مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ويدلّ عليه بالخصوص : خبر [ابن] (١) أبي الضحّاك ـ المرويّ عن العيون ـ المشتمل على عمل الرضا عليه‌السلام في طريق خراسان ، قال : «فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار ، فاستاك ثمّ توضّأ ثمّ قام إلى صلاة الليل ، فيصلّي ثمان ركعات يسلّم في كلّ ركعتين يقرأ في الأوليين منها في كلّ ركعة الحمد مرّة ، وقل هو الله أحد ثلاثين مرّة ، ثمّ يسلّم ويصلّي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات ، ويسلّم في كلّ ركعتين ، ويقنت في كلّ ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ، ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثمّ يقوم فيصلّي الركعتين الباقيتين يقرأ في الأولى الحمد وسورة الملك ، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الإنسان ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد ثلاث مرّات ، ويقنت في الثانية بعد القراءة وقبل الركوع ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة الوتر و

يقرأ فيها الحمد ، مرّة ، وقل هو الله أحد ، ثلاث مرّات ، وقل أعوذ بربّ الفلق ، مرّة واحدة ، وقل أعوذ بربّ الناس ، مرّة واحدة ، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة ، ويقول : أستغفر الله وأسأله التوبة ، سبعين مرّة ، فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله» (٢) الحديث.

وحكي عن شيخنا البهائي ـ عطّر الله مرقده ـ في [حاشية] (٣) مفتاح الفلاح :التصريح بعدم استحباب هذا القنوت وأنّ القنوت في الوتر ـ التي هي عبارة عن

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٠ ـ ١٨٢ (الباب ٤٤) ح ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٤.

(٣) ما بين المعقوفين من الحدائق الناضرة ومفتاح الكرامة وجواهر الكلام.

٤١

الثلاث ـ إنّما هو في الثالثة ، وأنّ الأوليين المسمّاتين بركعتي الشفع لا قنوت فيهما.

واستدلّ على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«القنوت في المغرب في الركعة الثانية ، وفي العشاء والغداة مثل ذلك ، وفي الوتر في الركعة الثالثة» (١).

ثمّ قال قدس‌سره : وهذه الفائدة لم يتنبّه عليها علماؤنا (٢). انتهى.

وفي الحدائق ـ بعد نقل هذه العبارة عن الكتاب المذكور ـ قال : وظاهر كلامه شهرة القول باستحباب القنوت في ركعتي الشفع حتّى أنّه لم يحصل فيه مخالف قبله ، وهو كذلك ، إلّا أنّه قد سبقه إلى ما ذكره السيّد السند قدس‌سره في المدارك.

والظاهر أنّه لم يقف عليه ؛ حيث قال في أوّل كتاب الصلاة في الفوائد التي قدّمها : الثامنة : يستحبّ القنوت في الوتر في الركعة الثالثة ؛ لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان في القنوت : «وفي الوتر في الركعة الثالثة» (٣) (٤) انتهى.

إلى أن قال : وجرى على منواله الفاضل الخراساني في الذخيرة (٥) ، وهو الأظهر عندي ، وعليه أعمل.

ثمّ نقل عن بعض (٦) معاصريه كلاما طويلا في تأييد مذهب المشهور ، و

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب القنوت ، ح ٢.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣٩ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٩٣ ، وكما في جواهر الكلام ٧ : ٦٧ ، ولم نعثر عليه في مفتاح الفلاح.

(٣) تقدّم تخريجها في ، الهامش (١).

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ١٩.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢٩٣.

(٦) هو الشيخ أحمد الجزائري.

٤٢

أطنب في تزييفه ، إلى أن أجاب عن دليل المشهور : بأنّ إطلاق الأخبار الدالّة على استحباب القنوت في الركعة الثانية من كلّ صلاة يقيّد بمفهوم الحصر المستفاد من الصحيحة ، فإنّ ظاهرها انحصار قنوت الوتر في الركعة الثالثة ، وأمّا رواية العيون فهي ضعيفة السند قاصرة عن معارضة الصحيحة (١).

أقول : أمّا الصحيحة : فلها ظهور قويّ في أنّ القنوت الموظّف شرعا في الصلوات محلّه في صلاة الوتر في الركعة الثالثة دون الثانية ، كما في سائر الصلوات ، ولكنّه يستشعر منها إرادته في الركعة الثالثة حال كونها موصولة بالاوليين ، وكون مجموعها صلاة واحدة ، ومن هنا احتمل البعض المتقدّم إليه الإشارة جري هذه الرواية على ضرب من التقيّة (٢).

وكيف كان فلا يرفع اليد بمثل هذه الاحتمالات عن ظاهر الصحيحة ، ومقتضى الجمع بينها وبين الأخبار العامّة : تخصيص تلك الأخبار بهذه الصحيحة ، كما ذكره في الحدائق (٣) ؛ فإنّ ظهور العمومات في إرادة هذا الفرد أضعف من ظهور الصحيحة في إرادة الحصر ، إلّا أنّ إعراض المشهور عن هذا الظاهر وعملهم بالعمومات يوهن هذا الظاهر ، ويرجّح العمومات ، فلا يبعد أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : «القنوت في الوتر في الركعة الثالثة» هو القنوت المتأكّد مطلوبيّته ، الذي كان النبيّ والأئمّة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ يهتمّون في حفظه ورعاية آدابه ، فلا ينافي كونه في الركعة الثانية أيضا مشروعا ، كما تقتضيه

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ : ٣٩ ـ ٤٢.

(٢) كما في الحدائق الناضرة ٦ : ٤٠.

(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ٤١.

٤٣

الأخبار العامّة المؤيّدة بالرواية المتقدّمة التي هي نصّ في شرعيّته.

وما في الرواية من ضعف السند فيمكن التفصّي عنه بأنّ من المستبعد كون مثل هذه الرواية المشتملة على تلك الخصوصيّات موضوعة.

هذا ، مع أنّ المقام مقام المسامحة ، فلا يلتفت إلى ضعف السند.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ قاعدة التسامح لا تقتضي الحكم بصدور الرواية حتى تصلح قرينة لصرف الصحيحة عن ظاهرها ، فارتكاب التأويل فيها بواسطة التسامح مسامحة في القاعدة ، فليتأمّل.

وأمّا القنوت الثاني ـ أي القنوت قبل الركوع في الركعة المفردة ـ فممّا لا شبهة فيه ، وتدلّ عليه أخبار متظافرة سيأتي نقلها في باب القنوت إن شاء الله.

وأمّا ما ذكروه من القنوت الثالث الذي بعد الرفع من الركوع فلم يعلم مستنده.

نعم ، يستحبّ الدعاء بعد الرفع بالمأثور.

فعن الكليني رحمه‌الله بسنده قال : كان أبو الحسن عليه‌السلام إذا رفع رأسه في آخر ركعة من الوتر قال : «هذا مقام من حسناته نعمة منك ، وسيّئاته بعمله» (١) إلى آخر الدعاء.

فإن أرادوا بالقنوت هذا ، فلا مشاحّة [في الاصطلاح] (٢). وإن أرادوا القنوت بالكيفيّة المعهودة ، فلا دليل عليه ، بل الأدلّة تنفيه ؛ لدلالة الأخبار (٣) المتكاثرة على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٥ / ١٦ ، وليس فيه «وسيّئاته بعمله». وأورده كما في المتن البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٤٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) راجع : الوسائل ، الباب ٣ من أبواب القنوت.

٤٤

أنّ محلّ القنوت الموظّف قبل الركوع ، وفي بعضها : «ما أعرف قنوتا إلّا قبل الركوع» (١).

وتدلّ عليه بالخصوص صحيحة معاوية بن عمّار أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت في الوتر ، قال : «قبل الركوع» قال : فإن نسيت أقنت إذا رفعت رأسي؟

قال : «لا» (٢).

السادس : ربّما يظهر من جملة من الأخبار : استحباب نوافل خاصّة بين المغرب والعشاء ، كصلاة الغفيلة والوصيّة وغيرهما ،فهل هي غير نافلة المغرب ، فتكون حينئذ النوافل المسنونة في اليوم والليلة زائدة على الإحدى والخمسين ، أو أنّها خصوصيّات مستحبّة فيها ، فتكون رعايتها موجبة للأفضليّة ، لا أنّه يؤتي بها زائدة على العدد الموظّف امتثالا لهذه الأوامر؟

وتنقيح المقام يتوقّف على نقل الأخبار الواردة ، وتحقيق ما تقتضيه قواعد الجمع.

فنقول : أمّا الغفيلة : فقد ورد فيها أخبار كثيرة :

منها : ما عن الشيخ في كتاب المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد و [قوله :] (٣) (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) ـ إلى ـ (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٤)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٠ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب القنوت ، ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٢ / ١٤٢١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب القنوت ، ح ٥.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٨٧ و ٨٨.

٤٥

وفي الثانية الحمد ، وقوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) (١) إلى آخر الآية ، وإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا ، ويقول : اللهمّ أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي أسألك بمحمّد وآله عليه وعليهم‌السلام لمّا قضيتها لي ، وسأل الله حاجته إلّا أعطاه الله ما سأل» (٢).

وعن السيّد الزاهد العابد رضي الدين ابن طاوس ـ رضي‌الله‌عنه ـ في كتاب فلاح السائل بإسناده عن هشام بن سالم نحوه ، وزاد : فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا تتركوا ركعتي الغفلة ، وهما ما بين العشاءين» (٣).

وعن الصدوق في الفقيه مرسلا ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي كتاب العلل مسندا ـ في الموثّق ـ عن سماعة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تنفّلوا ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين ، فإنّهما تورثان دار الكرامة» (٤).

قال : وفي خبر آخر «دار السلام» وهي الجنّة. وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة» (٥).

وعن الشيخ في التهذيب بسنده عن وهب [أو] (٦) السكوني عن جعفر عن

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٥٩.

(٢) مصباح المتهجّد : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٨.

(٣) فلاح السائل : ٤٣٠ ـ ٤٣١ / ٢٩٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٨.

(٤) الفقيه ١ : ٣٥٧ / ١٥٦٤ ، علل الشرائع : ٣٤٣ (الباب ٤٥) ح ١ ، وعنهما في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٨ ـ ٦٩.

(٥) الفقيه ١ : ٣٥٧ ، ذيل ح ١٥٦٤.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «و». وما أثبتناه كما في المصدر.

٤٦

أبيه عليهما‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تنفّلوا» الحديث ، إلى قوله : «دار الكرامة» ثمّ زاد : «قيل : يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء» (١).

وعن السيّد ابن طاوس في الكتاب المذكور أنّه روى هذه الرواية أيضا وزاد : «قيل : يا رسول الله وما معنى خفيفتين؟ قال : تقرأ فيهما الحمد وحدها ، قيل :يا رسول الله متى أصلّيهما؟ قال : ما بين المغرب والعشاء» (٢).

وعن الصدوق في الفقيه عن الباقر عليه‌السلام : «أنّ إبليس يبثّ جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبثّ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس» وذكر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : «أكثروا ذكر الله عزوجل في هاتين الساعتين ، وتعوّذوا بالله عزوجل من شرّ إبليس وجنوده ، وعوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين ، فإنّهما ساعتا غفلة» (٣).

وعن شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح أنّه ـ بعد أن ذكر حديث السكوني أو وهب ، المنقول برواية الشيخ في التهذيب ـ قال : ولا يخفى أنّ المراد ما بين وقت المغرب ووقت العشاء ، أعني ما بين غروب الشمس وغيبوبة الشفق ، كما يرشدك إليه الحديث السابق ، لا ما بين الصلاتين ، وقد ورد في الأحاديث أنّ أوّل وقت العشاء غيبوبة الشفق ، ومن هنا يستفاد أنّ وقت أداء ركعتي الغفيلة ما بين المغرب وذهاب الشفق ، فإن خرج ، صارت قضاء (٤). انتهى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٣ / ٩٦٣ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٩.

(٢) فلاح السائل : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ / ٣٠١ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣١٨ / ١٤٤٤ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٩.

(٤) مفتاح الفلاح : ٥٤٥ ـ ٥٤٦ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٦٩ ـ ٧٠.

٤٧

فكأنّه أشار بالحديث السابق إلى الرواية الأخيرة التي نقلناها أخيرا ، ومراده ـ على الظاهر ـ بيان عدم جواز تأخيرها عن الوقت ، وصيرورتها قضاء بذلك ، لا جواز الإتيان بها من أوّل الوقت مقدّما على فريضة المغرب حتّى تنافيه الأخبار المتقدّمة المحدّدة لوقتها بما بين العشاءين ، الذي لا يتبادر منه إلّا إرادة ما بين الصلاتين ، فلا يرد عليه ما قيل (١) من أنّه لا منافاة بين كون هذه الساعة ساعة الغفلة ، كما هو مفاد الرواية الأخيرة ، وبين عدم شرعيّة صلاتها إلّا بعد الفراغ من فريضة المغرب ، كما تدلّ عليه سائر الأخبار.

وكيف كان فربّما يظهر من محكيّ الذكرى أنّ ركعتي ساعة الغفلة اللّتين أمر بهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر السكوني نافلة أخرى مغايرة لصلاة الغفيلة.

قال ـ على ما حكي عنه ـ : السادس عشر : يستحبّ ركعتان ساعة الغفلة ، وقد رواهما الشيخ بسنده عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام. وذكر خبر السكوني المتقدّم (٢) ، ثمّ قال : ويستحبّ أيضا بين المغرب والعشاء ركعتان يقرأ في الأولى [بعد] (٣) الحمد (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (٤) إلى آخر ما سمعت (٥). انتهى.

واعترض بوجوه لا تخلو عن وجاهة ، أوجهها : أنّ الزيادة التي سمعتها عن الفلاح ـ من استشهاد الإمام عليه‌السلام لصلاة الغفيلة بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كالصريحة في الاتّحاد ، وأنّ ظاهر الوصليّة في خبر السكوني عدم اعتبار الخفّة شرطا ، كي ينافي

__________________

(١) راجع : مفتاح الكرامة ٣ : ٢٦٩.

(٢) في ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٥) الذكرى ٢ : ٣١٣ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٧١.

٤٨

اعتبار قراءة الآيتين ، بل أقصاه الإذن في تركهما ، بل ظاهره أنّه الفرد الأدنى.

هذا ، ولكن يهوّن الخطب أنّ ظاهر خبر السكوني جواز الإتيان بركعتين فما زاد ، فله الإتيان بركعتي الغفيلة أيضا بقصد التوظيف بعد فعل ركعتين لساعة الغفلة ، وكذا عكسه ، كما لو عزم من أوّل الأمر على أن يتنفّل لتلك الساعة أربع ركعات ، فيجوز الجمع بين النافلتين وإن قلنا باتّحادهما ، كما أنّه يجوز الاكتفاء بركعتي الغفيلة بقصد حصول كلتا الوظيفتين وإن قلنا بتعدّدهما ذاتا ، نظير ما لو أكرم عالما هاشميّا بقصد امتثال الأمر المتعلّق بكلّ من العنوانين ، كما عرفت تحقيقه في مبحث تداخل الأغسال ، فلا يترتّب على النزاع ثمرة مهمّة ، وإنّما الإشكال في مشروعيّة الجمع بين الركعتين أو الأربع ركعات ، وبين نافلة المغرب بإتيانها بعد نافلة المغرب أو إتيان نافلة المغرب بعدها بقصد التوظيف.

والذي يقتضيه التحقيق أنّه متى تعلّق أمران أو أزيد بماهيّة ، كالصلاة أو إعطاء درهم لزيد مثلا ، فمقتضى القاعدة ـ كما عرفته في مبحث التداخل ـ حمل ما عدا الأوّل على كونه تأكيدا للأوّل ، وعدم تقييد متعلّق كلّ من الأمرين بكونه فردا مغايرا للفرد الذي يؤتي به امتثالا للأمر الأوّل ، فلو قال : «أكرم إنسانا أكرم إنسانا» ليس إلّا بمنزلة ما لو قيل : «أكرم زيدا أكرم زيدا» في كون الثاني تأكيدا للأوّل ، ولذا استقرّت سيرة العلماء على الاستدلال بالأوامر الصادرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، المتعلّقة بطبيعة لإثبات فرد من تلك الطبيعة ، ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ما لو اتّحدت العبادة الواقعة في حيّز الطلب أو اختلفت ما لم يكن اختلافها كاشفا عن مغايرة التكليفين ، فلو علم ـ مثلا ـ أنّ زيدا

٤٩

يدخل داره أوّل الظهر ، فقال المولى لعبده : «أعط زيدا درهما عند دخوله في داره» وقال أيضا : «أعطه درهما أوّل الظهر» وقال أيضا : «أعطه درهما قبل أن يصلّي» إلى غير ذلك من العبائر ، لا يستفاد من جميع ذلك أزيد من كونه مكلّفا بإعطاء درهم ، فلو أعطاه درهما أوّل الظهر ، سقطت هذه الأوامر مطلقا إن كانت توصّليّة ، وكذا إن كانت تعبّديّة ، وتحقّق الإعطاء بقصد التقرّب وإن لم يكن ملتفتا حين الإعطاء إلّا إلى بعض هذه الأوامر ، بل وإن لم يكن ملتفتا إلى شي‌ء منها ولكن أتى بالفعل برجاء كونه محبوبا للمولى.

هذا إذا لم تكن الخصوصيّات الواقعة في التعبير قيدا في المطلوب ، وإلّا فيتعدّد المأمور به ، فلا بدّ حينئذ إن كان التكليف تعبّديّا عند إرادة الاكتفاء بهذا الفرد الجامع لجميع العناوين من قصد امتثال جميع الأوامر ، وإلّا فلا يسقط إلّا ما نواه إذا عرفت ذلك ، فنقول : لا يستفاد من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين» (١) بعد أن حدّد وقت صلاتهما بما بين العشاءين إرادة نافلة اخرى مغايرة لنافلة المغرب ، وقد عرفت في محلّه أنّه لم يثبت اعتبار خصوصيّة اخرى في نافلة المغرب زائدة عن كونها نافلة مشروعة في هذا الوقت ، فلا يستفاد من هذه الرواية إلّا استحباب مطلق النافلة في هذه الساعة ، فيتحقّق مصداقه بفعل نافلة المغرب. وكذا يتحقّق مصداق نافلة المغرب بفعل أربع ركعات بقصد كونها نافلة مسنونة في هذا الوقت ، فيسقط كلا الطلبين بتحقّق مصداقهما وإن لم يقصد بفعله إلّا امتثال الأمر الصادر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون نافلة

__________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٤٦.

٥٠

المغرب.

نعم ، لو ثبت أنّ لنافلة المغرب خصوصيّة غير حاصلة بفعل الأربع ركعات المأتيّ بها بقصد نافلة ساعة الغفلة ما لم يقصد وقوعها بعنوانها الخاص ، لم يسقط أمرها بلا قصد الخصوصيّة ، لكنّه لم يثبت.

ومجرّد كون نافلة المغرب نافلة خاصّة معهودة ولها آثار خاصّة ـ ككونها مكمّلة للفريضة ، وكونها من الإحدى والخمسين ركعة ، وغير ذلك من أوصافها الخاصّة ـ لا يدلّ على مغايرتهما للمأتيّ به حتّى يشرع إتيانها بعد فعل الأربع ركعات ؛ فإنّ من الجائز اتّحاد الأربع ركعات ذاتا مع تلك النافلة ، فمقتضى إطلاق الأمر بأربع ركعات في نافلة المغرب كون المأتيّ به مجزئا حيث يصدق عليه فعل أربع ركعات بعد صلاة المغرب ، والأمر يقتضي الإجزاء ، وكونها عبادة لا يقتضي إلّا اعتبار حصولها بقصد التقرّب ، وقد حصل كذلك.

واشتراط كونها مقصودة بعنوان أخصّ من كونها نافلة مسنونة في هذه الساعة بعد المغرب موقوف على مساعدة الدليل عليه ، وحيث لم يثبت فمقتضى الأصل عدمه ، كما عرفت تحقيقه في نيّة الوضوء.

والحاصل : أنّ مقتضى أصالة الإطلاق في كلّ من الطلبين سقوطهما بحصول متعلّقهما.

نعم ، ظاهر النبويّ جواز الإتيان بركعتين فما زاد ، فيدلّ بمقتضى إطلاقه على شرعيّة النافلة في هذا الوقت مطلقا ، فيتحقّق التنافي بينه وبين ما دلّ على عدم جواز التطوّع في وقت الفريضة بناء على العمل بظاهر تلك الأدلّة ، فلا بدّ إمّا

٥١

من تقييد هذه الرواية بما إذا لم يزد على الأربع ركعات التي ثبت جواز الإتيان بها في هذه الساعة نصّا وإجماعا ، أو تخصيص وقت الفريضة بالنسبة إلى صلاة العشاء بما بعد ذهاب الحمرة ، الذي هو وقت فضيلتها ، فعلى هذا يكون الأمر بخصوص الأربع ركعات في نافلة المغرب في الأخبار المتقدّمة ـ التي كادت تكون متواترة ـ كالأمر بركعتين في بعضها ؛ لكون مطلوبيّتها أشدّ.

وأمّا ما يقتضيه الجمع بين تلك الأخبار وبين ما دلّ على صلاة الغفيلة المشتملة على الآيتين ، فمقتضى إطلاق الأمر بالصلاة بهذه الكيفيّة استحباب فعلها مطلقا ولو بعد نافلة المغرب ، لكن لو قدّمها احتسبها من نافلة المغرب ؛ إذ لم يعتبر في نافلة المغرب خلوّها عن الآيتين ، كما لو قال المولى في المثال المتقدّم : «أعط زيدا درهما أيّ درهم يكون» وقال أيضا : «أعطه درهما خاصّا» فلو أعطاه أوّلا هذا الدرهم الخاصّ ، سقط الأمران ، ولو أعطاه درهما آخر ، سقط الأمر الأوّل ، وعليه إعطاء هذا الدرهم ؛ خروجا عن عهدة الأمر الثاني.

وقد عرفت أنّ كون ما نحن فيه تعبّديّا لا يصلح فارقا بعد ما أشرنا اليه من أنّ الأوامر التعبّديّة أيضا كالتوصّليّة تسقط قهرا بحصول متعلّقاتها بداعي التقرّب ، كما لو أتى بها طلبا لمرضات الله تعالى ، أو بداعي الشكر من غير التفات بل ولا علم بتعلّق الأمر بها.

اللهمّ إلّا أن تكون لنافلة المغرب خصوصيّة اخرى زائدة عن طبيعة كونها صلاة مسنونة في هذا الوقت من ارتباطها بالفريضة ، ونحوه ، فحينئذ لا يحسب منها هاتان الركعتان ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، إلّا أن يقصد بفعلهما امتثال

٥٢

كلا الأمرين ، فيكون حينئذ نظير إكرام العالم الهاشمي بقصد امتثال الأمر المتعلّق بكلّ من العنوانين ، فله حينئذ الإتيان بالركعتين بقصد التداخل ، والإتيان بكلّ من النافلتين مستقلّة بقصد امتثال أمرها بالخصوص.

لكن هذا إن لم نقل بالمنع عن التطوّع في وقت الفريضة ولو بالنسبة إلى صلاة العشاء قبل وقت فضيلتها ، وإلّا فلا يخلو القول بجواز الإتيان بأزيد من أربع ركعات بين العشاءين عن إشكال ؛ لاحتمال أن تكون صلاة الغفيلة بالذات هي نافلة المغرب مشتملة على خصوصيّة موجبة لزيادة فضلها ، فإنّه لا يستفاد من مثل قوله عليه‌السلام : «من صلّى بين العشاءين ركعتين أو أربع ركعات بكيفيّة خاصّة فله كذا وكذا من الأجر» إرادة نافلة اخرى غير نافلة المغرب وإن كان مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بالصلاة بهذه الكيفيّة بعد نافلة المغرب أيضا ، لكن تقييده بمن لم يصلّ نافلة المغرب ـ كما لعلّه المنساق إلى الذهن من مورده ـ ليس بأبعد من تخصيص «لا تطوّع في وقت الفريضة» بالنسبة إليها ، بل مقتضى أصالة عدم التخصيص في «لا تطوّع في وقت الفريضة» حمل مثل هذه الرواية على إرادة الإتيان بنافلة المغرب بهذه الكيفيّة.

فالأحوط بل الأقوى ـ بناء على المنع عن التطوّع في وقت الفريضة ـ عدم الجمع بين النافلتين ، والأولى الإتيان بالركعتين بقصد امتثال كلا الأمرين.

ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا ربط لما نحن فيه بمسألة حمل المطلق على المقيّد حتّى يقال بمنع جريانها في المستحبّات مع أنّ شرط الحمل إحراز وحدة التكليف ، وهو غير محرز في المقام ؛ ضرورة أنّ أدلّة نافلة المغرب وكذا قول

٥٣

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين» (١) نصّ في الإطلاق ، وإنّما الكلام في أنّ المقيّد هل هو من مصاديق هذين المطلقين ولكنّه تعلّق الأمر به بالخصوص ؛ لخصوصيّة فيه موجبة لتأكّد طلبه ، أو أنّه نافلة اخرى مستقلّة؟ وكذلك الكلام في نافلة المغرب في أنّها هل هي بعينها من مصاديق ما أمر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيحصل المقصود بهذا الأمر بفعل نافلة المغرب وإن لم يقصده بالخصوص ، وكذا عكسه ، أو أنّ كلّا منهما نافلة مستقلّة لا يتحقّق موضوعها ما لم يكن عنوانها مقصودا بالفعل؟ وأنّه على تقدير كون كلّ من هذه النوافل نافلة مستقلّة فهل هي بعناوينها الخاصّة مستثناة من «لا تطوّع في وقت الفريضة» أو أنّ الخارج من العموم ليس إلّا أربع ركعات؟ فإطلاق الأمر بكلّ منها مقيّد بما إذا لم تكن مسبوقة بنافلة توجب زيادتها على الأربع ، فلا ربط للمقام بمسألة حمل المطلق على المقيّد.

وأمّا صلاة الوصيّة :

فهي ما عن الشيخ في المصباح عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «اوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الاولى الحمد ، وإذا زلزلت الأرض ، ثلاث عشرة مرّة ، وفي الثانية الحمد ، وقل هو الله أحد ، خمس عشرة مرّة ، فإن فعل ذلك كلّ شهر كان من المؤمنين (٢) ، فإن فعل في كلّ سنة كان من المحسنين ، فإن فعل ذلك في كلّ جمعة كان من المخلصين ، فإن فعل ذلك في كلّ ليلة زاحمني في الجنّة ، ولم يحص ثوابه إلّا الله تعالى» (٣).

__________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٤٦.

(٢) كذا ، وفي الوسائل والحدائق : «الموقنين» بدل «المؤمنين». وفي المصباح : «المتّقين».

(٣) مصباح المتهجّد : ١٠٧ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الصلوات المندوبة ، ح ١ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٧٢.

٥٤

والكلام في كون هذه الصلاة من نافلة المغرب أو أنّها نافلة مستقلّة هو الكلام في صلاة الغفيلة.

ونحوهما (١) أيضا ركعتان أخريان رواهما في الوسائل عن الكليني رحمه‌الله عن عليّ بن محمّد بإسناده عن بعضهم في قوله تعالى (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٢) قال : «هي ركعتان بعد المغرب تقرأ في أوّل ركعة بفاتحة الكتاب وعشر آيات من أوّل البقرة وآية السخرة (٣) ، و (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ـ إلى قوله ـ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤) وخمس عشرة مرّة قل هو الله أحد ، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله (لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) (٥) إلى أن تختم السورة ، وخمس عشرة مرّة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، ثمّ ادع بعدها بما شئت» قال : «ومن واظب عليه كتب له بكلّ صلاة ستمائة ألف حجّة» (٦).

وعنه أيضا عن عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «من صلّى المغرب وبعدها أربع ركعات ولم يتكلّم حتّى يصلّي عشر ركعات يقرأ في كلّ ركعة بالحمد وقل هو الله أحد كانت عدل عشر رقاب» (٧) وظاهرها كون العشر ركعات ما عدا نافلة المغرب.

__________________

(١) أي نحو صلاة الغفيلة وصلاة الوصيّة. وفي «ض ١١» : «نحوها».

(٢) المزّمّل ٧٣ : ٦.

(٣) الأعراف ٧ : ٥٤ ـ ٥٦.

(٤) البقرة ٢ : ١٦٣ و ١٦٤.

(٥) البقرة ٢ : ٢٨٤.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦٨ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ١.

٥٥

وكيف كان فهذه الرواية نصّ في استحباب التنفّل بأزيد من أربع ركعات ، لكن بناء على المنع عن التطوّع في وقت الفريضة يشكل ارتكاب التخصيص في أدلّة المنع بمثل هذه الروايات. لكنّك ستعرف إن شاء الله ضعف المبنى ، والله العالم.

(وتسقط في السفر نافلة الظهر والعصر) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع عليه ؛ للنصوص المعتبرة المستفيضة :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلّا المغرب [ثلاث]» (١).

وصحيحة حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا :«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء» (٢).

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلّا المغرب فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر ولا حضر ، وليس عليك قضاء صلاة النهار ، وصلّ صلاة الليل واقضه» (٣).

وعن أبي يحيى الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر ، فقال : «يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣ ـ ١٤ / ٣١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٠ / ٧٧٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٤ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤ ـ ١٥ / ٣٦ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦ / ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢١ / ٧٨٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٤.

٥٦

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الصلاة تطوّعا في السفر ، قال : «لا تصلّ قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا» (١).

إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها إن شاء الله.

ثمّ إنّ مقتضى جلّ الأخبار المتقدّمة بل كلّها ما عدا الرواية الأخيرة : سقوط الوتيرة أيضا ، كما حكي (٢) القول به عن المشهور ، بل عن السرائر دعوى الإجماع عليه (٣) ، بل ظاهرها سقوط نافلة الفجر أيضا حيث لم يستثن فيها من النوافل عدا نافلة المغرب ، لكنّ المراد بها ما عدا نافلة الصبح ، كما يشهد به ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه على الظاهر ـ جملة من الأخبار :

منها : ما عن الكليني ـ رضوان الله عليه ـ بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر في السفر والحضر» (٤).

وعن الشيخ رحمه‌الله بإسناده عن الحارث بن المغيرة في حديث ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر» (٥).

وعن محمّد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : «صلّ صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٢ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٤٥.

(٣) السرائر ١ : ١٩٤ ، وحكاه عنه في الحدائق الناضرة ٦ : ٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٦ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥ / ٣٩ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥ ـ ١٦ / ٤٢ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

٥٧

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه.

فهذا ممّا لا إشكال فيه ، كما لا إشكال في عدم سقوط نافلة المغرب ؛ لما في جملة من الأخبار ـ التي تقدّم بعضها ـ التصريح بذلك ، مع أنّ الأخبار المتقدّمة بنفسها قاصرة عن شمول صلاة المغرب ، كما لا يخفى.

وإنّما الإشكال في الوتيرة التي قد أشرنا إلى أنّ ظاهر الأخبار المتقدّمة سقوطها.

وما في خبر (١) أبي يحيى من تخصيص السؤال بنافلة النهار وإن كان مشعرا بعدم كون نافلة الليل عند السائل مظنّة للسقوط ، لكن مع أنّه لا عبرة بمظنّة السائل ربّما يستفاد من تعليل الإمام عليه‌السلام لعدم صلاحيّة النافلة في السفر بعدم أولويّتها من إتمام الفريضة : اطّراد الحكم في نافلة العشاء أيضا ، كما يؤيّده بعض الأخبار التي يظهر منها الملازمة بين تقصير الصلاة وسقوط نافلتها.

وأمّا صحيحة (٢) محمّد بن مسلم فربّما يظهر ممّا فيها من تقييد النهي عن فعل النافلة قبل الركعتين أو بعدها بالنهار : عدم كون الركعتين اللّتين يؤتى بهما في الليل ـ وهي صلاة العشاء ـ كذلك ، فمقتضاه عدم سقوط نافلتها ، كما هو صريح ما عن [الصدوق] (٣) بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «وإنّما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين و

__________________

(١) تقدّم الخبر في ص ٥٦.

(٢) تقدّمت الصحيحة في ص ٥٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الشيخ». والصحيح ما أثبتناه حيث إنّ الحديث ليس في التهذيب والاستبصار.

٥٨

إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع» (١).

وفي المدارك ـ بعد أن نسب سقوط نافلة الظهرين إلى مذهب الأصحاب ، واستدلّ له بجملة من الأخبار المتقدّمة ـ قال : وأمّا الوتيرة فذهب الأكثر إلى سقوطها أيضا ، ونقل فيه ابن إدريس الإجماع.

وقال الشيخ في النهاية : يجوز فعلها.

وربّما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام قال : «إنّما صارت العشاء مقصورة ليس تترك ركعتاها لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بها بدلّ كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع» (٢).

وقوّاه في الذكرى ، قال : لأنّه خاصّ [و] (٣) معلّل ، وما تقدّم خال منهما إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه.

وهو جيّد لو صحّ السند ، لكن في الطريق عبد الواحد بن عبدوس وعليّ بن محمّد القتيبي (٤) ، ولم يثبت توثيقهما ، فالتمسّك بعموم الأخبار المستفيضة الدالّة على السقوط أولى (٥). انتهى.

واعترضه بعض بأنّهما من مشايخ الإجازة ، وعدم توثيق المشايخ غير

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٨ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٨ ، الهامش (٢).

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) راجع : الفقيه ٤ (مشيخة الفقيه) : ٥٣ ـ ٥٤ ، وعلل الشرائع : ٢٥١ (الباب ١٨٢) ح ٩ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٩ (الباب ٣٤) ح ١.

(٥) مدارك الأحكام ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ، وانظر : السرائر ١ : ١٩٤ ، والنهاية : ٥٧ ، والذكرى ٢ : ٢٩٨.

٥٩

قادح في السند ؛ لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين على النقل عنهم وأخذ الأخبار منهم والتلمّذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال : فلانّ ثقة (١).

وكيف كان فالرواية بحسب الظاهر من الروايات المعتبرة التي لا يجوز ردّها من غير معارض مكافئ ؛ إذ ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتّصافها بالصحّة المصطلحة ، وإلّا فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لو لا البناء على المسامحة في طريقها والعمل بظنون غير ثابتة الحجّيّة ، بل المدار على وثاقة الراوي ، أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة ، أو مأخوذة من الاصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم عنها.

ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين بأنّ فلانا ثقة ، أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا يحصل من إخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة.

ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال ، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم.

والحاصل : أنّ الرواية بحسب الظاهر لا تقصر من حيث الاعتبار عن بعض الروايات المتّصفة بالصحّة ، لكن إعراض أكثر الأصحاب عنها مع وضوح دلالتها وحكومتها على سائر الأخبار أوهنها ، إلّا أنّ عمل الشيخ بها وتقوية الشهيد إيّاها و

__________________

(١) البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٤٧ ـ ٤٨.

٦٠