مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

١
٢

٣
٤

٥
٦

(وأمّا الأغسال المسنونة فالمشهور) المعروف (منها : ثمانية وعشرون غسلا) وإلّا فهي أكثر من ذلك ، بل عن المصابيح أنّها تقرب من مائة (١).

(ستّة عشر) من تلك الأغسال المشهورة (للوقت ،) (وهي : غسل يوم الجمعة) الذي لا شبهة في شرعيّته ، بل لعلّه من ضروريّات الدين.

وهو من الأغسال المستحبّة لا الواجبة على المشهور بين الأصحاب ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وحكي (٢) عن بعض العامّة : القول بوجوبه ، وعن بعض (٣) متأخّري أصحابنا الميل إليه أو القول به ؛ اغترارا ببعض الروايات المشعرة به أو الظاهرة فيه.

وليس بشي‌ء ؛ ضرورة أنّه لو كان غسل الجمعة كالجنابة فريضة ، لصار وجوبه من صدر الإسلام ـ كسائر الفرائض التي يعمّ بها البلوى ـ ضروريّا فضلا عن أن يشتهر بين العامّة والخاصّة خلافه ، فلو فرض في مثل المقام ورود أخبار

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢ ، وكتاب المصابيح مخطوط.

(٢) الحاكي هو العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٢ : ١٣٨ ، ضمن المسألة ٢٧٢ ، وانظر : المحلّى ٢ : ٨ ، وبداية المجتهد ١ : ١٦٤ ، والمبسوط ـ للسرخسي ـ ١ : ٨٩ ، والمجموع ٤ : ٥٣٥ ، والمغني ٢ : ١٩٩.

(٣) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢١٧ ، وانظر : الحبل المتين : ٧٨ ـ ٧٩.

٧

معتبرة سليمة عن المعارض دالّة على الوجوب ، لوجب تأويلها أو ردّ علمها إلى أهله.

فما يتراءى من جملة من الأخبار وجوبه وجب حمله على إرادة الاستحباب المؤكّد ـ لقد روي عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ليس شي‌ء من التطوّع أعظم منه» (١) ـ أو غيره من المحامل ، ففي كثير من الأخبار وصفه بالوجوب.

والظاهر أنّ المراد من الوجوب الثبوت المؤكّد ، لا لزوم الفعل ، والوجوب المصطلح ، كما يدلّ عليه جملة من القرائن الداخلة في نفس تلك الأخبار فضلا عن غيرها.

وفي غير واحد من الأخبار عدّه من الأغسال الواجبة بهذه الملاحظة ، كعدّ غيره من الأغسال المستحبّة أيضا في عرضه في تلك الأخبار.

وفي المرسل المحكي عن كتاب العروس عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لا يترك غسل يوم الجمعة إلّا فاسق ، ومن فاته غسل الجمعة فليقضه يوم السبت» (٢).

وفي رواية سهل بن اليسع عن أبي الحسن عليه‌السلام في رجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك ، قال : «إن كان ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن كان متعمّدا فالغسل أحبّ إليّ ، فإن هو فعل فليستغفر الله ولا يعود» (٣).

__________________

(١) جمال الأسبوع : ٢٢٨ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٩.

(٢) العروس (ضمن جامع الأحاديث) : ١٦٠ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٢ ، والباب ٦ من تلك الأبواب ، ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١١٣ / ٢٩٩ ، الإستبصار ١ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٣٣٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

٨

وفي رواية أبي بصير «إذا كان ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن كان متعمّدا فليستغفر الله ولا يعد» (١).

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتّى صلّى ، قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (٢) إلى غير ذلك من الروايات التي يتراءى منها الوجوب.

ولا يخفى على المتتبّع في الأخبار أنّ ورود مثل ذلك في السنن غير عزيز ، فكفى في صرف مثل هذه الروايات عن ظاهرها مخالفتها للمشهور خصوصا في مثل هذه المسألة ، فضلا عن معارضتها بجملة من الروايات التي كادت تكون صريحة في الاستحباب.

مثل : صحيحة ابن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : «سنّة وليس بفريضة» (٣).

ورواية عليّ بن حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل العيدين أواجب هو؟ قال : «سنّة» قلت : فالجمعة؟ قال : «سنّة» (٤).

وخبر الحسين بن خالد قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال : «إنّ الله أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة ، وأتمّ صوم الفريضة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦٤ / ٢٤٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١١٢ ـ ١١٣ / ٢٩٨ ، الإستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ١١٢ / ٢٩٥ ، الإستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٩.

(٤) التهذيب ١ : ١١٢ / ٢٩٧ ، الإستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١٢.

٩

بصوم النافلة ، وأتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان» (١).

وخبر الفضل بن شاذان عن مولانا الرضا عليه‌السلام في كتاب كتبه إلى المأمون : «وغسل يوم الجمعة سنّة ، وغسل العيدين وغسل دخول مكّة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الإحرام وأوّل ليلة من شهر رمضان وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الحيض مثله» (٢) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه.

ووضوح الحال أغنانا عن إطناب المقال باستقصاء الأخبار والتعرّض لمفادها بما يقتضيه النقض والإبرام.

(ووقته) على المشهور (ما بين طلوع الفجر) الثاني (إلى زوال الشمس) فلا يجوز تقديمه عليه في غير ما استثني إجماعا ، كما عن جماعة نقله.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماعات المستفيضة ـ قاعدة توقيفيّة العبادة ، فإنّ الوقت الموظّف الذي ثبت شرعيّة غسل الجمعة فيه في غير ما ستعرفه إنّما هو يومها لا قبله.

وربما يستشعر ذلك بل يستظهر من الأخبار الدالّة على جوازه بعد طلوع الفجر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ١١١ / ٢٩٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٧.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٦.

١٠

مثل صحيحة زرارة والفضيل ، قالا : قلنا له : أيجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ قال : «نعم» (١).

وحسنة زرارة «إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة» (٢) إلى آخره.

ورواية ابن بكير أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الغسل في رمضان ، إلى أن قال : «والغسل أوّل الليل» قلت : فإن نام بعد الغسل؟ قال : فقال : «أليس هو مثل غسل يوم الجمعة؟ إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك» (٣).

ورواية أخرى عنه عن أبيه عن أبي عبد الله (٤) عليه‌السلام مثلها بأدنى اختلاف في ألفاظها.

وكيف كان فهذه الروايات تدلّ على جواز الإتيان به بعد طلوع الفجر ، ولو لا استفادته من مثل هذه الروايات وعدم مخالفة الأصحاب فيه ظاهرا ، لكان لتوهّم اختصاصه بما بعد طلوع الشمس مجال ؛ لإمكان دعوى انصراف المطلقات الآمرة بالغسل يوم الجمعة إلى إرادته بعد طلوع الشمس لا قبله.

لكن لا مجال لمثل هذا التوهّم بعد ما عرفت ، كما أنّه لا ريب في امتداد وقته إلى الزوال ، بل لا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٨ / ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٦ / ٦٢١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤١ (باب ما يجزئ الغسل منه ..) ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ / ٢٧٩ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الجنابة ، ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ١٦٨ / ٦١٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٧٣ / ١١٤٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٢.

١١

ولا ينافيه ما عن المصنّف في المعتبر من تحديده بما قبل الزوال ، ودعوى الإجماع عليه (١) ؛ فإنّ كون الزوال حدّا يلزمه أن يقع الفعل المحدود به قبله.

(وكلّما قرب) الغسل (من الزوال كان أفضل) كما صرّح به في المتن وغيره ، ويظهر من غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وعن الفقه الرضوي التعبير بعين العبارة (٢).

ويؤيّده حكمه مشروعيّة غسل الجمعة من الطهارة والنظافة عند الزوال واجتماع الناس للصلاة.

ويدلّ عليه في الجملة ـ مضافا إلى ما عرفت ـ صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنّه سنّة ، وشمّ الطيب والبس صالح ثيابك ، وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال ، فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار» (٣) الحديث.

وصحيحة البزنطي ـ المرويّة عن قرب الإسناد ـ عن الرضا عليه‌السلام أنّه «كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح» (٤) بناء على أن يكون المراد بالرواح هو الرواح إلى الصلاة ، كما هو الظاهر ، دون الرواح بمعنى العشيّ.

وكيف كان فلا إشكال في شي‌ء ممّا عرفت ، وإنّما الإشكال فيما صرّحوا به ـ بل ادّعى غير واحد إجماعهم عليه ـ من انقضاء وقته بالزوال ، وصيرورته قضاء

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٨ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٥٤.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٥.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٧ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٣.

(٤) قرب الإسناد : ٣٦٠ / ١٢٨٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٢٢.

١٢

بعده ، فإنّه لا يكاد يفهم ذلك من الأخبار ، وليس في قوله عليه‌السلام في الصحيحة المتقدّمة : «وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» دلالة عليه ؛ لكونه مسوقا لبيان ما هو الأفضل ، ولا دلالة فيه على انقضاء وقته بالزوال ، كما لا يخفى على المتأمّل في الرواية.

نعم ، ربما يستظهر كونه قضاء في آخر النهار من خبر سماعة بن مهران عن الصادق عليه‌السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أوّل النهار ، قال : «يقضيه آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (١) بناء على أن يكون المراد بالقضاء معناه المصطلح ، كما يؤيّده اتّحاده مع السبت.

وخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة ، قال : «يغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت» (٢) إذ لو كان وقته ممتدّا إلى الغروب ، لم يتحقّق الفوت قبل انقضاء وقته ، فلم يكن وقع للجواب بقوله عليه‌السلام : «يغتسل ما بينه وبين الليل» بل يفهم من ذلك اختصاص وقته بما هو المعهود عندهم من كونه قبل الزوال ، وأنّ إتيانه فيما بعد هذا الوقت إنّما هو بعنوان تدارك الفائت.

لكن لقائل أن يقول : يكفي في إطلاق الفوت وصحّة العبارة معهوديّة إيقاعه في ذلك الوقت ، وتوهّم السائل اختصاصه به لأجل معهوديّته ، ولا يقتضي ذلك كون وقته المضروب له أوّلا وبالذات في أصل الشريعة هو ذلك الوقت كي

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٣ / ٣٠٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١١٣ / ٣٠١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

١٣

يكون إيجاده فيما بعده إتيانا للشي‌ء في غير وقته الموظّف.

ثمّ لو سلّمت دلالة الروايتين ـ كما ليس بالبعيد ـ فلا يكفي في إثبات المطلوب ـ أعني كون أوّل الزوال حدّا ـ إلّا بضميمة فتوى الأصحاب وغيرها من المؤيّدات.

ولا يهمّنا تحقيقه بعد أن ثبتت شرعيّة الغسل إلى الليل ، كما دلّت عليها الروايتان وغيرهما ؛ إذا لا يترتّب على تحقيقه أثر يعتدّ به إلّا من حيث قصد كونه قضاء أو أداء ، وهو ممّا لا يضرّ الإخلال به في صحّة العبادة على الأظهر والأولى ، بل الأحوط هو الإتيان به بعد الزوال بقصد امتثال أمره الواقعي المعلوم عند الله من دون تعيين كونه هو الأمر الخاصّ المتعلّق بغسل الجمعة أو الأمر المتعلّق بقضائه.

وربّما يثمر أيضا فيما لو اغتسل يوم الخميس عند خوف إعواز الماء ، فوجد الماء يوم الجمعة بعد الزوال وقلنا بالإعادة في الوقت لا في خارجه ، كما سيأتي التكلّم فيه.

وكذا يثمر عند اختصاص خوف الإعواز بما قبل الزوال دون ما بعده في جواز التقديم على احتمال ، لكن يشرع له في هذا الفرض تقديمه بقصد الاحتياط لرجاء المطلوبيّة على الأقوى ، كما أنّه يشرع في الفرض الأوّل الإعادة بعد الظهر بقصد الاحتياط ورجاء بقاء وقته الواقعي ، فلا فائدة يعتدّ بها في تنقيح هذا المطلب ، والله العالم بحقيقة أحكامه.

(ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف إعواز الماء) على

١٤

المشهور ، بل لم ينقل الخلاف فيه من أحد ، بل عن الحدائق (١) وغيره (٢) نفي الخلاف فيه.

ويدلّ عليه : الصحيح عن الحسين ـ [أو] (٣) الحسن ـ بن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن امّه وأمّ أحمد بن موسى قالتا : كنّا مع أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام في البادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : «اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة ، فإنّ الماء غدا بها قليل» قالتا : فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة (٤).

وفي الصحيح عن محمّد بن الحسين عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لأصحابه : «إنّكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء ، فاغتسلوا اليوم لغد» فاغتسلنا ليوم الجمعة (٥).

وعن الفقه الرضوي «وإن كنت مسافرا وتخاف عدم الماء يوم الجمعة فاغتسل يوم الخميس» (٦).

وضعف الروايات منجبر بما عرفت ، وموردها ـ كما هو ظاهر المتن وغيره ـ إنّما هو التعجيل عند إعواز الماء.

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٥ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٤ : ٢٣١.

(٢) جواهر الكلام ٥ : ١٥.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة و «ض ٧ ، ٨» : «ابن خالد عن». والصحيح ما أثبتناه ؛ لأنّ «الحسين بن خالد» ليس في المصادر ، وإنّما في الفقيه : «الحسن بن موسى بن جعفر عليه‌السلام». وفي الكافي والتهذيب : «الحسين بن موسى بن جعفر عليه‌السلام».

(٤) الكافي ٣ : ٤٢ / ٦ ، الفقيه ١ : ٦١ / ٢٢٧ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ / ١١١٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٥ / ١١٠٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٢٩ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

١٥

وهل يلحق به مطلق الفوات كما عن جملة من الأصحاب التصريح به (١)؟

وجهان : من الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورد الثبوت ، ومن دعوى القطع بعدم مدخليّة خصوصيّة إعواز الماء ، وإناطة الحكم بمطلق الفوات بل مطلق التعذّر.

وكيف كان فدعوى القطع بالمناط على عهدة مدّعيها وإن كانت غير بعيدة ، فالقول بالاختصاص لمن لم يحصل له القطع بذلك هو المتعيّن.

والأولى الإتيان به حينئذ بداعي الاحتياط ورجاء المطلوبيّة.

ثمّ إنّ ظاهر المتن وغيره ـ بل قيل : إنّه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا (٢) ـ إنّما هو كفاية مطلق الخوف.

وظاهر المحكيّ عن بعض : اعتبار غلبة الظنّ (٣) ، بل عن ظاهر بعض اعتبار اليأس (٤) ، كما هو مورد الرواية الثانية (٥) على الظاهر.

والأقوى هو الأوّل ، كما هو صريح الرضوي (٦) ، وظاهر الصحيح الأوّل ، المؤيّد بالشهرة المحكيّة ، وشهادة التتبّع بكفاية الخوف في الضرورات.

وكيف كان فالمتبادر من النصوص والفتاوى إنّما هو جواز التقديم عند خوف عوز الماء للغسل في وقته أداء ، فلا عبرة بتمكّنه من الماء يوم السبت ، بل و

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ٥ : ١٥.

(٢) كما في جواهر الكلام ٥ : ١٦.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٦ عن منتهى المطلب ١ : ١٢٩.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٦ عن الخلاف ١ : ٦١١ ـ ٦١٢ ، المسألة ٣٧٧.

(٥) أي : صحيحة محمد بن الحسين ، المتقدّمة في ص ١٥.

(٦) تقدّم الرضوي في ص ١٥.

١٦

كذا يوم الجمعة بعد الزوال على إشكال فيه منشؤه تعليق التعجيل في الفتاوى والنصوص بالإعواز يوم الجمعة ، الظاهر في إرادته إلى الغروب.

ودعوى انصرافها إلى إرادة إعوازه في وقته المعهود ، أي إلى الزوال وإن لم تكن بعيدة لكنّها غير خالية عن التأمّل.

هذا ، مع ما عرفت من أنّ صيرورته قضاء بعد الزوال أيضا لا يخلو عن نظر ، فالأولى عدم تقديمه حينئذ إلّا بقصد الاحتياط ، كما أنّ الأحوط إعادته بعد الزوال عند التمكّن.

ثمّ إنّه قد يقال : إنّ تعجيل الغسل يوم الخميس أفضل من قضائه.

ولعلّه للأمر به في الروايتين (١) ، مع ما فيه من الاستباق إلى الخيرات ، والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على مورد النصّ إنّما هو التقديم يوم الخميس ، لكن حكي عن صريح بعض وظاهر آخرين : جوازه ليلة الجمعة (٢) ، بل عن المصابيح دعوى الإجماع عليه (٣).

وربّما يوجّه ذلك بانسباقه من العلّة المنصوصة في الروايتين ؛ فإنّ المتبادر إلى الذهن كون جواز التقديم يوم الخميس مسبّبا عن إعواز الماء يوم الجمعة من دون أن يكون لكونه في اليوم مدخليّة في الحكم.

__________________

(١) أي : روايتي الحسين بن موسى ومحمد بن الحسين ، المتقدّمتين في ص ١٥.

(٢) الظاهر ـ بملاحظة التتبّع في المصادر وبالقياس إلى دعوى الإجماع عن المصابيح ـ : «ليلة الخميس» لا «ليلة الجمعة» وإن حكي جواز الغسل ليلة الجمعة عن ظاهر المعظم. لا حظ جواهر الكلام ٥ : ١٧ ، وكتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٣ ، السطر ١٩.

(٣) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٧.

١٧

وفيه نظر ؛ فإنّ العلّة ليست علّة لجواز التقديم مطلقا ، وإلّا لدلّت على جوازه ليلة الخميس أيضا ، بل هي علّة لجوازه في يوم الخميس ، فإلحاق ليلة الجمعة (١) به لا يكون إلّا بدعوى الأولويّة وتنقيح المناط ، لا بالدلالة اللفظيّة.

والإنصاف أنّها ظنّيّة لا قطعيّة ، لكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بالإلحاق من باب المسامحة لأجل ما سمعت من دعوى الإجماع عليه (٢).

واحتمال استناد الأصحاب فيه إلى ما عرفت ضعفه غير ضائر في جريان قاعدة التسامح ما لم يتحقّق هذا الاحتمال.

لكن مع ذلك لا ريب في أنّ الأحوط هو الإتيان به في الليل بقصد الاحتياط لا التوظيف ، والله العالم.

ثمّ إنّه لو اغتسل يوم الخميس عند خوف الإعواز فوجد الماء يوم الجمعة ، قيل : أعاده ؛ لسقوط حكم البدل عند التمكّن من المبدل منه (٣).

وعن شارح الدروس : الاستدلال له بإطلاق الأوامر ، قال : وإن سلّمنا أنّ ظاهر الروايتين بدليّة هذا الغسل المتقدّم لغسل الجمعة مطلقا ، لكن تخصيص الأخبار الكثيرة بمثل هاتين الروايتين مشكل (٤). انتهى.

ونوقش في الوجه الأوّل : بأنّ البدل قد وقع صحيحا ، فلا يجمع بينه وبين المبدل ، كما لو قدّم صلاة الليل أو الوقوف بالمشعر.

وفي الثاني ـ بعد تسليم عدم انصراف الإطلاقات إلى من لم يغتسل ـ : أنّ

__________________

(١) لاحظ التعليقة رقم (٢) في ص ١٧.

(٢) لاحظ التعليقة رقم (٢) في ص ١٧.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٣.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٢٣ ، وانظر : مشارق الشموس : ٤٢.

١٨

أخبار التقديم دالّة على أنّ ما يؤتى به هو غسل الجمعة ، الذي أراده الشارع من المتمكّن ، فهي حاكمة على الإطلاقات ، كما في كلّ واجب قدّم.

وقد يذبّ عن الأولى : بأنّ عدم التمكّن من المبدل شرط في صحّة البدل واقعا ، فانكشاف التمكّن منه كاشف عن عدم صحّة البدل واقعا.

نعم ، سوّغ الدخول فيه ظاهرا خوف العجز عن المبدل صونا للفعل عن الفوات.

ومنه يظهر الجواب عن المناقشة في الإطلاقات ؛ إذ بعد تبيّن عدم تحقّق الشرط الواقعي للبدل فلا مخرج من العمومات.

قال شيخنا المرتضى قدس‌سره ـ بعد الإشارة إلى ما عرفت ـ : ولكنّ الإنصاف أنّ الظاهر من الروايتين أنّ ما يفعله الخائف هو الغسل الذي يفعله المتمكّن في يوم الجمعة ، فلو صحّ سندهما واستغنيا (١) عن الجابر ، لم يكن مناص عن العمل بهما في الحكم بالبدليّة الواقعيّة ، إلّا أنّهما لضعفهما لا يقومان على إثبات حكم زائد على أصل استحباب الفعل ، والجابر لهما ـ من الشهرة وعدم ظهور الخلاف ـ أيضا لم يجبر الزائد على ذلك (٢). انتهى.

ويتوجّه عليه أنّ عمل الأصحاب بالرواية يجبر ضعف السند ، فتكون بمنزلة غيرها من الروايات الصحيحة المعمول بها ، وإلّا فإثبات الاستحباب بها لا يحتاج إلى الجابر ، وحينئذ فلا يتّجه رفع اليد عن ظاهرها من دون معارض.

وأمّا ما ذكره قدس‌سره من أنّ ظاهر الروايتين أنّ ما يفعله الخائف هو الغسل الذي

__________________

(١) في المصدر : «واستغنينا».

(٢) كتاب الطهارة : ٣٢٣.

١٩

يفعله المتمكّن ، ففيه : أنّ هذا مسلّم ، ولكنّه لا يجدي ، وإنّما المجدي دعوى ظهورهما في أنّ أمر الخائف بإيجاده أمر واقعي بحيث أثّر الخوف في توسعة وقت الفعل واقعا ، لا أنّه أمر ظاهريّ نشأ من حسن الاحتياط وصيانة الفعل عن الفوت. ولا يبعد أن يكون مراده قدس‌سره ذلك وإن كانت العبارة قاصرة.

وكيف كان فالأظهر عدم جواز طرح مثل هذه الروايات المشهورة المعمول بها ، فلو سلّم ظهورها فيما ذكر فهو حاكم على إطلاقات الغسل يوم الجمعة ، لكنّه لا ينفي احتمال مشروعيّة الإعادة ولو باحتمال رجحانها لإدراك فضيلة الوقت ، فالأولى حينئذ هو الإعادة بقصد الاحتياط ، والله العالم.

ولو فاته الغسل يوم الجمعة قبل الزوال ، جاز له قضاؤه إلى الليل ، كما أشرنا إليه فيما سبق ، وقلنا : إنّ الأحوط حينئذ إتيانه بقصد امتثال أمره الواقعي من دون التفات إلى كونه قضاءً أو أداءً.

(و) كذا جاز له (قضاؤه يوم السبت).

وربما يستشعر من المتن وغيره اختصاصه بيوم السبت. ولعلّه غير مراد بالعبارة ، وعلى تقديره فهو ضعيف محجوج بقول الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أوّل النهار ، قال : «يقضيه آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (١).

وموثّقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة ، قال : «يغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت» (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٣ / ٣٠٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١١٣ / ٣٠١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

٢٠