مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

١
٢

كتاب الخمس

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

(كتاب الخمس)

وهو حقّ ماليّ فرضه الله تعالى على عباده ، فقال تبارك وتعالى في محكم كتابه (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ) (١).

وقال الصادق ـ عليه‌السلام ـ في ما رواه في الوسائل عن الصدوق في الفقيه مرسلا ، وفي الخصال مسندا : إنّ الله لا إله إلّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام ، والخمس لنا فريضة ،

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

٥

والكرامة لنا حلال (١).

فهو على إجماله ممّا لا ريب فيه ، بل هو من الضروريّات الّتي يخرج منكرها عن زمرة المسلمين.

(و) تفصيله يتوقّف على شرح ما به يتعلّق هذا الحقّ ومستحقّيه :ف (فيه فصلان.)

وينبغي قبل الخوض في المقصد ، التنبيه على أمر ، وهو : أنّه يظهر من جملة من الأخبار : أنّ الدّنيا بأسرها ملك لرسول الله وأوصيائه ـ عليه وعليهم‌السلام ـ ولهم التصرّف فيها بما يريدون من الأخذ والعطاء.

منها : رواية أبي بصير عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، قال ، قلت له : أما على الإمام زكاة؟ فقال : أحلت يا أبا محمّد؟ أما علمت أنّ الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ، ويدفعها الى من يشاء ، جائز له ذلك من الله ، إنّ الإمام لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حقّ يسأله عنه (٢).

وخبر ابن ريّان ، قال : كتبت الى العسكري ـ عليه‌السلام ـ : روي لنا أن ليس لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من الدنيا إلّا الخمس ، فجاء الجواب «أنّ الدنيا وما عليها لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ» (٣).

وفي مرسل محمد بن عبد الله ، المضمر الدنيا وما فيها لله ولرسوله ولنا ، فمن غلب على شي‌ء منها فليتّق الله ، وليؤدّ حقّ الله ، وليبرّ

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٧ ، الخصال : ٢٩٠ / ٥٢ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٨ / ٤.

(٣) الكافي ١ : ٤٠٩ / ٦.

٦

إخوانه ، فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن برآء منه» (١).

وفي خبر آخر عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : خلق الله تعالى آدم ، وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لآدم فلرسول الله ، وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ» (٢).

وفي خبر أبي سيّار قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «أو ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟ يا أبا سيّار الأرض كلّها لنا ، فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا» (٣) الحديث.

وفي خبر أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «وجدنا في كتاب علي ـ عليه‌السلام ـ «إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (٤) أنا وأهل بيتي أورثنا الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها الى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها» (٥) الحديث ، الى غير ذلك من الأخبار.

وربّما يؤيّده : قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في خطبة الغدير : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ واعتراف المخاطبين به ، ثم إثباته لعلي ـ عليه‌السلام ـ» (٦) ، فإنّ كونه أولى بهم من أنفسهم يستلزم كونه أحقّ منهم

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٨ / ٢ ، وفيه : أحمد بن محمد بن عبد الله.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٩ / ٧.

(٣) الكافي ١ : ٤٠٨ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٢.

(٤) سورة الأعراف ٧ : ١٢٨.

(٥) الكافي ١ : ٤٠٧ / ١.

(٦) تفسير البرهان ١ : ٤٨٩.

٧

بالتصرّف في أموالهم ، ولا نعني بالملكية إلّا هذا.

ولكن قد يقال : بعدم إمكان الالتزام بهذا الظاهر ؛ فإنّه كاد أن يكون مخالفا للضرورة ، ولم ينقل عن أحد من الأصحاب التعبّد بهذا الظاهر عدا ابن أبي عمير في ما حكاه عنه السندي بن الربيع حيث قال ـ على ما نقل عنه ـ : إنّه ـ أي ابن أبي عمير ـ لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا ، وكان لا يغبّ إتيانه ، ثم انقطع عنه وخالفه ، وكان سبب ذلك أنّ أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة (١) في شي‌ء من الإمامة ، قال ابن أبي عمير : إنّ الدنيا كلّها للإمام على جهة الملك ، وأنّه أولى بها من الذين في أيديهم ، وقال أبو مالك : أملاك الناس لهم إلّا ما حكم الله به للإمام من الفي‌ء والخمس والمغنم ، فذلك له ، وذلك أيضا قد بيّن الله للإمام ـ عليه‌السلام ـ أين يضعه وكيف يصنع به ، فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا اليه ، فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير ، فغضب ابن أبي عمير ، وهجر هشاما بعد ذلك (٢).

ولكنك خبير بأنّ الملكيّة الّتي قصدت بهذه الرّوايات ليست ملكيّة منافيّة لمالكيّة سائر الناس لما جعلهم الله لهم كسهمهم من الخمس ، بل ملكيّة من سنخ ملكية الله تبارك وتعالى لما في أيديهم ، فقضيّة التعبّد بظاهر هذه الروايات هو الالتزام بأنّ حال سائر الناس بالنسبة الى ما بأيديهم من أموالهم بالمقايسة إلى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأوصيائه ـ عليهم‌السلام ـ حال العبد الّذي وهبه مولاه شيئا من أمواله ، ورخّصه في

__________________

(١) الملاحاة : المنازعة. الصحاح ٦ : ٢٤٨١.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ ذيل الحديث ٨ وفيه : السري بن الربيع ، وما في المتن كما في الجواهر ١٦ : ٤.

٨

أن يتصرّف فيه كيف يشاء ، فذلك الشي‌ء يصير ملكا للعبد حقيقة ، بناء على أنّ العبد يملك ، ولكن لا على وجه ينقطع علاقته عن السيّد ، فإنّ مال العبد لا يزيد عن رقبته ، فهو مع ما له من المال ملك لسيّده ، ومتى شاء سيده أن ينتزع منه ماله جاز له ذلك ، فيصحّ إضافة المال إلى سيّده أيضا ، بل سيّده أحقّ به من نفسه وأولى بإضافة المال إليه ، فمن الجائز أن يكون ما في أيدي الناس بالإضافة إلى ساداتهم كذلك ، فإنّ الدنيا وما فيها أهون على الله من أن يجعلها ملكا لأوليائه ، ولا يمكن استكشاف عدمه من إجماع أو ضرورة ، فإنّ غاية ما يمكن معرفته بمثل هذه الأدلّة هي : أنّ الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ كانوا ملتزمين في مقام العمل بالتجنّب عمّا في أيدي النّاس ، وعدم استباحة شي‌ء منها إلّا بشي‌ء من الأسباب الظّاهرية المقرّرة في الشريعة ، وهذا لا يدلّ على أنّه لم يكن لهم في الواقع إلّا هذا ، فلا مانع عن التعبّد بظواهر النصوص المزبورة المعتضدة بغيرها من المؤيّدات العقليّة والنقليّة.

نعم لو كان مفادها الملكيّة غير المجامعة للملكيّة سائر الناس كحصّتهم من الخمس ، لكانت مصادمة للضرورة ، ولكنّك عرفت أنّه ليس كذلك.

ويظهر من مخاصمة أبي مالك مع ابن أبي عمير في القضية المزبورة أنّه زعم أنّ ابن أبي عمير أراد هذا المعنى من الملكية فأنكره عليه ، وصدّقه هشام في ذلك ، وهو في محلّه على تقدير كونه كما زعم ، ولكن لا يظنّ بابن أبي عمير إرادته ، والله العالم.

٩

(الفصل الأوّل)

(في ما يجب فيه)

(وهو سبعة) على الأصحّ.

(الأوّل : غنائم دار الحرب) وهذا القسم على إجماله هو القدر المتيقّن ممّا يفهم حكمه بنصّ الكتاب (١) ، ويدلّ عليه كثير من الأخبار.

وقضيّة عموم الكتاب وبعض الأخبار الدالّة عليه ، كخبر أبي بصير عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : «كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، فإنّ لنا خمسه ، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتّى يصل إلينا حقّنا» (٢) بل وكذا إطلاق كثير من معاقد إجماعاتهم المحكيّة كصريح المتن وغيره : أنّ الغنائم التي يجب فيها الخمس أعمّ (ممّا حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم يكن مغصوبا من مسلم أو معاهد) ونحوهما من محترمي المال ، فلا ينبغي الاستشكال فيه ، كما أنّه لا ينبغي التأمّل في وجوب ردّ المغصوب على مالكه ، وكونه مضمونا على من أخذه ولو بوسائط ،

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٥ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

١٠

واستيلاء الكافر عليه عدوانا لا ينفي حرمته ، كما هو واضح.

وحكي عن صاحب الحدائق أنّه أنكر التعميم على الأصحاب ، وقصّر الخمس على ما يحوّل وينقل من الغنائم دون غيره من الأراضي والمساكن ، مستظهرا ذلك من الأخبار المشتملة على قسمة الغنائم أخماسا وأسداسا عليهم ، وعلى الغانمين ، حيث إنّ موردها ما عدا الأراضي ، فإنّها لا تقسّم على الغانمين ، بل هي ملك لجميع المسلمين الى يوم القيامة ، كما نطق به الأخبار ، وكذا الأخبار الواردة في أحكام الأراضي الخراجيّة ؛ فإنّه لا تعرّض في شي‌ء منها لحال الخمس (١).

وفيه : أنّ تقسيم المنقول على الأقسام الخمسة أو الستة لا يشعر بأنّ مورد الخمس مقصور على ما فيه هذه الأقسام.

وأمّا ما دلّ على أنّ الأراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين ، فهي غير آبية عن التقيّد بالآية الشريفة وغيرها ممّا عرفت.

وأمّا ما ورد في بيان أحكامها : فالإنصاف أنّه يظهر منها أنّه ليس على من تقبّل منها شي‌ء عدا الخراج الذي يأخذه السلطان ، ولكن هذا لا ينفي استحقاق بني هاشم منها الخمس ، بل ربّما يستشعر من الأخبار الواردة في تحليل حقّهم لشيعتهم : ثبوت الخمس فيها ، ولكنّه ـ عليه‌السلام ـ جعل شيعته في حلّ من ذلك لتطيب ولادتهم (٢).

مع إمكان أن يكون هذا من باب إمضاء عمل الجائر إرفاقا بالشيعة ، كما هو الشأن بالنسبة إلى حقوق سائر المسلمين ، فيكون الاجتزاء بما يأخذه الجائر باسم الخراج بدلا عن أجرة الأرض من قبيل الاجتزاء بما

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٨ ، وراجع : الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٢٤.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٦ / ١٦ ، الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨٢ ، التهذيب ٤ : ١٣٦ / ٣٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٧ / ١٨٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٥.

١١

يأخذه باسم الزكاة والخمس ، فالأظهر : ثبوت الخمس فيها ، ولكن لا يجب على من تقبّلها سوى خراجها.

ويتفرّع على هذا جواز الحكم بملكيّة رقبة الأرض المفتوحة عنوة في ما لو وجد شي‌ء منها تحت يد مسلم وإن علم بكونه عامرا حال الفتح إذا احتمل انتقاله اليه من سهم الخمس بوجه سائغ بأن كان بإمضاء الإمام ـ عليه‌السلام ـ أو نوّابه.

ولا فرق في وجوب الخمس في ما يغتنم من دار الحرب بين كونه (قليلا أو كثيرا) لإطلاق أدلّته ، السالم عمّا يصلح لتقييده.

فما عن ظاهر غزية المفيد ـ رحمه‌الله ـ من اشتراط بلوغ عشرين دينارا (١) ؛ مع شذوذه وعدم معروفيّة موافق له ، محجوج بما عرفت.

وينبغي أن يستثنى من الغنائم التي يتعلّق بها الخمس ما ورد فيه دليل بالخصوص على أنّه ملك لأشخاص خاصّة ، كصفوة المال التي منها قطائع الملوك التي ورد في الأخبار أنّها للإمام خاصّة (٢) ، وسلب المقتول الوارد فيه أنّه لقاتله (٣) ، ونحو ذلك ، فإنّ ظهور الأخبار الخاصّة في إرادة ملكية المجموع أقوى من إرادته من الآية والروايات الواردة في الخمس ، كما لا يخفى.

وكذا ينبغي استثناء المئونة المصروفة في ضبط الغنيمة ، ونقلها ممّا كان وضعه على الغانم من ماله إضرارا به ، ومنافيا للعدل والإنصاف ، خصوصا فيما لو كان سهمه أقلّ من مصرفه ، والله العالم.

بقي الكلام في تفسير الغنيمة الواردة في الكتاب.

__________________

(١) كما في الجواهر ١٦ : ١٣ ، وحكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٦١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٤ / ٣٧٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٦.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٣ / ٦.

١٢

فأقول : ربّما يظهر من كلمات غير واحد : أنّ الغنيمة في اللغة اسم لكلّ ما استفيد واكتسب ، كما يلوح بذلك ما في مجمع البحرين ؛ فإنّه قال : الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة ، ولكن اصطلح جماعة على أنّ ما أخذ من الكفّار إن كان من غير قتال فهو في‌ء ، وإن كان مع القتال فهو غنيمة ، واليه ذهب الإماميّة ، وهو مرويّ (١). انتهى.

أقول : فكأنّ ما اصطلحوا عليه عرف خاص ربّما ينزّل عليه إطلاق الآية بشهادة السياق ، كما حكي ذلك عن كثير من المفسّرين ، وإلّا فكثير من الأصحاب يستدلّون بإطلاق الآية لإثبات الخمس في سائر الأنواع الآتية ، بل ربّما نسب (٢) الاستدلال به الى الأصحاب عدا شاذّ منهم ، بل عن الرياض دعوى الإجماع على عموم الآية (٣).

وعن المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة أنّه قال : الغنائم كلّ ما استفيد بالحرب من الأموال ، وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر ، وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات من المئونة والكفاية طول السنة على الاقتصاد (٤).

ونحوه فسّرها الشهيد في الدروس (٥) ومحكي البيان (٦).

وعن الطبرسي في مجمع البيان أيضا نحوه (٧) ، بل ادّعى أنّ اسم الغنيمة في عرف اللّغة يطلق على جميع ذلك.

__________________

(١) مجمع البحرين ٦ : ١٢٩.

(٢) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥٧.

(٣) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٥٧ ، وراجع : رياض المسائل ١ : ٢٩٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢١ ، والمقنعة : ٢٧٦.

(٥) الدروس ١ : ٢٥٨.

(٦) البيان : ٢١٣.

(٧) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٣١ وراجع : مجمع البيان ٣ : ٨٣٥.

١٣

أقول : الظاهر أنّ هؤلاء الأعلام أيضا أرادوا بما ذكروه معنى الغنيمة التي يتعلّق بها الخمس ، وينزّل عليها إطلاق الآية ، وإلّا فهي بحسب الظاهر اسم لكلّ ما استفيد ، فينبغي أن يحمل عليه إطلاق الآية ، إلّا أن يدلّ دليل من نصّ أو إجماع على خلافه ، كما يشهد لذلك ـ مضافا الى ذلك ـ خبر حكيم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : قلت له :(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ) الآية (١) «هي والله الإفادة يوما بيوم ، إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ ليزكوا» (٢) ويؤيّده أيضا : موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عن الخمس ، فقال : «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (٣).

وصحيحة ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول :«ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» (٤) فإنّ مقتضى إبقاء الحصر على حقيقته : حمل الغنائم على مطلق الاستفادة والتكسّب ، الى غير ذلك من الأخبار المشعرة به أو الدالّة عليه.

ولكن ربّما يستشكل في ذلك : باستلزامه تخصيص الأكثر.

وفيه : أوّلا : المنع ؛ إذ لا يسمّى كلّ ما يدخل في الملك ولو بسبب قهري من إرث ونحوه الاستفادة والاكتساب.

وعلى تقدير تسليم الصدق وعدم انصراف إطلاق اللفظ عنه ، فنقول :

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢١ / ٣٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٥٤ / ١٧٩ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٨.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٥ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ / ١٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

١٤

إنّ مقتضى عموم الكتاب والسنّة : ثبوت الخمس في الجميع ، ولكن يستكشف بواسطة الإجماع والسيرة وغيرهما من الأدلّة الآتية أنّ أولياء الخمس قد زهدوا عنه ، ورفعوا اليد عن حقّهم في كثير من الموارد التي لم يدلّ عليه دليل خاصّ ، منّة على رعاياهم ، وإرفاقا بشيعتهم ، كما يؤيّده قوله ـ عليه‌السلام ـ في بعض الأخبار الآتية في تحليل الخمس : «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» (١).

ويؤيّده أيضا جملة من الأخبار المعتبرة الدالّة على ثبوت الخمس في بعض الأشياء ، كالميراث والهبة ونحوها ممّا يشكل الالتزام به في مقام العمل ، كما سنوضّحه ؛ فإنّ توجيه تلك الأخبار بما ذكر من أحسن محاملها بعد عدم إمكان العمل بظاهرها ، والله العالم.

(الثاني) ممّا يجب فيه الخمس : (المعادن) بلا خلاف فيه ، بل إجماعا ، كما عن غير واحد نقله.

ويدلّ عليه ـ مضافا الى الإجماع ، وعموم الكتاب ، وبعض الأخبار المتقدّمة ـ خصوص جملة من الأخبار :

منها : ما رواه في الوسائل عن الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (٢).

وفي الخصال بإسناده عن عمّار بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز الخمس (٣).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٨٨ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٧ ، وراجع : الخصال : ٢٩١ / ٥٣.

(٣) الخصال : ٢٩٠ / ٥١ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٦.

١٥

وعن الشيخ والكليني ـ في الصحيح ـ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص ، فقال : «عليها الخمس جميعا» (١).

وعن الحلبي ـ في الصحيح ـ في حديث ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الكنز كم فيه؟ قال : «الخمس» وعن المعادن كم فيها؟قال : «الخمس» وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان في المعادن كم فيها؟ قال : «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة» (٢).

وعن الصدوق أيضا نحوه (٣).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» وقال : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» (٤) وفي صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن الملاحة ، فقال : «وما الملاحة؟» فقال : أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا ، فقال : «هذا المعدن فيه الخمس» فقلت : والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ فقال : «هذا وأشباهه فيه الخمس» (٥) وعن الصدوق في الفقيه نحوه ، إلّا أنّ فيه : فقال : «مثل المعدن فيه

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٢١ / ٣٤٥ ، الكافي ١ : ٥٤٤ / ٨.

(٢) الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ١٢١ / ٣٤٦ ، الكافي ١ : ٥٤٦ / ١٩.

(٣) الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ذيل الحديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٣ ، وفيهما مثله.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٧ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٩ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٤.

١٦

الخمس» (١) الى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي ذكرها إن شاء الله ، فلا إشكال في أصل الحكم.

وإنّما الإشكال في تحديد موضوعه ؛ فإنّه قد اختلف في ذلك كلمات الأصحاب واللّغويّين.

أما اللّغويّون : فظاهرهم الاتّفاق على أنّ المعدن اسم مكان ، كما هو مقتضى وضعه بحسب الهيئة ، ويساعد عليه العرف في موارد استعمالاته :

ففي القاموس : المعدن كـ (مجلس) منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائما ، أو لإنبات الله تعالى إيّاه فيه ، ومكان كلّ شي‌ء فيه أصله (٢).

وفي الصحاح : عدنت البلد : توطنته ، وعدنت الإبل بمكان كذا :لزمته فلم تبرح منه ، جنات عدن ، أي : جنّات إقامة. ومنه سمّي المعدن بكسر الدال ؛ لأنّ الناس يقيمون فيه صيفا وشتاء ، ومركز كلّ شي‌ء : معدنه (٣).

وفي النهاية الأثيريّة في حديث بلال بن الحارث أنّه أقطعه معادن القبيلة ، المعادن التي يستخرج منها جواهر الأرض كالذهب والفضّة والنحاس وغير ذلك ، واحدها : المعدن ، والعدن : الإقامة ، والمعدن : مركز كلّ شي‌ء ، ومنه الحديث (٤).

وفي مجمع البحرين : جنّات عدن ، أي : جنّات إقامة ـ الى أن قال ـ ومنه سمّي المعدن كـ (مجلس) ، لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٦ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ذيل الحديث ٤.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٢٤٧.

(٣) الصحاح ٦ : ٢١٦٢.

(٤) النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ١٩٢.

١٧

والشتاء ، ومركز كلّ شي‌ء معدنه ، والمعدن مستقرّ الجوهر (١).

وهذه الكلمات ـ كما تراها ـ لا اختلاف فيها من حيث المفاد ، وهي بأسرها متّفقة الدلالة على أنّ المعدن اسم للمحلّ لا للحالّ ، كما أنّها متّفقة الدلالة على أنّ المعدن له معنيان : عامّ وخاصّ ، وظاهر الجميع : أنّه متى أطلق اسم المعدن من غير إضافته إلى شي‌ء يراد به معناه الخاصّ ، وهو المكان الذي يستخرج منه جواهر الأرض ، كما في عبارة النهاية ، أو منبت الجواهر كما في عبارة القاموس ، أو مستقرّها كما في المجمع.

وأمّا الصحاح فلم يصرّح بمعنى مطلقه ، بل أو كله الى وضوحه.

وأمّا مع الإضافة : فيصحّ إطلاقه على مركز كلّ شي‌ء ، أي : مكانه الذي خلق فيه بالطبع ، لا مطلق ما ركز فيه ولو بالعرض ، فيطلق على الأرض المشتملة على نوع خاصّ من التراب أو الحجر أو الرمل ونحوه : أنّه معدن هذا الشي‌ء ، ولكنّه لا ينسبق الى الذهن من إطلاق اسم المعدن مثل هذه الأشياء ، بل ينصرف الى المعنى الأوّل.

وهل هو لشيوع إرادته من مطلقة أو لكونه أكمل أفراد المطلق أو لصيرورته حقيقة فيه ، كما ربّما يستشعر من كلمات اللّغويّين؟احتمالات لا يخلو أوّلها عن قوّة.

وأمّا الأصحاب : فظاهرهم الاتّفاق على أنّه اسم للحالّ لا للمحلّ ، فإنّهم عرّفوه : بما استخرج من الأرض ، وقد اختلفوا من حيث التعميم والتخصيص.

ففي المسالك قال : المعادن جمع معدن بكسر الدال ، وهو هنا : كلّ ما

__________________

(١) مجمع البحرين ٦ : ٢٨١.

١٨

استخرج من الأرض ممّا كان منها بحيث يشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها ، ومنها : الملح والجصّ وطين الغسل وحجارة الرحى والمغرة (١) ، واشتقاقها من : عدن بالمكان : إذا أقام به ؛ لإقامتها في الأرض (٢). انتهى.

وفي الروضة : المعدن بكسر الدال ، وهو : ما استخرج من الأرض ممّا كانت أصله ، ثمّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها كالملح والجصّ وطين الغسل وحجارة الرحى والجواهر من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها (٣).

وفي الدروس لم يفسّر المعدن ، ولكن صرّح بأنّ منها : المغرة والجصّ والنورة وطين الغسل والعلاج وحجارة الرحى (٤).

وتوقّف غير واحد في صدق اسم المعدن عرفا على مثل هذه الأشياء التي ليست بخارجة من مسمّى الأرض عرفا ، بل ربّما منعه بعضهم ، مستشهدا لذلك : بكلام العلّامة وابن الأثير الآتيين في عبارة المدارك.

وفي المدارك بعد أن نقل في تفسير المعدن عبارة القاموس كما قدّمنا نقلها ، قال : وقال ابن الأثير في النهاية : المعدن كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة.

وقال العلّامة في التذكرة : المعادن كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة ، سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص والصفر والنحاس والحديد ، أو مع غيره كالزئبق ، أو لم يكن منطبعا

__________________

(١) المغرة : الطين الأحمر الذي يصبغ به. مجمع البحرين ٤ : ٤٨٤.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٤٥٨.

(٣) الروضة البهية ٢ : ٦٦.

(٤) الدروس ١ : ٢٦٠.

١٩

كالياقوت والفيروزج والبلخش (١) والعقيق والبلور والسبج (٢) والكحل والزرنيق والمغرة والملح ، أو كان مائعا كالقير والنفط والكبريت عند علمائنا أجمع. ونحوه قال في المنتهى.

وقد يحصل التوقّف في مثل المغرة ونحوها للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة ، وانتفاء ما يدلّ على وجوب الخمس فيها على الخصوص.

وجزم الشهيدان بأنّه يندرج في المعادن : المغرة والجصّ والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى. وفي الكلّ توقّف (٣). انتهى كلام صاحب المدارك.

وفي الرياض بعد أن نقل عن الشهيدين الجزم بدخول الأمثلة المزبورة في المعادن ، قال : وتوقّف فيه جماعة من متأخّري المتأخّرين ، قالوا : للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة ، وانتفاء ما يدلّ على وجوب الخمس فيها على الخصوص ، وهو في محلّه (٤). انتهى.

والعجب من صاحب المدارك وجميع من تأخّر عنه ممّن عثرنا على كلماتهم أنّهم نقلوا عن ابن الأثير في تفسير المعدن العبارة التي نقلها في المدارك ، وجعلوا كلامه معارضا لكلام صاحب القاموس.

ورجّحه بعضهم على كلام صاحب القاموس بأنّ المثبت مقدّم على

__________________

(١) البلخش : لعل ، ضرب من الياقوت. ملحقات لسان العرب : ٦٨.

(٢) السبج : الخرز الأسود. الصحاح ١ : ٣٢١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ، وراجع : النهاية لابن الأثير ٣ : ١٩٢ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٥١ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٤٤ ، والدروس ١ : ٢٦٠ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٥٨ ، والروضة البهية ٢ : ٦٦.

(٤) رياض المسائل ١ : ٢٩٣.

٢٠