مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

امّتك في ساعات الليل والنهار؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبّح كلّ شي‌ء دون العرش بحمد ربّي جلّ جلاله ، وهي الساعة التي يصلّي عليّ فيها ربّي جلّ جلاله ، ففرض الله عليّ وعلى امّتي فيها الصلاة وقال (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١)» إلى أن قال : «وأمّا صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله عزوجل من الجنّة فأمر الله ذرّيّته بهذه الصلوة إلى يوم القيامة واختارها الله لامّتي ، فهي من أحبّ الصلوات إلى الله عزوجل ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات» (٢) الحديث.

ولا يبعد أن يكون المراد بالحلقة في الرواية هي دائرة نصف النهار.

وكيف كان فلا شبهة في عدم صلاحيّة هاتين الروايتين ـ مع عدم صراحة ثانيتهما ـ لمعارضة ما عرفت ، فالأقوى ما نسب (٣) إلى المشهور من أنّ صلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، الشاملة لصلاة الجمعة في يومها.

فلنرجع إلى ما كنّا بصدده ونقول :وممّا يدلّ على المدّعى أيضا : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال :«إذا زالت الشمس دخل الوقتان : الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان :المغرب والعشاء» (٤).

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٢) الفقيه ١ : ١٣٧ / ٦٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٧.

(٣) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٩ / ٥٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ١.

٨١

وعنه أيضا عن أبي جعفر (١) عليه‌السلام قال : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة» (٢).

ورواية إسماعيل بن مهران ، قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام : ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وأنّ وقت المغرب إلى ربع الليل ، فكتب «كذلك الوقت غير أنّ وقت المغرب ضيّق ، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ، ومصيرها إلى البياض في افق المغرب» (٣).

وصحيحة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر والعصر ، فقال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين : الظهر والعصر جميعا إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» (٤).

وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٥) قال : «إنّ الله تعالى افترض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها : صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من

__________________

(١) كذا في الوسائل ، وفي المصدر : «عن أبي عبد الله».

(٢) التهذيب ٢ : ١٩ / ٥٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ / ١٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٠ / ٢٦١ / ١٠٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٠ / ٩٧٦ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٢٠ ، وكذا الباب ١٨ من تلك الأبواب ، ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٣٩ / ٦٤٧ ، التهذيب ٢ : ١٩ / ٥١ ، و ٢٤ / ٦٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ / ٨٨١ ، و ٢٦٠ / ٩٣٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٥) الإسراء ١٧ : ٧٨.

٨٢

غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل هذه» (١).

وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (٢).

وعنه أيضا قال : كنت أنا ونفر من أصحابنا مترافقين ـ فيهم ميسر ـ فيما بين مكّة والمدينة ، فارتحلنا ونحن نشكّ في الزوال ، فقال بعضنا لبعض : فامشوا بنا قليلا حتى نتيقّن الزوال ثمّ نصلّي [ففعلنا] فما مشينا إلّا قليلا حتّى عرض لنا قطار أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : أتى القطار ، فرأيت محمّد بن إسماعيل ، فقلت له : صلّيتم؟ فقال لي : أمرنا جدّي فصلّينا الظهر والعصر جميعا ثمّ ارتحلنا ، فذهبت إلى أصحابي وأعلمتهم بذلك (٣).

وعن مالك الجهني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر ، فقال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (٤).

وعن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (٥).

وعن منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إذا

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥ / ٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦ / ٧٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣١ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٢٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٤ / ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ / ٨٧٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٤ / ٩٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ / ٨٧٥ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

٨٣

زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (١).

وعن معاوية بن وهب قال : سألته عن رجل صلّى الظهر حين زالت الشمس ، قال : «لا بأس» (٢).

وعن معاوية (٣) بن ميسرة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلّي الظهر والعصر؟ قال : «نعم ، وما (٤) احبّ أن يفعل ذلك في كلّ يوم» (٥).

وعن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصوم فلا اقيل حتّى تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت الظهر ثمّ صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت العصر ثمّ نمت وذلك قبل أن يصلّي الناس ، فقال : «يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ، ولكنّي أكره لك أن تتّخذه وقتا دائما» (٦).

ورواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٤ / ٩٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ / ٨٧٦ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٤ / ٩٦٨ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٥.

(٣) التهذيب : «معبد» بدل «معاوية».

(٤) في الاستبصار : «وأنا» بدل «وما».

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٧ / ٩٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٤٧ / ٩٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

٨٤

مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (١).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيأتي نقلها إن شاء الله.

ولا يعارضها صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر ، قال : «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها حين تزول» (٢).

ورواية سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر [أهو] (٣) إذا زالت الشمس؟ فقال : «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت» (٤).

وصحيحة فضيل وزرارة وبكير ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥ / ٧٠ ، و ٢٨ / ٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ / ٩٣٦ ، و ٢٦٣ / ٩٤٥ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٧ ، والباب ١٧ من تلك الأبواب ، ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١ / ٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ / ٨٨٥ : الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «هو». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٤ / ٩٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ / ٨٨٤ : الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٧.

٨٥

العصر بعد ذلك قدمان ، وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر» (١).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : «ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس».

وقال زرارة : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام حين سألته عن ذلك : «إنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة ، فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ثمّ قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لم جعل ذلك؟ قال : «لمكان الفريضة (٢) ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفي‌ء ذراعا ، فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٣).

وفي محكيّ التهذيبين : قال ابن مسكان : وحدّثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منهم (٤).

وعن زرارة أيضا ـ في الموثّق ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كان

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٥ / ١٠١٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٩٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١ و ٢.

(٢) فيما عدا الاستبصار : «النافلة» مكان «الفريضة».

(٣) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٦٥٣ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٢٠ / ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٩ ، وليس في الأخيرين قوله : «وإذا بلغ فيؤك ذراعين .. النافلة». الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣ و ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠ ، ذيل ح ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ ، ذيل ح ٨٩٩ ، وحكاه الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل ح ٣ و ٤ من الباب ٨ من أبواب المواقيت.

٨٦

حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ثمّ قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لا ، قال : «من أجل الفريضة ، إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (١).

وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان في‌ء الجدار ذراعا صلّى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلّى العصر» قال : قلت : إنّ الجدران تختلف (٢) بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال : «كان جدار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قامة» (٣).

وعن إسحاق بن عمّار مثله ، وزاد : «وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلّا يكون تطوّع في وقت فريضة» (٤).

وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قال : قلت : لم؟ قال : «لمكان الفريضة لئلّا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه» (٥).

وعن زرارة ـ في الموثّق ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أتدري لم جعل الذراع

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٠ / ٩٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥٥ / ٩١٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٧.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر : «الجدار يختلف».

(٣) التهذيب ٢ : ٢١ / ٥٨ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ / ٩٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ / ٩١٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٨ ، وفيها : عن إسحاق بن عمّار عن إسماعيل الجعفي ، أيضا.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٥ / ٩٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٩ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢١.

٨٧

والذراعان؟» [قلت : لم؟] (١) قال : «لمكان الفريضة لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا ، وإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٢).

وعن زرارة أيضا ـ في الموثّق ـ عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : «وقت الظهر على ذراع» (٣).

وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : «إذا كان الفي‌ء ذراعا» قلت : ذراعا من أيّ شي‌ء؟ فقال : «ذراعا من فيئك» قلت : والعصر؟ قال : «الشطر من ذلك» (٤) الحديث.

وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي الظهر على ذراع ، والعصر على نحو ذلك» (٥).

وعن عبد الله بن محمّد قال : كتبت إليه : جعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما قالا : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ بين يديها سبحة إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت» وروى بعض مواليك عنهما أنّ وقت الظهر على قدمين من الزوال ، ووقت العصر على

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٥ / ٩٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٤٩ / ٨٩٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٤٥ / ٩٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ / ٩٧٢ ، و ٢٥١ / ٩٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ / ٨٨٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٨. وقوله : «قلت : ذراعا» إلى آخره لم يرد في الاستبصار والموضع الأوّل من التهذيب.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٨ / ٩٨٧ ، الاستبصار ١ : ٢٥٣ / ٩١٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٤.

٨٨

أربعة أقدام ، فإن صلّيت قبل ذلك لم يجزئك ، وبعضهم يقول : يجزئ ، ولكنّ الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ، وقد أحببت ـ جعلت فداك ـ أن أعرف موضع الفضل في الوقت ، فكتب «القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا» (١).

توضيح عدم معارضة هذه الأخبار للأخبار المتقدّمة الدالّة على دخول وقت الصلاتين بالزوال : أمّا الرواية الأخيرة : فما كتبه عليه‌السلام جوابا عن سؤاله لا يخلو عن تشابه ، ولذا احتمل بعض (٢) اشتماله على السقط.

وأمّا الأخبار الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : فلا تنافي الأخبار المتقدّمة ، كما هو واضح.

وأمّا الأخبار الدالّة على أنّ وقت الظهر يدخل بعد الزوال بقدم أو قدمين أو ذراع فهي وإن كانت بظاهرها منافية لتلك الروايات ، لكنّها لا تصلح لمعارضتها بعد تواتر تلك الأخبار معنى ، وموافقتها لظاهر الكتاب واعتضادها بغيرها من الأخبار الآتية ، وبقول المسلمين وعملهم حتّى ادّعي كون مضمونها من ضروريّات الدين خصوصا مع ما في نفس هذه الأخبار من الإشعار والإيماء بكون الوقت في حدّ ذاته صالحا للفريضة ، وأنّ تأخيره إنّما هو لأجل أن يتنفّل قبله ، ولذا اختصّ ذلك بمن شرّع في حقّه النافلة ، دون غيره ، فكأنّه اقتطع قطعة من وقت الفريضة لنافلتها لكن لا على وجه لا تصحّ فيه الفريضة حتّى يتحقّق

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٩ / ٩٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ / ٩١٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣٠.

(٢) الحدائق الناضرة ٦ : ١٣٢.

٨٩

التنافي بينها وبين الأخبار السابقة وغيرها من الأخبار الدالّة على صحّة الفريضة الواقعة في أوّل الزوال.

وكيف كان فلا ريب في أصل الحكم ، وإنّما الإشكال في توجيه هذه الأخبار وتعيين ما اريد بها ، فإنّه قد يقال ـ كما ذهب إليه بعض (١) ـ بأنّ التحديد بالقدمين والأربعة أقدام أو الذراع والذراعين إنّما هو منزّل على الفضيلة ، فيكون الأفضل تأخير الصلاة إلى هذا الوقت ، كما يؤيّده الأخبار المستفيضة الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويشهد له موثّقة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أفضل وقت الظهر ، قال : «ذراع بعد الزوال» قال : قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال :«نعم» (٢) فإنّ المراد بها ـ بشهادة غيرها من الروايات ـ ما بعد الذراع ، لا مدّة ذراع كما قد يتوهّم.

ولكن يشكل ذلك أوّلا : بحصول التنافي حينئذ بين هذه الأخبار وبين الخبرين الأوّلين (٣) الّلذين ورد فيهما تحديد أوّل وقت الظهر بما بعد الزوال بقدم ؛ إذ لا يستقيم حمل هاتين الروايتين أيضا على إرادة وقت الفضيلة ، والمفروض عدم إرادة وقت الإجزاء أيضا منهما ، اللهمّ إلّا أن تنزّل الروايتان على أوّل مراتب الفضل ، وما عداهما على الأفضليّة.

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٤٠١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٩ / ٩٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ / ٩١١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٥.

(٣) أي : صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ورواية سعيد الأعرج ، المتقدّمان في ص ٨٥.

٩٠

وثانيا : بمخالفة هذا التوجيه لما يظهر من جملة من الأخبار من أنّ المسارعة والاستباق إلى فعل الصلاة في أوّل وقتها هو الأفضل ، بل الظاهر أنّ أوّل الوقت هو المراد بالوقت الأوّل في الأخبار المستفيضة الآتية الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين ، وأنّ أوّل الوقتين أفضلهما ، وأنّ فضله على الوقت الآخر كفضل الآخرة على الدنيا ، كما ستعرف.

وفي خبر سعيد بن الحسن ـ الآتي (١) ـ أيضا شهادة على ذلك.

وحمل هذه الأخبار بأسرها على إرادة أوّل وقت الفضيلة توجيه بعيد ، خصوصا في مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ أوّل الوقت أبدا أفضل ، فعجّل الخير ما استطعت» (٢) إلى آخره.

وعنه أيضا قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله وقت كلّ صلاة أوّل الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ قال : «أوّله ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الله عزوجل يحبّ من الخير ما يعجّل» (٣).

وعن أبي بصير قال : ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أوّل الوقت وفضله ، فقلت : كيف أصنع بالثمان ركعات؟ فقال : «خفّف ما استطعت» (٤).

وعن سعيد بن الحسن قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أوّل الوقت زوال الشمس ، وهو وقت الله الأوّل ، وهو أفضلهما» (٥).

__________________

(١) قريبا.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٤ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٤١ / ١٣٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٤ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٤٠ / ١٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب المواقيت ، ح ١٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٧ / ١٠١٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب المواقيت ، ح ٩

(٥) التهذيب ٢ : ١٨ / ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ / ٨٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

٩١

وعن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أحبّ الوقت إلى الله عزوجل [أوّله] حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة ، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتى تغيب الشمس» (١) إلى غير ذلك من الروايات.

هذا كلّه ، مضافا إلى تصريح الصادق عليه‌السلام بأنّ فعل الفريضة قبل القدمين والأربعة أقدام أحبّ إليه في موثّقة ذريح ، قال : سأله اناس وأنا حاضر ، فقال : «إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلّا سبحتك تطيلها أو تقصرها» فقال بعض القوم : إنّا نصلّي الاولى إذا كانت على قدمين ، والعصر على أربعة أقدام ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «النصف من ذلك أحبّ إليّ» (٢) فهذا يدلّ على أنّ الإتيان بالصلاتين بعد القدم والقدمين ـ كما في الخبرين الأوّلين (٣) ـ أفضل.

ونحوها رواية محمّد بن الفرج ، قال : كتبت أسأله عن أوقات الصلاة ، فأجاب : «إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك ، وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ، ثمّ صلّ سبحتك ، وأحبّ أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام ، فإن عجّل لك أمر فابدأ بالفريضتين واقض بعدهما النوافل ، فإذا طلع الفجر فصلّ الفريضة ثمّ اقض بعد ما شئت» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ / ٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / ٩٣٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب المواقيت ، ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٦ / ٩٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ / ٨٩٧ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ١٢ ، والباب ٨ من تلك الأبواب ، ح ٢٢.

(٣) المتقدّمين في ص ٨٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٠ / ٩٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٥ / ٩١٤ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣١.

٩٢

فالأظهر إنّما هو استحباب المبادرة إلى فعل الصلاة في أوّل وقتها مطلقا إلّا أنّ بين يديها سبحة ، كما صرّح به في الخبرين الأخيرين وغيرهما من الأخبار الآتية ، فينبغي فعلها في أوّل الوقت بعد الإتيان بالنافلة الغير المنافي لوقوع الفريضة في أوّل وقتها عرفا.

فالذي ينبغي أن يقال في توجيه الأخبار :أمّا ما دلّ على أنّ الوقت إنّما هو بعد الذراع والذراعين ، أو القدمين والأربعة أقدام اللّتين مآلهما إلى الأوّلين إنّما أريد به ـ بحسب الظاهر ـ الوقت المخصوص بالفريضة في مقابل وقت التطوّع ، فالمراد بدخول وقت الفريضة هو وقتها الذي يؤتى بها بلا نافلة ، كما يشعر بذلك قوله عليه‌السلام : «فإذا بلغ فيؤك ذراعا [من الزوال] بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (١).

وأمّا قبل القدمين : فالوقت وقت للنافلة بمعنى أنّه يأتي بها أوّلا في ذلك الوقت ، لا أنّه لو تركها رأسا أو خفّفها بحيث بقي من الوقت شي‌ء لا يجوز له الإتيان بالفريضة.

وأمّا الخبران (٢) الأوّلان الدالّان على أنّ وقت الظهر بعد الزوال بقدم :فالمراد بها ـ على الظاهر ـ بيان أوّل وقت فعلها مترتّبة على النافلة التي زمان فعلها يقرب من قدم ، فكأنّه عليه‌السلام نبّه بذلك على أنّ مقدار قدم هو الوقت الذي ينبغي الاشتغال فيه بالنافلة ، فأوّل وقت الفريضة ـ بملاحظة ترتّبها على النافلة التي كانت لديهم بمنزلة الواجبات في شدّة الاهتمام بها ـ إنّما هو بعد مضيّ هذا المقدار من

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٨٦ ، الهامش (٣).

(٢) تقدّما في ص ٨٥.

٩٣

الوقت الذي هو زمان تقريبيّ لفعل النافلة ، فليس تحديد الوقت بما بعد الزوال بقدم إلّا بملاحظة كون هذا المقدار هو القدر الذي يسع فعل النافلة ، فالمدار على مقدار فعل النافلة ، لا على مقدار قدم من حيث هو ، كما يؤيّده عطف قوله عليه‌السلام في الروايتين : «أو نحو ذلك» (١).

ويشهد له الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ العبرة بالفراغ من النافلة ، لا بالقدم والقدمين.

كموثّقة ذريح ورواية محمّد بن الفرج ، المتقدّمتين (٢).

وصحيحة حارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم قالوا : كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ألا أنبّئكم بأبين من هذا ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلّا أنّ بين يديها سبحة ، وذلك إليك إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت» (٣).

وحسنة ذريح قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى اصلّي الظهر؟ فقال : «صلّ الزوال ثمانية ، ثمّ صلّ الظهر ، ثمّ صلّ سبحتك طالت أو قصرت ، ثمّ صلّ العصر» (٤).

وموثّقة سماعة ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس فصلّ ثمان ركعات ، ثمّ صلّ الفريضة أربعا ، فإذا فرغت من سبحتك قصّرت أو طوّلت فصلّ

__________________

(١) راجع ص ٨٥.

(٢) في ص ٩٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٢ / ٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٨ ، وفي الأخيرين نحوه ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ١ و ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

٩٤

العصر» (١).

وعن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلّا أنّ بين يديها سبحة ، وذلك إليك إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت» (٢).

وعن [مسمع بن عبد الملك] (٣) قال : «إذا صلّيت الظهر فقد دخل وقت العصر إلّا أنّ بين يديها سبحة ، فذلك إليك إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت» (٤).

وعن مالك الجهني أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر ، فقال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ، فإذا فرغت من سبحتك فصلّ الظهر متى [ما] بدا لك» (٥).

وعن عيسى بن [أبي] (٦) منصور ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس فصلّيت سبحتك فقد دخل وقت الظهر» (٧).

وعن محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام : روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين و

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٩٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٩ / ٨٩٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة وكذا في الحدائق الناضرة ٦ : ١٣٦ : «ابن أبي عمير». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٧ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٣٩ / ٦٤٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ٧ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) التهذيب ٢ : ٢١ / ٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٨٩ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

٩٥

ظلّ مثلك والذراع والذراعين ، فكتب عليه‌السلام «لا القدم ولا القدمين ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة ، وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ الظهر ، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة ، وهي ثمان ركعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ العصر» (١).

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة : حمل الخبرين (٢) الدالّين على أنّ وقت الظهر بعد الزوال بقدم ونحوه على إرادة وقتها الذي جعل لها ثانيا وبالعرض بلحاظ ترتّبها على فعل النافلة ، فإنّ مقتضى أمر الشارع بالثمان ركعات نافلة الزوال في أوّل الوقت : تأخّر زمان أداء الفريضة عن أوّل الوقت بمقدار زمان فعل النافلة ، وهو مقدار قدم تقريبا ، وإلّا للزم الأمر بإيجاد المتضادّين في زمان واحد ، وهو غير معقول ، وحيث إنّ تأخّر وقت الفريضة مسبّب عن مزاحمة فعلها في أوّل الوقت للخروج عن عهدة التكليف بالنافلة ، اختصّ بما إذا كانت النافلة مشروعة ، ولذا استثنى في الخبرين يوم الجمعة وفي السفر (٣) ، لكن لمّا لم يكن التكليف بالنافلة إلزاميّا ، جاز له ترك النافلة والإتيان بالفريضة في أوّل الوقت ؛ لانتفاء ما يقتضي تقييد الأدلّة الدالّة عليه في الفرض ، بل قد عرفت عند البحث عن إزالة النجاسة عن المسجد أنّه لو ترك الإزالة وصلّى في سعة الوقت صحّت صلاته ، فإنّ الأمر بالإزالة مضيّقا وإن اقتضى تقييد الأمر بالصلاة بما بعد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٩ / ٩٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ / ٩١٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ١٣.

(٢) راجع : ص ٨٥.

(٣) راجع : ص ٨٥.

٩٦

زمان الإزالة لكن لمّا كان منشؤه المزاحمة ، اختصّ التقييد بموردها ، وهو ما إذا اشتغل بالإزالة ، فوقت الصلاة عند تنجّز التكليف بالإزالة وإن كان بعد مضيّ زمان يتمكّن من فعل الإزالة لكن لو ترك الإزالة فوقتها من أوّل الوقت ، فكذلك فيما نحن فيه.

وأمّا أخبار القدمين والأربعة أقدام وما بمعناها من التحديد بالذراع والذراعين : فالمراد بها ـ على الظاهر ـ هو الوقت الذي يبدأ فيه بالفريضة في مقابل وقت التطوّع الذي يكون تكليفه الفعلي ابتداء هو الإتيان بالنافلة ثمّ بالفريضة ، كما يشهد بذلك ما في نفس تلك الأخبار وغيرها ممّا عرفت ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح عند البحث عن تحديد أوقات النوافل إن شاء الله.

لكن يبعد ارتكاب هذا التوجيه في بعض الأخبار الدالّة على أنّ أوّل وقت العصر بعد مضيّ أربعة أقدام ، مثل : رواية إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام : متى يدخل وقت الظهر؟ قال : «إذا زالت الشمس» فقلت : متى يخرج وقتها؟ فقال : «من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره» قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال : «إنّ آخر وقت الظهر هو أوّل وقت العصر» فقلت : فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : «وقت العصر إلى أن تغرب الشمس ، وذلك من علّة ، وهو تضييع» (١) الحديث ؛ فإنّ حملها على إرادة ما ذكر يستلزم التكليف بحمل ما أريد من وقت صلاة الظهر على معنى مغاير لما اريد من وقت صلاة العصر ، وهو بعيد.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦ / ٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ / ٩٢٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣٢.

٩٧

ونحوها بل وأشكل من ذلك : رواية محمّد بن حكيم ، قال : سمعت العبد الصالح عليه‌السلام وهو يقول : «إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة من الزوال ، وأوّل وقت العصر قامة ، وآخر وقتها قامتان» قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : «نعم» (١) بناء على تفسير القامة بالذراع كما في غير واحد من الروايات الآتية ، وإلّا فحال هذه الرواية حال ما رواه يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال : «إذا لا يكذب علينا» قلت : ذكر أنّك قلت : «إنّ أوّل صلاة افترضها الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر ، وهو قول الله عزوجل (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٢) فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك ، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة ، وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر ، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين ، وذلك المساء» قال : «صدق» (٣) فإنّ المراد بالقامة في هذه الرواية ـ بحسب الظاهر ـ هي قامة الشخص ، كما هو المتبادر من لفظها ؛ لأنّ صيرورة ظلّ الشاخص مثليه هو الذي يترتّب عليه المساء ، لا أربعة أقدام.

وكيف كان فهذه الروايات بظاهرها منافية لجلّ الأخبار المتقدّمة من وجوه ، وستعرف أنّ هذا النحو من الاختلاف في الأخبار الواردة في باب المواقيت غير عزيز ، فالتفصّي عن كلّ واحدة من هذه الروايات بالخدشة فيها ـ بضعف السند أو

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥١ / ٩٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥٦ / ٩١٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٩.

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠ / ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب المواقيت ، ح ٦ ، وكذا الباب ١٠ من تلك الأبواب ، ح ١.

٩٨

جعل بعضها معارضة ببعض وإسقاطها عن الاعتبار أو غير ذلك من المناقشات الجزئيّة الغير المطّردة ـ غير مجدية بعد أن علم إجمالا بصدور كثير منها بل جلّها من الأئمّة عليهم‌السلام ، كما في جملة من الأخبار المعتبرة الإشارة إليه ، وسيأتي

التكلّم في توجيهها إن شاء الله تعالى.

وقد أشرنا فيما سبق إلى عدم صلاحيّة شي‌ء من الروايات لمعارضة الطائفة الاولى من الأخبار المصرّحة بدخول وقت الصلاتين من أوّل الزوال مرتّبة ثانيتهما على الاولى ، كما هو المطلوب ، فإن أمكن توجيه سائر الروايات بما لا ينافي تلك الأخبار ، فهو ، وإلّا يجب ردّ علمها إلى أهله ، فما تضمّنته تلك الأخبار من دخول وقت الصلاتين بالزوال إجمالا ممّا لا شبهة فيه ، بل وكذا لا شبهة في امتداد وقتهما إلى الغروب ، كما في كثير من تلك الأخبار التصريح بذلك ، بل لا خلاف في ذلك أيضا في الجملة ، وإنّما الخلاف في مقامين :

أحدهما : في أنّ مجموع هذا الوقت المحدود بين الحدّين وقت اختياريّ للصلاتين يجوز تأخيرهما بلا عذر إلى آخر الوقت ، أو أنّ أوّله وقت للمختار وآخره للمعذور والمضطرّ؟

وثانيهما : في أنّ كلّا من الصلاتين مشتركة مع الأخرى في مجموع الوقت ، فيدخل وقت كلّ منهما بالزوال ويمتدّ إلى الغروب ، لكن منع عن إتيان العصر في أوّل الوقت ترتّبها على الظهر ، أو أنّه بالزوال يدخل وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع مرتّبة ثانيتهما على الاولى ، لا وقت كلّ واحدة منهما مستقلّة؟

أمّا الكلام في المقام الأوّل : فسيأتي عند تعرّض المصنّف رحمه‌الله له.

٩٩

(و) أمّا المقام الثاني : فالمشهور بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أنّه (تختصّ) صلاة (الظهر من أوّله بمقدار أدائها ، وكذلك العصر من آخره ، وما بينهما من الوقت مشترك) خلافا لما حكي عن ظاهر الصدوقين من القول بأنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر إلّا أنّ هذه قبل هذه (١).

وربّما يظهر ممّا حكي عن المعتبر شيوع القول بذلك بين القدماء ؛ فإنّه بعد أن حكى عن الحلّي الطعن على القائلين بهذا القول وتخطئتهم في ذلك أنكر عليه تمام الإنكار ، وبالغ في التشنيع عليه ، وقال في طيّ كلماته ـ المحكيّة عنه ـ : إنّ ذلك نصّ من الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد رواه زرارة وعبيد والصباح بن سيابة ومالك الجهني ويونس عن العبد الصالح وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، على أنّ فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به ، فيجب الاعتناء بالتأويل ، لا الإقدام بالطعن.

ثمّ قال : ويمكن أن يتأوّل ذلك من وجوه :

أحدها : أنّ الحديث تضمّنت «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) وذلك يدلّ على أنّ المراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص.

الثاني : أنّه لمّا لم يكن للظهر وقت مقدّر ، بل أيّ وقت فرض وقوعها فيه ، أمكن فرض وقوعها فيما هو أقلّ منه حتّى لو كانت الظهر تسبيحة ، كصلاة شدّة الخوف ، كانت العصر بعدها ، ولأنّه لو ظنّ الزوال ثمّ دخل الوقت قبل إكمالها بلحظة ، أمكن وقوع العصر في أوّل الوقت إلّا ذلك القدر ، فلقلّة الوقت وعدم

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٧ : ٨٢ ، وحكاه عنهما المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤ ، وانظر : المقنع : ٩١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

١٠٠