مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

ويؤيّده ما عن الفقه الرضوي «فإن مات ميّت بين رجال نصارى ونسوة مسلمات ، غسّله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون ، وإن كان الميّت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ونسوة نصرانيّة ، اغتسلت النصرانيّة وغسّلتها» (١).

وعن المصنّف في المعتبر التوقّف في الحكم (٢) ، وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه ، لما فيه من الإشكال ، لمخالفته للقواعد ، مثل اشتراط النيّة في الغسل حيث لا تتحقّق ممّن لا يعتقد حقّيّته ، واشتراط طهارة الماء ونجاسة الكافر. هذا ، مع ما في مستنده من الضعف.

قال في محكيّ المعتبر ـ بعد نقل الخبرين الأوّلين ـ : وعندي في هذا الوقف ، والأقرب دفنها من غير غسل ، لأنّ غسل الميّت يفتقر إلى النيّة والكافر لا تصحّ منه نيّة القربة.

ثمّ طعن في الحديث الأوّل : بأنّ السند كلّه فطحيّة ، والحديث الثاني : بأنّ رجال زيديّة (٣).

وفيه : أنّ تضعيف مثل هاتين الروايتين مناف لما هو الحقّ ، وعليه المحقّق (٤) من أنّ كلّ ما قبله الأصحاب من الروايات فهو مقبول وإن ضعف سنده ، فكيف الظنّ بمثل هاتين الروايتين خصوصا الموثّقة منهما ، فإنّه لم ينقل من أحد ممّن تقدّم على المصنّف طرحهما والتصريح بخلافهما وإن استشعر ذلك

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٠٢ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام :١٧٣.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٠٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٢٦.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٠٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٢٦.

(٤) المعتبر ١ : ٢٩.

٨١

من بعض لأجل سكوتهم عن هذا الفرع ، كالحلّيّ وغيره ، وهو غير ضائر في جبر الضعف ، خصوصا على ما هو المختار من حجّيّة الموثّق لذاته.

نعم ، قد أعرض عنهما بعض من تأخّر عن المصنّف ، كصاحب المدارك (١) ومن حذا حذوه ممّن دأبه ردّ الروايات التي لم توصف بالصحّة المصطلحة.

وضعفه لدينا ظاهر ، فلا يحلّ لنا طرح مثل هاتين الروايتين المشهورتين اللّتين تلقّاهما الأصحاب بالقبول إلّا بمعارض مكافئ ، كما صنعه في الحدائق حيث اعترف باعتبار الروايتين ، وطعن على المصنّف في تضعيفهما بما عرفت ، لكنّه مع ذلك مال إلى ما قال به في المعتبر ، لزعمه دلالة هذه الروايات على طهارة أهل الكتاب ، ومعارضتها بما دلّ على نجاستهم وأرجحيّة المعارض (٢).

وفيه ـ بعد الغضّ عمّا سيأتي في محلّه من التأمّل في الترجيح لو لم يتحقّق الإجماع على النجاسة ـ : أنّه لا منافاة بين صحّة الغسل ونجاسة الكتابيّ.

ألا ترى أنّ المشهور قائلون بالصحّة مع التزامهم بنجاسة الكفّار مطلقا ، فمقتضاه إمّا العفو عن هذه النجاسة الحاصلة من مباشرة الكافر وعدم مانعيّتها من رفع الحدث وإن تنجّس بها الماء وبدن الميّت ، لكنّه عفي عنه لمكان الضرورة ، وإمّا عدم انفعال الماء المستعمل في الغسل ولا بدن الميّت من مباشرته ، وليس في العقل ما يستحيل شيئا من الأمرين ولا في الشرع ما ينافيه إلّا العمومات التي يجب تخصيصها بالدليل المعتبر.

وتوهّم اشتراط كونه بالماء الكثير أو على وجه لا يلاقيه الكافر برطوبة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٦٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣.

٨٢

مسرية كي لا يستلزم تخصيص شي‌ء من القواعد ، مدفوع : بالقطع بعدم إرادته من النصوص والفتاوى ، فليس المتبادر منها إلّا إرادة الغسل بالكيفيّة المتعارفة.

وكيف كان فلا وجه لجعل الأخبار الدالّة على نجاسة أهل الكتاب من معارضات هذه الروايات ، لإمكان الالتزام بمفاد الكلّ ، كما عليه المشهور.

وأمّا الاستشكال في الحكم بافتقار غسل الميّت إلى النيّة وهي لا تصحّ من الكافر فلا يصحّ غسله ـ ففيه ـ مضافا إلى كونه اجتهادا في مقابلة النصّ ـ : أنّ الأظهر عدم توقّف صحّة الغسل إلّا على قصد حصول عنوانه مميّزا عمّا يشاركه في الجنس ، أي قصد إيجاد تلك الماهيّة المعهودة المأمور بها في شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا اعتبار أمر آخر وراء ذلك ـ أي كون العمل مخلصا لله تعالى ـ فلم يدلّ عليه دليل بالنسبة إلى غسل الميّت ، فهو منفيّ بالأصل الذي تقدّم تحقيقه في نيّة الوضوء ، ولذا يقوى الصحّة فيما إذا لم يكن الباعث على الغسل إلّا قصد أخذ الأجرة ، فيأتي بتلك الطبيعة المعهودة الواجبة في الشريعة لأجلها لا للتقرّب بها إلى الله تعالى ، كما أنّه كثيرا مّا يتّفق في مثل هذه الأعصار التي تعارف فيها بذل الأجرة عليه ، فعلى هذا لا مانع من حصوله من الكافر من هذه الجهة ، فإنّه ينوي بفعله إيجاد الطبيعة المأمور بها في شرعنا وإن لم يعتقد حقّيّته خصوصا بعد مساعدة الدليل.

وما يقال في دفع هذا الإشكال ـ من أنّ المتولّي للنيّة هو المسلم الذي يأمر الكافر بالفعل ، فالغسل الذي هو من العبادات إنّما هو من فعل الآمر لكن بالتسبيب لا المباشرة ـ مدفوع : باشتراط صحّة الغسل بأن يكون منويّا للفاعل لا الآمر ، وإلّا للزم عدم الإخلال بقصد الخلاف من المباشر ، كقصد إزالة الوسخ ، وهو واضح

٨٣

الفساد.

مضافا إلى مخالفته لظاهر النصوص والفتاوى من استناده إلى الفاعل لا الآمر ، بل إشعارها أو دلالتها على عدم اشتراطه بصدوره بأمر من المسلمين وإن أمكن أن يقال : إنّ الشرط على تقدير شرطيّته حاصل غالبا ، فلا حاجة إلى بيانه ، فلم يبق للكلام ظهور في نفي اعتباره إلّا من حيث ظهوره في كون ما يوجده الكافر بنفسه غسلا ، فوجب أن لا تكون نيّة المسلم من مقوّمات ماهيّته كما يزعمه الموجّه.

نعم ، ربما يستشعر ذلك في بادئ الرأي من التقييد الواقع في بعض الفتاوى ، كمعقد إجماع التذكرة من اشتراط حضور الأجانب من المسلمين والمسلمات فيأمرون الكافر بالاغتسال أوّلا ثمّ يعلّموه كيفيّة غسل المسلمين فيغسّل (١).

لكنّ التأمّل فيه يعطي ظهوره في خلافه وكونه جاريا مجرى العادة ، وعلى تقدير الاشتراط فهو شرط خارجيّ تعبّدي منشؤه الاقتصار على مورد النصّ ، لا توقّف ماهيّة الغسل الصادر من الكافر عليه من حيث صدوره بأمرهم وكونهم هم الفاعل بالتسبيب وكون الكافر بمنزلة الآلة.

وكيف كان فالأظهر عدم اشتراط هذا الشرط أيضا ، للأصل ، وليس حضور الأجانب في مورد الرواية إلّا كسائر الخصوصيّات ممّا لا مدخليّة له في الحكم الذي بيّنة الإمام عليه‌السلام بقوله : «يغتسل النصارى ثمّ يغسّلونه».

فالأقوى أنّه لو غسّله النصرانيّ ابتداء لا بأمر من المسلمين بل

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٣٦١ ، المسألة ١٣٠.

٨٤

ولا حضورهم ، أجزأه ، لكن ينبغي تقييد إطلاق المتن وغيره بما في معقد إجماع التذكرة ، كما نطق به موثّقة عمّار والفقه الرضوي من أن يغتسل الكافر أوّلا ثمّ يغسّله. ولعلّ الحكمة فيه زوال النجاسة العرضيّة التي لم يتحقّق الاضطرار بالنسبة إليها ، كما أنّه ينبغي تخصيص الكافر بالكتابيّ ، كما عن بعضهم (١) التصريح بذلك ، لاختصاص النصّ به ، بل إشعار خبر زيد لو لم نقل بدلالته عليه.

ودعوى عدم الفرق بين أنحاء الكفر ، لأنّ الكفر ملّة واحدة يشترك أهلها في انفعال الماء بملاقاته وحصول الغرض بفعله ، فلا يتعقّل الفرق بين أقسامه لا بيّنة عليها خصوصا على القول بطهارة الكتابيّ دون غيره ولا أقلّ من احتمالها ولو بعيدا ، وهو مانع من القطع بعدم الفرق ، بل كيف يمكن دعواه ولو على تقدير العلم بنجاسة الكلّ!؟ فإنّ الكتابيّ أقرب إلى الحقّ من غيره قطعا ، فلعلّ فيه مدخليّة في جواز مسّ ميّت المسلمين وتغسيله ، والله العالم.

ثمّ إنّ ظاهر النصوص والفتاوى بل صريحها هو أنّ الكافر عند فقد المسلم المماثل والمحرم يأتي بغسل الميّت ، أي الطبيعة التي كان يأتي بها المماثل والمحرم عند وجود هما ، لا ماهيّة أخرى مشابهة للغسل صورة أوجبها الشارع تعبّدا عند تعذّر الغسل ، فلا يفهم من النصّ والفتاوى بالنسبة إلى هذا الفرع إلّا ما يفهم منها بالنسبة إلى سائر الفروع ، كتغسيل الزوجة زوجها والرجل محارمه وهكذا ، فدعوى كون الغسل صوريّا في هذا الفرع ممّا لا ينبغي الالتفات إليها. وقضيّة كونه عين تلك الطبيعة المعهودة : حصول الإجزاء بفعله ، وسقوط الطلب الكفائيّ المتعلّق به عن عامّة المكلّفين ، وخروج الميّت من كونه بحكم الميّتة ومن أن

__________________

(١) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٢١٧ عن ابن سعيد ، وانظر الجامع للشرائع : ٥٠.

٨٥

يجب الغسل بمسّه إلى غير ذلك من آثار الغسل الصحيح. فما قوّاه غير واحد من الأعلام من وجوب إعادته لو تجدّدت القدرة بوجود المماثل أو المحرم ضعيف.

وتنظيره بالمتيمّم الواجد للماء قياس مع الفارق ، إذ لا أثر للتيمّم إلّا عند الضرورة حيث إنّه طهور اضطراريّ ، وأمّا الغسل فأثره رفع الحدث مطلقا ، لكن لا يصحّ من الكافر إلّا عند الضرورة ، فإذا تحقّقت الضرورة ، يصحّ غسله ، ويترتّب عليه كلّ ما هو أثر للغسل الصحيح ، فالضرورة في المقام أثّرت في صحّة الغسل ، وفي باب التيمّم أثّرت في استباحة الغايات عندها ، وبينهما فرق بيّن.

لكن قد يقال في المقام بأنّ تجدّد القدرة كاشف عن عدم تحقّق الضرورة المبيحة لغسل الكافر.

وفيه ما لا يخفى.

وقد ظهر لك ممّا تقدّم ضعف ما ذكره شيخنا المرتضى قدس‌سره حيث قال : فلو طرأ التمكّن من الغسل الاختياري ، فالأقوى عدم سقوطه ، وفاقا للشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم ، للعمومات ، وعدم كفاية مجرّد وجوب الشي‌ء عند الاضطرار لبدليّته ، إلّا إذا فهم البدليّة من دليله ، كما في التيمّم ونحوه (١). انتهى ، لما عرفت من أنّ صريح النصوص والفتاوى إنّما هو كون ما يوجده الكافر عين غسل الميّت لا شيئا آخر أجنبيّا عنه أوجبه الشارع تعبّدا حين الضرورة حتى يكون مدّعي البدليّة مطالبا بالدليل ، والله العالم.

(ويغسّل الرجل محارمه) أي من حرم عليه نكاحها مؤبّدا بنسب

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٨٦ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣١٣ ، وروض الجنان : ٩٨ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٦٢ و ٣٦٣ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٦٤ ، الفرع «ح».

٨٦

أو رضاع أو مصاهرة ، وكذا المرأة تغسّل محارمها بلا خلاف في شي‌ء منها في الجملة ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار التي كادت تكون متواترة ، وقد تقدّم بعضها في الفرع السابق ، كصحيحتي (١) منصور والحلبي ، وموثّقة (٢) عبد الرحمن ، ورواية (٣) زيد الشحّام.

وبعض تلك الأخبار وإن قصر عن إثبات الحكم على نحو العموم بحيث يعمّ المحارم بالمصاهرة كأمّ الزوجة ونحوها لكن جملة منها تفي بذلك ، كقوله عليه‌السلام في موثّقة عبد الرحمن : «تغسّله امرأته أو ذات محرمه» (٤) وقوله عليه‌السلام في صحيحة منصور : «نعم ، وامّه وأخته ونحو هما» (٥) فإنّ المتبادر من التشبيه في مثل المقام إرادة المشابهة في المحرميّة التي هي سبب جواز النظر واللمس.

وموثّقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وليس عنده إلّا نساء ، قال : «تغسّله امرأة ذات محرم منه وتصبّ النساء عليه الماء ولا تخلع ثوبه ، وإن كانت امرأة ماتت معها رجال وليس معهم امرأة ولا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها ، وإن كان معها ذو محرم لها يغسّلها من فوق ثيابها» (٦).

ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام في حديث ، قال : «إذا مات الرجل في السفر ـ إلى أن قال ـ وإذا كان معه نساء ذوات

__________________

(١) المتقدّمتين في ص ٦٠ و ٦١.

(٢) المتقدّمة في ص ٦١.

(٣) المتقدّمة في ص ٦٢.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٦١ ، الهامش (٢).

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٦٠ ، الهامش (٤).

(٦) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٤ ، التهذيب ١ : ٤٤٤ / ١٤٣٥ ، الإستبصار ١ : ٢٠٤ / ٧٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٩.

٨٧

محرم يؤزرنه ويصببن عليه الماء صبّا ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه» (١).

وكيف كان فالأمر في التعميم سهل بعد عدم القول بالتفصيل في المحارم ، وإنّما الإشكال في المسألة في مقامين :

أحدهما : أنّه هل يجب أن يكون ذلك (من وراء الثياب)؟ كما حكي (٢) عن ظاهر المشهور ، ونطق به جملة من الأخبار المتقدّمة وغيرها ـ كموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى ومعه عمّته وخالته مسلمتان كيف يصنع في غسله؟ قال : «تغسله عمّته وخالته في قميصه ، ولا تقربه النصارى» وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ومعها نساء نصارى وعمّها وخالها معها مسلمان ، قال : «يغسّلانها ولا تقربها النصرانيّة كما كانت تغسلها غير أنّه يكون عليها درع فيصبّ الماء من فوق الدرع» (٣) ـ أو لا يجب ، كما عن صريح جماعة من متأخّري المتأخّرين ـ كصاحبي المدارك والذخيرة ، وكشاف اللثام وغيرهم ـ وظاهر الغنية والكافي والإصباح (٤) ، ولعلّه الظاهر من الذكرى أيضا حيث قال ـ فيما حكي عنه ـ وثالثها : المحرميّة ، لتسويغه النظر واللمس ، ولما

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ / ١٤٢٦ ، الإستبصار ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٧١١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٨.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٩ / ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٧ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٨.

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٥ ، وانظر : مدارك الأحكام ٢ : ٦٥ ، وذخيرة المعاد : ٨١ ، وكشف اللثام ٢ : ٢١٩ ، والغنية : ١٠٢ ، والكافي في الفقه : ٢٣٧ ، وإصباح الشيعة : ٧٧.

٨٨

مرّ ، ولكن من وراء الثياب محافظة على العورة (١). انتهى ، لإطلاق بعض الأخبار وظهور بعض بل صراحته في العدم إلّا بالنسبة إلى العورة.

كقوله عليه‌السلام في صحيحة منصور : «نعم ، وامّه وأخته ونحو هما يلقي على عورتها خرقة» (٢) فإنّه كالصريح في عدم الوجوب إلّا في العورة.

وقوله عليه‌السلام في رواية عمرو بن خالد ، المتقدّمة (٣) : «يؤزرنه ويصببن عليه الماء صبّا» فإنّ الظاهر أنّ التوزير مع التجرّد ، لا مع الثياب.

وقوله عليه‌السلام في رواية زيد الشحّام ، المتقدّمة (٤) في حكم المرأة : «وإن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر إلى عورتها» فإنّ ظاهرها أنّ المحرّم إنّما هو النظر إلى العورة لا إلى سائر البدن ، فيحتمل قويّا أن يكون شدّة الاهتمام بكونه من وراء الثوب في سائر الأخبار للمحافظة على العورة ، كما أشير إليه في العبارة المتقدّمة (٥) عن الذكرى.

ويشهد له ما في ذيل هذه الرواية في حكم الرجل «وإن كان له فيهنّ امرأة فليغسّل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته».

ويحتمل أن يكون النهي عن خلع الثوب والأمر بالغسل من فوق الثياب في بعض تلك الأخبار لأجل المحافظة عن نظر الأجانب ، كما يستشعر ذلك من قوله عليه‌السلام في موثّقة سماعة : «تغسّله امرأة ذات محرم وتصبّ النساء عليه الماء

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٤ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٠٧.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٦٠ ، الهامش (٤).

(٣) في ص ٨٧ ـ ٨٨.

(٤) في ص ٦٢.

(٥) آنفا.

٨٩

ولا تخلع ثوبه» (١).

ويحتمل أيضا إرادة الاستحباب من أغلب تلك الأخبار بل جميعا ، كما يؤيّده اقتران ذوات المحرم في بعض تلك الأخبار مع الزوجة التي عرفت أنّ الأقوى أنّ غسلها من وراء الثياب ليس إلّا على وجه الاستحباب ، فعند قيام هذه الاحتمالات المؤيّدة بالشواهد الداخليّة والخارجيّة يشكل ارتكاب التأويل أو الطرح في الأخبار الدالّة على عدم الوجوب ، لأنّ حمل الأخبار ـ الظاهرة في الوجوب ـ على الاستحباب أو المحامل الأخر أهون من طرح هذه الروايات أو تأويلها ، فما في المدارك وغيره من عدم الوجوب هو الأقوى وإن كان الأوّل أحوط.

وأحوط منه ترك المرأة مسّ جسد من تغسّله من محارمها بأن تلفّ على يديها خرقة ، لحسنة عبد الله بن سنان أو صحيحته ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إذا مات الرجل مع النساء غسّلته امرأته ، فإن لم تكن امرأته معه غسّلته أولاهنّ به وتلفّ على يديها خرقة» (٢).

وهذه الرواية وإن كان ظاهرها الوجوب لكنّها لا تصلح لتقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان ، المنصرفة إلى الكيفيّة المتعارفة ، مع معارضتها برواية عمرو بن خالد ، المتقدّمة (٣) المصرّحة بجواز المسّ ، فيجب حملها على الاستحباب ، أو تأويلها بما لا ينافي غيرها.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٨٧ ، الهامش (٦).

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٤ / ١٤٣٦ ، الإستبصار ١ : ١٩٨ / ٦٩٦ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٦.

(٣) في ص ٨٧ ـ ٨٨.

٩٠

ولا يبعد أن يكون المراد بلفّ يديها في هذه الرواية المحافظة عن مسّ الفرج ، المنهيّ عنه في رواية (١) عمرو ، والله العالم.

ثانيهما : أنّه هل يختصّ ذلك ـ أي جواز تغسيل الرجل محارمه ـ بما (إذا لم تكن مسلمة) ولا زوج بناء على جواز تغسيله اختيارا (وكذا) تغسيل (المرأة) محارمها بما إذا لم يكن مسلم ولا زوجة ، أم يجوز مطلقا فيهما؟ فقد حكي (٢) عن المشهور : الأوّل ، وعن الحلّي والعلّامة في المنتهى وجماعة من متأخّري المتأخّرين : الثاني (٣).

والأوّل مع كونه أحوط لا يخلو عن قوّة ، لقول الباقر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة : «لا يغسّل الرجل المرأة إلّا أن لا توجد امرأة» (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام في رواية عبد الله بن سنان ، المتقدّمة (٥) : «فإن لم تكن امرأته معه غسّلته أولاهنّ به» فإنّ المراد ب «أولاهنّ» من كان محرما ، لأنّ الأجنبيّة لا تتولّى الغسل ، كما ستعرف.

وظاهره اشتراط جواز تغسيل المحارم بفقد الزوجة ، فيفهم منها بالالتزام تأخّر مرتبتها عن المماثل أيضا ، لمساواة المماثل في الرتبة مع الزوجة أو تقدّمه عليها ، مضافا إلى عدم القول بالفصل.

__________________

(١) انظر : ص ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٥.

(٣) الحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٦ ، وانظر : السرائر ١ : ١٦٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٣٧ ، وكشف اللثام ٢ : ٢١٩ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٦٥ ، وذخيرة المعاد : ٨١.

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٠ / ١٤٢١ ، الإستبصار ١ : ١٩٩ / ٧٠٢ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١٠.

(٥) في ص ٩٠.

٩١

ويؤيّده ما يستشمّ من جلّ الأخبار بل كلّها سؤالا وجوابا من اختصاص الجواز بمواقع الضرورة.

واستدلّ للحلّي ومن تبعه : بالأصل والاستصحاب والعمومات.

وخصوص صحيحة منصور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسّلها؟ قال : «نعم ، وامّه وأخته ونحو هما يلقي على عورتها خرقة» (١) فإنّ ظاهرها الجواز مطلقا ، كما عرفته في الزوجة.

وفيه : أمّا الأصل والاستصحاب والعمومات فلا يلتفت إليها في مقابل ما عرفت.

وأمّا الصحيحة : فمقتضى الجمع بينها وبين غيرها : حملها على إرادة الحكم في موقع الضرورة ، كما يشعر بذلك فرض السائل كونه في السفر ، ولا ينافيه إطلاق الجواز بالنسبة إلى الزوجة بعد استفادته من دليل آخر ، كما عرفته في محلّه.

لكن ربما يتوهّم أنّ تنزيل هذه الصحيحة على إرادة الحكم في خصوص مورد الضرورة بعيد ، إذ كثيرا مّا يوجد المماثل في السفر أيضا ، فلو كان التقييد شرطا ، لكان التنبيه عليه لازما في مثل المقام.

ويدفعه : أنّ مجرّد وجود المماثل خصوصا المرأة لا يجدي غالبا في رفع الاضطرار ، فإنّ من يوجد في السفر من المماثل قلّما يقدم على تغسيل ميّت الأجانب ، كما لا يخفى على من شاهد مواردها الخارجيّة.

واحتمال سقوط التكليف عن غير المماثل في مثل الفرض على تقدير

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٦٠ ، الهامش (٤).

٩٢

اشتراط الضرورة ، لعدم توجّه الخطاب حينئذ إلّا إلى المماثل العاصي بامتناعه في غاية السقوط بعد العلم بكون الغسل واجبا كفائيّا ، وأنّ الشارع لا يرضى بتركه مهما أمكن ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ الضرورة العرفيّة تتحقّق غالبا في الأسفار ونحوها ، ولا نلتزم باعتبار أزيد من هذا المقدار من الضرورة في إباحة تغسيل المحارم ، فلا بعد في تنزيل الصحيحة عليها ولو من دون معارض فضلا عمّا عرفت لها من المعارضات ، فالأقوى هو القول المشهور ، والله العالم.

ولو تجدّدت القدرة بوجود المماثل الغير الممتنع من الفعل بعد حصول الغسل من غير المماثل ، لا تجب إعادته جزما ، لكونه أولى بعدم الإعادة من وجوه من تغسيل الكافر الذي عرفت أنّ الأقوى في النظر ـ على ما تقتضيه القواعد ـ حصول الإجزاء بفعله ، وعدم وجوب الإعادة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، ولذا لم ينقل الخلاف فيه من أحد في هذه المسألة ، والله العالم.

(ولا يغسّل الرجل من ليست بمحرم له) ولا المرأة من ليس بمحرم لها على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا كما في الجواهر (١). وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا (٢). وعن الخلاف إلى الأخبار المرويّة عنهم عليهم‌السلام ، والإجماع ، مع نسبته ما دلّ على خلاف ذلك من الأخبار إلى الشذوذ (٣).

وعن المعتبر : ولا يغسّل الرجل أجنبيّة ولا المرأة أجنبيّا ، وهو إجماع أهل العلم (٤). انتهى.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤ : ٦٧.

(٢) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٧ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٦٠ ، المسألة ١٢٩.

(٣) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٧ ، وانظر : الخلاف ١ : ٦٩٨ ، المسألة ٤٨٥.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٧ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٢٣.

٩٣

ويدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء ، قال : «تدفن كما هي بثيابها» وعن الرجل يموت وليس معه إلّا النساء وليس معهنّ رجال ، قال : «يدفن كما هو بثيابه» (١).

ونحوها في الاشتمال على حكمي الرجل والمرأة : صحيحة الكناني ، وروايتا داود بن سرحان وزيد الشحّام ، المتقدّمات (٢).

وصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهنّ رجل كيف يصنعن به؟ قال : «يلففنه لفّا في ثيابه ويدفنه ولا يغسّلنه» (٣).

خلافا للمحكيّ عن الشيخين والحلبي في الكافي وابن زهرة في الغنية ـ إلّا أنّ الأخير جعله أحوط ، وزاد ـ كالحلبي ـ اعتبار تغميض العينين (٤) ـ وتبعهم في المفاتيح على ما حكي (٥) عنه ، فأوجبوا تغسيلها من وراء الثياب ، لقوله عليه‌السلام في رواية أبي حمزة : «لا يغسّل الرجل المرأة إلّا أن لا توجد امرأة» (٦) فإنّ ظاهره الجواز عند الضرورة مطلقا.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٠ ، التهذيب ١ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ / ١٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ / ٧٠٦ ، وفي الأخيرين بتفاوت يسير ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٢) في ص ٦١ ـ ٦٢.

(٣) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٢٩ ، التهذيب ١ : ٤٤١ / ١٤٢٤ ، الإستبصار ١ : ٢٠١ / ٧٠٧ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ ٢٨٦ ، وانظر : جواهر الكلام ٤ : ٦٨.

(٥) الحاكي هو الشيخ الأنصاري قدس‌سره في كتاب الطهارة : ٢٨٦ ، وانظر : مفاتيح الشرائع ٢ : ١٦٣.

(٦) التهذيب ١ : ٤٤٠ / ١٤٢١ ، الإستبصار ١ : ١٩٩ / ٧٠٢ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١٠.

٩٤

ورواية عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب ، ويستحبّ أن يلفّ على يديه خرقة» (١).

ورواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل مات ومعه نسوة ليس معهنّ رجل ، قال : «يصببن عليه الماء من خلف الثوب ويلففنه في أثوابه من تحت الستر ويصلّين عليه صفّا» والمرأة تموت مع الرجال ليس فيهم امرأة ، قال : «يصبّون الماء من خلف الثوب ويلفّونها في أكفانها ويصلّون ويدفنون» (٢).

ورواية أبي بصير (٣) قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم لها ذو محرم يصبّون عليها الماء صبّا» ورجل مات مع نسوة ليس فيهنّ له محرم ، فقال أبو حنيفة : يصببن الماء عليه صبّا ، فقال الصادق عليه‌السلام : «بل يحلّ لهنّ أن يمسسن منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرن إليه وهو حيّ ، فإذا بلغن الموضع الذي لا يحلّ لهنّ النظر إليه ولا مسّه وهو حيّ صببن عليه الماء صبّا» (٤).

ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام قال : «إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهنّ امرأته ولا ذو محرم من نسائه يؤزرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صبّا ، ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهنّ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٤ / ١٤٣٤ ، الإستبصار ١ : ٢٠٤ / ٧١٩ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٢ / ١٤٢٧ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥.

(٣) في التهذيبين : «أبي سعيد» بدل «أبي بصير».

(٤) التهذيب ١ : ٣٤٢ / ١٠٠١ ، الإستبصار ١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ / ٧٢١ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١٠.

٩٥

ويطهرنه» (١) الحديث.

وفيه ـ بعد الغضّ عمّا في هذه الروايات من ضعف السند ، وقصور بعضها من حيث الدلالة كالأوليين ، لإهمال أولاهما ، وصلاحية ثانيتهما لإرادة المحارم من بعض الرجال ، كما يشعر بذلك قوله عليه‌السلام : «ويستحبّ أن يلفّ على يديه خرقة» (٢) ويؤيّده ما سمعه ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام ـ فيما سمعته في الفرع السابق ـ في عكس المسألة ـ : «فإن لم تكن امرأته معه غسّلته أولاهنّ به وتلفّ على يديها خرقة» (٣) ـ أنّ هذه الروايات بأسرها قابلة للحمل على الاستحباب فلتحمل عليه ـ كما عن الاستبصار وزيادات التهذيب (٤) ـ بقرينة الأخبار المتقدّمة الصريحة في عدم الوجوب ولو من فوق الثياب ، كما لا يخفى على من تأمّل فيها.

وربما يتوهّم عدم إمكان الجمع بينها ، لاشتمال جلّ الأخبار المتقدّمة على النهي عن التغسيل والأمر بالدفن بلا غسل ، وهو ينافي الاستحباب.

ويدفعه : كون النهي في مقام توهّم الوجوب ، والأمر بالدفن في مقام توهّم الحظر ، فلا يفهم منهما أزيد من الرخصة ، لكن مع ذلك لا ينبغي الارتياب في أنّ الترك أحوط ، إذ لا شبهة في جواز الترك بمقتضى الأخبار المتقدّمة المشهورة المعمول بها ، التي لا ريب في جواز الأخذ بها ، وأمّا الفعل فقلّما ينفكّ عن بعض المحاذير التي يشكل الالتزام بجوازها إلّا بدليل قويّ ، والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ / ١٤٢٦ ، الإستبصار ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٧١١ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٥ ، الهامش (١).

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٠ ، الهامش (٢).

(٤) الحاكي عنهما هو الشيخ الأنصاري قدس‌سره في كتاب الطهارة : ٢٨٦ ، وانظر : الاستبصار ١ : ٢٠٢ و ٢٠٥ ، والتهذيب ١ : ٤٤٢.

٩٦

ثمّ إنّ في المقام أخبارا أخر مرميّة بالشذوذ لم ينقل عن أحد من الأصحاب العمل بمضمونها :

منها : ما دلّ على وجوب تيمّم الميّت ، كما عن أبي حنيفة (١) ، وهو رواية زيد بن عليّ ، المتقدّمة (٢) في مبحث تغسيل الكافر.

وعن التذكرة وظاهر الخلاف الاتّفاق على نفيه (٣).

ومنها : ما دلّ على وجوب تغسيل مواضع التيمّم حتى باطن الكفّين ، كرواية مفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال : «يغسّل منها ما أوجب الله عليه التيمّم ولا تمسّ ولا يكشف لها شي‌ء من محاسنها التي أمر الله بسترها» قلت : فكيف يصنع بها؟ قال : «يغسّل بطن كفّيها ثمّ يغسّل وجهها ثمّ يغسّل ظهر كفّيها» (٤).

ومنها : ما دلّ على أنّه يغسّل منها مواضع الوضوء ، كرواية أبي بصير قال :سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم ، فقال : «يغسّل منها موضع الوضوء ويصلّى عليها وتدفن» (٥).

__________________

(١) تحفة الفقهاء ١ : ٢٤٢ ، النتف ١ : ١١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٢ : ٤٠٥ ، المجموع ٥ : ١٥١.

(٢) في ص ٨٠.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٦٩ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٦٠ ، المسألة ١٢٩ ، والخلاف ١ : ٦٩٨ ، المسألة ٤٨٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ / ١٤٢٩ ، الإستبصار ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٧١٤ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٤٣ / ١٤٣٠ ، الإستبصار ١ : ٢٠٣ / ٧١٥ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٦.

٩٧

ومنها : أنّه يغسل كفّاها ، كرواية جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم ، قال : «تغسل كفّيها» (١).

وهذه الأخبار بأسرها ممّا لا يمكن الأخذ بظاهرها ولو مع قطع النظر عن شذوذها وإعراض الأصحاب عنها ، لمعارضة بعضها مع بعض والكلّ مع الأخبار المتقدّمة ولو في الجملة ، لكن لا بأس بحملها على الاستحباب ـ كما في الوسائل (٢) ـ ولو من باب المسامحة لكن مع تقييدها بما إذا لم يستلزم نظرا أو لمسا وإن كان الأحوط ترك هذه الأشياء أيضا كالغسل من فوق الثياب ودفنه كما هو بثيابه (إلّا) أن تكون صبيّة (ولها دون ثلاث سنين) أو ثلاث ولم تتعدّاها ، فيغسّلها الرجل حينئذ وإن كان أجنبيّا (وكذا المرأة) الأجنبيّة تغسّل الصبي الذي لم يتجاوز الثلاث بلا إشكال ولا خلاف يعتدّ به فيهما على الظاهر ، بل عن النهاية والتذكرة نسبة الحكمين إلى جميع علمائنا (٣) ، للأصل ، وعمومات وجوب الغسل ، السليمة عمّا يصلح لتخصيصها ، ضرورة قصور الأخبار المانعة عن شمول مثل الفرض ولا أقلّ من انصرافها عنه ، وظهورها في إرادة المنع من تغسيل من يحرم النظر إليه دون الصبي والصبيّة خصوصا غير المميّز منهما ، كما هو الغالب في مورد الفرض.

فما عن المصنّف في المعتبر ـ من المنع من تغسيل الرجل الصبيّة الأجنبيّة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٣ / ١٤٣١ ، الإستبصار ١ : ٢٠٣ / ٧١٦ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٨.

(٢) الوسائل ، ذيل الحديث ١٠ من الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت.

(٣) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٧٠ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ :٢٨٥ ، وانظر : نهاية الإحكام ٢ : ٢٣١ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٦٧ و ٣٦٨ ، المسألتان ١٣٤ و ١٣٥.

٩٨

مطلقا ، لأصالة حرمة النظر خرج منها تغسيل المرأة للصبي ، لترخيص الشارع اطّلاعهنّ عليه ، لافتقاره إليهنّ (١) ـ ضعيف ، لأنّه إن أراد حرمة النظر إلى العورة ، فبعد التسليم ولو بالنسبة إلى غير المميّز أنّ مقتضاها ليس إلّا صيرورتها كالمحارم ، فيلقي على عورتها خرقة ويغسّلها. وإن أراد حرمة النظر إلى الصبيّة مطلقا ولو إلى ما عدا العورة من غير مميّزها ، ففيه ما لا يخفى من مخالفته للسيرة القطعيّة ، مضافا إلى دعوى عدم الخلاف في جواز النظر ، ودلالة النصّ الصحيح عليه ما لم تبلغ.

والأولى له الاستدلال في تفصيله بين الصبي والصبيّة : بموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الصبي تغسّله امرأة ، فقال : «إنّما تغسّل الصبيان النساء» وعن الصبيّة تموت فلا تصاب امرأة تغسّلها ، قال : «يغسّلها رجل أولى الناس بها» (٢) بناء على إفادة ما لا يعمّ غير المحارم من «الأولى» فيفهم منه المنع لغيرها.

لكن يتوجّه عليه أيضا قصورها عن إثبات الحرمة خصوصا في صورة فقد الوليّ ، ويكفي نكتة لتعيين الأولى وتخصيصه بالذكر استحباب مباشرته للفعل بنفسه وكونه وليّ الأمر ، وحيث إنّ تغسيل الرجل للصبيّة خلاف المتعارف لا يقدم عليه أحد بلا داع قويّ ، بخلاف صورة العكس خصّ الوليّ بالذكر وعيّنه للفعل مع استحباب إقدامه عليه مباشرة ، فلا يفهم من مثل هذه الرواية بطلان غسل الغير إذا كان بأمر الوليّ ، فلا ينبغي الارتياب في أصل الحكم في الجملة خصوصا

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٧٠ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٢٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٥ / ١٤٣٨ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

٩٩

بعد استفاضة نقل الإجماع عليه في كلا الفرعين ، وإنّما الإشكال في تحديد الجواز بثلاث سنين فيهما ، كما هو المشهور.

أمّا بالنسبة إلى الصبي : فيستفاد ذلك من رواية أبي النمير مولى الحارث بن المغيرة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حدّثني عن الصبي إلى كم تغسّله النساء؟ فقال : «إلى ثلاث سنين» (١).

وضعفه ـ لو كان ـ منجبر بما عرفت.

وأمّا بالنسبة إلى الصبيّة : فلم يتّضح لنا مستندهم.

اللهمّ إلّا أن يدّعى أولويّتها بالمنع من الصبي بنظر العرف ، فيفهم حدّها من هذه الرواية بالأولويّة ، ولذا حدّدها المشهور (٢) أيضا بالثلاث ، فليتأمّل.

وعن المقنعة والمراسم جواز تغسيل الصبي مجرّدا إن كان ابن خمس سنين ، وإن كان أكثر ، غسّلته من فوق الثياب (٣).

والظاهر أنّ ما فيهما من الغسل من فوق الثياب مبنيّ على جوازه من الأجنبيّ ، فالتحديد حينئذ إنّما هو بالخمس.

ويدلّ على ذلك في الصبيّة : ما رواه الصدوق عن محمد بن الحسن في جامعه : في الجارية تموت مع الرجال في السفر ، قال : «إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ستّ دفنت ولم تغسّل ، وإن كانت بنت أقلّ من خمس سنين

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٠ (باب حدّ الصبي ..) الحديث ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣١ ، التهذيب ١ : ٣٤١ / ٩٩٨ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٢) في «ض ٧ ، ٨» زيادة : «فيها».

(٣) حكاه عنهما الشهيد في الذكرى ١ : ٣٠٧ ، وصاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، وانظر : المقنعة : ٨٧ ، والمراسم : ٥٠.

١٠٠