوح أن هذا الماء بالدقة العقلية ومع الغض عما زيد عليه أو نقص عنه لم يكن كرّا أو قليلا ، لكنه بالمسامحة العرفية كذلك.

(١) أي : الاستصحاب ، ويمكن أن يكون الضمير للشأن ، وغرضه (قده) الإشارة إلى أول تقريبي الاستصحاب والإشكال عليه. أما تقريبه فقد عرفته بقولنا : «أحدهما كون المستصحب الوجوب الكلي ... إلخ» وأما اشكاله فحاصله : أن الاستصحاب بالتقريب الأوّل يكون من القسم الثالث من استصحاب الكلي ، وهو ليس بحجة ، حيث قال في ثالث تنبيهات الاستصحاب في هذا القسم من استصحاب الكلي ما لفظه : «ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه».

(٢) معطوف على «على» وغرضه التنبيه على أن صحة الاستصحاب على تقريبه الثاني المذكور بقولنا : «ثانيهما كون المستصحب خصوص الوجوب النفسيّ القائم بالكل ... إلخ» منوطة بالمسامحة العرفية في تعيين موضوع الاستصحاب ، بأن لا يكون المتعذر جزءا أو شرطا من مقوّمات الموضوع ، بل من حالاته المتبادلة حتى يصح أن يقال : ان الفاقد هو الواجد عرفا ليجري فيه الاستصحاب ، فلو كان المفقود قادحا في صدق اتحاد الفاقد مع الواجد عرفا كما إذا كان المفقود معظم الأجزاء لم يجر الاستصحاب ، لعدم صدق الشك في البقاء حينئذ ، ومختار المصنف جواز المسامحة العرفية في الموضوع.

__________________

(*) الأولى تبديله بـ «وكون» ليكون معطوفا على المسامحة ، ومفسرا لها ، أو إبداله بـ «بأن يكون».

٣٣٢

ما تعذر مما يسامح به عرفا ، بحيث (١) يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي ، وارتفاعه (٢) لو قيل بعدم وجوبه (*)

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «يسامح» وبيان لمقدار التسامح ، يعني : أن تكون المسامحة العرفية بمثابة يصدق على الفاقد للمتعذر أنه الموضوع السابق ، كما إذا لم يكن المتعذر معظم الأجزاء والشرائط حتى يكون وجوبه بقاء ذلك الوجوب لا وجوبا حادثا لموضوع جديد ، وعدم وجوبه ارتفاعا له عن ذلك الموضوع ، إذ مع عدم صدق الموضوع لا يعد رفع الحكم رفعا عنه ونقضا لليقين السابق ، بل هو من باب عدم الموضوع.

والحاصل : أنه لا بد في صحة الاستصحاب من صدق النقض على نفي الحكم والإبقاء على إثباته ، وهذا الصدق منوط بوحدة الموضوع ، نظير استصحاب عدالة زيد ، فان موضوعها لا ينثلم بالمرض والصحة والفقر والغنى ، فإذا شك في عدالته فلا مانع من استصحابها مع عروض هذه العوارض ، لأنها من الحالات المتبادلة التي لا يتغير بها الموضوع أعني زيدا. وضمير «تعذره» راجع إلى ما شك في كيفية دخله من الجزء والشرط.

(٢) معطوف على «بقاء» الّذي هو فاعل «يصدق» وضمير «ارتفاعه» راجع إلى «الوجوب» وضمير «وجوبه» إلى «الباقي» و «لو قيل» قيد لبقاء الوجوب.

__________________

(*) وهنا تقريب آخر للاستصحاب بحيث لا يرد عليه إشكال ، وهو يتوقف على الالتزام بأمور : الأول : كون وجوب أجزاء المركب نفسيا ضمنيا ، لا غيريا مقدميا ، لما مر في مقدمة الواجب من بطلان مقدمية الأجزاء.

الثاني : كون الموضوع عرفيا صادقا مع وجود ملاكه السابق وتبدله بملاك آخر ، وبقاء الأول وحدوث غيره معه ، فان الموضوع في جميعها صادق ولا تنثلم وحدته بذلك ، وانما تنثلم بكون المتعذر معظم الأجزاء والشرائط كما مر في

٣٣٣

ويأتي (١) تحقيق الكلام فيه في غير المقام (٢) ،

______________________________________________________

(١) بعد التنبيه الرابع عشر من تنبيهات الاستصحاب ، وقد اختار هناك كون المرجع في تعيين الموضوع هو نظر العرف دون غيره من العقل ودليل الحكم ، وضمير «فيه» راجع إلى «تعيين».

(٢) أي : في غير هذا المقام المبحوث عنه فعلا ، وهو أواخر الاستصحاب ، حيث انه يبحث هناك عن تعيين الموضوع في الاستصحاب.

__________________

التوضيح.

الثالث : أن الحدود أمور عدمية لا تؤثر في تعدد وجود المحدود.

وبعد الإحاطة بهذه الأمور يتضح وجه صحة استصحاب الوجوب النفسيّ للباقي ، لأن المفروض هو المتيقن سابقا ، وزوال حده التمامي لا يضر بذلك ، لأن الحدود أعدام لا يتعدد بها وجود المحدود ، كما لا يقدح بتبدل ملاكه أو حدوث غيره معه بحيث يستند بقاؤه إليهما أو إلى أحدهما ، كما إذا قال السيد لعبده : «اجلس في المسجد إلى الزوال لقراءة القرآن» واحتملنا بقاء وجوب الجلوس فيما بعد الزوال الأجل صلاة الظهر أو لجهة أخرى ، فانه لا مانع من استصحاب وجوب الجلوس ، إذ الموضوع وهو الجلوس لا يتغير بتغير ملاك الوجوب.

ففي المقام لا مانع من استصحاب الوجوب النفسيّ للباقي وان كان وجوبه البقائي مستندا إلى غير ملاك وجوبه الحدوثي القائم بالتام.

نعم يعتبر في هذا الاستصحاب ما تقدم من أمرين : أحدهما : أن لا يكون المتعذر معظم الأجزاء والشرائط ، إذ لو كان كذلك انثلمت به وحدة الموضوع ، لوضوح قدح هذا التعذر في وحدته عرفا ، فلا وجه حينئذ للاستصحاب.

ثانيهما : أن يكون التعذر بعد تحقق الوجوب للكل ، كما إذا طرأ العجز عن بعض الأجزاء أو الشرائط بعد دخول وقت الفريضة ، وإلّا كان استصحابه تعليقيا.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وبالجملة : فاستصحاب الوجوب الشخصي النفسيّ للباقي مع الشرطين المذكورين جار بلا مانع ، ولا يرد عليه شيء من الإشكالات التي أوردت على التقريبين السابقين للاستصحاب ، فلاحظ وتأمل.

وقد يقرر الاستصحاب بما يرجع إلى القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ، ببيان : أن وجوب المركب مردد بين الطويل والقصير ، إذ لو كان متعلقا به على أن يكون الجزء المتعذر جزءا مطلقا سقط الوجوب بتعذره ، لكونه حينئذ قصيرا ، ولو كان متعلقا به على أن يكون جزءا له في حال التمكن فقط بقي الوجوب ، لكونه طويلا ، نظير تردد الحيوان بين فرده الطويل وفرده القصير ، هذا.

لكن الظاهر أجنبيته عن القسم الثاني واندراجه في استصحاب الشخص ، حيث ان مورد القسم الثاني هو تردد الكلي بين فرديه اللذين أحدهما طويل العمر والآخر قصيره ، نظير تردد الحيوان بين الفيل والبق مثلا ، دون ما إذا تردد وصف فرد بين وصفين يوجب أحدهما بقاءه والآخر زواله ، فحينئذ يجري الاستصحاب في الفرد ، للشك في بقائه ، لتردد وصفه بين ما يوجب زواله وما لا يوجبه ، نظير ما إذا شك في حياة زيد المريض ، للشك في أن مرضه ان كان مهلكا فمات ولم يبق إلى هذا الزمان ، وان لم يكن مهلكا فهو حي وباق فعلا ، فانه يستصحب حياته ، وليس من استصحاب الكلي أصلا.

ففي المقام قيّد وجوب الباقي بوجوب الجزء المتعذر ، وتردد هذا القيد بين كونه مطلقا أو في خصوص حال القدرة ، فعلى الأول يرتفع الوجوب عن الباقي وعلى الثاني يبقى فيستصحب. فهذا التقريب يرجع إلى الوجه الثاني ، وهو كون المستصحب الوجوب النفسيّ ، مع الفرق بينهما بأن المستصحب في

٣٣٥

كما أن وجوب الباقي في الجملة (١) (*) ربما قيل

______________________________________________________

(قاعدة الميسور)

(١) أي : في خصوص ما يعد فاقد الجزء أو الشرط ميسورا للواجد لا مطلقا كما هو مفاد قوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» أو في خصوص فاقد الجزء دون الشرط كما هو مقتضى الخبر الأول والثالث المذكورين في المتن على ما سيتضح إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فغرض المصنف (قده) ـ بعد أن اختار هو عدم وجوب الباقي للبراءة العقلية ـ الإشارة إلى أدلة القائلين بوجوب الباقي ، وهي الاستصحاب الّذي تقدم بتقاريبه ، وقاعدة الميسور التي تعرض لها بقوله : «مقتضى ما يستفاد» والفرق بينها وبين الاستصحاب هو : أن القاعدة دليل اجتهادي ، ومعها لا تصل النوبة إلى الأصل العملي أعنى الاستصحاب ، كما لا تجري معها البراءة العقلية في وجوب الباقي ،

__________________

هذا الوجه هو الوجوب النفسيّ القائم بالباقي ، وفي ذلك الوجه هو الوجوب النفسيّ القائم بالكل ، بدعوى وحدة الموضوع مسامحة ، فالمستصحب على هذين الوجهين شخصي ، وعلى الوجه الأول كلي من القسم الثالث من استصحاب الكلي.

(*) بل بالجملة بناء على اعتبار الروايات الثلاث التي استدل بها على اعتبار قاعدة الميسور ، وذلك لوفاء الخبر الأول والثالث بوجوب الباقي مطلقا وان لم يكن ميسورا عرفا ، لعدم إناطة الوجوب به ، ووفاء الخبر الثاني بتعذر الشرط.

فمجموع هذه الروايات بناء على اعتبارها تدل على وجوب الباقي سواء كان ميسورا عرفا أم لا ، وسواء كان المتعذر جزءا أم شرطا.

وبالجملة : لما لم تكن بين هذه الروايات منافاة فمقتضى القاعدة هو الأخذ بجميعها.

٣٣٦

بكونه (١) مقتضى ما يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» وقوله : «الميسور لا يسقط بالمعسور» وقوله : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (١).

ودلالة الأول مبنية على كون كلمة «من» تبعيضية (٢)

______________________________________________________

لورود قاعدة الميسور عليها ، حيث انها بيان رافع لعدم البيان الّذي هو موضوع حكم العقل بقبح المؤاخذة.

ولا يخفى أن شيخنا الأعظم (قده) تعرض أيضا لقاعدة الميسور كما تعرض للاستصحاب.

(١) أي : وجوب الباقي ، والتعبير بـ «ربما قيل» مشعر بالضعف والوهن ، للوجوه العديدة من المناقشات التي أوردها على الاستدلال بها على قاعدة الميسور.

(٢) غرضه : أن الاستدلال بالخبر الأول على قاعدة الميسور مبني على أمرين : الأول : كون كلمة «من» تبعيضية ، إذ لو كانت بيانية أو بمعنى الباء فمعنى الخبر حينئذ : وجوب الإتيان بنفس المأمور به الكلي بقدر الاستطاعة ، لا وجوب الإتيان ببعضه الميسور كما هو المقصود ، فلا يشمل الخبر الكل والمركب الّذي تعذر بعض أجزائه.

الثاني : كون التبعيض بحسب الأجزاء لا الأفراد ، إذ مفاد الخبر حينئذ هو وجوب الإتيان بما تيسر من أفراد الطبيعة ، فيدل على وجوب التكرار ، وعدم كون المطلوب صرف الوجود ، ولذا استدل به بعض المحققين كصاحب الحاشية في مبحث الأوامر على وجوب التكرار في قبال القول بالمرة والقول بالطبيعة ومن

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ٤ من الطبعة الحديثة ، ص ٥٨ ، لكن المذكور فيه يختلف عما في المتن ، فالخبر الأول هكذا : «وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه بما استطعتم» والخبر الثاني «لا يترك الميسور بالمعسور».

٣٣٧

لا بيانية (١) ولا بمعنى الباء (٢) (*).

______________________________________________________

المعلوم أنه أجنبي عن المطلوب وهو وجوب ما تيسر من أجزاء المركب الّذي تعذر بعض أجزائه.

(١) المراد بها كون مدخول «من» هو الجنس الّذي يكون المبيّن ـ بالفتح ـ منه ، كقوله تعالى : «اجتنبوا الرجس من الأوثان» وقوله : «أثوابي من قطن وخواتيمي من فضة» وهذا الضابط للبيانية لا ينطبق على المقام ، ضرورة أن مدخول «من» هنا ليس إلّا نفس الشيء المذكور قبله ، حيث ان الضمير عين مرجعه. فكأنه قيل : «إذا أمرتكم بشيء فأوجدوه ما استطعتم» وهذا عبارة أخرى عن دخل القدرة في متعلق الخطاب ، وأنه مع التمكن يجب فعل المأمور به ولا يجوز تركه ، وهذا لا يدل على وجوب بعض المركب المأمور به إذا تعذر بعض اجزائه ، لو لم يدل على وجوب الطبيعة المأمور بها كما مر آنفا.

(٢) قال شيخنا الأعظم (قده) في الرسائل : «قد يناقش في دلالتها ـ أي روايات قاعدة الميسور ـ أما الأول فلاحتمال كون من بمعنى الباء ، أو بيانيّا ، وما مصدرية زمانية» ومقتضاهما كما عرفت وجوب الإتيان بالمأمور به بقدر الإمكان ، وهذا هو التكرار ، وأجنبي عن محل البحث.

ثم دفع هذه المناقشة بقوله : «وفيه : أن كون من بمعنى الباء مطلقا وبيانية في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام» وحاصله : أن المناقشة المزبورة مندفعة بأن جعل «من» بمعنى الباء في كل مورد وبيانيا في خصوص هذا المورد خلاف الظاهر الّذي لا يصار إليه بلا دليل ، فالمتعين حينئذ كون كلمة «من» تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء ، فيدل الخبر الأول على اعتبار قاعدة الميسور.

__________________

(*) لم يثبت كون كلمة «من» بمعنى الباء نعم حكي عن يونس استعمالها

٣٣٨

وظهورها (١) في التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى (٢) ، إلّا أن (٣)

______________________________________________________

(١) أي : كلمة «من» في التبعيض الّذي هو عبارة عن صحة قيام كلمة «بعض» مقام كلمة «من» وقد عرفت تقريب هذا الظهور الّذي هو أحد الوجهين اللذين يكون الاستدلال بالخبر الأول مبنيا عليهما.

(٢) لما مر من عدم ثبوت استعمال «من» بمعنى الباء ، وعدم انطباق ضابط البيانية أيضا عليه ، فالمتعين كون «من» هنا للتبعيض ، فهذا الوجه الأول ثابت.

(٣) غرضه الإشكال على ثاني الوجهين ، وهو كون التبعيض بحسب الأجزاء لا الأفراد ، ومحصل الإشكال : أن التبعيض ان كان بلحاظ الجامع بين الأجزاء والأفراد بأن يراد بالشيء ما هو أعم من الكل ذي الأجزاء كالصلاة والحج والكلي ذي الأفراد كالعالم ، أو بلحاظ خصوص الأجزاء (كان) الخبر دليلا على المقصود وهو وجوب بعض أجزاء المركب مع تعذر بعضها الآخر. وان كان بلحاظ الأفراد أو مجملا لم يصح الاستدلال بالخبر المزبور وضمير «كونه» راجع إلى «التبعيض».

__________________

بمعنى الباء استنادا إلى قوله تعالى : «ينظرون إليك من طرف خفي».

لكن فيه أولا : أن نقله لا يكفي في ثبوت شيوع استعمالها عندهم في ذلك بحيث يثبت لها ظهور في إرادة الباء منها.

وثانيا : استدلاله عليه بالآية الشريفة اجتهاد منه ، لإنكار غير واحد له ، وادعاء أنها للابتداء ، فالإشكال عليه بعدم ثبوت صحة استعمالها بمعنى الباء أولى من جعله بمعنى الباء مخالفا للظاهر كما في عبارة الشيخ (قده) المتقدمة.

ولعل احتمال كونها بمعنى الباء نشأ من أن الإتيان يتعدى بالباء إلى المأتي به كقوله تعالى : «ومن يغلل يأت بما غل» فجعل «من» في هذا الخبر بمعنى الباء للتعدية بها إلى المأتي به.

وفيه أولا : أنه اجتهاد يتوقف صحته على استعمال «من» بمعنى الباء ، وقد

٣٣٩

كونه بحسب الأجزاء غير واضح ، لاحتمال (١) أن يكون بلحاظ

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «غير واضح» ومحصله : أن احتمال كون التبعيض بلحاظ الأفراد مانع عن الاستدلال بالخبر المزبور ، لما مر من ابتنائه على كون التبعيض بلحاظ الأجزاء دون الأفراد ، ومع هذا الاحتمال المصادم لظهور كون التبعيض بلحاظ الأجزاء يسقط الاستدلال. واسم «يكون» ضمير راجع إلى التبعيض.

__________________

عرفت عدم ثبوته.

وثانيا : أن الإتيان يتعدى إلى المأتي به تارة بالباء كالآية المتقدمة ، وأخرى بالنفس كقوله تعالى شأنه : «واللاتي يأتين الفاحشة» وعليه فلا موجب لجعل «من» بمعنى الباء للتعدية إلى المأتي به.

وأما عدم بيانية «من» في خصوص المقام ، فلما عرفت من عدم انطباق ضابطها عليه. مضافا إلى لزوم كون الأمر بالإتيان إرشاديا على تقدير إرادة القدرة العقلية من الاستطاعة ، ويكون مفاد الحديث حينئذ أجنبيا عن المدعى. فتعين أن يكون «من» هنا للتبعيض ، فالإشكال من ناحية إرادة التبعيض منه مندفع.

إلّا أن يستشكل فيه بما في المتن من إرادة التبعيض بحسب الأفراد بقرينة المورد ، إذ لا معنى لإرادة بعض الأجزاء فيه. وعليه فيكون الخبر أجنبيا عن المقصود.

بل يمكن أن يقال : ان المورد قرينة على عدم إرادة التبعيض من كلمة «من» حيث ان الفرد كزيد مثلا ليس بعض الكلي كالإنسان ، بل تمامه ، والحج في كل سنة فرد لكلي الحج لا جزؤه وبعضه ، إلّا بناء على القول بكون وجود الكلي في ضمن الفرد ، وأن الكلي الطبيعي كالأب الواحد بالنسبة إلى أولاده. لكن هذا القول غير مرضي كما ثبت في محله ، بل الكلي الطبيعي كالآباء مع الأولاد.

ومنه يظهر ضعف احتمال أعمية «الشيء» من الكلي ذي الافراد والكل ذي

٣٤٠