مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

وكيف كان فهذه الأخبار بأسرها تدلّ على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يشرع في صلاة الليل ويأتي بها في الجملة بعد انتصافه. وفي بعض الأخبار المتقدّمة (١) أنّ عليّا عليه‌السلام أيضا كان كذلك.

وهذا يؤيّد ما ذكره في المدارك (٢) وينافي ما أطلقه الأصحاب من أنّه كلّما قرب إلى الفجر كان أفضل ، بل مقتضى الصحيحتين الأخيرتين : استحباب التفريق والإتيان بها في ثلاثة أوقات ، كما ذهب إليه ابن الجنيد ـ على ما حكاه عنه في المدارك (٣) ـ مستدلّا عليه بقوله تعالى (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) (٤) وبصحيحة معاوية بن وهب ، المتقدّمة (٥).

وما قيل في رفع التنافي بين الأخبار الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين ما دلّ على أفضليّة آخر الوقت من أنّ استحباب التفريق من خصائص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) ، ففيه ـ مضافا إلى بعده في حدّ ذاته ، وشهادة بعض الأخبار المتقدّمة (٧) بأنّ الوصي عليه‌السلام أيضا كان يأتي بنافلة الليل في الجملة بعد الانتصاف ، ويأتي بالوتر في آخر الليل ـ أنّ ما في ذيل رواية (٨) الحلبي من الحثّ على التأسّي

__________________

(١) في ص ٢٣٦.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٧٦.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٧٧ ، وحكاه عنه أيضا العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٣٣٦ ، المسألة ٢٢٨.

(٤) طه ٢٠ : ١٣٠.

(٥) في ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٦) كما في جواهر الكلام ٧ : ٢٠٥.

(٧) في ص ٢٣٦ و ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

(٨) تقدّمت الرواية في ص ٢٦٠.

٢٦١

برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بيان كيفيّة ما صدر منه ينافي كونه من الخصائص ، بل ربّما يظهر من صحيحة زرارة ، المتقدّمة (١) في صدر الكتاب ـ عند بيان ما جرت به السنّة في عدد النوافل ـ أنّ الفضل إنّما هو في التفريق والإتيان بها على النحو الذي كان يصلّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا من حيث التأسّي ، بل من حيث كونها مشروعة كذلك.

قال زرارة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما جرت به السنّة في الصلاة ـ إلى أن قال ـ : قلت : فهذا جميع ما جرت به السنّة؟ قال : «نعم» فقال أبو الخطّاب أفرأيت إن قوي فزاد؟ قال : فجلس وكان متّكئا فقال : «إن قويت فصلّها كما كانت تصلّى وكما ليست في ساعة من النهار فليست في ساعة من الليل ، إنّ الله يقول (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ) (٢)».

وهذه الصحيحة كما تراها صريحة فيما يقوله ابن الجنيد (٣) من استحباب الإتيان بها في ساعات متفرّقة ، كما كان يصلّيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن فيها إشارة إلى أنّ الخروج عن عهدة هذا التكليف والإتيان بها على النحو الذي صدرت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس في وسع سائر الناس ؛ لما فيه من الحرج والمشقّة ، فالذي ينبغي أن يقال في توجيه الأخبار ما ذكره في الحدائق (٤) ـ كما في غيره (٥) أيضا احتماله ـ من أنّ الأفضل هو الإتيان بها على النحو الذي كان يصلّيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن لو أريد الإتيان بجميعها في مجلس واحد ، فالأفضل

__________________

(١) في ص ٢٤.

(٢) طه ٢٠ : ١٣٠.

(٣) راجع الهامش (٣) من ص ٢٦١.

(٤) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٥) راجع : ذخيرة المعاد : ٢٠٠.

٢٦٢

إيقاعها في آخر الليل.

وبما أشير إليه في الصحيحة المتقدّمة (١) ـ من صعوبة التأسّي برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الفعل وعدم كونه في وسع كلّ أحد ـ يظهر وجه ما في الأخبار الآمرة بإيقاعها في آخر الليل من الإطلاق وعدم تقييده بما إذا لم يرد الإتيان بها على النحو المأثور من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّها منزّلة بلحاظ حال الغالب ، لا الأوحدي من الناس الذي يتحمّل مثل هذه المشقّة الشديدة لتحصيل زيادة الفضيلة ، والله العالم.

(ولا يجوز تقديمها) أي صلاة الليل (على الانتصاف) قضيّة للتوقيت الذي عرفته آنفا بشهادة النصّ والإجماع الذي تقدّمت (٢) حكايته عن المعتبر والمنتهى ، المعتضدة بالشهرة وغيرها ممّا سمعت (إلّا لمسافر يصدّه جدّه أو شابّ تمنعه رطوبة رأسه) عن فعلها فيما بعد الانتصاف ؛ فإنّه يجوز لهما تقديمها لدى الأكثر (٣) ، بل المشهور ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٤).

خلافا لما حكي عن زرارة بن أعين من المنع مطلقا قائلا : كيف تقضى صلاة قبل وقتها! إنّ وقتها بعد انتصاف الليل (٥). وستسمع (٦) عن محمّد بن مسلم

__________________

(١) في ص ٢٤ و ٢٦٢.

(٢) في ص ٢٥٤.

(٣) كما في مدارك الأحكام ٣ : ٧٨.

(٤) الخلاف ١ : ٥٣٧ ، المسألة ٢٧٥ ، وحكاه عنه السيّد الطباطبائي في رياض المسائل ٢ : ٢١٨.

(٥) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٢ : ٣٧١.

(٦) في ص ٢٧٢.

٢٦٣

نقل هذا القول عن زرارة في ذيل روايته الآتية (١).

وعن الحلّي موافقته في المنع مطلقا (٢) ، وعن ابن أبي عقيل موافقة المشهور في المسافر خاصّة (٣).

والذي يظنّ بزرارة أنّه لا يقول بمثل هذا القول من غير أن يتلقّاه من المعصوم ، ولذا قد يعامل مع هذا النحو من الكلمات الصادرة من زرارة ونظرائه معاملة رواياته.

لكن يحتمل قويّا أن يكون مستنده في المنع مطلقا إطلاق ما وصل إليه من المعصوم ممّا دلّ على التوقيت ، مع أنّ مقتضى الجمع بينه وبين الأخبار الآتية الواصلة إلينا : إمّا تقييد الإطلاق ، أو التأويل بالحمل على وقت الفضيلة ، كما ستعرف.

وكيف كان فمستند المشهور أخبار كثيرة :

منها : ما عن الشيخ والصدوق ـ في الصحيح ـ عن ليث قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أوّل الليل ، فقال : «نعم ، نعم ما رأيت ونعم ما صنعت» وزاد في الفقيه : يعني في السفر.

قال : وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجّل صلاة الليل والوتر في أوّل الليل ، فقال : «نعم» (٤).

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

(٢) السرائر ١ : ٢٠٣ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٠ ، المسألة ١٩.

(٣) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٠ ، المسألة ١٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٨ ـ ١١٩ / ٤٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ / ١٠١٤ ، الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٨٢ و ١٣٨٣ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١.

٢٦٤

ورواية أبي جرير القمّي ـ المرويّة عن الفقيه ـ عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : «صلّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل ، والوتر وركعتي الفجر» (١).

ورواية الحلبي ـ المرويّة عن الكافي والتهذيب ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الليل والوتر في أوّل الليل في السفر إذا تخوّفت البرد أو كانت علّة ، قال : «لا بأس أنا أفعل ذلك» (٢).

ورواية يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر والبرد أيعجّل صلاة الليل والوتر في أوّل الليل؟ قال :«نعم» (٣).

وما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث ، قال :سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة بالليل في السفر في أوّل الليل ، فقال : «إذا خفت الفوت في آخره» (٤).

وخبر محمّد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الليل أصلّيها أوّل الليل؟ قال : «نعم ، إنّي لأفعل ذلك ، فإذا أعجلني الجمّال صلّيتها في المحمل» (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٨٤ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤١ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ١٦٨ / ٦٦٤ ، و ٣ : ٢٢٨ / ٥٨٠ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٨ / ٦٦٥ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٣ / ٦٠٦ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦٨ / ٦٦٦ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

٢٦٥

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك برد فصلّ صلاتك ، وأوتر من أوّل الليل» (١).

وعن التهذيب [في موضع آخر] ـ في الصحيح ـ [عن] الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام [مثله] (٢) ، إلّا أنّه قال : «وكانت بك علّة» وزاد في آخره : «في السفر» (٣).

وموثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ على ما في الحدائق (٤) ، وفي الوسائل (٥) أنّه سأل أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام ـ عن وقت صلاة الليل في السفر ، فقال :«من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح» (٦).

وعن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في حديث ، قال : «إنّما جاز للمسافر والمريض أن يصلّيا صلاة الليل في أوّل الليل لاشتغاله وضعفه وليحرز صلاته ، فيستريح المريض في وقت راحته ، وليشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره» (٧).

وعن يعقوب الأحمر ـ في الصحيح ـ قال : سألته عن صلاة الليل (في الصيف في الليالي القصار (٨)) في أوّل الليل ، فقال : «نعم (٩) ، نعم ما رأيت ، ونعم ما

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٨ / ٦٦٧ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٢.

(٢) ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «وعن التهذيب ـ في الصحيح ـ نحوه. وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحوه». وما أثبتناه هو الموافق لما في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٧ / ٥٧٨ ، ولاحظ الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٢.

(٤) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٠.

(٥) الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٧ ، التهذيب ٣ : ٢٢٧ / ٥٧٧.

(٧) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٨) ما بين القوسين لم يرد في التهذيب.

(٩) كلمة «نعم» لم ترد في التهذيب.

٢٦٦

صنعت» ثمّ قال : «إنّ الشابّ يكثر النوم فأنا آمرك به» (١).

وعن عليّ بن سعيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الليل والوتر في السفر من أوّل الليل إذا لم يستطع أن يصلّي في آخره ، قال : «نعم» (٢).

ورواه في الفقيه (٣) عن عليّ بن سعيد مثله ، إلّا أنّه أسقط «إذا لم يستطع أن يصلّي في آخر الليل».

وعن الحسين بن عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب «عند زوال الليل ـ وهو نصفه ـ أفضل ، وإن فات فأوّله وآخره جائز» (٤).

وعن الشهيد في الذكرى ، قال : روى محمّد بن أبي قرة بإسناده إلى إبراهيم ابن سيّابة ، قال : كتب بعض أهل بيتي إلى أبي محمّد عليه‌السلام في صلاة المسافر أوّل الليل صلاة الليل ، فكتب «فضل صلاة المسافر من أوّل الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل» (٥).

وروى في الكافي والتهذيب عن أبان بن تغلب ـ في الصحيح ـ قال :خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكّة والمدينة ، وكان يقول : «أمّا أنتم فشباب تؤخّرون ، وأمّا أنا فشيخ أعجّل» وكان يصلّي صلاة الليل أوّل الليل (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٨ ـ ١٦٩ / ٦٦٩ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ / ١٠١٨ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٦ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤).

(٥) الذكرى ٢ : ٣٧١ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٩.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤٠ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ / ٥٧٩ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٨.

٢٦٧

وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بصلاة الليل من أوّل الليل إلى آخره إلّا أنّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل» (١).

ورواية محمّد بن عيسى ، قال : كتبت إليه أسأله : يا سيّدي روي عن جدّك أنّه قال : «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل» فكتب «في أيّ وقت صلّى فهو جائز إن شاء الله» (٢).

ومقتضى إطلاق بعض هذه الروايات ـ كالخبرين الأخيرين ، ومكاتبة الحسين ـ : جواز تقديمها على الانتصاف مطلقا ، بل بعضها ـ كخبر سماعة ـ كاد أن يكون نصّا في ذلك ، ولا يصلح شي‌ء من الأخبار المتقدّمة لمعارضته من حيث الدلالة ؛ فإنّ له نوع حكومة على سائر الروايات ؛ حيث إنّه يدلّ على أنّ ما بعد الانتصاف وقت للفضيلة ، فيمكن أن يكون تحديد وقتها بما بعد الانتصاف في بعض الأخبار المتقدّمة (٣) في المبحث السابق ـ كمرسلة الصدوق ، والأخبار الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصيّ عليه‌السلام ـ بلحاظ كونه وقتا للفضيلة ، خصوصا مع ما عرفت من عدم ظهور ما عدا المرسلة فيما ينافيه ، كما أنّه يمكن أن يكون ما في بعض الأخبار المتقدّمة من تخصيص موضوع الحكم ـ أعني جواز التقديم من أوّل الليل ـ بكونه في السفر أو عند خوف الجنابة والبرودة ونحوه ، وكذا ما في بعضها من اشتراطه بخوف الفوت في آخر الليل بهذه الملاحظة ، خصوصا مع

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٤ ، و ٣ : ٢٣٣ / ٦٠٧ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ٩ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٣ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٤.

(٣) في ص ٢١ و ٢٣٦ و ٢٥٤.

٢٦٨

ضعف ظهور معظم تلك الأخبار في اشتراط كونه لعلّة ؛ لوقوع الاشتراط في كلام السائل ، لا في الجواب ، بل إشعار الاكتفاء بمثل هذه الأعذار ـ التي لا تقتضي على تقدير تحقّقها فوت الصلاة في وقتها ، بل الإتيان بها في الوقت فاقدة لبعض شرائطها الاختياريّة ، كالصلاة مع التيمّم ، أو بلا استقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحّة ـ كون الأمر في حدّ ذاته مبنيّا على التوسعة ، لا كون التوسعة ناشئة من الضرورة ، وإلّا فمن المستبعد رفع اليد عن شرط محقّق رعاية لاحتمال فوات شرط اختياريّ.

اللهمّ إلّا أن تكون الحكمة في الرخصة في التقديم في مثل هذه الموارد كون نفس النافلة بذاتها في معرض الفوت ، حيث إنّ التكليف بها غير إلزاميّ ، فربّما يتسامح في أمرها المكلّف ، ويتركها لأدنى مشقّة ، كتطهير ثوبه وبدنه لدى الحاجة إليه عند عروض الجنابة ، أو نزوله عن دابّته في أثناء الطريق للتيمّم ، فضلا عمّا لو توقّفت على كلفة زائدة ، كالوضوء أو الاغتسال بالماء البارد ، فالتوسعة في الوقت إنّما هو بهذه الملاحظة ، لا لرعاية سائر الشرائط المحتملة الفوات.

وكيف كان فممّا يؤيّد أيضا جواز التقديم مطلقا الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهديّة متى أتي بها قبلت (١).

لكن مع ذلك كلّه فالأحوط بل الأقوى ما حكي عن المشهور من عدم جواز التقديم بلا ضرورة مقتضية له ؛ فإنّ الاعتماد على رواية سماعة وغيره ـ ممّا يظهر منه جواز التقديم مطلقا ـ بعد إعراض الأصحاب عنها في رفع اليد عن ظواهر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٥ و ١٠٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠٠٩ و ١٠١٠ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، الأحاديث ٣ و ٧ و ٨.

٢٦٩

غيرها من الأدلّة مشكل.

وما في بعض الأخبار المتقدّمة (١) من نفي البأس عن التقديم في الليالي القصار أو في السفر على الإطلاق لو لم نقل بانصرافه في حدّ ذاته إلى إرادته في صورة الضرورة وخوف الفوات في آخر الليل ، لتعيّن صرفه إلى ذلك ؛ جمعا بينه وبين الأخبار الدالّة على الاشتراط ، المعتضدة بفتوى الأصحاب ونقل إجماعهم عليه.

نعم ، الظاهر كفاية مطلق العذر في جواز التقديم.

ولعلّ ما في المتن ونحوه من تخصيص المسافر والشابّ بالذكر جار مجرى التمثيل ، وإلّا فالإطلاق ـ كما حكي عن بعض التصريح به (٢) ، بل في الجواهر : هو معقد ما حكي من إجماع الخلاف (٣) ـ أوفق بظواهر النصوص ، خصوصا رواية أبي بصير ، المتقدّمة (٤).

ولعلّه لذا عدّ المحقّق الثاني ـ على ما حكي عنه ـ من الأعذار المسوّغة للتقديم إرادة الجماع (٥).

ويمكن أن يكون اعتماده في ذلك على استفادته ممّا دلّ على جوازه عند خوف الجنابة حيث يدلّ على جوازه لدى القطع بحصول الجنابة ـ كما في الفرض ـ بالفحوى.

__________________

(١) في ص ٢٦٤ ـ ٢٦٧.

(٢) حكاه عن بعض الأصحاب صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٠٧ ، وانظر : مستند الشيعة ٤ : ٦٨.

(٣) جواهر الكلام ٧ : ٢٠٧ ، وانظر : الخلاف ١ : ٥٣٧ ، المسألة ٢٧٥.

(٤) في ص ٢٦٦.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٠٦ نقلا عن حاشيته على الإرشاد ، وهي مخطوطة.

٢٧٠

نعم ، ربّما يظهر من الصدوق ـ على ما حكي عنه ـ اختصاص الرخصة بالمسافر حيث قال : كلّ ما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر ، لأنّ المفسّر من الأخبار يحكم على المجمل (١). انتهى.

أقول : فالذي يغلب على الظنّ أنّ التفسير الذي تقدّمت (٢) حكايته عن الفقيه في ذيل صحيحة ليث من الصدوق باجتهاده ، فلا عبرة به.

وأنت خبير بأنّه لا مقتضي للجمع بين ما دلّ على جواز التقديم في السفر وبين غيره ممّا دلّ على جوازه في الليالي القصار أو عند خوف البرودة أو الجنابة ، بل لو لم يكن النصّ إلّا في خصوص السفر لأمكن دعوى استفادة جواز التقديم في سائر مواقع الضرورة بتنقيح المناط.

(و) كيف كان فقد صرّح الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأنّه إذا دار الأمر بين التقديم وقضائها بعد خروج الوقت ، كان (قضاؤها أفضل) من التقديم.

كما يدلّ عليه ما عن معاوية بن وهب ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : قلت له : إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم ، وقال : إنّي أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتّى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله ، فقال : «قرّة عين له والله ، قرّة عين والله» ولم يرخّص في النوافل أوّل الليل ، وقال : «القضاء بالنهار أفضل» قلت : فإنّ من نسائنا أبكارا ، الجارية تحبّ الخير وأهله وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربّما قضت وربّما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه في أوّل الليل ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٣ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ١٩٤.

(٢) في ص ٢٦٤.

٢٧١

فرخّص لهنّ في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء (١).

وعن محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت له :الرجل من أمره القيام بالليل تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم فيقضي أحبّ إليك ، أم يعجّل الوتر أوّل الليل؟ قال : «لا ، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة» (٢).

وعن محمّد بن مسلم أيضا ، قال : سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتّى يمضي لذلك العشر والخمسة عشر فيصلّي أوّل الليل أحبّ إليك أم يقضي؟قال : «لا ، بل يقضي أحبّ إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقا» (٣) وكان زرارة يقول :كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها! إنّما وقتها بعد نصف الليل (٤).

وعن عمر بن حنظلة أنّه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي مكثت ثمانية عشر ليلة أنوي القيام فلا أقوم ، أفأصلّي أوّل الليل؟ قال : «لا ، اقض بالنهار ، فإنّي أكره أن تتّخذ ذلك خلقا» (٥).

ويظهر من هذه الرواية وكذا من سابقتها أنّ علّة أفضليّة القضاء (٦) كون التقديم مؤدّيا إلى الاعتياد بترك التهجّد في آخر الليل الذي هو الأفضل ، عكس

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٨١ ، وفيه إلى قوله : «القضاء بالنهار أفضل». الكافي ٣ : ٤٤٧ / ٢٠ ، التهذيب ٢ : ١١٩ / ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ / ١٠١٥ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المواقيت ، ح ١ و ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٨ / ١٢٩٥ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٣) الخلق : السجيّة ، العادة. مجمع البحرين ٥ : ١٥٧ «خلق».

(٤) التهذيب ٢ : ١١٩ / ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ / ١٠١٦ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٨٠ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٦) في «ض ١١» زيادة : «بالنهار».

٢٧٢

القضاء بالنهار ، فإنّه مهما اهتمّ به انتبه في آخر الليل ، كما أشار إليه الإمام عليه‌السلام في خبر المرازم ، المتقدّم (١) في المسألة السابقة حيث قال : «فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت» فلا يبعد أن يكون تقديمها بالذات أفضل من القضاء لو لا فيه هذه الجهة العارضة ، كما لو اتّفق الحاجة إليه أحيانا لأمر عارضيّ من غير أن يكون موجبا للاعتياد بأن كان في سفر ونحوه من مواقع الضرورات الاتّفاقيّة ، كما يؤيّد ذلك المستفيضة المتقدّمة النافية للبأس عن تقديمها من غير إشارة في شي‌ء منها إلى أنّ قضاءها أفضل ، بل في بعضها ـ كخبري الحلبي ومحمّد بن حمران ـ بعد أن نفى البأس عن ذلك أكّده بقوله : «وإنّي لأفعل ذلك» (٢) وفي بعضها قال : «فضل صلاة المسافر من أوّل الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل» (٣) إلى غير ذلك من التعبيرات التي ينافيها المرجوحيّة بالإضافة.

ثمّ إنّ المنساق إلى الذهن من الفتاوى والنصوص الدالّة على جواز التقديم من أوّل الليل حتّى من مثل قوله عليه‌السلام : «صلّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل» (٤) إنّما هو إرادة فعلها بعد أداء الفريضة ، وعلى تقدير ظهورها في الإطلاق لوجب صرفها إلى ذلك ؛ جمعا بينها وبين موثّقة سماعة ، التي ورد فيها تحديد وقتها في السفر من حين تصلّي العتمة (٥).

وربما يظهر من خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه

__________________

(١) في ص ٢٥٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٥ ، الهامش (٢ و ٥).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٧ ، الهامش (٥).

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٥ ، الهامش (١).

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٦ ، الهامش (٦).

٢٧٣

موسى عليه‌السلام : أنّه لا يجوز تقديمها على الثلث مطلقا.

قال : سألته عن الرجل يتخوّف أن لا يقوم من الليل أيصلّي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة؟ وهل يجزئه ذلك؟ أم عليه قضاء؟ قال : «لا صلاة حتّى يذهب الثلث الأوّل من الليل ، والقضاء بالنهار أفضل من تلك الساعة» (١).

لكنّه مع ضعف سنده ومخالفة ظاهره للفتاوى لا يصلح لمعارضة موثّقة سماعة وغيرها من الأخبار الدالّة على جواز تقديمها من أوّل الليل ، الآبية عن التقييد بما بعد الثلث.

فالأولى حمل النهي عن التقديم على الثلث ـ المستفاد من هذه الرواية ـ على الكراهة ، بحمل قوله عليه‌السلام : «لا صلاة» على إرادة نفي الكمال ، لا الصحّة.

هذا ، مع أنّ ظهورها في نفي الصحّة مبنيّ على أن يكون المشار إليه بتلك الساعة ما بعد ذهاب الثلث ، وأمّا إن كان المراد بها هي الساعة التي قال : «لا صلاة فيها» أي : قبل ذهاب الثلث ـ كما لعلّه هو المنساق إلى الذهن من نفس التعبير من حيث هو ـ فهذه الفقرة بنفسها تصلح قرينة لإرادة نفي الكمال حيث إنّ المفاضلة تقتضي المشاركة في أصل الجواز ، فيكون إطلاق نفي الصلاة بلحاظ اشتمالها على منقصة موجبة لمرجوحيّتها بالإضافة إلى القضاء الذي هو في حدّ ذاته مشتمل على النقص.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما ذكره المصنف رحمه‌الله وغيره ـ من أنّ القضاء أفضل من التعجيل ، مع أنّ مستندهم بحسب الظاهر ليس إلّا الأخبار المتقدّمة التي يبعد

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٩٨ / ٧٥٩ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

٢٧٤

حملها على إرادته في خصوص المسافر والشابّ الذي تمنعه رطوبة رأسه عن الانتباه ـ ممّا يؤيّد ما ذكرناه من أنّ تخصيصهم المسافر والشابّ بالاستثناء جار مجرى التمثيل ، والله العالم.

(وآخر وقتها) أي صلاة الليل الإحدى عشرة ركعة (طلوع الفجر الثاني) لأنّ به يتحقّق زوال الليل ، الذي قد عرفت فيما سبق أنّ آخره أفضل أوقات صلاته خصوصا الوتر منها ، التي ورد فيها أخبار بالخصوص على أنّ أفضل وقتها الفجر الأوّل.

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار الآتية التي تدلّ على صيرورتها قضاء بعد طلوع الفجر الذي لا يتبادر منه إلّا الفجر الصادق.

فما عن السيّد من أنّ آخر وقتها طلوع الفجر الأوّل (١) ، ضعيف ، بل لم يعرف له وجه.

وقد حكي عن الذكرى أنّه بعد أن نقل ذلك عن السيّد ، قال : ولعلّه نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ ، والغالب أنّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت أخرى (٢). انتهى.

وفيه ما لا يخفى.

(فإن طلع الفجر ولم يكن) قد (تلبّس منها) بشي‌ء أو تلبّس (ب) أقلّ من (أربع) ركعات (بدأ بركعتي الفجر قبل الفريضة حتّى تطلع الحمرة

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ٦١ ، وحكاه عنه ابن إدريس في السرائر ١ : ١٩٥ ، وكذا العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٦ ، المسألة ١٢.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٣ ، وانظر : الذكرى ٢ : ٣٧١.

٢٧٥

المشرقيّة ، فيشتغل بالفريضة ، وإن كان تلبّس بأربع تمّمها مخفّفة ولو طلع الفجر) فهاهنا

مسائل :

الأولى : لو طلع الفجر وقد تلبّس بأربع ، أتمّها ، كما عن المشهور (١) ،بل عن بعض دعوى الإجماع عليه (٢) ، وعن آخر نفي الخلاف فيه مقيّدا بما إذا لم يخش فضيلة الفرض (٣).

ويدلّ عليه ما رواه في التهذيب عن مؤمن الطاق ، قال : «إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة طلع أو لم يطلع» (٤).

وعن الرضوي (٥) نحوه بأدنى اختلاف في التعبير.

والذي ينسبق إلى الذهن من الأمر بإتمام الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع إرادة الإتيان بالركعات الباقية على وجهها المعهود حتّى يكون الوتر آخرها ، ومقتضى إطلاقه : عدم الفرق في كيفيّة الإتمام ـ على تقدير عدم طلوع الفجر بعد الأربع ركعات ـ بين ما لو خشي مفاجأة الفجر في الأثناء أم لا ، ولكنّ الأولى في الصورة الأولى هو البدأة بالوتر ، فإنّها أحقّ بآخر الوقت وأولى بالرعاية ممّا عداها من نافلة الليل.

__________________

(١) نسبه إلى المشهور صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ١١٣ ، وصاحب الجواهر فيها ٧ : ٢١٣.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢١٣ عن المصابيح للطباطبائي.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢١٣ عن السيّد الطباطبائي في رياض المسائل ٢ : ٢٢٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ / ١٠٢٥ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٣٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٣.

٢٧٦

كما يدلّ عليه خبر يعقوب البزّاز ، قال : قلت له : أقوم قبل الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثمّ أتخوّف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟ فقال :«لا ، بل أوتر وأخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر أو يصلّي الصلاة على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : «بل يبدأ بالوتر» وقال : «أنا كنت فاعلا ذلك» (٢).

ويؤيّده صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟» (٣).

ولا يخفى عليك أنّ الأمر بالإيتار في خبر يعقوب والبدأة بالوتر في صحيحة محمّد ليس للوجوب ؛ ضرورة جواز ترك الوتر اختيارا وقضائها في خارج الوقت وجواز الإتيان بأيّ نافلة أحبّ في ذلك الوقت فضلا عن نافلة الليل ، فالأمر بالبدأة بالوتر عند خوف فوات وقتها ليس إلّا لشدّة الاهتمام بها وكون مراعاة الوقت بالنسبة إليها أفضل ، فلا منافاة بينه وبين الخبر (٤) المتقدّم الدالّ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ / ١٠٢٦ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٩ / ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ / ١٠٢٠ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩١ ، و ٣٤١ / ١٤١١ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٤) أي : خبر مؤمن الطاق ، المتقدّم في ص ٢٧٦.

٢٧٧

بظاهره على جواز إتمام النافلة على وجهها عند التلبّس بأربع ركعات منها ، الشامل بإطلاقه لهذا الفرض.

كما أنّه لا منافاة بين الصحيحة وبين رواية المفضّل ، الآتية (١) التي ورد الأمر فيها بنافلة الليل عند الشكّ في طلوع الفجر ، والوتر بعد تبيّنه ، فإنّ الأمر بالإتمام الوارد في تلك الرواية كالأمر بنافلة الليل عند الشكّ في خبر المفضّل ؛ لوروده في مقام توهّم الحظر لا يدلّ على أزيد من المشروعيّة الغير المنافية لأفضليّة البدأة عند خوف خروج الوقت.

نعم ، الأحوط تأخير باقي الركعات عن الفريضة إذا أوتر بعد الأربع ركعات عند خوف الفوات ؛ لقوّة احتمال إرادة هذا المعنى من قوله عليه‌السلام : «وأخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار» (٢) وإن كان الأقوى عدم وجوبه خصوصا على تقدير الفراغ من الوتر قبل أن يتبيّن الفجر ، كما سيأتي الكلام فيه ؛ لعدم تعيّن إرادة هذا المعنى من الرواية ، وإمكان حملها على ما لا ينافي الخبر المتقدّم (٣) الدالّ على جواز إتمام النافلة بعد طلوع الفجر عند التلبّس بأربع ركعات منها قبله ، الغير القاصر عن شمول مثل الفرض.

هذا ، مع ضعف الرواية وعدم صلاحيّتها لتخصيص الخبر المتقدّم (٤) بغير هذه الصورة.

وأمّا اعتبار التخفيف ـ المفسّر بقراءة الحمد وحدها في الركعات الباقية

__________________

(١) في ص ٢٨٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٧ ، الهامش (١).

(٣) في ص ٢٧٦.

(٤) في ص ٢٧٦.

٢٧٨

المأتيّ بها بعد طلوع الفجر ـ كما في المتن وغيره : فلم يدلّ عليه دليل خاصّ عدا أنّه هو المناسب لرعاية حقّ الفريضة التي نهي عن التطوّع في وقتها ، فلا يبعد أن يدّعى أنّ المنساق إلى الذهن من الأمر بإتمامها قبل الفريضة بواسطة هذه المناسبة إنّما هو إرادتها مخفّفة.

وربّما يستدلّ له بخبر إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : «اقرأ بالحمد واعجل واعجل» (١) لأولويّة ما بعد الصبح ممّا قبله.

وفيه : ما لا يخفى.

الثانية : ظاهر المتن وغيره ـ بل ربما نسب (٢) إلى المشهور ـ أنّه لو طلع الفجر ولم يتلبّس بشي‌ء منها أو تلبّس بأقلّ من أربع ركعات ، بدأ بالفريضة ،كما في كثير من العبائر ، أو بركعتي الفجر قبل الفريضة كما في المتن ، فلا تزاحم بها الفريضة.

وعمدة مستند الحكم بحسب الظاهر هي الأخبار الآتية الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة ، وستعرف ـ إن شاء الله ـ أنّها لا تدلّ على عدم الجواز ، بل على المرجوحيّة بالإضافة.

واستدلّ له أيضا بصحيحة إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٩ / ٢٧ ، التهذيب ٢ : ١٢٤ / ٤٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ١٠١٩ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٢) الناسب هو الشهيد في الذكرى ٢ : ٣٧٢.

٢٧٩

أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال : «لا» (١).

والتقريب : أنّه إذا امتنع الوتر بعد الفجر ، امتنع ما قبله بالطريق الأولى.

ويمكن الخدشة فيه بما عرفت من مشروعيّة الوتر بعد الفجر في الجملة نصّا وفتوى.

أمّا قبل صلاة الصبح : فعلى تقدير كونها مسبوقة بأربع ركعات من نافلة الليل في وقتها.

وأمّا بعدها : فمطلقا.

وحملها على إرادة الإيتار قبل صلاة الصبح ما لم يكن مسبوقا بنافلة الليل مع ترك الاستفصال ، المقتضي للعموم ليس بأولى من حمل الرواية على إرادة عدم تأخير الوتر إلى أن يطلع الفجر ، لا عدم جواز الإتيان بها.

واستدلّ أيضا بمفهوم الشرط في خبر (٢) مؤمن الطاق ، وبخبر المفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وأنا أشكّ في الفجر ، فقال : «صلّ على شكّك ، فإذا طلع الفجر فأوتر وصلّ الركعتين ، وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ، ولا تصلّ غيرها ، فإذا فرغت فاقض ما فاتك ، ولا يكون هذا عادة ، وإيّاك أن تطلع على هذا أهلك فيصلّون على ذلك ولا يصلّون بالليل» (٣).

ولا يخفى عليك أنّ قوله عليه‌السلام : «وإذا أنت قمت» إلى آخره ، وإن كان

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٦ / ٤٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ / ١٠٢١ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٦ ، الهامش (٤).

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٠٤٢ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

٢٨٠