مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

فليقضها كما فاتته» (١) وقوله عليه‌السلام : «يقضي ما فاته كما فاته» (٢).

وجعله العلّامة في محكيّ التذكرة [احتمالا] (٣) (٤).

وعن الذكرى نفي البأس عنه (٥).

ولاريب في أنّه أحوط ، ولكنّ الأقوى خلافه ؛ لمخالفة الحكم للأصل ، واختصاص ما دلّ عليه باليوميّة ؛ لورودها فيها ، والأمر بالأذان والإقامة لها في بعضها ، وانصراف الفريضة والفائتة إليها.

وأمّا الخبران اللّذان استشهد بعمومهما لمدّعاه : ففيهما ـ بعد الغضّ عن انصرافهما إلى اليوميّة ـ ما ستعرف ـ إن شاء الله ـ في المبحث المزبور من الخدشة في دلالتهما على اشتراط الترتيب إلّا ببعض التقريبات التي لو تمّت ، فهي في الفرائض اليوميّة دون غيرها ، والله العالم.

(فلو دخل في فريضة) فائتة (فذكر) في أثنائها (أنّ عليه) فريضة (سابقة) عليها (عدل بنيّته) إلى السابقة ، أي جعلها في قصده الفريضة السابقة ، فينوي وقوعها امتثالا للأمر المتعلّق بتلك الفريضة ، كما يدلّ عليه الأمر بالعدول

__________________

(١) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أحوط». وما أثبتناه موافق لما في التذكرة والحاكي عنها.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٥٩ ، الفرع «و» من المسألة ٦١ ، وحكاه عنها الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٣٦ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٥) الذكرى ٢ : ٤٣٦ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٣.

٤٠١

عن الفريضة إلى سابقتها في غير واحد من الأخبار ، كصحيحة زرارة ، المتقدّمة (١).

(ورواية البصري ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى ، فقال : «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها ، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العشاء (٢) بعدها ، وإن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك» (٣).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما في العصر فذكر ـ وهو يصلّي بهم ـ أنّه لم يكن صلّى الأولى ، قال : «فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم» (٤)) (٥).

لكنّ الأخبار الدالّة عليه إنّما وردت في العدول عن الحاضرة إلى سابقتها الحاضرة أو الفائتة ، ولذا استشكل بعض (٦) في العدول عن الفائتة إلى سابقتها لو لم يكن إجماعيّا ؛ لخروجه عن مورد النصوص ، وكون إلحاقه بالمنصوص قياسا لا نقول به.

__________________

(١) في ص ٣٩٧ وما بعدها.

(٢) في المصدر : «العتمة» بدل «العشاء».

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧١ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٤ / ٧ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧٢ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٥) بدل ما بين القوسين في «ض ١٤» هكذا : «وغيرها من الأخبار الآتية في مبحث القضاء إن شاء الله».

(٦) لا حظ مستند الشيعة ٧ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

٤٠٢

ولكن يدفعه عدم مدخليّة خصوصيّة المورد في ذلك ؛ فإنّه يستفاد من الأمر بالعدول من العصر إلى الظهر ، أو من الظهر إلى الصبح ، أو من الصبح إلى العشاء وهكذا : أنّ أجزاء كلّ فريضة صالحة بالذات لأنّ تحتسب من سابقتها مع الإمكان ، فمتى تنجّز في حقّه التكليف بالسابقة وجب عليه ذلك من غير فرق بين أن يكون ذلك في الوقت أو في خارجه.

وإن شئت قلت : جواز العدول من فائتة إلى سابقتها فرع جوازه في الحاضرة ، فإنّ القضاء ـ على ما يظهر من أدلّته ـ ليس إلّا إيجاد ما وجب في الوقت في خارجه ، وقد أشرنا في بعض المباحث السابقة أنّ وجوبه وإن كان بأمر جديد لكنّ الأمر الجديد يكشف عن أنّ الأمر الأوّل من قبيل تعدّد المطلوب ، فمتى فاته الظهران (١) وجب عليه أن يأتي بهما بعد الغروب على حسب ما كانتا واجبتين عليه قبل خروج الوقت ، وقد كان الواجب عليه قبل الخروج أن يعدل من العصر إلى الظهر المنسيّة امتثالا لأمرها ، فكذلك فيما بعده ، فيكون جواز العدول أو وجوبه كسائر الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة الثابتة لها في الجملة ما دامت في الوقت ، التي نجريها في القضاء من غير التماس دليل خارجيّ.

وبما ذكر (٢) ظهر لك إمكان التمسّك بالاستصحاب أيضا ، فليتأمّل.

لا يقال : إنّ مقتضى ما ذكر ـ بناء على ما هو التحقيق من عدم وجوب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة ـ عدم وجوبه في الفوائت أيضا إلّا بين الظهرين والعشاءين من يوم أو ليلة.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الظهرين». والمثبت هو الصحيح.

(٢) في «ض ١٤» : «ذكرنا».

٤٠٣

لأنّا نقول : إنّ المقصود بالاستدلال بهذه الأخبار إنّما هو إثبات صحّة العدول ، وأمّا جوازه أو وجوبه : فهو فرع وجوب الترتيب وعدمه ، كما هو ظاهر المتن وصريح غيره ، وإنّما لم نوجب العدول عن الحاضرة حيث لم نقل فيها بوجوب الترتيب.

ثمّ إنّ مقتضى وجوب الترتيب بين الفوائت وصحّة العدول عن كلّ فريضة إلى سابقتها إنّما هو ترامي العدول فيما لو ذكر ـ بعد أن عدل من فريضة إلى سابقتها ـ أنّ عليه أيضا فريضة سابقة على المعدول إليه ، كما لو عدل من الصبح إلى العشاء فذكر أنّ عليه المغرب أيضا ، وهكذا ؛ إذ لا مدخليّة لدخوله في العشاء من أوّل الأمر بقصدها ، أو صيرورتها عشاء بعد تذكّر فوتها في جواز العدول عنها وعدمه بلا شبهة.

لكن هذا فيما إذا كان مكلّفا في الواقع بالمعدول إليه أوّلا بحيث لو لم يتذكّر سابقتها إلى أن يفرغ منها لوقعت صحيحة ، وإلّا فيشكل ذلك ، كما لو عدل إلى العشاء بزعم أنّها هي الفائتة ، فتبيّن بعد العدول كونها المغرب ، وعدم كونه مكلّفا بالعشاء في الواقع.

نعم ، لو لم تنكشف براءة ذمّته عنها إلّا بعد العدول منها إلى سابقتها ، أمكن القول بالصحّة وإن لا يخلو أيضا عن تأمّل ؛ حيث إنّ المنساق من النصوص والفتاوى الدالّة على العدول إنّما هو فيما إذا كان المعدول عنه في حدّ ذاته صحيحا في الواقع ، فلا تعمّ مثل الفرض ، كما لا تعمّ ما لو دخل ابتداء في فريضة حاضرة أو

٤٠٤

فائتة بزعم اشتغال ذمّته (١) بها فانكشف في الأثناء خلافه فعدل إلى غيرها ، فالجزم بصحّة العدول في الفرض ـ كالمثال (٢) ـ في غاية الإشكال.

نعم ، الأقوى ذلك فيما إذا كان العدول إلى المغرب قبل أن يأتي بشي‌ء من الأجزاء بقصد العشاء ، بل الأظهر ذلك في مثل الفرض وإن كان انكشاف فراغ ذمّته عن العشاء قبل العدول إلى المغرب ، بل وكذا لو كان آتيا ببعض الأجزاء ولكن رفع اليد عنه بعد العدول إلى المغرب على إشكال تحقيقه موكول إلى محلّه ، فإنّه في هذه الصورة يكون لدى التحليل عدولا من الصبح إلى المغرب ، فلا إشكال فيه.

وليعلم أنّ الترتيب بين الفرائض ، المقتضي للعدول عن اللاحقة إلى السابقة يختصّ اعتباره بصورة العمد والالتفات من أوّل الأمر أو تذكّره بعد الدخول في اللاحقة (ما دام العدول) إلى سابقتها الموجب لحصول الترتيب (ممكنا) بأن لم يستلزم زيادة ركن أو واجب على الخلاف الآتي في محلّه في مبحث القضاء (٣) إن شاء الله (وإلّا) مضى في اللاحقة وأتمّها ثمّ (استأنف المرتّبة) أي السابقة ؛ لسقوط شرطيّة الترتيب حينئذ ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء الله.

المسألة (الخامسة : تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند قيامها) أي كونها في وسط السماء حتّى يتحقّق الزوال ، إلّا

__________________

(١) في «ض ١١ ، ١٤» : «الذمّة».

(٢) في «ض ١١ ، ١٤» : «كما في المثال».

(٣) جملة «في مبحث القضاء» لم ترد في «ض ١١ ، ١٤».

٤٠٥

في يوم الجمعة ، كما ستعرف (وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر) على المشهور في الجميع ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ؛ للنصوص المستفيضة الدالّة عليه.

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «يصلّي على الجنازة في كلّ ساعة ، إنّها ليست بصلاة ذات (١) ركوع وسجود ، وإنّما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنّها تغرب بين قرني الشيطان وتطلع بين قرني الشيطان» (٢).

ورواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، وقال : لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب» (٣).

وخبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب (٤) ، ولا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس» (٥).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا صلاة نصف النهار

__________________

(١) كلمة «ذات» لم ترد في المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٠ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٤٧٤ ، و ٣٢١ / ٩٩٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ / ١٨١٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب صلاة الجنازة ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٥ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٤) في التهذيب : «حتى المغرب».

(٥) التهذيب ٣ : ١٧٤ / ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٦ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

٤٠٦

إلّا يوم الجمعة» (١).

وعن الصدوق في الفقيه في حديث المناهي مسندا عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند استوائها» (٢).

و [رواه في المجالس (٣) أيضا.

وعنه في الفقيه] (٤) مرسلا ، قال : وقد روي «نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، لأنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان» (٥).

وفي العلل بسند قويّ عن سليمان بن جعفر ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : «لا ينبغي لأحد أن يصلّي إذا طلعت الشمس ، لأنّها تطلع بين قرني (٦) شيطان ، فإذا ارتفعت وصفت (٧) فارقها فتستحبّ الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فإذا انتصف النهار قارنها ، فلا ينبغي لأحد أن يصلّي في ذلك الوقت ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ / ١٥٧٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٦.

(٢) الفقيه ٤ : ٥ / ١ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٦.

(٣) الأمالي ـ للصدوق ـ : ٣٤٧ ، المجلس ٦٦ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «في المجالس». والمثبت هو الصحيح ، وفاقا لما في الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٦ ، والحدائق الناضرة ٦ : ٣٠٦ ، مضافا إلى عدم وجود الرواية المتأخّرة في الأمالي فضلا عن إرسالها.

(٥) الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٣٠ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٧.

(٦) في المصدر : «بقرني» بدل «بين قرني».

(٧) قال المجلسي في بحار الأنوار ٨٠ : ١٤٩ ، ذيل ح ١١ : بيان : «وصفت» أي عن كدورة الأبخرة التي تحول بيننا وبينها عند قربها من الأفق ، فلذا يتغيّر لونها. انتهى.

٤٠٧

لأنّ أبواب السماء قد غلقت ، فإذا زالت الشمس وهبّت الريح فارقها» (١).

وعن الشيخ مرسلا قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : (الحديث الذي روي عن أبي جعفر عليه‌السلام) (٢) «إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان» قال : «نعم ، إنّ إبليس اتّخذ عرشا بين السماء والأرض ، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه : إنّ بني آدم يصلّون لي» (٣).

وعن الكليني رحمه‌الله مرسلا نحوه (٤).

وهذه المرسلة تشهد بصحّة ما تضمّنته الصحيحة الأولى.

وعن مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي بإسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام في حديث أنّه صلّى المغرب ليلة فوق السطح ، فقيل له : إنّ فلانا كان يفتي عن آبائك عليهم‌السلام أنّه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فقال : «كذب ـ لعنه الله ـ على أبي» أو قال : «على آبائي» (٥).

أقول : يحتمل بعيدا أن يكون المقصود بالصلاة في هذه الرواية الأخيرة الفريضة ، فيكون المقصود بتكذيب من أفتى عن آبائه عليهم‌السلام بنفي البأس عن صلاة الصبح والعصر إلى طلوع الشمس وغروبها مخالفته لما تواتر عنهم عليهم‌السلام من الحكم بمرجوحيّة الصلاة في آخر وقتها وكونه تضييعا لها.

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٤٣ (الباب ٤٧) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٩.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في التهذيب ، بل هو موجود في الكافي.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٨ / ١٠٦٨ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٠ / ٨ ، وفيه مثله ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٤.

(٥) السرائر ٣ : ٥٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ١٤.

٤٠٨

وكيف كان ففيما عدا هذه الرواية عني وكفاية ، فإنّها ظاهرة الدلالة في كراهة الصلاة في الأوقات الخمسة المزبورة.

أمّا في الثلاثة الأول المتعلّقة بالشمس : فواضح.

وأمّا في الأخيرتين ـ أي فيما بعد الصلاتين ـ وإن كان قد يتأمّل في دلالة الأخبار عليه ؛ نظرا إلى أنّ ما وقع فيها [من] (١) التعرّض لنفي الصلاة بعد الفجر أو العصر ظاهر في إرادة نفس الوقت ، لا بعد الصلاتين ، لكن يدفعه : معهوديّة المنع عن الصلاة بعد الصلاتين لدى العامّة والخاصّة في تلك الأعصار ، كما شهد بذلك كثير من الآثار التي ستأتي الإشارة إلى بعضها ، فتكون الأخبار منزّلة على المعهود ، كما يؤيّد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم.

هذا ، مع أنّه يكفي في إثبات الكراهة ما سمعته من الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة.

وربّما يستظهر من الأخبار المتقدّمة عدم الجواز ، كما حكي القول به عن ظاهر السيّد (٢).

وفيه ـ مع شذوذ هذا القول ـ : أنّ بعض تلك الأخبار وإن كان قد يتراءى منه ذلك لكن مناسبة التعليل الواقع في أغلبها ووقوع التعبير في بعضها بلفظ «لا ينبغي» (٣) وفي بعض آخر بلفظ «تكره» (٤) تجعلها ظاهرة في إرادة الكراهة ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) الانتصار : ٥٠ ، مسائل الناصريّات : ١٩٩ ، المسألة ٧٧ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١٠٥.

(٣) كما في رواية العلل ، المتقدّمة في ص ٤٠٧.

(٤) كما في صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة في ص ٤٠٦.

٤٠٩

مضافا إلى أنّها هي التي يقتضيها الجمع بينها وبين غيرها من الأخبار التي هي صريحة في الجواز.

كرواية محمّد بن فرج ، قال : كتبت إلى العبد الصالح أسأله عن مسائل ، فكتب إليّ : «وصلّ بعد العصر من النوافل ما شئت ، وصلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت» (١).

وحيث إنّ الرواية واردة في مقام توهّم الحظر لا يستفاد منها أزيد من الجواز الغير المنافي للكراهة ، مع أنّ المقصود بالكراهة في المقام هو الكراهة في العبادة الغير المنافية لرجحانها الفعلي ، كما عرفت توجيهها في مبحث الوضوء بالماء المسخن ، وقراءة القرآن للحائض والجنب ، وغير ذلك من المواضع (٢) المناسبة.

والتوقيع المرويّ عن الصدوق في الفقيه بإسناده عن أبي الحسين [محمّد بن] (٣) جعفر الأسدي أنّه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمّد ابن عثمان العمري قدّس الله روحه : «وأمّا ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشي أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشيطان» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٨ ، و ٢٧٥ / ١٠٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / ١٠٥٩ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

(٢) في «ض ١٦» : «الموارد» بدل «المواضع».

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٣١ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ح ٨.

٤١٠

والقدح في هذا التوقيع بأنّها مقطوعة مع وهنه في حدّ ذاته حيث لا يظنّ صدور مثل هذا الكلام منه عن حدس واجتهاد من غير مراجعة الإمام عليه‌السلام ، مدفوع : بأنّ الصدوق رواه في إكمال الدين وإتمام النعمة ـ على ما حكي عنه ـ عن جملة من مشايخه أنّهم قالوا : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي ، قال : كان فيما ورد على الشيخ (١) أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري في جواب مسائلي (٢) إلى صاحب الدار (٣) ، وذكر الحديث بعينه ، وعن الطبرسي في الاحتجاج نسبة الجواب إلى صاحب الزمان (٤) عجّل الله فرجه ، فلا مجال للقدح فيه من هذه الجهة ، وهو كما تراه نصّ في الجواز وفي عدم صلاحيّة القضيّة المشهورة بين الناس ـ من أنّ الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان ـ على تقدير صدقها علّة للمنع عن الصلاة ، بل هي مقتضية لاستحبابها رغما لأنف الشيطان ، فمن هنا يتحقّق التنافي بين هذا التوقيع وبين الأخبار الناهية المعلّلة بهذه العلّة.

ولا يجدي في رفعه حمل تلك الأخبار على الكراهة بعد ظهور التوقيع في عدم صلاحيّة ما فيها من التعليل تعليلا للنهي ، وكونه مقتضيا للاستحباب ، ولأجل تأخّر التوقيع عن تلك الأخبار وصدوره عن إمام العصر عجّل الله فرجه ، وشهادته بمعروفيّة ما تضمّنته تلك الأخبار بين الناس ، المقتضية لصدورها تقيّة قد يترجّح

__________________

(١) في المصدر والوسائل : «ورد عليّ من الشيخ». وما في المتن كما في الحدائق الناضرة ٦ : ٣٠٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «مسائل». والمثبت من المصدر.

(٣) إكمال الدين وتمام النعمة : ٥٢٠ / ٤٩ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٨.

(٤) الاحتجاج : ٤٧٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣٠٧.

٤١١

في النظر الأخذ بظاهر التوقيع ، والالتزام بنفي الكراهة أيضا ، وحمل تلك الأخبار على التقيّة ، كما حكي القول بذلك عن الصدوق (١) ، وتبعه غير واحد من المتأخّرين.

لكنّه لا يخلو عن إشكال ؛ حيث يستشعر من التوقيع أنّ القضيّة المعروفة بين الناس من المشهورات التي لا أصل لها ، مع أنّه قد تكرّر ذكرها في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام في مقام الاستدلال وغيره ، وإسنادها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام في جملة من تلك الأخبار ، كرواية الحلبي ، المتقدّمة (٢).

وخبر النفر من اليهود ـ المتقدّم (٣) عند البحث عن صلاة الوسطى ـ الذين جاؤا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسأله أعلمهم عن مسائل ، وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت المخصوص بها ما صورته : «وأمّا صلاة الفجر فإنّ الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان ، فأمرني ربّي عزوجل أن أصلّي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل أن يسجد لها الكافر لتسجد (٤) أمّتي» (٥) إلى آخره.

وعن العلل (٦) فيما أجاب به أمير المؤمنين عليه‌السلام عن مسائل اليهود ما يقرب

__________________

(١) الخصال : ٧١ ـ ٧٢ ، ذيل ح ١٠٨ ، وحكاه عنه صاحب الوسائل فيها ، ذيل ح ١٣ من الباب ٣٨ من أبواب المواقيت.

(٢) في ص ٤٠٦.

(٣) تقدّم صدره في ص ٨٠ ـ ٨١.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «تسجد». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ / ٦٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٧.

(٦) كذا نسبه إلى العلل البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣١٣ ، ولم نجده فيه ، بل هو في الخصال : ٥٩٦ ، ضمن ح ١ ، وحكاه عن الخصال أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٠ : ١ ـ ٣ / ١ ، و ٨٠ : ١٤٩ / ٩.

٤١٢

من ذلك.

لكن هذه الرواية متضمّنة لفقرات تشبه قول الناس ، فلا وثوق بها ولا بسندها.

وأمّا سائر الأخبار المشتملة على هذه القضيّة فيبعد صدورها بأسرها تقيّة ، خصوصا أخبار الباب ، فإنّ صدور حكم تقيّة والاستدلال له بقضيّة لا أصل لها ، وإسنادها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية البعد ، فرفع اليد عنها مع كثرتها واشتهارها بين الأصحاب فتوى ورواية مشكل ، فالأولى حمل التوقيع على إرادة عدم صلاحيّة هذه القضيّة علّة للتحريم ، كما زعمه الناس ، لا أنّها ليست صالحة للمنع رأسا حتّى للكراهة.

وما فيه من الإشعار بأنّها لا حقيقة لها فلعلّه بلحاظ معناها الحقيقي ، فلا ينافي ذلك صدورها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الائمّة عليهم‌السلام على ضرب من الاستعارة.

هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ حمل تلك الأخبار المعلّلة بهذه العلّة بأسرها على التقيّة أولى من التصرّف في ظاهر التوقيع ، كما يؤيد ذلك ظهور أغلب تلك الأخبار في عدم المشروعيّة ؛ لهذه العلّة ، كما زعمه الناس ، ولكن مع ذلك الأقوى كراهة الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها ، لا لهذه العلّة ، بل لدلالة بعض الأخبار المتقدّمة الغير المعلّلة بهذه العلّة وبعض الأخبار الآتية عليه ، وشهرة القول بها بين الأصحاب.

ولا ينافيها الأمر بفعلها في التوقيع ؛ لوروده في مقام توهّم الحظر ، مع أنّا لا نعني بكراهة الصلاة ما ينافي ذلك ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، وسيأتي توضيحه.

٤١٣

وليعلم أنّ الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بعد اتّفاقهم على كراهة الصلاة في الجملة في الأوقات الخمسة المزبورة ـ على ما ادّعاه غير واحد ـ اختلفوا في تشخيص موضوعها.

فمنهم من خصّصها بالنوافل المبتدأة (و) قال بأنّه (لا بأس بما له سبب ، كصلاة الزيارة والحاجة وقضاء النوافل المرتّبة) كما في المتن وغيره ، بل لعلّه هو المشهور ، وقد حكي القول بذلك عن الشيخ في المبسوط (١).

وعن نهايته الحكم بكراهة النوافل مطلقا ، أداء وقضاء ، عند الطلوع والغروب (٢) ، ولم يفرّق بين ذي السبب وغيره.

وعن خلافه أنّه قال فيما نهي عنه لأجل الوقت ـ وهي المتعلّقة بالشمس ـ :لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيّام إلّا يوم الجمعة ، فإنّه يصلّي عند قيامها النوافل. ثمّ قال : وما نهي عنه لأجل الفعل ـ وهي المتعلّقة بالصلاة ـ إنّما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة ، فأمّا كلّ صلاة لها سبب فإنّه لا بأس به (٣).

وعن المفيد قدس‌سره الجزم بكراهة النوافل المبتدأة وذات السبب عند الطلوع والغروب (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧٦ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٤ ، ضمن المسألة ٢٢ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٥.

(٢) النهاية : ٦٢ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٥ ، ضمن المسألة ٢٢ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٥.

(٣) الخلاف ١ : ٥٢٠ ، المسألة ٢٦٣ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٤ ، المسألة ٢٢ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٥.

(٤) المقنعة : ٢١٢ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٥.

٤١٤

بل ربما استظهر (١) من عبارته المحكيّة عن المقنعة التحريم ؛ حيث قال : من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخّر الصلاة حتّى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها ، وصفرتها عند غروبها (٢).

وفيه نظر ، خصوصا بالنظر إلى ما هو المعروف عنه في بعض كتبه من التصريح بالجواز ، والمبالغة في التشنيع على العامّة القائلين بالحرمة ؛ استنادا إلى ما رووه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من النهي عن الصلاة في الوقتين ، معلّلا بأنّ الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان (٣) ، بإبطال العلّة وتكذيبها ، ومنع جواز صدور التعليل بمثلها من الأنبياء عليهم‌السلام ـ كما يستشعر ذلك من التوقيع المتقدّم المصرّح بفساد التعليل المشعر بكذب العلّة في حدّ ذاتها ، وكونها من أقوال الناس لا الأنبياء ـ إلى أن قال ـ فيما حكي عنه ـ : فلمّا بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أنّ التطوّع جائز فيهما (٤). انتهى.

وعن ابن أبي عقيل : لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال ، ولا بعد العصر حتى يغيب القرص ، إلّا يوم الجمعة وقضاء فوائت السنن (٥).

__________________

(١) المستظهر هو البحراني في الحدائق الناضرة ٦ : ٣٠٤.

(٢) المقنعة : ٢١٢ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٥ ، ضمن المسألة ٢٢ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٥.

(٣) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ٢٧٥ / ٦٩٤٦.

(٤) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٨ ـ ١٠٩ عن الثقة الجليل أبي جعفر محمّد بن محمّد بن النعمان في كتابه المسمّى بـ «افعل لا تفعل». والظاهر أنّ النسبة إليه من سهو القلم ، حيث لم يذكر ذلك الكتاب للشيخ المفيد قدس سرّه في كتب التراجم ، بل نسبه النجاشي في رجاله :٣٢٥ / ٨٨٦ إلى أبي جعفر محمّد بن علي بن النعمان الملقّب بـ «مؤمن الطاق». فلاحظ.

(٥) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٥ ، ضمن المسألة ٢٢.

٤١٥

وعن ابن الجنيد : ورد النهي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف النهار وعند غروبها ، وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط (١).

وظاهرهما إرادة عدم المشروعيّة ، فتحرم.

وأصرح منهما في ذلك ما عن السيّد في بعض كتبه ، فقال : وممّا انفردت به الإماميّة : كراهة صلاة الضحى ، وأنّ التنفّل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرّم إلّا في يوم الجمعة خاصّة (٢).

وعنه في أجوبة المسائل الناصريّة ، حيث قال [الناصر] (٣) : لا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها ، قال السيّد : وهذا عندنا صحيح ، وعندنا أنّه يجوز أن يصلّى في الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها كلّ صلاة لها سبب متقدّم ، وإنّما لا يجوز أن يبتدأ فيها بالنوافل (٤). انتهى.

وعن بعض المتأخّرين : التردّد في الكراهة مطلقا ، وعدمها كذلك (٥).

إذا عرفت ذلك ، فنقول : أمّا الأخبار المتقدّمة ـ التي هي عمدة مستند الكراهة ـ مطلقة ، بل مقتضى إطلاقها : شمولها لقضاء الفريضة (٦) أيضا فضلا عن

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٥ ، ضمن المسألة ٢٢.

(٢) الانتصار : ٥٠ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٥ ـ ٧٦ ، ضمن المسألة ٢٢.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر الحاكي.

(٤) مسائل الناصريّات : ١٩٩ ، المسألة ٧٧ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٧٦ ، ضمن المسألة ٢٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٥٢.

(٦) في «ض ١٦» : «الفرائض».

٤١٦

قضاء النوافل وغيره من ذوات الأسباب.

لكن ربما يظهر من بعض الأخبار اختصاصها بما عدا الفوائت.

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميّت ، هؤلاء تصلّيهنّ في الساعات كلّها» (١).

ورواية نعمان الرازي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها ، قال : «فليصلّ حين ذكره» (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «خمس صلوات لا تترك على كلّ حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الجنازة» (٣).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «خمس صلوات تصلّيهنّ في كلّ وقت : صلاة الكسوف ، والصلاة على الميّت ، وصلاة الإحرام ، والصلاة التي تفوت ، وصلاة الطواف ، من الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى الليل» (٤) وفي هذه الأخبار إشارة إلى أنّ المراد بالصلوات التي نهي عن الإتيان بها في بعض الأوقات هي ما عدا هذه الصلوات ، فهي حاكمة على الأخبار الناهية ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٨ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧١ / ٦٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ح ١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٧١ / ٦٨٢ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ٥.

٤١٧

خصوصا الرواية الأخيرة ؛ فإنّ قوله عليه‌السلام : «من الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى الليل» بمنزلة التأكيد لإرادة العموم من «كلّ وقت» بالتصريح بالفرد الذي فيه مظنّة المنع ، ومقتضى إطلاقها شمولها لمطلق الفائتة المقضيّة فريضة كانت أم نافلة.

اللهمّ إلّا أن يدّعى انصرافها إلى الأولى ، وهو قابل للمنع ؛ إذ الظاهر كونه بدويّا.

وكيف كان فربما يعارض هذه الأخبار قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة زرارة ، المتقدّمة (١) في المسألة السابقة : «أيّهما ذكرت ـ أي المغرب والعشاء ـ فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس».

ونحوه بعض الأخبار الواردة أيضا في ناسي العشاءين.

ففي خبر أبي بصير : «وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس ، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها» (٢).

وفي صحيحة ابن سنان : «فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس» (٣).

وقد حمل صاحب الحدائق هذه الأخبار على التقيّة ؛ مستشهدا لذلك بما

__________________

(١) في ص ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٤ ، الوسائل ، الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٦ ، الوسائل ، الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ٤.

٤١٨

تضمّنته من امتداد وقت العشاءين للناسي إلى طلوع الفجر ، وهو خلاف المشهور ، وقد التزم بجري هذا الحكم مجرى التقيّة ، فجعله شاهدا لما ادّعاه في المقام (١).

ولكنّك عرفت أنّ القول به لا يخلو عن قوّة ، فالأولى في مقام الجمع إمّا الالتزام بخفّة الكراهة الملحقة بالعدم بالنسبة إلى قضاء الفوائت أو مطلق ذوات الأسباب ، أو تخصيص عموم الأوقات في الأخبار المتقدّمة بغير وقت طلوع الشمس حتى يذهب شعاعها إن أمكن القول به ، وإلّا فبغير الأوقات الثلاثة المتعلّقة بالشمس ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

ولعلّ هذا هو الأولى وإن كان قد يشكل ذلك أيضا بما في بعض الأخبار من الأمر بها في خصوص هذا الوقت.

مثل : ما رواه الصدوق بإسناده عن حمّاد بن عثمان أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات ، فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، قال :«فليصلّ حين يذكر» (٢).

ونحوها رواية نعمان ، المتقدّمة (٣).

ولكن يمكن الجمع بين تلك الأخبار الناهية عن القضاء إلّا بعد شعاع الشمس وبين هذه الرواية وأشباهها : بالالتزام باجتماع جهتي الكراهة ـ الناشئة من عدم مناسبة الوقت للفعل ـ والاستحباب الناشئ من حسن المبادرة إلى

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ : ٣٠٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، ح ٢.

(٣) في ص ٤١٧.

٤١٩

الخيرات والتعجيل في أداء الحقوق الواجبة وغيرها من الجهات المقتضية لحسن التعجيل ، وتنزيل الأخبار المختلفة على رعاية الجهات.

وتوجيهها ببعض الوجوه التي يتوجّه بها العبادات المكروهة التي تعلّق بها النهي مع كونها مطلوبة بالفعل ، فيكون كلّ من التعجيل والتأخير راجحا من جهة ، نظير صلاة العصر ، التي قد عرفت عند التعرّض لوقت فضيلتها أنّ تأخيرها إلى وقتها الأصلي مستحبّ ، وتقديمها من أوّل الوقت بعد أداء الظهر ونافلتها من باب المسارعة إلى الخيرات ونحوها أفضل.

هذا بالنسبة إلى طلوع الشمس ، الذي ورد الأمر بتأخير القضاء عنه في الأخبار السابقة.

ولا يبعد إلحاق قيامها وغروبها أيضا بذلك بإبقاء النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة على عمومه ، وعدم تخصيصه بالأخبار الحاكمة ؛ لاعتضاد عمومه بهذه الأخبار الآمرة بتأخير القضاء عن طلوع الشمس.

وأمّا الوقت الذي يتعلّق بالفعل ، أي ما بعد صلاتي الفجر والعصر : فلا ينبغي التأمّل في عدم كراهة القضاء فيه ولو بالمعنى المتقدّم الذي مرجعه إلى استحباب التأخير رعاية للوقت الأصلح وإن كان قد يظهر من بعض الأخبار عدم صلاحيّة هذا الوقت أصلا للصلاة حتّى الفريضة الأدائيّة.

كخبر الصيقل ، الذي ورد فيه الأمر بالعدول من العصر إلى الظهر المنسيّة إذا ذكرها بعد أن صلّى من العصر ركعتين ، وإتمام العشاء وعدم العدول منها إلى المغرب المنسيّة إذا ذكرها بعد أن صلّى من العشاء ركعتين ؛ معلّلا «بأنّ العصر ليس

٤٢٠