مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

الظهر والعصر ، فقال : «وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين» (١).

وصحيحة أحمد بن محمّد قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر ، فكتب «قامة للظهر وقامة للعصر» (٢).

وخبر محمّد بن حكيم ، قال : سمعت العبد الصالح عليه‌السلام وهو يقول : «إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة من الزوال ، وأوّل وقت العصر قامة ، وآخر وقتها قامتان» قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : «نعم» (٣).

وموثّقة معاوية بن وهب ، المتقدّمة (٤) في وقت المغرب ، الواردة في نزول جبرئيل عليه‌السلام بالأوقات ، وفيها : «ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر» إلى أن قال : «ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان ، فأمره فصلّى العصر» الحديث.

ورواية يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ـ إلى أن قال ـ : «فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك ، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة ، وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر ، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين ، وذلك المساء» قال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩ / ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ / ٨٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١ / ٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٩٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٩٨ ، الهامش (١).

(٤) في ص ١٦٧.

٢٠١

«صدق» (١) الحديث.

وخبر زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن وقت صلاة الظهر في القيظ ، فلم يجبني ، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال : «إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم اخبره ، فحرجت من ذلك ، فاقرأه منّي السلام وقل له : إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (٢).

والمتبادر من صيرورة ظلّ الشخص مثله وإن كان ظلّه الموجود المركّب من الفي‌ء والظلّ لا خصوص الفي‌ء الزائد من طرف المشرق لكنّ الاختلاف غير معتدّ به في القيظ ، كما هو مورد الرواية ، خصوصا في مثل المدينة ، فلا تنافي هذه الرواية غيرها من الروايات الظاهرة في اعتبار زيادة الظلّ الحادث بعد الزوال بقدر القامة ، المعتضدة بغيرها من الأخبار الواردة لتحديد أوّل الوقت ، التي هي صريحة في إرادة التحديد بالفي‌ء الحادث بعد الزوال ، وقد أشرنا آنفا إلى أنّ المراد بالظلّ في الأخبار المسوقة لتحديد الوقت به أوّلا وآخرا بحسب الظاهر شي‌ء واحد وإن اختلفت في التقادير.

واستدلّ للمشهور أيضا : بالنبويّ المرسل الذي رواه العلّامة ـ على ما قيل (٣) ـ إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «جاءني جبرئيل عند الباب (٤) مرّتين فصلّى بي الظهر حين

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٨٩ ، الهامش (٤).

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢ / ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٩١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٣.

(٣) كما في جواهر الكلام ٧ : ١٣٧.

(٤) في نهاية الإحكام : «أمّني جبرئيل عليه‌السلام عند باب البيت». وكذا في المصادر الحديثيّة ، إلّا أنّه ذكر فيها : «عند البيت».

٢٠٢

زالت الشمس ، وصلّى بي العصر حين كان كلّ شي‌ء بقدر ظلّه .. فلمّا كان الغد صلّى بي الظهر حين كان كلّ شي‌ء بقدر ظلّه ، وصلّى بي العصر حين كان ظلّ كلّ شي‌ء مثليه .. ثمّ التفت إليّ فقال : يا محمّد هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين الوقتين» (١).

ويرد على الاستدلال بالنبويّ : أنّه ضعيف السند. وأمّا خبر زرارة : فيمكن الخدشة في دلالته : بأنّ المراد به تأخير الصلاتين عن المثل والمثلين في القيظ ، وقد سيقت الرواية تفسيرا للإبراد المأمور به في الصيف ، كما تقدّم (٢) آنفا نظيرها بأدنى اختلاف عن الكشي في كتاب الرجال ، فالرواية أجنبيّة عن المدّعى.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه لم يقصد من الأمر بإيقاع الصلاة بعد المثل والمثلين إيقاعها عقيبهما بلا فاصل ، بل المقصود به بيان الرخصة في تأخيرها عن وقت الفضيلة ، أو رجحانه في الصيف لأجل الإبراد ، ففيه إشعار بأنّ وقت الفضيلة في غير الصيف إنّما هو ما قبل المثل والمثلين.

وأمّا الأخبار التي ورد فيها التحديد بالقامة والقامتين : فقد ناقش في الحدائق (٣) في دلالة ما عدا الأخيرة منها ـ أي رواية يزيد بن خليفة ـ : بأنّ المفهوم من الأخبار أنّ لفظ «القامة» الوارد في الروايات بمعنى الذراع ، والقامتين بمعنى

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، وراجع : سنن أبي داود ١ : ١٠٧ / ٣٩٣ ، والمستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ١٩٣ ، ومسند أحمد ١ : ٣٣٣.

(٢) في ص ١٨٧.

(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ٢٠٥.

٢٠٣

الذراعين.

ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال له : كم القامة؟ فقال :«ذراع ، إنّ قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت ذراعا» (١).

وخبر عليّ بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «القامة هي الذراع» (٢).

وخبر عليّ بن حنظلة ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «القامة والقامتين الذراع والذراعين (٣) في كتاب عليّ عليه‌السلام» (٤).

قال في محكيّ الوافي : نصبهما بالحكاية (٥).

وعن عليّ بن حنظلة أيضا قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «في كتاب عليّ عليه‌السلام القامة ذراع ، والقامتان ذراعان» (٦).

قال في محكيّ الوافي : تفسير القامة بالذراع إنّما يصحّ إذا كان قامة الشاخص ذراعا ، فيعبّر عن أحدهما بالآخر ، كما دلّ عليه حديث أبي بصير ، لا مطلقا ، كما فهمه (٧) صاحب التهذيب ، أو اريد به في زمان يكون فيه الظلّ الباقي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣ / ٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ / ٩٠٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣ / ٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ / ٩٠١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٥.

(٣) في التهذيب والوسائل : «.. القامتان .. الذراعان» بالرفع.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣ / ٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ / ٩٠٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٤.

(٥) الوافي ٧ : ٢١٩ ، ذيل ح ٥٧٨٩ ـ ٤ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٥١ / ٩٩٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٦.

(٧) في الحاكي والمحكي : «زعمه» بدل «فهمه».

٢٠٤

بعد نقصانه ذراعا ، فيراد بالقامة الظلّ الباقي ، لا قامة الشخص ، كما دلّ عليه حديث أوّل الباب (١). انتهى.

وفي الحدائق ـ بعد أن نقل كلام الوافي ـ قال : أقول : من المحتمل قريبا بل الظاهر أنّ المراد باللام في القامة والقامتين في هذه الأخبار العهد ، وتكون إشارة إلى ما قدّمنا من الأخبار الدالّة على تحديد وقت الظهر بالقامة ، ووقت العصر بالقامتين بمعنى أنّ القامة الواردة في تلك الأخبار المراد منها الذراع ، لا قامة الشخص. وبه يظهر أنّ حمل القامة ـ في تلك الأخبار ـ على قامة الشخص ليكون دليلا على امتداد وقت الفضيلة بامتداد المثل والمثلين لا وجه له (٢). انتهى.

وأمّا رواية يزيد بن خليفة : فقد اعترف بظهورها في المدّعى ؛ لما فيها من قوله : «وذلك المساء» فإنّ من المستبعد إرادته بالنسبة إلى ما بعد القامتين ، لكن حملها على التقيّة (٣) ؛ جمعا بينها وبين غيرها من الروايات.

أقول : لا ينبغي الارتياب في كون اللام في «القامة» للعهد ، كما يؤيّده نصب القامتين على الحكاية ، لكن دعوى أنّ المشار إليه بها ما في تلك الأخبار رجم بالغيب ، بل كيف يشير أبو عبد الله عليه‌السلام إلى القامة والقامتين اللّتين عبّر بهما أبو الحسن عليه‌السلام!؟ أم كيف يكون كلام أبي الحسن عليه‌السلام مفسّرا في كتاب عليّ عليه‌السلام

فالمقصود بالعهد ـ على الظاهر ـ ليس إلّا القامة الواردة في الحديث الذي كان معروفا عندهم من الصدر الأوّل الذي سئل عن تفسيره في رواية يونس ، وغيرها ،

__________________

(١) الوافي ٧ : ٢٢٠ ، ذيل ح ٥٧٩٠ ـ ٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٥.

(٢) الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٨.

٢٠٥

المشتمل على تحديد أوّل الوقت بما إذا كانت الشمس قامة ، لا الأخبار الصادرة عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام لتحديد آخر الوقت ، فحمل اللام على العهد وجعل المعهود الأخبار الصادرة في الأعصار المتأخّرة عن زمان صدور تلك الروايات كما ترى.

نعم ، لو قيل بأنّه يستفاد من هذه الأخبار أنّ اصطلاح الأئمّة عليهم‌السلام جرت على تسمية الذراع بالقامة ، فلها حقيقة شرعيّة تحمل عليها ما لم تكن قرينة على خلافها ، فله وجه.

لكن يردّه ـ مضافا إلى قصور الأخبار عن إفادته ، ومخالفته للأصل ـ الأخبار المستفيضة التي ورد فيها أنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، مع أنّه لم يقصد بها إلّا قامة الإنسان.

هذا ، مع أنّه لو اريد من القامة في تلك الأخبار الذراع ، لعارضها الأخبار المستفيضة بل المتواترة التي ورد فيها تحديد أوّل وقت الظهرين بالذراع والذراعين ، فإنّها صريحة في كون ما بعد الذراع وقت الفضيلة أو الاختيار للظهرين.

وما في الحدائق من الجمع بينها وبين أخبار القامة بعد تفسير القامة بالذراع بجعل الذراع وقتا لغير المتنفّل ، وما بعده وقتا للمتنفّل (١) ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ؛ فإنّ الطرح أو الحمل على التقيّة أولى من الجمع بين الأخبار المتناقضة صورة بهذا الوجه فضلا عن جعل تلك الأخبار شاهدة لحمل القامة في هذه الروايات على إرادة ما هو المتبادر منها عرفا دون ما ورد تفسيره في كتاب

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٨.

٢٠٦

عليّ عليه‌السلام ممّا لم يكن يعرفه المخالفون ، كما يشهد بذلك رواية يونس وغيرها.

نعم ، ربّما يؤيّد حمل القامة على الذراع في موثّقة (١) معاوية بن وهب ، الواردة في نزول جبرئيل عليه‌السلام بالأوقات أنّه رواها معاوية بن ميسرة نحوها ، إلّا أنّه قال بدل «القامة والقامتين» : «ذراع وذراعين» (٢) ورواها المفضّل بن عمر نحوها ، إلّا أنّه قال بدل «القامة والقامتين» : «قدمين وأربعة أقدام» (٣) لكن جعل الموثّقة وغيرها من أخبار القامة وغيرها ـ من الأخبار المتواترة الدالّة على فضيلة إيقاع الظهر بعد الزوال بقدمين ـ كاشفة عن أنّ صاحب الظلّ ـ الذي زاد ظلّه ذراعا (٤) وذراعين ـ كان رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحوه ممّا كان يقيس به الظلّ وكانت قامته ذراعا (٥) ، كما يؤيّد ذلك أيضا النبويّ المرسل (٦) الذي وقع فيه التصريح بأنّ مجي‌ء جبرئيل عليه‌السلام في اليوم الثاني كان في الوقت الذي كان كلّ شي‌ء بقدر ظلّه.

فالحقّ أنّه لا قصور في دلالة هذه الأخبار على مدّعى المشهور.

وأمّا احتمال صدور هذه الأخبار تقيّة فهو احتمال سار في سائر الأخبار أيضا ، ولكنّه لا ينافي الاستدلال ، كما سنوضّحه إن شاء الله.

(وقيل : أربعة أقدام للظهر ، وثمان للعصر ، هذا للمختار ، وما زاد على ذلك حتّى تغرب الشمس وقت لذوي الأعذار) لكن لم نعرف من صرّح بذلك في العصر.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ١٦٧ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ١٦٧ ، الهامش (٣).

(٣) تقدّم تخريجها في ص ١٦٨ ، الهامش (١).

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ذراع». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ذراع». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٣ ، الهامش (١)

٢٠٧

نعم ، حكي عن جماعة (١) التصريح بأربعة أقدام للظهر.

واستدلّ برواية إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام : متى يدخل وقت الظهر؟ قال : «إذا زالت الشمس» قلت : متى يخرج وقتها؟ فقال : «من بعد ما يمضي [من زوالها] أربعة أقدام ، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره» قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ قال : «إنّ آخر وقت الظهر هو أوّل وقت العصر» قلت : فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : «وقت العصر إلى أن تغرب الشمس ، وذلك من علّة ، وهو تضييع» (٢) الحديث.

وخبر الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلّا العصر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلّي الظهر ، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر» (٣) الحديث.

وحيث إنّك عرفت فيما سبق امتداد وقت الظهرين للمختار إلى الغروب علمت أنّ الأوجه حمل مثل هذه الأخبار على إرادة وقت الفضيلة ، الذي لا ينبغي التأخير عنه ، وفي ذيل رواية الكرخي ما يشهد بذلك كما عرفته فيما سبق (٤) ،

__________________

(١) منهم السيّد المرتضى في مصباحه ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٥٨ ـ ٥٩ ، والتهذيب ١ : ٣٩١ ، ذيل ح ١٢٠٧ ، كما حكاه عنهما المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٣٠ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٣٦ و ٣٧ ، المسألة ٤.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٩٧ ، الهامش (١) وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٩ / ١١٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٥ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ٢.

(٤) في ص ١٧٥.

٢٠٨

فاختلاف الأخبار منزّل على اختلاف مراتب الفضل ، مع قوّة احتمال صدورها تقيّة ، وإمكان توجيهها بغير ذلك أيضا كما سنشير إليه.

لكن بقي الإشكال في خبر الفضل حيث إنّ ظاهره خروج وقت الظهر بعد الأربعة أقدام حتّى بالنسبة إلى اولي الأعذار التي مثّل لها غير واحد بالحائض ، وهذا ممّا لا يقول به أحد وإن حكي عن بعض الالتزام به في خصوص المورد لأجل النصّ (١).

ويشهد له أيضا حسنة معمّر بن يحيى ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاولى؟ قال : «لا ، إنّما تصلّي الصلاة التي تطهر عندها» (٢).

وموثّقة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت : المرأة ترى الطهر فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر ، قال : «تصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان» (٣).

وحمل هاتين الروايتين على إرادة الوقت المختصّ بالعصر ـ أي مقدار أربع ركعات من آخر الوقت ـ بعيد.

ولا ينافيه بل يؤيّده أيضا المستفيضة الدالّة على أنّ المرأة إذا طهرت في

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٧ : ١٤٦ ، وراجع : التهذيب ١ : ٣٩١ ، ذيل ح ١٢٠٧ ، والاستبصار ١ : ١٤٤ ، ذيل ح ٤٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٢ ـ ١٠٣ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٩ / ١١٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٤١ ـ ١٤٢ / ٤٨٤ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ٥.

٢٠٩

وقت صلاة ففرّطت فيها كان عليها قضاؤها ـ مثل : ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها ، وإن رأت الطهر في وقت فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء ، وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها» (١) إلى غير ذلك من الأخبار المتقدّمة في مبحث الحيض ـ لأنّ المعروف في الصدر الأوّل ـ ولو بحسب المتعارف فيما بينهم ـ إنّما هو تفريق الصلوات ، وتخصيص أوّل الوقت بالظهر إلى أن يصير الظلّ قامة أو أربعة أقدام أو نحو ذلك ، ثمّ بالعصر ، فهذه الأخبار أيضا تؤكّد مضمون الروايات المتقدّمة.

ولكن يعارضها موثّقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء» (٢).

وخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر» (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٢ / ١٢٠٩ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٠ / ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ١٤٣ / ٤٩٠ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ١٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٠ / ١٢٠٣ ، الاستبصار ١ : ١٤٣ / ٤٨٩ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ٧.

٢١٠

وخبر داود الدجاجي (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة» (٢).

ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ عليه‌السلام ، قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر» (٣).

ولو لا إعراض المشهور عن الأخبار المتقدّمة وموافقتها للعامّة ـ كما يظهر من بعض (٤) حيث حملها على التقيّة ـ لكان المتّجه ما حكي عن الشيخ وغيره (٥) من الجمع بينها وبين هذه الروايات بالحمل على الاستحباب ؛ لأنّ تلك الأخبار نصّ في عدم الوجوب ، فيرفع اليد بها عن ظاهر هذه الروايات الآمرة بالفعل.

ولا ينافيه ما هو المختار من امتداد وقت الظهرين إلى الغروب للمختار فضلا عن القول بكون آخر الوقت وقتا لأولي الأعذار ، لا لمجرّد كون الحكم تعبّديّا يجب اتّباع النصوص الخاصّة الواردة فيها ، وتوجيه ما فيها من خروج الوقت بعد أربعة أقدام ببعض التوجيهات التي يوجّه بها نظائرها من الأخبار

__________________

(١) فيما عدا الوسائل : «الزجاجي».

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ / ١٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٤٩١ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ١١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩١ / ١٢٠٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٤ / ٤٩٢ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، ح ١٢.

(٤) راجع : الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٢.

(٥) التهذيب ١ : ٣٩١ ، ذيل ح ١٢٠٧ ، ذخيرة المعاد : ١٨٨ ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٥٢.

٢١١

الكثيرة الواردة في المواقيت ، بل لأنّ أوقات الصلوات الخمس ـ على ما يظهر من جملة من الأخبار ويساعد عليه الاعتبار ـ كانت في الأصل خمسة ، ولكنّ الشارع عمّم أوقاتها ، فجعل الظهرين مشتركتين في وقتهما ، والعشاءين كذلك ، توسعة على العباد وإرفاقا بهم ، وهذا لا يقتضي إلّا التعميم في وقت الأداء ، لا وقت الوجوب ، الذي هو في حدّ ذاته من الأسباب المقتضية لحسن الفعل ، فلعلّ الوقت الأصلي لصلاة الظهر ـ الذي كان سببا لوجوبها ـ لم يكن إلّا أربعة أقدام من الزوال ، التي هي أفضل أوقات أدائها ، فمتى طهرت الحائض بعد مضيّها فقد خرج وقت صلاتها الأصلي الذي كان مقتضيا للوجوب ، فلم يجب عليها الفعل ، ولكنّه يستحبّ رعاية لحقّ وقتها الثانوي الحاصل لها من باب التوسعة.

والحاصل أنّ القول بامتداد وقت الظهرين إلى الغروب لا يستلزم طرح مثل هذه الأخبار على تقدير جامعيّتها لشرائط الحجّيّة ، فالإشكال في المقام إنّما هو في جواز العمل بتلك الروايات مع وهنها بما سمعت ، واعتضاد ظاهر الأخبار الآمرة بالفعل بالشهرة ، وإن لا يخلو هذا أيضا عن تأمّل ؛ فإنّ ما تضمّنته هذه الروايات من امتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر مخالف لظاهر غيرها من النصوص والفتاوى المعتضدة بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، ولذا حمله غير واحد على التقيّة ، أو على الاستحباب ، وهذا وإن لم يسقطها عن الحجّيّة في غير مورد المخالفة ، بل ستعرف قوّة القول بمضمونها في العشاءين أيضا ، ولكنّه يوهنها ، فيشكل ترجيحها على تلك الأخبار التي لا قصور فيها بحسب الظاهر إلّا من هذه الجهة.

٢١٢

فالإنصاف أنّ الحكم موقع تردّد وإن كان الأظهر ما ذهب إليه المشهور من وجوب أداء الصلاتين فيما إذا طهرت قبل آخر الوقت بمقدار أدائهما مع الطهارة ؛ لغلبة الظنّ بأنّ الأخبار المنافية له صادرة عن علّة ، فيشكل رفع اليد بمثل هذه الأخبار عن ظواهر النصوص المتقدّمة المعتضدة بالقاعدة ـ التي لعلّها هي عمدة مستند المشهور ، التي قرّرناها في مبحث الحيض ـ من أنّ مقتضى الأصل المتلقّى من الشارع ، المستفاد من تتبّع النصوص والفتاوى إنّما هو وجوب الإتيان بالصلوات المفروضة ولو في خارج الوقت على تقدير فوتها في الوقت حتّى مع عدم تنجّز التكليف بها أداء لمانع عقليّ أو شرعيّ فضلا عمّا لو تمكّن من الإتيان بها في الوقت جامعة لشرائطها ، وإنّما رفعت اليد عن هذه القاعدة في الحائض ؛ للنصوص الخاصّة الدالّة عليه ، المنصرفة عمّا لو أدركت من أوّل الوقت أو آخره بمقدار يسع فعل الطهارة والصلاة.

وأمّا النصوص المتقدّمة فهي ـ مع وهنها بما عرفت ، ومعارضتها بما سمعت ـ لا تنهض مخصّصة لهذه القاعدة ، فلا ينبغي الاستشكال في وجوب أداء الصلاتين في الفرض مع أنّه أحوط.

ويلحق بذلك ما إذا أدركت من الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة ، فلو رأت الطهر قبل الغروب وهي قادرة على أن تتطهّر وتصلّي خمس ركعات ، وجب عليها أداء الصلاتين ؛ لما ستعرف من أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كلّه ، والعبرة بقدرتها على الطهارة المائيّة ، فإنّ أخبار الباب كفتاوي الأصحاب ـ على ما صرّح به بعضهم ـ ناطقة بذلك.

٢١٣

نعم ، لو اقتضى تكليفها التيمّم لا لضيق الوقت بل لمرض ونحوه ، اعتبر قدرتها عليه ؛ إذ المدار ـ على ما يتبادر من الأخبار ـ ليس إلّا على إدراكها من الوقت بمقدار تتمكّن من الخروج عن عهدة تكليفها الذي هو الصلاة مع الغسل لو لا مرض ونحوه ، فلا يكون ضيق الوقت مؤثّرا في انقلاب تكليفها ؛ إذ لا تكليف مع الضيق ، لكن لو لم يكن فرضها إلّا التيمّم ولو مع عدم الضيق ، فلا يعتبر إلّا وفاء الوقت بذلك ؛ لما أشرنا إليه من إناطة الحكم بكفاية الوقت للقيام بشأنها بحسب ما يقتضيه تكليفها من غير توان ، وهو حاصل في الفرض.

وما في بعض الأخبار من اعتبار كونها قادرة على أن تغتسل (١) جار مجرى الغالب ، والله العالم.

تنبيه : الأظهر أنّ جلّ الأخبار بل كلّها الواردة لتحديد أوقات الصلوات ـ ما عدا الطائفة الاولى المذكورة في صدر المبحث ، الدالّة على امتداد وقت الظهرين إلى الغروب والعشاءين إلى نصف الليل ـ صدرت على ضرب من التقيّة ، لكن من نظر فيها وفي غيرها من أخبار الباب بعين البصيرة وجعل بعضها مفسّرا لبعض يراها مشتملة على مطالب حقّة ابرزت بصورة يتأدّى بها التقيّة ، فإنّ ما ذكرناه من المحامل في مطاوي كلماتنا السابقة لتوجيه الأخبار المختلفة ـ من حمل جملة منها علي إرادة وقت الفضيلة ، وبعضها على إرادة وقت أتى به جبرئيل عليه‌السلام ، أو الوقت الأصلي أو غير ذلك من التأويلات المناسبة ـ فإنّما هي امور استفدناها من الإشارات الواقعة في الأخبار بعد التدبّر في الجميع ، وجعل بعضها قرينة لاستكشاف المراد من البعض ، ولم تكن هذه القرائن بحسب الظاهر

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢١٠ ، الهامش (١).

٢١٤

معروفة لدى المخاطبين ، فلم يكونوا يفهمون من الأخبار إلّا ظواهرها ، ولذا كثر الاختلاف بينهم في عصر الأئمّة عليهم‌السلام في مواقيت الصلوات ، وكانوا كثيرا ما يسألون الأئمّة عليهم‌السلام عن توجيه الأخبار المختلفة ، كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار.

وقد أشار أبو عبد الله عليه‌السلام إلى وجه الاختلاف في خبر أبي خديجة ، قال :سأله إنسان وأنا حاضر ، فقال : ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلّون العصر ، وبعضهم يصلّون (١) الظهر ، فقال عليه‌السلام : «أنا أمرتهم بهذا ، لو صلّوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم» (٢) فيظهر من هذه الرواية أنّه عليه‌السلام تعمّد في التحديدات المختلفة لئلّا يكون لصلاة الشيعة وقت مضبوط كي تكون الصلاة في ذلك الوقت من شعارهم ، فيعرفوا بذلك.

فالظاهر أنّ مثل هذه الروايات صدرت على سبيل التورية لأجل المصالح المقتضية لها. وفي بعض (٣) الأخبار إشارة إلى أنّ لها محملا صحيحا ، فتدبّر.

تبصرة : حكي عن المفيد في المقنعة تحديد وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يرجع الفي‌ء سبعي الشاخص ،والعصر إلى أن يتغيّر لون الشمس باصفرارها للغروب ، وللمضطرّ والناسي إلى الغروب (٤).

وعن الحسن بن عيسى : أنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي

__________________

(١) في «ض ١٤ ، ١٦» والتهذيب والوسائل : «يصلّي».

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٥٢ / ١٠٠٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥٧ / ٩٢١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٣) راجع : اختيار معرفة الرجال : ١٣٨ / ٢٢١.

(٤) المقنعة : ٩٢ ـ ٩٣ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٧ : ١٤٧.

٢١٥

الظلّ ذراعا واحدا أو قدمين من ظلّ قامته بعد الزوال ، فإن تجاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر ، وأنّ وقت العصر إلى أن ينتهي الظلّ ذراعين بعد زوال الشمس ، فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر (١).

وعن النهاية والتهذيب أنّ آخر وقت الظهر للمعذور اصفرار الشمس (٢).

وعن أبي الصلاح أنّ آخر وقت المختار الأفضل للظهر أن يبلغ الظلّ سبعي القائم ، وآخر وقت الإجزاء أن يبلغ الظلّ أربعة أسباعه ، وآخر وقت المضطرّ أن يصير الظلّ مثله (٣).

وعن السيّد في بعض كتبه : امتداد وقت العصر للمختار إلى أن يصير الظلّ ستّة أقدام (٤).

وفي الجميع ما لا يخفى بعد الإحاطة بما مرّ ، بل قد لا يساعد على بعض هذه الأقوال شي‌ء من أخبار الباب على كثرتها وشدّة اختلافها إلّا ببعض التمحّلات.

وكيف كان فلا يهمّنا الإطالة فيها بعد أن ظهر ـ فيما سبق ـ امتداد وقت الظهرين للمختار إلى الغروب ، وعدم صلاحيّة الأخبار المنافية له لمعارضة ما يدلّ عليه.

(وكذا) ظهر أيضا فيما تقدّم ضعف ما قيل من أنّ (من غروب الشمس)

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٣٧ و ٤٣ ، المسألتان ٤ و ٥.

(٢) النهاية : ٥٨ ، التهذيب ٢ : ١٨ و ٢٤ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٩.

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٩.

(٤) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٣٨ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٤٨.

٢١٦

(إلى ذهاب الحمرة) المغربيّة (للمغرب ، وللعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار ، وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطرّ) حيث عرفت جواز تأخير المغرب عن ذهاب الشفق اختيارا ، وتقديم العشاء عليه كذلك ، وتأخيرها إلى نصف الليل.

نعم ، ربّما يظهر من بعض الأخبار المتقدّمة (١) في محلّها أنّ آخر وقت المغرب ثلث الليل أو ربعه ، لكنّه لا يصلح لمعارضة غيره ممّا هو صريح في امتداد وقتها إلى أن يتضيّق وقت العشاء بأن لم يبق إلى نصف الليل إلّا مقدار أربع ركعات ، فما دلّ على أنّ وقت المغرب إلى ثلث الليل أو ربعه اريد به ـ على الظاهر ـ التوسعة في وقتها الأوّل بالنسبة إلى أصحاب العذر ، ولذا خصّه في بعض الأخبار ـ الدالّة عليه ـ بالمسافر حيث قال : «وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل» (٢).

وكيف كان فهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه (و) إنّما الإشكال فيما (قيل) من امتداد وقت العشاءين للمضطرّ (إلى طلوع الفجر) كما حكي عن غير واحد (٣) من القدماء والمتأخّرين ، خلافا لما حكي عن ظاهر المشهور من انتهاء وقتهما مطلقا عند انتصاف الليل (٤).

وحكي عن بعض القول بجواز تأخيرهما اختيارا عن نصف الليل (٥) ، لكن

__________________

(١) في ص ١٦٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦٥ ، الهامش (٢).

(٣) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٤٣.

(٤) نسبه إلى المشهور الشهيد في الذكرى ٢ : ٣٤٨ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٤٢.

(٥) حكاه الطباطبائي في رياض المسائل ، ٢ : ١٨٤ بلفظ «قيل».

٢١٧

لم نعرف قائله ، ولعلّه من العامّة.

وكيف كان فلا ريب في فساده وإن كان قد يتوهّم جواز الاستدلال له برواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر» (١).

ولكن فيه ما لا يخفى من عدم دلالة الرواية على كون آخر الوقت وقتا اختياريّا.

ولو سلّم ظهورها في ذلك ، لوجب تأويلها أو طرحها ؛ لمعارضتها حينئذ بالأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالّة على انتهاء وقت العشاءين عند انتصاف الليل ، التي منها المعتبرة المستفيضة الواردة في تفسير قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٢) التي لا يحوم حولها شائبة التقيّة كالكتاب العزيز ، فإنّ مفادها ـ كمفاد الآية الشريفة ـ أنّ ما بعد غسق الليل ـ المفسّر بانتصافه ـ كما قبل الزوال خارج عن الوقت الذي أمر الله تعالى بإيقاع الصلوات الأربع فيها ، فلو دلّ دليل على أنّ العشاءين يمتدّ وقتهما إلى الصبح ، فهو بمنزلة ما لو دلّ دليل على أنّ وقت الظهرين من طلوع الشمس إلى الغروب ، يجب ردّ علمه إلى أهله ، أو تأويله بما لا يخالف ظاهر الكتاب والسنّة ، المعتضد بإجماع الفرقة ، كما هو واضح.

وممّا يشهد لعدم جواز تأخيرهما اختيارا عن نصف الليل ـ مضافا إلى ما

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ١٢٦ ، الهامش (٣).

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.

٢١٨

عرفت ـ الأخبار الواردة في ذمّ من نام عن صلاة العشاء حتّى انتصف (١) الليل.

مثل : مرسلة الصدوق عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ملك موكّل يقول : من بات عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل فلا أنام الله عينه» (٢).

وعنه في العلل مسندا نحوه ، إلّا أنّ فيه : «من نام عن العشاء» (٣).

وعنه أيضا في الفقيه مرسلا قال : وروي في من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل أنّه يقضي ويصبح صائما عقوبة ، وإنّما وجب ذلك [عليه] لنومه عنها إلى نصف الليل (٤).

وعن الشيخ بسنده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : «وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل ، فإذا مضى الغسق نادى ملكان :من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه» (٥).

وربما يستشعر من هذه الرواية بل يظهر منها جواز تأخيرها إلى النصف ، وصيرورتها مضيّقة عنده ، لكن لا بدّ من حملها على إرادة الرخصة في إيقاعها إلى النصف ، لا تأخيرها عنه ، كما يومئ إلى ذلك ما فيها من تفسير الغسق ـ الذي حدّ به وقتها في الكتاب العزيز (٦) ـ بنصف الليل.

__________________

(١) في «ض ١١ ، ١٤» : «ينتصف».

(٢) الفقيه ١ : ١٤٢ / ٦٦٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) علل الشرائع : ٣٥٦ (الباب ٧٠) ح ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٢ / ٦٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المواقيت ، ح ٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ / ١٠٤١ ، وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ / ٩٨٦ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٦) الإسراء ١٧ : ٧٨.

٢١٩

ومرسلة ابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلى (١) بعد انتصاف الليل ، قال : «يصلّيها ويصبح صائما» (٢).

ومرفوعة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل فليقض صلاته ويستغفر الله» (٣).

وربّما يستظهر من الأمر بقضاء صلاته في هذه الرواية خروج وقتها الاضطراري أيضا.

وفيه نظر ؛ إذ لم يثبت كون القضاء في عرفهم حقيقة في المعنى المصطلح.

وكيف كان فلا شبهة في عدم جواز تأخيرها عن نصف الليل ، وإنّما أوردنا هذه الأخبار من باب التيمّن ، وإلّا فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى الاستشهاد بمثل هذه الروايات ، فالشأن في المقام إنّما هو في تحقيق أنّه هل يخرج وقت العشاءين بالانتصاف ، فتندرجان حينئذ في الفوائت ، كما هو ظاهر المشهور وصريح بعض (٤) ، أو أنّه لا يفوت وقتهما حتّى يطلع الفجر إمّا لخصوص الحائض والناسي ونحوهما من أولي الأعذار ، أو مطلقا وإن حرم التأخير عن النصف؟ فإنّه ربما يشهد لبقاء وقتهما في الجملة جملة من الأخبار.

منها : رواية (٥) عبيد بن زرارة ، الدالّة على عدم اندراج صلاة الليل في

__________________

(١) في الكافي : «إلّا» بدل «إلى».

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٦ / ١٠٩٧ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المواقيت ، ح ٦ ، وكذا الباب ١٧ من تلك الأبواب ، ح ٥.

(٤) لم نتحقّقه.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ١٢٦ ، الهامش (٣).

٢٢٠