مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

اعتماد جملة من المتأخّرين عليها يعصمها عن السقوط عن درجة الاعتبار ، خصوصا مع اعتضادها بمفهوم القيد في صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة (١).

ويؤيّدها أيضا حسنة الحلبي أو صحيحته ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي‌ء؟ قال : «لا ، غير أنّي أصلّي بعدها ركعتين ، ولست أحسبهما من صلاة الليل» (٢) فإنّ كونها كذلك يوهن ظهور الأخبار المتقدّمة في إرادتها ، بل ربّما يستشعر عدم إرادتها من تلك الأخبار ممّا في ذيل رواية أبي بصير ، المتقدّمة (٣) من قوله عليه‌السلام : «وليس عليك قضاء صلاة النهار ، وصلّ صلاة الليل واقضه» فإنّه يشعر بأنّ المقصود بقوله عليه‌السلام في صدر الرواية : «الصلاة في السفر ركعتان» إلى آخره ، نفي شرعيّة نافلة الظهرين.

هذا ، مع إمكان أن يقال : إنّ الأخبار المتقدّمة معارضة في الوتيرة مع الأخبار الواردة فيها بالخصوص.

مثل : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر» قال : قلت : يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : «نعم ، إنّهما بركعة ، فمن صلّاهما ثمّ حدث به حدث الموت مات على وتر ، فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل» (٤).

وصحيحة زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر»

__________________

(١) في ص ٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٠ / ١٩ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٣) في ص ٥٦.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠ ، الهامش (١).

٦١

فلا يبيتنّ إلّا بوتر» (١).

وخبر حمران ـ المرويّ عن العلل ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يبيتنّ الرجل وعليه وتر» (٢).

فإنّ النسبة بين هذه الأخبار وبين الروايات المتقدّمة العموم من وجه ، وليس ظهور تلك الروايات في إرادة الإطلاق بالنسبة إلى نافلة العشاء بأقوى من ظهور هذه الروايات ـ مع ما فيها من التأكيد ـ في الإطلاق بالنسبة إلى المسافر ، بل هذه الروايات لها نحو حكومة على تلك الأخبار حيث يفهم منها أنّ الوتيرة مربوطة بصلاة الليل ، وأنّ إتيانها بعد العشاء لوقوعها قبل المبيت ، لا لارتباطها بالعشاء.

ولعلّه لذا أجاب الإمام عليه‌السلام بـ «لا» في حسنة الحلبي ، المتقدّمة (٣) التي وقع فيها السؤال عن أنّه هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي‌ء؟ فكأنّه عليه‌السلام أراد بقوله : «غير أنّي أصلّي ركعتين ، ولست أحسبهما من صلاة الليل» التنبيه على أنّهما نافلة مستقلّة ، ولها نحو ارتباط بنافلة الليل.

(و) كيف كان فقد تلخّص من جميع ما ذكرنا : أنّ (الوتيرة) أيضا كسائر النوافل الليليّة لا تسقط في السفر (على الأظهر) ولكنّ الأحوط فعلها بعنوان نافلة مطلقة برجاء حصول الخصوصيّة من باب الاحتياط ، والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤١ / ١٤١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٣٠ (الباب ٢٦) ح ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٥.

(٣) في ص ٦١.

٦٢

تنبيهان :

الأوّل : هل تسقط النوافل اليوميّة عن المسافر في الأماكن الأربعة أيضا ،كما يقتضيه إطلاق المتن وغيره ، أم لا تسقط فيها مطلقا ، كما عن الشيخ نجيب الدين ابن نما عن شيخه ابن إدريس مصرّحا بعدم الفرق بين أن يتمّ الفريضة أولا ، ولا بين أن يصلّي الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها ، أو يصلّيهما معا فيها (١) ، أو أنّها تابعة للفريضة ، فإن اختار إيقاع الفريضة فيها تماما ، جاز له الإتيان بنافلتها ، وإلّا فلا؟ وجوه ، بل أقوال ، ربّما يترجّح في النظر القول بعدم السقوط مطلقا ، نظرا إلى أنّ عمدة ما يمكن التمسّك بإطلاقها للسقوط هي المستفيضة المتقدّمة (٢) ، وهي ما ورد فيها «أنّ الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء».

وهي قاصرة عن شمول محلّ البحث ؛ إذ الظاهر أنّ المراد بهذه القضيّة بيان قصر طبيعة الصلاة ـ المشروعة في السفر ـ في الركعتين اللّتين اريد بهما الفريضة مقصورة ، فهي بمنزلة ما لو قيل : إنّ الصلاة المأمور بها في السفر ليست إلّا ركعتان ، وقد تخصّصت هذه القضيّة بالأدلّة الدالّة على جواز الإتمام في الأماكن الأربعة حيث إنّها تدلّ على أنّ الصلاة المشروعة في تلك الأماكن أزيد من ركعتين.

لكن لقائل أن يقول : إنّ هذا لا يقتضي إهمال القضيّة رأسا بالنسبة إلى تلك الأماكن ، بل مقتضاه رفع اليد عن عموم ما يفهم منها من عدم شرعيّة الزائد بمقدار دلالة الدليل ، كما لو ورد دليل خاصّ على جواز الإتيان بركعتين ـ مثلا ـ من نافلة الظهر في مكان خاصّ ، فإنّ مقتضاه ليس إلّا رفع اليد عن عموم المفهوم بالنسبة

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٣٣٥.

(٢) في ص ٥٦.

٦٣

إلى الركعتين ، لا إهماله بالنسبة إلى ذلك المكان رأسا ، فعلى هذا يتّجه اختيار القول الأوّل ، فليتأمّل.

ويمكن الاستدلال له أيضا بترك الاستفصال فيما رواه صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن التطوّع بالنهار وأنا في سفر ، فقال : «لا ، ولكن تقضي صلاة الليل بالنهار وأنت في سفر» فقلت : جعلت فداك صلاة النهار التي اصلّيها في الحضر أقضيها بالنهار في السفر؟ فقال : «أمّا أنا فلا أقضيها» (١).

ويمكن الاستدلال لتبعيّتها لإتمام الفريضة : بما يستشعر من جملة من الأخبار بل يستظهر من بعضها من تبعيّة سقوط النافلة لتقصير الفريضة.

مثل : ما عن الفضل بن شاذان في حديث العلل عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «وإنّما ترك تطوّع النهار ولم يترك تطوّع الليل لأنّ كلّ صلاة لا يقصر فيها لا يقصر فيما بعدها من التطوّع ، وذلك أنّ المغرب لا تقصير فيها فلا تقصير فيما بعدها من التطوّع ، وكذلك الغداة لا تقصير فيها فلا تقصير فيما قبلها من التطوّع» (٢).

وفيه تأمّل ، فالإنصاف أنّ الحكم موقع تردّد ، فالقول بالسقوط إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

نعم ، لا ينبغي التأمّل في عدم سقوطها عن المسافر الذي هو بحكم الحاضر ، ككثير السفر ونحوه ، كما صرّح به بعض (٣) ، بل عن ظاهر الغنية أو

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٥ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦٧ (الباب ١٨٢) ح ٩ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٩ ـ ١١٣ (الباب ٣٤) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٥.

(٣) صاحب الجواهر فيها ٧ : ٥٠ ـ ٥١.

٦٤

صريحها دعوى الإجماع عليه (١) ، فإنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على أنّه يتمّ صلاته ويصوم أنّ هذا ليس إلّا لكونه بمنزلة الحاضر ، وأنّه لا حكم لسفره ، فتختصّ الأحكام المجعولة للمسافر بغيره ، كما لا يخفى على المتأمّل.

الثاني : هل يجوز قضاء ما يتركه المسافر من النوافل اليوميّة ، أم لا؟فقد اختلفت الأخبار في ذلك ، فربّما يظهر من بعض الأخبار عدم مشروعيّته.

كخبر سيف التمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال له بعض أصحابنا : إنّا كنّا نقضي صلاة النهار إذا نزلنا بين المغرب والعشاء الآخرة ، فقال : «ل ا ، الله أعلم بعباده حين رخّص لهم ، إنّما فرض [الله] (٢) على المسافر ركعتين ليس (٣) قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلّا صلاة الليل على بعيرك حيث توجّه بك» (٤).

وخبر العامري عن أبي جعفر عليه‌السلام : «وليس عليك قضاء صلاة النهار ، وصلّ صلاة الليل واقضه» (٥).

وعن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام نحوه (٦).

ويظهر من بعض الأخبار استحبابه.

__________________

(١) الغنية : ٧٣ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٥١.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في المصدر : «لا» بدل «ليس».

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ / ١٢٩٢ ، التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣.

(٥) ليس هذا مضمون خبر العامري ، بل هو نصّ خبر أبي بصير ، اللاحق المعبّر عنه هنا بـ «نحوه». وما في المتن من إسناد الخبر إلى العامري ، ونحوه إلى أبي بصير كما في جواهر الكلام ٧ : ٥١ ، ومضمون خبر العامري شي‌ء آخر ، راجع الكافي ٣ : ٤٨٧ / ٢ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٦.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٥٦ ، الهامش (٣).

٦٥

كخبر حنان بن سدير [عن سدير] (١) ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل ، ولا يتمّ صلاة فريضة» (٢).

وعن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال : «نعم» فقال له إسماعيل بن جابر : أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال : «لا» فقال : إنّك قلت : «نعم» فقال : «إنّ ذلك يطيق وأنت لا تطيق» (٣).

وربما جمع بين الأخبار بحمل الفعل على الجواز.

وفيه ما لا يخفى إن أريد به تساوي طرفيه ، وأنّه لا إثم فيه ، وليس بمسنون.

أو بالحمل على نفي التأكّد ، أو أنّ الفعل يقع راجحا بلحاظ كونه مصداقا لطبيعة الصلاة التي هي خير موضوع ، فتعلّق الأمر به في رواية معاوية بن عمّار إنّما هو بهذه الملاحظة.

وأمّا خبر حنان فيحتمل صدوره على سبيل الإنكار.

وفي هذا التوجيه أيضا ما لا يخفى ، خصوصا مع اقتضائه حمل خبر حنان على الإنكار مع ما فيه من البعد وإن كان ربّما يستشعر هذا التوجيه من رواية عمر بن حنظلة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إنّي سألتك عن قضاء

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧ / ٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٢١ / ٧٨٣ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٢١ / ٧٨٢ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

٦٦

صلاة النهار بالليل في السفر ، فقلت : «لا تقضها» وسألك أصحابنا فقلت : «اقضوا» فقال لي : «أفأقول لهم : لا تصلّوا؟ (١) والله ما ذاك عليهم» (٢).

فأقرب المحامل هو الحمل على عدم تأكّد الاستحباب على وجه يعدّ من الامور اللازمة ، كما يشعر بذلك ما في خبر العامري (٣) من التعبير بأنّه «ليس عليك» وفي الرواية الأخيرة أيضا بأنّه «ما ذاك عليهم» والله العالم.

(والنوافل كلّها) موقّتها وغير موقّتها (ركعتان بتشهّد وتسليم بعدهما إلّا) مفردة (الوتر) التي عرفتها (وصلاة الأعرابي) التي ستعرفها ، على المشهور ، بل عن الخلاف والسرائر وغيرهما دعوى الإجماع عليه (٤).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماعات المحكيّة المعتضدة بالشهرة وعدم نقل خلاف محقّق في المسألة ـ خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي النافلة يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟ قال : «لا ، إلّا أن يسلّم بين كلّ ركعتين» (٥).

وما عن مستطرفات السرائر ـ نقلا عن كتاب حريز بن عبد الله ـ عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : «وافصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم» (٦).

__________________

(١) فيما عدا الوسائل زيادة : «وإنّي أكره أن أقول لهم : لا تصلّوا».

(٢) التهذيب ٢ : ١٧ / ٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ / ٧٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

(٣) كذا ، والظاهر : «أبي بصير» بدل «العامري».

(٤) الخلاف ١ : ٥٢٧ ، المسألة ٢٦٧ ، السرائر ١ : ٣٠٦ ، الغنية : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١١ ـ ١٢.

(٥) قرب الإسناد : ١٩٤ / ٧٣٦ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

(٦) السرائر ٣ : ٥٨٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣.

٦٧

ويعضدهما النبويّ (١) العامّي الذي استدلّ به الشيخ في محكيّ الخلاف للمدّعى حيث إنّه منع عن الزيادة ، وقال : «فإن فعل خالف السّنّة» محتجّا عليه بإجماعنا.

وبما رواه ابن عمر أنّ رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الليل ، فقال :«صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّى ركعة واحدة توتر له ما قد صلّى» (٢).

ثمّ نقل عن ابن عمر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «صلاة الليل والنهار مثنى» (٣) (٤).

والخدشة في سنة الأخبار أو دلالتها : باحتمال إرادة خصوص النوافل المرتّبة ممّا لا ينبغي الالتفات إليها بعد الانجبار بما عرفت.

هذا ، مع أنّ الاحتمال المذكور في حدّ ذاته مخالف لظاهر الخبرين الأوّلين.

واستدلّ للمدّعى أيضا بأنّ كيفيّة العبادة كأصلها توقيفيّة ، والذي ثبت من فعل الحجج وقولهم عليهم‌السلام إنّما هو فعل الصلاة ركعتين ، فإتيانها بغير هذه الكيفيّة تشريع محرّم.

وفيه : ما تقرّر في محلّه من أنّ كون العبادات توقيفيّة لا يصلح دليلا لإيجاب الاحتياط بالنسبة إلى ما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته ، فلا يصحّ الاستدلال

__________________

(١) سيأتي النبويّ.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٣٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥١٦ / ٧٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٦ / ١٣٢٦ ، سنن النسائي ٣ : ٢٣٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٨٦ ، مسند أحمد ٢ : ١٠٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٩ / ١٣٢٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩ / ١٢٩٥ ، سنن الترمذي ٢ :٤٩١ / ٥٩٧ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٨٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦ و ٥١.

(٤) الخلاف ١ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، المسألة ٢٦٧ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٢ : ٢٩٥.

٦٨

بذلك لإثبات وجوب التسليم في كلّ ركعتين ، وعدم جواز الإتيان بثمان ركعات التي هي نافلة الزوال ـ مثلا ـ موصولة.

نعم ، يصحّ التمسّك بذلك لنفي شرعيّة ركعة مستقلّة حيث لم يثبت لدينا تعلّق أمر شرعيّ بإيجاد صلاة ركعة إلّا في مفردة الوتر وصلاة الاحتياط ، فمقتضى الأصل عدم مشروعيّتها في غير هذين الموردين.

ويؤيّده رواية ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه «نهى عن البتراء» (١) يعنى الركعة الواحدة على ما فسّروه.

فما عن المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله ـ من الاستشكال في اعتبار كون النوافل ركعتين ، بل الميل أو القول بجواز ركعة واحدة وما زاد على الركعتين موصولة ؛ نظرا إلى صدق كونها صلاة ، وعموم ما دلّ على شرعيّة الصلاة واستحبابها (٢) ـ ضعيف ؛ فإنّ التمسّك بإطلاق ما دلّ على شرعيّة الصلاة واستحبابها مطلقا وأنّها خير موضوع ، أو بإطلاق الأمر بثمان ركعات في نافلة الزوال ونحوها ، الصادقة على الموصولة والمفصولة إنّما يصحّ بناء على كون ألفاظ العبادات أسامي للأعمّ من الصحيحة ، وكون الإطلاقات مسوقة لبيان الأجزاء والشرائط ، وفي كلتا المقدّمتين نظر بل منع.

أمّا الاولى : فلما تقرّر في محلّه من أنّ الألفاظ أسامي للصحيحة.

وأمّا الثاني : فلوضوح عدم كون مثل هذه المطلقات مسوقة لبيان كيفيّة الصلاة حتي يتمسّك بإطلاقها لنفي ما يحتمل اعتبارها في الصحّة ، كما لا يخفى.

__________________

(١) نصب الراية ٢ : ١٢٠ ، واللفظ : «البتيراء».

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٢ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٢.

٦٩

نعم ، لو لا الأدلّة الاجتهاديّة المتقدّمة والإجماعات المحكيّة المعتضدة بالشهرة وعدم معروفيّة الخلاف ، لكان المرجع عند الشكّ في اشتراط الاستقلال في كلّ ركعتين من النوافل وعدم اتّصالهما بلا حقتهما وانفصالهما عن سابقتهما ، أو الشكّ في جزئيّة التشهّد والتسليم لكلّ ركعتين من النوافل الثابتة مشروعيّتها ، ـ كثمان ركعات نافلة الزوال مثلا ـ أصالة البراءة ، وأصالة عدم تعلّق الأمر بالمقيّد أو المركّب من الأجزاء المشتملة على التشهّد والتسليم ، وأصالة عدم تعلّق الأمر الغيري بالجزء المشكوك جزئيّته ، كما تقرّر في محلّه ، وتقدّمت الإشارة إليه عند البحث عن جواز تبعيض النوافل المرتّبة.

وأمّا ما لم تثبت مشروعيّتها ذاتا ـ كنافلة ذات ركعة أو ذات ثلاث ركعات أو خمس أو نحو ذلك ـ فمقتضى الأصل : عدم مشروعيّتها ، بل يكفي في حرمة الإتيان بها بعنوان العبادة مجرّد الشكّ في تعلّق الأمر بالصلاة بهذه الكيفيّة من غير حاجة إلى أصالة العدم.

والحاصل : أنّه متى شكّ في كون الفعل الخاصّ مشروعا ـ كالصلاة ركعة واحدة مثلا ـ يحرم إيجاده بعنوان كونه عبادة. ومتى شكّ في كون الكيفيّة الخاصّة شرطا لما هو المشروع أو جزء له بعد أن ثبت أصل المشروعيّة كثمان ركعات نافلة الزوال ونحوها ، يرجع إلى الاصول المتقدّمة لو لم يكن دليل على خلافها.

وأمّا صلاة الأعرابي فهي ما أرسلها الشيخ ـ في محكيّ المصباح ـ عن زيد بن ثابت ، قال : أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : بأبي أنت وامّي يا رسول الله إنّا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة ولا نقدر أن نأتيك في

٧٠

كلّ جمعة فدلّني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي أخبرتهم به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين تقرأ في أوّل ركعة الحمد ، مرّة ، وقل أعوذ بربّ الفلق ، سبع مرّات ، واقرأ في الثانية الحمد ، مرّة واحدة ، وقل أعوذ بربّ الناس ، سبع مرّات ، فإذا سلّمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرّات ، ثمّ قم فصلّ ثماني ركعات بتسليمتين ، واقرأ في كلّ ركعة منها الحمد ، مرّة ، وإذا جاء نصر الله والفتح ، مرّة ، وقل هو الله أحد ، خمسا وعشرين مرّة ، فإذا فرغت من صلاتك فقل : سبحان الله ربّ العرش الكريم ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، سبعين مرّة ، فو الذي اصطفاني بالنبوّة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلّي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلّا وأنا ضامن له الجنّة ، ولا يقوم من مقامه حتّى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما» (١).

وفي الجواهر بعد نقل الرواية قال : وظاهره أنّها عشر ركعات بثلاث تسليمات ، وقال غير واحد : كالصبح والظهرين. فإن أرادوا به ما ذكرنا ، كان جيّدا ، وإن أرادوا بحيث يشمل التشهّد الوسط في الرباعيّتين منها ونحوه ـ كما يفهم من الروضة ـ طولب بدليل ذلك (٢). انتهى.

أقول : مرادهم بحسب الظاهر كونها كالظهرين في اشتمالها على التشهّد عقيب كلّ ركعتين ، وهذا إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ؛ إذ لقائل أن يقول : إنّه إن أراد بقوله : «بثلاث تسليمات» الإتيان بالتسليمات من غير أن يسبقها

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، ح ٣ ، وجواهر الكلام ٧ : ٦٩.

(٢) جواهر الكلام ٧ : ٦٩ ، وانظر : الروضة البهيّة ١ : ٤٧٤.

٧١

التشهّد بأن يقول بعد رفع الرأس من السجدة : السلام عليكم ، بلا تشهّد ، ففيه ما لا يخفى من مخالفته لما هو المعهود من كون التسليم في الصلاة عقيب التشهّد. وإن أراد الإتيان بها بعد التشهّد ، فما هو الدليل على اعتبار التشهّد قبل التسليم هو الدليل على اعتباره عقيب الركعة الثانية.

توضيحه : أنّه مهما أمر الشارع بعبادة خاصّة من صلاة أو صوم أو غسل أو نحو ذلك لا يتعرّض في مقام بيان كيفيّة تلك العبادة إلّا لخصوصيّاتها المختصّة بها ، وأمّا سائر أجزائها وكيفيّاتها المشاركة مع سائر أفراد تلك العبادة فمعرفتها موكولة إلى معهوديّتها في الشريعة ، فكما أنّا لا نحتاج في إثبات سجدتين في كلّ ركعة من هذه العشر ركعات إلى دليل سوى معهوديّته في الشريعة ، كذلك في التشهّد عقيب كلّ ركعتين.

فنقول : لا ريب أنّ التشهّد كالسجود والركوع والقنوت والتكبيرات من أجزاء طبيعة الصلاة من حيث هي ، وموضعه ـ على ما هو المعهود في الشريعة ـ بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية وفي الركعة الأخيرة من كلّ صلاة ، فيتّحد موضعه في كلّ صلاة ثنائيّة ، ويتعدّد فيما زاد عليها ، كالظهرين والعشاءين ، فالقول باعتباره عقيب كلّ ركعتين من هذه الصلاة أيضا ـ كغيره من الامور المعتبرة في سائر الصلوات ـ لا يخلو عن وجه ، والله العالم.

ثمّ إنّ الرواية وإن كانت ضعيفة السند لكن أفتى المشهور بمضمونها على ما قيل (١) ، بل عن مفتاح الكرامة : قد استثناها جمهور الأصحاب (٢). وفي الجواهر :

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٧ : ٦٩ ، وانظر : ذخيرة المعاد : ٣٥٠.

(٢) مفتاح الكرامة ٢ : ١٢ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٦٩.

٧٢

لا أجد من أنكرها على البتّ (١).

ومستندهم بحسب الظاهر ليس إلّا هذه الرواية ، وكفى بذلك جابرا لضعفه.

هذا ، مع أنّ المقام مقام المسامحة ، فإنّه من أظهر مصاديق المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّ من بلغه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثواب على عمل فعمله بالتماس (٢) ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الأمر كما بلغه (٣).

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه لا موقع للمسامحة بعد أن دلّ دليل معتبر على خلافها ، وقد دلّ الخبران (٤) المتقدّمان بإطلاقهما على نفي شرعيّة الإتيان بأربع ركعات موصولة.

ويمكن دفعه : بأنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو شمول الخبرين ـ بمقتضى ترك الاستفصال في الأوّل وإطلاق «نوافلك» في الثاني ـ لمطلق النوافل المتعارفة ، لا خصوص النوافل المرتّبة ، كما قد يدّعى انصرافهما إليها ، وأمّا مثل هذه الصلاة الغير المتعارفة التي لها وقت خاصّ خاصّ وكيفيّة خاصّة فإطلاقهما منصرف عنها قطعا.

هذا ، مع أنّ تقييد الإطلاق أهون من تخصيص عموم أخبار «من بلغ» بالنسبة إلى هذا الفرد ، فليتأمّل.

(وسنذكر تفصيل باقي الصلوات) وبعض ما أجملناه فيما يتعلّق بالنوافل المفصّلة (في مواضعها إن شاء الله).

__________________

(١) جواهر الكلام ٧ : ٦٩.

(٢) في «ض ١١ ، ١٤» : «التماس».

(٣) راجع الباب ١٨ من أبواب مقدّمة العبادات من كتاب الوسائل.

(٤) أي : خبرا عليّ بن جعفر وأبي بصير المتقدّمان في ص ٦٧.

٧٣
٧٤

(المقدّمة الثانية : في المواقيت).

(والنظر في مقاديرها وأحكامها).

(أمّا الأوّل) فلا ريب في أنّ الفرائض اليوميّة واجبات موقّتة لا يجوز تقديمها على أوقاتها ولا تأخيرها عنها بلا خلاف فيه ، بل عليه دعوى إجماع علماء الإسلام كافّة ، عدا أنّه حكي عن ابن عبّاس والشعبي في صلاة الظهر من جواز تقديم المسافر لها قليلا (١).

(فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر) بلا خلاف فيه في الجملة ، عدا ما حكي عن الحلبي من القول بانتهاء وقتهما ولو للمضطرّ بصيرورة ظلّ كلّ شي‌ء مثله (٢).

وهو واضح البطلان ؛ لمخالفته للإجماع وصريح الأخبار البالغة حدّ التواتر بل فوقه ، ولذا قد يظنّ بوقوع الغفلة في الحكاية.

ـ وكيف كان فيدلّ على دخول وقت الفرضين بالزوال ـ الذي هو عبارة عن

__________________

(١) المغني ١ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٠.

(٢) راجع الكافي في الفقه : ١٣٧ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ١١١ ، و ١٥٤.

٧٥

ميل الشمس عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ـ على سبيل الترتيب أو التشريك على الخلاف الآتي ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، بل دعوى الإجماع عليه عن غير واحد ، بل ادّعى بعض (١) أنّ عليه إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين ـ الكتاب المبين : قال الله تبارك وتعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٢) والدلوك هو الزوال بشهادة جماعة من اللّغويّين على ما حكي (٣) عنهم ، ودلالة جملة من الأخبار الآتية عليه ، والصلاة المأمور بإقامتها هي الفريضة بشهادة الأخبار الآتية.

ويدلّ عليه أيضا أخبار مستفيضة بل المتواترة معنى ، ويستفاد من أكثرها الجزء الثاني من المدّعى أيضا ، أعني امتداد وقتهما إلى الغروب.

منها : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عمّا فرض الله تعالى من الصلوات ، قال : «خمس صلوات في الليل والنهار» قلت : هل سمّاهنّ الله عزوجل وبيّنهنّ في كتابه؟ قال : «نعم ، قال الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) ودلوكها زوالها ، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهنّ الله وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل : انتصافه ، ثمّ قال (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٤) فهذا الخامس ، وقال في

__________________

(١) النراقي في مستند الشيعة ٤ : ١٢.

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٣) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٣ ، وانظر : الصحاح ٤ : ١٥٨٤ ، ولسان العرب ١٠ : ٤٢٧ ، والمصباح المنير : ٢٤٠ «ذلك».

(٤) الإسراء ١٧ : ٧٨.

٧٦

ذلك (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) وطرفاه : المغرب والغداة (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) (١) وهي صلاة العشاء الآخرة ، وقال (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٢) وهي صلاة الظهر ، وهي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي وسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة وصلاة العصر».

وقال : «في بعض القراءات (٣) : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) صلاة العصر (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) في صلاة الوسطى».

قال : «وانزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر ، وأضاف للمقيم ركعتين ، وإنّما وضعت الركعتان اللّتان أضافهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام ، فمن صلّى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلّها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيّام» (٤).

ولقد نقلنا هذه الصحيحة (٥) بطولها ؛ لاشتمالها على تعيين صلاة الوسطى التي خصّها الله تعالى بالأمر بالمحافظة عليها.

قوله : «وفي بعض القراءات» يحتمل كونه من كلام الراوي ، وكونه من كلام الإمام عليه‌السلام ، وهذا هو الأقرب.

__________________

(١) هود ١١ : ١١٤.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣٨.

(٣) في المصادر : «القراءة».

(٤) الكافي ٣ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ / ١ ، الفقيه ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ٦٠٠ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٥) في «ض ١١ ، ١٤» : «الرواية» بدل «الصحيحة».

٧٧

والمقصود بنقل هذه القراءة بيان كون صلاة العصر أيضا منصوصا عليها بالصراحة في الكتاب العزيز ، ولكن نسخ الأخبار المرويّ فيها هذا الخبر ـ على ما ذكره في الحدائق (١) ـ مختلفة.

فعن الفقيه (٢) روايتها ـ كما عرفت ـ بذكر صلاة العصر عقيب الصلاة الوسطى بلا توسيط العاطف.

وعن التهذيب (٣) روايتها بعطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى. وهذا بحسب الظاهر هو الصحيح ، فكأنّ الأوّل نشأ من سهو قلم النّسّاخ ؛ فإنّ ذكرها بلا عطف لا يلائم ما قبل هذه الفقرة وما بعدها من التصريح بأنّ صلاة الوسطى ـ التي امروا بالمحافظة عليها وبالقيام فيها قانتين ـ هي صلاة الظهر ، كما يشهد لذلك الأخبار المستفيضة المرويّة عن طرق الخاصّة والعامّة ، الحاكية لنقل هذه القراءة ـ التي اشير إليها في الرواية ـ بالواو.

كصحيحة عبد الله بن سنان ـ المرويّة عن تفسير [القمّي] (٤) ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قرأ «حافِظُوا عَلَى [الصَّلَواتِ] (٥) وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (٦).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣.

(٢) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣ و ٢٠ ٢١.

(٣) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣ ، وفي نسخة التهذيب المعتمدة في التحقيق صلاة العصر غير معطوفة على الصلاة الوسطى راجع الهامش (٤) من ص ٧٧.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في «ض ١٤ ، ١٦» : «العيّاشي». والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٨٦ / ٤ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٢٢ ، مضافا إلى عدم وجود تلك الرواية في تفسير العيّاشي ، بل فيه ١ : ١٢٧ / ٤١٨ ـ رواية أخرى ـ غيرها عن عبد الله بن سنان.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) تفسير القمّي ١ : ٧٩ ، وفيه : «والصلاة الوسطى صلاة العصر» من دون العطف بالواو.

٧٨

وعن تفسير العيّاشي (١) عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : الصلاة الوسطى ، فقال : «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وصلاة العصر (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) ، والوسطى هي الظهر ، وكذلك كان يقرؤها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

ورواية محمّد بن مسلم المرويّة عن فلاح السائل عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كتبت امرأة الحسن بن علي عليه‌السلام مصحفا ، فقال الحسن عليه‌السلام للكاتب لمّا بلغ هذه الآية : «اكتب : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وصلاة العصر (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ)» (٣).

ورواية أبي بصير ـ المرويّة عن كتاب إبراهيم الخزّاز ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (٤).

وعن طريق العامّة عن الحاكم النيسابوري بإسناده إلى ابن عمر ، قال : أمرت حفصة بنت عمر أن يكتب لها مصحف ، فقالت للكاتب : إذا أتيت على آية الصلاة [فآذني] (٥) حتى آمرك أن تكتبه كما سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا [آذنها] (٦).

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة «أيضا». وحذفناها لأجل السياق.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ١٢٧ / ٤١٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٨٨ / ١٢ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٢٢.

(٣) فلاح السائل : ١٨٦ / ٩٣ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٨٩ / ١٧ ، وكذا الحدائق الناضرة ٦ : ٢٤.

(٤) فلاح السائل : ١٨٦ / ٩٤ ، وكذا في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٩٠ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٢٤.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فأرني». والظاهر ما أثبتناه من المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ والحدائق الناضرة.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أراها». وما أثبتناه من الحدائق الناضرة.

٧٩

أمرته أن يكتب «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وصلاة العصر» (١).

وعن ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار أنّه روى مثل هذا الحديث عن عائشة (٢).

ويدلّ أيضا على أنّ صلاة الوسطى هي الظهر : صحيحة أبي بصير ـ المرويّة عن معاني الأخبار ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «صلاة الوسطى صلاة الظهر ، وهي أوّل صلاة أنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

وعن الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في صلاة الوسطى أنّها صلاة الظهر ، وعن عليّ عليه‌السلام أنّها الجمعة يوم الجمعة ، والظهر في سائر الأيّام (٤).

فما عن السيّد من أنّها هي صلاة العصر (٥) ضعيف ، وإن كان ربما يستشهد له بما عن الفقه الرضوي قال : قال العالم : «صلاة الوسطى العصر» (٦).

وعن الصدوق بإسناده عن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام أنّه قال : «جاء نفر من اليهود إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان ممّا سأله أنّه قال : أخبرني عن الله عزوجل لأيّ شي‌ء فرض هذه الخمس الصلوات في خمس مواقيت على

__________________

(١) عنه في فلاح السائل : ١٨٦ / ٩٥ ، وكذا في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٩٠ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٢٤ ، وأورده أيضا عبد الرزّاق في المصنّف ١ : ٥٧٨ / ٢٢٠٢.

(٢) معاني الأخبار : ٣٣١ (باب معنى الصلاة الوسطى) ح ٢ ، وعنه في فلاح السائل : ١٨٧ / ٩٦.

(٣) معاني الأخبار : ٣٣١ (باب معنى الصلاة الوسطى) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

(٤) مجمع البيان ١ ـ ٢ : ٣٤٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣ و ٤.

(٥) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٧٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٢.

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٤٥ ، وحكاه عنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣.

٨٠