مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

خصوص القبلة في غاية البعد ؛ فإنّ المنساق من السؤال ليس إلّا الاستفهام عمّا يقتضيه تكليفه بالنسبة إلى الصلوات الموقّتة بأوقات مخصوصة من الليل والنهار عند التباس أوقاتها بواسطة اختفاء الشمس والقمر والنجوم اللّاتي بها تميّز أجزاء الوقت ، لا بالنسبة إلى القبلة التي لا تتوقّف معرفتها على رؤية الشمس والقمر والنجوم إلّا من باب الاتّفاق في الأسفار ونحوها ، فالمقصود بالاجتهاد ـ بحسب الظاهر ـ إمّا في خصوص الوقت ، فيكون قوله عليه‌السلام : «وتعمّد القبلة جهدك» للإرشاد إلى كيفيّة الاجتهاد بجعله إلى سمت القبلة بلحاظ أنّ استكشاف الوقت بالتحرّي إلى هذه الجهة أقرب إلى الاعتبار ، كما هو واضح بالنسبة إلى الزوال حيث إنّ فيه مظنّة أن يظهر من عين الشمس أثر يميّز به الوقت ، وبالنسبة إلى غيره أيضا لا يبعد أن يكون كذلك ؛ لقوة احتمال أن تكون الموانع عن الرؤية ـ التي هي عبارة عن الغيم ونحوه ـ في سمت الجنوب الذي هو جهة القبلة بالنسبة إلى المدينة ونحوها ممّا ينزّل عليه إطلاق الروايات أخفّ أو أسرع إلى الزوال غالبا ، أو أنّ المقصود به الاجتهاد فيه وفي القبلة أيضا ، فنبّه الإمام عليه‌السلام على حكم الجهل بالقبلة أيضا ، الذي قد ينشأ من اختفاء الشمس والقمر والكواكب وإن لم ينسبق إرادته من السؤال ، فالإنصاف عدم قصور في دلالة الرواية.

وأمّا ضعف سندها فمجبور بالعمل ، كما أنّ خبر الكناني أيضا كذلك.

هذا ، مع أنّ الخدشة في رواية الكناني : بضعف السند غير ضائر ؛ لورود مضمونها في غيرها من الروايات المعتبرة المعمول بها لدى الأصحاب.

منها : صحيحة أخرى لزرارة أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال لرجل ظنّ أنّ

٣٨١

الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك ، فقال : «ليس عليه قضاء» (١).

واحتمال أن يكون المراد بالظنّ هو الاعتقاد الجزمي المخالف للواقع ؛ لشيوع إطلاقه عليه ، مدفوع بمخالفته للظاهر المعتضد بفتوى الأصحاب ونقل إجماعهم على جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظّانّ طريق إلى العلم من غير نقل

خلاف فيه ، كما أنّه لا ينبغي الاعتناء إلى احتمال اختلاف الحكم في باب الصلاة والصوم بعد اتّحاد موضوعهما ومخالفة التفصيل للمشهور ، بل عن بعض دعوى عدم القول بالفصل (٢).

وما في الصحيحة الأولى (٣) من التفصيل بين الصلاة والصوم إنّما هو بعد استكشاف الخلاف وإحراز وقوع الصلاة قبل الوقت ، فهو لا ينافي جواز فعلها مع الظنّ ، كما هو ظاهر الجواب ، بناء على أن يكون المراد به بيان الحكم عند دخول الصلاة مع الظنّ كما ادّعاه بعض (٤) ؛ نظرا إلى أنّ رؤية القرص لا تتحقّق عادة إلّا على تقدير الظنّ ، لا القطع.

وفيه نظر ، فالاستدلال بالصحيحة الأولى لإثبات المدّعى لا يخلو عن تأمّل.

وكيف كان فممّا يدلّ على المشهور أيضا الروايات الدالّة على الاعتماد على صياح الديك ، التي هي من أضعف الأمارات.

منها : ما عن المشايخ الثلاثة ـ في الصحيح أو الحسن ـ في كتابي الكليني و

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٦٨ الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٢.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٩٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣٠١.

(٣) أي : صحيحة زرارة ، المتقدّمة في ص ٣٨٠.

(٤) النراقى في مستند الشيعة ٤ : ٩٢.

٣٨٢

الشيخ عن أبي عبد الله الفرّاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال له رجل من أصحابنا : ربما اشتبه الوقت علينا في يوم غيم ، فقال : «أتعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها : الديكة؟» فقلت : نعم ، فقال : «إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس» أو قال : «فصلّه» (١) كذا عن الكتابين المتقدّمين.

وعن الفقيه : «فعند ذلك فصلّ» (٢).

وعنهم أيضا عن الحسين بن المختار (٣) ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إنّي مؤذّن ، فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت ، فقال : «إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ، ودخل وقت الصلاة» (٤).

واختار في المستند (٥) جواز الاعتماد على صياح الديك مطلقا حتّى مع التمكّن من معرفة الوقت بطريق علميّ ، كخبر الثقة وأذانه ؛ زاعما أنّ الأخبار وإن وردت في يوم غيم لكن لا عبرة بخصوص المورد ، وإنّما العبرة بعموم الجواب ، فالتزم بأنّ مقتضى الأصول والقواعد وبعض الأخبار المتقدّمة وجوب تحصيل العلم بالوقت ، ولكنّها خصّصت بالأخبار الدالّة على جواز التعويل على أذان الثقة العارف بالوقت ، والأخبار الواردة في صياح الديك من غير فرق بين حالتي التمكّن من تحصيل العلم وعدمه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٥٥ / ١٠١٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٦٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٥.

(٣) في الكافي والتهذيب زيادة : «عن رجل».

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٥ / ٥ ، الفقيه ١ : ١٤٤ / ٦٦٩ ، التهذيب ٢ : ٢٥٥ / ١٠١١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب المواقيت ، ح ١ و ٢.

(٥) مستند الشيعة ٤ : ٩٧.

٣٨٣

وقد عرفت آنفا أنّ ما ذكره من التعميم بالنسبة إلى خبر الثقة وأذانه وجيه ، وأمّا التعدّي عن مورد الأخبار الواردة في صياح الديك : فهو في غير محلّه.

وما ذكره من أنّ العبرة بعموم الجواب ، ففيه : أنّ ظاهره وإن كان ثبوت الملازمة بين الصياح ودخول الوقت فلا يتفاوت الحال حينئذ بين يوم الغيم وعدمه ، لكن من الواضح أنّ الملازمة جارية مجرى العادة بلحاظ الغالب إمّا على سبيل التحقيق أو التقريب ، فقوله عليه‌السلام : «إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس» يعني تقريبا أو بمقتضى عادتها بحسب الغالب ، فهي أمارة ظنّيّة لا يستفاد من الأخبار اعتبارها إلّا في مورد السؤال ، ولا يجوز التخطّي عنه إلّا على تقدير القطع بعدم مدخليّة الخصوصيّة ، وقد تقدّم نظير ذلك في أوصاف الحيض ، التي بيّنّا أنّها أوصاف غالبيّة يجب الاقتصار في الرجوع إليها على مورد النصّ ، فراجع (١).

وقد ظهر بما ذكر (٢) أنّ إلحاق سائر الأعذار الغير المطّردة بالنسبة إلى غالب الأشخاص ـ كالعمى والحبس ونحوهما ـ بالغيم ـ كما صرّح به بعض (٣) ، بل ربّما يوهمه إطلاق المتن وغيره ـ لا يخلو عن إشكال بل منع ، فإنّ المتّجه فيها وجوب الاستخبار ممّن يوثق بقوله بناء على كفاية خبر الثقة ، أو من العدل أو العدلين ، أو الرجوع إلى الأخبار المحفوفة بالقرائن الموجبة للجزم واطمئنان النفس ، ولدى التعذّر التأخير حتى يقطع بدخول الوقت.

__________________

(١) ج ٤ ، ص ٧ ـ ٩.

(٢) في «ض ١٦» : «ذكرنا».

(٣) الشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٤٧.

٣٨٤

وأمّا الأعذار المطّردة ـ كالرياح المظلمة ونحوها من الأعذار العامّة الموجبة لاشتباه الوقت من حيث هو لا في خصوص شخص ـ فلا ينبغي الارتياب في إلحاقها بالغيم ، مع أنّه يكفي في تسرية الحكم إليها بعض الأخبار المتقدّمة المعتضدة بفهم الأصحاب وفتواهم ، كما أنّه يكفي ذلك في إلحاق سائر الظنون بالظنّ الحاصل من صياح الديك ، وإلحاق سائر الأوقات بوقت الزوال المنصوص عليه في هذه الأخبار ، مع إمكان أن يدّعى استفادة اعتبار سائر الظنون الحاصلة من العادات والأمارات من اعتناء الشارع بصياح الديك ، التي هي من أضعف الأمارات ، كما تقدّمت الإشارة إليه بالأولويّة وتنقيح المناط كاستفادة اعتبار هذه الأمارة بالنسبة إلى سائر الأوقات لذلك وإن لا يخلو عن تأمّل لو لا اعتضادها بفهم الأصحاب ، وغيرها من الأخبار المتقدّمة.

وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في الحكم بعد ما سمعت مع اعتضاده بنقل الإجماع المعتضد بالشهرة المحقّقة وعدم نقل خلاف يعتدّ به في المسألة.

واستدلّ أيضا للمشهور ـ مضافا إلى ما عرفت ـ بالأصل ، والحرج ، وقبح التكليف بما لا يطاق مع فرض عدم سقوط الخطاب بالصلاة في أوّل الوقت ، ولنصوص الأذان ، السابقة ، وخبر فضل بن الربيع ، المتقدّم (١) الدالّ على جواز الاعتماد على خبر الواحد لدى الضرورة كما هو مورد الرواية ، وللمرسل المشهور على ألسنة الفقهاء : «المرء متعبّد بظنّه».

وفي الجميع ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت.

__________________

(١) في ص ٣٦٩.

٣٨٥

(فإن انكشف فساد الظنّ) ومخالفته للواقع (قبل دخول الوقت ، استأنف) الصلاة بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في الجواهر (١) وغيره (٢) دعوى الإجماع عليه ؛ لمخالفة المأتيّ به للمشروع ، فإنّ الوقت شرط للصلاة بالضرورة ، وقد ورد في جملة من الأخبار التصريح ببطلان الصلاة الواقعة قبل الوقت.

وكونه ممتثلا للأمر الظاهري غير مجد بعد انكشاف الخلاف ؛ لما تقرّر في محلّه من أنّ امتثال الأمر الظاهري إنّما يكون مجزئا عن الواقع بحسب ما يقتضيه تكليفه في مرحلة الظاهر ما لم ينكشف مخالفته للواقع.

هذا ، مضافا إلى النصوص الخاصّة الدالّة عليه :

منها : قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٣) : «فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك».

وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا في رجل صلّى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر ونام حتّى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل ، قال : «يعيد صلاته» (٤).

وفي هذه الصحيحة شهادة بصحّة ما قوّيناه آنفا من حجّيّة خبر الثقة في الإخبار بالوقت وغيره ، وإلّا لقيّد الإمام عليه‌السلام الحكم بإعادة الصلاة بما إذا كان قول المخبر مفيدا للقطع ؛ إذ لا عبرة بالشكّ ولا بالظنّ الغير المعتبر بعد الفراغ من

__________________

(١) جواهر الكلام ٧ : ٢٧٥.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ١٠٠.

(٣) في ص ٣٨٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٥ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٨ ، و ٢٥٤ / ١٠٠٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

٣٨٦

الصلاة.

ولا فرق في عدم الاعتداد بالصلاة الواقعة قبل الوقت بين ما لو انكشف فساد الظنّ بعد الفراغ أو في الأثناء.

وما عن الذكرى ـ من احتمال صيرورتها نافلة لو كان الانكشاف قبل الدخول في ركوع الثالثة بل ولو بعده أيضا بناء على صيرورتها أيضا ـ كإعادة اليوميّة ـ نفلا (١) ـ مجرّد احتمال لا يساعد عليه دليل خصوصا الأخير منهما.

وعموم النهي عن إبطال العمل (٢) ـ بعد تسليمه والغضّ عن بعض ما يرد عليه ممّا هو مذكور في محلّه ـ لا يعمّ مثل المقام الذي يشكّ في كون رفع اليد عنه إبطالا أو كونه في حدّ ذاته باطلا.

نعم ، يمكن أن يوجّه احتمال صيرورتها نافلة قبل الدخول في ركوع الثالثة ، بدعوى أنّ طبيعة الركعتين في حدّ ذاتها هي مصداق لمطلق الصلاة التي هي خير موضوع ، وحصولها في ضمن صلاة الظهر من قبيل تعدّد المطلوب ، فإذا بطلت الخصوصيّة ، بقيت الطبيعة ـ بلحاظ كونها محقّقة لمفهوم مطلق الصلاة المشروعة ـ محبوبة ، وكفى في صحّتها حصولها في الخارج قربة إلى الله تعالى وإن لم يتحقّق به امتثال خصوص الأمر الذي نوى امتثاله.

وهذه الدعوى وإن كانت قريبة لكن إقامة البيّنة عليها لا تخلو عن إشكال.

وأقرب من ذلك احتمال الاعتداد بما أتى به قبل الوقت لو عدل عنه قبل انكشاف فساد الظنّ إلى النافلة لإدراك فضيلة الجماعة مثلا ، أو إلى فائتة ثمّ

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٣٩٧ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٧٥.

(٢) سورة محمّد ٤٧ : ٣٣.

٣٨٧

انكشف فساد ظنّه ، فإنّ القول بالصحّة في مثل الفرض ـ كما جزم به في محكيّ الذكرى (١) ـ قويّ وإن لا يخلو أيضا عن تأمّل.

وإن لم ينكشف فساد الظنّ ولكن عاد شكّا أو وهما ، فإن كان بعد الفراغ من الصلاة ، لم يلتفت إليه ؛ لأنّ «الشكّ إنّما هو في شي‌ء لم تجزه» (٢) وإن كان في الأثناء أتمّها عازما على الفحص واستكشاف الحال ، فإن انكشف بعد ذلك وقوعها في الوقت ، فقد تمّت ، وإلّا أعادها ، سواء انكشف وقوعها قبل الوقت أو بقي شاكّا فيه.

أمّا في الأوّل : فواضح.

و [أمّا] في الثاني : فلأنّ الشكّ في الشرط شكّ في المشروط ، فلا يجتزئ به في مقام الامتثال.

ولا يجري في مثل الفرض قاعدة أصالة الصحّة وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من العمل ؛ لأنّ هذا فيما إذا حدث الشكّ بعد العمل ، لا فيما قارنه حال الفعل ، كما في الفرض.

وكونه ظانّا بالوقت حال الشروع في الصلاة لا يجدي بعد انقلاب الظنّ شكّا أو وهما قبل الفراغ منها.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الوقت وإن كان شرطا في الصلاة لكن زمان إحرازه إنّما هو قبل الدخول فيها ، فمتى دخل في الصلاة بظنّ دخول الوقت ثمّ شكّ فيه ، لم يلتفت إلى شكّه ؛ لكونه شكّا في الشي‌ء بعد تجاوز محلّه.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٣٩٧ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٧٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، ح ٢.

٣٨٨

ولكن فيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ شرائط الصلاة من الستر والاستقبال والوقت وغير ذلك لا بدّ من كونها محرزة مادام التشاغل بفعل الصلاة ، فما لم يتحقّق الفراغ منها لم يتجاوز محلّ إحراز الشرائط.

هذا ، مع أنّ العبرة بتجاوز محلّ الشي‌ء ، لا محلّ إحرازه.

نعم ، للتوهّم المذكور مجال بالنسبة إلى مثل الطهارة الحدثيّة المنتزعة من فعل خارجيّ متقدّم على الصلاة في الرتبة.

لكن قد تبيّن في محلّه فساد هذا الوهم بالنسبة إليها أيضا فضلا عن مثل المقام.

(وإن كان الوقت قد دخل) عليه (وهو متلبّس) بها (ولو قبل التسليم) أو فيه بناء على أنّه من الصلاة ، كما هو الأقوى (لم يعد على الأظهر) الأشهر بل المشهور ، كما في الجواهر (١) وغيره (٢).

خلافا للسيّد والإسكافي ـ على ما حكي عنهما ـ فقالا بوجوب الإعادة (٣) ، ونسبه الأوّل منهما إلى محقّقي أصحابنا ومحصّليهم (٤).

حجّة المشهور : رواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في

__________________

(١) جواهر الكلام ٧ : ٢٧٦.

(٢) مسالك الافهام ١ : ١٤٨ ، التنقيح الرائع ١ : ١٧١ ، الحدائق الناضرة ٦ : ٢٩٢.

(٣) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٥٠ ، وحكاه عنهما المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٦٨ ، ضمن المسألة ١٨.

(٤) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٥٠.

٣٨٩

الصلاة فقد أجزأت عنك» (١).

وعن الفاضل في المختلف وظاهر المصنّف رحمه‌الله في المعتبر : التردّد فيه ؛ للتردّد في حال إسماعيل بن رياح (٢).

وعن بعض (٣) متأخّري المتأخّرين موافقة السيّد ؛ نظرا إلى ضعف الرواية ، ومخالفة الحكم للأدلّة الدالّة على شرطيّة الوقت ، وخصوص الأخبار الناطقة ببطلان الصلاة الواقعة قبل الوقت ، الشاملة بإطلاقها للفرض.

وفيه : أنّ ضعف الرواية مجبور بعمل الأصحاب بها قديما وحديثا ، وهي حاكمة على الأدلّة الدالّة على شرطيّة الوقت ، ومخصّصة للأخبار الدالّة على بطلان الصلاة الواقعة قبل الوقت بما عدا هذه الصورة لو لم نقل بانصرافها في حدّ ذاتها عنها ، فلا ينبغي الاستشكال في الحكم.

واستدلّ عليه أيضا في الجواهر بقاعدة الإجزاء ، المستفادة من الأمر بالعمل بالظنّ هنا نصّا وفتوى ، خرج منها الصورة الأولى بالإجماع ، وبقي الباقي. واحتمال عذريّة هذا الأمر فيحكم بالصحّة ما لم ينكشف الخلاف خلاف الظاهر.

وأضعف منه احتمال تعدّد الأمر ظاهرا وواقعا ، وأنّ الأوّل لا يجزئ عن الثاني بعد انكشاف الحال ، بل هو معلوم الفساد بأدنى تأمّل ، مضافا إلى أصالة

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٦٦ ، الهامش (٦).

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٦٩ ، ذيل المسألة ١٨ ، المعتبر ٢ : ٦٣ ، وحكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٧٦.

(٣) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ ، والكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٩٥ ، مفتاح ١٠٦ ، وحكاه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٧٦.

٣٩٠

البراءة لو فرض ظهور الحال له بعد الفراغ (١). انتهى.

أقول : أمّا التمسّك بأصالة البراءة بعد ورود الأمر بإقامة الصلوات في الأوقات المحدودة في الكتاب والسنّة ، ففيه ما لا يخفى.

وأمّا قاعدة الإجزاء ففيها ما أشرنا إليه آنفا من أنّ امتثال الأوامر الظاهريّة لا يقتضي إلّا الاجتزاء بالمأتيّ به في مرحلة الظاهر ما لم ينكشف مخالفته للواقع ، فما ذكره قدس‌سره ـ من ضعف احتمال تعدّد الأمر بل فساده ـ حقّ لو أراد عدم تعدّد المأمور به الواقعي الذي تعلّق الغرض الأصلي بإيجاده ، وإلّا فتعدّد نفس الأمرين بل وكذا متعلّقيهما من حيث هو غير قابل لإنكار ؛ ضرورة أنّ الأمر بالصلاة بعد صياح الديك أو أذان هؤلاء مغاير للأمر بالصلاة بعد الزوال ، وبين متعلّقيهما مباينة جزئيّة ؛ لإمكان افتراق كلّ منهما عن الآخر ، لكن المقصود بكلا الأمرين ليس إلّا الخروج عن عهدة الفريضة الخاصّة المعهودة التي أوجبها الله على المكلّفين ، وهي متّحدة ، فعدم تعدّد الأمر بهذا المعنى مسلّم ، ولكن قضيّة اتّحاد ما تعلّق به الغرض في الواقع وكونه هي الصلاة الخاصّة ـ بعد وضوح عدم كون تلك الصلاة مقيّدة بكلّ من العنوانين ، أي : مشروطة بوقوعها بعد الأذان والزوال كليهما ـ إمّا حمل كلّ من الأمرين على الوجوب التخييري ، وتعميم موضوع الوقت ـ الذي هو شرط للصلاة ـ بجعله أعمّ من الزوال ومن الظنّ به إمّا مطلقا أو إذا حصل من الأذان ونحوه ، فيكون الظنّ بالزوال على هذا التقدير ـ كنفس الزوال ـ سببا واقعيّا لدخول وقت الصلاة ، سواء صادف الواقع أم لم يصادف ، أو

__________________

(١) جواهر الكلام ٧ : ٢٧٦.

٣٩١

تخصيصه بخصوص الزوال ، وجعل الظنّ المطلق أو الأذان ونحوه طريقا تعبّديّا لإحرازه ، فيكون المكلّف به في الواقع هو الصلاة بعد الزوال عينا ، ولكن متى أحرز الوقت بأذان ونحوه من الأمارات التي فرض اعتبارها شرعا من باب الطريقيّة ، حكم في مرحلة الظاهر بكون الصلاة الواقعة في ذلك الوقت مصداقا واقعيّا للمكلّف به موجبا لسقوط أمره ، فالعبرة إنّما هو بامتثال الأمر الواقعي ، ولكن يجتزأ عنه بامتثال الأمر الظاهري بلحاظ كونه أصلا شرعيّا أو طريقا تعبّديّا لإحراز امتثال ذلك الأمر ، لا لكونه بنفسه مقصودا بالامتثال في عرض الواقع ، فلا يعقل الاجتزاء بعد استكشاف المخالفة وعدم كون المأتيّ به مصداقا لذلك الأمر ، اللهمّ إلّا على تقدير تعلّق الغرض بامتثال نفس هذا الأمر ، لا الأمر الواقعي ، فيعود إلى الفرض الأوّل ، ويخرج عن فرض اعتبار الأمارة من حيث الطريقيّة المحضة.

والحاصل : أنّ قضيّة اتّحاد التكليف الذي هو ضروريّ : إمّا تعميم موضوع الشرط ، والالتزام باعتبار الظنّ من باب السببيّة ، فيتفرّع عليه قاعدة الإجزاء ، أو الالتزام بكون الأمر بالعمل بالظنّ لكونه طريقا ظنّيّا لإحراز الوقت الذي هو شرط واقعيّ للصلاة ، لا لكونه في حدّ ذاته مناطا للحكم ، كالأمر بالعمل بالبيّنة ونحوها لتشخيص الموضوعات الخارجيّة التي لها آثار شرعيّة ، ولا يعقل على هذا التقدير الاجتزاء بامتثاله عمّا وجب عليه في الواقع بعد أن علم مخالفته للواقع وعدم كون المأتيّ به مصداقا للواجب الواقعي ، كما لو دفع ما لزيد على ذمّته إلى آخر عند قيام البيّنة على أنّه زيد ، فتبيّن خلافه ، ومن الواضح أنّ أخبار الباب ، الدالّة على جواز التعويل على الأذان أو صياح الديك ونحوها إنّما دلّت على اعتبارها من باب

٣٩٢

الطريقيّة المحضة ، فلا يجتزأ بامتثال الأوامر المنبعثة عنها عند انكشاف (١) الخطأ كما في المثال.

ودعوى أنّ الأمر بسلوك طريق جائز الخطأ يستلزم قيام مؤدّى الطريق مقام الواقع عند التخطّي تداركا لما يترتّب عليه من تفويت الواقع ، فيلزمه الإجزاء ، غير مسموعة ، خصوصا إذا استكشف الخطأ في حال تمكّن عنده من إدراك الواقع بأن لم يتعدّ وقته.

ولتمام الكلام فيما يتعلّق بالمقام من النقض والإبرام مقام آخر.

تنبيه : لو زعم دخول الوقت فصلّى الظهرين أو العشاءين فدخل الوقت في أثناء الأخيرة ، بطلت الصلاتين ؛بناء على اختصاص أوّل الوقت بالأولى ، وصحّت الأخيرة على الاشتراك ، وعدل بنيّته إلى الأولى إن علم بذلك في الأثناء قبل أن يتجاوز محلّ العدول ، وإلّا مضى في صلاته.

(ولو صلّى قبل دخول الوقت عامدا أو جاهلا) بالحكم ـ أي بشرطيّة الوقت ، التي مرجعها لدى التحقيق إلى وجوب إيقاع الصلاة في الوقت المحدود ـ أو بوجوب إحراز الوقت (أو ناسيا) له (كانت صلاته باطلة) سواء دخل الوقت في أثناء الفعل أم لم يدخل.

أمّا مع العمد : فواضح ، وإلّا لخرج الوقت عن كونه شرطا للصلاة ، وهو مخالف للكتاب والسنّة.

وكذا مع الجهل والنسيان ؛ لما أشرنا إليه من أنّ مقتضى الأدلّة الدالّة على

__________________

(١) في «ض ١٦» والطبعة الحجريّة : «استكشاف».

٣٩٣

شرطيّة الوقت ، وغيرها من الأخبار الخاصّة المصرّحة ببطلان الصلاة الواقعة قبل الوقت : إطلاق شرطيّته في جميع الصور ، خرج منها الصورة السابقة ، وهي ما لو رأى دخول الوقت فصلّى ودخل عليه الوقت في الأثناء ؛ للرواية المتقدّمة (١) الدالّة عليه ، المخصوصة بجاهل الموضوع ، المعتقد للخلاف ، وبقي الباقي مندرجا في العموم الذي اقتضاه إطلاقات الأدلّة.

ومن هنا ظهر لك أنّه لو كان جاهلا بالموضوع غير معتقد للخلاف لا ظنّيّا ولا قطعيّا بأن كان متردّدا أو غير ملتفت إلى رعاية الوقت ، كانت أيضا صلاته باطلة ، بل وكذا لو كان ظانّا بظنّ غير معتبر ؛ فإنّ المنساق من قوله عليه‌السلام : «وأنت ترى أنّك في وقت» (٢) نظير قول القائل : فلان يرى هذا الشي‌ء كذا ، أو حكم هذه المسألة هكذا : أنّه كذلك في بنائه بحسب ما أدّى إليه نظره بطريق الجزم أو بظنّ معتبر يعوّل عليه في مقام ترتيب الأثر ، دون مطلق الظنّ الذي لا يعتمد عليه ، فإنّه لا يقال بمجرّد ترجّح أحد الاحتمالين في نظره مع عدم بنائه عليه في مقام العمل : إنّه يراه هكذا.

نعم ، لا يتوقّف صدق هذه القضيّة على كون ظنّه معتبرا في الواقع ، بل يكفي في ذلك كونه كذلك بنظره ، كما هو واضح.

وقد ظهر بما ذكر أنّ قوله عليه‌السلام : «وأنت ترى أنّك في وقت» يعمّ الاعتقاد الجزمي ، بل هو من أظهر مصاديقه.

فما عن غير واحد من تفسيره بالظنّ بظاهره غير مستقيم ، كما تقدّم التنبيه

__________________

(١) أي : رواية إسماعيل بن رياح ، المتقدّمة في ص ٣٦٦ و ٣٨٩.

(٢) راجع : ص ٣٦٦ و ٣٨٩.

٣٩٤

على ذلك في صدر المبحث لدى التكلّم في تضعيف استدلال من تمسّك بهذه الرواية لإثبات حجّيّة الظنّ بالوقت مطلقا ، فلا ينبغي الاستشكال في صحّة صلاة من قطع بدخول الوقت فصلّى ودخل الوقت كما صدر من بعض ؛ أخذا بظاهر هذا التفسير.

ثمّ إنّ المنساق من قوله عليه‌السلام : «إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة» (١) إنّما هو إرادة ما لو كان قبل دخول الوقت يرى أنّه في الوقت ، فلو انكشف فساد ظنّه في الأثناء قبل أن يدخل الوقت فرأى أنّه بالفعل ليس في الوقت ولكن لو أتمّها لدخل الوقت ، فهذا خارج عن منصرف النصّ.

وقد أشرنا آنفا إلى أنّ مقتضى الأصل بالنسبة إلى الصلاة الواقعة قبل الوقت في كلّ مورد لا يعمّه النصّ : البطلان ، فلا يشرع إتمامها حتّى فيما إذا كان ذلك قريبا من الوقت وتمكّن من التأخير والإتيان بما بقي من الأجزاء بعد دخول الوقت من غير أن يتخلّل الفصل الطويل ، كما هو واضح.

نعم ، لو لم ينكشف الفساد ولكن زال اعتقاده فلم ير أنّه في وقت بل تردّد في ذلك أو انقلب ظنّه وهما ، فهذا أيضا وإن كان كسابقه في خروجه عن منصرف النصّ لكن له أن يتمّها احتياطا برجاء الإصابة ، فإن علم فيما بعد مصادفتها للوقت أو دخول الوقت في الأثناء قبل زوال اعتقاده ، فهو ، وإلّا أعادها.

وهل له قطعها عند انقلاب ظنّه شكّا أو وهما؟ فيه وجهان : من كونه قطعا

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٦٦ ، الهامش (٦).

٣٩٥

للصلاة ، فيحرم ، ومن أنّ المحرّم إنّما هو قطع الصلاة الصحيحة ، لا مطلق ما كان صلاة في الصورة ، وكون المورد مصداقا للمحرّم مشكوك ، فيرجع في حكمه إلى ما يقتضيه الأصل ، وهو البراءة ، لا عموم أدلّة حرمة قطع الصلاة ، فإنّ إحراز الموضوع شرط في التمسّك بعموم الحكم ، وهذا هو الأظهر.

تنبيه : لو صادف الوقت صلاة الجاهل والناسي أو الغافل عن مراعاة الوقت ، أجزأ ،كما جزم به غير واحد من المتأخّرين ، منهم : المحقّق الأردبيلي (١). وقال ـ على ما حكي عنه ـ : وكذا البحث في كلّ من أتى بما هو الواجب في نفس الأمر وإن لم يكن عالما بحكمه ، ومثله القول في الاعتقادات الكلاميّة إذا طابقت نفس الأمر ؛ فإنّها كافية وإن لم تحصل بالأدلّة ، كما صرّح به سلطان المحقّقين نصير الملّة والدين (٢). انتهى.

وهو حقّ كما تحقّق في محلّه.

ويظهر وجهه من بعض ما أسلفناه في نيّة الوضوء عند التكلّم في صحّة عمل المحتاط وعدم اعتبار الجزم في النيّة ، فراجع (٣).

وقيل : لم يجزئ ؛ لعدم الدخول الشرعي (٤).

وفيه ما لا يخفى على من أحاط خبرا بما حقّقناه في ذلك المبحث.

المسألة (الرابعة : الفرائض اليوميّة مرتّبة في القضاء) أي : إذا كان

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٤ ـ ٥٥ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٢.

(٣) ج ٢ ص ١٦٠ وما بعدها.

(٤) قاله الشهيد في الذكرى ٢ : ٣٩٤.

٣٩٦

عليه فوائت متعدّدة يقضي السابقة مقدّمة على اللاحقة بلا خلاف يعتدّ به فيه في الجملة على الظاهر ، بل عن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر أنّه قال : الأصحاب متّفقون على وجوب ترتيبها بحسب الفوات (١). انتهى.

ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك [قضاء] (٢) صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم (٣) ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة» (٤).

ونوقش فيها بعدم دلالتها إلّا على البدأة بالأوّل ، وهو أخصّ من الترتيب المطلق ، وبأنّها مسوقة لبيان الاجتزاء بالأذان لأولاهنّ عنه لكلّ واحدة واحدة ، فيحتمل أن يكون الأمر بالبدأة بالأولى للجري مجرى العادة في فعل من يريد القضاء ، أو يكون المراد أوّلهنّ قضاء ، لا فواتا ، بمعنى أنّ المراد : ابدأ بأذان لأوّلهنّ قضاء في عزمك وإرادتك.

وفيه ـ بعد الغضّ عن عدم الاعتناء بمثل هذه الخدشات في رفع اليد عمّا يقتضيه الكلام بظاهره ـ أنّ الفقرات التي رواها الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن زرارة بعد هذه الصحيحة ـ على وجه يظهر منه كونها من تتمّة هذه الرواية ـ تجعله كالنصّ في إرادة البدأة بأوّل ما فات ، وعدم كون الأمر به جاريا مجرى العادة حيث يظهر منها كون الترتيب بين الفرائض مطلقا ـ حاضرة كانت أم فائتة أم مركّبّة ـ

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٠٦ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٤ : ٢٩٦.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فأقم» بدل «وأقم». والمثبت من المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، ح ١.

٣٩٧

ملحوظا لدى الشارع ، ولأجله أمر بالعدول من اللاحقة إلى سابقتها في جلّ تلك الفقرات ، فإنّه ـ بعد أن روى هذه الصحيحة بإسناده عنه عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ قال :وقال ـ أي زرارة ـ : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وإن كنت قد صلّيت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها» وقال : «إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمّ صلّ العص ر فإنّما هي أربع مكان أربع ، وإن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الأولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر ، وإن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر ، وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها ركعتين ثمّ تسلّم ثمّ تصلّي المغرب ، وإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة وأذّن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمّ صلّ الغداة ثمّ صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت

٣٩٨

بالمغرب فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ بأوّلهما لأنّهما جميعا قضاء ، أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس» قال : قلت : ولم ذلك؟ قال : «لأنّك لست تخاف فوتها» (١).

هذا ، مع أنّ ما في ذيل الرواية من قوله عليه‌السلام : «وإن كانت المغرب والعشاء» إلى آخره ، بنفسه حجّة كافية ، إلّا أنّ تتميم الاستدلال به على وجه يثبت به عموم المدّعى يحتاج إلى ضميمة الإجماع وعدم القول بالفصل.

ويدلّ عليه أيضا الصحيح عن الوشّاء عن رجل عن جميل بن درّاج عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة ، قال : «يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنّه لا يأمن الموت ، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ، ثمّ يقضي ما فاته الأولى فالأولى» (٢).

والمتبادر من قوله عليه‌السلام : «يبدأ بالوقت الذي هو فيه» بقرينة السؤال إرادة فعل العشاء ابتداء ، مع أنّ ظاهره بقرينة التعليل بعدم الأمن من الموت إرادته في سعة الوقت ، وهو ينافي مشاركة العشاءين في الوقت إلّا بمقدار أداء الأخيرة من آخره ، كما عرفته في محلّه ، فإنّ مقتضاها تقديم المغرب على العشاء في الفرض ؛ لتقدّمها عليها في الرتبة نصّا وإجماعا ، فلا يبعد أن يكون العدول عن تسمية الفريضة الحاضرة التي أريد الابتداء بها إلى قوله عليه‌السلام : «يبدأ بالوقت الذي هو فيه» لأجل التقيّة ، ويكون المراد به بيان أنّه يأتي أوّلا بما هو وظيفة الوقت على إجماله ـ أي العشاءين ـ ثمّ يقضي ما فاته الأولى فالأولى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ / ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ / ١٤٦٢ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ٥.

٣٩٩

وكيف كان فما في ظاهر الرواية من الإشكال غير قادح في دلالتها على المدّعى ، كما هو واضح.

وربّما يستدلّ له أيضا بغيرها من الروايات التي يأتي التعرّض لها ولما يتوجّه عليها من النقض والإبرام عند تعرّض المصنّف رحمه‌الله لهذه المسألة في مبحث القضاء إن شاء الله.

وكفى بما أوردناه في المقام دليلا لإثبات المطلوب ، خصوصا مع اعتضاده بفتوى الأصحاب وإجماعهم كما عن جماعة صريحا أو ظاهرا ادّعاؤه.

فما حكاه الشهيد رحمه‌الله في محكيّ الذكرى عن بعض من صنّف رسالة في المواسعة والمضايقة من القول بالاستحباب (١) ضعيف ؛ إذ لا مقتضي لصرف الأمر الدالّ عليه إلى الاستحباب ، كما سيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله في المبحث المشار إليه ، وتعرف في ذلك المبحث أنّ الأظهر اختصاص الحكم بصورة العلم بالترتيب ، لا مطلقا ، كما صرّح به غير واحد.

ثمّ إنّ ظاهر المتن كصريح غيره : اختصاص الترتيب بين الفرائض باليوميّة ، فلا ترتيب بينها وبين الفوائت الأخر ، ولا بين تلك الفوائت.

ولكن نقل في محكيّ الذكرى عن بعض مشايخ الوزير السعيد مؤيّد الدين العلقمي القول بوجوب الترتيب فيها أيضا (٢) ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : «من فاتته فريضة

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٤٣٣ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٣ ، و ٤ : ٢٩٦ ، وكذا صاحب الجواهر فيها ١٣ : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) الذكري ٢ : ٤٣٦ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٢.

٤٠٠