مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

بعدها صلاة ، والعشاء بعدها صلاة» (١) لكن هذه الرواية لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ؛ إذ لا نقول بمفادها (٢) كما تعرف إن شاء الله في محلّه.

وقد ورد الأمر بقضاء النوافل في هذا الوقت فضلا عن الفرائض في غير واحد من الأخبار الآتية بحيث يظهر منها عدم شائبة كراهة فيه رأسا ، مضافا إلى ما أشرنا إليه من كون رواية أبي بصير ، المتقدّمة (٣) الحاكمة على الأخبار الناهية كالنصّ في ذلك.

وممّا يدلّ على عدم كراهة قضاء النوافل في هذه الأوقات ـ مضافا إلى ما عرفت من إمكان دعوى استفادته من الأخبار المتقدّمة ـ الروايات المستفيضة الواردة فيها بالخصوص.

كرواية حسّان بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قضاء النوافل ، قال : «ما بين طلوع الشمس إلى غروبها» (٤).

وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها (٥) بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ قال : «لا بأس بذلك» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٥ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «بمفاده». والمثبت هو الصحيح.

(٣) في ص ٤١٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٢ / ١٠٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٤ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «يقضيها» بدل «أيقضيها». والمثبت من المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٨ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

٤٢١

وعن جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن قضاء صلاة الليل بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فقال : «نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد المخزون» (١).

ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون» (٢).

وعن سليمان بن هارون ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام (٣) عن قضاء [الصلاة] (٤) بعد العصر ، قال : «نعم ، إنّما هي النوافل (٥) فاقضها متى شئت» (٦).

وفي الصحيح عن أحمد بن النضر ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر (٧) ، قال : «نعم ، فاقضه فإنّه من سرّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٨).

وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «اقض صلاة النهار

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١٤.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٢٩ ، الوسائل ، الباب ٥٦ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٣) في الاستبصار والوسائل : «أبا الحسن عليه‌السلام» بدل «أبا عبد الله عليه‌السلام».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «صلاة الليل». والمثبت من المصدر.

(٥) جملة «نعم .. النوافل» لم ترد في الاستبصار. وفي النسخ الخطّيّة والحجريّة : «هي من النوافل». والمثبت كما في المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦١ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «بعده» بدل «بعد العصر». والمثبت من المصدر.

(٨) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٣ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١٧.

٤٢٢

أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار كلّ ذلك سواء» (١).

وعن ابن أبي يعفور ـ في الصحيح ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :«صلاة النهار يجوز قضاؤها أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار» (٢).

ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كلّ ما فاتك من صلاة الليل (٣) فاقضه بالنهار ، قال الله تبارك وتعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (٤) يعني أن يقضي الرجل ما فاته [بالليل بالنهار ، وما فاته] (٥) بالنهار بالليل ، واقض ما فاتك من صلاة الليل أيّ وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة» (٦) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه.

وهذه الأخبار وإن أمكن القدح في دلالة كلّ منها على المدّعى ـ بدعوى ورودها في مقام توهّم الحظر الناشئ من التزام العامّة بحرمته ، فلا يستفاد منها أزيد من مشروعيّته ، خصوصا من مثل قوله عليه‌السلام في خبر (٧) سليمان : «إنّما هي النوافل فاقضها متى شئت» فإنّه ـ على الظاهر ـ للإرشاد إلى أنّها غير محدودة بوقت معيّن ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ١٧٤ / ٦٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٢ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٣ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١٢.

(٣) في الفقيه : «كلّ ما فاتك بالليل».

(٤) الفرقان ٢٥ : ٦٢.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٢٨ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٤٢٢ ، الهامش (٦).

٤٢٣

كالفرائض ، بل هي من النوافل التي تكون بمنزلة الهديّة متى أتي بها قبلت ، فلا ينافيه كونها في بعض الأوقات مشتملة على منقصة توجب كونها أقلّ ثوابا ممّا لو أتي بها في غير ذلك الوقت ، كما هو أحد الوجوه التي يتوجّه بها العبادات المكروهة في أغلب مواردها ـ لكن من ملاحظة المجموع وعدم الإشعار في شي‌ء منها بكراهته في بعض الأوقات ، وإطلاق نفي البأس عنه ، بل في بعضها التصريح بأنّ «أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار كلّ ذلك سواء» (١) [يستفاد] (٢) أنّه لا كراهة فيه رأسا خصوصا بالنسبة إلى الوقت المتعلّق بالفعل ، أي بعد صلاتي الصبح والعصر ، الذي كان بالخصوص ملحوظا في كثير من هذه الأخبار.

واستدلّ للمدّعى أيضا بخبر عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فكتب «لا يجوز ذلك إلّا للمقتضي ، فأمّا لغيره فلا» (٣) بناء على تفسير «المقتضي» بفاعل القضاء ، فالمقصود بالجواب بيان قصر الجواز على القضاء دون سائر الصلوات.

وفيه : أنّ إرادة هذا المعنى من المقتضي خلاف المتعارف ، فالرواية لا تخلو عن تشابه ، مع ما فيها من الإضمار ، وظهورها في الحرمة التي لا نقول بها ، فلا يبعد كونها مشوبة بالتقيّة ، كما يؤيّد ذلك كونها مكاتبة.

ويحتمل قويّا أن يكون المراد بالمقتضي السبب الباعث على اختيار الفعل

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٢٣ ، الهامش (١).

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٥ / ٦٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩١ / ١٠٦٨ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

٤٢٤

في هذا الوقت ، كخوف عدم القدرة عليه في غير هذا الوقت ، ونحوه ، فيكون حينئذ على خلاف المطلوب أدلّ.

واستدلّ لاستثناء مطلق ذوات الأسباب عن عموم أدلّة الكراهة : بإطلاق ما دلّ على مشروعيّتها عند حصول أسبابها ، الشامل لهذه الأوقات وغيرها ؛ فإنّ التعارض بينه وبين دليل الكراهة ، السابق وإن كان من وجه لكن لا ريب في رجحانه عليه بالأصل ، وما دلّ على رجحان أصل الصلاة ، والشهرة العظيمة ، والإجماع المحكيّ ، والكثرة وتطرّق التخصيص إلى دليل الكراهة بخروج قضاء الفرائض والنوافل الموجب لوهن عمومه ، مع أنّ تخصيصه أهون من تخصيص الأدلّة الكثيرة الواردة في ذوات الأسباب.

وفيه : أنّه لا منافاة بين الكراهة المحمول عليها النواهي المتعلّقة بالصلاة في تلك الأوقات وبين إطلاق ما دلّ على مشروعيّتها ، بل تستلزمه وإلّا لم تكن الصلاة مشروعة ، فكانت محرّمة ولذا أشكل الأمر في توجيه العبادات المكروهة.

فالأظهر كراهة الصلاة مطلقا في الأوقات المذكورة ، إلّا الصلوات الخمس التي ورد الأمر بفعلها في كلّ ساعة في الأخبار الحاضرة التي بيّنّا حكومتها على الأخبار الناهية ، وهي صلاة الكسوف ، وصلاة الميّت ، وقضاء الفوائت مطلقا فريضة كانت أم نافلة ، وصلاة الإحرام ، وركعتا الطواف إمّا مطلقا ، أو مقيّدا بالواجب ، كما في بعض (١) تلك الأخبار التقييد به ، بل قد نفينا البعد عن كراهة القضاء أيضا في الأوقات المتعلّقة بالشمس بمعنى أفضليّة تأخيرها مع الإمكان

__________________

(١) وهي صحيحة زرارة ، المتقدّمة في ص ٤١٧.

٤٢٥

بواسطة بعض الأخبار الدالّة عليه ، كما يؤيّده أيضا خبر ابن بلال ، المتقدّم (١) ، بناء على الاحتمال المذكور في توجيهه.

وكيف كان فالأقوى كراهة ما عدا هذه الخمسة مطلقا ، عدا بعض النوافل التي ورد الأمر بفعلها في شي‌ء من تلك الأوقات بالخصوص إمّا لكونه أفضل أوقاتها ، أو لشرعيّتها فيه بالخصوص ، فإنّ هذا ينافي كون خصوصيّتها موجبة للكراهة ، كما في صلاة الغدير ، التي ورد الأمر بإيقاعها قبل الزوال بنصف ساعة (٢) ، بناء على صدق قيام الشمس على هذا الوقت ، أو فعل أربع ركعات نافلة قبل الزوال في كلّ يوم ، كما ورد الأمر به في ما رواه الكفعمي في المصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من صلّى أربعا في كلّ يوم قبل الزوال يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة ، والقدر خمسا وعشرين مرّة ، لم يمرض إلّا مرض الموت» (٣) فلا بدّ في مثل الفرض إمّا من تخصيص أدلّة الكراهة إن أمكن ، كما في صلاة الغدير ، أو طرح أحد الدليلين أو تأويله ، كما في الرواية الثانية ؛ لبعد ارتكاب التخصيص فيها بمثل هذا المخصّص.

وممّا يشهد بكراهة ذوات الأسباب أيضا ـ مضافا إلى ما ذكر ـ : ما حكي عن كتاب الاستخارات لابن طاوس ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنّه روى عن أحمد بن محمّد ابن يحيى عن الصادق عليه‌السلام في الاستخارة بالرقاع : «فتوقّف إلى أن تحضر صلاة مفروضة فقم فصلّ ركعتين كما وصفت لك ، ثمّ صلّ الصلاة المفروضة أو صلّهما

__________________

(١) في ص ٤٢٤.

(٢) التهذيب ٣ : ١٤٣ / ٣١٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ١.

(٣) المصباح (جنّة الأمان الواقية) : ٤٠٧.

٤٢٦

بعد الفرض ما لم تكن الفجر أو العصر ، فأمّا الفجر فعليك بعدها بالدعاء إلى أن تنبسط الشمس ثمّ صلّهما (١) ، وأمّا العصر فصلّهما (٢) قبلها ثمّ ادع الله [بالخيرة] (٣)» (٤).

تنبيهات :

الأوّل : إنّا قد أشرنا مرارا أنّا لا نعني بكراهة الصلاة في هذه الأوقات رجحان تركها على الإطلاق ،

وإنّما نعني بذلك عدم مناسبة هذه الأوقات من حيث هي لفعل الصلاة ، وأولويّة إيقاعها في غير هذه الأوقات لدى الإمكان ، وإلّا فهي في حدّ ذاتها من أفضل الطاعات ، ولقد صدر الأمر بفعلها من صاحب الأمر ـ عجّل الله فرجه ـ في أوضح مواقع الكراهة ـ أي عند الطلوع والغروب ـ في التوقيع المتقدّم (٥) مع الإشارة إلى أنّها أفضل شي‌ء يرغم به أنف الشيطان ، كما يؤيّد ذلك بعض الأخبار العامّيّة ، التي أوردها الصدوق في محكيّ الخصال تعريضا على العامّة القائلين بالمنع.

وهي : ما رواه عن عبد الله بن أحمد الفقيه عن عليّ بن عبد العزيز عن عمرو (٦) بن عون عن خلف بن عبد الله [عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الرحمن] (٧) بن الأسود [عن أبيه] (٨) عن عائشة قالت : صلاتان لم يتركهما

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «صلّها». والمثبت من المصدر.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فصلّها». والمثبت من المصدر.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «قبلها». والمثبت كما في المصدر.

(٤) فتح الأبواب : ١٦٠ ـ ١٦٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب صلاة الاستخارة ، ح ٣.

(٥) في ص ٤١٠.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «عمر» بدل «عمرو». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه كما أثبته مصحّح كتاب الخصال.

(٨) ما بين المعقوفين من المصدر.

٤٢٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرّا وعلانية : ركعتين بعد العصر ، وركعتين قبل الفجر (١).

وعنه عن عليّ بن عبد العزيز عن أبي نعيم عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن عائشة أنّه دخل عليها يسألها عن الركعتين بعد العصر ، قالت : والذي ذهب بنفسه ـ تعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما تركهما حتّى لقي الله عزوجل وحتى ثقل عن الصلاة ، وكان يصلّي كثيرا من صلاته وهو قاعد ، فقلت : إنّه لمّا ولي عمر [كان] (٢) ينهى عنهما ، قالت : صدقت ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يصلّيهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمّته ، وكان يحبّ ما خفّ (٣) عليهم (٤).

وعنه عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن الحوضى عن شعبة عن أبي سماوة (٥) عن مسروق عن عائشة أنّها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندي يصلّي بعد العصر ركعتين (٦).

وعنه عن محمّد بن علي بن طرخان عن عبد الله بن الصباح عن محمّد بن سيّار (٧) عن أبي حمزة (٨) عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من صلّى البردين دخل الجنّة» يعني بعد الغداة وبعد العصر (٩).

قال الصدوق بعد نقل هذه الأخبار : مرادي بإيراد هذه الأخبار الردّ على

__________________

(١) الخصال : ٦٩ ـ ٧٠ / ١٠٥ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في المصدر : «خفّف».

(٤) الخصال : ٧٠ / ١٠٦ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٥) في الخصال : «أبي إسحاق» بدل «أبي سماوة».

(٦) الخصال : ٧١ / ١٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٢.

(٧) أثبت مصحّح كتاب الخصال بدلها : «سنان».

(٨) أثبت مصحّح كتاب الخصال بدلها : «أبي جمرة».

(٩) الخصال : ٧١ / ١٠٨ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٣.

٤٢٨

المخالفين ؛ لأنّهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة ، فأحببت أن أبيّن أنّهم قد خالفوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله وفعله (١). انتهى.

ولو صحّت هذه الأخبار خصوصا الأخير منها ، لدلّت على نفي الكراهة رأسا ، والله العالم.

الثاني : ظاهر الأصحاب ـ على ما ادّعاه في الحدائق (٢) ـ الاتّفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع عن النوافل عند قيام الشمس.

ولكن القدر المتيقّن من الفتاوى ـ كالنصوص الدالّة عليه ـ إنّما هو ركعتا الزوال ، لا مطلقا.

ففي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال : «قبل الأذان» (٣).

وفي صحيحة ابن سنان : «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة» (٤)

الثالث : لو صلّى الصبح والعصر منفردا ثمّ أراد الإعادة جماعة لتحصيل فضيلتها ، فهل تتّصف صلاته هذه بالكراهة أم لا؟ حكي عن الذكرى الثاني ، وعلّله بأنّ لها سببا.

وبما روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الصبح ، فلمّا انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد ، فقال : «لم لم تصلّيا معنا؟» فقالا : كنّا قد صلّينا في رحالنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا جئتما فصلّيا معنا وإن كنتما قد صلّيتما في رحالكما لكنّها لكما

__________________

(١) الخصال : ٧١ ـ ٧٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٦ : ٣١٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٧ / ٦٧٧ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ / ١٥٧٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٦.

٤٢٩

سبحة» (١) (٢) انتهى.

واعترضه في الحدائق : بأنّ عدّها من ذوات الأسباب ممّا لم أعرف له وجها ، وأنّ الرواية بحسب الظاهر عامّيّة ، فلا تعويل عليها (٣).

أقول : ما سمعته عن الذكرى وإن أمكن توجيهه بالالتزام بالعمل بمثل هذه الرواية في مثل المقام من باب المسامحة وتعميم ذوات الأسباب بناء على استثنائها من عموم المنع ـ كما هو المشهور ـ على وجه عمّ مثل الفرض من حيث المستند وإن انصرف عنه اسمها عرفا ، ولكن الأولى دعوى انصراف النهي عن الصلاة بعد الصلاتين عن إعادة نفسهما.

الرابع : أنّ المراد بطلوع الشمس ـ الذي نيطت الكراهة به ـ من لدن طلوعها إلى أن يذهب شعاعها كما في المدارك (٤) ،أو تذهب الحمرة كما عن المقنعة (٥) ، أو تذهب الحمرة وينتشر شعاعها كما في الحدائق (٦) ، أو ترتفع الشمس ويقوى سلطانها كما عن الروض والروضة وغيرهما (٧) مع زيادة ذهاب

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ / ٥٧٥ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ / ٢١٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٢ ـ ١١٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٤١٣ / ١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠١ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٢٤٥ ، مسند أحمد ٤ : ١٦١ بتفاوت في اللفظ.

(٢) الذكرى ٢ : ٣٨٧ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ٣٢٠.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ١٠٥.

(٥) المقنعة : ٢١٢ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٥٠.

(٦) الحدائق الناضرة ٦ : ٣٠٣.

(٧) روض الجنان ٢ : ٤٩٩ ، الروضة البهيّة ١ : ٤٩٤ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٥٠ ، وكذا عن كشف الالتباس ، وهو مخطوط.

٤٣٠

الحمرة في بعضها (١).

ولا يبعد أن يكون الاختلاف في التعبير ، وإلّا فالعبرة بذهاب الشعاع ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٢) : «أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس».

وفي خبر أبي بصير ، المتقدّم (٣) : «ويدع العشاء حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها».

وبالغروب : اصفرارها وميلها إلى الغروب حتّى يكمل الغروب.

ولكن جعل بعض (٤) المدار في حصول الغاية باستتار القرص ؛ لأنّه هو المتبادر من إطلاقه عرفا ، دون ذهاب الحمرة المشرقيّة ، المعتبر في تحقّقه شرعا.

وصرّح آخرون بأنّ العبرة بذهاب الحمرة ؛ فإنّ الشارع كشف عن أنّ الغروب لا يتحقّق حقيقة إلّا بهذا.

ولكلّ وجه وإن كان الأخير أوجه حيث إنّ تصريح الشارع بتحقّق الغروب عند ذهاب الحمرة يوجب صرف إطلاقاته إليه.

هذا ، مع أنّ النهي عن الصلاة بعد العصر حتّى تصلّى المغرب في رواية (٥) معاوية بن عمّار وغيرها (٦) يجعل النزاع المزبور عاريا عن فائدة يعتدّ بها ، فليتأمّل.

__________________

(١) روض الجنان ٢ : ٤٩٩ ، الروضة البهيّة ١ : ٤٩٤.

(٢) في ص ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

(٣) في ص ٤١٨.

(٤) القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٧١.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٤٠٦ ، الهامش (٥).

(٦) كرواية الحلبي ، المتقدّمة في ص ٤٠٦.

٤٣١

الخامس : المتبادر من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات خصوصا من مثل «لا صلاة بعد العصر ـ أو ـ بعد الفجر حين تطلع الشمس» ونظائرهما إنّما هو كراهة الاشتغال بها في هذا الحين ، كما يؤيّده التعليلات الواقعة في بعض الأخبار ، نظير النهي عن التطوّع في وقت الفريضة.

فما في الجواهر ـ من أنّ المنساق من الأدلّة كراهة الشروع في النافلة في هذه الأوقات ، أمّا لو دخل عليه [أحد] (١) الأوقات وهو في الأثناء ، لم يكره إتمامها ـ كما صرّح به بعضهم (٢) فيما حكي عنه ـ حتّى لو علم من أوّل الأمر دخوله عليه كذلك (٣) ـ لا يخلو عن نظر.

المسألة (السادسة : ما يفوت من النوافل ليلا يستحبّ تعجيله ولو في النهار ، وما يفوت نهارا يستحبّ تعجيله ولو ليلا ، ولا ينتظر بها النهار) هنا ولا الليل هناك لدى الأكثر كما في المدارك (٤) ، بل المشهور نقلا وتحصيلا كما في الجواهر (٥).

ويدلّ عليه الأمر بالاستباق إلى الخيرات (٦) والمسارعة إلى المغفرة (٧).

واستدلّ له أيضا بموثّقة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ عليّ

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٠١ ، وفوائد القواعد : ١٤٨ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٥٤.

(٣) جواهر الكلام ٧ : ٢٩٩.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ١٠٩.

(٥) جواهر الكلام ٧ : ٣٠٠.

(٦) البقرة ٢ : ١٤٨.

(٧) آل عمران ٣ : ١٣٣.

٤٣٢

ابن الحسين عليه‌السلام كان إذا فاته شي‌ء من الليل قضاه بالنهار ، وإذا فاته شي‌ء من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر ، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتّى يكمل له عمل السنّة كلّها تامّة (١)» (٢).

ورواية أبي بصير ، قال : «إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل» (٣).

وخبر إسحاق بن عمّار قال : لقيت أبا عبد الله عليه‌السلام بالقادسيّة عند قدومه على أبي العبّاس فأقبل حتّى انتهينا إلى طيزناباذ (٤) ، فإذا نحن برجل على ساقية يصلّي وذلك عند ارتفاع النهار ، فوقف عليه أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : «يا عبد الله أيّ شي‌ء تصلّي؟» فقال : صلاة الليل فاتتنى أقضيها بالنهار ، فقال : «يا معتب حطّ رحلك حتّى نتغدّى مع الذي يقضي صلاة الليل» فقلت : جعلت فداك تروي فيه شيئا؟ قال : «حدّثني أبي عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، يقول : ملائكتي انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترضه عليه ، اشهدوا أنّي قد غفرت له» (٥).

وخبر جميل ـ المرويّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال [له] (٦) رجل : ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها

__________________

(١) في المصدر : «كاملة» بدل «تامّة».

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٤ / ٦٤٤ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٣ / ٦٤١ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «طراباد» بدل «طيزناباذ». وهي موضع بين الكوفة والقادسيّة على حافّة الطريق على جادّة الحاج ، وبينها وبين القادسيّة ميل. معجم البلدان ٤ : ٥٤ ـ ٥٥.

(٥) الذكرى ٢ : ٤٤٠ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ١٥ بتفاوت يسير.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

٤٣٣

بالنهار أيجوز ذلك؟ قال : «قرّة عين لك والله ـ ثلاثا ـ إنّ الله يقول (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (١) فهو قضاء صلاة النهار بالليل ، وقضاء صلاة الليل بالنهار ، وهو من سرّ آل محمّد المكنون» (٢).

ومرسلة الصدوق ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «كلّ ما فاتك من صلاة الليل (٣) فاقضه بالنهار. قال الله تبارك وتعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (٤) يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار ، وما فاته بالنهار بالليل ، واقض ما فاتك من صلاة الليل أيّ وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة» (٥).

قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه ، أشهدكم أنّي قد غفرت له» (٦).

ويتوجّه على الاستدلال بهذه الروايات ونظائرها : أنّها بأسرها أجنبيّة عن المدّعى.

__________________

(١) الفرقان ٢٥ : ٦٢.

(٢) تفسير القمّي ٢ : ١١٦ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ١٦.

(٣) في الفقيه «كلّ ما فاتك بالليل».

(٤) الفرقان ٢٥ : ٦٢.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٤٢٣ ، الهامش (٦).

(٦) الفقيه ١ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ١٤٣٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣ ، وكذا الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

٤٣٤

أمّا الرواية الحاكية لفعل الإمام عليه‌السلام : فلو لم نقل بإجمال وجه الفعل ، المسقط له عن الاستدلال لكانت على خلاف المطلوب أدلّ.

وأمّا سائر الروايات : فهي ـ بحسب الظاهر ـ ليست مسوقة إلّا لبيان شرعيّة القضاء أو التوسعة في وقته وجواز إيقاعه في أيّ ساعة (١) شاء من ليل أو نهار ، وأنّ صلاة الليل تقضي في النهار وبالعكس ، دفعا لتوهّم اشتراط المماثلة بين وقتي الأداء والقضاء ، كما حكي القول به عن بعض العامّة (٢) ، فلا ربط لها بمسألة استحباب التعجيل ، وليس المقصود بالليل والنهار في الروايات خصوص يوم الفوات وليله كي يتوهّم من ذلك إرادة الاستعجال ، كما هو واضح.

نعم ، يستفاد منها أصل المشروعيّة ، فيتمّ الاستدلال بها بضميمة آيتي المسارعة والاستباق (٣) وغيرهما ممّا دلّ على استحباب تعجيل الخير.

لكن ربما يظهر من جملة من الأخبار استحباب قضاء صلاة النهار بالنهار والليل بالليل ، كما حكي القول بذلك عن ابن الجنيد (٤) والمفيد (٥) قدّس سرهما ، وقوّاه غير واحد من المتأخّرين.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اقض ما فاتك

__________________

(١) في «ض ١٦» : «وقت» بدل «ساعة».

(٢) راجع : العزيز شرح الوجيز ٢ : ١٣٩ ، وروضة الطالبين ٢ : ٤٤٠ ، والمجموع ٤ : ٤٢ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٦٢ ، المسألة ٦٤.

(٣) آل عمران ٣ : ١٣٣ ، البقرة ٢ : ١٤٨.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٥ ، المسألة ٣١٦ ، وكذا الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٤١.

(٥) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٤١ نقلا عن الأركان.

٤٣٥

من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتك من صلاة الليل بالليل» قلت : أقضي وترين في ليلة؟ قال : «نعم اقض وترا أبدا» (١).

وأجاب العلّامة عنها في محكيّ المختلف : بجواز إرادة الإباحة من الأمر ؛ لخروجه عن حقيقته ـ وهي الوجوب ـ إجماعا ، وليس استعمالها مجازا في الندب أولى من استعمالها مجازا في الإباحة (٢).

وأورد (٣) عليه : بأنّ الواجب عند تعذّر الحقيقة المصير إلى أقرب المجازات ، وهو الندب.

أقول : هذا ، مع أنّه قد يشهد له أيضا جملة من الأخبار التي هي بنفسها حجّة كافية لإثبات المدّعى.

كصحيحة بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل ، ولا بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس» (٤).

ورواية إسماعيل الجعفي ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل ، وقضاء صلاة النهار بالنهار» قلت : ويكون وتران في ليلة؟ قال : «لا» قلت : ولم تأمرني أن أوتر وترين في ليلة؟ فقال : «أحدهما

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥١ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ / ٦٣٧ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٦ ، ذيل المسألة ٣١٦ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١١٠ ـ ١١١.

(٣) المورد هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١١١.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٦ / ١٤٣٣ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

٤٣٦

قضاء» (١).

وصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قضاء صلاة الليل ، قال : «اقضها في وقتها الذي صلّيت فيه» قلت : يكون وتران في ليلة؟ قال : «ليس هو وتران في ليلة ، أحدهما لما فاتك» (٢).

وهذه الصحيحة أيضا كادت تكون ـ كسابقتيها ـ صريحة في الاستحباب ؛ لوضوح أنّه لم يقصد بالأمر الوجوب ، ولا مجرّد بيان الجواز دفعا لتوهّم المنع عن وتربن في ليلة كما قد يتوهّم ، وإلّا لم يكن وجه لتقييدها بخصوص ذلك الوقت الذي أريد به ـ على الظاهر ـ آخر الليل.

ولا يخفى عليك أنّ الأخبار السابقة ـ على تقدير تسليم ظهورها في استحباب التعجيل وقضاء ما فات في الليل في يومه وبالعكس ، أو ظهورها في استحباب كون قضاء صلاة الليل في اليوم على الإطلاق وبالعكس ، أو قلنا بظهورها في وجوب كون القضاء كذلك ـ يجب صرفها عن ذلك بواسطة هذه الأخبار التي هي صريحة في أفضليّة المماثلة بين زماني الأداء والقضاء ، خصوصا مع ما في صحيحة (٣) بريد من التصريح بنفي البأس عن غيره ، فهي بمنزلة المفسّر لسائر الروايات تصلح قرينة لصرف كلّ ما كان ظاهرا في وجوب المماثلة أو وجوب المخالفة أو استحبابها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ / ٦٣٨ و ٦٤٣ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٤ / ٦٤٥ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٤٣٦ ، الهامش (٤).

٤٣٧

فالأقوى ما ذهب إليه ابن الجنيد والمفيد من استحباب المماثلة (١).

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ إعراض المشهور عن ظاهر هذه الروايات أسقطها عن الحجّيّة.

وفيه نظر بل منع خصوصا في مثل المقام الذي يكفي فيه رواية ضعيفة.

ولا ينافيه استحباب الاستباق إلى الخيرات ؛ فإنّ التعجيل حسن ، ورعاية الوقت من حيث هو أيضا كذلك بل أحسن ، فإذا تصادق العنوانان في مورد فنور على نور.

وقد ظهر بما ذكرنا ضعف ما حكي عن بعض من حمل الأخبار الأخيرة على التقيّة (٢) ؛ لما عرفت من أنّ المقام مقام الجمع بين الأخبار ، لا الرجوع إلى المرجّحات ، خصوصا مع وجود شاهد لفظيّ.

هذا ، مع أنّه لم يعلم موافقتها للعامّة ، فإنّه وإن حكي عن بعضهم القول بأنّه تقضى صلاة الليل في الليل والنهار في النهار (٣) ، لكن لا يبعد إرادته الوجوب دون الاستحباب ، بل ربما يستشعر من مبالغة السائلين واعتراضهم بلزوم وترين في ليلة معروفيّة القول بالمنع عند العامّة وكون هذه الأخبار مخالفة لهم.

وكيف كان فالأمر في ذلك كلّه سهل بعد عدم الخلاف في مشروعيّة أصل القضاء في أيّ ساعة أحبّ من ليل أو نهار ، وكون التعجيل أو الانتظار من باب الفضيلة التي تختلف حالها بالنظر إلى الأماكن والأوقات والأحوال وغيرها من

__________________

(١) تقدّم تخريج قولهما في ص ٤٣٥ ، الهامش (٤ و ٥).

(٢) حكاه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣٢٤ عن بعض متأخّري المتأخّرين.

(٣) راجع ص ٤٣٥ ، الهامش (٢).

٤٣٨

الجهات المؤثّرة في حسن اختيار التعجيل أو التأخير.

وأمّا موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟

قال : «لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل» (١) فهي من الشواذّ التي يردّ علمها إلى أهله.

ولعلّ المراد بها المنع عن قضاء فريضة الصبح في اليوم ما دام متشاغلا في السير ، أو يكون المراد كراهة القضاء في اليوم مطلقا للمسافر بواسطة كثرة الشواغل المانعة عن التوجّه والإقبال ، والله العالم.

المسألة (السابعة : الأفضل في كلّ صلاة أن يؤتى بها في أوّل وقتها) كما عرفت عند البحث عن أنّ لكلّ صلاة وقتين من أنّ أوّل الوقت أبدا أفضل (إلّا المغرب والعشاء) الآخرة (لمن أفاض من عرفات ؛ فإنّ تأخيرهما إلى المزدلفة) بكسر اللّام ، وهي المشعر الحرام (أولى ولو صار إلى ربع الليل) بل ولو إلى ثلثه ، كما يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «لا تصلّ المغرب حتّى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل» (٢) وغيرها من الروايات الدالّة عليه.

والنهي محمول على أرجحيّة الترك ، لا على الحرمة ، كما يشهد له جملة من

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٢ / ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٧ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، ح ١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٨ / ٦٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٤ / ٨٩٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ١.

٤٣٩

الروايات الدالّة على جواز التقديم.

(و) إلّا (العشاء) الآخرة أيضا مطلقا ، فإنّ (الأفضل تأخيرها حتّى يسقط الشفق الأحمر) كما عرفته في محلّه.

(و) إلّا (المتنفّل) فإنّ الأفضل له أن (يؤخّر الظهر والعصر حتّى يأتي بنافلتهما) كما يدلّ عليه الأخبار المتظافرة التي ورد فيها الأمر بفعل النافلة قبلهما ، وتحديد وقتهما بما بعد الزوال بمقدار ذراع أو ذراعين لمكان النافلة ، كما تقدّم الكلام في جميع ذلك مستوفىّ في محلّه.

وقد عرفت فيما تقدّم أنّ القول باستحباب التفريق بين الظهرين وتأخير العصر إلى أن تمضي أربعة أقدام أو المثل هو الأقوى وإن كان تقديمها من أوّل الوقت بعد أداء الظهر ونافلتهما من باب المسارعة إلى المغفرة وتعجيل الخير أيضا حسنا بل أحسن.

(و) إلّا (المستحاضة) التي وظيفتها الأغسال ، فإنّه يستحبّ لها أن (تؤخّر الظهر والمغرب) إلى آخر وقت فضلهما ، لتجمع بين الظهرين بغسل في وقت فضيلتهما ، وبين العشاءين كذلك ، كما ورد بذلك روايات تقدّمت في محلّها.

ولكن لا يخفى عليك أنّه بناء على عدم استحباب التفريق بين الظهرين وكون وقت فضيلة العصر من أوّل الوقت بعد أداء الظهر ـ كما هو ظاهر المتن ـ يشكل الالتزام باستحباب تأخيرها للمستحاضة وإن وردت به روايات ؛ فإنّ المتبادر من تلك الروايات ليس إلّا إرادة تأخير الظهر والمغرب للجمع بينهما و

٤٤٠