مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

هذه الصورة.

وربما يستظهر ذلك من صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ الواردة في بيان عدد النوافل ـ قال عليه‌السلام : «وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها : الوتر ، ومنها : ركعتا الفجر» (١).

وفيه : ما أشرنا إليه من ورودها في مقام بيان حكم آخر ، فلا يصحّ التمسّك بإطلاقها لإثبات جواز الركعتين بعد النصف مطلقا.

وأضعف من ذلك : الاستدلال له بما دلّ على أنّهما من صلاة الليل (٢).

نعم ، في جملة من الأخبار الأمر بفعلهما قبل الفجر أو تحديد وقتهما بذلك أو الرخصة في ذلك ، لكنّ المتبادر من مثل هذه الأخبار ليس إلّا إرادتهما في آخر الليل خصوصا مع معروفيّة إضافتهما إلى الفجر.

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : «قبل الفجر ، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (٣).

أقول : المقصود بالقياس التنظير ، لا الاستدلال.

ويحتمل إرادة تعليم زرارة كيفيّة المجادلة مع العامّة في إبطال قياسهم

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٣ ، الهامش (١).

(٢) راجع : الهامش (٤) من ص ٣٠٠.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣١ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

٣٠١

للركعتين بنافلة الظهرين بالنقض بالصوم.

وحسنة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الركعتان اللّتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال : «قبل طلوع الفجر ، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» (١).

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية.

وغاية ما يمكن استفادته من مثل هذه الأخبار إنّما هو جواز الإتيان بهما بعد الفجر الأوّل ، وأمّا قبله فلا ؛ لانصرافها عمّا قبل الفجر الأوّل.

نعم ، يظهر من خبر محمّد بن مسلم أنّ وقتهما السدس الأخير من الليل.

قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أوّل وقت ركعتي الفجر ، فقال : «سدس الليل الباقي» (٢).

وربما يستشهد بهذه الرواية للقول بأنّ وقتهما بعد طلوع الفجر الأوّل ، بدعوى مساواة السدس للفجر الكاذب.

وفيه نظر.

وكيف كان فيظهر من هذه الأخبار أنّ وقتهما إنّما هو قبل الفجر.

ولا يعارضها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :«صلّهما بعد ما يطلع الفجر» (٣) وصحيحة يعقوب بن سالم البزّاز ، قال : قال

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٨ / ٢٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٢ / ٥٠٩ ، و ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ١٣٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / ١٠٢٧ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٣ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٤٠ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

٣٠٢

أبو عبد الله عليه‌السلام : «صلّهما بعد الفجر ، واقرأ فيهما فى الأولى قل يا أيّها الكافرون ، وفي الثانية قل هو الله أحد» (١) لقصور الصحيحتين ـ بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرهما ، وموافقتهما للعامّة على ما قيل (٢) ، ويشهد له الرواية الآتية ـ عن مكافئة الأخبار المستفيضة المعمول بها عند الأصحاب ، التي هي نصّ في جواز تقديمهما على الفجر.

ولذا حمل غير واحد الفجر في الروايتين على الفجر الأوّل ؛ نظرا إلى أنّ حمله على الفجر الثاني ـ كما هو المتبادر من إطلاقه ـ يستلزم إمّا حمل الروايتين على التقيّة ، أو حمل الأمر بفعلهما بعد الفجر على الرخصة ، والثاني تأويل بعيد ، والأوّل ممّا لا يصار إليه مع إمكان الجمع بين الروايات.

وفيه : أنّ حمل الفجر المطلق على الفجر الكاذب من أبعد التصرّفات ، وأقربها الحمل على التقيّة ؛ فإنّ الحمل على التقيّة في حدّ ذاته وإن كان من التصرّفات البعيدة لكن ربما يشهد له رواية أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :متى أصلّي ركعتي الفجر؟ قال : فقال لي : «بعد طلوع الفجر» قلت له : إنّ أبا جعفر عليه‌السلام أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر ، فقال : «يا أبا محمّد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ ، وأتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة» (٣).

ولا يبعد حملهما على الرخصة أيضا بشهادة الأخبار الآتية ، كما ستعرف.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٣٨ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٢) راجع : ذخيرة المعاد : ٢٠١ ، ورياض المسائل ٢ : ١٩٩.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٣ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

٣٠٣

وقد ظهر بما ذكرنا أنّ القول بجواز تقديمهما على الفجر الأوّل أو السدس الباقي على إطلاقه لا يخلو عن إشكال ، وأنّ القدر المتيقّن الذي يمكن استفادته من النصوص والفتاوى إنّما هو جوازه مع صلاة الليل.

(و) متى قدّمهما على الفجر الأوّل مع صلاة الليل أو بدونها إن قلنا بجوازه فـ (الأفضل إعادتهما بعده) كما نقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب (١) ؛ لصحيحة حمّاد قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «ربما صلّيتهما وعليّ ليل ، فإن نمت (٢) ولم يطلع الفجر أعدتهما» (٣).

وعن بعض النسخ : «فإن قمت» بالقاف مكان النون (٤).

وموثّقة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّي لأصلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلّي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (٥).

وربما يظهر من غير واحد من المتأخّرين : اختصاص استحباب الإعادة بما إذا نام بعد الركعتين ؛ اقتصارا على مورد الروايتين.

أقول : وهذا هو الظاهر من الصحيحة الأولى إن كانت الشرطيّة الواقعة فيها

__________________

(١) حكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٨٥ ، وكما في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٢ ، وانظر :المبسوط ١ : ١٣٢ ، والبيان : ١١١ ، والدروس ١ : ١٤١.

(٢) في المصادر : «قمت» بدل «نمت».

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٤ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٤) حكاه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٥ ـ ١٣٦ / ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٥ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

٣٠٤

«فإن نمت» بالنون ، بل ظاهرها على هذا التقدير اشتراط احتسابهما نافلة الفجر بأن لا يتخلّل بينهما وبين الفجر الفصل بالنوم ، وحيث تعذّر حمله على شرط الصحّة فليحمل على كونه شرطا للكمال.

وإن كانت بالقاف ، فالمراد بها ـ بحسب الظاهر ـ هو القيام من النوم ، فحالها حينئذ حال الصحيحة الثانية ، والمنساق إلى الذهن من هذه الصحيحة إنّما هو إرادة الإعادة في وقت فضيلتهما لدى التمكّن من ذلك بالانتباه من النوم ، فذكر النوم والاستيقاظ ـ بحسب الظاهر ـ للجري مجرى العادة ، فالقول باستحباب إعادتهما مطلقا ـ كما في المتن وغيره ـ لا يخلو عن قوّة.

ثمّ إنّ المتبادر من الفجر في الروايتين ـ كغيرهما من أخبار الباب ـ إنّما هو الفجر الصادق ، فتخصيص الإعادة بما لو وقعت الركعتان قبل الفجر الأوّل مع عدم وقوع التصريح بذلك في شي‌ء منهما إنّما هو لظهورهما في إرادتها على تقدير عدم وقوع الركعتين في أواخر الليل ، وحصول الفصل الطويل بينهما وبين الفجر الذي يضاف إليه الركعتان ، فلا يفهم منهما جواز الإعادة فيما إذا لم يتخلّل بينهما الفصل المعتدّ به بأن وقعتا بعد الفجر الأوّل.

نعم ، بناء على كون الشرطيّة في الصحيحة الأولى «فإن نمت» فظاهرها سببيّة النوم قبل الفجر للإعادة مطلقا ، لكن لم يثبت كونها كذلك.

ويحتمل على تقدير كونها بالقاف أن يكون المراد بها القيام من الصلاة ، أي الفراغ منها ، فيكون المقصود بالرواية بيان أنّه عليه‌السلام ربما كان يصلّيهما قبل الفجر ، فإن فرغ منهما وقد طلع الفجر فهو ، وإلّا كان يعيدهما ، فيستفاد منها على هذا

٣٠٥

التقدير أنّ الفضل في إيقاعهما على وجه لم يحصل الفراغ منهما قبل طلوع الفجر.

وكيف كان فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه للمدّعى إنّما هي الرواية الثانية ، وهي تدلّ على جواز البدأة بالركعتين عند طلوع الفجر ، كما يدلّ عليه بالصراحة جملة من الروايات :

منها : ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ركعتي الفجر متى أصلّيهما؟ فقال : «قبل الفجر ومعه وبعده» (١).

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول :«صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده» (٢).

وعنه أيضا قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ركعتي الفجر ، فقال : «صلّهما قبل الفجر ومع الفجر وبعد الفجر» (٣).

وعنه أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : «صلّهما مع الفجر وقبله وبعده» (٤).

وعن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين اللّتين قبيل الفجر ، قال : «قبيل الفجر ومعه وبعده» قلت : فمتى أدعهما حتّى أقضيهما؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥١٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٣٦ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٣٥ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢٢ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٣٩ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٣٧ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

٣٠٦

«إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة» (١).

وعن الصدوق مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : «صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده ، تقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد» (٢).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار الآتية التي هي نصّ في جواز الإتيان بهما بعد طلوع الفجر الصادق قبل الفريضة.

وقد حمل في الحدائق الفجر ـ في جميع الأخبار المتقدّمة ـ على الفجر الكاذب ، وحمل الأخبار الآتية ـ التي هي صريحة في إرادة الفجر الثاني ـ على التقيّة ؛ لزعمه انتهاء وقت الركعتين عند طلوع الفجر الثاني ، وفاقا لابن الجنيد ـ على ما تقدّمت (٣) حكايته عنه ـ مستشهدا لذلك بالأخبار الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة ، وخصوص صحيحة زرارة وحسنته المتقدّمتين (٤) الدالّتين على أنّ الركعتين من صلاة الليل ، وموضعهما قبل طلوع الفجر ، وعند طلوع الفجر يبدأ بالفريضة ، مؤيّدا له بالأخبار المتقدّمة (٥) الآمرة بإدخالهما في صلاة الليل ، وأنّ أوّل وقتهما سدس الليل الباقي (٦) ، وما دلّ على أنّهما من صلاة الليل ، التي لا خلاف في أنّ وقتها قبل الفجر الثاني ـ كموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : ركعتا

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٨ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٣ / ١٤٢٢ ، وفيه : «بعيده». الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٣) في ص ٢٩٩.

(٤) في ص ٣٠١ و ٣٠٢.

(٥) في ص ٢٩٩ و ٣٠٠.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٢ ، الهامش (٢).

٣٠٧

الفجر من صلاة الليل هي؟ قال : «نعم» (١) وقوله عليه‌السلام في خبر مفضّل بن عمر ـ المتقدّم (٢) عند البحث عن جواز إتيان نافلة الليل بعد الفجر ـ : «وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ، ولا تصلّ غيرها» ـ فجعل هذه الأخبار شاهدة على إرادة الفجر الأوّل من الأخبار المتقدّمة.

واستشهد لتنزيل الأخبار التي هي نصّ في إرادة الفجر الثاني على التقيّة :برواية أبي بصير ، المتقدّمة (٣) الدالّة على أنّ أمر الصادق عليه‌السلام بفعلهما بعد الفجر جار مجرى التقيّة (٤).

وفيه : أنّ رواية أبي بصير وقع فيها السؤال عن وقت الركعتين ، فقوله عليه‌السلام :«بعد طلوع الفجر» بمنزلة ما لو قال : إنّ وقت ركعتي الفجر بعد طلوعه ، وهذا مخالف لجميع الأخبار المتقدّمة ، عدا صحيحتي ابن الحجّاج ويعقوب بن سالم ، المتقدّمتين (٥) اللّتين أمر فيهما الصادق عليه‌السلام بفعلهما بعد الفجر ، ولفتوى أصحابنا ، وموافق لمذهب جمهور العامّة على ما حكي (٦) عنهم ، فلو لا تصريح الصادق عليه‌السلام بصدوره تقيّة لكنّا نحمله أيضا عليها بمقتضى القواعد الواصلة إلينا منهم عليهم‌السلام.

نظير رواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : متى

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٢ ـ ١٣٣ / ٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٠ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٢) في ص ٢٨٠.

(٣) في ص ٣٠٣.

(٤) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٤١ ـ ٢٤٣ و ٢٤٥.

(٥) في ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٦) لا حظ الحدائق الناضرة ٦ : ٢٤٥.

٣٠٨

أصلّي ركعتي الفجر؟ قال : «حين يعترض الفجر ، وهو الذي تسمّيه العرب الصديع» (١).

وأمّا الأخبار المستفيضة المتقدّمة (٢) الدالّة على أنّ وقتها أعمّ من ذلك وأنّه قبل الفجر ومعه وبعده ، المعتضدة بموافقة المشهور ومخالفة المجمهور ، وكذا الأخبار الآتية الدالّة على جوازها بعد الفجر ، فلا مقتضي لتأويلها أو حملها على التقيّة التي هي من أبعد التصرّفات ، خصوصا في مثل هذه الأخبار الكثيرة التي ليس في شي‌ء منها إشعار بذلك ، مع مخالفة الطائفة الأولى منها ـ الدالّة على أعمّيّة الوقت ـ للعامّة ، وصدور غير واحد منها من أبي جعفر عليه‌السلام الذي كان يفتي في هذه المسألة بالحكم الواقعي ، كما وقع التصريح بذلك في رواية أبي بصير ، المتقدّمة (٣).

وحمل الفجر في تلك الأخبار على الفجر الكاذب في غاية البعد ، بل بعضها ـ كرواية إسحاق ـ نصّ في خلافه.

وليس شي‌ء ممّا ذكره صالحا لمعارضة هذه الأخبار التي هي ما بين صريح أو كالصريح في امتداد وقتهما إلى ما بعد الفجر.

أمّا ما عدا روايتي زرارة وخبر المفضّل : فواضح ؛ إذ غاية مفادها الظهور في المدّعي ، وهو لا يعارض النصّ أو الأظهر ، كما أنّ العمومات الناهية عن التطوّع لا تعارض الخاصّ.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٧ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

(٢) في ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٣) في ص ٣٠٣.

٣٠٩

وخبر المفضّل أيضا قابل لأن يحمل على إرادة البدأة بالفريضة في مقابل نافلة الليل ، لا الركعتين ، كما عرفته فيما تقدّم.

وأمّا خبرا زرارة : فيمكن حملهما على إرادة وقت الفضيلة.

أمّا حسنته : فواضح.

وأمّا صحيحته وإن كان قد يتراءى تعذّر ارتكاب هذا التأويل فيها ؛ لقوّة ظهورها في انحصار وقتهما بما قبل الفجر بملاحظة ما وقع فيها من التأكيدات البليغة التي ربما تجعلها كالنصّ في ذلك ، لكن قد يقرّبه ما ستسمعه من أنّ الأقوى عدم حرمة التطوّع في وقت الفريضة ، فلا يبعد أن يكون المقصود بهذه المبالغات بيان أنّ ما قبل الفجر هو الوقت الذي ينبغي اتّخاذه وقتا لهما حتّى يبتدأ بالفريضة في أوّل وقتها ، تعريضا على العامّة القائلين بأنّ وقتهما بعد الفجر ، كما يؤيّد ذلك ما في الرواية من استعمال القياس.

والحاصل : أنّ ارتكاب التأويل في هذه الصحيحة ليس بأبعد من ارتكاب التأويل في مثل قوله عليه‌السلام : «صلّ قبل الفجر وبعده وعنده» (١) بحمله على الفجر الكاذب ، كما لا يخفى على من راجع العرف.

ولو سلّم عدم قبولها للتأويل ، فالمتعيّن ردّ علمها إلى أهله بعد إعراض المشهور عنها ، ومعارضتها بالمعتبرة المستفيضة ، فلا ينبغي الارتياب في بقاء وقتهما بعد طلوع الفجر في الجملة.

(و) الأظهر أنّه (يمتدّ وقتهما حتّى تطلع الحمرة) كما عن المشهور (٢) ،

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٦ ، الهامش (٢).

(٢) نسبه إلى المشهور العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٨٦ ، وكذا صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٦٢ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٤٠.

٣١٠

بل عن السرائر وظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ مرسلة إسحاق بن عمّار عنه عليه‌السلام ، قال :«صلّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك ، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر» (٢) إذ الظاهر مقارنة صيرورة الضوء كذلك لطلوع الحمرة.

وما احتمله بعض (٣) من إرادة الفجر الكاذب بالضوء ؛ لأنّه هو الذي يحاذي الرأس ، ففيه : ما لا يخفى بعد ورود الأمر بالبدأة بالفريضة بعده.

ويدلّ على انتهاء وقتهما عند طلوع الحمرة صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يصلّي الغداة حتّى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : «يؤخّرهما» (٤).

ولا ينافيها رواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :الرجل يقوم وقد نوّر بالغداة ، قال : «فليصلّ السجدتين اللّتين قبل الغداة ثمّ ليصلّ الغداة» (٥) لجواز أن يكون المراد بالتنوير إضاءة الصبح واستبانته ، لا ما لا يتحقّق إلّا بعد ظهور الحمرة.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٩٦ ، الغنية : ٧٢ ، وحكاه عنهما الطباطبائي في رياض المسائل ٢ : ٢٠٠ ، وصاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٣٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥ / ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٤١ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٣) راجع : جواهر الكلام ٧ : ٢٣٥ و ٢٣٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٩ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٤٠٢ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

٣١١

ثمّ إنّ مقتضى امتداد وقتهما إلى طلوع الحمرة : مزاحمتهما للفريضة عند تضيّق وقت فضيلتها بناء على انتهاء وقت فضيلة الصبح عند طلوع الحمرة ، كما هو المشهور.

وهو لا يخلو عن إشكال ، كما ستعرفه عند التكلّم في جواز التطوّع في وقت الفريضة ، ولذا خصّصه بعض (١) بما عدا مقدار أداء الفريضة. وهو وجيه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه ليس في شي‌ء من الأخبار تحديد آخر وقت الركعتين بطلوع الحمرة ، ولا تحديد وقت فضيلة الصبح بذلك ، بل المدار على ما يستفاد من الأخبار في تحديد آخر وقت الفضيلة بأن يتجلّل الصبح السماء ويضي‌ء العالم ، كما تقدّمت الإشارة إليه في محلّه.

وأمّا الركعتان : فآخر وقتهما صيرورة الضوء محاذيا للرأس أو في وسط السماء ، كما دلّت عليه المرسلة المتقدّمة (٢) ، فهذا أخصّ من وقت الفضيلة ، فلا محذور.

ولعلّ ما في كلمات الأصحاب من جعل طلوع الحمرة حدّا لكليهما مع خلوّ الأخبار عن ذلك مبنيّ على التقريب ، والله العالم.

تنبيه : حكي عن الشهيد في الذكرى الميل إلى امتداد وقتهما بامتداد وقت الفريضة (٣) ؛لرواية سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين قبل

__________________

(١) مستند الشيعة ٤ : ٨٨.

(٢) في ص ٣١١.

(٣) الذكرى ٢ : ٣٧٩ ، وكما في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٢.

٣١٢

الفجر ، قال : «تركعهما حين تترك الغداة؟ إنّهما قبل الغداة» (١).

هكذا روي عن الشيخ في نسخة الوسائل التي يظنّ بصحّتها.

لكن حكي عن الذكرى أنّه قال : بخطّ الشيخ : «تركعهما حين تزول (٢) الغداة؟ إنّهما قبل الغداة». ثمّ قال : وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها ، وهو ليس ببعيد (٣). انتهى.

فكأنّه فهم من الرواية أنّ المراد بها بيان أنّهما قبل الغداة ، لا قبل الفجر ، فيؤتي بهما في الوقت الذي يزول بزواله الغداة ، يعني ما دام وقت الغداة باقيا.

وفي نسخة الحدائق ، الموجودة عندي : «حين تركع الغداة» (٤) بدل «تترك» فعلى هذا أوضح في الدلالة على المدّعي ، لكن حملها صاحب الحدائق على الاستفهام الإنكاري ليلائم قوله : «إنّهما قبل الغداة» فجعلها دليلا على مختاره من خروج وقتهما عند طلوع الفجر الثاني (٥).

وفيه ما لا يخفي.

ويحتمل على تقدير كونها «حين تترك» ـ كما في الوسائل ـ أن يكون المقصود بها بيان الرخصة في فعلها بعد طلوع الفجر مطلقا مادام كونه تاركا للفريضة لانتظار جماعة ونحوها ، فعلى هذا التقدير أيضا يدلّ على ما ذكره

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٢ ، وفيه : «حين تنوّر الغداة». الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ٢ و ٣.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر والجواهر : «تترك» بدل «تزول».

(٣) الذكرى ٢ : ٣٧٩ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٣٩.

(٤) وكذا في نسختنا من الحدائق ، المعتمدة في التحقيق.

(٥) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٢.

٣١٣

الشهيد ، لكن نقل متن الرواية عن غير خطّ الشيخ «تتركهما» (١) بدل «تركعهما» فإن كان ما بعده «حين تركع الغداة» فظاهرها عكس ما ذكره الشهيد ، بخلاف ما لو كان «تترك» : أو «تزول».

وفي الجواهر عمّا حضره من نسخة الوافي أنّه حكاها عن خطّ الشيخ بدل «تترك» : «تنزل» وقال (٢) في تفسيره : يعني ابتداء نزولها ؛ لأنّها قبل صلاة الغداة (٣).

أقول : فظاهرها على هذا التقدير أنّ وقتهما عند طلوع الفجر. وعلى تقدير أن يكون صدرها «تتركهما» بدل «تركعهما» كما عن غير خطّ الشيخ ، فيحتمل قويّا أن يكون المراد بنزول وقت الغداة حضور وقتها الفعلي الذي يقول فيه المؤذّن :«قد قامت الصلاة» كما في رواية إسحاق بن عمّار ، المتقدّمة (٤) التصريح بأنّه يدعهما في هذا الحين.

وعن الذخيرة أنّه نقلها هكذا : «تركعهما حين تنوّر الغداة» (٥).

أقول : فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بتنوّر الصبح استبانته وإضاءته حسنا ، أي أوّل طلوع الفجر الصادق ، وأن يكون المراد إسفاره.

وكيف كان فلا يصحّ الاعتماد على مثل هذه الرواية في إثبات شي‌ء ممّا ذكر بعد أن وقع فيها ما سمعته من الاختلاف ، فليتأمّل.

(ويجوز أن تقضي الفرائض الخمس في كلّ وقت ما لم يتضيّق

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٣٧٩.

(٢) أي : صاحب الوافي.

(٣) جواهر الكلام ٧ : ٢٣٩ ، وانظر : الوافي ٧ : ٣١٦ ، ذيل ح ٥٩٩٦ ـ ١٨.

(٤) في ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢٠١ ، وحكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢٤٠.

٣١٤

وقت) الفريضة (الحاضرة) إجماعا كما ادّعاه غير واحد.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميّت ، هذه يصلّيهنّ الرجل في الساعات كلّها» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، والجنازة» (٢).

(وكذا يصلّى بقيّة الصلوات المفروضات) لوجود المقتضي وعدم المانع.

وأمّا عند تضيّق وقت الحاضرة فيختصّ الوقت بها ، ولا يزاحمها غيرها في ذلك الوقت.

أمّا إن كان ذلك الغير واجبا موسّعا : فوجهه واضح.

وإن كان مضيّقا : فيتّضح وجهه في محلّه إن شاء الله.

(ويصلّى النوافل ما لم يدخل وقت فريضة ، وكذا قضاؤها) بلا خلاف ولا إشكال.

وأمّا إذا دخل وقت الفريضة ، فهل تجوز النافلة ابتداء أو قضاء عن راتبة ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

٣١٥

أم لا؟ ففيه خلاف.

فعن الشيخين وكثير من القدماء والمتأخّرين : القول بالمنع (١) ، بل عن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر التصريح بذلك ونسبته إلى علمائنا (٢).

وعن الشهيد وغير واحد ممّن تأخّر عنه القول بالجواز (٣) ، بل عن الدروس أنّه الأشهر (٤).

حجّة المانعين أخبار كثيرة.

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : «قبل الفجر ، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (٥).

وصحيحته الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، فقال : «يقضيها إذا ذكرها» إلى أن قال :«ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (٦).

__________________

(١) المقنعة : ١٤١ ، النهاية : ٦٢ ، المبسوط ١ : ٧٦ ، وحكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٥ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٥.

(٣) الذكرى ٢ : ٤٠٢ ، مدارك الأحكام ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٩٧ ، مفتاح ١١٠ ذخيرة المعاد : ٢٠٢ ، وغيرها كما في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٦.

(٤) الدروس ١ : ١٤٢ ، وحكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٦٦.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٣٠١ ، الهامش (٣).

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٥ ، و ٢٦٦ / ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٦ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

٣١٦

وهذه الصحيحة تدلّ على عدم جواز التطوّع عند اشتغال الذمّة بفريضة ولو قضاء فضلا عمّا لو دخل وقت فريضة حاضرة ، فليتأمّل.

وصحيحة ثالثة له أيضا رواها في محكيّ الذكرى (١) سيأتي (٢) نقلها كملا ـ إن شاء الله تعالى ـ في المسألة الآتية ، وفيها : «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة».

وصحيحة رابعة له نقلها الشهيد الثاني في محكيّ الروض ، والسيّد في المدارك ، وشيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام :أصلّي النافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : «لا ، إنّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوّع حتّي تقضيه؟» قال : قلت : لا ، قال : «فكذلك الصلاة» قال : فقايسني وما كان يقايسني (٣).

وهذه الصحيحة على ما يظهر من الحدائق (٤) وغيره (٥) ممّا لم توجد في الكتب الأربعة ولا في غيرها من كتب الأخبار ، وإنّما نقلها الشهيد في الروض وأخذها منه من تأخّر عنه ، فيحتمل قويّا كونها نقلا لمضمون الصحيحة الأولى ، وعلى تقدير كونها رواية أخرى يشكل الاعتماد عليها وإن وصفوها بالصحّة ، فإنّها بالنسبة إلينا كرواية مرسلة لم نعرف مأخذها ولا الوسائط التي وصلت الرواية

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٤٢٢ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٢) في ص ٣٣٨.

(٣) روض الجنان ٢ : ٤٩٨ ، مدارك الأحكام ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ ، الحبل المتين : ١٥٠ ، وحكاه عنها البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٦.

(٤) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٦.

(٥) جواهر الكلام ٧ : ٢٤٨.

٣١٧

بواسطتهم إلى الشهيد ، فليتأمّل.

ومنها : خبر زياد بن أبي عتاب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول :«إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرّك أن تترك ما قبلها من النافلة» (٢).

وحسنة نجيّة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : تدركني الصلاة ويدخل وقتها عليّ فأبدأ بالنافلة؟ قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا ، ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة» (٣).

وعن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تصلّ من النافلة شيئا في وقت فريضة فإنّه لا تقضي نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (٤).

وعن الصدوق في الخصال بإسناده عن عليّ عليه‌السلام في حديث الأربعمائة ، قال : «لا يصلّي الرجل نافلة في وقت فريضة إلّا من عذر ، ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء ، قال الله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (٥) يعني الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار وما فاتهم من النهار بالليل ، لا تقضي النافلة في وقت فريضة ، ابدأ بالفريضة ثمّ صلّ ما بدا لك» (٦).

__________________

(١) في التهذيبين : «زياد بن أبي غياث». وفي الوسائل : «زياد أبي عتاب».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ / ٩٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥٣ / ٩٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٧ / ٦٦٢ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٤) السرائر ٣ : ٥٨٦ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٥) المعارج ٧٠ : ٢٣.

(٦) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

٣١٨

ورواية أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، قال : «إذا دخل وقت صلاة فريضة (١) فلا تطوّع» (٢).

ورواية أديم بن الحرّ ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة» قال : وقال : «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها» (٣).

وموثّقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال لي رجل من أهل المدينة : يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟فقلت : إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت الفريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع» (٤).

ويدلّ عليه أيضا قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار المتقدّمة (٥) عند البحث عن وقت الظهرين : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لا ، قال : «حتى لا يكون تطوّع في وقت فريضة».

واستدلّ له أيضا بالنبويّ : «لا صلاة لمن عليه صلاة» (٦).

وما عن بعض (٧) من الخدشة في سند كثير من هذه الأخبار ممّا لا ينبغي

__________________

(١) في التهذيب : «مفروضة».

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٧ / ٦٦٠ ، و ٣٤٠ / ١٤٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٢ / ١٠٧١ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ١٦٨ / ٦٦٣ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٧ / ٦٦١ ، و ٢٤٧ / ٩٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٦ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٥) في ص ٨٧.

(٦) رسالة عدم سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ١٠) : ٢٨.

(٧) العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٨٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٥٨.

٣١٩

الالتفات إليه بعد استفاضتها وكثرتها وصحّة أسانيد جملة منها واشتهار العمل بمضمونها بين الأصحاب ، بل لا مجال للتشكيك في تعلّق النهي بالتطوّع في وقت الفريضة ، فإنّه لا يبعد دعوى تواتر الأخبار الدالّة عليه معني ، وإنّما الإشكال في مقامين :

أحدهما : في أنّ المراد بالنهي هل هو الحرمة أو الكراهة؟

الثاني : في تعيين ما أريد بوقت الفريضة من أنّه هل هو مطلق وقتها الذي يجوز إيقاعها فيه ولو على سبيل المرجوحيّة ، أو وقتها الذي تكون المسارعة إليها فيه أفضل من تأخيرها ، أو آخر وقتها الذي يتضيّق عندها الفعل ، كما توهّمه بعض (١)؟

ولكنّك عرفت في بعض المباحث السابقة ضعف الاحتمال الأخير ، ومخالفته لصريح بعض الأخبار الدالّة عليه.

وكيف كان فالمقصود بالنهي عن التطوّع في وقت الفريضة إنّما هو النهي عنه ما دامت الذمّة مشغولة بالفريضة ، لا مطلقا ؛ ضرورة أنّه يجوز التطوّع في وقت الفريضة بعد أدائها نصّا وفتوى ، فالوقت في حدّ ذاته صالح للتطوّع ، ولكن اشتغال الذمّة بالفريضة أثّر في المنع عنه إمّا لمزاحمته لإيقاع الفريضة في أوّل وقتها الذي هو أفضل ، كما ربما يستشعر ذلك من بعض الأخبار التي وقع فيها الأمر بترك النافلة والبدأة بالفريضة عند حضور وقتها (٢) ، ويشهد له بعض الأخبار الآتية الدالّة على جوازه مع المرجوحيّة بالإضافة ، أو لكون تفريغ الذمّة عن الفريضة شرطا

__________________

(١) لا حظ : مستند الشيعة ٤ : ١٠٧.

(٢) راجع ص ٣١٨.

٣٢٠