مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ضبطه كان التعبير عنه بما ذكر في الرواية من ألخص العبارات وأحسنها.

الثالث : أنّ هذا الإطلاق يتقيّد برواية داود بن فرقد ، وأخبار الأئمة عليهم‌السلام وإن تعدّدت في حكم الخبر الواحد (١). انتهى.

وقد يقال أيضا في تأويل الأخبار التي تقدّمت الإشارة إليها ـ الدالّة على دخول وقت الصلاتين بالزوال ـ بما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ المراد بدخول وقت الصلاتين دخول وقت المجموع من حيث المجموع على سبيل التوزيع ، بل قد يقال : إنّ هذا هو الذي يقتضيه ترتّب العصر على الظهر ، المستفاد من قوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) فإنّ مقتضاه كون حال صلاة العصر حال الركعة الثانية من صلاة الظهر التي يمتنع دخول وقتها إلّا بعد مضيّ مقدار ركعة من الزوال ، وكالتشهّد والتسليم الواقعين في آخر الصلاة اللّذين لا يدخل وقتهما إلّا بعد مضيّ مقدار ما تقدّمهما من الأجزاء.

واستشهد بعض (٣) أيضا لإرادة دخول وقتهما على سبيل التوزيع : بأنّه ورد في الصحاح : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان ، وإذا غربت دخل الوقتان». ولفظ الوقتين حقيقة في وقتين متعدّدين ، ومحال دخول وقتين كذلك بمجرّد الزوال والغروب إلّا على سبيل التوزيع.

أقول : دخول وقتين متعدّدين حقيقة في زمان واحد على سبيل التوزيع

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٠٤ ، وصاحب الجواهر فيها ٧ : ٨٢ ـ ٨٣ ، وانظر :المعتبر ٢ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

(٣) لاحظ : جواهر الكلام ٧ : ٨٨.

١٠١

لا يخلو عن مناقضة ، وتعدّد الوقتين إنّما هو بلحاظ تعدّد الفعلين الموقّتين ، فالمراد بدخول الوقتين دخول وقت الصلاتين ، أي الوقت الذي اعتبره الشارع شرطا لصحّتهما على تقدير استجماعهما لسائر الشرائط المعتبرة فيهما ، ولا استحالة في دخول وقت العصر بهذا المعنى بمجرّد الزوال.

وكون العصر مرتّبة على الظهر لا يصلح مانعا عن صلاحيّة الوقت من حيث هو لفعلها على تقدير استجماعها لشرائط الصحّة التي منها الترتيب ، وإنّما يمنع ذلك عن حصول فعلها جامعة للشرائط في أوّل الوقت.

ويظهر أثر كون الوقت صالحا للفعل فيما لو انتفت شرطيّة الترتيب ، كما لو غفل عن الظهر أو اعتقد فعلها ، فصلّى العصر ، أو فعلها بزعم دخول الوقت ثمّ أتى بالعصر بعدها ، فانكشف بعد الفراغ وقوع العصر في أوّل الوقت والظهر قبله ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي يحكم فيها بسقوط الاشتراط ، فإنّ الأظهر اختصاص شرطيّة الترتيب بحال التذكّر ، كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله.

ويظهر أثره أيضا فيما إذا حصلت براءة الذمّة عن الظهر ـ ولو بمقتضى ظاهر التكليف ـ قبل مضيّ مقدار أدائها من أوّل الوقت ، كما لو اعتقد دخول الوقت فصلّى الظهر ثمّ دخل الوقت في آخر صلاته قبل إكمالها بلحظة ، فإنّه تصحّ صلاة الظهر في الفرض ، فله الدخول حينئذ في صلاة العصر ، وستعرف أنّ هذا لا يجتمع مع القول بالاختصاص وإن جعل المصنّف رحمه‌الله الوقت المختصّ بالظهر في هذا الفرض خصوص هذه اللحظة (١) ، ولكنّك ستعرف عدم استقامته.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٥.

١٠٢

وكذا لو صلّى الظهر بزعم دخول الوقت ثمّ شكّ بعد الفراغ في الزوال ، فيحكم بصحّة صلاته السابقة ؛ لقاعدة الشكّ بعد الفراغ ، لكن لا يثبت بذلك دخول الوقت ؛ لما عرفت مرارا من عدم الاعتداد بالاصول المثبتة ، فله بعد أن علم أو ظنّ بالزوال الشروع في صلاة العصر ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأنّه لا يدخل وقتها إلّا بعد مضيّ مقدار أداء الظهر ، فإنّه يجب على هذا التقدير الصبر إلى أن يعلم أو يظنّ بمضيّ هذا المقدار من الزوال.

وبما ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب المدارك حيث استدلّ على اختصاص الظهر من أوّل الوقت بمقدار أدائها : بأنّه لا معنى لوقت الفريضة إلّا ما جاز إيقاعها فيه ولو على بعض الوجوه ، ولا ريب أنّ إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع ، وكذا مع النسيان على الأظهر ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وانتفاء ما يدلّ على صحّته مع المخالفة ، وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال ، انتفى كون ذلك وقتا لها (١). انتهى.

وقد ظهر أيضا بما ذكرنا ضعف الاستشهاد لإرادة دخول الوقتين متعاقبين من الأخبار بما تضمّنته من قوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) لما عرفت من عدم الملازمة بين الترتيب بين الصلاتين ـ كما هو مدلول هذه العبارة ـ وبين الترتيب بين وقتيهما.

نعم ، المتبادر من قول القائل : «إذا زالت الشمس دخل وقت العمل الكذائي» إرادة دخول وقته الفعلي الذي يجوز فيه ذلك الفعل ، فهو بمنزلة ما لو

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

١٠٣

قال : «إذا زالت الشمس جاز ذلك الفعل» لا الوقت الشأني الذي لا يصحّ إيقاعه فيه إلّا على بعض الفروض النادرة الخارجة عن اختيار المكلّف ، كما هو الشأن في المقام بالنسبة إلى صلاة العصر بناء على مشاركتها مع الظهر من أوّل الوقت ، ولذا جعل المصنّف رحمه‌الله قوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» دليلا على إرادة الاشتراك بعد الاختصاص (١) ؛ نظرا إلى دلالة هذه الفقرة على عدم جواز الإتيان بالعصر في أوّل الوقت ، فأوّل وقتها ـ الذي جاز الإتيان بها فيه ، وتعلّق الطلب الشرعي بفعلها عند حضوره ـ لا يعقل أن يكون إلّا بعد مضيّ مقدار أداء الظهر ، فيصير حينئذ الوقت مشتركا بين الصلاتين ، وقبله كان مختصّا بالظهر ، فعلى هذا يكون قوله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس دخل وقت كلّ من الصلاتين إلّا أنّ هذه قبل هذه» مسوقا لبيان جواز الإتيان بكلّ منهما بعد الزوال في أوّل أزمنة الإمكان مشيرا إلى أنّ أوّل أزمنة إمكان فعل العصر إنّما هو بعد مضيّ مقدار أداء الظهر.

وإلى هذا التوجيه يؤول كلام من جعل هذه الفقرة قرينة لإرادة دخول الوقتين متعاقبين.

ولكنّك خبير بأنّ جعلها قرينة لإرادة الوقت الثاني بالنسبة إلى صلاة العصر أولى من ارتكاب هذا التأويل ، بل هو المتعيّن ، فإنّ جملة من الأخبار كادت تكون صريحة في إرادة دخول وقت العصر أيضا ـ كالظهر ـ بمجرّد الزوال ، فيجب أن يكون المراد بها دخول وقتها الصالح للفعل من حيث هو لا بالفعل ، أو يكون الكلام مبنيّا على التجوّز المخالف للأصل.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٥.

١٠٤

منها : صحيحة عبيد بن زرارة : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين : الظهر والعصر جميعا إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» (١).

وخبره الآخر الذي رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٢) قال : «إنّ الله افترض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٣).

ولو لا اشتمال هاتين الروايتين على هذه الفقرة ، لأمكن حملهما على إرادة دخول وقت المجموع من حيث المجموع وإن بعد ذلك في الرواية الأولى بواسطة اشتمالها على التأكيد بلفظ الجميع الموجب لتأكّد ظهورها في ارادة دخول وقت كلّ منهما على سبيل الحقيقة ، لكن اشتمالهما على هذه الفقرة يجعلهما كالنصّ في أنّ موضوع القضيّة كلّ واحدة من الصلاتين ، لا المجموع من حيث المجموع ، فتكون هذه الفقرة ـ بحسب الظاهر ـ مسوقة لدفع توهّم جواز البدأة بكلّ من الصلاتين بمقتضى الإخبار بمشاركتهما في الوقت ، فقوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» نظير ما في بعض الأخبار المتقدّمة (٤) «إذا زالت الشمس دخل وقت

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨٣ ، الهامش (١).

(٤) في ص ٩٥.

١٠٥

الظهر إلّا أنّ بين يديها سبحة» فلم يقصد بهذا الاستثناء تخصيص وقتها.

ونحو هاتين الروايتين في الإباء عن الحمل على إرادة وقت المجموع من حيث المجموع : صحيحة زرارة : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان : الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان : المغرب والعشاء» (١).

نعم ، لا يبعد هذا التوجيه في رواية الصباح بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (٢).

ونحوها رواية سفيان بن سمط ومالك الجهني ومنصور بن يونس ، المتقدّمات (٣) في أوّل الباب.

والحاصل أنّ جلّ أخبار الباب بظاهرها ظاهرة الانطباق على مذهب القائلين بكون الوقت مشتركا بين الصلاتين من أوّل الزوال إن أرادوا بذلك مجرّد الشأنيّة والصلاحيّة بالنسبة إلى صلاة العصر ، كما هو الظاهر من كلامهم حيث التزموا باشتراط الترتيب ، وصرّحوا بأنّ هذه قبل هذه ، لا وقتها الفعلي الذي يكون المكلّف مأمورا بإيقاعها فيه ، وإلّا فيرد عليهم ما يستشعر من بعض كلمات الحلّي من جمودهم على العبائر والألفاظ دون الأدلّة والمعاني (٤) ، لكنّهم أجلّ من ذلك ، ولم يعلم من المشهور ـ القائلين باختصاص أوّل الوقت بالظهر ـ إنكار صلاحيّة الوقت من حيث هو للعصر بحيث لو فرض سقوط التكليف بالظهر أو انتفاء

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٨١ ، الهامش (٤).

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٣ / ٩٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٨٧٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٣) في ص ٨٣ ـ ٨٤.

(٤) السرائر ١ : ٢٠٠.

١٠٦

شرطيّة الترتيب ، أوجبوا الصبر إلى أن تمضي مدّة الاختصاص ؛ فإنّ من المحتمل قويّا إرادة كثير منهم الوقت الفعلي الذي يكون المكلّف مأمورا بأن يصلّي فيه العصر ، الغير المنافي لصلاحيّة الوقت قبله لصحّتها على بعض التقادير ، كما يشهد بذلك بعض أدلّتهم الآتية.

وكيف كان فقد استدلّ لاختصاص أوّل الوقت بالظهر بأمور :

منها : ما تقدّمت الإشارة إليه من الاستشهاد له بقوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (١).

وقد عرفت أنّ الأخبار المتضمّنة لهذه الفقرة على خلاف مطلوبهم أدلّ إن أرادوا إنكار صلاحيّة أوّل الوقت لفعل العصر مطلقا حتّى مع فرض انتفاء شرطيّة الترتيب أو سقوط التكليف بالظهر ، وأمّا إن أرادوا بذلك نفي الفعليّة ، فهو حقّ ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله ، فإنّ هذه الروايات تدلّ بالالتزام على أنّ لصلاة العصر ثلاثة أوقات : وقت صالح لها من حيث هو ، وهو يدخل بالزوال ، ووقت يكون المكلّف مأمورا بإيقاعها فيه على الإطلاق ، لا على سبيل الفرض والتقدير بحيث يكون وجوبه في ذلك الوقت مشروطا بمقدّمات وجوبيّة خارجة عن اختيار المكلّف ، وهذا لا يعقل أن يكون إلّا بعد مضيّ مقدار أداء الظهر ووقت يتنجّز فيه التكليف بها ، وهذا إنّما يتحقّق بعد الفراغ من الظهر.

وإن شئت سمّيت هذا الوقت بالوقت الفعلي ؛ فإنّه أولى بهذه التسمية من الوقت بالمعنى المتقدّم.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

١٠٧

وقد أشير إلى الوقت بهذا المعنى في رواية الفضل عن الرضا عليه‌السلام ـ المرويّة عن العلل ـ قال عليه‌السلام : «ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور .. فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها» (١).

ومنها : ما ذكره في المدارك (٢).

وقد عرفته مع ضعفه (٣) آنفا.

ومنها : ما حكاه في الحدائق عن المختلف ملخّصا له ، فقال : وملخّصه أنّ القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم لأحد الباطلين : إمّا تكليف ما لا يطاق ، أو خرق الإجماع ، فيكون باطلا.

بيان الاستلزام : أنّ التكليف حين الزوال إمّا أن يقع حينئذ بالعبادتين معا ، أو بإحداهما لا بعينها ، أو بواحدة معيّنة ، والثالث خلاف فرض الاشتراك ، فتعيّن أحد الأوّلين ، على أنّ المعيّنة إن كانت هي الظهر ، ثبت المطلوب ، وإن كانت هي العصر ، لزم خرق الإجماع ، وعلى الاحتمال الأوّل يلزم تكليف ما لا يطاق ، وعلى الثاني يلزم خرق الإجماع ؛ إذ لا خلاف في أنّ الظهر مرادة بعينها حين الزوال ، لا لأنّها أحد الفعلين (٤). انتهى.

وأورد عليه : بأنّ غاية ما يلزم منه وجوب الإتيان بالظهر دون العصر بالنسبة إلى الذاكر ، وهو غير مستلزم للاختصاص ، فإنّ القائل بالاشتراك لا يخالف في

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٦٣ (الباب ١٨٢) ضمن ح ٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٦ ، وقد تقدّم في ص ١٠٣.

(٣) في «ض ١١ ، ١٤» : «وقد عرفت ضعفه».

(٤) الحدائق الناضرة ٦ : ١٠٣ ـ ١٠٤ ، وانظر : مختلف الشيعة ٢ : ٣٤ ، ضمن المسألة ٣.

١٠٨

ذلك في صورة التذكّر ، وإنّما يطرح الخلاف ، وتظهر الفائدة في صورة النسيان والغفلة ـ كما تقدّمت الإشارة إليه وسيأتي التصريح به أيضا ـ فإنّها تقع صحيحة على هذا القول ، وهذا هو المراد من الاشتراك في الوقت ـ كما قرّروه ـ فيما بعد مضيّ قدر الظهر إلى ما قبل قدر العصر من الغروب ، ولو صحّ ما ذكره ، للزم أن لا يكون شي‌ء من الوقت مشتركا ؛ لأنّه في كلّ جزء من الوقت إن لم يأت بالظهر سابقا ، لزم اختصاصه بالظهر ؛ لعين الدليل المذكور ، وإن أتى [بها سابقا ، فالوقت] (١) اختصّ بالعصر. انتهى.

وقد حكى عنه قدس‌سره أنّه قد تفطّن لهذا الإيراد ، فاعترضه على نفسه وأجاب عنه ـ بما حكى ملخّصه ـ بأنّ الاشتراك على ما فسّرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل ، ونحن قد بيّنّا عدم تعلّق التكليف (٢). انتهى.

وأورد عليه : بأنّه إن أراد عدم التكليف مع التذكّر ، فمسلّم ، ولا ضير فيه.

وإن أراد مطلقا ولو في صورة الغفلة والنسيان ، فممنوع (٣).

ويمكن التفصّي عن ذلك بأنّ تكليف الغافل بإيجاد شي‌ء في حال غفلته غير معقول ، فلا يعقل توجيه التكليف إليه بإيقاع العصر في أوّل الوقت على تقدير تركه للظهر نسيانا أو معتقدا لفعلها.

نعم ، لو لم يكن الترتيب بين الصلاتين شرطا في صحّة العصر وكان الأمر

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «بالعصر سابقا كما في آخر الوقت». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٣٤ ـ ٣٥ ، ضمن المسألة ٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ١٠٦ ـ ١٠٧.

١٠٩

بإتيان الظهر أولّا لأجل أهمّيّتها في نظر الشارع ، لأمكن الأمر بفعل العصر في أوّل الوقت معلّقا على ترك امتثال الأمر بالأهمّ ، كما تقدّم تحقيقه مرارا ، لكنّ الترتيب مانع عن الأمر التعليقي أيضا.

فتلخّص ممّا ذكر أنّه لا يصحّ الأمر بفعل العصر في أوّل الوقت لا مطلقا ولا معلّقا على العصيان ولا على النسيان ونحوه.

أمّا الأوّل : فلاستلزامه التكليف بما لا يطاق ، أو التخيير المخالف للإجماع.

والثاني : فلمنافاته لشرطيّة الترتيب.

والثالث : فلغفلة المكلّف عن العنوان المعلّق عليه الحكم.

وهذا بخلاف الوقت المشترك ؛ فإنّه مكلّف بإيقاع العصر فيه على الإطلاق ، وترتّبها على الظهر غير مانع عن تعلّق الأمر المطلق بفعلها في الوقت المشترك ؛ لأنّ المكلّف قادر على الإتيان بها في كلّ جزء من أجزاء الوقت بتقديم الظهر عليه ، فيكون فعل الظهر قبلها بالنسبة إلى الوقت المشترك كالطهارة من المقدّمات الوجوديّة المقدورة للمكلّف ، الغير المانعة عن إطلاق الطلب.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه الاستدلال ، وهو لا يخلو عن نظر.

أمّا أوّلا : فلأنّ المانع عن الأمر بفعل العصر في أوّل الوقت ليس إلّا الأمر بإيقاع الظهر قبلها ، الذي مرجعه إلى ايجاب الترتيب بين الصلاتين ، ولا نزاع في اختصاص هذا التكليف بحال التذكّر ، ومع قطع النظر عن هذا التكليف فالواجب على المكلّف إنّما هو الإتيان بكلّ من الصلاتين من حيث هي في وقتها الذي بيّنه

١١٠

الشارع بقوله : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» (١) وحيث إنّ الوقت موسّع لا أثر لمضادّة الفعلين ، فإنّه لم يتعيّن عليه فعل الظهر في أوّل وقتها ، فلا يمنع وجوبها الموسّع عن الرخصة في إيجاد ما يضادّه ، أو إيجابه في الجملة.

والحاصل أنّه لا استحالة في الأمر بأشياء متضادّة في زمان يسع الجميع ، فيجب على المكلّف ـ في الفرض ـ الإتيان بجميعها في مجموع الوقت مخيّرا في البدأة بأيّها شاء تخييرا عقليّا لا شرعيّا ، لكن لا يجوز ذلك فيما نحن فيه بواسطة قوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) وحيث إنّ كونها كذلك مخصوص بحال التذكّر تختصّ مانعيّته عن جواز فعل العصر في أوّل الوقت بحاله.

فما ذكرناه في تقريب الاستدلال ـ من عدم معقوليّة تكليف الغافل عن الظهر بإيقاع العصر في أوّل الوقت حال غفلته ـ مغالطة ، فإنّه لم يؤمر بإيقاع العصر قبل الظهر لدى الغفلة ، بل امر بتأخيرها عن الظهر لدى التذكّر ، كغيره من الشرائط والأجزاء التي اختصّ اعتبارها في العبادات بحال التذكّر.

وثانيا : سلّمنا استحالة تكليف الغافل بإيقاع العصر في أوّل الوقت ، لكن يكفي في صحّة الفعل ووقوعه عبادة محبوبيّته للآمر ، وكونه بحيث لو تمكّن من الأمر به لأمر ، وهو كذلك فيما نحن فيه ، كما يكشف عن ذلك إخبار الشارع بدخول وقتها بالزوال ، وكون المانع عن طلبها في أوّل الوقت تنجّز التكليف بإيقاع الظهر قبلها ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين : الظهر والعصر جميعا إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٣) بعد قيام الدليل على

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

١١١

اختصاص اعتبار الترتيب بحال التذكّر.

وثالثا : فلما عرفت من عدم انحصار ثمرة الخلاف في صورة الغفلة والنسيان ، فلا مانع عن التكليف بفعل العصر في أوّل الوقت على تقدير عدم كونه بالفعل مكلّفا بصلاة الظهر ، وقد عرفت إمكان تحقّق هذا التقدير في بعض الفروض ، وكفى بمثل هذا الطلب التقديري والصحّة الفرضيّة في صدق قولنا : «إذا زالت الشمس دخل وقت العصر» إذا اريد به دخول وقتها الصالح لها من حيث هو الذي اعتبره الشارع شرطا لصحّتها ، كما هو المتبادر من الأخبار المتقدّمة ، لا الوقت الفعلي ، فلا ينافيها هذا الدليل الذي غاية مدلوله عدم صلاحيّة أوّل الوقت لأن يتعلّق التكليف بإيقاع صلاة العصر فيه على الإطلاق ، وهذا ممّا لا نزاع فيه.

ومنها : رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت

١١٢

العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (١).

وقد اشتهر الاستدلال بهذه الرواية لمذهب المشهور ؛ لصراحتها في مدّعاهم ، فيقيّد بها إطلاق الأخبار المتقدّمة ، وضعف سندها مجبور بالشهرة.

وما يقال من أنّ التقييد فرع المكافئة من حيث السند ، وهي مفقودة ، مدفوع : بأنّه لا عبرة بالمرجّحات السنديّة ، مع إمكان الجمع بتقييد أو تخصيص أو ما جرى مجراهما من الجمع المقبول الذي يساعد عليه الفهم العرفي ، كما تقرّر في محلّه.

هذا ، ولكن عندي في هذا الجمع نظر ؛ لما أشرنا إليه آنفا من أنّ المتبادر من قول القائل : «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر» أو «إذا انكسفت الشمس دخل وقت صلاة الكسوف» إلى غير ذلك من الأمثلة ليس إلّا إرادة الوقت الفعلي الذي يكون المكلّف مأمورا بإيقاع الصلاة فيه ، أي وقت الخروج عن عهدة التكليف بهذا الفعل ، لا الوقت الشأني الصالح لوقوع الفعل فيه صحيحا على سبيل الفرض.

وإنّما حملنا الأخبار المتقدّمة على إرادة هذا المعنى بالنسبة إلى صلاة العصر ؛ لما تضمّنته من قوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ هذه الفقرة كما تدلّ على أنّ المراد بدخول وقت العصر بالزوال وقتها من حيث هو وإن لم يجز إيقاعها فيه بالفعل ، كذلك تدلّ بالملازمة العقليّة على أنّ أوّل الوقت وقت للخروج عن عهدة خصوص الظهر ، وأنّ الوقت المشترك ـ الذي

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٨٥ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٢ ، الهامش (٤).

١١٣

يجوز للمكلّف الخروج عن عهدة كلّ من الصلاتين ـ إنّما يدخل بعد مضيّ مقدار يتمكّن فيه من أداء الظهر حيث إنّ له تأخير الظهر إلى ذلك الوقت وإتيانها فيه ، وله تقديمها عليه وإيقاع العصر فيه ، فلا معارضة بين الروايات ؛ فإنّ المراد برواية داود ـ على الظاهر ـ ليس إلّا الوقت بهذا المعنى ، وتخصيص مقدار أربع ركعات بالذكر ـ مع أنّ المدار على مضيّ مقدار يتمكّن فيه من أداء الظهر بحسب ما يقتضيه تكليفه ـ للجري مجرى العادة.

فالذي يقوى في النظر صلاحيّة الوقت من حيث هو من أوّله لفعل العصر ، وكون الترتّب بين الصلاتين مانعا عن الفعليّة.

فالأظهر عدم وجوب إعادتها لو وقعت في أوّل الوقت على وجه حكم فيه بسقوط شرطيّة الترتيب ، كما أنّ المتّجه جواز الشروع فيها قبل مضيّ مقدار أداء الظهر لو حصلت براءة الذمّة عن الظهر قبلها ، كما لو أتى بها قبل الوقت فدخل الوقت في الأثناء ، أو أتى بها بزعم دخول الوقت ثمّ شكّ بعد الفراغ في دخول الوقت وعدمه ، كما تقدّم (١) التنبيه على هذه الثمرات في صدر المبحث.

وقد اعترف المصنّف رحمه‌الله ـ في عبارته المتقدّمة (٢) ـ بجواز الشروع في العصر فيما لو صلّى الظهر عند ظنّ الزوال فدخل الوقت قبل إكمالها بلحظة ، وجعل خصوص هذه اللحظة في هذه الصورة هو الوقت المختصّ بها.

ولكنّك خبير بأنّ هذا ممّا لا يمكن استفادته من الأدلّة.

__________________

(١) في ص ١٠٢.

(٢) في ص ١٠٠.

١١٤

اللهمّ إلّا أن يلتزم بما قوّيناه من صلاحيّة الوقت في حدّ ذاته للفعل ، وكون اشتغال الذمّة بالظهر مانعا عن التكليف بالعصر.

فالمتّجه ـ بناء على عدم صلاحيّة أوّل الوقت للعصر مطلقا ، كما هو ظاهر المشهور ـ وجوب الصبر عليه في كلا الفرضين إلى أن يعلم بدخول وقتها.

وقد صرّح بعض (١) بوجوب الصبر عليه أيضا فيما لو أتى بالظهر في أوّل الوقت ونسي بعض أجزائها التي لا تدارك لها ، كالقراءة ونحوها ، وجعله ثمرة للنزاع.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر رواية داود : عدم دخول وقت العصر إلّا بعد مضيّ مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات من غير فرق بين كون فرضه القصر أو التمام.

لكن لا بدّ من حمل هذه الرواية على إرادة مقدار أداء الظهر بحسب ما يقتضيه تكليفه ، وكون تخصيص مقدار أربع ركعات بالذكر للجري مجرى الغالب ؛ جمعا بينها وبين الأخبار المتقدّمة (٢) المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» الدالّة على جواز الإتيان بالعصر بعد أداء الظهر مطلقا.

فتلخّص من جميع ما ذكر أنّ أوّل الوقت إلى أن يمضي مقدار أداء الظهر وقت بالفعل لخصوص صلاة الظهر ، ولكنّه صالح شأنا للعصر بحيث لو فرض عدم كون شخص مكلّفا بالظهر أو كونه خارجا عن عهدتها قبل الوقت ، جاز له الإتيان بها من أوّل الزوال على الأظهر.

وكذلك الكلام بالنسبة إلى آخر الوقت ، فإنّه بمقدار أداء العصر قبل أن

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٧ : ٨٩.

(٢) في ص ٨٢.

١١٥

تغيب الشمس مختصّ بصلاة العصر ، فإنّ قوله عليه‌السلام في الأخبار المتقدّمة (١) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» كما يدلّ بالالتزام العقلي على امتناع تعلّق الأمر بفعل العصر في أوّل الوقت مع كونه مكلّفا بإيقاع الظهر قبلها ، كذلك يدلّ على امتناع تعلّق التكليف بفعل الظهر في آخر الوقت مع كونه مكلّفا بإيقاع العصر بعدها ، فلو تعلّق أمر مطلق ـ مثلا ـ بصلاة الظهر من الزوال إلى الغروب على سبيل التوسعة ثمّ ورد أمر آخر بإيقاع العصر بعدها كذلك ، وجب تقييد كلّ من الأمرين بالآخر ، وجعلهما بمنزلة أمر واحد متعلّق بكلا الفعلين على الترتيب ، فيتضيّق وقتهما إذا لم يبق من الوقت إلّا مقدار أدائهما ، فلو أخّرهما عن هذا الوقت ، فقد عصى ، فلو تركهما حتّى لم يبق من الوقت إلّا مقدار أداء إحدى الصلاتين ، فقد فاتت الظهر ؛ إذ لا يعقل بقاء الأمر بها مع كونه مأمورا بإيقاع العصر بعدها قبل أن تغيب الشمس.

وأمّا العصر فوقتها ـ الذي كان مأمورا بإيقاعها فيه ـ باق ، فلم يتحقّق عصيانها بعد ، والترتيب بين الصلاتين غير معتبر عند استلزام رعايته فوت الحاضرة.

ويشهد لما ذكر (٢) ـ مضافا إلى ما ذكر ـ ما رواه الحلبي في من نسي الظهر والعصر ثمّ ذكر عند غروب الشمس ، قال عليه‌السلام : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر ، وإن هو (٣) خاف أن تفوته فليبدأ (٤)

__________________

(١) في ص ٨٢.

(٢) في «ض ١٤» : «ذكرناه» بدل «ذكر».

(٣) كلمة «هو» لم ترد في «ض ١٦» والاستبصار.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فيبتدئ» بدل «فليبدأ». والمثبت من المصدر.

١١٦

بالعصر ولا يؤخّرها [فتفوته] (١) فيكون قد فاتتاه جميعا» (٢).

ورواية داود بن فرقد ، المتقدّمة (٣).

ويمكن الاستدلال له بما استدلّ به العلّامة ـ في العبارة المتقدّمة (٤) عن المختلف ـ لإثبات اختصاص أوّل الوقت بالظهر ، فإنّه إنّما يتّجه الاستدلال به لإثبات اختصاص آخر الوقت بالعصر ، بتقريب أن يقال : إنّه على تقدير تركه للصلاتين إلى أن لم يبق من الوقت إلّا مقدار أداء إحداهما فهو إمّا أن يكون مأمورا بإيقاعهما معا في ذلك الوقت ، أو بواحدة لا بعينها ، أو معيّنة.

أمّا الأوّل : فتكليف ما لا يطاق.

والثاني : فهو مخالف للإجماع.

والثالث : فإن كانت المعيّنة هي العصر ، ثبت المطلوب ، وإن كانت الظهر ، فمخالف للإجماع.

ويؤيّده أيضا ما يستفاد من الأخبار من أنّ تعميم الشارع لأوقات الصلاة إنّما هو من باب التوسعة ، وإلّا فهي بالذات كانت خمسة ، فمقتضى الاعتبار كون صاحبة الوقت أولى بالرعاية في مقام المزاحمة ، فتكون هي المكلّف بها بالفعل ، كما هو الشأن في كلّ واجبين متزاحمين أحدهما أهمّ من الآخر.

لكن لو صحّ الاستدلال بهذا الوجه الاعتباري وكان الدليل منحصرا فيه ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ / ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ١٠٥٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، ح ١٨.

(٣) في ص ٨٤ و ١١٢.

(٤) في ص ١٠٨.

١١٧

لكان مقتضاه صحّة الشريكة أيضا وإن عصى بترك صاحبة الوقت ، كما هو الشأن في الواجبين المتزاحمين.

ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا يثبت بهذه الأدلّة أزيد من عدم كون آخر الوقت وقتا لصلاة الظهر لدى المزاحمة ، وأمّا عدم صلاحيّته رأسا لفعلها ولو على تقدير براءة الذمّة من العصر ـ كما لو أتى بها في الوقت المشترك على وجه صحيح بأن صلّى ـ مثلا ـ الظهر والعصر جميعا ثمّ انكشف في آخر الوقت وقوع خلل في الاولى دون الثانية ـ فلا.

فالأظهر امتداد وقتها من حيث هو إلى أن تغيب الشمس وإن لم يكن عند تنجّز التكليف بالعصر وقتا فعليّا لها ، فلا يجوز تأخيرها في الفرض وإن كان الأحوط أن ينوي بفعلها امتثال أمرها الواقعي من غير تعرّض لكونها أداء أو قضاء ، كما أنّ الأحوط الإتيان بها في خارج الوقت أيضا مترتّبة على ما عليه من الفوائت لو كان عليه فوائت ، والله العالم.

فتلخّص ممّا أسلفناه أنّ ما بين الزوال إلى الغروب وقت لكلّ من الصلاتين شأنا ، وأمّا الوقت الفعلي الذي يكون المكلّف مأمورا بإيقاعهما فيه على سبيل التحقيق لا على سبيل الفرض والتقدير ففيه التفصيل المتقدّم.

(وكذا) الكلام في وقت العشاءين ، فإنّه (إذا غربت الشمس ، دخل وقت المغرب) والعشاء (و) لكن (يختصّ) المغرب (من أوّله بمقدار ثلاث ركعات ، ثمّ يشاركها العشاء حتّى ينتصف الليل ، ويختصّ العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات) في الحضر ، وركعتين في السفر ، أي

١١٨

بمقدار أدائها بحسب ما يقتضيه تكليف المكلّف.

ويدلّ على اختصاص أوّل الوقت بالاولى وآخره بالأخيرة الأدلّة المتقدّمة الدالّة عليه في الظهرين ، فإنّ المقامين من واد واحد ، والأدلّة مشتركة بينهما.

وقد تبيّن فيما تقدّم ما يصحّ أن يراد بالاختصاص ، فلا نطيل بالإعادة.

ويدلّ على دخول وقتهما بالغروب جملة من الأخبار المتقدّمة في صدر المبحث.

ففي صحيحة زرارة : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان : المغرب والعشاء» (١).

وفي صحيحة عبيد بن زرارة : «ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢).

وفي خبره الآخر : «إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٣).

وفي رواية ثالثة عنه أيضا : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل» (٤).

وفي مكاتبة ابن مهران في جواب سؤاله عمّا ذكره بعض أصحابنا من دخول وقت الظهرين بالزوال والعشاءين بالغروب إلّا أنّ هذه قبل هذه ، كتب عليه‌السلام «كذلك الوقت غير أنّ وقت المغرب ضيّق ، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ، ومصيرها

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٨١ ، الهامش (٤).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٨٣ ، الهامش (١).

(٣) الكافي ٣ : ٢٨١ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧ / ٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ١١.

١١٩

إلى البياض في افق المغرب» (١).

وفي رواية داود بن فرقد : «وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (٢).

ويدلّ عليه أيضا مرسلة الصدوق ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا غابت الشمس [فقد] حلّ الإفطار ، ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (٣).

ويدلّ أيضا على دخول وقت المغرب بالغروب أخبار كثيرة سيأتي نقل جملة منها مع بعض الأخبار التي قد ينافيها عند البحث عن تحقيق الغروب ، وسيتّضح لك توجيه الأخبار التي يتراءى منها التنافي.

ويشهد أيضا لدخول وقت العشاء بعد مضيّ مقدار أداء المغرب من الغروب الأخبار المستفيضة الدالّة على جواز تقديمها على ذهاب الشفق ؛ إذ لا خلاف على الظاهر في أنّه على تقدير جواز التقديم يجوز الإتيان بها في أوّل الوقت بعد أداء المغرب.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٨٢ ، الهامش (٣).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٨٥ ، الهامش (١).

(٣) الفقيه ١ : ١٤٢ / ٦٦٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب المواقيت ، ح ١٩ ، وكذا الباب ١٧ من تلك الأبواب ، ح ٢.

١٢٠