مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

بظاهره ظاهر الانطباق على المدّعى لكن مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام في الفقرة المتقدّمة عليه : «فإذا طلع الفجر فأوتر» جواز الإيتار بعد طلوع الفجر عند التلبّس بأقلّ من أربع ركعات في زمان الشكّ ، وهذا ينافي المطلوب.

اللهمّ إلّا أن يقيّد هذا الإطلاق بمفهوم الشرط في خبر (١) مؤمن الطاق.

وهو لا يخلو عن تأمّل ؛ إذ لا تنافي بين الخبرين ؛ لجواز أن يكون الإيتار بعد طلوع الفجر مشروطا بمطلق التلبّس ولو بركعتين ، والإتمام مشروطا بالتلبّس بأربع ركعات ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ هاهنا أخبارا مستفيضة تدلّ على خلاف المشهور.

منها : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر ، فقال : «صلّها بعد الفجر حتّى تكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها ، ولا تعمد ذلك في كلّ ليلة» وقال : «أوتر أيضا بعد فراغك منها» (٢).

وصحيحة عمر بن يزيد أيضا ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وقد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أوّل وقتها ، وإن بدأت بصلاة الليل والوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء ، فقال : «ابدأ بصلاة الليل والوتر ، ولا تجعل ذلك عادة» (٣).

__________________

(١) تقدّم الخبر في ص ٢٧٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٦ / ٤٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ / ١٠٢٤ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٦ / ٤٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ / ١٠٢٢ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

٢٨١

وصحيحة سليمان بن خالد قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «ربما قمت وقد طلع الفجر فأصلّي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثمّ أصلّي الفجر» قال :قلت : أفعل أنا ذا؟ قال : «نعم ، ولا يكون منك عادة» (١).

ورواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وقد طلع الفجر ولم أصلّ صلاة الليل ، فقال : «صلّ صلاة الليل وأوتر وصلّ ركعتي الفجر» (٢).

وقد حكي عن الشيخ أنّه أجاب عن هذه الأخبار بحملها على الرخصة ، قال : هذه رخصة لمن أخّر لاشتغاله بشي‌ء من العبادات (٣). انتهى.

ولو قال بأنّه رخصة لأولي الأعذار أو لخصوص النائم قبل الفجر ، لكان أوفق بموارد النصوص.

وعن المحقّق في المعتبر ـ بعد أن ذكر أنّ فيه روايتين ، إحداهما : يتمّ النافلة مزاحما بها الفريضة. والأخرى : يبدأ بالفجر ـ أنّ اختلاف الفتوى دليل التخيير (٤).

يعني بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده. وعن جملة (٥) ممّن تأخّر عنه اختياره.

وفي الحدائق حملها على الرخصة في بعض الأوقات من باب الاتّفاق ، لا

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٤٠٣ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٦ / ٤٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ / ١٠٢٣ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٦ ، ذيل ح ٤٧٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٦.

(٥) منهم : العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٨٢ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٠٠ ، وحكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٦.

٢٨٢

على الإطلاق ، فالتزم بحرمة التقديم ؛ لكونه تطوّعا في وقت الفريضة إلّا أحيانا ؛ لهذه الأخبار التي وقع فيها التصريح بأنّه لا يجعل ذلك عادة ولا يتعمّد ذلك في كلّ ليلة (١).

وقد تكلّف بعض (٢) من وافق المشهور في حمل الروايات على بعض المحامل التي كادت الروايات تكون نصّا في خلافها ، كحمل الفجر على الفجر الأوّل ، أو حمل طلوع الفجر على ما يقرب منه ، أي ما قبله بقليل بحيث تقع أربع ركعات من نافلة الليل في وقتها ، أو نحو ذلك ممّا لا يخفى ما فيه.

فالإنصاف أنّ طرح هذه الأخبار مع صحّتها واستفاضتها واعتناء الشيخ والمحقّق وغيرهما بها من غير معارض معتدّ به مشكل ، وتأويلها على ما يوافق المشهور أشكل ، والأخبار الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة أعمّ مطلقا من هذه الأخبار ، فعلى تقدير العمل بظاهر تلك الروايات والغضّ عمّا ستعرفه يجب تخصيصها بهذه الأخبار. وورودها في من قام بعد طلوع الفجر لا يوجب قصر الحكم عليه ، كما قد يتوهّم ؛ فإنّ الأحكام الشرعيّة لا تخصّص بمواردها.

هذا ، مع إطلاق السؤال في الصحيحة الأولى وعدم وقوعه في خصوص من قام بعد طلوع الفجر أو أخّرها لعذر. وفي نهي الإمام عليه‌السلام عن أن يتعمّد ذلك في كلّ ليلة إشارة إلى عدم إرادته في خصوص من كان معذورا في التأخير ، كما أنّ ما في سائر الأخبار من النهي عن أن يجعل ذلك عادة تنبيه على ذلك.

وقد ظهر بذلك أيضا ضعف ما زعمه صاحب الحدائق من أنّ النهي عن أن

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٦.

(٢) صاحب الجواهر فيها ٧ : ٢١١.

٢٨٣

يتعمّده في كلّ ليلة ويتّخذه عادة دليل على اختصاص الرخصة ببعض الأوقات لا على الإطلاق.

توضيحه : أنّ المقصود بالنهي هو المنع عن أن يتعوّد على تأخيرها إلى ذلك الوقت في كلّ ليلة ، لا عن أن يقدّمها على الصبح بعد أن أخّرها إلى ذلك الوقت ، فالنهي عن الاعتياد في هذه الأخبار ليس إلّا كالنهي عنه في خبر المفضّل ، المتقدّم (١) بعد الأمر بقضاء ما فات بعد الفراغ من الفريضة حيث قال : «ولا يكون هذا عادة ، وإيّاك أن تطلع على هذا أهلك ، فيصلّون على ذلك ولا يصلّون بالليل» فالنهي عن الاعتياد ليس إلّا للكراهة ؛ ضرورة جواز تركها رأسا في كلّ ليلة فضلا عن تأخيرها إلى الصبح.

فالأظهر جواز الإتيان بنافلة الليل بعد طلوع الفجر قبل الصبح مطلقا خصوصا الوتر منها ؛ فإنّه يدلّ عليه بالخصوص ـ مضافا إلى هذه الأخبار ـ جملة من الروايات :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إذا قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالوتر ثمّ صلّ الركعتين ثمّ صلّ الركعات إذا أصبحت» (٢).

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار الآتية ، بل ربّما يقتضيه إطلاق الفقرة الأولى من رواية المفضّل ، المتقدّمة (٣) ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

__________________

(١) في ص ٢٨٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٧ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

(٣) في ص ٢٨٠.

٢٨٤

لكن مقتضى ظاهر الفقرة الثانية منها : عدم جواز الإتيان بشي‌ء من نافلة الليل ، بل ولا ركعتي الفجر قبل الفريضة إذا قام بعد طلوع الفجر.

لكنّها لا تصلح لمعارضة ما عرفت وستعرف ، خصوصا الأخبار الآتية الدالّة على جواز الإتيان بركعتي الفجر بعد طلوع الفجر.

فالأولى حمل النهي عن أن يصلّى غير الفريضة ـ بعد صرفه إلى ما عدا الركعتين ـ على مرجوحيّة فعلها قبل الفريضة بالإضافة إلى قضائها بعد الفراغ منها ، كما يؤيّده الأخبار الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة ، بناء على حملها على المرجوحيّة بالإضافة ، كما سيأتي التكلّم فيه إن شاء الله.

لكن قد يشكل ذلك بأنّ الأخبار المتقدّمة ظاهرها استحباب البدأة بصلاة الليل بعد الفجر وتأخير الفريضة عنها ، بل كاد أن يكون هذا صريح بعضها ، كصحيحة عمر بن يزيد ، الثانية (١).

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المقصود بهذه الروايات ليس إلّا بيان عدم فوات نافلة الليل بفوات وقتها ، واستحباب الإتيان بها قبل فريضة الصبح ما لم تزاحم الفريضة في آخر وقتها ، ولا ينافي ذلك كون إتيانها بعد الفريضة أفضل من إيقاعها قبلها.

فما في تلك الأخبار من الأمر بفعلها قبل الفريضة أريد بها فعلها كذلك في مقابل تركها رأسا ، لا تأخيرها عن الفريضة.

وما في بعضها من الأمر بالبدأة بها وتأخير الفريضة عنها المشعر بمرجوحيّة العكس منزّل على ما تقتضيه العادة من أنّه عند البدأة بالنافلة لا يدع

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٨١.

٢٨٥

الفريضة ، وعند البدأة بالفريضة يقتصر عليها ، فليتأمّل.

الثالثة : قد أشرنا آنفا إلى أنّ الأفضل تخصيص آخر الليل بالوتروأنّ الأولى عند ضيق الوقت هو البدأة بالوتر وقضاء ما عداها من نافلة الليل في صدر النهار ، والأحوط بل الأفضل تأخيرها عن الفريضة.

فلو ظنّ الضيق فأوتر وصلّى ركعتي الفجر ثمّ انكشف خطؤه وبقاء الليل ، ففي محكيّ الدروس والذكرى أنّه يضيف إلى ما صلّى ستّا ، ويعيد ركعة الوتر وركعتي الفجر ، ثمّ نسبه إلى الشيخ المفيد (١) ، ثمّ نقل عن الشيخ عليّ بن بابويه أنّه يعيد ركعتي الفجر لا غير (٢) (٣).

أقول : قد يتراءى من عبائرهم إهمال ركعتي الشفع وإسقاطهما من البين في الفرض مع أنّه لا مقتضي لذلك.

فالذي يغلب على الظنّ أنّ مرادهم بالوتر فيما هو المفروض موضوعا للكلام هو معناها الأعمّ من الركعات الثلاث ، كما أنّ الظاهر أنّها بهذا المعنى هو المراد من النصوص والفتاوى الدالّة على أفضليّة إيقاعها في آخر الليل والبدأة بها عند ضيق الوقت ، فمحلّ الكلام على الظاهر فيما إذا أتى بالركعات الثلاث وركعتي الفجر ثمّ انكشف بقاء الوقت ، وقد حكم ابن بابويه في الفرض بأنّه يحتسب الجميع من نافلة الليل ، فيضيف إليها ستّا فيصير المجموع إحدى عشرة

__________________

(١) المقنعة : ١٤٤.

(٢) حكاه عنه أيضا ابن إدريس في السرائر ١ : ٣٠٨ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٣٣٤ ، المسألة ٢٢٥.

(٣) الدروس ١ : ١٤١ ، الذكرى ٢ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٨.

٢٨٦

ركعة ، وهي نافلة الليل ، ثمّ يأتي بركعتي الفجر ، وقد أفتى الشيخ المفيد ـ على ما حكاه عنه الشهيد في الكتابين ـ بأنّه يعيد أيضا ركعة الوتر ، أي مفردتها ، فإنّها هي المتبادر من الركعة ، لا الركعات الثلاث.

وعن الذكرى أيضا بعد ما سمعت حكايته عن المفيد أنّه نقل عن الشيخ في المبسوط أيضا أنّه قال : لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثمّ ذكر بعد أن أوتر ، قضاهما ، وأعاد الوتر (١).

ثمّ قال ما لفظه : وكأنّ الشيخين نظرا إلى أنّ الوتر خاتمة النوافل ليوترها (٢). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ كلامهم مبنيّ على جواز العدول عن نافلة الفجر إلى نافلة الليل.

وعلى هذا فما ذكره ابن بابويه ـ من أنّه يضيف ستّا ويعيد ركعتي الفجر لا غير ـ أوفق بالقواعد ؛ لأنّ الوتر وقعت صحيحة ، فلا مقتضي لإعادتها.

وما يقال من أنّه أتى بها في الوقت لتخيّل الأمر بزعم الضيق فلم تكن في الواقع مأمورا بها ، مدفوع : بما عرفت في صدر الكتاب من أنّ الوتر في حدّ ذاتها نافلة مستقلّة لا تتوقّف صحّتها على ترتّبها على نافلة الليل ، فهي بنفسها صلاة مأمور بها ، وإنّما أثّر ظنّ الضيق في قصد الخروج عن عهدتها ، لا في صيرورتها مأمورا بها ، وهذا غير ضائر في سقوط الأمر بحصول المأمور به ، ولعلّه لذا لم يتعرّضوا في كلماتهم المتقدّمة لحال الشفع ، فإنّه لا مقتضي لإعادتها بعد

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٣١.

(٢) الذكرى ٢ : ٣٧٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٨.

٢٨٧

وقوعها صحيحة.

وأمّا الوتر فهي أيضا وإن كانت كذلك لكن يمكن القول بإعادتها ؛ لما رواه الشيخ بإسناده عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى صلاة الليل وأوتر وذكر أنّه نسي ركعتين من صلاته ، كيف يصنع؟ قال : «يقوم فيصلّي ركعتين التي نسي مكانه ثمّ يوتر» (١).

ويؤيّده ما دلّ على استحباب جعل الوتر خاتمة نوافله ، كقوله عليه‌السلام في خبر زرارة : «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (٢).

ويحتمل أن يكون المراد بالوتر في الروايتين أعمّ من الشفع.

وربما يستدلّ له أيضا بمرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا قام الرجل من الليل فظنّ أنّ الصبح قد أضاء فأوتر ثمّ نظر فرأى أنّ عليه ليلا ـ قال ـ : يضيف إلى الوتر ركعة ثمّ يستقبل صلاة الليل ثمّ يوتر بعده» (٣).

وفيه : أنّها إنّما تدلّ على مشروعيّة إعادة الوتر عند إضافة ركعة إلى ما صلّاها وجعلها نافلة أخرى ، وهذا ممّا لا شبهة فيه وإن كان قد يستشكل في أصل العدول إذا كان بعد الفراغ منها ، كما لعلّه المنساق إلى الذهن من الرواية ، ولذا ربما تنزّل على ما إذا نظر إلى الفجر وهو في أثناء الصلاة.

وكيف كان فهذه الرواية أيضا لا تخلو عن تأييد للمدّعى ، فالقول بإعادتها

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٩ / ٧٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٣ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٤ / ١٠٨٧ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٨ / ١٣٩٦ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

٢٨٨

لإدراك فضيلة الاختتام بالوتر أقرب وأنسب بما تقتضيه قاعدة المسامحة خصوصا إن قلنا بجواز إعادة العبادة للإجادة ، كما نفينا البعد عنه في بعض المباحث المتقدّمة في كتاب الطهارة.

ولكنّ الأقوى جواز الاجتزاء بما صلّاها ؛ لما أشرنا إليه من صحّتها ووقوعها مطابقة للأمر المتعلّق بها.

ولا تصلح رواية عقبة وغيرها ممّا ذكر دليلا لإثبات ما ينافي قاعدة الإجزاء ، أو للتصرّف في موضوعها بجعل تأخير الوتر عمّا عداها شرطا في صحّتها بعد أن ثبت جواز الاقتصار عليها اختيارا ، فهي محمولة على الاستحباب.

وممّا يؤيّد ذلك ـ مضافا إلى ما ذكر ـ ما عن الفقه الرضوي ، قال : «فإن كنت صلّيت الوتر وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ستّ ركعات وأعد ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه» (١).

وخبر عليّ بن عبد العزيز ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وأنا أتخوّف الفجر ، قال : «فأوتر» قلت : فأنظر فإذا عليّ ليل ، قال : «فصلّ صلاة الليل» (٢).

ثمّ إنّا قد أشرنا آنفا إلى أنّ احتساب ركعتي الفجر من نافلة الليل مبنيّ على جواز العدول من نافلة إلى أخرى.

وهو لا يخلو عن نظر ، خصوصا بعد الفراغ منها ، كما هو محلّ البحث.

وربما يستدلّ لذلك بمرسلة إبراهيم ، المتقدّمة (٣).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٣٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٣٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٦ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٣) في ص ٢٨٨.

٢٨٩

وبخبر عليّ بن عبد الله بن عمران عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح فزد ركعة إلى الركعتين اللّتين صلّيتهما قبل ، واجعله وترا» (١).

وفيه : أنّ غاية ما يستفاد من المرسلة إنّما هو العدول من نافلة خاصّة إلى نافلة مطلقة ، فإنّ ظاهرها جعل الوتر بعد إضافة ركعة إليها نافلة أخرى غير نافلة الليل ، وهذا ممّا يمكن الالتزام به في الجملة وإن لم يدلّ عليه دليل خاصّ ، كما لو شرع ـ مثلا ـ في صلاة جعفر فصلّى ركعة ثمّ رجع عن قصده وأضاف إليها ركعة مخفّفة بقصد وقوعها امتثالا للأمر بطبيعة الصلاة التي هي خير موضوع ، وهذا وإن لا يخلو عن بحث لكن الحقّ جوازه ، نظير ما لو صام بعض اليوم بقصد الاعتكاف ورجع عن قصده وأتمّ صوم ذلك اليوم قربة إلى الله بلحاظ كون طبيعة الصوم من حيث هي محبوبة عند الله تعالى.

وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، وإنّما الإشكال فيما إذا أراد أن يجعله قسما آخر من الصوم مباينا (٢) لذلك الصوم في الصنف ، كصوم الكفّارة أو القضاء أو نحو ذلك كما فيما نحن فيه.

وأمّا الرواية الثانية فهي لا تخلو عن تشابه ؛ لما في متنها من التهافت ، ولذا احتمل المحدّث الكاشاني وقوع التحريف فيه من النسّاخ وكون صلاة الفجر في الأصل صلاة الليل (٣).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٨ / ١٣٩٧ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «مباين». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الوافي ٧ : ٣٣٩.

٢٩٠

وكيف كان فالاعتماد على مثل هذه الرواية ـ مع ما في متنها من التهافت وفي سندها من القصور ـ في إثبات مثل هذا الحكم المخالف للقواعد مشكل ، والله العالم.

تنبيه : لا شبهة في انقضاء الليل عند طلوع الفجر الصادق واستبانته.

فما حكي عن الأعمش وغيره ـ من القول بامتداد الليل إلى طلوع الشمس ، وأنّ ما بين الطلوعين من الليل (١) ـ لا يخلو عن غرابة ؛ ضرورة عدم صدق الليل على ما قبل طلوع الشمس بعد أن أضاء الصبح وأسفر لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، بل يصحّ سلبه عنه على وجه غير قابل للتشكيك.

وأغرب من ذلك : ما نسب إليه من تجويزه الأكل والشرب للصائم إلى طلوع الشمس (٢) ، مع مخالفته للكتاب والسنّة وإجماع الأمّة بل الضرورة من الدين.

والعجب من صاحب الجواهر (٣) وغيره (٤) حيث أتعبوا بالهم في إبطال هذا القول بإيراد الحجج من الآيات والأخبار والاستشهاد عليه بكلمات الفقهاء والمفسّرين والحكماء الإلهيّين والرياضيّين واللّغويّين ، مع أنّ بطلانه أوضح من أن يبرهن عليه ، فإنّ عدم صدق آخر الليل على قريب طلوع الشمس بديهيّ ، فإقامة البراهين عليه يوهم كونه من النظريّات القابلة للتشكيك.

ولعلّ من زعم أنّ ما بين الطلوعين من الليل اغترّ بما جرى عليه اصطلاح

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٥.

(٢) المجموع ٣ : ٤٥.

(٣) جواهر الكلام ٧ : ٢٢٠ وما بعدها.

(٤) كالمجلسي في بحار الأنوار ٨٣ : ٧٧ وما بعدها.

٢٩١

المنجّمين من تسمية ما بين طلوع الشمس وغروبها يوما ، ومن غروبها إلى طلوعها ليلا بلحاظ أحكامهم المتعلّقة بالموضوعين ، ومن شيوع إطلاق اليوم في العرف على الأوّل ، وتسمية الزوال نصف النهار وانصراف إطلاقه إليه ، بل صحّة سلبه عمّا قبله ، فهذا دليل على أنّ اليوم ابتداؤه أوّل طلوع الشمس ، وإلّا لكان نصف النهار قبل الزوال ، ومقتضاه : امتداد الليل إلى طلوع الشمس ؛ إذ لا واسطة بين الليل والنهار بشهادة العرف.

وفيه : أنّ عدم صدق الليل على ما قبل طلوع الشمس أبين لدى العرف ، وكذا في إطلاقات الشارع وعرف المتشرّعة من انتفاء الواسطة بينهما ، فإن كان ابتداء اليوم عرفا أو شرعا من عند الطلوع ولم يكن قبله من اليوم لديهم ، وجب أن يكون ما بين الطلوعين واسطة بينهما ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

ويشهد له : بعض (١) الأخبار الدالّة على أنّ ما بين الطلوعين ليس من ساعات الليل ولا من ساعات النهار.

ولكنّ الذي يقتضيه التحقيق أنّ ابتداء اليوم شرعا وعرفا إنّما هو من طلوع الفجر وإضاءته ، ولكن كثيرا مّا يطلق اليوم في عرف أرباب الحرف والصناعات في مقام الإجارات والمعاملات على المعنى الأوّل حتّى أنّهم كثيرا مّا يطلقون أوّل الصبح ويريدون منه بعد طلوع الشمس ، مع أنّه لا شبهة في أنّ الصبح صادق على ما قبله.

والحاصل : أنّ لليوم إطلاقين : فتارة يطلق على ما بين طلوع الفجر إلى

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٢٣ / ٩٤.

٢٩٢

الغروب ، وأخرى على ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. وربّما يعبّر في عرف الفقهاء عن المعنى الأوّل بيوم الصوم ، وعن الثاني بيوم الأجير. ولا ريب في كونه حقيقة في المعنى الأوّل ، فإنّه بعد أن أسفر الصبح وأضاء لا يصحّ عرفا أن يقال : لم يدخل النهار ، والآن ليس بيوم.

وأمّا إطلاقه على المعنى الثاني فلا يبعد أن يكون مبنيّا على المسامحة بتنزيل ما قبل طلوع الشمس منزلة ما قبل اليوم بلحاظ عدم ترتّب آثار اليوم عليه من الاشتغال بالأعمال والصنائع.

وكيف كان فهذا الاستعمال شائع ، ولا يبعد أن تكون تسمية الزوال نصف النهار جريا على هذا الاستعمال وإن احتمل قويّا أن يكون مأخذها قول المنجّمين الذين لا ينتصف النهار عندهم حقيقة بحسب ما جرى عليه اصطلاحهم إلّا إذا وصلت الشمس إلى الدائرة المسمّاة عندهم بدائرة نصف النهار.

والحاصل : أنّ مفهوم اليوم والنهار وإن كان قابلا للتشكيك في صدقه على ما قبل طلوع الشمس بلحاظ شيوع استعمالهما فيما بعده وإن كان مقتضى الإنصاف وضوح صدقهما عليه وعدم صحّة السلب عنه لكن لا مجال للتشكيك في عدم صدق اسم الليل عليه ، كما هو واضح.

وربّما يستدلّ للقول المزبور ـ أي كون ما بين الطلوعين من الليل ـ بأخبار قاصرة السند غير متّضحة المفاد.

كخبر عمر بن حنظلة ، أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال : «للّيل زوال كزوال الشمس» قال : فبأيّ شي‌ء نعرفه؟

٢٩٣

قال : «بالنجوم إذا انحدرت» (١).

وخبر أبي بصير ـ المرويّ عن كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار» (٢).

وغير ذلك ممّا وقع فيه التعبير عن الانتصاف بالزوال.

مثل : مكاتبة الحسين ، قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب «عند زوال الليل ـ وهو نصفه ـ أفضل» (٣).

وفي الرياض ـ بعد أن نقل القول باعتبار طلوع الشمس في النصف ـ عند البحث عن وقت صلاة الليل ـ عن بعض (٤) الأصحاب ، واستدلّ عليه بالخبرين وطعن في سنديهما ـ قال : إلّا أنّهما مناسبان لتوزيع الصلوات على أوقاتها ، ومع ذلك هو أحوط جدّا سيّما مع وقوع التعبير عن الانتصاف بالزوال في غيرهما من الأخبار وإن كان فيه أيضا قصور في السند ؛ لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد ، فتأمّل (٥). انتهى.

ولعلّه أشار بالتأمّل إلى عدم صلاحيّة الكثرة لجبر مثل هذه الروايات المتأكّد وهنها بمخالفة المشهور.

وما ذكره من أنّه أحوط فكأنّه أراد بالنسبة إلى صلاة الليل ، التي هي محلّ الكلام ، وإلّا فبالنسبة إلى صلاة العشاء خلاف الاحتياط ، كما هو واضح.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٧ ، الوسائل ، الباب ٥٥ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٢) السرائر ٣ : ٦٠٢ ، الوسائل ، الباب ٥٥ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤).

(٤) هو السبزواري في كفاية الأحكام : ١٥.

(٥) رياض المسائل ٢ : ١٩٧ ـ ١٩٨.

٢٩٤

وأمّا ما ذكره من مناسبة الروايتين لتوزيع الصلوات على أوقاتها فلم نتحصّل مراده.

وكيف كان فلا يخفى عليك أنّ دلالة الروايات المتقدّمة على المدّعى أضعف من سندها.

أمّا ما عدا الرواية الأولى : فواضح ؛ إذ لم يثبت أنّ زوال الليل ـ الذي وقع التعبير به عن النصف ـ أريد منه الوقت الذي مالت الشمس فيه عن دائرة نصف النهار من تحت الأرض ، بل الظاهر أنّ المراد بزوال الليل هو النصفة على إجماله ، وكذا غسق الليل على ما يظهر من الأخبار الواردة في تفسيره ليس إلّا ذلك ، فهو بمنزلة الزوال من النهار الذي أريد منه يوم الأجير ، لا يوم الصوم ، فتشبيه غسق الليل بالزوال من النهار أو التعبير عن نصف الليل بالزوال أو ما جرى هذا المجرى لا يدلّ على أنّ الليل يمتدّ إلى طلوع الشمس.

نعم ، ربما يستشعر ذلك من المناسبة بين الغسق المفسّر بنصف الليل ، وبين وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار من تحت الأفق ، ومن مقابلة اليوم بالليل في هذه الاستعمالات التي أريد فيها من اليوم يوم الأجير.

لكن لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الإشعارات في إثبات المعنى المخالف للعرف واللغة ، كما هو واضح.

وأمّا الرواية الأولى : فتقريب الاستشهاد بها لمدّعى الخصم هو : أنّ المراد بالنجوم النجوم الطوالع عند غروب الشمس ، فانحدارها عبارة عن ميلها عن دائرة نصف النهار ، وهذا لا يكون إلّا عند انتصاف الليل إذا كان آخره طلوع الشمس.

٢٩٥

وفيه : أنّ الرواية ـ بحسب الظاهر ـ مسوقة لبيان معرّف تقريبيّ لمعرفة انتصاف الليل باستنباطه من سير الكواكب وميلها إلى الأفول ، وإلّا فلا يستقيم هذا التعريف ، سواء قلنا بأنّ الليل إلى طلوع الشمس أم إلى طلوع الفجر ، لا لمجرّد ما قيل من أنّ النجوم لا تستبين عند الغروب ، فالمراد بها النجوم التي تتبيّن في ناحية المشرق أوائل الليل وتنحدر في أواسطه ، بل لاختلاف مطالع الكواكب.

فما ذكر في تقريب الاستدلال إنّما يستقيم بالنسبة إلى كوكب طلع أوّل الليل من مشرق الشمس في نهاره ، فيكون غروبه مقارنا لطلوع الشمس في غده تقريبا.

وأمّا إذا طلع من مطلع آخر فيختلف اختلافا فاحشا ؛ فإنّه ربما يغيب قبل نصف الليل إذا كان قريبا من القطب الجنوبي ، وربما لا يتعدّي عن دائرة نصف النهار إلى قريب طلوع الفجر إذا كان عكسه. وحمل النجوم على إرادة خصوص الكوكب المفروض طلوعه أوّل المغرب من مشرق الشمس في ذلك اليوم بالخصوص كما ترى. فليس المقصود بالرواية إلّا الإرشاد إلى طريق معرفة انتصاف الليل على سبيل التقريب.

وكيف كان فهذه أخبار متشابهة لا يجوز رفع اليد بواسطتها عن المحكمات ، وقد أشرنا إلى أنّه لا إجمال في مفهوم الليل ، ولا خفاء في عدم صدقه على ما بعد الصبح الصادق لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، فلا يجوز التشكيك في ذلك بمثل هذه الأخبار ولو على تقدير تسليم ظهورها في المدّعى ، فإن أمكن توجيهها على وجه لا ينافي ذلك فهو ، وإلّا وجب ردّ علمها إلى أهله.

فظهر بما ذكرنا أنّ انتصاف الليل ـ الذي هو آخر وقت صلاة العشاء وأوّل وقت صلاة الليل ـ هو المنتصف بين المغرب وبين طلوع الفجر ، لا بين غيبوبة

٢٩٦

القرص وطلوعها ، كما توهّمه بعض الأصحاب على ما حكاه عنه في الرياض في عبارته المتقدّمة (١).

ويظهر من مرسلة (٢) [سليمان بن] (٣) حفص ، المرويّة عن العسكري عليه‌السلام : أنّ علامة انتصاف الليل ظهور بياض في وسط السماء.

قال عليه‌السلام : «إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضي‌ء له الدنيا ، فيكون ساعة ويذهب ، ثمّ تظلم ، فإذا بقي الثلث الأخير من الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا ، فيكون ساعة ثمّ يذهب ، وهو وقت صلاة الليل ، ثمّ تظلم قبل الفجر ، ثمّ يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق» وقال : «من أراد أن يصلّي في نصف الليل فيطول فذلك له» (٤).

ولو أريد من البياض المشرقي الفجر الكاذب ، لكان تحديد وقت ظهوره بالثلث الأخير من الليل من مؤيّدات القول بامتداد الليل إلى طلوع الشمس ؛ إذ ليس ما بين الفجرين بقدر ثلث الليل ، وأمّا بضميمة ما بين الطلوعين فربّما يقرب من ذلك وإن لا يخلو أيضا عن تأمّل ، فلعلّه أريد به بياض آخر ، والله العالم.

(ووقت ركعتي الفجر) على ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في المتن ومحكيّ المعتبر (٥) (بعد طلوع الفجر الأوّل) وفاقا لما حكي عن السيّد والشيخ في

__________________

(١) في ص ٢٩٤.

(٢) كذا ، ولم نهتد إلى وجه الإرسال.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١١٨ / ٤٤٥ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٥) قال المحقّق في المعتبر ٢ : ٥٥ : وركعتا الفجر بعد الفراغ من الوتر ، وتأخيرهما حتى يطلع الفجر الأوّل أفضل.

٢٩٧

المبسوط (١).

وقيل : إنّ أوّل وقتهما بعد الفراغ من صلاة الليل والوتر ولو في أوّل وقتها (٢) ، بل في الحدائق (٣) نسبته إلى المشهور.

لكن في عدّ القولين متقابلين تأمّلا ؛ إذ لا خلاف على الظاهر في جواز دسّهما في صلاة الليل ولو في أوّل وقتها ، ولم يظهر من التوقيت المنسوب إلى المشهور جواز تقديمهما على الفجر في غير هذه الصورة.

وعلى تقدير التزامهم بذلك لم يعلم مخالفة المصنّف وغيره لهم في ذلك ، بل ظاهر إطلاق المتن حيث قال : (ويجوز أن يصلّيهما قبل ذلك) : جواز الإتيان بهما قبل الفجر الأوّل من غير دسّ أيضا بأن يقتصر على فعلهما قبل الفجر من غير نافلة الليل ، فلذا قد يستشكل فيما أراده من التوقيت المذكور ؛ فإنّ جواز تقديمهما على الفجر على الإطلاق ينافي تحديد أوّل وقتهما بما بعد الفجر ؛ إذ لا معنى لوقت الصلاة إلّا ما جاز إيقاعها فيه.

نعم ، لو خصّ الجواز بصورة الدسّ ونحوها ، أمكن أن يقال : إنّ وقتهما من حيث هو بعد الفجر ولكن رخّص في تقديمهما تبعا لصلاة الليل ونحوه ، كما أنّ وقت صلاة الليل من حيث هو بعد انتصاف الليل ولكن قد يجوز تقديمها من أوّل

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ٦٢ ، المبسوط ١ : ٧٦ ، وحكاه عنهما العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٦ ـ ٥٧ ، المسألة ١٣.

(٢) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٦١ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٧٠ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٠٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٤٠.

٢٩٨

الليل لعلّة ، وهذا بخلاف ما لو عمّت الرخصة في التقديم ، كما هو واضح.

والحاصل : أنّ ما حكي عن الأصحاب في تحديد وقت الركعتين لا يخلو عن إجمال حيث لم يعلم أنّهم يجوّزون الإتيان بهما من نصف الليل مطلقا وإن لم يصلّ نافلة الليل ، أم يخصّون ذلك بصورة الدسّ؟

نعم ، ظاهر المحكيّ عن ابن الجنيد هو الأوّل حيث قال ـ على ما نقل عنه ـ :وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من حين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر على الترتيب (١) ؛ فإنّ ظاهره كون وقت الركعتين من حيث هو من حين الانتصاف بعد مضيّ مقدار أداء صلاة الليل والوتر.

وكيف كان فالذي ينبغي أن يقال : إنّه لا شبهة في جواز الإتيان بهما بعد الفراغ من صلاة الليل ولو في أوّل وقتها ، بل ولو قدّم نافلة الليل على الانتصاف في سفر ونحوه.

كما يدلّ عليه بالخصوص رواية أبي جرير القمّي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «صلّ صلاة الليل من أوّل الليل في المحمل ، والوتر وركعتي الفجر» (٢).

مضافا إلى المستفيضة الدالّة على جواز أن يدسّهما في صلاة الليل.

منها : صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن ركعتي الفجر ، فقال : «احشوا بهما صلاة الليل» (٣).

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٧ ، المسألة ١٣.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٦٥ ، الهامش (١).

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٢ / ٥١١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٢٩ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ١.

٢٩٩

وصحيحته الأخرى ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ركعتي الفجر أصلّيهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : احش بهما صلاة الليل ، وصلّهما قبل الفجر» (١).

وموثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي [صلاته] جملة واحدة ثلاث عشرة [ركعة] ثمّ إن شاء جلس فدعا ، وإن شاء نام ، وإن شاء ذهب حيث شاء» (٢).

وخبر عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام :الركعتان اللّتان قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي ، أم من صلاة النهار؟ وفي أيّ وقت أصلّيهما؟ فكتب عليه‌السلام بخطّه «احشهما في صلاة الليل حشوا» (٣).

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار الآتية.

وربما يؤيّده أيضا الأخبار (٤) الدالّة على أنّهما من صلاة الليل.

وهل يجوز تقديمهما من نصف الليل ابتداء من غير أن يدسّهما في صلاة الليل؟ فيه تردّد ؛ فإنّ الأخبار الدالّة عليه ـ كفتاوى الأصحاب ـ قاصرة عن إفادته في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ / ١٠٣٤ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٧ / ٥٣٣ ، و ٣٣٩ / ١٤٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٩ / ١٣٢٠ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب التعقيب ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٠ / ٣٥ ، وفيه : «عن أبي عبد الله عليه‌السلام». التهذيب ٢ : ١٣٢ / ٥١٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٢٨ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

(٤) منها : ما في التهذيب ٢ : ١٣٢ ـ ١٣٣ / ٥١٢ و ٥١٣ ، والاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٠ و ١٠٣١ ، والوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب المواقيت ، ح ٣ و ٤.

٣٠٠