مصباح الفقيه - ج ٩

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٩

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

(كتاب الصلاة)

وهي أوضح من أن يتوقّف فهم معناها ـ الذي يراد منها في إطلاقات الشارع والمتشرّعة ـ [على] (١) تعريف لفظيّ.

وهي من أفضل العبادات وأهمّها في نظر الشارع.

فعن الكليني ـ في الصحيح ـ عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى الله عزوجل ما هو؟ فقال : «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى أنّ

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إلى». والظاهر ما أثبتناه.

٧

العبد الصالح عيسى بن مريم عليه‌السلام قال (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (١)» (٢).

وفي الصحيح عن أبان بن تغلب ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فلمّا انصرف أقام الصلاة فصلّى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ، ثمّ صلّيت بعد ذلك بسنة فصلّى المغرب ثمّ قام فتنفّل بأربع ركعات ثمّ قام فصلّى العشاء ، ثمّ التفت إليّ فقال : «يا أبان هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقامهنّ وحافظ على مواقيتهنّ لقي الله تعالى يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنّة ، ومن لم يصلّهنّ لمواقيتهنّ ولم يحافظ عليهنّ فذلك إليه إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه» (٣).

وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء ، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء» (٤).

وعن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صلاة فريضة خير من عشرين حجّة ، وحجّة خير من بيت ذهب يتصدّق منه حتّى يفنى» (٥).

وعقاب تركها عظيم.

__________________

(١) مريم ١٩ : ٣١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١ ، وأورده مع ما بعده من الروايات العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٦ ـ ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ / ٢ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١ من أبواب المواقيت ، ذيل ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٦٦ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٤.

٨

فعن الشيخ ـ في الحسن ـ عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلّى فلم يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (١).

وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «إنّ تارك الفريضة كافر» (٢).

وعن الصدوق ـ في الصحيح ـ عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بين المسلم وبين أن يكفر إلّا أن يترك الصلاة الفريضة متعمّدا أو يتهاون بها فلا يصلّيها» (٣).

وعن مسعدة بن صدقة أنّه قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام : ما بال الزاني لا تسمّيه كافرا وتارك الصلاة تسمّيه كافرا؟ وما الحجّة في ذلك؟ فقال : «لأنّ الزاني وما أشبهه إنّما فعل ذلك لمكان الشهوة ، لأنّها تغلبه ، وتارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافا بها ، وذلك لأنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلّا وهو مستلذّ لإتيانه إيّاها قاصدا لها ، وكلّ من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللّذّة ، فإذا نفيت اللّذّة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» (٤).

والأخبار الواردة في ذلك أكثر من أن تحصى.

(والعلم بها) أي بالصلاة (يستدعي بيان أربعة أركان) :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٩ / ٩٤٨ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أعداد الفرائض ، ذيل ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٧ ـ ٨ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٣) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ / ١ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أعداد الفرائض ، ذيل ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٣٢ / ٦١٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

٩
١٠

الركن الأوّل : في المقدّمات) أي الامور التي ينبغي التعرّض لها قبل بيان ماهيّة الصلاة وما يتعلّق بها من الأحكام.

(وهي سبع).

(الأولى : في أعداد الصلاة ،)

(والمفروض منها) ولو بسبب من المكلّف (تسعة : صلاة اليوم والليلة) وما يتبعها من صلاة الاحتياط (والجمعة والعيدين والكسوف) الشامل للخسوف (والزلزلة والآيات والطواف) الواجب (والأموات وما يلتزمه الإنسان بنذر وشبهه) كالعهد واليمين ، أو بإجارة ونحوها.

ويمكن إدراج ما التزمه الإنسان على نفسه من القضاء عن الغير بإجارة ونحوها ، كإدراج القضاء حتّى من الولي في اليوميّة ، كما أنّه يمكن إدراج بعض المذكورات ـ الموجب لتقليل العدد عن التسعة ، كالجمعة ـ في اليوميّة ، وإدراج الكسوف في الآيات.

وربما أسقط بعض صلاة الأموات رأسا بدعوى عدم كونها صلاة حقيقة.

١١

وكيف كان فالأمر سهل بعد عدم الخلاف في أصل الحكم.

(وما عدا ذلك مسنون) وهو كثير كما تعرفه فيما يأتي إن شاء الله. فهذا مجمل الكلام فيها.

(و) أمّا تفصيل ذلك : فـ (صلاة اليوم والليلة خمس) : الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء (وهي سبع عشرة ركعة في الحضر : الصبح ركعتان ، والمغرب ثلاث ركعات ، وكلّ واحدة من البواقي أربع) ركعات (ويسقط من كلّ رباعيّة في السفر ركعتان) فهي إحدى عشرة ركعة في السفر.

(ونوافلها) والمراد بها ما يعمّ نافلة الليل التي لها أيضا كسائر النوافل المسنونة في اليوم والليلة نحو تعلّق بالفرائض على ما يظهر من بعض الأخبار الآتية المبيّنة لحكمة شرعيّتها (في الحضر أربع وثلاثون ركعة على الأشهر) رواية والمشهور فتوى ، بل في المدارك ومحكيّ المختلف والذكرى : لا نعلم فيه مخالفا (١) ، وعن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع عليه (٢).

وتفصيلها : (أمام الظهر ثمان) ركعات (وقبل العصر مثلها ، وبعد المغرب أربع) ركعات (وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بركعة ، وإحدى عشرة صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر ، وركعتان للفجر)

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ١٠ ، مختلف الشيعة ٢ : ٣٣١ ، المسألة ٢٢١ ، الذكرى ٢ : ٢٨٩ ، وحكاه عن الأخيرين العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٦.

(٢) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٦ عن الانتصار : ٥٠ ، والخلاف ١ : ٥٢٥ ـ ٥٢٦ ، المسألة ٢٦٦ ، والمهذّب البارع ١ : ٢٨٢ ، وغاية المرام ١ : ١١٥ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤.

١٢

فيكون مجموع الفريضة والنافلة إحدى وخمسين ركعة.

كما تشهد له حسنة فضيل بن يسار ـ أو صحيحته ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة وهو قائم ، الفريضة منها سبع عشرة ركعة ، والنافلة أربع وثلاثون ركعة» (١).

وخبر البزنطي ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع ، بعضهم يصلّي أربعا وأربعين ركعة ، وبعضهم يصلّي خمسين ، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتّى أعمل بمثله؟ فقال : «اصلّي واحدة وخمسين ركعة» ثمّ قال : «أمسك» وعقد بيده الزوال ثمانية وأربعا بعد الظهر ، وأربعا قبل العصر ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين قبل عشاء الآخرة ، وركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان ركعة من قيام ، وثمان صلاة الليل ، والوتر ثلاثا ، وركعتي الفجر ، والفرائض سبع عشرة ، فذلك إحدى وخمسون ركعة (٢).

وعن الكليني والشيخ ـ في الصحيح ـ عن الحارث بن المغيرة النصري ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «صلاة النهار ست عشرة : ثمان إذا زالت ، وثمان بعد الظهر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، يا حارث لا تدعها في سفر ولا حضر ، وركعتان بعد العشاء [الآخرة] ، كان أبي يصلّيهما وهو قاعد وأنا اصلّيهما

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٤ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٨ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٧.

١٣

وأنا قائم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل» (١).

ومرفوعة الفضل بن أبي قرّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الخمسين والواحدة ركعة ، فقال : «إنّ ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، وساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، ومن غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق ، فلكلّ ساعة ركعتان ، وللغسق ركعة» (٢).

وصحيحة الفضيل بن يسار والفضل بن عبد الملك وبكير قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة ، ويصوم من التطوّع مثلي الفريضة» (٣).

ورواية [إسماعيل] بن سعد الأحوص قال : قلت للرضا عليه‌السلام : كم الصلاة من ركعة؟ قال : «إحدى وخمسون ركعة» (٤).

وموثّقة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر ، وست ركعات بعد الظهر ، وركعتان قبل العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء الآخرة ، تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا ، والقيام أفضل ، ولا تعدّهما من الخمسين ، وثمان ركعات من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٦ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٤ ـ ٥ / ٥ ، و ٩ / ١٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٩ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٧ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٦ / ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣ / ١ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ / ٧٧١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١١ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

١٤

آخر الليل تقرأ في صلاة الليل بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون في الركعتين الاوليين ، وتقرأ في سائرها ما أحببت من القرآن ، ثمّ الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو الله أحد ، وتفصل بينهنّ بتسليم ، ثمّ الركعتان اللّتان قبل الفجر تقرأ في الاولى منهما قل يا أيّها الكافرون ، وفي الثانية قل هو الله أحد» (١).

وخبر الفضل بن شاذان ـ المرويّ عن [العيون] (٢) ـ عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون ، قال : «والصلاة الفريضة : الظهر أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء الآخرة أربع ركعات ، والغداة ركعتان ، هذه سبع عشرة ركعة ، والسنّة أربع وثلاثون ركعة : ، ثمان ركعات قبل فريضة الظهر ، وثمان ركعات قبل فريضة العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العتمة تعدّان بركعة ، وثمان ركعات في السحر ، والشفع والوتر ثلاث ركعات ، تسلّم بعد الركعتين ، وركعتا الفجر» (٣).

وروايته الأخرى أيضا عن الرضا عليه‌السلام ، المرويّة عن العيون والعلل ، وفيها :«وإنّما جعلت السنّة أربعا وثلاثين ركعة لأنّ الفريضة سبع عشرة ، فجعلت السنّة مثلي الفريضة كمالا» (٤) الحديث.

وخبر الأعمش ـ المرويّ عن الخصال ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥ / ٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «العلل». والصحيح ما أثبتناه حيث إنّ الخبر مرويّ في العيون.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ (الباب ٣٥) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٣.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١١١ (الباب ٣٤) ح ١ ، علل الشرايع : ٢٤٦ (الباب ١٨٢) ح ٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من ابواب اعداد الفرائض ، ح ٢٢.

١٥

شرائع الدين ، قال : «وصلاة الفريضة : الظهر أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء الآخرة أربع ركعات ، والفجر ركعتان ، فجملة الصلاة المفروضة سبع عشرة ركعة ، والسنّة أربع وثلاثون ركعة ، منها : أربع ركعات بعد المغرب لا تقصير فيها في السفر والحضر ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة ، وثمان ركعات في السحر ، وهي صلاة الليل ، والشفع ركعتان ، والوتر ركعة ، وركعتا الفجر بعد الوتر ، وثمان ركعات قبل الظهر ، وثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر ، والصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات» (١).

وخبر أبي عبد الله القزويني قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما‌السلام : لأيّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال : «لأنّ الله فرض سبع عشرة ركعة ، فأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثليها ، فصارت إحدى وخمسين ركعة ، فتعدّان هاتان الركعتان من جلوس بركعة» (٢).

ورواية أبي بصير ـ المرويّة عن كتاب صفات الشيعة ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : «شيعتنا أهل الورع والاجتهاد ، وأهل الوفاء والأمانة ، وأهل الزهد والعبادة ، أصحاب الإحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة ، القائمون بالليل ، الصائمون بالنهار ، يزكّون أموالهم ، ويحجّون البيت ، ويجتنبون كلّ محرّم» (٣).

ومرسلة المصباح عن العسكري عليه‌السلام ، قال : «علامات المؤمن خمس» وعدّ منها «صلاة الإحدى والخمسين» (٤).

__________________

(١) الخصال : ٦٠٣ / ٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٥.

(٢) علل الشرائع : ٣٣٠ (الباب ٢٦) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٦.

(٣) صفات الشيعة : ١٨٩ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٦.

(٤) مصباح المتهجّد : ٧٨٧ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٩.

١٦

وربما يظهر من جملة من الأخبار أنّ المعروف في الصدر الأوّل لدى أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام فيما جرت به السنّة في عدد الركعات خمسون.

مثل : ما عن مجمع البيان عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام في قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (١) قال : «أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا» (٢).

وعن معاوية بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كان في وصيّة النبيّ لعليّ عليهما‌السلام ـ إلى أن قال ـ : يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّي ، ثمّ قال : اللهمّ أعنه ـ إلى أن قال ـ : والسادسة : الأخذ بسنّتي في صلاتي وصومي وصدقتي ، أمّا الصلاة فالخمسون ركعة» (٣).

وعن محمّد بن أبي حمزة (٤) ، قال : سألت [أبا عبد الله عليه‌السلام] (٥) عن أفضل ما جرت به السنّة من الصلاة ، قال : «تمام الخمسين» (٦).

وفي خبر [سليمان بن خالد] (٧) ، المتقدّم (٨) أيضا شهادة على ذلك ، فإنّه عليه‌السلام بعد أن عدّ ركعتين بعد العشاء الآخرة من النوافل ، قال : «ولا تعدّهما من الخمسين» فإنّه يدلّ على معروفيّة عدد الركعات لديهم بخمسين ، فأراد الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) المعارج ٧٠ : ٣٤.

(٢) مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٣٥٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٨.

(٣) الكافي ٨ : ٧٩ / ٣٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٤) كذا في الوسائل ، وفي الكافي والتهذيب : «محمّد بن أبي عمير ـ ابن أبي عمير».

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٥ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٥.

(٧) يدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ابن سالم». والصحيح ما أثبتناه.

(٨) في ص ١٤.

١٧

التنبيه على زيادة هاتين الركعتين ـ اللّتين تعدّان بركعة ـ على الخمسين.

ونحوه ما عن [الصدوق] (١) بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : «وإنّما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين ، وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع» (٢).

وفي حسنة الحلبي أيضا إشارة إليه ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي؟ قال : «لا ، غير أنّي اصلّي بعدها ركعتين ، ولست أحسبهما من صلاة الليل» (٣).

وربّما يستشعر من هذه الحسنة بل يستظهر منها عدم كونهما من النوافل الموظّفة.

ولكنّه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الاستشعار في مقابل ما عرفت وستعرف.

وفي خبر البزنطي ـ المتقدّم (٤) ـ أيضا دلالة على كون الخمسين معروفة لدى بعض الأصحاب.

ولعلّ منشأ معروفيّتها بخمسين عدم مواظبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الركعتين اللّتين تعدّان بركعة ، كما يدلّ عليه غير واحد من الأخبار.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الشيخ». والصحيح ما أثبتناه حيث إنّ الرواية ليست في التهذيب والاستبصار.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٥١ ـ ٢٦٧ (الباب ١٨٢) ح ٩ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٩ ـ ١١٣ (الباب ٣٤) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٠ / ١٩ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١.

(٤) في ص ١٣.

١٨

مثل : ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان ، قال : سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا جالس ، فقال له : جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي ثمان ركعات الزوال ، وأربعا الاولى ، وثماني بعدها ، وأربعا العصر ، وثلاثا المغرب ، وأربعا بعد المغرب ، والعشاء الآخرة أربعا ، وثمان صلاة الليل ، وثلاثا الوتر ، وركعتي الفجر ، وصلاة الغداة ركعتين» قلت : جعلت فداك وإن كنت أقوى على أكثر من هذا أيعذّبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال : «لا ، ولكن يعذّب على ترك السنّة» (١).

وما عن الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنهار ، فقال : «ومن يطيق ذلك؟» ثمّ قال : «ولكن ألا اخبرك كيف أصنع أنا؟» فقلت : بلى ، فقال : «ثماني ركعات قبل الظهر ، وثمان بعدها» قلت : فالمغرب؟ قال : «أربع بعدها» قلت : فالعتمة؟ قال عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي العتمة ثمّ ينام» وقال بيده هكذا ، فحرّكها ، قال ابن أبي عمير : ثمّ وصف كما ذكر أصحابنا (٢).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر» قال : قلت : يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : «نعم إنّهما بركعة ، فمن صلّاهما ثمّ حدث به حدث مات على وتر ، فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل» فقلت : هل صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هاتين.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٤ / ٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ ـ ٢١٩ / ٧٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٥ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١٥.

١٩

الركعتين؟ قال : «لا» قلت : ولم ذلك؟ قال : «لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأتيه الوحي وكان يعلم أنّه هل يموت في هذه الليلة أم لا ، وغيره لا يعلم ، فمن أجل ذلك لم يصلّهما وأمر بهما» (١).

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار الآتية.

ولكن قد يظهر من بعض الروايات أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ربّما كان يأتي بالركعتين.

ويظهر من رواية ابن أبي الضحّاك ـ المرويّة عن العيون ، المشتملة (٢) على عمل الرضا عليه‌السلام في طريق خراسان ـ أنّه عليه‌السلام أيضا لم يكن يواظب على هاتين الركعتين.

قال فيها : كان الرضا عليه‌السلام إذا زالت الشمس جدّد وضوءه ـ إلى أن قال ـ : ثمّ يقوم فيصلّي العشاء الآخرة أربع ركعات ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يذكر الله عزوجل ويسبّحه ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء الله ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ، ثمّ يأوي إلى فراشه (٣). الحديث.

ولا ينافي هذا استحبابهما بل ولا تأكّده ، كما تشهد له المستفيضة الواردة فيهما ، كالرواية المتقدّمة وغيرها ، فإنّهم عليهم‌السلام ربّما كانوا يتركون بعض المستحبّات لأمر أهمّ ، أو لكونهم عليهم‌السلام عارفين بجهته المقتضية لاستحبابه ،

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٣٠ ـ ٣٣١ (الباب ٢٧) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «المرويّ .. المشتمل». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٠ ـ ١٨١ (الباب ٤٤) ح ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢٤.

٢٠