مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

به وظيفة الاستحباب حيث إنّ الشهادة بإمامتهم وكونهم خلفاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة إجماليّة بأنّ محمّدا رسول الله ، كما أنّ هذه أيضا شهادة إجماليّة بأنّه لا إله إلّا الله ، فإنّ التوحيد من أظهر أنبائه وأعظمها ، فيحصل بالاعتراف بإمامة الأئمّة ما هو الغرض الأصلي المقصود بالتلقين من عدم خروجه من الدنيا بلا إيمان.

وبما أشرنا إليه يتوجّه قول الباقر والصادق عليهما‌السلام في خبري ابني مسلم والبختري : «إنّكم تلقّنون أمواتكم عند الموت : لا إله إلّا الله ، ونحن نلقّن موتانا :محمّد رسول الله» (١).

وقد قيل في توجيهه مالا يخفى فيه.

والأوجه ما أشرنا إليه من أنّ الشهادة بأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة إجماليّة بأنّه لا إله إلّا الله ، فيجوز الاجتزاء بها عنها ، وهذا بخلاف ما يلقّنه الناس ، فإنّه لا يجديهم ما لم يضمّ إليه الشهادة بالرسالة.

وكيف كان فيدلّ على استحباب تلقين الشهادتين جملة من الأخبار :

منها : رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا حضرت الميّت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» (٢).

ورواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما من أحد يحضره الموت إلّا وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتى يخرج

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٢١ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٨٦ / ٨٣٦ ، الوسائل الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٢١

نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يموتوا» (١).

وفيه دلالة على استحباب التكرار إلى أن يموت.

ورواية إسحاق بن عمّار عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله ، فإنّ من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» (٢).

ورواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله فإنّها تهدم الذنوب» (٣) الحديث.

ويدلّ على استحباب تلقينه الولاية أيضا جملة من الأخبار :

منها : ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : «لو أدركت عكرمة عند موته لنفعته» فقيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : بما ذا كان ينفعه؟ قال : «يلقّنه ما أنتم عليه» (٤).

ورواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كنّا عنده فقيل له : هذا عكرمة في الموت وكان يرى رأي الخوارج ، فقال لنا أبو جعفر عليه‌السلام : «انظروني حتى أرجع إليكم» فقلنا : نعم ، فما لبث أن رجع ، فقال : «أما إنّي لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها ، لعلّمته كلمات ينتفع بها ولكنّي أدركته وقد وقعت موقعها»

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٣ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

(٢) ثواب الأعمال : ٢٣٢ (باب ثواب تلقين الميّت) الحديث ١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٤ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٩.

(٣) ثواب الأعمال : ١٦ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ١٢٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٨ / ٨٣٩ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٢٢

فقلت : جعلت فداك وما ذاك الكلام؟ قال : «هو والله ما أنتم عليه ، فلقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلّا الله والولاية» (١).

ورواية أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «والله لو أنّ عابد وثن وصف ما تصفون عند خروج نفسه ما طمعت النار من جسده شيئا» (٢).

وعن الكافي بعد ذكر رواية أبي خديجة قال : وفي رواية أخرى «فلقّنه كلمات الفرج والشهادتين ، وتسمّي له الإقرار بالأئمّة واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام» (٣).

(و) يستحبّ أيضا تلقينه (كلمات الفرج).

ويدل عليه ـ مضافا إلى المرسلة المتقدّمة (٤) ـ أخبار مستفيضة.

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أدركت الرجل عند النزع فلقّنه كلمات الفرج : لا إله إلّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلّا الله العليّ العظيم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين» (٥).

ورواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل : لا إله إلّا الله العليّ العظيم ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٣ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ٨٣٨ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٤ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٣ ـ ١٢٤ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

(٤) آنفا.

(٥) الكافي ٣ : ١٢٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٨ / ٨٣٩ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٢٣

لا إله إلّا الله الحليم الكريم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع (١) وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين ، فقالها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله الذي استنقذه من النار» (٢).

وفي كشف اللثام بعد نقل الرواية قال : وزيد في الفقيه : «وما تحتهنّ» قبل «ربّ العرش العظيم» و «سلام على المرسلين» بعده (٣).

وفي الحدائق رواها عن الفقيه مرسلا إلى الصادق عليه‌السلام بزيادة : «وسلام على المرسلين» ثمّ قال : قال الصدوق : وهذه هي كلمات الفرج (٤).

ورواية عبد الله بن ميمون القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال له : قل : لا إله إلّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلّا الله العليّ العظيم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما بينهما وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين ، فإذا قالها المريض قال : اذهب فليس عليك بأس» (٥).

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق عليه‌السلام : «ما يخرج مؤمن من الدنيا إلّا برضا منه ، وذلك أنّ الله يكشف له الغطاء حتى ينظر إلى مكانه من الجنّة وما أعدّ الله له فيها وتنصب له الدنيا كأحسن ما كانت ، ثمّ يخيّر ، فيختار ما عند الله ويقول :

__________________

(١) في الكافي زيادة : «وما بينهنّ». وفي الوسائل : «وما بينهنّ وما تحتهنّ» وفي هامش الطبعة الحجريّة : «وما فيهنّ وما بينهنّ. نسخة».

(٢) الكافي ٣ : ١٢٤ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢.

(٣) كشف اللثام ٢ : ١٩٥ ، وانظر : الفقيه ١ : ٧٧ / ٣٤٦.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ : ٣٦٣ ، وانظر : الفقيه ١ : ٧٧ ـ ٧٨ ، ذيل الحديث ٣٤٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٢٤ / ٧ ، التهذيب ١ : ٢٨٨ / ٨٤٠ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

٢٤

ما أصنع بالدنيا وبلائها ، فلقّنوا موتاكم كلمات الفرج» (١).

ثمّ إنّ ما في الروايات من اختلاف الترتيب واشتمال بعضها على بعض الزيادات واختلاف بعض ألفاظها على ما في بعض النسخ غير ضائر ، فإنّ الأظهر جواز العمل بجميع الروايات ، لعدم التنافي بينها ، فإنّ من الجائز أن يكون نفس الكلمات بنفسها كلمات الفرج بحيث لا يضرّها تقديم بعض الفقرات على بعض ، كما أنّ من الجائز أن لا يكون ما في بعضها من الزيادات أو اختلاف الألفاظ من المقوّمات ، والله العالم.

ويستحبّ أيضا تلقينه الدعاء بالمأثور.

ففي رواية أبي سلمة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «حضر رجلا الموت فقيل : يا رسول الله إنّ فلانا قد حضره الموت ، فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه ناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه ، قال : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ملك الموت كفّ عن الرجل حتى أسأله ، فأفاق الرجل ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما رأيت؟ قال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا ، قال : فأيّهما كان أقرب إليك؟ فقال : السواد ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل : اللهمّ اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل منّي اليسير من طاعتك ، فقال ، ثمّ أغمي عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ملك الموت خفّف عنه حتى أسأله ، فأفاق الرجل ، فقال :رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا ، قال : فأيّهما أقرب إليك؟ فقال : البياض ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غفر الله لصاحبكم» قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا حضرتم ميّتا فقولوا له هذا الكلام ليقوله» (٢).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨٠ / ٣٥٨ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٢٥

وفي المرسل عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة فدخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : قل : لا إله إلّا الله ، فلم يقدر عليه ، فأعاد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل أمّ؟ قالت : نعم ، أنا أمّه ، فقال لها : أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت : [لا] (١) بل ساخطة ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنّي أحبّ أن ترضي عنه ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله ، فقال له : قل : لا إله إلّا الله ، فقال : لا إله إلّا الله ، فقال [له] (٢) : قل : يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير إنّك أنت العفوّ الغفور ، فقالها ، فقال له : ماذا ترى؟ فقال : أرى أسودين قد دخلا عليّ ، فقال : أعدها ، فأعادها ، فقال : ما ترى؟ فقال : قد تباعدا عنّي ودخل أبيضان وخرج الأسودان ، فما أراهما ودنا الأبيضان منّي الآن يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته» (٣).

وعن حريز بن عبد الله عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا دخلت على مريض وهو في النزع الشديد فقل له : ادع بهذا الدعاء يخفّف الله عنك : أعوذ بالله العظيم ربّ العرش الكريم من كلّ عرق نفار ومن شرّ حرّ النار ، سبع مرّات ، ثمّ لقّنه كلمات الفرج ، ثمّ حوّل وجهه إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه ، فإنّه يخفّف عنه ويسهل أمره بإذن الله» (٤).

(و) أولى من تحويل وجهه كما في هذه الرواية (نقله إلى مصلّاه) الذي كان يصلّي فيه غالبا ، كما يدلّ عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

(٤) طبّ الأئمّة : ١١٨ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٧.

٢٦

«إذا عسر على الميّت نزعه وموته قرّب إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه» (١).

ورواية ذريح قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : إنّ أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مستقيما ، فنزع ثلاثة أيّام فغسّله أهله ثمّ حمل إلى مصلّاه فمات فيه» (٢).

ورواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال : «إنّ أبا سعيد الخدري قد رزقه الله هذا الرأي وأنّه اشتدّ نزعه ، فقال : احملوني إلى مصلّاي ، فحملوه فلم يلبث أن هلك» (٣).

ورواية حريز قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل : إنّ أخي منذ ثلاثة أيّام في النزع وقد اشتدّ عليه الأمر ، فادع له ، فقال : «اللهمّ سهّل عليه سكرات الموت» ثمّ أمره ، وقال : حوّلوا فراشه إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه فإنّه يخفّف عليه إن كان في أجله تأخير ، وإن كانت منيّته قد حضرت فإنّه يسهّل عليه إن شاء الله» (٤).

وعن كاشف اللثام وغيره تعميم مصلّاه بحيث يعمّ ما يصلّي عليه (٥).

ويمكن الاستدلال عليه : بمضمرة زرارة : «إذا اشتدّ عليه النزع فضعه في

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٥ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٦ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٥ / ١ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٦ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٤.

(٤) طب الأئمّة : ٧٩ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٦.

(٥) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٨ ، وانظر : كشف اللثام ٢ : ١٩٥ ، والوسيلة : ٦٢ ، والجامع للشرائع : ٤٩.

٢٧

مصلّاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه» (١) بناء على كون الترديد من الإمام عليه‌السلام كما يقتضيه الأصل.

ثمّ إنّ مفاد الأخبار المتقدّمة بأسرها إنّما هو استحباب نقله إلى مصلّاه إذا اشتدّ عليه النزع لا مطلقا ، كما عن جملة من الأصحاب التصريح بذلك ، فما في المتن وغيره من الإطلاق لا يخلو عن نظر ، بل الأولى في غير الصورة المفروضة المنصوصة إبقاؤه على حاله وعدم التعرّض له بمسّه قبل خروج روحه فضلا عن نقله من مكانه ، كما يدلّ عليه ما رواه زرارة قال : لمّا ثقل ابن لجعفر عليه‌السلام وأبو جعفر عليه‌السلام جالس في ناحية فكان إذا دنى منه إنسان قال : «لا تمسّه فإنّه إنّما يزداد ضعفا ، وأضعف ما يكون في هذه الحال ، ومن مسّه على هذه الحال أعان عليه» فلمّا قضى الغلام أمر به فغمّض عيناه وشدّ لحياه» (٢) الحديث.

(و) يستحبّ أن (يكون عنده) بعد موته (مصباح) في الليل وإن مات في اليوم ولم يجهّز إلى الليل ، لكن ظاهر المتن وغيره ممّن عبّر كعبارته : استحباب ذلك (إن مات ليلا) لا مطلقا إلّا أنّه يحتمل أن يكون القيد في كلامهم جاريا مجرى الغالب ، أو يكون مرادهم بيان استحبابه حين حدوث موته إن كان في الليل من دون تعرّض لحكم بقائه ، كما يؤيّد ذلك ذكره في أحكام المحتضر ، ويشعر بعموم الحكم لديهم تنصيص بعضهم على بقاء المصباح عنده إلى الصباح ، فإنّه يشعر بكون المقصود عدم بقاء الميّت في بيت مظلم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٦ / ٣ ، التذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤١ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٢٨

وكيف كان فاستحباب وضع السراج عنده في الجملة هو المشهور نقلا وتحصيلا ، كما في الجواهر (١) ، بل عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب (٢) مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

وكفى بذلك دليلا لإثبات الاستحباب مسامحة ، مضافا إلى كونه في العرف والعادة تعظيما واحتراما للميّت ، وهو ممّا لا شبهة في رجحانه شرعا.

وربما يستدلّ له برواية سهل بن زياد عن عثمان بن عيسى عن عدّة من أصحابنا قال : لمّا قبض أبو جعفر عليه‌السلام أمر أبو عبد الله عليه‌السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام ثمّ أمر أبو الحسن عليه‌السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام حتى أخرج به إلى العراق ثمّ لا أدري بما كان (٣) ، فإنّه يفهم منه استحباب وضع السراج عنده في الليل الذي قبض فيه بالفحوى أو التضمّن.

وفيه ـ بعد الغضّ عن عدم اقتضائه ثبوت الحكم فيما لو مات فيما عدا البيت الذي كان يسكنه ـ أنّه إنّما يتّجه الاستدلال بالرواية لو استفدنا منها استحباب وضع السراج في بيت كلّ أحد بعد موته كما وضعه أبو جعفر وكذا أبو الحسن لأبيه عليهم‌السلام ، لكنّه في حيّز المنع ، لجواز اختصاص الاستحباب بوضع السراج في بيت مثل أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام لا مطلقا ، لا لدعوى كون الحكم من الخواصّ حتى ينفيه أصالة الاشتراك ، بل لأنّ وجه العمل بحسب الظاهر هو تعظيم من عظّمه الله وأحبّ أن يبقى اسمه ولا ينمحي رسمه ، فيختصّ رجحانه

__________________

(١) جواهر الكلام ، ٤ : ٢٠.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٠ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٥١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٣ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٢٩

شرعا بمن كان حقيقا لهذا النحو من التعظيم لا بالنسبة إلى سائر الناس ممّن لا يستحقّ هذا النحو من التعظيم لا عرفا ولا شرعا ، بل ربما يعدّ في نظر أصل العرف وضع السراج في بيت أغلب الأشخاص الذين لا يعدّون لديهم من العظماء الذين يستحسن لهم هذا النحو من الاحترام سفها وسرفا محضا.

وكيف كان فلا يمكن استفادة استحباب وضع السراج في بيت الميّت مطلقا فضلا عمّا نحن فيه من مثل هذا الفعل ، فإن كان ولا بدّ من التأسّي بالأئمّة عليهم‌السلام فليتأسّ بهم في فعلهم بالنسبة إلى سائر من مات في بيتهم ، مع أنّه لم يعهد عنهم وضع السراج في بيت سائر موتاهم ، فيفهم من ذلك اختصاص رجحانه في حقّ من كان بقاء رسمه محبوبا عند الله تعالى ، ولا يبعد أن يكون نوّابهم الكرام ـ أعني علماءنا الأعلام رضوان الله عليهم ـ منهم ، والله العالم.

(و) يستحبّ أيضا أن يكون عنده حال الاحتضار وكذا بعد الموت (من يقرأ القرآن) للتبرّك ، واستدفاع الكرب والعذاب.

قال في محكيّ الذكرى : ويستحبّ قراءة القرآن بعد خروج روحه كما يستحبّ قبله استدفاعا عنه (١). انتهى.

لكن لم يصل إلينا من الأخبار ما يدلّ على استحباب قراءة مطلق القرآن في شي‌ء من الموردين بعنوانهما المخصوص بهما.

نعم ، روي الأمر بقراءة القرآن في الجملة حال النزع.

ففي كشف اللثام بعد الحكم باستحباب قراءة القرآن عنده قبل الموت وبعده قال : روي أنّه يقرأ عند النازع آية الكرسي وآيتان بعدها ثمّ آية السخرة

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣٦٩ ، وانظر : الذكرى ١ : ٢٩٧.

٣٠

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) (١) إلى آخرها ، ثمّ ثلاث آيات من آخر البقرة (لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إلى آخرها ، ثمّ يقرأ سورة الأحزاب (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «من قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت أو قرئت عنده جاء رضوان خازن الجنّة بشربة من شراب الجنّة فسقاها إيّاه وهو على فراشه فيشرب فيموت ريّان ويبعث ريّان ، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «أيّما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكلّ حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلّون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلّون عليه ويشهدون دفنه» (٤).

وعن سليمان الجعفري قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لابنه القاسم : «قم يا بنيّ فاقرأ عند رأس أخيك «والصافّات صفّا» حتى تستتمّها ، فقرأ ، فلمّا بلغ (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) (٥) قضى الفتى ، فلمّا سجّي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال له : كنّا نعهد الميّت إذا نزل به الموت يقرأ عنده (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) فصرت تأمرنا ب «الصافّات صفّا» فقال : «يا بنيّ لم تقرأ عند مكروب من موت قطّ إلّا عجّل الله راحته» (٦) والأمر بالإتمام يتضمّن القراءة بعد الموت.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله «من دخل المقابر فقرأ «يس» خفّف عنهم يومئذ ، وكان له

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ٥٤.

(٢) الدعوات ـ للراوندي ـ ٢٥٢ / ٧٠٩.

(٣) المصباح ـ للكفعمي ـ : ٨ (الهامش).

(٤) المصباح ـ للكفعمي ـ : ٨ (الهامش).

(٥) سورة الصافّات ٣٧ : ١١.

(٦) الكافي ٣ : ١٢٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٨ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

٣١

بعدد من فيها حسنات» (١) (٢). انتهى.

أقول : لا يبعد استفادة استحباب مطلق القراءة في كلتا الحالتين من مثل هذه الأخبار ، مع أنّه يكفي في ذلك فتوى مثل الشهيد وغيره من كبراء الأصحاب خصوصا مع معلوميّة استحبابها مطلقا ، ورجحان التوسّل بها في الشدائد ، وشدّة.

مناسبتها في الحالتين ، ومعهوديّة القراءة عند الجنائز لدى المتشرّعة ، وغيرها من المؤيّدات والمناسبات المقتضية للاستحباب ، فلا ينبغي الاستشكال فيه بعد البناء على المسامحة ، والله العالم.

(وإذا مات ، غمّضت عيناه وأطبق فوه) والأولى بل الأحوط كونه بشدّ لحييه.

ففي رواية أبي كهمس قال : حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه‌السلام جالس عنده ، فلمّا حضره الموت شدّ لحييه وغمّضه وغطّى عليه الملحفة (٣).

ويدلّ عليهما أيضا رواية زرارة ، المتقدّمة (٤).

ويحتمل كون كلّ من إطباق فيه وشدّ لحييه مستحبّا مستقلّا ، كما هو ظاهر المحكيّ عن بعض حيث جمعوا بين الأمرين (٥) ، لكن يستغنى بشدّ لحييه عن إطباق فيه غالبا ، لحصوله به.

__________________

(١) عدّة الداعي : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) كشف اللثام ٢ : ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢ ، و ٣٠٩ / ٨٩٨ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

(٤) في ص ٢٨.

(٥) حكاه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣ عن سلّار في المراسم : ٤٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٢ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٩ ، والعلّامة الحلّي في المنتهى ١ : ٤٢٧.

٣٢

(ومدّت يداه) في الجواهر : بلا خلاف أجده في استحبابه ، بل نسبه جماعة إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه (١) انتهى.

ويؤيّده كما يؤيّد غيره من الآداب المذكورة في المقام : معروفيّته لدى المتشرّعة واستقرار سيرتهم عليه.

(وغطّي بثوب) كما في رواية أبي كهمس ، المتقدّمة (٢).

وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سجّي بحبرة (٣) (٤) ، وقد أمر الصادق عليه‌السلام بالتسجية تجاه القبلة في خبر سليمان بن خالد ، المتقدّم (٥).

(ويعجّل تجهيزه) في الجواهر : إجماعا محصّلا ومنقولا مستفيضا ، كالنصوص ، بل هي ظاهرة في الوجوب ، إلّا أنّها حملت على الاستحباب ، لما عرفت من الإجماع ، مع الطعن في أسانيدها ، فلا إشكال في الاستحباب (٦). انتهى.

أقول : بل يلوح من بعض أخبارها أيضا رائحة الاستحباب.

ففي رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر الناس لا ألفينّ (٧) رجلا مات له ميّت ليلا فانتظر به الصبح ، ولا رجلا مات له ميّت نهارا فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، عجّلوا بهم إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ٤ : ٢٣.

(٢) في ص ٣٢.

(٣) الحبرة : ثوب يصنع باليمن من قطعن أو كتان. مجمع البحرين ٣ : ٢٥٦ «حبر».

(٤) صحيح البخاري ٧ : ١٩٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٥١ / ٩٤٢ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩١ / ٣١٢٠ ، مسند أحمد ٦ : ١٥٣ و ٢٦٩.

(٥) في ص ١٧.

(٦) جواهر الكلام ٤ : ٢٣ ـ ٢٤.

(٧) أي : لا أجدنّ منكم أحدا كذلك. مجمع البحرين ١ : ٣٧٧ «لفا».

٣٣

مضاجعهم ، يرحمكم الله ، قال الناس : وأنت يا رسول الله يرحمك الله» (١).

ومرسلة الصدوق ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كرامة الميّت تعجيله» (٢).

ورواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا مات الميّت أوّل النهار فلا يقيل (٣) إلّا في قبره» (٤).

ورواية جابر ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت صلاة المكتوبة فبأيّهما أبدأ؟ فقال : «عجّل الميّت إلى قبره إلّا أن يخاف أن يفوت وقت الفريضة ، ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها» (٥).

ورواية عيص عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام ، قال : «إذا مات الميّت فخذ في جهازه وعجّله» (٦) الحديث.

(إلّا أن يكون حاله مشتبهة) بالموت وعدمه ، فلا يعجّل حينئذ ، بل يحرم ذلك قطعا ما لم يعلم موته (فيستبرأ) عند الاشتباه (بعلامات الموت) المفيدة للعلم.

وقد ذكورا للموت علائم كثيرة ، مثل : استرخاء رجليه ، وانفصال كفّيه ، و

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ / ١٣٥٩ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

(٢) الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٨ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٧.

(٣) القائلة : الظهيرة. القيلولة : نومة نصف النهار. لسان العرب ١١ : ٥٧٧ «قيل».

(٤) الكافي ٣ : ١٣٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٠ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٥.

(٥) التهذيب ، ٣ : ٣٢٠ / ٩٩٥ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٤٣٣ / ١٣٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٩٥ / ٦٨٤ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٦.

٣٤

ميل أنفه ، وامتداد جلده ووجهه ، وانخساف صدغيه ، وتقلّص أنثييه إلى فوق مع تدلّي جلده ، وغير ذلك من الأشياء المعروفة عند الأطبّاء ، إلّا أنّه لا يجوز الالتفات إلى شي‌ء منها ما لم يورث العلم بموته ، إذ لا يجوز الإقدام على دفن النفوس المحترمة ما لم يعلم موتها ضرورة ، فلا بدّ إمّا من استكشاف موته (١) بالأمور المعروفة عند العرف والأطبّاء بحيث لم يبق معها احتمال الحياة احتمالا عقلائيّا وإن كان بعيدا (أو يصبر عليه) إلى أن يتغيّر ريحه أو يمضي عليه (ثلاثة أيّام) فعند حصول أحد الأمرين ينتفي احتمال حياته عادة ، فإنّه لا يتغيّر ريحه بمقتضى العادة إلّا بعد موته ، وأمّا مضيّ الثلاثة فهو بنفسه سبب عادي لموت مثل هذا الشخص المشتبه الحال ، فلا يبقى عنده احتمال حياته بمقتضى العادة ، فإن بقي في النفس مع ذلك شي‌ء ، فهو من وساوس الصدور لا ينبغي الاعتناء به ، إلّا أن يكون احتمالا مسبّبا عن منشإ عقلائيّ ، كما لو أمكن عادة في خصوص مرضه بقاؤه أيّاما بهذه الكيفيّة ، أو احتمل كون نتن ريحه لقرحة في ظاهر بدنه أو باطنه مثلا ، فيجب الصبر عليه حينئذ إلى أن يعلم حاله ، لكنّ الفرض بحسب الظاهر ممّا يندر وقوعه ، بل لا يكاد يتحقّق في الخارج ، فإنّ الاشتباه يرتفع غالبا بالصبر عليه ثلاثة أيّام ، بل ربما يتبيّن أمره بمضيّ يومين.

وعليه ينزّل موثّقة عمّار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام قال : «الغريق يحبس حتى يتغيّر ويعلم أنّه قد مات ثمّ يغسّل ويكفّن» قال : وسئل عن المصعوق ، فقال : «إذا صعق حبس يومين ثمّ يغسّل ويكفّن» (٢).

__________________

(١) في «ض ٨» : «الموت».

(٢) الكافي ٣ : ٢١٠ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٤.

٣٥

وقد يتوهّم كون مضيّ ثلاثة أيّام طريقا تعبّديّا لإحراز الموت ، كما يشعر به ظاهر المتن وغيره ، لما رواه هشام بن الحكم عن أبي الحسن عليه‌السلام في المصعوق والغريق ، قال : «ينتظر به ثلاثة أيّام إلّا أن يتغيّر قبل ذلك» (١).

وفي خبر عليّ بن أبي حمزة ، قال : أصاب الناس بمكة سنة من السنين صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي إبراهيم عليه‌السلام ، فقال مبتدئا من غير أن أسأله : «ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربّص بهما ثلاثا لا يدفن إلّا أن يجي‌ء منه ريح تدلّ على موته» قلت : جعلت فداك ، كأنّك تخبرني أنّه قد دفن ناس كثير أحياء ، فقال : «نعم ، يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلّا في قبورهم» (٢).

ورواية إسحاق بن عمّار ، قال : سألته ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن الغريق أيغسّل؟ قال : «نعم ، ويستبرأ» قلت : وكيف يستبرأ؟ قال : «يترك ثلاثة أيّام قبل أن يدفن ، وكذلك أيضا صاحب الصاعقة فإنّه ربما ظنّوا أنّه مات ولم يمت» (٣).

ويدفعه ظهور الأخبار في كونها مسوقة لبيان وجوب الصبر عليه عند الاشتباه إلى ثلاثة أيّام حتى يرتفع الاشتباه على ما تقتضيه العادة ، فليست الأخبار إلّا جارية مجرى العادة ، وليس فيها إشعار أصلا بكون الثلاثة أيّام طريقا تعبّديّا محضا ، بل لا ينبغي الارتياب في عدم رضا الشارع بالإقدام على دفن النفوس

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٩ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٨ / ٩٩٢ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٠ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٨ / ٩٩٠ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

٣٦

المحترمة عند احتمال حياتها ، كما عليه يبتني الأمر بالصبر في جميع هذه الأخبار ، فلا ينبغي التشكيك في دوران جواز الدفن مدار العلم بالموت ، ولذا علّقه عليه في موثّقة عمّار ، المتقدّمة (١) ، فقال : «حتى يتغيّر ويعلم أنّه قد مات».

وأطلق الأمر بالانتظار في رواية عبد الخالق ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :«خمس ينتظر بهم إلّا أن يتغيّروا : الغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخّن» (٢).

(ويكره أن يطرح على بطنه حديد) كما عن المشهور (٣) بل عن الخلاف دعوى الإجماع على كراهة وضع الحديد على بطن الميّت مثل السيف (٤) ، وعن الشيخ في التهذيب أنّه سمعناه من الشيوخ مذاكرة (٥).

وكفى بذلك دليلا في مثل المقام بعد البناء على المسامحة.

ويؤيّده مخالفته للمنقول عن الشافعي من الاستحباب (٦) ، بل عن المقنعة نسبة طرح الحديد عليه إلى العامّة (٧).

__________________

(١) في ص ٣٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٠ / ٥ ، الخصال : ٣٠٠ / ٧٤ ، التهذيب ١ : ٣٣٧ / ٩٨٨ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢.

(٣) نسبه إليه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٢٥ ، المسألة ١٦٥ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ١٢٠ ، وكما في جواهر الكلام ٤ : ٢٧.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٧ ، وانظر : الخلاف ١ : ١٦٩ ، المسألة ٤٦٧.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٧ ، وانظر : التهذيب ١ : ٢٩٠.

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٩١ ، المسألة ٤٦٧ ، وانظر : الام ١ : ٢٧٤ و ٢٨٠ ، ومختصر المزني : ٣٥ ، والوجيز ١ : ٧٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٢ : ٣٩٤ ، والمجموع ٥ : ١٢٣.

(٧) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٧ ، وانظر : المقنعة : ٧٤.

٣٧

وعن بعض (١) الأصحاب إلحاق غير الحديد به في كراهة وضعه على بطن الميّت. ولم يظهر مستنده.

ثمّ إنّ ظاهر كلماتهم ومعقد إجماع الخلاف إنّما هو كراهته بعد الموت لا قبله حين الاحتضار ، والله العالم.

(و) يكره (أن يحضره جنب أو حائض) بلا خلاف فيه بين الأصحاب على ما في الحدائق (٢).

كما يدلّ عليه رواية عليّ بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض في حدّ الموت وهي حائض ، قال : «لا بأس أن تمرّضه ، فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنحّ عنه وعن قربه فإنّ الملائكة تتأذّى بذلك» (٣).

ورواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تحضر الحائض الميّت ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله» (٤).

وعن علل الصدوق مرفوعا إلى الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا تحضر الحائض والجنب عند التلقين لأنّ الملائكة تتأذّى بهما» (٥).

ثمّ إنّ ظاهر الروايات بقرينة التعليل الواقع فيها ـ كصريح الأصحاب فيما هو المشهور بينهم ـ إنّما هو كراهة حضور هما ، فما عن ظاهر الهداية والمقنع من

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٣٧١.

(٣) الكافي ٣ : ١٣٨ (باب الحائض تمرّض المريض) الحديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦١ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الاحتضار ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٢ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢.

(٥) علل الشرائع : ٢٩٨ (الباب ٢٣٦) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٣.

٣٨

الحرمة ـ لتعبيرهما بنفي الجواز (١) ـ ضعيف ، ولا يبعد إرادتهما بذلك شدّة الكراهة ، والله العالم.

ثمّ إنّ مفاد الأخبار ـ كظاهر الأصحاب ـ إنّما هو كراهة الحضور حين الاحتضار لا بعد الموت بناء على أن يكون المراد من التلقين هو تلقين الشهادتين وغير هما ممّا يستحبّ حال الاحتضار ، لا التلقين بعد الدفن ، كما يؤيّده رواية علي ابن أبي حمزة ، وكذا سبق ذكره على حكم الغسل في رواية يونس ، بل فيها ـ كما تراها ـ التصريح بنفي البأس عن أن يليا غسله.

لكن عن الفقه الرضوي ـ بعد نفي البأس عن أن يليا غسله ويصلّيا عليه ـ قال : «ولا ينزلا قبره» (٢).

وعن الخصال بسنده عن جابر الجعفي عن جعفر عن أبيه (٣) عليه‌السلام قال :«لا يجوز للمرأة الحائض والجنب الحضور عند تلقين الميّت لأنّ الملائكة تتأذّى بهما ، ولا يجوز لهما إدخال الميّت قبره» (٤).

إلّا أنّه صرّح في الحدائق والجواهر بعدم العامل بظاهر هذين الخبرين ، بل ظاهر كلام الأصحاب جواز إدخالهما قبره من دون كراهة (٥).

أقول : ومع ذلك لو قيل بالكراهة ، لهاتين الروايتين ، لكان أوفق بقاعدة التسامح ، والله العالم.

__________________

(١) الحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤١٠ ، وانظر : الهداية : ١٠٥ ، والمقنع : ٥٥.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٥.

(٣) في المصدر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٤) أورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣٧٠ ، وانظر : الخصال : ٥٨٥ ـ ٥٨٦ / ١٢.

(٥) الحدائق الناضرة ٣ : ٣٧٠ ، جواهر الكلام ٤ : ٢٩.

٣٩

(الثاني) من الأحكام الخمسة : (في التغسيل ، وهو فرض) بلا شبهة نصّا وإجماعا ، بل عدّه شيخنا المرتضى رحمه‌الله من ضروريّات الدين (١) ، لكنّه (على الكفاية) بلا خلاف بين أهل العلم ، كما عن المنتهى (٢).

(وكذا) سائر أحكامه الواجبة من (تكفينه ودفنه والصلاة عليه) بإجماع العلماء كما عن التذكرة (٣) ، ومذهب أهل العلم كافّة كما عن المعتبر (٤) ، وبلا خلاف كما عن الغنية (٥).

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله ـ بعد نقله الإجماعات المتقدّمة ـ : وهي الحجّة بعد ظهور جملة من الأخبار الواردة في جملة من أحكام الميّت ، دون ما يقال من أنّا نعلم أنّ مقصود الشارع وجود الفعل لا عن مباشر معيّن ، فإنّ ذلك لا يثبت إلّا سقوط الواجب بفعل أيّ مباشر كان ، وهذا لا يوجب الوجوب الكفائي على جميع المباشرين ، لأنّ غير الواجب قد يسقط به الواجب ، ولذا يسقط وجوب الاستقبال بالميّت بفعل صبيّ بل بهيمة أو ريح عاصف ، بل صرّح جماعة بجواز تغسيل الصبي المميّز للميّت ، وحينئذ فيحتمل أن تكون أمور الميّت واجبة على بعض ، مستحبّة على آخر ، ويسقط الواجب بفعلهم ، مع أنّها مصادرة في مقابل من يقول بوجوبها على الوليّ عينا ، فإن امتنع فعلى غيره كفاية ، كما اختاره في الحدائق (٦). انتهى.

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٧٥.

(٢) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣٠ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٧٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٢٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٤٥ ، المسألة ١١٦ ، والمعتبر ١ : ٢٦٤ ، والغنية : ١٠١.

(٣) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣٠ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٧٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٢٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٤٥ ، المسألة ١١٦ ، والمعتبر ١ : ٢٦٤ ، والغنية : ١٠١.

(٤) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣٠ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٧٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٢٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٤٥ ، المسألة ١١٦ ، والمعتبر ١ : ٢٦٤ ، والغنية : ١٠١.

(٥) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣٠ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٧٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٢٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٤٥ ، المسألة ١١٦ ، والمعتبر ١ : ٢٦٤ ، والغنية : ١٠١.

(٦) كتاب الطهارة : ٢٧٥ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٣ : ٣٥٩.

٤٠