مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

لا تصلحان لإثبات الوجوب.

هذا ، مع قصور هما من حيث الدلالة ، إذ ليس في شي‌ء منهما إشعار بإرادة الكافور لخصوص الحنوط ، فلعلّ المراد بيان ما يجزئ للميّت لغسله أو له مع حنوطه ، كما لعلّه هو الأظهر ، فلا يبعد ـ على هذا التقدير ـ جريه مجرى العادة من عدم الاجتزاء بما دونه ، لحصول الاستهلاك وعدم تحقّق المسمّى ، لا لبيان الحدّ الشرعي.

وكيف كان فلا ريب في أنّ الاحتياط لا ينبغي تركه.

وحكي عن الجعفي تحديده بمثقال وثلث (١). ولم يعلم مستنده.

ثمّ إنّ مقتضى النصوص والفتاوى عموم وجوب التحنيط لكلّ ميّت (إلّا أن يكون الميّت محرما فلا يقربه الكافور) أصلا ، فلا يحنّط به ولا يلقى شي‌ء منه في ماء غسله بلا خلاف فيه ، كما عن المنتهى وجامع المقاصد (٢) ، بل إجماعا كما عن الخلاف والغنية (٣).

ويدلّ عليه : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : يغطّى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيبا» (٤) ونحوه خبره الآخر عن الباقر والصادق (٥) عليهما‌السلام.

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ١ : ٣٥٦.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ ٣٠١ ، وانظر منتهى المطلب ١ : ٤٤٣ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٩٨ ، والخلاف ١ : ٦٩٧ ، المسألة ٤٨٣ ، والغنية : ١٠٢.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ ٣٠١ ، وانظر منتهى المطلب ١ : ٤٤٣ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٩٨ ، والخلاف ١ : ٦٩٧ ، المسألة ٤٨٣ ، والغنية : ١٠٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٣٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، ذيل الحديث ٤.

٢٦١

يموت كيف يصنع به؟ قال : «إنّ عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه‌السلام وهو محرم ومع الحسين عليه‌السلام عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر ، وصنع به كما يصنع بالميّت وغطّى وجهه ولم يمسّه طيبا» قال : «وذلك كان في كتاب عليّ عليه‌السلام» (١).

وموثّقة سماعة قال : سألته عن المحرم يموت ، فقال : «يغسّل ويكفّن بالثياب كلّها ويغطّى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحلّ غير أنّه لا يمسّ الطيب» (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ فحدّثني «أنّ عبد الرحمن بن الحسن بن عليّ عليه‌السلام مات بالأبواء مع الحسين بن عليّ عليه‌السلام وهو محرم ، ومع الحسين عليه‌السلام عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر فصنع به كما يصنع بالميّت وغطّى وجهه ولم يمسّه طيبا» قال :«وذلك في كتاب عليّ عليه‌السلام» (٣).

ورواية أبي مريم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خرج الحسين بن علي عليه‌السلام وعبد الله وعبيد الله ابنا العباس وعبد الله بن جعفر ومعهم ابن للحسن عليه‌السلام يقال له : عبد الرحمن ، فمات بالأبواء وهو محرم فغسّلوه وكفّنوه ولم يحنّطوه ، وخمّروا وجهه ورأسه ودفنوه» (٤).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٣ / ١٣٣٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥.

٢٦٢

وقريب منها موثّقته المرويّة عنه في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

ورواية أبي حمزة عن أبي الحسن عليه‌السلام في المحرم يموت ، قال : «يغسّل ويكفّن ويغطّى وجهه ولا يحنّط ولا يمسّ شيئا من الطيب» (٢).

ورواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة المحرمة تموت وهي طامث ، قال : «لا تمسّ الطيب وإن كنّ معها نسوة حلال» (٣).

وهذه الأخبار بأسرها تدلّ بالصراحة على ترك التحنيط ، وأمّا دلالتها على ترك إلقاء الكافور في ماء غسله فيمكن منعها بدعوى انصراف النهي عن أن يمسّها (٤) طيب عن الغسل بماء الكافور ، بل ظهوره في إرادة خصوص الحنوط ، بل ظاهر جلّ الأخبار أو كلّها أنّ غسله كغسل المحلّ شرطا وشطرا خصوصا بالنظر إلى ما في موثّقة (٥) أبي مريم حيث قال : «فغسّلوه وكفّنوه ولم يحنّطوه» إلى آخره ، ولذا قال شيخنا المرتضى قدس‌سره : ولو لا الإجماع على عدم جواز تغسيله بماء الكافور ، لأمكن الخدشة فيه (٦). انتهى.

لكن يتوجّه عليها : أنّه لو سلّم الانصراف في جلّها فلا نسلّمه في كلّها ، فإنّ النهي عن أن يقربه طيبا في صحيحة (٧) ابن مسلم يشمل بظاهره ما لو كان بواسطة الماء بلا شبهة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٨ / ٣ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث : ٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٧ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٨ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٤.

(٤) كذا بتأنيث الضمير ، والظاهر : «يمسّه».

(٥) تقدّمت في ص ٢٦٢.

(٦) كتاب الطهارة : ٣٠١.

(٧) تقدّمت في ص ٢٥٠.

٢٦٣

ودعوى الانصراف عنه غير مسموعة خصوصا بعد اعتضاده بفهم الأصحاب وإجماعهم ، كما أنّ فهمهم يؤيّد ظهور المنع من مسّ الطيب ـ في سائر الأخبار ـ في العموم.

كما يؤيّده أيضا ما روي عن ابن عباس أنّ محرما وقصت (١) به ناقته فذكر ذلك للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه ، ولا تمسّوه طيبا ولا تخمّروا رأسه فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّيا» (٢).

والعجب من السيّد قدس‌سره مع أنّه لا يعمل إلّا بالقطعيّات فقد حكي (٣) عنه المنع من تخمير رأسه ، محتجّا بهذه الرواية مع معارضتها للأخبار المتقدّمة التي كادت تكون صريحة في خلافه ، بل في بعضها التصريح بتخمير وجهه ورأسه.

نعم ، ربما يستشعر ذلك ممّا روي مرسلا عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من مات محرما بعثه الله ملبّيا» (٤) لكنّه ليس بشي‌ء في مقابل ما عرفت.

وأضعف منه ما حكي عن العماني من موافقة السيّد في المنع من تغطية رأسه بل الوجه أيضا ، محتجّا بأنّ تغطية الرأس والوجه مع تحريم الطيب ممّا لا يجتمعان ، والثاني ثابت ، فالأوّل منتف (٥).

وفيه ما لا يخفى.

وقد عرفت أنّ الأظهر أنّه لا مقدّر للواجب من الكافور في الحنوط كما هو

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «وقعت». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٩ / ٣٢٣٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ و ١٩٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٢.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٠١ ، وكذا في المعتبر ١ : ٣٢٦.

(٤) الفقيه ١ : ٨٤ / ٢٧٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٦.

(٥) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، المسألة ١٧١.

٢٦٤

المشهور ، لكن قدّروا المستحبّ منه بتقديرات (و) صرّح غير واحد منهم بأنّ (أقلّ الفضل فيه مقدار درهم) بل عن المعتبر نفي العلم بالخلاف بينهم في ذلك (١) ، وكفى به دليلا في إثباته مسامحة ، وإلّا فلم نعرف مستنده من الأخبار.

نعم ، في إحدى مرسلتي ابن أبي نجران ، المتقدّمتين (٢) قال : «أقلّ ما يجزئ من الكافور للميّت مثقال».

لكنّك عرفت التأمّل في دلالتها على إرادة الكافور لخصوص الحنوط ، مع أنّها على تقدير إرادته لا تصلح مستندة لإثبات المطلوب ، فإنّ الدرهم على الظاهر أقلّ من المثقال ، وحمله عليه يحتاج إلى دليل ، فالأولى بل الأحوط عدم الاجتزاء بأقلّ من مثقال.

(وأفضل منه أربعة دراهم) بل أربعة مثاقيل ، لرواية عبد الله بن يحيى الكاهلي والحسين بن مختار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «القصد من الكافور أربعة مثاقيل» (٣) وعن بعض النسخ : «الفضل» (٤) إلى آخره.

قال في المدارك : ونقل عن ابن إدريس رحمه‌الله أنّه فسّر المثاقيل الواقعة في الروايات بالدرهم ، نظرا إلى قول الأصحاب ، وطالبه ابن طاوس رحمه‌الله بالمستند (٥).

انتهى ، فالأولى عدم التخطّي عن ظاهر الروايات.

(وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلث) درهم ، كما يدلّ عليه مرفوعة

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٧.

(٢) في ص ٢٦٠.

(٣) التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٤٨ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٤) كما في جواهر الكلام ٤ : ١٨٧.

(٥) مدارك الأحكام ٢ : ٩٩ ، وانظر : السرائر ١ : ١٦٠ ، والذكرى ١ : ٣٥٦.

٢٦٥

الكافي ، قال : «السنّة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره» وقال : «إنّ جبرئيل عليه‌السلام نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحنوط وكان وزنه أربعين درهما فقسّمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أجزاء : جزء له وجزء لعليّ عليه‌السلام وجزء لفاطمة عليها‌السلام» (١).

ومرسلة الصدوق ، قال : «إنّ جبرئيل أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأوقية كافور من الجنّة ، والأوقية أربعون درهما ، فجعلها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلثا له وثلثا لعليّ عليه‌السلام وثلثا لفاطمة عليها‌السلام» (٢).

ومرفوعة ابن سنان قال : «السنّة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث» قال محمد بن أحمد : ورووا «أنّ جبرئيل عليه‌السلام نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحنوط وكان وزنه أربعين درهما ، فقسّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجزاء جزءا له صلى‌الله‌عليه‌وآله وجزءا لعليّ عليه‌السلام وجزءا لفاطمة عليها‌السلام» (٣).

وعن كشف الغمّة : روي «أنّ فاطمة عليها‌السلام قالت : إنّ جبرئيل أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا حضرته الوفاة بكافور من الجنّة فقسّمه أثلاثا ، ثلثا لنفسه وثلثا لعليّ وثلثا لي ، وكان أربعين درهما» (٤).

وعن عليّ بن موسى بن طاوس في كتاب الطرف عن عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : كان في الوصيّة أن يدفع إليّ الحنوط ، فدعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥١ / ٤ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٩١.

(٣) علل الشرائع : ٣٠٢ (الباب ٢٤٢) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التكفين ، الحديث ٧ و ٨.

(٤) كشف الغمّة ٢ : ٦٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التكفين ، الحديث ٩.

٢٦٦

وفاته بقليل فقال : يا علي ويا فاطمة هذا حنوطي من الجنّة دفعه إليّ جبرئيل ، وهو يقرأ كما السلام ويقول لكما : اقسماه واعزلا منه لي ولكما ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا أبتاه لك ثلثه ، وليكن الناظر في الباقي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضمّها إليه ، وقال : موفّقة رشيدة ، مهديّة ملهمة ، يا علي قل في الباقي ، قال : نصف ما بقي لها ، والنصف لمن ترى يا رسول الله ، قال : هو لك فاقبضه» (١).

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّه لا دلالة في شي‌ء من الأخبار المتقدّمة ـ الواردة في تحديد مقدار الكافور ـ على إرادة خصوص ما يحنّط به بعد الغسل ، بل الظاهر أنّ الكافور الذي أتي به من الجنّة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن لخصوص الحنوط كي يستعمل في غسله غيره ، وإطلاق الحنوط عليه في الأخبار لا ينافي ذلك ، فعلى هذا يشكل ما يظهر من المتن وغيره من اختصاص المقادير المذكورة ، وتنزيل كلامهم على إرادة ما يستعمل في تجهيز الميّت مطلقا تغليبا بعيد.

لكن فتواهم بما عرفت من التقادير وفهمم إيّاها من الروايات ونقل إجماعهم عليها ـ كما عن بعضهم ـ يهوّن الأمر علينا بعد البناء على المسامحة خصوصا مع ما عن الفقه الرضوي من التصريح بما عليه الأصحاب ، قال : «فإذا فرغت من كفنه حنّطه بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور وتبدأ بجبهته ، وتمسح مفاصله كلّها به ، وتلقي ما بقي على صدره وفي وسط راحتيه ، ولا تجعل في فمه ولا منخريه ولا في عينه ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا ،

__________________

(١) الطرف : ٤١ ـ ٤٢ ، الطرفة السابعة والعشرون ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التكفين ، الحديث ١٠.

٢٦٧

فإن لم تقدر على هذا المقدار كافورا فأربعة دراهم ، فإذا لم تقدر فمثقال لا أقلّ من ذلك لمن وجده» (١).

(وعند الضرورة) عقلا أو شرعا (يدفن بغير كافور) كما هو واضح ، إذ ما من شي‌ء حرّمه الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه.

(و) يكره على المشهور كما في الحدائق (٢) ، بل قيل : (لا يجوز تطييبه) أي الميّت (بغير الكافور والذريرة).

في المدارك : هي الطيب المسحوق ، قاله في المعتبر.

والظاهر أنّ المراد به طيب خاصّ معروف بهذا الاسم الآن في بغداد وما والاها. وقال الشيخ في التبيان : هي فتاة قصب الطيب ، وهي قصب يجاء به من الهند ، كأنّه قصب النشاب. وقال في المبسوط : يعرف بالقمّحة بضمّ القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة (٣). انتهى.

أقول : وممّا يبعّد إرادة مطلق الطيب المسحوق من الذريرة ـ مضافا إلى تصريح الشيخ وغيره بكونها اسما لنوع خاصّ منه ـ اقتضاؤها تخصيص النهي عن مسح مطلق الطيب ما عدا الكافور ـ في رواية ابن مسلم ، الآتية ، وغيرها ـ بمطلق الطيب المسحوق ، وهو بعيد.

وكيف كان فيدلّ على المطلوب : خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تجمّروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٤ : ٥٤.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٤ ، والتبيان ١ : ٤٤٨ ، والمبسوط ١ : ١٧٧.

٢٦٨

بالكافور ، فإنّ الميّت بمنزلة المحرم» (١).

ورواية عبد الله بن المغيرة عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«الكافور هو الحنوط» (٢).

ورواية قرب الإسناد عن إبراهيم بن محمّد الجعفري ، قال : رأيت جعفر بن محمّد ينفض بكمّه المسك عن الكفن ويقول : «هذا ليس من الحنوط في شي‌ء» (٣).

ورواية داود بن سرحان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لي في كفن أبي عبيدة الحذّاء : «إنّما الحنوط الكافور ، ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس» (٤).

وفي رواية أخرى عنه أنّه قال : مات أبو عبيدة الحذّاء وأنا بالمدينة ، فأرسل إليّ أبو عبد الله عليه‌السلام بدينار ، فقال : «اشتر بهذا حنوطا ، واعلم أنّ الحنوط هو الكافور ، ولكن اصنع كما يصنع الناس» قال : فلمّا مضيت أتبعني بدينار وقال : «اشتر بهذا كافورا» (٥).

وظاهر هاتين الروايتين جوازه لا بقصد التشريع ، بل ظاهر ما عدا خبر محمّد بن مسلم ليس إلّا ذلك.

نعم ، يستفاد من رواية قرب الإسناد بل ومن غيرها أيضا : مرجوحيّته ، لكونها ـ بحسب الظاهر ـ مسوقة لبيان كونه من مبتدعات العامّة ، وأنّه لا ينبغي

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب كراهية تجمير الكفن ..) الحديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٣ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٥ ـ ١٤٦ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١١.

(٣) قرب الإسناد : ١٦٢ / ٥٩٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٦ / ١٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٦ / ١٤٠٤ ، الوسائل ، الباب ٦ ، من أبواب التكفين ، الحديث ٧.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٦ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

٢٦٩

الإتيان به ، لمخالفته للسنّة ، فلا يفهم من شي‌ء منها أزيد من الكراهة ما لم يكن بقصد التشريع.

وأمّا خبر محمّد بن مسلم فربما يدّعى ظهوره في الحرمة.

وفيه تأمّل ، لإشعار ما فيه من التعليل بالكراهة ، وأنّ كونه بمنزلة المحرم ليس إلّا على جهة الاستحباب ، كما يؤيّده عدم اطّراد أحكام المحرم بالنسبة إليه.

ويؤكّده المستفيضة المتقدّمة الدالّة على أنّ «المحرم إذا مات فهو بمنزلة المحلّ غير أنّه لا يقربه طيب» المشعرة بعدم كون الميّت بمنزلة المحرم إلّا خصوص من مات محرما في خصوص هذا الحكم الذي ينسحب إلى ما بعد الموت ، بل التعبير بلفظ «الطيب» في تلك الأخبار وعدم تخصيص الكافور بالذكر يشعر بانتفاء هذا الحكم مطلقا في حقّ من عداه ، فليتأمّل.

وربما يستدلّ للحرمة أيضا : بخبر يعقوب بن يزيد عن عدّة من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يسخّن للميّت الماء ، لا يعجّل له النار ، ولا يحنّط بمسك» (١).

وهذه الرواية أيضا كسابقتها مشعرة بالكراهة ، كما يؤيّدها بل يعيّن إرادتها من الروايتين ما في مرسلة الصدوق من التصريح بالجواز ، قال : سئل أبو الحسن الثالث عليه‌السلام هل يقرب إلى الميّت المسك أو البخور؟ قال : «نعم» (٢).

وحملها على التقيّة خلاف الأصل ، ولا يفهم منها أزيد من نفي الحرمة

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب كراهية تجمير الكفن ..) الحديث ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٧ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٦ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التكفين ، الحديث ٩.

٢٧٠

حتى تعارض الأخبار المتقدّمة.

نعم ، تعارضها رواية مغيرة عن الصادق عليه‌السلام قال : «غسّل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدأه بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور ومثقال من مسك» (١).

وما رواه الصدوق مرسلا بعد ذكر حديث تكفين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : وروي أنّه حنّط بمثقال من مسك (٢).

وحمل مثل هذه الرواية ـ الواردة إخبارا عمّا وقع ـ على التقيّة بعيد ، واحتمال صدور الفعل لبيان الجواز أبعد ، وكونه من الخصائص محتمل ، كما أنّ عروض الجهة المقبّحة له بعد اتّخاذ العامّة إيّاه شعارا (٣) لهم ممكن ، وطرحها لأجل المعارض مع ما فيها من ضعف السند أولى.

فما عن ظاهر الصدوق من الالتزام باستحبابه (٤) ، مع شذوذه ضعيف ، والله العالم.

ويدلّ على عدم مرجوحيّة تطييبه بالذريرة بل رجحانه ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا ، بل عن المعتبر والتذكرة دعوى الإجماع على استحباب تطييب الكفن بها (٥) ، بل عن الأخير أيضا دعوى الإجماع على استحباب تطييب.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ / ٤٦٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١١.

(٢) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١٠.

(٣) في النسخ الخطيّة والحجريّة : «باتّخاذه العامّة شعارا» والأنسب ما أثبتناه.

(٤) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٥٤ ، وانظر : الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٢.

(٥) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٩ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٥ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ١٩ ، المسألة ١٦٩.

٢٧١

الميّت بها (١) (٢) ـ موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الميّت ، فذكر حديثا يقول فيه : «ثمّ تكفّنه تبدأ فتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة ـ إلى أن قال ـ ثمّ تبدأ فتبسط اللفّافة طولا ثمّ تذرّ عليها من الذريرة ـ إلى أن قال ـ وألق على وجهه ذريرة ـ إلى أن قال ـ وتطرح على كفنه ذريرة» (٣).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كفّنت الميّت فذرّ على كلّ ثوب شيئا من ذريرة وكافور» (٤).

وأمّا الذريرة فقد سمعت الخلاف في تفسيرها ، والأوفق بالقواعد بل الأحوط هو الاقتصار على الطيب الخاصّ المعروف بهذا الاسم الذي نبّه عليه في المدارك (٥) ، إذ لم يثبت كونه موضوعا لغيره ، بل لم يعلم مخالفة بعض التفاسير لذلك ، والله العالم.

ثمّ إنّه كما يكره تطييب الميّت بما عرفت ، كذلك يكره تجمير كفنه واتّباعه بمجمرة ، كما يدلّ عليه خبر ابن مسلم ، المتقدّم (٦).

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يجمّر الكفن» (٧).

__________________

(١) قوله : «بل عن الأخير .. الميّت بها» لم يرد في «ض ٨».

(٢) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢١٩ ، وحكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٩٦ ، ولم نعثر عليه في مظانّه من التذكرة.

(٣) التهذيب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٧ / ٨٨٩ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٥) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٦.

(٦) في ص ٢٦٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٤٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٤ / ٨٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

٢٧٢

وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تتبع جنازة بمجمرة» (١).

وخبر أبي حمزة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا تقربوا موتاكم النار» يعني الدخنة (٢).

وفي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام «وأكره أن يتبع بمجمرة» (٣).

وظاهر النهي في بعض هذه الروايات : الحرمة ، لكنّه محمول على الكراهة ، كما يشعر بها أغلبها حيث لا قائل بالحرمة ظاهرا ، بل عن جملة دعوى الإجماع على الكراهة.

ويدلّ على نفي الحرمة ـ مضافا إلى ما عرفت ـ مرسلة الصدوق ، المتقدّمة (٤).

بل يظهر من بعض الروايات استحبابه ، كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بدخنة كفن الميّت ، وينبغي للمرء المسلم أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر» (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٤ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٦ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٧ ، وفيه عن ابن أبي حمزة ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٠٧ / ٨٩٠ ، الإستبصار ١ : ٢١٢ / ٧٤٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٤) في ص ٢٧٠.

(٥) التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ / ٧٣٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١٣.

٢٧٣

وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله [عن أبيه] (١) عليهما‌السلام أنّه كان يجمّر الميّت بالعود فيه المسك ، وربما جعل على النعش الحنوط ، وربما لم يجعله ، وكان يكره أن يتبع الميّت بالمجمرة (٢).

ولعلّه لذا حكي عن ظاهر الصدوق استحبابه (٣).

لكنّه ليس بشي‌ء ، لوجوب طرح الروايتين أو تأويلهما في مقابلة ما عرفت ، ولذا حملهما الشيخ على التقيّة ، لموافقتهما للعامّة (٤).

أقول : أمّا الرواية الأولى فأمارة التقيّة منها لائحة ، لإشعارها بأنّ الإمام عليه‌السلام بعد أن نفى البأس عن دخنة الكفن ورّى في القول عند إرادة بيان الاستحباب ، فتكون التقيّة في إظهار استحبابه ، لا في أصل الجواز ، فتصلح هذه الرواية أيضا شاهدة لحمل النهي في الأخبار المتقدّمة على الكراهة.

وأمّا الرواية الأخيرة فذيلها ينافي التقيّة ، وأمّا صدرها فلا ظهور له يعتدّ به إلّا في جواز الفعل ، وأمّا استحبابه بعنوانه الخاصّ بحيث يعارض الأخبار المتقدّمة فلا ، لإجمال وجه العمل ، فهذه الرواية أيضا لو لم نقل بكونها شاهدة للمدّعى فلا أقلّ من كونها مؤيّدة لذلك ، والله العالم.

(وسنن هذا القسم) أمور :

منها : (أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه) إن أراده (أو يتوضّأ وضوء

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٥ ، الإستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٣٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١٤.

(٣) انظر : جواهر الكلام ٤ : ١٩١ ، والفقيه ١ : ٩١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٩٥ ، ذيل الحديثين ٨٦٥ و ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ ، ذيل الحديث ٧٣٩.

٢٧٤

الصلاة) على المشهور ، كما في طهارة شيخنا المرتضى (١) قدس‌سره ، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب (٢) ، لكن ظاهر هم ـ على ما في الحدائق (٣) ـ استحباب الأمرين ، لا التخيير ، كما هو ظاهر المتن وغيره ، كما أنّ ظاهر هم إرادة غسل المسّ والوضوء المبيح للصلاة ، لا غسل (٤) آخر أو وضوء كوضوء الجنب والحائض.

ويؤيّدهما ما عن المعتبر من الاستدلال له بأنّ الاغتسال والوضوء على من مسّ ميّتا واجب أو مستحبّ ، وكيف كان ، الأمر به على الفور ، فيكون التعجيل أفضل (٥). انتهى ، ومقتضاه استحباب التعجيل فيهما.

لكن في الاستدلال بظاهره ما لا يخفى.

وعن بعض : الاستدلال له : بكونه حال التكفين عند مباشرة الميّت على أحسن أحواله من الطهارة عن الحدث والخبث (٦).

وكيف كان فلا دليل على شي‌ء منهما بالخصوص من النصوص على الظاهر ، فعمدة المستند اشتهاره بين الأصحاب ، وكفى به دليلا في إثباته مسامحة ، لكن قد ينافيها ما يظهر من بعض الأخبار من رجحان تأخير الاغتسال عن التكفين.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قلت له : الذي يغمض الميّت ـ إلى أن قال ـ فالذي يغسّله يغتسل ، فقال : «نعم» قلت : فيغسّله ثمّ يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل ، قال : «يغسّله ثمّ يغسل يديه من العاتق ثمّ يلبسه أكفانه ثمّ

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٠٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٤ : ٣٧.

(٣) انظر : الحدائق الناضرة ٤ : ٣٧.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «غسلا». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٩١ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٤.

(٦) الحاكي هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٨٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٣٨.

٢٧٥

يغتسل» (١).

وفي صحيحة يعقوب بن يقطين «ثمّ يغسل الذي غسّله (٢) يده قبل أن يكفّنه إلى المنكبين ثلاث مرّات ثمّ إذا كفّنه اغتسل» (٣).

وفي حديث عمّار «ثمّ تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثمّ تكفّنه» (٤).

وعن الخصال «من غسّل منكم ميّتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه» (٥).

ويؤيّدها خلوّ باقي أخبار آداب التكفين عن الأمر بالاغتسال قبله.

ويمكن منع التنافي بكون بعض هذه الأخبار ـ كصحيحة ابن يقطين ، ورواية الخصال ـ مسوقا لبيان أصل غسل المسّ. والأمر بإيجاده بعد الفراغ من التكفين للجري مجرى العادة ، لا لبيان محلّه الموظّف.

وأمّا صحيحة ابن مسلم فلا يبعد كون الجواب فيها تقريرا للسؤال جريا على ما تقتضيه العادة ، إلّا أنّه عليه‌السلام أراد بيان أنّه ينبغي أن يكون تكفينه بعد غسل يديه من العاتق. ولا ينافي ذلك جواز الاجتزاء عن غسل اليدين بتقديم الغسل بل رجحانه.

ولا يبعد أن تكون حكمه الأمر بالاغتسال بعد الفراغ من التكفين رعاية

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ ـ ٤٢٩ / ١٣٦٤ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «يغسّله». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الإستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١٠.

(٥) الخصال : ٦١٨ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل المسّ ، الحديث ١٣.

٢٧٦

جانب الاحتياط من حيث إمكان بطلان الغسل في الواقع بفقد بعض شرائطه المعتبرة ، وإن حكم ظاهرا بصحّته بمقتضى القواعد الظاهريّة فلأجل مراعاة هذا الاحتمال لا يبعد أولوية تأخيره عن التكفين الذي لا ينفكّ غالبا عن مسّه ، فتأمّل.

وكيف كان فالإنصاف أنّه لا مانع من الالتزام باستحباب جميع ما في هذه النصوص من غسل اليدين من العاتق مطلقا ، كما في صحيحة ابن مسلم ، أو إلى المنكبين ثلاث مرّات ، كما في صحيحة ابن يقطين ، أو غسل اليدين الى المرافق والرّجلين إلى الركبتين ، كما في رواية عمّار ، أو الاجتزاء عن الأشياء المذكورة بالغسل أو الوضوء ، كما عن المشهور ، ولا ينافيه الأخبار المتقدّمة خصوصا بعد معلوميّة جواز التقديم وبناء الاستحباب على المسامحة.

(و) منها : (أن يزاد للرجل حبرة) بكسر الحاء وفتح الباء الموحّدة :ضرب من برد تصنع باليمن ، من التحبير ، وهو التحسين والتزيين ، صرّح بذلك غير واحد.

وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، بل عن صريح الخلاف والغنية وظاهر البيان أو صريحه دعوى الإجماع عليه (١) ، وعن المعتبر والتذكرة نسبته إلى علمائنا (٢) ، وعن جامع المقاصد إلى جميع علمائنا (٣).

وقضيّة إطلاق بعضهم في معاقد إجماعهم كصريح بعض آخر : عدم الفرق

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٩٥ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠١ ، المسألة ٤٩١ ، ولم نعثر على دعوى الإجماع في البيان : ٢٥ ، ولا على من حكاه عنه. نعم ، في جواهر الكلام ٤ : ١٩٥ :«وعندنا في الذكرى [١ : ٣٦٠]».

(٢) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٩٥ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٢ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٩ ، المسألة ١٥٩.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠٣ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٨٣.

٢٧٧

في ذلك بين الرجل والمرأة ، كما هو الذي تقتضيه قاعدة الاشتراك.

فما يعطيه ظواهر عبائر بعضهم من اختصاصه بالرجل ـ لاختصاص الأخبار به ـ ضعيف ، فإنّه من خصوصيّة المورد ، التي لا يتخصّص بها الحكم.

لكن في المدارك ـ كما عن جماعة (١) ممّن تأخّر عنه ـ إنكار استحباب زيادة الحبرة ، نظرا إلى ظهور الأخبار المستفيضة الدالّة على استحباب الحبرة ـ كالأخبار الدالّة على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريّين وبرد أحمر (٢) ، وغيرها ممّا تقدّم نقلها عند بيان الواجب من قطعات الكفن ـ في كون الحبرة أحد الأثواب الثلاثة الواجبة (٣).

بل ربما يدّعي دلالة بعض الأخبار على عدم استحباب الزيادة ، بل كونها من بدع العامّة.

كحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «كتب أبي في وصيّته أن أكفّنه في ثلاثة أثواب أحدها : رداء له حبرة كان يصلّي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي : لم تكتب هذا؟ فقال : أخاف أن يغلبك الناس ، فإن قالوا : كفّنه في أربعة أثواب أو خمسة ، فلا تفعل ، قال : وعمّمني (٤) بعمامة ، وليس تعدّ العمامة من الكفن ، إنّما يعدّ ما يلفّ به على الجسد» (٥).

__________________

(١) الحاكي عنهم هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٥٠ ، و ٢٩٢ / ٨٥٣ ، و ٢٩٦ / ٨٦٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الأحاديث ٣ ، و ٤ ، و ٦.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «عمّمته» بدل «عمّمني». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٧ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٠.

٢٧٨

واستدلّ لنفي استحباب الزيادة في الرياض بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ـ بعد حصر الكفن المفروض في ثلاثة ـ : «وما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنّة» (١).

وقال في تقريب الاستدلال : لا ريب أنّ الزائد على الثلاثة ـ الذي هو سنّة ـ هو العمامة والخرقة المعبّر عنها بالخامسة.

هذا ، مع ما في الزيادة من إتلاف المال والإضافة المنهيّ عنهما في الشريعة (٢). انتهى.

أقول : أمّا صحيحة زرارة فهي على خلاف مطلوبهم أدلّ ، فإنّه قال في صدر الرواية : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : العمامة للميّت من الكفن هي؟ قال : «لا ، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تامّ لا أقلّ منه ، يوارى فيه جسده كلّه ، فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنّة» الحديث ، فإنّ ظاهرها أنّ الخمسة التي تعدّ من أجزاء الكفن ما عدا العمامة التي لا تعدّ من الكفن ، كما نطق به هذه الصحيحة وغيرها من الأخبار المعتبرة ، بل الخرقة ـ التي يعبّر عنها بالخامسة ـ على الظاهر أيضا خارجة من هذه الخمسة ، فإنّها لا تعدّ شيئا ، وإنّما تصنع لتضمّ ما هناك لئلّا يخرج منه شي‌ء ، وما يصنع من القطن أفضل منها ، كما نطق بذلك في صحيحة ابن سنان (٣) ، وصرّح في خبره الآخر بأنّ «العمامة و

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) رياض المسائل ١ : ٣٩٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٤ ـ ١٤٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

٢٧٩

الخرقة لا بدّ منهما ، وليستا من الكفن» (١).

ويدلّ على عدم كون هذه الخرقة أيضا من الأثواب الخمسة المعدودة من الكفن : مرسلة يونس عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام ، قال : «الكفن فريضة ، للرجال ثلاثة أثواب ، والخرقة والعمامة سنّة ، وأمّا النساء ففريضته خمسة أثواب» (٢) فإنّها تدلّ على أنّ الخرقة خارجة من الأثواب الخمسة التي هي فريضة للنساء بمقتضى هذه الرواية.

والمراد بكونها فريضة تأكّدا استحبابها ، لشهادة النصّ والإجماع.

ويدلّ عليه أيضا : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : «يكفّن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفّافتين» (٣).

فيفهم من هاتين الروايتين أيضا أنّ الخرقة لا تعدّ شيئا بحيث تعدّ ثوبا من الأثواب التي يكفّن بها الميّت.

ويؤيّد ذلك ما في محكيّ الذكرى (٤) : أنّ الخمسة أثواب ـ التي يكفّن بها الميّت ـ في كلام الأكثر غير الخرقة والعمامة (٥).

ويؤيّده أيضا ما في الحدائق من أنّ الظاهر أنّ المشهور بين متقدّمي

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٥١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب تكفين المرأة) الحديث ٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٩ ، والحديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

(٤) في «ض ٨» : «ما حكي عن الذكرى».

(٥) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠٣ و ٣٠٤ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٦٦.

٢٨٠