مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

الفوائت قبل طلوع الفجر.

ومنها : المستفيضة المتقدّمة (١) الواردة في الحائض ، الدالّة على وجوب أداء الصلاتين عليها إذا طهرت قبل طلوع الفجر.

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس» (٢).

ولا منافاة بين هذه الأخبار وبين الآية والروايات الدالّة على انتهاء وقتهما عند انتصاف الليل ؛ لإمكان الجمع بينهما بحمل هذه الأخبار على الوقت الاضطراري ولو لخصوص من كان معذورا في التأخير ، كالحائض والنائم والناسي ، كما هو مورد أغلبها ، فيجمع بينها وبين ما دلّ على انتهاء الوقت بالانتصاف إمّا بتخصيصها بمن لم يكن معذورا في التأخير ، أو حملها على الوقت الاختياري الذي أمر الله تعالى أوّلا وبالذات بإيقاع الصلوات (٣) فيه على سبيل التوسعة ، لا مطلق الوقت الشامل للاضطراريّ الذي لدى التحقيق وقت تقديريّ لا فعليّ ، فلا يبعد دعوى انصراف إطلاق الوقت عنه وإن كانت قابلة للمنع.

والحاصل أنّ الجمع بأحد الوجهين من الجمع المقبول المقدّم على طرح الرواية أو حملها على التقيّة.

__________________

(١) في ص ٢١٠ ـ ٢١١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٦ ، الوسائل ، الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٤.

(٣) في «ض ١٦» : «الصلاة».

٢٢١

ولكنّه مع ذلك لا يخلو عن إشكال ؛ فإنّ الاعتماد على مثل هذه الروايات في رفع اليد عن ظواهر الأخبار الكثيرة الظاهرة في انتهاء الوقت على الإطلاق ـ بعد إعراض المشهور عنها ، وموافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة على ما قيل (١) ، مع ما علم من أنّ أكثر الأخبار الواردة في المواقيت مشوبة بالتقيّة ـ في غاية الإشكال ، فالحكم موقع تردّد ، والأحوط هو الإتيان بهما قبل طلوع الفجر بقصد امتثال أمرهما الواقعي من غير تعرّض للأدائيّة أو القضائيّة مراعيا فيهما وظيفتي الوقت وخارجه ، فيأتي بخصوص العشاء في آخر الليل إذا لم يبق من آخره إلّا بقدر فعلها ، ثمّ يعيدها في خارج الوقت مرتّبة على المغرب ، كما أنّه لو كان عليه فوائت لم يتمكّن من الإتيان بجميعها قبل الحاضرة ، أتى بالحاضرة ثمّ أعادها في خارج الوقت مرتّبة على الفوائت ، والله العالم.

(و) قدر ظهر أيضا ـ فيما سبق ـ ضعف ما قيل من أنّ (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة) وقت (للمختار في الصبح ، وما زاد على ذلك حتّى تطلع الشمس للمعذور) فلا حاجة إلى الإعادة.

(و) قد عرفت أنّ الأظهر (عندي) وفاقا للمصنّف وغيره ـ إنّما هو توجيه الأخبار التي هي مستند التفصيل بين المختار والمعذور في أوقات الفرائض بـ (أنّ ذلك كلّه للفضيلة) وأنّ ما فيها من الاختلاف منزّل على اختلاف مراتب الفضيلة ، أو الاختلاف بحسب الأزمنة ، أو غير ذلك من الوجوه القابلة ، خلافا لبعض من وافقنا في جواز تأخير الصلوات إلى آخر أوقاتها ، فحمل

__________________

(١) راجع روض الجنان ٢ : ٤٨٨ ، والحدائق الناضرة ٦ : ١٨٥ ، وجواهر الكلام ٧ : ١٥٩.

٢٢٢

هذه الأخبار على التقيّة ونحوها ، لا على الفضيلة ، فالتزم بأنّ الفضل في المبادرة إلى الصلاة من أوّل وقتها إلى آخره ، فهي في كلّ جزء من أجزاء الوقت أفضل ممّا بعده.

وهذا وإن كان وجيها لكن الأوجه ما عرفت من أنّ لكلّ صلاة وقتين ، وأوّل الوقتين من حيث هو أفضلهما ، لا من حيث عنوان المسارعة والاستباق ، الذي هو أيضا من الوجوه المرجّحة للفعل ، وأنّ التحديد الواقع في الأخبار المشار إليها منزّل على تحديد الوقت ـ الذي ينبغي اتّخاذه وقتا ـ الذي هو أوّل الوقتين ، كما في غير واحد من الأخبار إشارة إلى ذلك لا تخفى على من التفت إليها.

وقد ظهر بما ذكر أنّ الأظهر أنّ ابتداء وقت فضيلة العشاء بعد زوال الحمرة ؛ لما في غير واحد من الأخبار من تحديد أوّل وقتها بهذا الوقت الذي هو أوّل وقتيها اللّذين نزل بهما جبرئيل عليه‌السلام (١) ، ولكن رفعنا اليد عن ظاهرها بالحمل على أوّل وقتها الذي ينبغي اتّخاذه وقتا ، أي وقت الفضيلة ؛ جمعا بينها وبين الأخبار الدالّة على الرخصة في تقديمها ، وأنّ وقتها الذي يجوز الإتيان بها فيه إنّما هو بعد مضيّ مقدار المغرب ، التي لا يستفاد منها أزيد من جواز التقديم ، مع ما في بعضها من الإشعار أو الدلالة على مرجوحيّته بلا عذر.

وأمّا صلاة العصر فهي أيضا وإن كانت كالعشاء حيث ورد في جملة من الأخبار تحديد أوّل وقتها بذراعين أو أربعة أقدام أو القامة ، ولكن لم نلتزم فيها

__________________

(١) راجع ص ١٦٧ ، الهامش (٢) وص ١٦٨ ، الهامش (٣).

٢٢٣

بهذا الحمل ، بل وجّهناها بالحمل على أوّل الوقت المختصّ بالفريضة ، أو الوقت الأصلي الذي نزل به جبرئيل عليه‌السلام ، أو غير ذلك من المحامل التي من جملتها الحمل على التقيّة وإرادة الوقت المتعارف بين الناس ؛ للأخبار الدالّة على أنّ المبادرة إليها أبدا أفضل (١) ، وأنّه بعد الفراغ من الظهر لا يمنعك عن العصر إلّا سبحتك (٢) ، وأنّ تقديمها على أربعة أقدام كان أحبّ إلى الصادق عليه‌السلام (٣) ، كما تقدّم الكلام فيه مستوفى في صدر المبحث.

هذا ، مع قوّة احتمال استحباب تأخيرها أيضا إلى المثل أو الأربعة أقدام ، كما صرّح به الشهيد رحمه‌الله ـ فيما حكي (٤) عنه ـ على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات ، كما يدلّ عليه استقرار سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه بحيث لم يكن يتخلّف عنه إلّا نادرا ، كما يشهد بذلك الآثار ، ويرشدك إليه التتبّع في الأخبار.

ويؤيّده أيضا بعض (٥) الأخبار الواردة في المستحاضة ونحوها ممّا ورد فيها الأمر بالجمع بين الصلاتين حيث ورد فيها الأمر بتأخير الأولى وتعجيل الثانية.

ولا ينافي ذلك كون تقديمها أحبّ إلى الصادق عليه‌السلام ، وكون المبادرة إليها أبدا أفضل ؛ فإنّه على ما يظهر من بعض الأخبار أنّ أفضليّة التقديم إنّما هي من باب المسارعة إلى الخيرات وشدّة الاهتمام بالواجب وإتيانه في أوّل أزمنة إمكانه

__________________

(١) راجع : ص ٩١ ، الهامش (٢ و ٣) وص ٩٢ ، الهامش (١).

(٢) راجع : ص ٩٤ ، الهامش (٤) وص ٩٥ ، الهامش (١ و ٤).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٩٢ ، الهامش (٢).

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٢٤ ، وانظر : الذكرى ٢ : ٣٣٢.

(٥) الكافي ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، ح ١.

٢٢٤

مخافة أن تفوته الفريضة ، فلعلّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يراعي هذه الجهة ؛ لعلمه بأنّه لا تفوته الفريضة ، كما تقدّم نظيره في صلاة الوتيرة حيث ورد في بعض الأخبار أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يصلّيها ؛ لعلمه بأنّه لا تفوته صلاة الوتر ـ التي ينوب منابها الوتيرة عند فوتها ـ لمكان الوحي (١).

فالأظهر أنّ وقت فضيلتها من حيث هو ما بعد المثل أو الأربعة أقدام ، وإلّا لم يكن يختاره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في غالب أوقاته مع ما فيه من الكلفة الزائدة ، ولكن المبادرة إليها في أوّل وقتها بعنوان المسارعة إلى الخيرات والخروج عن عهدة ما وجب عليه في أوّل وقته أفضل ، فهما من قبيل المستحبّات المتزاحمة التي بعضها أهمّ.

ومن هنا ظهر أنّ المسارعة إلى فعل العشاء أيضا في أوّل أزمنة إمكانها لا تخلو عن فضيلة وإن كان الأفضل فيها ـ بالنظر إلى ظواهر الأخبار ـ إنّما هو رعاية وقت فضيلتها ، والله العالم.

تنبيه : الأخبار الواردة لتحديد الوقت الأوّل لصلاة الصبح ـ الذي هو أفضل وقتيها ـ مختلفة في التعبير عمّا جعل غاية له.

ففي صحيحة ابن سنان ـ المتقدّمة مرارا ، المرويّة عن التهذيب ـ : «ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ [الفجر] إلى أن يتجلّل الصبح السماء» (٢) الحديث.

ونحوها صحيحة الحلبي ـ المرويّة عن الكافي ـ أو حسنته عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «وقت الفجر حين ينشقّ إلى أن يتجلّل الصبح السماء ،

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ١٧٥ ، الهامش (١) وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٢٥

ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو [نام] (١)» (٢).

وفي خبر يزيد بن خليفة ، قال : «وقت الفجر حين يبدو حتّى يضي‌ء» (٣).

وفي بعض أخبار نزول جبرئيل عليه‌السلام بالأوقات : «أنّه أتى في اليوم الثاني حين نوّر الصبح ، فأمره فصلّى الصبح» (٤).

وفي بعضها : «ثمّ أتاه من الغد ، فقال : أسفر بالفجر ، فأسفر» (٥).

وهذه الأخبار وإن اختلفت في التعبير لكن لا مخالفة بينها من حيث المفاد ، إلّا أنّ إحراز هذه العناوين في مبادئ صدقها لا يخلو عن خفاء ، ولعلّه لذا جعل الأصحاب طلوع الحمرة المشرقيّة ـ التي هي بحسب الظاهر ملازم لأوّل حصول هذه العناوين ـ حدّا ، وإلّا فلم نجد في الأخبار الواصلة إلينا التحديد بها.

نعم ، ربّما يظهر من السؤال الواقع في صحيحة عليّ بن يقطين كون طلوع الحمرة ملازما للإسفار أو أخصّ منها.

قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن الرجل لا يصلّي الغداة حتّى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال عليه‌السلام : «يؤخّرهما» (٦).

وكيف كان فالأولى بل الأحوط هو التحديد بالعناوين الواقعة في

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «سها». والمثبت من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٣ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٣ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٢٧٤ / ٩٩١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب المواقيت ، ح ٣ ، والخبر عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٦٧ ، الهامش (٢).

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (٣).

(٦) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٩ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب المواقيت ، ح ١.

٢٢٦

النصوص ، وإبقاؤه في حيّز الإجمال ، كما أجمله الأئمّة عليهم‌السلام ، وهو ممّا يؤكّد كونه حدّا لوقت الفضيلة ، لا لوقت لا يجوز التأخير عنه ، كما زعمه بعض (١) ، وإلّا لعرّفوه بمفهوم غير قابل للتشكيك.

هذا ، مع أنّ جعل طلوع الحمرة حدّا للفضيلة قد ينافيه ما ستسمعه من كون هذا الحدّ حدّا لنافلة الفجر ، فإنّ مقتضاه مزاحمة التطوّع للفريضة في وقت فضيلتها ، وهو لا يخلو عن بعد ، كما ستعرف.

ولكنّ الأصحاب أعرف بمعاني الأخبار وبالقرائن المحفوفة بها ، فلا يبعد الاعتماد على فهمهم في استكشاف ما أريد بها ، ولو لا أنّهم فهموا من هذه الأخبار ما ينطبق على طلوع الحمرة المشرقيّة ، لأمكن حملها على إرادة تنوّر العالم بإحاطة ضوء الشمس على السماء بحيث تختفي عنده النجوم ، كما يؤيّد ذلك قول صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ في خبر الزهري ـ المرويّ عن الاحتجاج ـ : «ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم» (٢). وقد تقدّم (٣) توجيه اللعن على من أخّر العشاء ـ مع أنّه أفضل ـ في محلّه ، ولأمكن أيضا ـ على بعد ـ حملها على إحاطة ضوء الشمس بالسماء على وجه يظهر أثرها في ناحية المغرب بحيث ينطبق على الخبر المحكيّ عن دعائم الإسلام عن الصادق عليه‌السلام قال : «أوّل وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق ، وآخر وقتها أن يحمرّ أفق المغرب ، وذلك قبل

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٢٣ ، الهامش (١)

(٣) في ص ١٢٣.

٢٢٧

أن يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشي‌ء ، ولا ينبغي تأخيرها إلى هذا الوقت لغير عذر ، وأوّل الوقت أفضل» (١).

وعن الفقه الرضوي : «أوّل وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق ، وهو بياض كبياض النهار ، وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب ، وقد رخّص للعليل والمسافر والمضطرّ إلى قبل طلوع الشمس» (٢).

ويحتمل أن يكون المراد بخبر الدعائم تحديد آخر وقت الإجزاء الذي يتعيّن عنده فعل الصلاة ولا يجوز تأخيرها عنه لا ينبغي تأخيرها إليه.

هذا ، مع أنّ ضعف الرواية وكذا الرضوي مانع عن جعلهما قرينة لحمل الإسفار والإضاءة بل وكذا تجلّل السماء على بلوغ الضوء إلى هذا الحدّ ، مع ما فيه من البعد ، والله العالم.

(و) أمّا (وقت النوافل اليوميّة) فـ (للظهر من حين الزوال إلى أن تبلغ زيادة الفي‌ء قدمين) أي : سبعي الشاخص (وللعصر أربعة أقدام).

(وقيل) كما عن جملة من القدماء والمتأخّرين : (مادام وقت) الفضيلة أو (الاختيار) على الخلاف السابق (باقيا) إمّا مطلقا ، كما عن غير واحد منهم ، أو مقيّدا بغير مقدار أداء الفريضة ، كما عن الجمل والعقود والمهذّب والجامع (٣).

(وقيل : يمتدّ وقتها بامتداد وقت الفريضة) وقد اختار هذا القول في

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٣٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٠٣.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٧٤ و ١٠٤ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٠٣.

(٣) الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٧٤ ، المهذّب ١ : ٧٠ ، الجامع للشرائع : ٦٢ ، وحكاه عنها الفاضل الاصفهاني في كشف اللثام ٣ : ٥٤.

٢٢٨

المستند ، ونسبه إلى جماعة ، واستظهره من أخرى حيث قال : والحقّ أنّه يمتدّ إلى وقت الفريضة وفاقا لجماعة ممّن تأخّر ، منهم والدي رحمه‌الله في المعتمد ، وهو المحكيّ عن الحلبي ، بل ظاهر المبسوط والإصباح والدروس والبيان (١). انتهى.

(والأوّل أشهر) الأقوال وأوضحها مستندا ، بل هو المشهور ، كما ادّعاه بعض (٢).

ويدلّ عليه جملة من الأخبار التي تقدّم أغلبها في صدر المبحث عند تحقيق وقت الظهرين.

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال :«ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس» ثمّ قال : «إنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة ، فكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر» ثمّ قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لم جعل ذلك؟ قال : «لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار التي استشهدنا بها في أوّل المبحث لتنزيل الأخبار

__________________

(١) مستند الشيعة ٤ : ٥٥ ، وانظر : الكافي في الفقه : ١٥٨ ، والمبسوط ١ : ٧٦ ، وإصباح الشيعة :٦٠ ، والدروس ١ : ١٤٠ ، والبيان : ١٠٩.

(٢) السبزواري في كفاية الأحكام : ١٥.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٨٦ ، الهامش (٣).

٢٢٩

الكثيرة التي ورد فيها تحديد أوّل وقت الظهرين بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام على إرادة الوقت المختصّ بالفريضة ، وقد وقع في بعضها التصريح بأنّه «إنّما جعل كذلك لئلّا يكون تطوّع في وقت فريضة» (١).

ويدلّ عليه أيضا رواية إسماعيل الجعفي ، الآتية (٢).

وفي موثّقة عمّار ـ التي سيأتي (٣) نقلها في مسألة ما لو أدرك منها ركعة ـ قال :«فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى ولم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من نوافل [الأولى] (٤) ما بين الأولى إلى أن تمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّي النوافل» (٥) الحديث.

وعن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر اختيار القول الثاني ، والاستدلال عليه بصحيحة زرارة ، المتقدّمة (٦) ، حيث قال بعد ذكرها : وهذا يدلّ على بلوغ المثل والمثلين ؛ لأنّ التقدير : أنّ الحائط ذراع ، فحينئذ ما روي من القامة والقامتين جار هذا المجرى ، ويدلّ عليه ما روى عليّ بن حنظلة (٧). ثمّ أورد الرواية كما قدّمناها (٨) مع غيرها ممّا ورد فيها تفسير القامة بالذراع.

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّه لا يستقيم حمل القامة في هذه الصحيحة على

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٨٧ ، الهامش (٤).

(٢) في ص ٢٣١.

(٣) في ص ٢٤١.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «العصر». والمثبت من المصدر.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٣ / ١٠٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٦) في ص ٢٢٩.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٣.

(٨) في ص ٢٠٤.

٢٣٠

الذراع ، حيث قال عليه‌السلام في ذيل الخبر تفريعا على ذلك : «فإذا بلغ فيؤك ذراعا» (١) الحديث.

هذا ، مع ما عرفت في محلّه من أنّ القامة المفسّرة بالذراع أريد بها العهد ، فلا ينزّل عليها إطلاق القامة الواردة في سائر الأخبار ، وقد صرّح في الفقه الرضوي بأنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة إنسان (٢) ، ونحوه خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فإنّه وإن لم يقع فيه التصريح بذلك لكنّه يأبى عن إرادة غيره ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان الفي‌ء في الجدار ذراعا صلّى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلّى العصر» قلت : الجدران تختلف منها قصير ومنها طويل ، قال : «إنّ جدار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يومئذ قامة ، وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلّا يكون تطوّع في وقت فريضة» (٣).

واستدلّ في محكيّ الروضة : بأنّ المنقول من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام وغيرهم من السلف فعل نافلة العصر قبل الفريضة متّصلة بها ، وعلى تقدير الأقدام لا يجتمع فعل صلاة العصر في وقت فضيلتها ، الذي هو بعد المثل ، وفعل النافلة متّصلة بها ، بل لا بدّ من الانفصال (٤).

وفيه : أنّه قد ورد في الأخبار المستفيضة «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي العصر بعد أن مضى من الفي‌ء ذراعان ، وأنّه إنّما جعل الذراع والذراعين لمكان النافلة».

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٢٩.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٧٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ / ٩٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ / ٩١٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢٨.

(٤) الروضة البهيّة ١ : ٤٨٩ ، وحكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٧ : ١٧٥.

٢٣١

وكفاك شاهدا لذلك صحيحة زرارة ورواية الجعفي ، المتقدّمتين (١).

وربّما يظهر من كلام الحلّي (٢) الاستدلال عليه بالأخبار الدالّة على امتداد وقت الظهرين إلى المثل والمثلين بحملها على إرادة بيان وقت نافلتهما ، فإنّه نزّل الأخبار المختلفة الواردة لتحديد وقت الظهرين ـ المخالفة للأدلّة الدالّة على امتداد وقتهما من الزوال إلى الغروب ـ على وقت النافلة ، وحمل اختلافها على الاختلاف من حيث الطول والقصر ، أو غيره من المحامل.

وفيه ما لا يخفى.

واستدلّ للقول الثالث : بجملة من الأخبار المتضمّنة لاستحباب هذه النوافل قبل الفريضة بقول مطلق ، كقولهم عليهم‌السلام فيما قدّمناه من الأخبار : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ، إلّا أنّ بين يديها سبحة ، وهي ثمان ركعات إن شئت طوّلت ، وإن شئت قصّرت» (٣) وقولهم عليهم‌السلام عند تعداد النوافل : «ثمان ركعات قبل الظهر ، وثمان بعدها» (٤) أو «أربع بعدها وأربع قبل العصر» (٥) إلى غير ذلك.

وفيه : أنّ هذه المطلقات مسوقة لبيان حكم آخر لا يصحّ التمسّك بإطلاقها لإثبات امتداد الوقت.

مع أنّ الطائفة الأولى على خلاف المطلوب أدلّ ؛ فإنّ المقصود بها بيان

__________________

(١) في ص ٢٢٩ و ٢٣١.

(٢) راجع : السرائر ١ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٩٦ ، الهامش (١).

(٤) التهذيب ٢ : ٥ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١٥.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٤ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٨ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٧.

٢٣٢

دخول وقت الظهرين بمجرّد الزوال ، وأنّ المانع عن فعلهما في أوّل الوقت ليس إلّا السّبحة التي بين يديها ، وأنّه لا عبرة بالذراع والذراعين أو الأقدام ، بل العبرة بمضيّ مقدار فعل النافلة من أوّل الوقت ، سواء طالت أم قصرت.

فهذه الروايات لو لم يكن فيها دلالة فلا أقلّ من إشعارها بأنّ نافلة الزوال ـ التي هي ثمان ركعات ـ إنّما يؤتى بها من عند الزوال ، ونافلة العصر يؤتى بها بعد فريضة الظهر المأتيّ بها بعد نافلتها ، ولكنّ المكلّف مخيّر في أن يطوّلها أو يقصّرها بحيث يأتي بها في أقلّ من الذراع والذراعين.

ثمّ لو سلّم ظهور هذه الأخبار في الإطلاق ، يجب تقييدها بالأخبار المقيّدة.

واستدلّ له أيضا بالأخبار (١) المستفيضة الدالّة على أنّ صلاة التطوّع بمنزلة الهديّة ، وأنّ المكلّف مخيّر في الإتيان بها في أيّ ساعة شاء من النهار.

وفيه : أنّه إن تمّ هذا الدليل ، فمقتضاه كون ما قبل الزوال أيضا وقتا للنافلتين ، والخصم لا يقول بذلك.

مع أنّ في بعض تلك الأخبار التصريح «بإنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» (٢) فهي بنفسها تدلّ على أنّ لها أوقاتا معيّنة ، ولكنّ الأمر موسّع على المكلّف ، فله الإتيان بها في أيّ جزء من النهار ولو في غير وقتها ، والكلام في المقام إنّما هو في تعيين مواقيتها ، وأمّا أنّه يجوز التقديم عليها أو التأخير عنها و

__________________

(١) منها : ما في الكافي ٣ : ٤٥٤ / ١٤ ، والتهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٥ و ١٠٦٦ ، والاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠٠٩ و ١٠١٠ ، وعنها في الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، الأحاديث ٣ و ٧ و ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٩ / ١٧ ، و ٢٦٧ / ١٠٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ / ١٠٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

٢٣٣

أنّه على تقدير التأخير هل الإتيان بها بعنوان كونها قضاء فله مقام آخر.

هذا ، ولكن تحقيق المقام يتوقّف على نقل الروايات التي تقدّمت الإشارة إليها ممّا دلّت على جواز الإتيان بالنافلتين في أيّ ساعة من النهار ، وغيرها من الروايات الدالّة على جواز تقديمها على الزوال ، وبسط الكلام فيما تقتضيه هذه الأخبار.

وممّا يدلّ على جواز الإتيان بها قبل الزوال : خبر محمّد بن مسلم ـ المرويّ عن الكافي والتهذيب ـ قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجّل من أوّل النهار؟ قال : «نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها» (١).

وصحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أشتغل ، قال : «فاصنع كما نصنع ، صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر ـ يعني ارتفاع الضحى الأكبر ـ واعتدّ بها من الزوال» (٢).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ما صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الضحى قطّ» قال : فقلت له : ألم تخبرني أنّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال : «بلى إنّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر» (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ / ١٠٦٧ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٧٧ / ١٠٠٦ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥٨ / ١٥٦٧ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١ ، وكذا الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ١٠.

٢٣٤

وممّا يدلّ على جواز الإتيان بها في أيّ ساعة : ما عن الكليني رحمه‌الله في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «اعلم أنّ النافلة بمنزلة الهديّة متى ما أتي بها قبلت» (١).

وما عن الشيخ في التهذيب ـ في الحسن ـ عن محمّد بن عذافر ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صلاة التطوّع بمنزلة الهديّة متى ما أتي بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت» (٢).

وعن عليّ بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال لي :«صلاة النهار ستّ عشرة ركعة صلّها أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله ، وإن شئت في وسطه ، وإن شئت في آخره» (٣).

وعن [سيف] (٤) عن عبد الأعلى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نافلة النهار ، قال : «ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنّما النافلة مثل الهديّة متى ما أتي بها قبلت» (٥).

وعن القاسم بن الوليد الغساني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٤ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٦ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٨ / ١٥ ، و ٢٦٧ / ١٠٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠٠٨ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «يوسف». والمثبت كما في المصدر.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠٠٩ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

٢٣٥

صلاة النهار صلاة النوافل كم هي؟ قال : «ستّ عشرة ركعة في أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها ، إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» (١).

وقد حكي عن الشيخ رحمه‌الله في التهذيب أنّه حمل هذه الأخبار على الرخصة في التقديم لمن علم من حاله أنّه إن لم يقدّمها اشتغل عنها ولم يتمكّن من قضائها ، قال : فأمّا مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها (٢).

واستدلّ على ذلك بصحيحة إسماعيل بن جابر ورواية محمّد بن مسلم ، المتقدّمتين (٣).

وعن الشهيد في الذكرى أنّه ـ بعد أن ذكر روايات التحديد بالأقدام والأذرع ـ قال : ثمّ هنا روايات غير مشهورة في العمل ، كرواية (٤) القاسم بن الوليد. ثمّ ساق جملة من هذه الأخبار ، ثمّ ذكر حمل الشيخ ـ المذكور ـ لها ، وذكر أنّ الشيخ اعتمد في المنع من التقديم على أخبار التوقيت وعلى ما رواه ابن أذينة عن عدّة أنّهم سمعوا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يصلّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلّي العشاء حتّى ينتصف الليل» (٥) ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٦) ، التي نحوه بأدنى اختلاف.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٣٣ ، الهامش (٢).

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٣) في ص ٢٣٤.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٣٣ ، الهامش (٢).

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ / ١٠٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧٧ / ١٠٠٤ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٦ / ١٠٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٧٧ / ١٠٠٥ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

٢٣٦

ثمّ قال : قلت : قد اعترف الشيخ بجواز تقديمها عند الضرورة ، ولو قيل بجوازه مطلقا كما دلّت عليه هذه الأخبار ـ غاية ما في الباب أنّه مرجوح ـ كان وجها (١). انتهى.

وقد حكي (٢) عن جماعة من المتأخّرين اختيار ما استوجهه الشهيد.

وفي كلامه التنبيه على عدم صلاحيّة شي‌ء من المذكورات لمعارضة هذه الروايات المطلقة التي هي صريحة في الإطلاق.

ووجهه ظاهر ؛ إذ تكفي نكتة لتخصيص ذلك الوقت بالأمر بإيقاع النافلة فيه وتأخير المعصومين عليهم‌السلام نافلتهم إلى ذلك الوقت مرجوحيّتها في غير ذلك الوقت بالإضافة إليه ، فلا يستفاد من تلك الأخبار عدم جواز الإتيان بها في غير ذلك الوقت حتّى تتحقّق المعارضة.

لكن في الحدائق انتصر للشيخ حيث قال ـ بعد أن ذكر كلام الشهيد كما قدّمناه ـ : والأظهر عندي ما ذكره الشيخ ؛ لأخبار التحديد بالأذرع والأقدام ، فإنّها صحيحة مستفيضة صريحة في أنّ للنافلة وقتا معيّنا محدودا لا تقدّم عليه ولا تؤخّر عنه ، إلّا أن يكون على جهة القضاء ، والترجيح ـ لو ثبت التعارض ـ لهذه الأخبار ؛ لما ذكرنا من صحّتها واستفاضتها وصراحتها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا ، إلى أن قال : فيجب ارتكاب التأويل فيما عارضها بأن يحمل التقديم على الرخصة في مقام العذر (٣). انتهى.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٩.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٩ ، وراجع : الوافي ٧ : ٣٢٩ ، ذيل ح ٦٠٢٥ ـ ٧ ، وذخيرة المعاد : ١٩٩ ، ومدارك الأحكام ٣ : ٧٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٩.

٢٣٧

وأنت خبير بأنّه ليس في هذه الأخبار إشعار بأنّه لا يجوز التقديم ، إلّا من باب دليل الخطاب الذي لا عبرة به فضلا عن صراحتها في ذلك.

نعم ، لو كان التكليف بنافلة الزوال ـ مثلا ـ في الوقت المعيّن إلزاميّا وكان أمر مطلق متعلّق بفعلها في النهار على الإطلاق ، لكان مقتضى القاعدة تقييد الإطلاق ، لكن لا لظهور التوقيت في عدم جواز التقديم والتأخير ، بل لأنّ الإلزام بالمقيّد ينافي إرادة الإطلاق من المطلق ، وهذا بخلاف ما لو كان التكليف استحبابيّا ، كما فيما نحن فيه ، فلا مقتضي حينئذ للتقييد ، كما تقدّم تحقيقه في كتاب الطهارة مرارا فضلا عمّا لو كان المطلق نصّا في الإطلاق ، كما في المقام ؛ فإنّ مقتضى الجمع حينئذ ولو فيما كان التكليف إلزاميّا : حمل المقيّد على كونه أفضل الأفراد ، خصوصا مع شهادة بعض الأخبار المتقدّمة عليه ، فلا ينبغي الاستشكال في جواز التقديم.

هذا ، مع أنّ المقام مقام المسامحة يكتفى في إثباته بمجرّد بلوغ رواية وإن كانت ضعيفة السند ، وقد أشرنا إلى أنّ أخبار التوقيت لا تنافيه حتّى يتوهّم أنّه خارج عن مورد المسامحة.

وقد ظهر بذلك أنّه لا ينبغي الاستشكال في جواز التأخير أيضا ، وهذا إجمالا ممّا لا كلام فيه ؛ إذ لا نزاع في جواز ترك النافلة في وقتها ، ومشروعيّة الإتيان بها فيما بعد ، وإنّما الخلاف في مقامين :

أحدهما : في أنّها متّى أخّرت عن أوقاتها المحدودة هل تكون قضاء ، أو أنّها أداء مادام وقت الفريضة باقيا؟.

٢٣٨

الثاني : في أنّه هل يجوز الإتيان بها حينئذ قبل الفريضة ، أو أنّه يجب تأخيرها عنها؟.

أمّا المقام الأوّل : فممّا لا تترتّب على تحقيقه ثمرة في مقام العمل ؛ لأنّه إن أريد بذلك إثبات أفضليّتها في تلك الأوقات ، فهذا ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ؛ ضرورة أنّه يكفي في ذلك الأوامر المتعلّقة بفعلها في الوقت المحدود.

وإن أريد بذلك تشخيص وجه الفعل ليقع الفعل على وجهه في مقام الإطاعة ، ففيه : أنّ الأخبار المتقدّمة صريحة في اتّحاد الماهيّة المأمور بها ، وكون المكلّف مخيّرا في الإتيان بها في أيّ ساعة من النهار ، فهي على تقدير الإتيان بها في آخر النهار ليست ماهيّة أخرى قد جعلها الشارع تداركا للفائتة كي يكون عنوان كونه قضاء من الجهات المميّزة للفعل ، التي يعتبر قصدها في مقام الامتثال ، بل هي بعينها تلك الطبيعة ، وقد رخّص الشارع في إيقاعها آخر النهار.

فإن أراد القائل بصيرورتها قضاء خروج وقتها المأمور بإيقاعها فيه أوّلا وبالذات ، فله وجه ، وإلّا فمقتضى الأخبار المتقدّمة : كون مجموع النهار من أوّله إلى آخره وقتا لأدائها ، وكون مواقيتها أوقاتا للفضيلة ، فلو لم يكن لنا دليل على مشروعيّة قضاء النوافل لكنّا نقول أيضا بجواز الإتيان بها في آخر النهار ـ كتقديمها على الزوال ـ بواسطة هذه الأخبار من غير أن نسمّيه قضاء.

والأمر فيه سهل بعد ما عرفت من أنّه لا تترتّب عليه ثمرة عمليّة بناء على ما هو التحقيق من أنّه لا يعتبر قصد الأدائيّة والقضائيّة ما لم يتوقّف عليه تمييز الماهيّة ، كما في المقام.

٢٣٩

وأمّا المقام الثاني : فسيأتي التكلّم فيه عند البحث عن جواز التطوّع في وقت الفريضة إن شاء الله ، وستعرف أنّ الفضل إنّما هو في البدأة بالفريضة ولو على القول بجواز التطوّع في وقتها (و) لكن (إن خرج) وقت النافلة ، أي القدمين والأربعة أقدام (وقد تلبّس منها) أي من النافلة بشي‌ء (ولو بركعة ، زاحم بها الفريضة ، وأتمّها مخفّفة) جمعا بين الحقّين.

والمراد بتخفيفها ـ على ما حكي (١) عن جماعة التصريح به ـ هو الاقتصار على أقلّ المجزئ ، كالحمد وحدها ، وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود.

وعن بعض اعتبار الإتيان بالصلاة جالسا لو تأدّى التخفيف به (٢).

وفيه نظر.

بل عن بعض التأمّل في أصل اعتبار التخفيف (٣) ؛ لإطلاق الموثّقة الآتية (٤) التي هي مستند الحكم.

وهو لا يخلو عن وجه وإن كان الأحوط التخفيف مهما أمكن ، خصوصا على القول بحرمة التطوّع في وقت الفريضة ، اقتصارا على القدر المتيقّن ، مع إمكان دعوى انصراف الموثّق إلى إرادته (٥) إتمامها مخفّفة ، وإن كانت قابلة للمنع ، خصوصا بالنظر إلى ما في ذيله من التصريح بأنّ له أن يأتي بما بقي من النافلة بعد حضور الأولى إلى نصف قدم ، وبعد حضور العصر إلى قدم ، فإنّ هذا المقدار من

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧١ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٦.

(٢) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٧١ عن بعض المتأخّرين.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٧ : ١٨٠ عن بعض الناس.

(٤) في ص ٢٤١.

(٥) في «ض ١١ ، ١٤» : «إرادة».

٢٤٠