مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

الزمان يسع الإتيان بما بقي بحسب المتعارف من غير تخفيف ، كما لا يخفى.

(وإن لم يكن صلّى شيئا ، بدأ بالفريضة) وجوبا أو استحبابا على الخلاف الآتي.

ويدلّ على الحكمين المذكورين : موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :«للرجل أن يصلّي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان ، وإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتّى يصلّي تمام الركعات ، فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى ولم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من نوافل الأولى ما بين الأولى إلى أن تمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّي النوافل ، وإن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها ثمّ يصلّي العصر» وقال : «للرجل أن يصلّي إن بقي عليه شي‌ء من صلاة الزوال إلى أن يمضي بعد حضور الأولى نصف قدم ، وللرجل إذا كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتمّ نوافل الأولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم» وقال : «القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم بعد حضور الأولى في الوقت سواء» (١).

وما في الشرطيّة الأولى ، وهي قوله عليه‌السلام : «وإن كان قد بقي» إلى آخرها من الإجمال حيث لم يتّضح المراد بها غير قادح في الاستدلال ؛ فإنّ ما عداها من الفقرات واف بإثبات المطلوب.

ولعلّ ما في هذه الفقرة من الإجمال نشأ من تحريف النّسّاح أو خلل من

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٣٠ ، الهامش (٥).

٢٤١

الراوي في التعبير ، كما أنّه ليس بعزيز في روايات عمّار ، وهو لا يوهنها بالنسبة إلى ما لا خلل فيه ، كما هو واضح.

(و) قيل ـ كما في المتن ، بل لعلّه هو المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا ـ : إنّه (لا يجوز تقديمها) أي النوافل (على الزوال) خلافا لما سمعته آنفا (١) من الشيخ من جوازه لدى الضرورة ، وجماعة من المتأخّرين من جوازه مطلقا.

وقد تقدّم الكلام فيه مفصّلا ، وعرفت فيما تقدّم أنّ الأخير هو الأقوى ؛ للمستفيضة المتقدّمة الدالّة عليه ، التي قد عرفت أنّه لا مقتضي لطرحها أو تأويلها بعد كون المورد قابلا للمسامحة وعدم صلاحيّة شي‌ء من الأدلّة لمعارضتها.

وقد تكلّف في الجواهر في تأويلها وصرفها إلى النوافل المبتدأة ، أو حملها على إرادة التوسعة في أمر النوافل بتقديمها في وقتها وتأخيرها عنه ، أي جواز الإتيان بها أداء وقضاء ، وحمل ما هو نصّ في جواز تقديم النوافل المرتّبة من أوّل النهار إمّا مطلقا أو إذا علم أنّه يشتغل عند الزوال بالحمل على إرادة البدل العرفي قبل الوقت والقضاء في خارجه بزعم معارضتها لأخبار التوقيت ، المعتضدة بالفتاوى (٢) ، كما زعمه صاحب الحدائق في كلامه المتقدّم (٣). وقد تبيّن ضعفه فيما تقدّم بما لا مزيد عليه.

ولكن مع ذلك الأحوط عدم التقديم ، كما أنّه هو الأفضل (إلّا) في (يوم

__________________

(١) في ص ٢٣٦.

(٢) جواهر الكلام ٧ : ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٣) في ص ٢٣٧.

٢٤٢

الجمعة) فإنّ التقديم فيه جائز ، بل راجح ، كما ستعرفه إن شاء الله.

(و) تعرف أيضا أنّه (يزاد في نافلتها أربع ركعات اثنتان منها للزوال) أي يؤتى بهما عنده.

(و) وقت (نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربيّة) كما عن المشهور (١) ، وعن بعض دعوى الإجماع عليه (٢).

وعن الشهيد في الذكرى والدروس الميل إلى امتداد وقتها بوقت المغرب ؛ لأنّها تابعة لها كالوتيرة (٣). واستجوده في كشف اللثام (٤).

وفي المدارك ـ بعد أن نقل ميل الشهيد في الكتابين إلى ذلك ـ قال : وهو متّجه ، ويشهد له صحيحة أبان بن تغلب ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب ثمّ صلّى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ، ثمّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات ثمّ قام فصلّى العشاء الآخرة (٥) (٦). انتهى.

واستدلّ في الجواهر للمشهور بما لفظه : لأنّه المعهود من فعلها من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره ، والمنساق ممّا ورد فيه من النصوص ، بل قد عرفت فيما مضى

__________________

(١) نسبه إلى المشهور الشهيد في البيان : ١٠٩ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٢٠.

(٢) حكاه صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٥٧ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٣ عن الغنية : ٧٢ ، والمعتبر ٢ : ٥٣ ، ومنتهى المطلب ٤ : ٩٦.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧٤ ، وكذا صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٥٧ ، وانظر :الذكرى ٢ : ٣٦٧ ، والدروس ١ : ١٤١.

(٤) كشف اللثام ٣ : ٥٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦٧ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٦) مدارك الأحكام ٣ : ٧٤.

٢٤٣

التصريح في غير واحد من الأخبار بضيق وقت المغرب ، وأنّه يخرج بذهاب الحمرة فضلا عن نافلتها (١). انتهى.

وفي الجميع ما لا يخفى ؛ فإنّه إن أريد بالمعهوديّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يأتي بها إلّا في هذا الوقت بحيث لو كان يؤخّر المغرب كان يترك نافلتها ، فهذا ممّا لم يثبت.

وإن أريد أنّه كان يأتي بها في هذا الوقت ، فهذا هو القدر المتيقّن يجب الاقتصار عليه في الأحكام التوقيفيّة ، ففيه : أنّ المرجع في مثل المقام إنّما هو استصحاب بقاء التكليف ، وعدم سقوطه بسقوط الشفق.

مع أنّ مقتضى إطلاق الأخبار الآمرة بفعلها بعد المغرب مع ما في جملة منها من الاهتمام بفعلها وعدم تركها في سفر ولا حضر : مشروعيّة الإتيان بها بعد المغرب مطلقا ، سواء أتى بالمغرب في أوّل وقتها أو في آخره ، كالأوامر المتعلّقة بالأذكار والأدعية والسجدة وغيرها من التعقيبات المسنونة بعدها.

ولا ينافي ذلك ما قد يدّعى عليه الإجماع من أنّ النوافل من التكاليف الموقّتة ، فإنّ مقتضى إطلاق دليلها امتداد وقتها إلى أن يختصّ الوقت بالعشاء لو لم يكن دليل على تقييده بذهاب الحمرة ، كما هو المفروض.

وقد ظهر بذلك ما في دعوى أنّ المنساق من النصوص الواردة فيها إرادة فعلها قبل ذهاب الحمرة ؛ إذ ليس في النصوص الواردة فيها إلّا الحثّ على فعل أربع ركعات بعد أداء فريضة المغرب ، وليس حالها إلّا حال الأخبار التي ورد فيها

__________________

(١) جواهر الكلام ٧ : ١٨٦ ـ ١٨٧.

٢٤٤

الحثّ على التعقيبات المأثورة بعد الفريضة ، فليتأمّل.

وأمّا الأخبار التي وقع فيها التصريح بأنّ وقت المغرب ضيّق ، فهي محمولة على وقت الفضيلة باعتراف المستدلّ ، فكيف يصحّ الاستدلال بها لخروج وقت نافلتها على الإطلاق!؟

هذا ، مع أنّه لا ملازمة بين خروج وقت المغرب بذهاب الحمرة وخروج وقت نافلتها بذلك ؛ لأنّها شرّعت بعد أداء الفريضة ، فمن الجائز بقاء وقتها بعد انقضاء وقت الفريضة بمقدار أدائها أو أزيد.

نعم ، يلزمه ذلك بناء على ما هو المختار من امتداد وقت المغرب إلى أن يتضيّق وقت العشاء ، فإنّ تضيّق وقت العشاء مانع عن بقاء وقت فريضة المغرب فضلا عن نافلته ، كما عرفته في محلّه.

وعن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر الاستدلال للمشهور بأنّ ما بين صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت يستحبّ فيه تأخير العشاء ، فكان الإقبال فيه على النافلة حسنا ، وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض ، فلا يصلح للنافلة. وقال : ويدلّ على أنّ آخر وقتها ذهاب الحمرة : ما روي من منع النافلة في وقت الفريضة ، روى ذلك جماعة منهم محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوّع» (١) (٢). انتهى.

وفي المدارك ـ بعد أنّ نقل عن المعتبر ما سمعت ـ قال : وفيه نظر ؛ إذ من

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٧ / ٦٦١ ، و ٢٤٧ / ٩٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٦ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٣ و ٥٤ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧٣ ـ ٧٤.

٢٤٥

المعلوم أنّ النهي عن التطوّع وقت الفريضة إنّما يتوجّه إلى غير الرواتب ؛ للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض ، وإلّا لم يشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضيّ مقدار ثلاث ركعات من أوّل وقت المغرب ، ولا نافلة الظهرين عند الجميع.

وقوله : «إنّه عند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض ، فلا يصلح للنافلة» دعوى خالية من الدليل ، مع أنّ الاشتغال بالفرض قد يقع قبل ذلك عند المصنّف رحمه‌الله ومن قال بمقالته. ومجرّد استحباب تأخير العشاء عن أوّل وقتها إلى ذهاب الحمرة لا يصلح للفرق (١). انتهى.

وأجاب في كشف اللثام عن الاستدلال للمشهور بالنهي عن التطوّع في وقت الفريضة : بأنّ المراد وقت تضيّقها (٢).

وفيه : أنّ الأخبار الواردة فيه كادت تكون صريحة في الأعمّ من ذلك ، وقد ورد في بعض الأخبار المتقدّمة ـ التي وقع فيها تحديد وقت الظهرين بالذراع والذراعين ـ التعليل بأنّه «جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك لئلّا يكون تطوّع في وقت فريضة» (٣).

ويظهر من مثل هذه الروايات أيضا ضعف ما زعمه صاحب المدارك من أنّ النهي من التطوّع وقت الفريضة إنّما يتوجّه إلى غير الرواتب (٤) ؛ فإنّ الأخبار

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٧٤.

(٢) كشف اللثام ٣ : ٥٦ ـ ٥٧.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨٧ ، الهامش (٤).

(٤) تقدّمت عبارته آنفا.

٢٤٦

الواردة فيه جملة منها كادت تكون صريحة في الشمول ، لكنّ الأدلّة الدالّة على شرعيّة نافلة الظهرين في وقتهما حاكمة على تلك النواهي حيث إنّها تدلّ بمدلولها اللفظي على أنّ وقت الفريضة الذي نهي عن التطوّع فيه إنّما هو بعد الذراع والذراعين ، وأمّا قبلهما فهو وقت للنافلتين.

لكنّك ستعرف في محلّه اختصاص هذه الحكومة بالنافلتين ، فلو تنفّل بغيرهما قبل الذراع والذراعين يكون من التطوّع في وقت الفريضة.

وأمّا نافلة المغرب قبل ذهاب الشفق فهي خارجة عن موضوع هذه النواهي ؛ لما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله في محكيّ المعتبر (١) ـ وستعرف تحقيقه ـ من أنّ المراد بوقت الفريضة هو الوقت الذي أريد فيه من المكلّف اشتغاله بالفريضة إمّا بأمر إلزاميّ ، كما في آخر وقتها الذي لا يجوز له التأخير ، أو بأمر ندبيّ ، كما في سائر أوقاتها التي يكون فيها مأمورا بتعجيلها ما استطاع ، لا مطلق وقتها الذي يجوز له إيقاعها فيه وإن كان الراجح تأخيرها عنه إمّا بالذات كما في وقت العشاء قبل ذهاب الشفق ، وكذا العصر على القول باستحباب تأخيرها إلى المثل أو الأربعة أقدام ، أو بالعرض ، كما في منتظر الجماعة ، فإنّ النافلة في هذا الوقت ممّا لا محذور فيه ، وليست مندرجة فيما أريد من النهي عن التطوّع في وقت الفريضة ، كما ستعرف تحقيقه.

وبهذا ظهر لك أنّ ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في غاية الجودة والمتانة ، ولا يتوجّه عليه شي‌ء من مثل هذه الخدشات ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح ان شاء

__________________

(١) راجع ص ٢٤٥.

٢٤٧

الله عند البحث عن جواز التطوّع في وقت الفريضة.

ويؤيّده الأخبار (١) الناطقة بأنّ المفيض من عرفات إذا صلّى المغرب في المزدلفة يؤخّر النافلة إلى ما بعد العشاء ، بل قد يستدلّ له بهذه الأخبار.

وفيه نظر ؛ إذ لم يعلم انحصار وجهه بخروج وقت النافلة.

وأمّا ما في المدارك من الاستدلال لعدم خروج وقتها بسقوط الشفق : بما في صحيحة (٢) أبان من حكاية فعل الإمام عليه‌السلام (٣) ، ففيه : أنّه حكاية فعل لم يعرف زمانه ولا وجهه.

فالأظهر ما هو المشهور من أنّ وقتها من بعد أداء المغرب إلى سقوط الشفق.

(فإن بلغ ذلك ولم يكن صلّى النافلة أجمع ، بدأ بالفريضة) كما في المتن وجملة من كتب العلّامة على ما حكي (٤) عنها.

واستدلّ عليه في محكيّ المعتبر : بأنّ النافلة لا تزاحم غير فريضتها ؛ لما روي من أنّه «لا تطوّع في وقت فريضة» (٥) (٦).

وعن الشهيدين وغيرهما القول بأنّ من كان قد شرع في ركعتين منها ثمّ

__________________

(١) منها : ما في الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٢ ، والتهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣١ ، والاستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٩٠٠ ، والوسائل ، الباب ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ٢ و ٤.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٤٣ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٣ ، الهامش (٦).

(٤) الحاكي عنها هو الطباطبائي في رياض المسائل ٢ : ٢٢٥ ، وانظر : إرشاد الأذهان ١ : ٢٤٣ ، وتحرير الأحكام ١ : ٢٨ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٥ ، ومنتهى المطلب ٤ : ١٣٦.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٨٧ ، الهامش (٤).

(٦) المعتبر ٢ : ٥٤ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧٤.

٢٤٨

زالت الحمرة يتمّهما ، سواء كانتا الأوّليين أو الأخريين. واستدلّ لذلك بالنهي عن إبطال العمل (١) ، ولأنّ «الصلاة على ما افتتحت عليه» (٢) (٣).

وفي المدارك ـ بعد أن نقل عن الشهيد ما سمعت ، واستدلّ له بما عرفت ـ قال : وهو حسن ، وأحسن منه إتمام الأربع بالتلبّس بشي‌ء منها قبل ذهاب الشفق ، كما نقل عن ابن إدريس ، وأولى من الجميع الإتيان بالنافلة بعد المغرب متى أوقعها المكلّف ، وعدم اعتبار شي‌ء من ذلك (٤). انتهى.

أقول : ما جعله أولى من عدم اعتبار شي‌ء من ذلك مبنيّ على ما زعمه من أنّ النهي عن التطوّع في وقت الفريضة يتوجّه إلى غير الرواتب (٥) ، وقد عرفت ضعفه.

وأمّا ما حكي عن ابن إدريس فلم يعرف وجهه.

نعم ، لو اعتبر التلبّس بركعة في الوقت ، لأمكن دعوى استفادته ممّا ورد في من أدرك ركعة من الوقت من أنّه بمنزلة من أدرك الوقت كلّه (٦) ؛ فإنّها وإن وردت في الفريضة لكن لا يبعد دعوى أنّ العبرة بعموم اللّفظ ، لا بخصوصيّة المورد ، وحيث إنّ نافلة المغرب مجموعها بمنزلة صلاة واحدة في أنّ لها وقتا واحدا أمكن

__________________

(١) سورة محمّد ٤٧ : ٣٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٧ / ٧٧٦ ، و ٣٤٣ / ١٤١٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب النيّة ، ح ٢.

(٣) الذكرى ٢ : ٣٦٧ ، روض الجنان ٢ : ٤٩١ ، جامع المقاصد ٢ : ٢١ ، وحكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧٥ ، والطباطبائي في رياض المسائل ٢ : ٢٢٥.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٧٥ ، وراجع : السرائر ١ : ٢٠٢.

(٥) راجع ص ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

(٦) راجع : الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب المواقيت ، ح ٤ نقلا عن الشهيد في الذكرى ٢ : ٣٥٢ ، وانظر : صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، وصحيح مسلم ١ : ٤٢٣ / ٦٠٧.

٢٤٩

دعوى استفادته من ذلك ، لكنّها لا تخلو عن تأمّل ، وإن كان ربما يستأنس له بالموثّقة المتقدّمة (١) في نافلة الظهرين ، فليتأمّل.

وأمّا الاستدلال لما حكي عن الشهيدين من إتمام ما شرع فيه : بالنهي عن إبطال العمل ، ففيه : ما ستعرف ـ إن شاء الله ـ من اختصاص حرمة القطع بالفريضة دون النافلة ، خصوصا في مثل الفرض الذي يعارض إطلاق دليل حرمة القطع ـ بعد تسليمه ـ إطلاق النهي عن التطوّع في وقت الفريضة ، الذي مقتضاه حصول البطلان ، لا الإبطال.

اللهمّ إلّا أن يحمل هذا النهي على الكراهة ، فلا ينافي حينئذ حرمة القطع.

وأضعف من ذلك الاستدلال له بأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه ؛ إذ ليس معناه المضيّ فيما شرع فيه حتّى مع اختلال شرائطه وحصول ما ينافيه ، كما هو واضح.

نعم ، لا يبعد دعوى انصراف الأخبار الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة عن مثل الفرض خصوصا لو أتمّها مخفّفة ، فهذا القول لا يخلو عن قوّة وإن كان الأوّل أحوط بناء على حرمة التطوّع في وقت الفريضة ، ولكنّك ستعرف ضعف المبنى ، فالأمر فيه سهل ، والله العالم.

(والركعتان) المسمّيتان بالوتيرة ، اللّتان يؤتى بهما (من جلوس بعد) صلاة (العشاء) وإن جاز فيهما القيام أيضا ، بل لعلّه أفضل ، كما عرفته في محلّه ، وقتهما (يمتدّ) من بعد العشاء (بامتداد وقت الفريضة) بلا خلاف فيه على

__________________

(١) في ص ٢٤١.

٢٥٠

الظاهر ، بل عن ظاهر المعتبر وصريح غيره دعوى الإجماع عليه (١).

واستدلّ له : بإطلاق الأدلّة السالمة عن المعارض.

لكن قد يقال باعتبار البعديّة العرفيّة ؛ لأنّه المنساق من الأدلّة ، فلا تجوز صلاة العشاء ـ مثلا ـ في أوّل الوقت وتأخير الوتيرة من غير اشتغال بنافلة إلى النصف ـ مثلا ـ أو إلى الطلوع بناء على امتداد الوقت إليه إمّا مطلقا أو لدى الضرورة (٢).

أقول : مقتضى هذا الدليل كون وقتها أطول من وقت الفريضة ؛ لأنّها شرّعت بعد الفريضة ، فمقتضى إطلاق دليلها جواز الإتيان بها بعد الفريضة مطلقا وإن وقعت الفريضة في آخر وقتها.

اللهمّ إلّا أن يقال بامتداد وقت الفريضة إلى طلوع الفجر ، فعنده ينتهي وقت النافلة أيضا ؛ لحضور وقت فريضة أخرى ، فلا يكون وقتها حينئذ أطول من وقت الفريضة.

لكن بناء على ما هو المشهور ـ من انتهاء وقت الفريضة عند انتصاف الليل ـ يجب أن يتعدّى عنه وقت الوتيرة بمقتضى هذا الدليل.

وهذا خلاف ظواهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعقد إجماعهم المحكيّ ؛ حيث إنّ المتبادر من قولهم : «يمتدّ وقتهما بامتداد وقت الفريضة» : إرادة تبعيّتها له في الوقت ، وعدم كون وقتها أطول من وقت الفريضة.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤ ، منتهى المطلب ٤ : ٩٧ ، وحكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٧ : ١٩٠ ـ ١٩١ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٣.

(٢) كما في جواهر الكلام ٧ : ١٩١.

٢٥١

وما قيل من اعتبار البعديّة العرفيّة ـ مع ما فيه من منع مستنده ـ غير مجد في توجيه ما يظهر من كلماتهم من انتهاء وقتها بانتهاء وقت الفريضة ؛ فإنّ مقتضاه أنّه لو صلّى الفريضة في آخر وقتها ثمّ اشتغل بعده بالتعقيبات وغيرها من النوافل ، لا يخرج وقت الركعتين ما لم يخرج عن مسمّى البعديّة العرفيّة.

وهذا مع مخالفته لظواهر كلماتهم لا يخلو عن بعد ؛ فإنّ المنساق من أخبارها ـ كما في بعضها (١) التنبيه عليه ـ إنّما هو إرادة إيقاعها قبل المبيت كي ينام الرجل عن وتر.

وفي رواية أبي بصير ـ المتقدّمة (٢) في محلّها ـ الإشارة إلى أنّ حكمة تشريع الوتيرة قيامها مقام الوتر إن حدث بالإنسان حدث الموت ، وإن لم يحدث به حدث الموت صلّى الوتر في آخر الليل ، ولذا لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي هاتين الركعتين ؛ لعلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه لا يموت في هذه الليلة ؛ لمكان الوحي ، فلم يكن يخاف من فوت الوتر في وقتها حتّى يأتي بالوتيرة بدلا عنها ، فيظهر من ذلك أنّ وقتها إنّما هو في زمان يخاف فيه من فوت الوتر في وقتها ، وهذا لا يكون إلّا قبل حضور وقت الوتر بمقدار معتدّ به.

فالذي ينبغي أن يقال هو : أنّ المتبادر من أخبارها إرادة إيقاعها في النصف الأوّل من الليل فيما بين العشاء والمبيت الذي لا يتجاوز وقته المتعارف بين الناس بحسب الغالب عن نصف الليل ، كما يؤيّده الوجه المذكور في الرواية

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢٨ / ٦٠٤ ، علل الشرائع : ٣٣٠ (الباب ٢٦) ح ٣ و ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٤١ / ١٤١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، الأحاديث ١ و ٢ و ٤ و ٥.

(٢) في ص ١٩.

٢٥٢

حكمة لتشريعها.

ولكنّ الأمر فيها سهل بعد مشروعيّة فعلها في خارج الوقت كغيرها من النوافل ، وعدم مزاحمتها لفريضة حاضرة حتّى يطلع الفجر.

ولعلّه إلى ما أشرنا إليه ـ من ظهور الأدلّة في إرادة إيقاعها قبل المبيت ـ أشار المصنّف رحمه‌الله ـ تبعا للمحكيّ عن الشيخين وأتباعهما (١) ـ بقوله : (وينبغي أن يجعلهما خاتمة نوافله) أي نوافله التي يريد أن يأتي بها قبل أن ينام ، كنوافل شهر رمضان وغيرها ليكون نومه عن وتر ، وإلّا فالأولى أن يجعل خاتمتها الوتر بأن يأتي بنافلة الليل في وقتها ثمّ الشفع ثمّ الوتر ، ولا يتركها ، أو يخالف الترتيب الموظّف ، كما يشهد لذلك ـ مضافا إلى أخبارها الدالّة عليه ـ ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (٢) والمتبادر منها صلاة الوتر ، لا الوتيرة ، فهذه الرواية بحسب الظاهر مسوقة لبيان تأخّر مرتبة الوتر عن نافلة الليل وركعتي الشفع.

وقد فسّر في الحدائق (٣) الوتر في هذه الرواية بالوتيرة ، فجعلها دليلا لما سمعته عن الشيخين ، مع أنّه لا مقتضي لصرف الرواية عن ظاهرها ، فكأنّ الذي أوقعه في ذلك وضوح كون الوتر متأخّرة في الرتبة عن نوافل الليل ، فلم يخطر بذهنه إرادة هذا المعنى ، وأنت خبير بأنّ وضوح كونها كذلك إنّما نشأ من الأخبار

__________________

(١) المقنعة : ١١٨ و ١٦٦ ، النهاية : ٦٠ و ١١٩ ، المبسوط ١ : ٧٦ و ١٣٣ ، الكافي في الفقه :١٥٩ ، المراسم : ٨٢ ، المهذّب ١ : ١٤٥ ، وحكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٣ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٤ / ١٠٨٧ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٢٤.

٢٥٣

الواردة فيها التي منها هذه الرواية ، فلا داعي لارتكاب التأويل فيها ، والله العالم.

(و) وقت (صلاة الليل بعد انتصافه ، وكلّما قرب من الفجر كان أفضل) كما في المتن وغيره (١) ، بل عن المعتبر والمنتهى دعوى إجماع علمائنا عليه (٢).

ويدلّ على الحكم الأوّل جملة من الأخبار :

منها : صحيحة فضيل عن أحدهما عليهما‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة» (٣).

ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه فلم يصلّ شيئا حتّى ينتصف الليل» (٤).

ونحوهما أخبار مستفيضة حاكية لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد تقدّم (٥) بعضها عند تعداد النوافل ، وبعضها عند البحث عن وقت نافلة الظهرين (٦).

لكن لا يستفاد من مثل هذه الأخبار إلّا أنّ ما بعد الانتصاف وقت لها ، وأمّا قبله ليس بوقت فلا ؛ لأنّ من الجائز أن يكون تأخير النبيّ والوصي عليهما‌السلام إلى

__________________

(١) مسائل الناصريّات : ١٩٨ ، المسألة ٧٦ ، الخلاف ١ : ٥٣٣ ، المسألة ٢٧٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤ ، منتهى المطلب ٤ : ٩٧ ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١١٧ / ٤٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ / ١٠١٢ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٧٨ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٥) في ص ٢١.

(٦) تقدّم في ص ٢٣٦.

٢٥٤

النصف لإيقاعها في وقت فضيلتها ، فلا يدلّ ذلك على عدم مشروعيّتها قبل ذلك.

نعم ، يمكن الاستدلال لذلك ـ مضافا إلى الأصل ، ونقل الإجماع المعتضد بالشهرة ـ بمرسلة الصدوق ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» (١).

وضعفها مجبور بما سمعت ، مع اعتضادها بالمستفيضة الحاكية لفعل الحجج عليهم‌السلام ؛ فإنّها لا تخلو عن إشعار بذلك ، خصوصا بملاحظة تكاثرها وتظافرها وورود جملة منها في مقام بيان النوافل على حسب ما جرت به السنّة ، بل لا يبعد أن يدّعى أنّها بهذه الملاحظة تدلّ على المدّعى ، ويؤيّدها أيضا بعض الأخبار الآتية.

وأمّا الحكم الثاني : فلم يرد في شي‌ء من الأخبار التي وصلت إلينا تصريح به بعنوانه الكلّي ، لكن يكفي في إثباته فتوى الأصحاب ونقل إجماعهم عليه بعد كون المقام مقام المسامحة ، مع إمكان استفادته من الأخبار الدالّة على أنّها في آخر الليل أفضل.

ففي رواية أبي بصير ، المتقدّمة (٢) في صدر الكتاب عند تعداد النوافل ، قال :«وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل».

وفي غير واحد من الأخبار الأمر بإيقاعها في آخر الليل. وفي بعضها التحديد بالثلث الباقي.

كصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٧٩ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٢) في ص ٢٢.

٢٥٥

عن ساعات الوتر ، قال : «أحبّها إليّ الفجر الأوّل» وسألته عن أفضل ساعات الليل ، قال : «الثلث الباقي» وسألته عن الوتر بعد الصبح (١) ، قال : «نعم ، قد كان أبي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح» (٢).

وخبر مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : متي أصلّي صلاة الليل؟قال : «صلّها آخر الليل» قال : قلت : فإنّي لا أستنبه ، قال «تستنبه مرّة فتصلّيها وتنام فتقضيها ، فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت» (٣).

وفي هذه الرواية ـ كنظائرها ممّا ستسمعها ـ شهادة بأنّ أوّل الليل ليس وقتا لها ، وإلّا لم يكن يأمره بالتأخير والقضاء في خارج الوقت.

ولكنّك ستعرف ما في هذه الشهادة من النظر.

وفي موثّقة سليمان بن خالد ، الواردة في بيان عدد النوافل : «وثمان ركعات من آخر الليل» (٤).

وفي خبر الفضل بن شاذان : «وثمان ركعات في السحر ، والشفع والوتر» (٥).

وفي خبر الأعمش : «وثمان ركعات في السحر» (٦).

إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبّع ممّا ورد فيه تحديد وقتها

__________________

(١) في التهذيب : «بعد فجر الصبح».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٤٠١ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢ ، والباب ٥٤ من تلك الأبواب ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٥ / ١٣٨٢ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ١٥ ، الهامش (١).

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٥ ، الهامش (٣).

(٦) تقدّم تخريجه في ص ١٦ ، الهامش (١).

٢٥٦

أو الأمر بفعلها في السحر أو في آخر الليل ، فإنّها محمولة على الأفضليّة ؛ جمعا بينها وبين غيرها ممّا دلّ على جواز فعلها بعد الانتصاف ، كما يشهد له ـ مضافا إلى أنّه هو الذي يقتضيه الجمع بين الروايات ـ رواية أبي بصير ، المتقدّمة (١) ، فيستفاد من هذه الأخبار أنّ آخر الليل أفضل.

ولا يبعد أن يدّعى أنّه يستنبط من ذلك ـ بمساعدة الفهم العرفي بواسطة بعض المناسبات المغروسة في الذهن ، خصوصا بملاحظة ما في هذه الروايات من الاختلاف وكون آخر الليل مقولا بالتشكيك ـ القاعدة الكلّيّة المذكورة في المتن ، ـ التي ادّعي عليها الإجماع ـ من أنّه كلّما قرب من الفجر كان أفضل ، كما يؤيّده فهم الأصحاب واستشهادهم بهذه الأخبار للمدّعى.

ويدلّ على استحباب خصوص الوتر من صلاة الليل فيما يقرب من الفجر جملة من الأخبار :

منها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أفضل ساعات الوتر ، فقال : «الفجر الأوّل (٢) ذلك» (٣).

ورواية إسماعيل بن سعد ، المتقدّمة (٤).

وما عن الشهيد رحمه‌الله في الذكرى ، قال : روى ابن أبي قرّة عن زرارة أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الوتر أوّل الليل ، فلم يجبه ، فلمّا كان بين الصبحين

__________________

(١) في ص ٢٢.

(٢) في المصدر : «أوّل».

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٨ / ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣٦ / ١٣٨٨ ، الوسائل ، الباب ٥٤ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٤) في ص ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

٢٥٧

خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى المسجد فنادى «أين السائل عن الوتر؟ ـ ثلاث مرّات ـ نعم ساعة الوتر هذه» ثمّ قام فأوتر (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار التي ستسمع بعضها.

والظاهر أنّ المراد بالوتر ما يعمّ ركعتي الشفع ؛ لشيوع استعماله في الأخبار في ذلك.

ويؤيّده بعض الأخبار الآتية الحاكية لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي المدارك : ولو قيل باستحباب تأخير الوتر خاصّة إلى أن يقرب الفجر دون الثمان ركعات ـ كما تدلّ عليه صحيحة إسماعيل بن سعد ، المتقدّمة ـ كان وجها قويّا.

ويؤيّده ما رواه عمر بن يزيد ـ في الصحيح ـ أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :«إنّ في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلّي ويدعو الله فيها إلّا استجاب له في كلّ ليلة» قلت : فأصلحك الله فأيّة ساعة من الليل؟ قال : «إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي» (٢) (٣) انتهى.

وربما ذكر من مؤيّدات هذا القول أيضا : خبر الحسين بن عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب «عند زوال الليل ـ وهو نصفه ـ أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز» (٤).

__________________

(١) الذكري ٢ : ٣٧٣ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٥٤ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٧ / ٤٤١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الدعاء ، ح ١.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٧٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٢ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٣.

٢٥٨

وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بصلاة الليل من أوّل الليل إلى آخره إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل» (١).

أقول : أمّا الرواية الأخيرة : فيحتمل قويّا أن يكون المراد بها كون ما بعد الانتصاف أفضل ممّا قبله ، وظاهرها كون مجموع الليل وقتا لصلاتها ، وسيأتي الكلام فيه.

وأمّا المكاتبة : فهي ـ مع ضعف سندها وإضمارها ـ معارضة بالمستفيضة المتقدّمة حيث إنّ ظاهرها كون زوال الليل أفضل أوقات صلاة الليل مطلقا ، فلا ينبغي الالتفات إليها بعد مخالفتها لفتاوي الأصحاب ومعارضتها بما سمعت.

نعم ، ربّما يؤيّد هذا التفصيل ـ أي استحباب تأخير خصوص الوتر بمعناه الأعمّ من الشفع إلى قريب الفجر ـ بعض الأخبار الحاكية لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كصحيحة معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ـ وذكر صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال ـ : «كان يؤتى بطهور فيخمّر (٢) عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثمّ ينام ما شاء الله ، فإذا استيقظ جلس ثمّ قلّب بصره في السماء ثمّ تلا الآيات من آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) الآية ، ثمّ يستنّ ويتطهّر ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءته ركوعه ، وسجوده على قدر ركوعه ، يركع حتّى يقال : متى يرفع رأسه؟ ويسجد حتّى يقال : متى يرفع رأسه؟ ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٤ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٩.

(٢) التخمير : التغطية. ومنه : ركو مخمّر. أي : مغطّى. مجمع البحرين ٣ : ٢٩٢ «خمر».

(٣) آل عمران ٣ : ١٩٠.

٢٥٩

عمران ويقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ ويتطهّر ويقوم إلى المسجد فيصلّي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ ويتطهّر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلّي الركعتين ثمّ يخرج إلى الصلاة» (١).

ومعنى «يستنّ» : «يستاك».

وصحيحة الحلبي أو حسنته ـ المرويّة عن الكافي ، الحاكية لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمّرا فيرقد ما شاء الله ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ثمّ يرقد فيقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ثمّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين» ثمّ قال : «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» قلت : متى يقوم؟ قال :«بعد ثلث الليل» (٢).

وقال الكليني رضي‌الله‌عنه : وفي حديث آخر : «بعد نصف الليل» (٣).

أقول : قد ورد في أخبار (٤) مستفيضة : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يصلّي حتّى ينتصف الليل ، فلعلّه كان يقوم بعد الثلث ، ولكنّه يؤخّر صلاته إلى النصف.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٤ / ١٣٧٧ ، الوسائل ، الباب ٥٣ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٥ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ٥٣ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٥ ، ذيل ح ١٣ ، الوسائل ، الباب ٥٣ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٤) منها ما في الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٨ ، و ٣٠٢ / ١٣٧٨ ، والتهذيب ٢ : ١١٨ / ٤٤٣ ، والاستبصار ١ : ٢٧٩ / ١٠١٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٦ ، والباب ٤٣ من أبواب المواقيت ، ح ١ و ٤.

٢٦٠