مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

(و) من جملة السنن : (أن يسحق الكافور بيده) كما عن الشيخين وأتباعهما (١) ، ولم يظهر مستنده.

نعم ، في مرسلة يونس «ثمّ اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته ـ إلى أن قال ـ وفي وسط راحته» (٢) إلى آخره ، وهي بظاهرها غير منطبقة على ما هو ظاهر المدّعى ، والله العالم.

(و) منها : أن (يجعل ما يفضل) من الكافور (عن مساجده على صدره) كما عن المشهور (٣) ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه (٤) ، وعن ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه ، لكن زاد على المساجد : طرف الأنف (٥) ، كما تقدّم سابقا ، ولم نعثر على ما يدلّ عليه من الأخبار ، كما اعترف بذلك غير واحد.

نعم ، عن الفقه الرضوي أنّه قال : «فإذا فرغت من كفنه حنّطه بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور ، وتبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلّها به وتلقي ما بقي على صدره وفي وسط راحتيه» (٦).

وقد يتأمّل في انطباقه أيضا على المدّعى ، لكون ظاهرها (٧) أنّه يلقى على

__________________

(١) الحاكي عنهم هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١١٢ ، وانظر : المقنعة : ٧٨ ، والمبسوط ١ : ١٧٩ ، والمراسم : ٤٩ ، والمهذّب ـ لابن البرّاج ـ ١ : ٦١.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ / ٨٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٣) نسبه إلى المشهور صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٣٠٠.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٤ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠٤ ، المسألة ٤٩٦.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٣٩.

(٦) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٨.

(٧) أي : ظاهر العبارة. وفي «ض ٨» : «ظاهره».

٣٢١

صدره ما يفضل عن مساجده ومفاصله كلّها ، لا عن خصوص مساجده.

اللهمّ إلّا أن يقال : هذه الأمور من قبيل تعدّد المطلوب ، فيفهم استحباب وضع ما يفضل عن المساجد عند تركه المسح على المفاصل ، كما أن كلمات الأصحاب أيضا يمكن أن تنزّل على إرادتهم في هذه الصورة ، وإلّا ففي جملة من الأخبار (١) الأمر بمسح المفاصل كلّها بالحنوط ، كما تقدّم نقلها فيما سبق.

وربما يستدلّ للمدّعى بما في جملة من تلك الأخبار (٢) من الأمر بوضع شي‌ء من الكافور على صدره.

وفيه ما لا يخفى من كونه أجنبيّا عن المدّعى.

(و) منها : (أن يطوي جانب اللفّافة الأيسر على الأيمن) من الميّت (والأيمن) منها (على الأيسر) منه ، كما عن جملة من الأصحاب التصريح به (٣) ، بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة وعملهم عليه (٤) ، وكفى بذلك مستندا.

ومقصودهم على الظاهر أن يلفّ جانبي اللفّافة على النحو المذكور مرتّبا في مقابل ما لو عكس الترتيب ، أو جمعهما في الوسط ، أو لفّهما على أحد جانبي الميّت ، والله العالم.

ومن سنن هذا الباب : إجادة الأكفان.

__________________

(١) منها : ما في التهذيب ١ : ٤٣٦ / ١٤٠٣ ، والاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٠ ، والوسائل ، الباب ١٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٦.

(٢) منها : ما في الكافي ٣ : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٤ ، والتهذيب ١ : ٣٠٧ / ٨٩٠ ، والاستبصار ١ : ٢١٢ / ٧٤٦ ، والوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٥ عن الشيخ المفيد في المقنعة : ٧٨ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٧٩ ، والخلاف ١ : ٧٠٥ ، المسألة ٥٠٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٧.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٥ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠٥ ، المسألة ٥٠٠.

٣٢٢

ففي موثّقة يونس بن يعقوب ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ أبي أوصاني عند الموت : يا جعفر كفّنّي في ثوب كذا وكذا وثوب كذا وكذا ، واشتر لي بردا واحدا وعمامة وأجدهما ، فإنّ الموتى يتباهون بأكفانهم» (١).

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أجيدوا أكفان موتاكم ، فإنّها زينتهم» (٢).

وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تنوّقوا (٣) في الأكفان ، فإنّكم تبعثون بها» (٤).

ورواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أوصاني أبي عليه‌السلام بكفنه ، فقال لي : يا جعفر اشتر لي بردا وجوّده ، فإنّ الموتى يتباهون بأكفانهم» (٥).

وقد تقدّم (٦) في حديث يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام أنّه سمعه يقول : «كفّنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار».

(ويكره تكفينه في الكتّان) على المشهور ، بل عن ظاهر غير واحد دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له : برواية أبي خديجة عن الصادق عليه‌السلام : «الكتّان كان لبني

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٩ / ١٤٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٨ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٣) تنوّق في أموره : تجرّد وبالغ. لسان العرب ١٠ : ٣٦٤ «نوق».

(٤) الكافي ٣ : ١٤٩ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٥) علل الشرائع : ٣٠١ (الباب ٢٤١) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٧.

(٦) في ص ٢٨٣.

٣٢٣

إسرائيل يكفّنون به والقطن لامّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ومرسلة يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يكفّن الميّت في كتّان» (٢).

وعن الرضوي «ولا تكفّنه في كتّان ولا ثوب إبريسم» (٣).

وظاهر الأخيرين الحرمة ، لكنّهما قاصرتان عن إثباتها بعد إعراض الأصحاب عن ظاهر هما ، مع ما فيهما من ضعف السند.

فما عن ظاهر الصدوق ـ من القول بعدم الجواز (٤) ـ ضعيف ، والله العالم.

(و) كذا يكره (أن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام) على المشهور ، كما في الجواهر (٥) وغيره ، بل عن جماعة نسبته إلى الأصحاب (٦) ، لمرسلة محمّد بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : الرجل يكون له القميص أيكفّن فيه؟ فقال : «اقطع أزراره» قلت : وكمّه؟ قال : «لا ، إنّما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كمّا ، فأمّا إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلّا الأزرار» (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٩ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٢ ، الإستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٥ ، الإستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٥ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٨ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٩.

(٤) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٦٢ ، وصاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٦ ، وانظر : الفقيه ١ : ٨٩ ، ذيل الحديث ٤١٣.

(٥) جواهر الكلام ٤ : ٢٤٦.

(٦) الحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٦.

(٧) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٦ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

٣٢٤

وقد يتأمّل في دلالتها على الكراهة لو لا اعتضادها بفهم الأصحاب وكون المقام مقام المسامحة ، لإمكان أن يكون الغرض بيان عدم منافاة الكمّ للكفن ، وإنّما يجعل له الكمّ إذا قطع له وهو جديد ، لعدم الحاجة إليه ، لا لمرجوحيّته ذاتا.

فما عن المهذّب ـ من أنّه لا يجوز (١) ـ في غاية الضعف.

نعم ، يمكن أن يقال بحرمة الأزرار ووجوب قطعها ، كما هو ظاهر الرواية.

وفي صحيحة ابن بزيع ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام أن يأمر لي بقميص أعدّه لكفني ، فبعث به إليّ ، فقلت : كيف أصنع؟ فقال : «انزع أزراره» (٢).

وفي صحيحة ابن سنان «ثمّ الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف» (٣). الحديث.

وفي صحيحة ابن وهب «يكفّن الميّت في خمسة أثواب : قميص لا يزرّ عليه» (٤) الحديث.

قال شيخنا المرتضى قدس‌سره ـ بعد نقل هذه الروايات وبيان سلامتها من المعارض ـ : فالقول بوجوب نزع الأزرار متّجه لو لم يكن إجماع على عدمه (٥). انتهى.

أقول : ولعلّ القول باستحبابه خصوصا مع عدم معروفيّة الوجوب أوجه ،

__________________

(١) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٣٠٢ ، وانظر : المهذّب ١ : ٦١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ / ٨٨٥ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٤ ـ ١٤٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٨ ، و ٣١٠ / ٩٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٣.

(٥) كتاب الطهارة : ٣٠٨.

٣٢٥

لما رواه الصدوق مرسلا ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «ينبغي أن يكون القميص للميّت غير مزرور ولا مكفوف» (١) فإنّ ظهور هذه الرواية في الاستحباب أقوى من ظهور الروايات المتقدّمة في الوجوب.

ويؤيّده ترك الأمر بقطع الأزرار في بعض الأخبار الدالّة على استحباب التكفين في ثوب كان يصلّي فيه ويصوم ، مع وروده في مقام البيان.

مثل : ما رآه محمّد بن سهل عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل ويصوم أيكفّن فيها؟ قال : «أحبّ ذلك الكفن» يعني قميصا (٢). الحديث.

وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أردت أن تكفّنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف فافعل ، فإنّ ذلك يستحبّ أن يكفّن فيما كان يصلّي فيه» (٣).

والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

(و) يكره أيضا تكفينه في ثوب أسود ، كما عرفته فيما سبق ، أو (أن يكتب عليها (٤) بالسواد) كما عن غير واحد من القدماء وكثير من المتأخّرين ، بل عن المبسوط : لا يكتب بالسواد (٥) ، وعن النهاية : لا يجوز (٦) ، لكن لم يتّضح ما يصحّ الاستناد إليها للكراهة ـ عدا قاعدة التسامح ـ فضلا عن الحرمة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٠ / ٤١٧ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ / ٨٥٥ ، الوسائل ، الباب ٢ و ٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٥ و ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٤) أي : على الأكفان.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٧ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٧٧.

(٦) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٩٩ ، وانظر : النهاية : ٣٢.

٣٢٦

والاستدلال له : بالنهي عن التكفين في السواد أو الثوب الأسود كما ترى.

(و) يكره أيضا (أن يجعل في سمعه و (١) بصره شي‌ء (٢) من الكافور) كما تقدّم (٣) الكلام في ذلك مفصّلا.

(مسائل ثلاث :)

(الأولى : إذا خرج من الميّت) بعد غسله (نجاسة) قبل أن يكفّن ، وجب إزالتها عن بدنه بلا خلاف فيه ظاهرا.

ويدلّ عليه : موثّقة روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن بدا من الميّت شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تعد الغسل» (٤).

وخبر الكاهلي والحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : سألناه عن الميّت يخرج منه الشي‌ء بعد ما يفرغ من غسله ، قال : «يغسل ذلك ، ولا يعاد عليه الغسل» (٥).

وخبر سهل عن بعض أصحابه رفعه قال : «إذا غسّل الميّت ثمّ أحدث بعد الغسل فإنّه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل» (٦).

ويؤيّده إشعار جملة من الأخبار الواردة في تغسيل الميّت وتكفينه بشدّة اهتمام الشارع بالتحفّظ عليه من النجاسة ، بل في رواية ابن سنان ، المرويّة عن

__________________

(١) في الشرائع : «أو» بدل «و».

(٢) في الشرائع : «شيئا».

(٣) في ص ٢٥٣ وما بعدها.

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٩ / ١٤٥٦ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٤٩ / ١٤٥٥ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

(٦) الكافي ٣ : ١٥٦ (باب ما يخرج من الميّت ..) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥ ، والباب ٢٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

٣٢٧

العلل «علّة غسل الميّت أنّه يغسّل ليطهّر وينظف عن أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله ، لأنّه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة فيستحبّ إذا ورد على الله عزوجل ولقي أهل الطهارة ويماسّونه (١) ويماسّهم أن يكون طاهرا نظيفا» (٢) الحديث.

وكيف كان لا مجال للتشكيك في الحكم ، كما أنّه لا مجال للارتياب في وجوب إزالتها لو خرجت في أثناء الغسل.

أمّا قبل الفراغ من غسل ذلك العضو : فواضح ، لما عرفت ـ فيما سبق ـ من اشتراط صحّة الغسل بطهارة العضو.

وأمّا بعده : فلفحوى ما عرفت ، مضافا إلى عدم الخلاف فيه أيضا كسابقه.

وهل يجب استئناف الغسل لو كان الخارج في الأثناء حدثا؟ فعن المشهور (٣) عدمه ، لأصالة البراءة عن كلفة الاستئناف ، واستصحاب صحّة ما مضى.

مضافا إلى إطلاقات الأدلّة القاضية بحصول الإجزاء بمطلق الغسل ، السالمة ممّا يقيّدها بعدم تخلّل الحدث.

وربما يستدلّ له : بمرسلة يونس (٤) وغيرها من الأخبار المتقدّمة في كيفيّة

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «يماسّونهم» بدل «يماسّونه». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) علل الشرائع : ٣٠٠ (الباب ٢٣٨) الحديث ٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٣) نسبه إلى المشهور صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٥٨.

(٤) الكافي ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

٣٢٨

الغسل ، الآمرة بمسح بطنه بعد الغسلتين الأوليين كي يخرج من مخرجه ما خرج.

ويتوجّه عليه : أنّه إنّما يتمّ على القول بكون الأغسال الثلاثة عملا واحدا مؤثّرا في رفع حدث الميّت ، وأنّ الحدث في أثناء الأغسال كحدوثه بين الغسلات ، وإتمام هاتين المقدّمتين بالدليل لا يخلو عن إشكال.

وحكي عن العماني القول باستئناف الغسل لو كان الحادث في الأثناء من النواقض (١).

واستدلّ له : بكون غسل الميّت كغسل الجنب أو عينه ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار (٢) ، فكما ينتقض غسل الجنابة بالحدث في أثنائه ، فكذلك غسل الميّت.

وفيه ـ مع ما في المقيس عليه من المناقشة التي عرفتها في محلّه ما لم يكن الحدث الخارج في الأثناء بنفسه علّة تامّة لوجوب الغسل كما لو خرج المنيّ منه وهو في أثناء الغسل ، فيعاد الغسل لذلك ، لا لكونه ناقضا لما سبق ـ منع كون ما يخرج من الميّت ناقضا ، فإنّ الأدلّة الدالّة على ناقضيّة الحدث وسببيّته للطهارة مصروفة عنه قطعا.

وأمّا ما في الأخبار المستفيضة التي علّل فيها غسل الميّت برميه للنطفة التي خلق منها (٣) فهي من الرموز والأسرار التي لا تنالها عقولنا ، إذ لا نتعقّل رمي هذه

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٢٦ ، المسألة ١٦٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ١٦٣ / ١ ، علل الشرائع : ٣٠٠ ـ ٣٠١ (الباب ٢٣٨) الحديث ٥ ، التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٧ ، الإستبصار ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٧٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١ و ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ١٦٣ / ١ ـ ٣ ، علل الشرائع : ٢٩٩ ـ ٣٠١ (الباب ٢٣٨) الأحاديث ١ و ٤ و ٥ ، الفقيه ١ : ٨٤ / ٣٧٨ ، التهذيب ١ : ٤٥٠ / ١٤٥٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب غسل الميّت ، الأحاديث ٢ ـ ٥ و ٧ و ٨.

٣٢٩

النطفة المستحالة ، ولا سببيّتها للجنابة ، فلا يفهم من مثل هذه الأخبار أصلا أنّ خروج مائه المعروف من مخرجه أو التقاء الختانين بالنسبة إليه كالحيّ موجب للغسل ، مع أنّه على تقدير استفادة السببيّة من هذه الأدلّة أو غيرها ـ مثل عموم قوله عليه‌السلام : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (١) ـ وقلنا بأنّ الميّت أيضا يصير جنبا بالتقاء الختانين ، وسلّمنا وجوب إزالة حدثه كفاية على المكلّفين إمّا لأجل العلّة المنصوصة في الروايات أو غيرها من التقريبات الغير البعيدة ، لاتّجه عدم الفرق بين ما لو حدث سبب الجنابة في أثناء الغسل أو بعده ، مع أنّه لم ينقل الالتزام بذلك من أحد فيما لو حدث سبب الغسل بعد الفراغ من غسله.

وعلى تقدير وجود القائل به يردّه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ إطلاق الأخبار المتقدّمة (٢) الدالّة على أنّه «إذا غسّل الميّت ثمّ أحدث بعد الغسل فإنّه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل» فليتأمّل.

وإذا خرج منه نجاسة (بعد تكفينه ، فإن لاقت جسده) كما هو الغالب بمقتضى العادة (غسلت بالماء) لما عرفت من وجوب إزالة النجاسة عنه.

وقد يقال : إنّ قضيّة إطلاق المتن كغيره : عدم الفرق في ذلك بين كونه قبل طرحه في القبر وبعده ، بل ولو توقّف إزالتها على إخراجه منه.

وفيه نظر ، فإنّ حكمهم فيما بعد بقرض الكفن بعد طرحه في القبر إن لاقته النجاسة قرينة على عدم إرادتهم ذلك بعد طرحه في القبر ، إذ من المستبعد جدّا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦ / ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١١ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٣٥٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب غسل الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) في ص ٣٢٧.

٣٣٠

تنزيل كلامهم على إرادة بيان حكم خصوص ما لو لاقت النجاسة الكفن ولم تلاق الجسد ، مع أنّه مجرّد فرض لا يكاد يتحقّق في الخارج.

وأبعد من ذلك حمله على إرادة قرض الكفن تعبّدا بعد خلعه عن بدن الميّت مقدّمة لتطهير جسده ، فليس المقصود بإطلاق غسل جسده ـ في المتن وغيره ـ إلّا إرادته قبل طرحه في القبر.

نعم ، لا يبعد التزامهم بوجوب تطهير الجسد بعد طرحه في القبر لو تيسّر غسله وهو في قبره ، لعدم الفرق بينه وبين ما لو لم يطرح في القبر من حيث مناط الحكم.

وحكمهم بقرض الكفن بعد طرحه في القبر مطلقا لعلّه جار مجرى العادة من تعسّر غسل الجسد في القبر.

وكيف كان فقد يشكل الالتزام بوجوب غسل الجسد بعد تكفينه مطلقا ، سواء كان قبل طرحه في القبر أو بعده ، لمنافاته ظاهرا لما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن ابن أبي عمير ، وأحمد بن محمد عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا خرج من الميّت شي‌ء بعد ما يكفّن فأصاب الكفن ، قرض من الكفن» (١).

ورواه في الكافي ـ في الصحيح ، أو الحسن ـ عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ، قال : «إذا خرج من الميّت شي‌ء بعد ما يكفّن فأصاب الكفن قرض منه» (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥٠ / ١٤٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٦ (باب ما يخرج من الميّت ..) الحديث ٣ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣ ، والباب ٢٤ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

٣٣١

وما رواه الشيخ عن الكاهلي عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا خرج من منخر الميّت الدم أو الشي‌ء بعد ما يغسّل فأصاب العمامة أو الكفن قرض عنه» (١). ورواه الكليني (٢) أيضا مثله ، حيث إنّ الروايتين تدلّان بالالتزام على العفو عن نجاسة الجسد بعد تكفينه مطلقا ، ضرورة امتناع تنزيل الرواية ـ الواردة لبيان الحكم الشرعي ـ على إرادة حكم ما لو أصاب الكفن دون الجسد مع امتناع التخلّف في العادة. وحمل الروايتين على إرادة قرض الكفن بعد نزعه عن جسد الميّت وغسل الجسد في غاية البعد ، فالمتبادر من الروايتين ليس إلّا إرادة إبقاء الكفن بحاله ، وقرض موضع النجس منه من دون تجريد الميّت عنه ، وإلّا الأمر بغسله لا بقرضه ، ولازمه العفو عن نجاسة الجسد ، فهما حاكمتان على الأدلّة القاضية بوجوب تطهير بدن الميّت ، وأنّه إذا خرج منه حدث بعد غسله ، وجب غسله ، ومقيّدتان لإطلاقها ، ومقتضاهما كون نجاسة الجسد بعد التكفين كنجاسته بعد الدفن معفوّا عنها.

وتنزيل الروايتين على إرادة الحكم فيما لو كان ذلك بعد الوضع في القبر لا مطلقا يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

نعم ، قد يشهد له ما عن الفقه الرضوي «فإن خرج منه شي‌ء بعد الغسل فلا تعد غسله ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده ، فإن خرج منه شي‌ء في لحده ، لم تغسل كفنه ، لكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠ / ١٤٥٧ ، وفيه وفي الكافي : «بالمقراض» بدل «عنه» الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٦ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب التكفين ، ذيل الحديث ٣.

٣٣٢

منه ، ومددت أحد الثوبين على الآخر» (١).

لكن مرسلة ابن أبي عمير بل وكذا رواية الكاهلي في غاية الظهور في الإطلاق وبيان الحدّ ، بل كاد أن يكون صريح المرسلة ذلك ، فهي آبية عن هذا التصرّف ، فالأولى ـ بناء على حجّيّة الرضوي ـ حمله على إرادة غسل ما أصاب من الكفن حال كون الميّت ملفوفا فيه ، كما يشعر بذلك عدم الأمر بغسل الجسد الذي لا تنفكّ نجاسته عن نجاسة الكفن ، فالأمر بغسله لأولويّة اختياره على القرض مهما تيسّر ـ كما هو الغالب ـ ما لم يوضع في قبره ، فلا تنافيه الروايتان المتقدّمتان ، إذ لا يفهم منهما وجوب القرض تعبّدا ولو مع سهولة الغسل ، فاختيار الغسل عند التيسّر أولى بلا شبهة ، بل هو الأحوط ، لإمكان دعوى انصراف الروايتين إلى غير مثل الفرض.

وكيف كان فالمتعيّن هو العمل بظاهر الروايتين ، وطرح الرضوي أو تأويله وإن قلنا بحجّيّته ، لقصوره عن المكافئة ، بل قد عرفت أنّ التصرف فيه أهون من التصرّف في الروايتين.

وأمّا المناقشة في الروايتين ـ بضعف السند بالإرسال في الأولى ، وعدم توثيق الكاهلي في الثانية ـ فلا يلتفت إليها بعد كونهما من الروايات المقبولة عند جلّ الأصحاب بل كلّهم ولو في الجملة ، خصوصا فيما أرسله ابن أبي عمير وأحمد بن محمّد البزنطي عن غير واحد من أصحابنا ، فإنّه أوثق من جلّ الروايات الموصوفة بالصحّة.

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٦٢ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٩.

٣٣٣

لكنّ الذي يشكل الأمر ما عن ظاهر بعض من دعوى الإجماع على وجوب إزالة النجاسة عن جسده قبل الدفن (١) وإن كان في سماع هذه الدعوى نظر ، فإنّ ظاهر من أوجب قرض الكفن مطلقا ـ كما ستعرفه ـ إنّما هو إرادة إبقاء الكفن بحاله ، وقرض موضع النجس منه ، لا نزعه وتطهير موضعه من الجسد ثمّ قرض الكفن تعبّدا.

وعلى هذا فلا يخلو القول بوجوب غسل الجسد عن تأمّل بل منع ، لكنّه أحوط ، إذ لا يفهم من الروايات إلّا المنع من إبقاء النجاسة والاجتزاء في إزالتها بقرض الكفن ، لا تعيّنه بحيث يفهم منها بالالتزام حرمة تبديل الكفن أو خلعه بعد اللّبس لشي‌ء من الأغراض الصحيحة الغير المنافية لاحترام الميّت ، التي من أهمّها الخلع بقصد تطهير الجسد.

وحيثما جاز الخلع لسائر الأغراض ولو بحكم الأصل جاز للتطهير أيضا (و) بعد الخلع يتعيّن عليه غسل الجسد ، كما أنّه (إن لاقت) النجاسة (كفنه ، فكذلك) يتعيّن عليه حينئذ غسله أو تبديله ، لصيرورته بعد الخلع بمنزلة الكفن الابتدائي ، فالاحتياط بغسل الجسد والكفن في مثل المقام ـ بعد مصير جملة من الأصحاب بل أكثرهم بل قد سمعت من ظاهر بعضهم دعوى الإجماع عليه ـ ممّا لا ينبغي تركه (إلّا أن يكون) ذلك (بعد طرحه في القبر) ولم يتيسّر إزالتها وهو في قبره (فإنّها تقرض) حينئذ بلا شبهة ، ولا موقع للاحتياط في هذه الصورة ، إذ لا مجال لتوهّم وجوب غسل الجسد أو الكفن بعد توقّفهما على إخراجه من قبره ، حيث إنّ قرض الكفن في الفرض هو القدر المتيقّن من مورد الروايات ، و

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣١٣ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٠٠.

٣٣٤

لم ينقل الخلاف فيه من أحد ، خصوصا مع كون الإخراج من القبر منافيا لاحترام الميّت.

نعم ، لو تيسّر غسل جسده أو كفنه في قبره ، ينبغي رعاية الاحتياط بغسله ، كما لو كان ذلك قبل الوضع في القبر وإن كان الأظهر ما عرفت من عدم الوجوب في شي‌ء من الصور وفاقا لمن أشار المصنّف رحمه‌الله إلى قولهم بقوله : (ومنهم من أوجب قرضها مطلقا) فإنّ هذا القائل على الظاهر لم يرد بقوله إلّا ما قوّيناه ، كما أشرنا إليه فيما سبق ، والله العالم.

ثمّ إنّ المتبادر من النصوص والفتاوى إنّما هو قرض الكفن فيما لم يفحش قرضه بأن يكون مؤدّيا إلى إفساد الكفن وهتك الميّت ، وإلّا فلا يجوز ، لقصور الأدلّة عن شموله ، فهل يجب حينئذ على الولي تبديله أو غسله ، أم لا يجب شي‌ء منهما؟ وجهان ، ثانيهما أوفق بالقواعد (و) لكنّ (الأوّل أولى) وأحوط.

المسألة (الثانية : كفن المرأة على زوجها) بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه (١) (وإن كانت ذات مال) كما عن المعتبر والذكرى نسبته إلى فتوى الأصحاب (٢).

ويدلّ عليه رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «على الزوج كفن المرأة إذا ماتت» (٣).

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٥٣ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠٨ ـ ٧٠٩ ، المسألة ٥١٠ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٤٧ ، والتنقيح الرائع ١ : ١٢٤.

(٢) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٥٣ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٠٧ ، والذكرى ١ : ٣٨١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٥ / ١٤٣٩ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

٣٣٥

وفي مرسلة الفقيه ، قال عليه‌السلام : «كفن المرأة على زوجها» (١).

وعن جماعة (٢) تبعا لصاحب المدارك (٣) : عدّ هذه المرسلة من تتمّة صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ثمن الكفن من جميع المال» (٤) وقال عليه‌السلام : «كفن المرأة على زوجها».

واستبعده غير واحد من المتأخّرين عنه ، نظرا إلى خلوّ الصحيحة في الكافي والتهذيب عن هذه التتمّة ، ولذا قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : والأظهر ما عن الذخيرة والحدائق من كونها رواية مرسلة مستقلّة (٥). انتهى.

وكيف كان فالظاهر أنّ الروايتين هما عمدة مستند الأصحاب قديما وحديثا في الحكم ، فلا ينبغي الالتفات إلى ما فيهما من ضعف السند.

وقد يستدلّ له : ببقاء علاقة الزوجيّة عرفا وشرعا ، وهي مقتضية لوجوب النفقة التي منها الكفن بعد الموت.

واعترضه في محكيّ (٦) الروض : بالنقض بغيرها ممّن يجب إنفاقه. وظاهره أنّ عدم وجوب كفن سائر واجبي النفقة من المسلّمات.

وفيه : أنّه إن تمّ الإجماع على عدم الوجوب بالنسبة إليهم ، فهو الفارق بين المقامين ، وإلّا فلا مانع من الالتزام بالوجوب فيهم أيضا بمقتضى الاستصحاب.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٤٣ / ٤٩١ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) الحاكي عنهم هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠٨.

(٣) انظر : مدارك الأحكام ٢ : ١١٧ ـ ١١٨.

(٤) الكافي ٧ : ٢٣ / ١ ، وفيه : «الكفن ..» التهذيب ١ : ٤٣٧ / ١٤٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٥) كتاب الطهارة : ٣٠٨ ، وانظر : ذخيرة المعاد : ٨٩ ، والحدائق الناضرة ٤ : ٦٥.

(٦) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣١٠ ، وانظر : روض الجنان : ١٠٨.

٣٣٦

ولا يتطرّق الخدشة في موضوعه بعد قضاء العرف ببقائه ، كما يستصحب جواز النظر والمسّ وغير هما من الأحكام الثابتة حال الحياة ، لكنّ الاستصحاب إنّما يتمشّى في حقّ من عدا الزوجة لو لم يكن له من التركة ما يفي بكفنه ، لاشتراط وجوب الإنفاق على غير الزوجة بأن لا يكون عنده ما يغنيه عن أن يكون كلّا على غيره.

فالإنصاف أنّ الالتزام بالوجوب في الصورة المفروضة غير بعيد.

ودعوى الإجماع على عدمه ـ كما استظهره بعض ـ تحتاج إلى البيّنة.

وأمّا في حقّ الزوجة فلا يشترط بذلك ، كما هو واضح.

وقد يقال : قضيّة الاستصحاب استقرار كفنها ـ كغيره من نفقتها الواجبة ـ في ذمّة الزوج على تقدير الإخلال به ، ودفنها عارية ولو لأجل الإعسار ، والالتزام به مشكل.

ويتوجّه عليه : عدم تسليم المدّعى في مثل الفرض ، بل الحكم بذلك فيما لو لم يتمكّن الزوج من كسوتها حال حياتها أيضا وصبرت بلا كسوة أيضا غير مسلّم فضلا عمّا بعد الموت.

وكيف كان فلو تمّ هذا الدليل ـ كما ليس بالبعيد ـ فلا يقتضي إلّا ثبوت الحكم في بعض أفراد الموضوع ، وهو الزوجة الدائمة الممكّنة دون الناشزة والمتمتّع بها ، فالعمدة إنّما هو إطلاق الخبرين ، المعتضد بإطلاق الفتاوى وبعض معاقد الإجماعات المحكيّة ، فلا فرق بين الصغيرة والكبيرة ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، ولا بين الحرّة والأمة ، ولا بين الناشزة والمطيعة ، ولا بين العاقلة والمجنونة ، ولا بين الدائمة والمتمتّع بها.

٣٣٧

ودعوى انصراف الزوجة عمّا عدا الدائمة الممكّنة ـ التي يجب الإنفاق عليها ـ ممنوعة جدّا.

نعم ، الظاهر انصرافها عن بعض أفراد المتمتّع بها ، كما أنّ الظاهر انصرافها عن المحلّلة.

وكيف كان فالمدار على إطلاق الزوجة عليها عرفا ، فمتى أطلقت الزوجة عرفا ، كان كفنها على زوجها بمقتضى إطلاق النصّ والفتاوى (لكن لا يلزمه زيادة على الواجب) كما هو واضح.

ويلحق بالزوجة المطلقة الرجعيّة ، لعموم المنزلة المستفادة من بعض الأخبار.

ولا فرق أيضا بين أفراد الزوج : الكبير والصغير والعاقل والمجنون ، لكنّ المخاطب بالفعل عند قصور الزوج وليّه ، كسائر الحقوق الواجبة عليه.

نعم ، يختصّ الحكم بالزوج الموسر ، فلو كان معسرا لا يملك ـ حتّى بملاحظة ما انتقل منها إليه ـ ما يفضل عمّا استثني للمعسر ، فلا شي‌ء عليه ، بل تكفّن حينئذ من تركتها ، كما نسبه في المدارك إلى ما قطع به الأصحاب ، لكنّه مع ذلك احتمل شموله للمعسر أيضا مع الإمكان ، لإطلاق النصّ (١).

وفيه : أنّ النصّ يصرف عنه بما دلّ على استثناء ما استثني للمعسر في وجوب وفاء الدّين ، فإنّ كفن الزوجة وإن لم نقل بأنّه من الديون التي تستقرّ في الذمّة بعد فوات محلّه بحيث يجب عليه تسليمه إلى ورثتها نظرا إلى أنّ المستفاد من النصّ والفتاوى ليس إلّا وجوب كسوتها بالكفن وإمتاعها إيّاه ، لا بذلك المال و

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ١١٨.

٣٣٨

تمليكه لها ، فيرتفع الوجوب بفوات موضوعه ، لكنّه مع ذلك بمنزلة سائر الديون في كونه حقّا ماليّا للغير متعلّقا بذمّة الزوج ، فلا يجب عليه الخروج من عهدته إلّا على تقدير يساره ، كما يدلّ عليه بعض ما ورد في مستثنيات الدّين ، كصحيحة الحلبي أو حسنته «لاتباع الدار في الدّين ولا الخادم ، وذلك لأنّه لا بدّ للرجل من ظلّ يسكنه وخادم» (١) إلى آخره ، حيث يفهم من مثل هذه الرواية أنّ حقوق الغير لا تزاحم ما هو من ضروريّات معاش الرجل.

نعم ، لو جعل التكفين من باب الإنفاق وتحمّل المئونة ـ كما هو قضيّة التعليل المتقدّم عن بعض ـ لاتّجه القول بوجوبه على تقدير التمكّن ، وعدم مزاحمته لما هو أهمّ منه من الضروريّات وإن كان معسرا ، وليس بالبعيد ، والله العالم.

والعجب ممّا احتمله في الجواهر لو لا عدم معروفيّة الخلاف من أنّه على تقدير عدم تنجّز الخطاب على الزوج ، لعدم تمكنه تدفن عارية أو من بيت المال كفاقد الكفن لا من تركتها ، نظرا إلى عدم شمول الأدلّة ـ القاضية بثبوت الكفن من أصل المال ـ لكفن الزوجة حيث إنّ كفنها على زوجها ، وسقوط الخطاب عنه ـ لعدم قدرته ـ لا يقضي بالانتقال إلى تركتها ، كما أنّ عصيانه بعدم أدائه حال يساره وعدم التمكّن من إجباره لا يقضي بذلك (٢).

وفيه : منع عدم الشمول ، فإنّ ما يتوهم مانعا من الشمول ليس إلّا النصّ

__________________

(١) الكافي ٥ : ٩٦ / ٣ ، علل الشرائع : ٥٢٩ (الباب ٣١٣) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٧ ، الإستبصار ٣ : ٦ / ١٢ ، الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٤ : ٢٥٦.

٣٣٩

الدالّ على أنّ كفن المرأة على زوجها ، دون استصحاب وجوب الإنفاق ، الذي لا يزاحم الدليل ، وهو لا يصلح مانعا من ذلك.

أمّا إن قلنا : إنّه لا يدلّ إلّا على ثبوت حقّ فعليّ لها عليه بمعنى لزوم تكفينها بالفعل ، فهو مخصوص بالقادر بل الموسر ، إذ ليس على غير الموسر شي‌ء ، فلا يعمّه هذا الحكم حتّى يكون مانعا من شمول الحكم الأوّل.

ولا يقاس المعسر ـ الغير المتوجّه إليه هذا الخطاب ـ على الصغير الغير المكلّف به بالفعل ، فإنّ الصغر لا يمنع من ثبوت الحقّ عليه بالفعل وإرادته من الخطاب ، غاية الأمر أنّ المكلّف بالخروج من عدته هو وليّه ، وهذا بخلاف الإعسار المانع من ثبوت حقّ عليه بالفعل.

وإن قلنا بأنّ مفاد قوله عليه‌السلام : «كفن المرأة على زوجها» كقضيّة استصحاب وجوب النفقة أعمّ من الحقّ الملزم به بالفعل نظير قولنا : «له عليه دين» فيفهم منه أنّ لها حقّا شأنيّا على المعسر ، فهو حينئذ وإن كان مشمولا لهذا الحكم لكنّه لا يقضي بجواز دفنها عارية ما دامت لها تركة ، ضرورة قضاء الأدلّة الشرعيّة ـ المعتضدة بالاعتبار ـ بأحقّيّة الميّت بتركته بمقدار الكفن من ورثته مطلقا ، غاية الأمر أنّه ثبت للزوجة حقّ التكفين على الزوج ، وهذا لا ينفي أحقّيّتها بمقدار الكفن ممّا تركت ، فإن وفي الزوج بهذا الحقّ الثابت عليه ، بقيت التركة بأسرها سليمة للورثة ، وإلّا فعليهم التكفين من تركتها.

وإن شئت قلت : لا مقتضي لتخصيص قوله عليه‌السلام في رواية السكوني ، الآتية (١) : «أوّل شي‌ء يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدّين» الحديث ، بالنسبة إلى الزوجة ، فإنّ

__________________

(١) في ص ٣٤٤.

٣٤٠