مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

منها : ما رواه الشيخ ـ في الموثّق ـ عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام عن الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، قالا : «لا بأس به» (١).

وعن عبيد الله وعمران ابني عليّ [الحلبيّين] (٢) قالا : كنّا نختصم في ـ [الطريق ـ في] (٣) الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وكان منّا من يضيق بذلك صدره ، فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، قال : «لا بأس بذلك» قلنا : وأيّ شي‌ء الشفق؟ فقال :«الحمرة» (٤).

وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة ، وإنّما فعل ذلك ليتّسع الوقت على امّته» (٥).

وعن أبي عبيدة ـ في الصحيح ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ثمّ أقام مؤذّنه ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤ / ١٠٤ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الحلبي». والمثبت من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤ / ١٠٥ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٤٦ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥ / ١٠٩ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

١٢١

وعن إسحاق البطّيخي (١) قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثمّ ارتحل (٢).

وعن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : نجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ قال : «لا بأس» (٣).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار المستفيضة المرويّة عن أبي جعفر (٤) وأبي عبد الله (٥) عليهما‌السلام ، وعن ابن عبّاس (٦) أيضا بعدّة طرق ، وعن عبد الله بن عمر (٧) أيضا : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان وإقامتين ليتّسع الوقت على أمّته.

وفي جملة منها التصريح بكون الجمع بين المغرب والعشاء قبل سقوط الشفق.

ويدلّ عليه أيضا خبر عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق ، ولا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (٨).

__________________

(١) في «ض ١١» والتهذيب : «البطيحي» بالحاء المهملة.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤ / ١٠٦ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٢ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ٨ ، وكذا الباب ٣٢ من تلك الأبواب ، ح ١٠.

(٤) التهذيب ٣ : ١٨ / ٦٦ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب المواقيت ، ح ١١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٦ / ١ ، الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٦ ، علل الشرائع : ٣٢١ (الباب ١١) ح ٢ و ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧١ / ٩٨١ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب المواقيت ، الأحاديث ١ و ٣ و ٨.

(٦) علل الشرائع : ٣٢١ و ٣٢٢ (الباب ١١) الأحاديث ٤ و ٦ و ٧ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب المواقيت ، الأحاديث ٤ ـ ٦.

(٧) علل الشرائع : ٣٢٢ (الباب ١١) ح ٨ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٥ / ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب المواقيت ، ح ١.

١٢٢

وما فيه من الإشعار بثبوت البأس فيه في الحضر لعلّه لأفضليّة التأخير ، كما يدلّ عليه غيره من الروايات التي ستأتي في محلّها ، وإن كان قد ينافيها ما عن الطبرسي في الاحتجاج عن الكليني رفعه عن الزهري أنّه طلب من العمري أن يوصله إلى صاحب الزمان عجّل الله فرجه ، فأوصله ، وذكر أنّه سأله فأجابه عن كلّ ما أراده ، ثمّ قام ودخل الدار ، قال : فذهبت لأسأل فلم يستمع وما كلّمني بأكثر من أن قال : «ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم» (١).

لكن لا بدّ من ردّ علم هذه الرواية إلى أهله ، أو توجيهها بما لا ينافي غيرها من الروايات البالغة حدّ التواتر ، الدالّة على جواز التأخير بل رجحانه.

ولا يبعد أن يكون المراد بها اللعن على من أوجب التأخير وتديّن بذلك ، أو يكون المراد بالعشاء الصلاة المفروضة في الليل ، فاريد بها صلاة المغرب ، لا العشاء الآخرة.

وكيف كان فهذه الأخبار بأسرها ناطقة بجواز تقديم العشاء على ذهاب الشفق ، وأغلبها تدلّ بالصراحة أو الظهور على جوازه اختيارا.

فما عن الشيخين وابن أبي عقيل وسلّار من أنّ أوّل وقتها غيبوبة الشفق (٢) في غاية الضعف ، سواء أريد به أوّل وقتها على سبيل الإطلاق ، أو في حال الاختيار.

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٧٩ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٢) المقنعة : ٩٣ ، النهاية : ٥٩ ، المبسوط ١ : ٧٥ ، الخلاف ١ : ٢٦٢ ، المسألة ٧ ، المراسم : ٦٢ ، وحكاه عنهم العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٧ ، المسألة ٧.

١٢٣

ولذا قد يغلب على الظنّ إرادتهم بذلك أوّل وقتها المجعول لها في أصل الشرع ، الذي ينبغي اختيارها فيه وإن جاز تقديمها عليه من باب التوسعة ، أي أوّل وقت الفضيلة ، وحمل عبارات القدماء علي إرادة مثل هذه المعاني غير بعيد وإن كان قد يأبى عنه بعض أدلّتهم الآتية.

وكيف كان فقد احتجّ الشيخان ـ على ما نقله في المدارك (١) ومحكيّ المختلف (٢) ـ : بصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام متى تجب العتمة؟قال : «إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة» (٣).

وصحيحة بكر بن محمّد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : «وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل» يعني نصف الليل (٤).

وزاد في محكيّ المختلف نقلا عنهما ، وقال : ولأنّ الإجماع واقع على أنّ ما بعد الشفق وقت للعشاء ، ولا إجماع على ما قبله ، فوجب الاحتياط ؛ لئلّا يصلّى قبل دخوله ، ولأنّها عبادة موقّتة ، ولا بدّ لها من ابتداء مضبوط ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، وأداء المغرب غير منضبط ، فلا يناط به وقت العبادة (٥). انتهى.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٥٩.

(٢) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٩٠ ، وانظر : مختلف الشيعة ٢ : ٤٨ ، ضمن المسألة ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٤ / ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٩٧٧ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٤١ / ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ / ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٥) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٩١ ، وانظر : مختلف الشيعة ٢ : ٤٨ ، ضمن المسألة ٧ ، وكذا الخلاف ١ : ٢٦٤ ، ذيل المسألة ٧.

١٢٤

ولا يخفى ما في الدليلين الأخيرين. وأمّا الروايتان : فلا تصلحان لمعارضة ما عرفت ، فالأولى حملهما على إرادة وقت الفضيلة.

ويحتمل قويّا جريهما مجرى التقيّة التي هي من أقوى أسباب اختلاف الأخبار الواردة في باب المواقيت ، كما في بعض (١) الأخبار التصريح بذلك.

ويؤيّد هذا الاحتمال ما في ذيل رواية بكر بن محمّد ـ المرويّة عن قرب الإسناد ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب ، فقال : «إذا غاب القرص» ثمّ سألته عن وقت العشاء الآخرة ، فقال : «إذا غاب الشفق» قال : «وآية الشفق الحمرة» ثمّ قال بيده (٢) هكذا (٣) (٤) ، فإنّ وقوع مثل هذه الأشياء والتعبيرات المشعرة بصدور القول عن رأي واجتهاد أو بحسب ما يقتضيه الوقت من أمارات التقيّة ، والله العالم.

ويدلّ على امتداد وقت الصلاتين مرتّبة ثانيتهما على الاولى إلى أن ينتصف الليل ـ كما هو المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم ، على ما نسب (٥) إليهم ـ الروايات الثلاث التي رواها عبيد بن زرارة ، ورواية داود بن فرقد ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٥٢ / ١٠٠٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥٧ / ٩٢١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب المواقيت ، ح ٣. وأيضا راجع : العدّة في أصول الفقه ١ : ١٣٠ ، وعلل الشرائع : ٣٩٥ (الباب ١٣١) ح ١٤ و ١٥.

(٢) قال بيده : أهوى بها. أساس البلاغة : ٣٨٢ «قول».

(٣) قرب الإسناد : ٣٦ ـ ٣٧ / ١١٨ و ١١٩ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بعد قوله : «هكذا» : «أقول». وهي هنا زائدة ؛ حيث لم ترد في المصدر ، بل هي من كلام صاحب الوسائل حيث قال : بعد نقل الرواية عن قرب الإسناد :«أقول ..» فلاحظ.

(٥) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٧٥ و ١٩٣.

١٢٥

المتقدّمات (١).

وسيأتي تمام الكلام فيه وفي كون المجموع وقتا اختياريّا أو اضطراريّا عند تعرّض المصنّف رحمه‌الله له إن شاء الله.

(وما بين طلوع الفجر الثاني) المسمّى بالصبح الصادق (المستطير في الأفق) أي المنتشر فيه ، الذي لا يزال في الزيادة ، دون الفجر الأوّل المستطيل إلى الفوق المنفصل عن الأفق المشبه بذنب السرحان ، المسمّى بالصبح الكاذب (إلى طلوع الشمس وقت) لصلاة (الصبح) بلا خلاف في أوّله ، بل وكذا في آخره أيضا وإن اختلفوا في كونه اختياريّا أو اضطراريّا ، كما ستعرف.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :«وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (٢).

وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، ولا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس» (٣).

وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر أن يصلّي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس ، وذلك في المكتوبة خاصّة ، فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت

__________________

(١) في ص ١١٩ و ١٢٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٨ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٦ / ١٠١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٣ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

١٢٦

صلاته» (١).

والمراد بالفجر في هذه الروايات هو الفجر الثاني ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ الأخبار المستفيضة الواردة لتحديد أوّل الوقت.

منها : خبر عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام معي : جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الافق واستبان ، ولست أعرف أفضل الوقتين فاصلّي فيه ، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السفر والحضر؟فعلت (٢) إن شاء الله ، فكتب عليه‌السلام بخطّه وقرأته : «الفجر ـ يرحمك الله ـ هو الخيط الأبيض المعترض ، وليس هو الأبيض صعدا (٣) ، فلا تصلّ في سفر ولا حضر حتّى تبيّنه ، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا ، فقال (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (٤) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي يوجب الصلاة» (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨ / ١٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ١٠٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب المواقيت ، ح ٧ ، والباب ٣٠ من تلك الأبواب ، ح ١.

(٢) قوله : «فعلت» متعلّق بقوله : «فإن رأيت».

(٣) قال الجوهري في الصحاح ٢ : ٤٩٨ «صعد» : ويقال أيضا : هذا النبات ينمي صعدا ، أي : يزداد طولا.

(٤) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

١٢٧

ورواية عليّ بن عطيّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «الصبح هو الذي إذا رأيته كان معترضا كأنّه بياض نهر سورى (١)» (٢).

ورواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت صلاة الفجر ، فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سورى» (٣).

وما عن الصدوق مرسلا ، قال : وروي أنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا ، وأمّا الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذاك الفجر الكاذب ، والفجر الصادق هو المعترض كالقباطي (٤) (٥).

وعنه في الفقيه ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : متى يحرم الطعام والشراب (٦) على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال : «إذا اعترض الفجر فكان كالقبطيّة البيضاء فثمّ يحرم الطعام على الصائم ، وتحلّ الصلاة صلاة الفجر» قلت : أفلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ قال : «هيهات أين يذهب بك؟تلك صلاة الصبيان» (٧).

__________________

(١) سورى ـ على وزن بشرى ـ : موضع في العراق في أرض بابل. معجم البلدان ٣ : ٢٧٨.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٧ / ١٤٤٠ ، وفي الكافي ٣ : ٢٨٣ / ٣ ، والتهذيب ٢ : ٣٧ ٣٨ / ١١٨ ، والاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٧ بتفاوت ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧ / ١١٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٦ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٤) القباطي جمع واحدها : قبطيّة ، وهي الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء ، وكأنّه منسوب إلى القبط ، وهم أهل مصر. لسان العرب ٧ : ٣٢٣ «قبط».

(٥) الفقيه ١ : ٣١٧ / ١٤٤١ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٦) كلمة «والشراب» لم ترد في الفقيه ، وكذا في التهذيب ، بل وردت في الكافي.

(٧) الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦١ ، ورواه أيضا الكليني في الكافي ٤ : ٩٩ / ٥ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ١٨٥ / ٥١٤ ، وعنها في الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب المواقيت ، ح ١.

١٢٨

ورواه الشيخ في التهذيب عن عاصم بن حميد عن أبي بصير المكفوف بأدنى اختلاف في متنه كسنده.

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال : «إذا كان الفجر كالقبطيّة (١) البيضاء» قلت : فمتى تحلّ الصلاة؟ فقال : «إذا كان كذلك» فقلت : ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : «لا ، إنّما نعدّها صلاة الصبيان» ثمّ قال : «لم يكن يحمد الرجل أن يصلّي في المسجد ثمّ يرجع فينبّه أهله وصبيانه» (٢).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي ركعتي الصبح ـ وهي الفجر ـ إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا» (٣).

وعن البحار نقلا عن كتاب [العروس] (٤) بإسناده عن الرضا عليه‌السلام ، قال :«[صلّ] (٥) صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا» (٦).

ولا منافاة بين الأخبار الدالّة على أنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا وبين غيرها من الأخبار المتقدّمة ؛ فإنّه إذا اعترض الفجر وتبيّن وصار كنهر

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «القبطيّة». والمثبت من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٩ / ١٢٢ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١١ ، الاستبصار ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ / ٩٩٠ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الفردوس». وما أثبتناه كما في بحار الأنوار ٨٣ : ٧٤ / ٦ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٢٠٧.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) العروس (ضمن جامع الأحاديث) : ١٥٥.

١٢٩

سورى وكالقبطيّة البيضاء ، صدق عليه أنّه أضاء حسنا.

ويدلّ على المدّعى أيضا أخبار اخر سيأتي نقلها عند التعرّض لتحقيق كون آخر الوقت وقتا اختياريّا أو اضطراريّا.

ولا ينافي هذه الروايات الأخبار الدالّة على أفضليّة الصلاة عند طلوع الفجر أو استحباب التغليس (١) [بها] (٢) ـ مثل : رواية إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن أفضل [المواقيت] (٣) في صلاة الفجر ، فقال : «مع طلوع الفجر ، إنّ الله تعالى يقول (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٤) يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرّتين : أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار» (٥) ومرسلة الفقيه ، قال :سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن عليه‌السلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من [صلوات] (٦) النهار ، وإنّما يجهر في صلاة الليل؟ فقال : «لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلّس بها [فقرّبها] (٧) من الليل» (٨) وعن الذكرى أنّه قال : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. لسان العرب ٦ : ١٥٦ «غلس».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة والحجريّة : «فيها». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة والحجريّة : «الوقت». والمثبت من المصادر.

(٤) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧ / ١١٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٥ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «صلاة». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «لقربها». والمثبت من المصدر.

(٨) الفقيه ١ : ٢٠٣ / ٩٢٦ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

١٣٠

كان يصلّي الصبح فينصرف النساء وهنّ متلفّعات (١) بمروطهنّ (٢) لا يعرفن من الغلس (٣) (٤) ـ فإنّ الأخبار السابقة مسوقة لتحديد طلوع الفجر الذي عنده تحلّ الصلاة ، ويحرم الأكل للصائم ، فأوّل طلوع الفجر بمقتضى تلك الأخبار إنّما يتحقّق عند صدق ما تضمّنته من التعاريف بأن اعترض بياض في أسفل الافق بحيث يرى في ظلمة الليل كأنّه نهر سورى ، كما شبّه به في روايتي (٥) ابن عطيّة وهشام ، أو القبطيّة البيضاء ، كما في صحيحة (٦) أبي بصير ، أو القباطي ، كما في غيرها (٧).

وقد أشرنا إلى أنّه عند ذلك يصدق عليه أنّه أضاء حسنا ، كما في بعض الأخبار المتقدّمة (٨) ، فلم يقصد ـ على الظاهر ـ بشي‌ء من هذه الأخبار إرادة ما هو أخصّ من طلوع الفجر الذي لا ترتفع به ظلمة الليل ما لم ينبسط ضوؤه وينتشر إلى أن يضي‌ء الصبح فضلا عن أن يتحقّق التنافي بينها وبين ما دلّ على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلّس بالغداة.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «متلفّقات». وهي غلط ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر ، أو «متلفّفات» كما في صحيح مسلم ١ : ٤٤٦ ، ذيل ح ٢٣٢. واللفاع : ثوب يجلّل به الجسد كلّه ، كساء كان أو غيره. وتلفّع بالثوب : إذا اشتمل به. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٢٦١ «لفع».

(٢) أي : أكسيتهنّ. والمرط : كساء من خزّ أو صوف أو كتّان. لسان العرب ٧ : ٤٠١ «مرط».

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٤٦ / ٢٣٢.

(٤) أورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٠٨ ، وانظر : الذكرى ٢ : ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٥) تقدّمتا في ص ١٢٨.

(٦) تقدّمت في ص ١٢٨.

(٧) كمرسلة الصدوق ، المتقدّمة في ص ١٢٨.

(٨) في ص ١٢٩.

١٣١

نعم ، قد يتراءى التنافي بين الأخبار المتقدّمة وبين خبر رزيق الخلقاني ـ المرويّ عن مجالس الشيخ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو قبل أن يستعرض ، وكان يقول : «(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (١) إنّ ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر ، فأنا احبّ أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي» وكان يصلّي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر النجوم (٢).

لكن يدفعه أنّ المراد بالاستعراض صيرورته عريضا من فوق ، أي انتشاره في جهة المشرق ، لا الاعتراض في الافق المعتبر في تحقّق الطلوع نصّا وفتوىّ ، فلا منافاة بينها وبين اعتبار العناوين المتقدّمة في حصول الصبح.

فما توهّمه (٣) غير واحد من التنافي بين الأخبار حتّى ارتكب بعضهم التأويل في الطائفة الاولى ـ التي من جملتها صحيحة (٤) أبي بصير ، التي وقع فيها التشبيه بالقبطيّة البيضاء ـ على استحباب التأخير ، وآخرين بالعكس ؛ لما في الأخبار الأخيرة من التصريح بأفضليّة التقديم من عند طلوع الفجر ، فتكلّفوا في توجيه الطائفة الاولى بحملها على بعض المحامل التي منها استحباب التأخير لمن لا يدرك الفرق بين الفجرين إلّا بذلك.

مع أنّك قد عرفت أنّ جملة من الأخبار المتقدّمة ـ التي منها خبر أبي بصير ـ

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٢) الأمالي ـ للطوسي ـ : ٦٩٥ / ١٤٨١ ـ ٢٤ (المجلس التاسع والثلاثون) الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٣) كذا ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدون ذكر الجواب.

(٤) تقدّمت الصحيحة في ١٢٨.

١٣٢

نصّ في إرادة أوّل الوقت الذي يحرم عنده الأكل للصائم ، فكيف يحمل على استحباب التأخير!؟

فالذي يقتضيه التحقيق أنّه يعتبر في تحقّق الفجر اعتراضه في الافق على وجه يشبه نهر سورى والقبطيّة البيضاء ، وفي حصول المشابهة بهما في مبادئ أخذ الافق في البياض قبل أن يضي‌ء حسنا تأمّل ، بل صدق تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ـ كما انيط به حرمة الأكل في الكتاب والسنّة ـ أيضا لا يخلو عن خفاء ، فالأحوط إن لم يكن أقوى هو التأخير في الجملة حتّى تتبيّن استطالته في الافق بحيث يرى في سواد الليل ، كنهر مرئيّ من بعيد ، أو كثوب أبيض رقيق منشور.

تنبيهان :

الأوّل : حكي عن شيخنا البهائي رحمه‌اللهفي كتاب الحبل المتين ـ في شرح قوله عليه‌السلام في حسنة (١) عليّ بن عطيّة : «[كأنّه] (٢) نباض سورى» ـ أنّه قال : وسورى ـ على وزن بشرى ـ موضع بالعراق من أرض بابل ، والمراد بنباضها نهرها ، كما في رواية (٣) هشام بن الهذيل عن الكاظم عليه‌السلام. ثمّ ساق الرواية كما قدّمناها.

وقال في حاشية الكتاب ـ على ما حكي عنه ـ : النباض بالنون والباء الموحّدة وآخره ضاد معجمة ، وأصله من «نبض الماء إذا سال» وربّما قرئ بالباء

__________________

(١) تقدّمت الحسنة في ص ١٢٨ ، وبلفظ «بياض» بدل «نباض».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «كأنّها». والمثبت من المصدر.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ١٢٨ ، الهامش (٣).

١٣٣

الموحّدة والياء المثنّاة من تحت (١). انتهى.

وقال رحمه‌الله في الكتاب المذكور : والقبطيّة ـ بكسر القاف وإسكان الباء الموحّدة وتشديد الياء ـ منسوبة إلى القبط : ثياب تتّخذ بمصر (٢). انتهى.

وعن المصباح المنير : القبط ـ بالكسر ـ : نصارى مصر ، والواحد : قبطيّ ، على القياس (٣) ، والقبطيّ ـ بالضمّ ـ : ثوب من كتّان رقيق يعمل بمصر ، نسبة إلى القبط على غير القياس (٤). انتهى.

وفي المجمع : في الحديث : «الفجر الصادق هو المعترض كالقباطيّ» بفتح القاف وتخفيف الموحّدة قبل الألف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة : ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر ، واحدها : قبطي ، بضمّ القاف نسبة إلى القبط بكسر القاف ، وهم أهل مصر (٥). انتهى.

الثاني : مقتضى ظاهر الكتاب والسنّة وكذا فتاوى الأصحاب : اعتبار اعتراض الفجر وتبيّنه في الافق بالفعل ،فلا يكفي التقدير مع القمر لو أثّر في تأخّر تبيّن البياض المعترض في الافق.

ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه ؛ فإنّ ضوء القمر مانع عن تحقّق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر ، والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقّق ، وقد تقدّم في مسألة

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢٠٩ ٢١٠ ، وانظر : الحبل المتين : ١٤٤.

(٢) الحبل المتين : ١٤٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة والحدائق : «على غير القياس» والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٢١٠ ، وانظر : المصباح المنير : ٤٨٨.

(٥) مجمع البحرين ٤ : ٢٦٦ «قبط».

١٣٤

التغيّر التقديري في مبحث المياه من كتاب الطهارة ما له نفع للمقام ، فراجع (١).

(ويعلم الزوال) الذي قد أنيطت الصلاة به ، المعبّر عنه في الكتاب العزيز بالدلوك (٢) ـ بأمور وقع التنبيه عليها في الأخبار وفي كلمات الأصحاب رضوان الله عليهم :

الأوّل : (بزيادة الظلّ) الحاصل للشاخص المنصوب على سطح الأفق ، أي على سطح الأرض بحيث يكون الشاخص عمودا على السطح ، أي واقفا على جهة الاستواء غير مائل إلى جهة من جوانبه (بعد نقصانه) أو حدوثه بعد انعدامه ، كما قد يتّفق في بعض البلاد في يوم أو يومين ، فإنّه إذا طلعت الشمس ، وقع للشاخص المفروض قائما على سطح الأفق ظلّ طويل في جانب المغرب ثمّ لا يزال ينقص حتّى تبلغ الشمس كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار ، وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة الأفق على نقطتين هما : نقطة الجنوب والشمال ، وقطباها : نقطتا المشرق والمغرب ، وحينئذ يكون ظلّ الشاخص المذكور واقعا على خطّ نصف النهار ، أي الخطّ الموهوم الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال ، وهناك ينتهي نقصان الظلّ المذكور ، وقد لا يبقى حينئذ للشاخص ظلّ في بعض البلاد التي تتّفق فيها مسامتة الشمس لرأس الشاخص مسامتة حقيقيّة ، فإذا زالت الشمس عن وسط السماء ومالت عن تلك الدائرة إلى المغرب ، فإن لم يكن بقي ظلّ ، حدث حينئذ في جانب المشرق ، وكان ذلك علامة الزوال ، وإن كان قد بقي ، أخذ في الزيادة ، فتكون الزيادة حينئذ

__________________

(١) ج ١ ، ص ٥١ وما بعدها.

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.

١٣٥

علامة له.

ولا اختصاص لهذه العلامة ـ كبعض العلائم الآتية ـ بموضع دون موضع ، بل هي مطّردة في جميع الأماكن.

وبها يميّز أيضا الوقت الذي يشكّ في كونه قبل الزوال أو بعده ، فإنّه ينصب مقياسا ويقدّر ظلّه ثمّ يصبر قليلا ويعتبره ، فإن نقص عن الأوّل ، علم بذلك أنّ الوقت لم يدخل ، وإن زاد ، استكشف به دخول الوقت. وإن أراد تعيين أوّل الوقت ، فعليه أن يعتبره ويقدّره بحيث يميّز انتهاء نقصانه وأوّل أخذه في الزيادة ، فهذا أوّل الوقت.

وقد ورد التنبيه على هذه العلامة في جملة من الأخبار :

منها : مرفوعة سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنّه يطلب شيئا ، فلمّا رأيت ذلك تناولت عودا ، فقلت : هذا تطلب؟ قال : «[نعم] (١)» فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ، ثمّ قال : «إنّ الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلا ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول الشمس ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت فيه الزيادة فصلّ الظهر ثمّ تمهل قدر ذراع ثمّ صلّ العصر» (٢).

وخبر عليّ بن أبي حمزة ، قال : ذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام زوال الشمس ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧ / ٧٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب المواقيت ، ح ١.

١٣٦

فيقام ، فما دام ترى الظلّ ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالت» (١).

ومرسلة الصدوق ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «تبيان زوال الشمس أن تأخذ عودا طوله ذراع وأربع أصابع ، فتجعل أربع أصابع في الأرض ، فإذا نقص الظلّ حتّى يبلغ غايته ثمّ زاد فقد زالت الشمس ، وتفتح أبواب السماء ، وتهبّ الرياح ، وتقضى الحوائج العظام» (٢).

الثاني : بميل ظلّ الشاخص عن خطّ نصف النهار إلى جانب المشرق ، ضرورة أنّ ظلّ الشاخص عند وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار يقع على خطّ نصف النهار ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، وعند ميلها عن الدائرة إلى جانب المغرب يميل الظلّ إلى المشرق.

وهذه العلامة أيضا ـ كسابقتها ـ عامّة يميّز الزوال بها في كلّ مكان ، وهي أبين من سائر العلامات ، فإنّه يعرف بها أوّل الوقت على سبيل التحقيق ، دون غيرها حتّى العلامة السابقة ، فإنّ زيادة الظلّ بعد نقصانه وإن كانت من لوازم أوّل الوقت عقلا لكن تمييزها حسّا يتوقّف غالبا على مضيّ مقدار معتدّ به من الزوال ، وأمّا ميل الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جانب المشرق فيدرك بالحسّ في أوّل آناته ، لكنّه موقوف على إحراز خطّ نصف النهار.

وطريق استخراج ذلك الخطّ ـ على ما ذكره جملة من الأصحاب ـ أن [تسوّي] (٣) موضعا من الأرض تسوية صحيحة بحيث تخلو عن الانخفاض و

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧ / ٧٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٥ / ٦٧٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «تساوي». والصحيح ما أثبتناه.

١٣٧

الارتفاع ثمّ تدير عليها دائرة ، وكلّما كانت الدائرة أوسع كانت المعرفة أسهل ، وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدّد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا ، نصبا مستقيما بحيث تحدث عن جوانبه زوايا قوائم بأن تكون نسبة ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من جميع جوانبها متوازية ، ثمّ ترصد ظلّ المقياس قبيل الزوال حين يكون خارجا عن محيط الدائرة نحو المغرب ، فإذا انتهى رأس الظلّ إلى محيط الدائرة يريد الدخول فيه ، تعلّم عليه علامة ثمّ ترصده بعد الزوال قبل خروج الظلّ من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنه ، تعلّم عليه علامة ، وتصل ما بين العلامتين بخطّ مستقيم ، وتنصف ذلك الخطّ ، وتصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخطّ ، وهو خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخط الذي هو خطّ نصف النهار ، كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا أخذ رأس الظلّ في الميل إلى جانب المشرق ، فقد زالت.

وطريق آخر ـ نبّه عليه بعضهم ، وهو أخفّ مئونة وأسهل تناولا من الأوّل ـ أن يخطّ على ظلّ المقياس من أصله خطّا عند طلوع الشمس ، وآخر عند غروبها ، فإن اتّصل الخطّان وصارا خطّا واحدا ـ كما قد يتّفق في بعض البلاد التي لا يبقى فيها للشاخص ظلّ عند الزوال في بعض الأوقات ـ نصّف ذلك الخط من موضع المقياس بخطّ آخر قائم عليه بحيث تحدث منهما زوايا قوائم ، وإن تقاطعا ـ كما هو الغالب ـ نصّفت الزاوية الحاصلة من تقاطعهما ، فالخطّ المنصّف في الصورتين هو خطّ نصف النهار (١).

__________________

(١) الفيض الكاشاني في الوافي ٧ : ٢٥٠.

١٣٨

وفي الجواهر ـ بعد أن ذكر الطريقين المزبورين لمعرفة خطّ نصف النهار ـ قال : ويمكن استخراجه بغير ذلك ، إنّما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد أن علّقه الشارع على الزوال الذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتّى أنّه أخذ فيه استبانته ، كما سمعته في الخبر (١) السابق ، وأناطه بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحد على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتّبة على الأمور الخفيّة بالأمور الجليّة كي لا يوقع عباده في شبهة ، كما سمعته في خبر الفجر (٢) ، بل أمر بالتربّص وصلاة ركعتين (٣) ونحوهما انتظارا لتحقّقه ، فلعلّ الأحوط مراعاة تلك العلامة المنصوصة في معرفة الزوال وإن تأخّر تحقّقها عن ميل الشمس عن خطّ نصف النهار بزمان ، خصوصا والاستصحاب وشغل الذمّة وغيرهما موافقة لها (٤). انتهى.

وفيه : أنّ المراد بالزوال المعلّق عليه الحكم في الكتاب والسنّة وفتاوى الأصحاب ليس إلّا نفسه ، لا ظهوره للغالب ، وزيادة الظلّ بعد نقصانه من لوازم الزوال ، كما يدلّ عليه الأخبار المتقدّمة (٥) ، ويشهد به الاعتبار. واعتبار الاستبانة في الخبر المتقدّم (٦) إنّما هو من باب الطريقيّة ، كما يدلّ عليه نفس هذه الرواية

__________________

(١) أي : مرفوعة سماعة ، المتقدّمة في ص ١٣٦.

(٢) أي : خبر عليّ بن مهزيار ، المتقدّم في ص ١٢٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٨ / ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢ / ٣٩ ، السرائر ٣ : ٥٥٧ ، الوسائل ، الباب ٥٨ من أبواب المواقيت ، ح ١ ، وكذا الباب ٨ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ١٠.

(٤) جواهر الكلام ٧ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٥) في ص ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٦) في ص ١٣٦.

١٣٩

فضلا عن غيرها ، فمتي أحرز الموضوع بسائر الطرق ، جاز ترتيب الأثر عليه.

وقياس المقام على الفجر ـ الذي يكون لتبيّنه مدخليّة في تحقّق موضوعه ـ قياس مع الفارق.

الثالث : بالأقدام ، كما يدلّ عليه صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «تزول الشمس في النصف من حزيزان على نصف قدم ، وفي النصف من تمّوز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف ، وفي النصف من تشرين الأوّل على خمسة أقدام ونصف ، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيار على قدم ونصف ، وفي النصف من حزيران على نصف قدم» (١).

وقد حكي (٢) عن جملة من أصحابنا رضوان الله عليهم ـ منهم العلّامة في المنتهى ، وشيخنا البهائي (٣) ـ أنّهم ذكروا أنّ هذه الرواية مختصّة بالعراق وما قاربها ؛ لأنّ عرض البلاد العراقيّة يناسب ذلك ، ولأنّ الراوي لهذا الحديث ـ وهو عبد الله بن سنان ـ عراقيّ.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٤ / ٦٧٢ ، الخصال : ٤٦٠ ـ ٤٦١ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ / ١٠٩٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٢) الحاكي عنهم هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ١٥٩.

(٣) منتهى المطلب ٤ : ٤٢ ، الحبل المتين : ١٤٠.

١٤٠