مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

ويقرب منه ما عن الرضوي (١).

وهذا هو المستند لاستثناء جماعة صورة البرد الشديد ، وظاهره مراعاة جانب الميّت ، إلّا أنّه حكي عن الشيخ أنّه قال : لو خشي الغاسل من البرد ، انتفت الكراهة (٢).

وربما فسّرت الرواية بما يوافقه كما ليس بالبعيد عن ظاهرها ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ثمّ إنّ المراد بالماء المسخن في هذه الروايات ـ بحسب الظاهر ـ هو المسخن بالنار ، كما فهمه الأصحاب ، لا لمجرّد دعوى انصرافه إليه ، بل لكونه ـ بحسب الظاهر ـ معهودا لدى العامّة ، فلا ينصرف الذهن إلّا إليه ، مع أنّ إسخان الماء بالشمس لأجل تغسيل الميّت المبنيّ أمره على التعجيل لا يكاد يتّفق في الخارج كي يكون مقصودا بالنهي.

هذا ، مع أنّ في رواية يعقوب ، المتقدّمة (٣) إشعارا بذلك ، والله العالم.

ويكره أيضا الدخنة بالعود وغيره ، كما عن المشهور (٤) ، خلافا للجمهور فاستحبّوها.

وعن الباقر عليه‌السلام : «لا تقربوا موتاكم النار» (٥) يعني الدخنة ، على ما فسّر (٦).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٧.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٧٠ ، وانظر : النهاية : ٣٣ ، والمبسوط ١ : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، والخلاف ١ : ٦٩٢ ، المسألة ٤٧٠.

(٣) في ص ٢٢٠.

(٤) نسبه إلى المشهور البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٧١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٦ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٧ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١٢.

(٦) ورد التفسير بها في التهذيب ١ : ٢٩٥ ذيل الحديث ٨٦٦ ، والاستبصار ١ : ٢٠٩ ، ذيل الحديث ٧٣٧.

٢٢١

وعن الصادق عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تجمّروا الأكفان ولا تمسّوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور ، فإنّ الميّت بمنزلة المحرم» (١).

(الثالث) من الأحكام المتعلّقة بالأموات : (في تكفينه).

وهو كتغسيله وغيره من أحكامها التي عرفت أنّها واجب كفاية على عامّة المكلّفين ، لكنّ الواجب إنّما هو ستره في الكفن لا بذله وإن كان مستحبّا مؤكّدا.

ففي صحيحة سعد بن طريف (٢) : «من كفّن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» (٣).

ولا تتوقّف صحّته على قصد القربة وإن توقّف استحقاق الأجر عليه حيث لا استحقاق إلّا مع الإطاعة ، ولا إطاعة إلّا مع القصد.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى أنّ الأصل في الواجبات التوصّليّة ، كما عرفت تحقيقه في نيّة الوضوء ـ شهادة العرف بل الشرع أيضا ـ كما لا يخفى على من نظر في أخبار الباب ـ بعدم تعلّق الغرض الباعث على الطلب إلّا حصول الفعل في الخارج ولو من دون قصد.

فما عن بعض متأخّري المتأخّرين ـ من توقّف صحّة التكفين على النيّة ، فلو وقع من دونها ، وجب إعادته ، لأنّه من التعبّديّات التي لا يعلم بحصول الغرض منها بمجرّد الوجود الخارجي (٤) ـ ضعيف جدّا ، ولا يبعد أن يكون متفرّدا بقوله.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب كراهية تجمير الكفن ..) الحديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٣ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «معاوية بن ظريف». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٤ (باب ثواب من كفّن مؤمنا) الحديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٠ / ١٤٦١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٤) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٩٦ عن بعض مشايخه ، وانظر : مستند الشيعة ٣ : ٢٠٨.

٢٢٢

وما أبعد ما بينه وبين ما حكي (١) عن بعض من القول بحصول الثواب مع عدم النيّة ما لم ينو عدمها ، لظواهر الأخبار الدالّة عليه ، بل نسب إلى الأردبيلي القول به ولو مع نيّة العدم (٢).

وقد أشرنا إلى ضعفه بما أومأنا إليه من توقّف استحقاق الثواب عقلا على الإطاعة التي لا تتحقّق إلّا بالقصد.

اللهمّ إلّا أن يوجّه ذلك بإرادة التفضّل من الثواب ، لا جزاء العمل ، فيمكن الالتزام به بعد مساعدة الدليل بأن يقال : إنّه يفهم من الأدلّة أنّ هذا العمل بنفسه كإغاثة الملهوف ونحوها من الأمور التي لها آثار ذاتيّة يحدث بها صفة كمال في الإنسان ، فيتقرّب بها إلى الله جلّ جلاله بخاصّيّة العمل ، ويستحقّ بكماله الفوز إلى الدرجات الرفيعة ، كما أنّه ربما نلتزم بذلك بالنسبة إلى جملة من الأعمال الحسنة المؤثّرة من حيث هي في تهذيب النفس وكمالها ، والله العالم.

(ويجب) لدى الاختيار (أن يكفّن) الميّت (في ثلاثة أقطاع) لا أقلّ بلا خلاف على الظاهر عدا ما حكي عن سلّار ، فاجتزأ بثوب واحد (٣).

وهو ضعيف محجوج بمخالفته للإجماع ـ المحكيّ (٤) عن الخلاف والغنية وغير هما ، بل في الجواهر : دعوى استفاضة نقل الإجماع على خلافه أو تواتره (٥) ـ والأخبار المستفيضة بل المتواترة.

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٩٦ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٩٦.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٩٦ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٩٦.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٥٩ ، وانظر : المراسم : ٤٧.

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٠ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠١ ـ ٧٠٢ ، المسألة ٤٩١ ، والغنية : ١٠٢ ، والذكرى ١ : ٣٥٣.

(٥) جواهر الكلام ٤ : ١٥٩.

٢٢٣

ففي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الميّت يكفّن في ثلاثة أثواب (١) سوى العمامة والخرقة يشدّ بها وركيه لكي لا يبدو منه شي‌ء ، والعمامة والخرقة لا بدّ منهما ، وليستا من الكفن» (٢).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عمّا يكفّن به الميّت ، قال : «ثلاثة أثواب ، وإنّما كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريّين ، وثوب حبرة ، والصحاريّة تكون باليمامة ، وكفّن أبو جعفر عليه‌السلام في ثلاثة أثواب» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ستمرّ جملة منها عليك ، الواردة في كيفيّة التكفين وبيان عدد قطعات الكفن ، الدالّة على اعتبار ثلاثة أثواب وما زاد بتقريب أنّه لا يجوز الاقتصار على الأقلّ ممّا اشتمل عليه مثل هذه الأخبار البيانيّة إلّا بدليل يدلّ على عدم كون بعض ما فيه ـ مثلا ـ من الأركان ، وليس في شي‌ء منها إشعار بجواز الاجتزاء بما دون الثلاثة عدا صحيحة زرارة ، المرويّة عن بعض نسخ التهذيب ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : العمامة للميّت من الكفن؟ قال : «لا ، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تامّ لا أقلّ منه يوارى فيه جسده كلّه ، فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنّة» (٤).

وقيل (٥) : إنّ هذه الصحيحة مع الأصل هي مستند سلّار.

__________________

(١) كلمة «أثواب» لم ترد في المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٥٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٥) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٩٦.

٢٢٤

وفيه : أنّ الأصل منقطع بالدليل.

وأمّا الصحيحة فهي غير ناهضة للاستدلال ، لما فيها من الإشكال والإجماع واضطراب المتن حيث رواها الكليني عن زرارة ومحمد بن مسلم مثل ما في التهذيب ، إلّا أنّه قال : «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تامّ» (١) وعلى هذا يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ بقرينة غيرها من الأدلّة ، فيكون دليلا للمشهور.

وعن الحبل المتين أنّ بعض نسخ التهذيب أيضا كما في الكافي (٢) ، فيحتمل زيادة همزة «أو» في النسخة المشتملة عليها بتصرّف النّساخ ، كما يؤيّدها ما ستعرفه من الإشكال.

وحكي (٣) عن أكثر نسخ التهذيب روايتها بحذف الثوب «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تامّ».

ويظهر من الحدائق أنّ هذا هو الموافق لأصل نسخة التهذيب ، المكتوبة بخطّ الشيخ رحمه‌الله ، حيث استظهر سقوط لفظ «الثوب» من قلم الشيخ (٤).

وكيف كان فلا وثوق بصحّة النسخة المشتملة على لفظة «أو».

هذا ، مع ما فيه من الإشكال ، فإنّ ظاهرها التخيير في الفرض الذي جعله قسيما للسنّة بين الأقلّ والأكثر ، لا مع المغايرة بينهما بوجه ، كما في القصر والإتمام.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٥ ، وانظر : الحبل المتين : ٦٦.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٩٧.

(٤) الحدائق الناضرة ٤ : ١٦.

٢٢٥

نعم ، لو أمكن الالتزام بجواز التكفين بثلاثة أثواب ناقصة تحصل مواراة جسد الميّت بمجموعها من حيث المجموع من دون أن يعتبر في أحدها كونه شاملا لجميع البدن ، لأمكن الالتزام بالتخيير ، لكنّه على الظاهر ممّا لا يقول به أحد ، فلينزّل الرواية ـ على تقدير ثبوتها ـ إمّا على إرادة حالتي الاختيار والاضطرار ـ كما ليس بالبعيد ـ أو يلتزم بخروجها مخرج التقيّة وإن لا يخلو عن بعد ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وكيف كان فهذه الرواية لو لم تكن دليلا للمشهور فلا تكون دليلا عليهم.

ثمّ إنّ الإقطاع الثلاثة الواجبة في الكفن على المشهور ما كانت بصورة (مئزر) بكسر الميم ثمّ الهمزة الساكنة ، ويطلق عليه في العرف واللغة : الإزار ، كما هو الشائع في النصوص على ما يشهد به الاستقراء في أخبار الباب وما ورد في باب الإحرام وفي أحكام الحائض وفي آداب الحمّام ، إلى غير ذلك من مواقع استعمالاته.

وربما حدّد المئزر ـ كما عن الروض والروضة (١) ـ بما يستر ما بين السرّة والركبة.

وعن جامع المقاصد : ما يسترهما (٢).

وعن المقنعة (٣) والمراسم (٤) : ما يستر من سرّته (٥) إلى حيث يبلغ من

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٠ ، وانظر : روض الجنان : ١٠٣ ، والروضة البهيّة ١ : ٤١٥.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٠ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٨٢.

(٣) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٠ ، وانظر : المقنعة : ٧٨.

(٤) كما في جواهر الكلام ٤ : ١٦٠ ، وانظر : المراسم : ٤٩.

(٥) في الطبعة الحجريّة : «السرّة» بدل «سرّته».

٢٢٦

ساقيه.

وعن المصباح : من سرّته إلى حيث يبلغ (١) المئزر (٢).

وعن الروض (٣) احتمال كفاية ما يستر العورة ، لأنّه شرّع لسترها بالأصل.

وفيه ما لا يخفى من الضعف.

والأولى إحالته على العرف ، والاجتزاء بما يتحقّق به مسمّاه عرفا بحيث لا يكون استعماله ـ مثلا ـ في الحمّام ونحوه خلاف المتعارف الذي ينصرف عنه الإطلاق.

(وقميص) وقد حدّده غير واحد بما يصل إلى نصف الساق. ولعلّه لتعارفه في ذلك الزمان ، فعليه ينزّل إطلاق الأخبار ، ولا ريب في أنّه أحوط وإن كان المتّجه كفاية مسمّاه الذي يتحقّق على الظاهر بما لا يبلغه.

(وإزار) والمراد منه في المقام هو الثوب الشامل لجميع البدن طولا وعرضا.

وهل تجب زيادة شي‌ء ليمكن معه عقد طرفيه طولا وينطبق أحد جانبيه على الآخر عرضا ، كما عن بعض (٤) ، معلّلا بعدم تبادر غيره من الأخبار ، أم لا تجب ، بل يكفي مطلق ما يشمل البدن ولو بالخياطة ونحوها؟ وجهان ، أحوطهما : الأوّل ، وأظهر هما : الثاني ، فإنّ التبادر المدّعى في المقام منشؤه غلبة

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «بلغ» بدل «يبلغ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٠ ، وانظر : مصباح المتهجّد : ١٩.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الروضة» بدل «الروض». والصحيح ما أثبتناه من جواهر الكلام ٤ : ١٦٠ ، وانظر : روض الجنان : ١٠٣.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٧ عن جامع المقاصد ١ : ٣٨٢ ، وروض الجنان : ١٠٣.

٢٢٧

الوجود.

ثمّ إنّ إطلاق «الإزار» على مثل هذا الثوب هل هو حقيقة كإطلاقه على المئزر أم مجاز؟ فيه تردّد ربما يقوّي الأوّل ـ مضافا إلى إطلاق الفقهاء ـ ما حكاه في مجمع البحرين عن بعض أهل اللغة من تفسيره بالثوب الشامل لجميع البدن (١).

لكن قد يغلب على الظنّ كونه حقيقة في الثوب الشامل الذي يتستّر به المرأة لا مطلقا ، فلا يبعد أن يكون إطلاق الفقهاء مأخوذا منه ، وأن يكون تفسير البعض تفسيرا بالأعمّ ، كما أنّه يحتمل قويّا كون استعماله في إزار المرأة أيضا في الأصل ، للمناسبة بينه وبين المعنى الأوّل من حيث كون المرأة عورة ، فليتأمّل.

وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في جواز الاجتزاء بما وصفناه في أجزاء الكفن الواجب ، بل لا خلاف فيه على الظاهر ، كما يظهر من غير واحد إلّا من صاحب المدارك وبعض من تبعه ، فظنّوا عدم جواز الاجتزاء بالمئزر ، ووجوب التكفين بثوبين شاملين وقميص ، أو بثلاثة أثواب شاملات مخيّرا بينهما ، مدّعيا استفادته من الأخبار ، ونسبه إلى ابن الجنيد والصدوق.

قال في المدارك ـ بعد نقل جملة من الأخبار التي سيأتي نقلها ـ : أمّا المئزر فقد ذكره الشيخان وأتباعهما ، وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة ، ولم أقف في الروايات على ما يعطي ذلك ، بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد أو الأثواب الثلاثة.

__________________

(١) مجمع البحرين ٣ : ٢٠٤ «أزر».

٢٢٨

وبمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه ، فقال : لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا أو ثوبين وقميصا.

وقريب منه عبارة الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» فإنّه قال : الكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفّافة ، سوى العمامة والخرقة ، فلا تعدّان من الكفن.

وذكر قبل ذلك أنّ المغسل للميّت قبل أن يلبسه القميص يأخذ شيئا من القطن وينثر عليه ذريرة ، ويجعل شيئا من القطن على قبله ، ويضمّ على رجليه جميعا ، ويشدّ فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدّا جيّدا لئلّا يخرج منه شي‌ء. ومقتضاه أنّ المئزر عبارة عن الخرقة المشقوقة التي يشدّ بها الفخذان ، والمسألة قويّة الإشكال.

ولا ريب أنّ الاقتصار على القميص واللفّافتين أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة والخرقة التي يشدّ بها الفخذان أولى (١). انتهى.

وعن الأمين الأسترابادي (٢) أنّه تبع صاحب المدارك ـ الذي هو أستاده ، كما في الحدائق (٣) ـ في القول ، وبالغ في الطعن على المشهور حتى أنّه نسبه إلى جمع من المتأخّرين غفلة عن أنّه قول جلّ الأصحاب قديما وحديثا لو لا كلّهم.

وقال ـ فيما حكاه عنه صاحب الحدائق ـ : وقد وقع من جمع من المتأخّرين سهو عظيم حيث زعموا أنّ من جملة الكفن الواجب المئزر ، وفسّروه

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٩٤ ـ ٩٥ ، وانظر : الفقيه ١ : ٩٢ ، وكذا ذيل الحديث ٤٢٠.

(٢) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٤ : ١٣.

٢٢٩

بثوب يكون من السرّة إلى الركبة ، مع أنّه لا دلالة في الأحاديث على ذلك (١). انتهى.

ولقد أطال في الحدائق في إبطال هذه المقالة وأوضح أنّ الإزار ـ الذي يفهم اعتباره من جملة من الأخبار ـ ليس إلّا ما عبّر عنه الأصحاب بالمئزر ، وقد تعرّض لنقل جملة من عبائر القدماء ـ كالمفيد والشيخ وابن أبي عقيل وعلي ابن بابويه والصدوق ـ الدالّة على أنّ المئزر من أجزاء الكفن الواجب وإن اختلفت عبائرهم حيث عبّر عنه بعضهم بالمئزر وآخر بالإزار (٢).

والذي أوقع صاحب المدارك في الوهم ـ حيث ظنّ موافقة الصدوق لما اختاره ـ تعبير الصدوق عنه بالإزار ، وإطلاق المئزر في عبارته الأخيرة على الخرقة التي تشدّ على العورة.

وكيف كان فالذي يتوجّه على هذه المقالة أوّلا : أنّ الرجوع في تشخيص ما يجزئ في أجزاء مثل الكفن إلى ما هو المعهود لدى المتشرّعة مع شدّة الاهتمام بأمره شرعا وعرفا ، ومجبوليّة الناس على مراعاة الاحتياط فيه مهما تيسّر أوثق من الاستبداد بالرأي فيما يفهم من ظواهر الأخبار ، لقضاء العادة بكون مثل الفرض ممّا تعاطاه المتشرّعة خلفا عن سلف يد بيد ، فلو ظنّ ظانّ ظهور الأخبار في خلاف ما بأيديهم مع كون المشهور بين العلماء ـ الذين وصلت الأخبار إلينا بواسطتهم ـ صحّة عملهم ، لوجب الجزم بكونه لشبهة ، أو كون الأخبار عليلة ، أو أنّ المراد بها خلاف ظاهرهما ، وإلّا لم يعدل الأصحاب عنها قطعا.

وثانيا : أنّ جملة من الأخبار ناطقة بكون الثوب الذي يشدّ على الوسط

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ : ١٣.

(٢) راجع : الحدائق الناضرة ٤ : ١١ و ١٢.

٢٣٠

ـ الذي يسمّى بالإزار والمئزر ـ من أجزاء الكفن الواجب :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أصنع بالكفن؟ قال : «تأخذ خرقة فتشدّ بها على مقعدته ورجليه» قلت : فالإزار ، قال : «لا ، إنّها لا تعدّ شيئا ، إنّما تصنع ليضمّ ما هناك لئلّا يخرج منه شي‌ء ، وما يصنع من القطن أفضل منها ، ثمّ يخرق القميص إذا غسّل ، وينزع من رجليه» قال : «ثمّ الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف ، وعمامة يعصّب بها رأسه ، ويردّ فضلها على رجليه» (١).

في الوسائل : هذا تصحيف ، والصحيح «يردّ فضلها على وجهه» ذكره صاحب المنتقى ، ويأتي ما يشهد له (٢). انتهى.

تقريب دلالة الرواية : أنّه حيث إنّ الإمام عليه‌السلام أمره بالخرقة المذكورة توهّم الراوي كونها بمنزلة الإزار المعهود المعدود من أجزاء الكفن ، لإفادتها فائدته ، أو توهّم كونها بعينها هي الإزار ، فاستفهم عنها ، فكأنّه قال : فالإزار غير لازم ، أو قال : فالإزار هذه الخرقة ، فأنكر عليه الإمام عليه‌السلام ، وبيّن أنّ هذه الخرقة لا تعدّ من الكفن ، فليست بالإزار المعدود من الكفن ، ومن المعلوم أنّه لا وقع لتوهّم الاجتزاء بها عن الإزار إلّا إذا كان المراد بالإزار ما يشدّ على الوسط ، ويتستّر به العورة ، لا اللفّافة الشاملة لجميع البدن.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «ثمّ الكفن» إلى آخره ، فهو مسوق لبيان بعض ما يختفى

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٤ ـ ١٤٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

(٢) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، ذيل الحديث ٨ ، وانظر : منتقى الجمان ١ : ٢٥٨.

٢٣١

على السائل ، لا لبيان ماهيّة الكفن ، ولذا لم يتعرّض لذكر اللفّافة المعلوم ـ نصّا وإجماعا بل ضرورة ـ كونها من الكفن ، وترك ذكر الإزار أيضا كذلك ، مع أنّه علم من نفس هذه الرواية فضلا عن غيرها اعتباره ، فحيث كان السائل يعرف أجزاءه إجمالا ـ كما يدلّ عليه قوله : فالإزار ، وكذا قول الإمام عليه‌السلام : «وما يصنع من القطن أفضل منها» ـ كان بيان الأجزاء مفصّلا مستدركا ، وإنّما أراد عليه‌السلام بيان بعض الأمور الخفيّة التي منها اعتبار قميص غير مزرور وعمامة بالكيفيّة المذكورة ، والله العالم.

ومنها : ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يكفّن الميّت في خمسة أثواب : قميص لا يزرّ عليه ، وإزار ، وخرقة يعصّب بها وسطه ، وبرد يلف فيه ، وعمامة يعمّم بها ، ويلقى فضلها على صدره» (١).

في الوسائل : رواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد مثله ، إلّا أنّه قال : «ويلقى فضلها على وجهه» (٢).

والمراد بالإزار ليس إلّا المئزر ، لما عرفت من كونه حقيقة فيه ، وكونه هو المعنى الشائع الذي يراد منه شرعا وعرفا ، وعلى تقدير كونه حقيقة فيما يلفّ على البدن أيضا فالمراد منه في المقام ليس إلّا الأوّل بقرينة ما عرفته وستعرف ، كما يؤيّده فهم الأصحاب ، مضافا إلى جعله في الرواية قسيما لما يلفّ فيه الميّت ، فلو كان المراد به اللفّافة ، لكان الأنسب أن يقول : بلفّافتين أحدهما برد.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يكفّن الرجل

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، ذيل الحديث ١٣ ، وانظر : التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٨ ، و ٣١٠ / ٩٠٠.

٢٣٢

في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفّافتين» (١) فإنّ المراد بالمنطق ـ بحسب الظاهر ـ ليس إلّا المئزر.

وفي المدارك ـ بعد أن فسّره بما يشدّ به الوسط ـ قال : ولعلّ المراد به هنا ما يشدّ به الثديان (٢). انتهى.

وفيه ما لا يخفى من البعد.

نعم ، ربما يحتمل إرادة الخرقة التي يعصّب بها وسطها ويضمّ بها فخذاها.

لكن يبعّده أوّلا : عدم اختصاص هذه الخرقة بالمرأة ، فمقتضى إرادتها من المنطق كونها أحد الأثواب الثلاثة المشتركة بين الرجل والمرأة ، وهو خلاف النصّ والإجماع.

وثانيا : أن إرادة المئزر أوفق بمعناه الحقيقي ، بل لا يبعد عدم استعمال المنطق إلّا في معناه الحقيقي ، فإنّه ـ على ما نصّ عليه اللغويّون ـ ثوب تلبسه المرأة ، ويظهر منهم كونه أشبه شي‌ء بالمئزر.

قال في مجمع البحرين : المنطق ـ كمنبر ـ : ما يشدّ به الوسط ، ومنه : حديث الحائض : أمرها فاستثفرت وتمنطقت وأحزمت. والمنطق أيضا شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها ثمّ ترسل أعلاها على أسفلها إلى الركبة والأسفل إلى الأرض. قال في النهاية : أوّل من اتّخذ المنطق أمّ إسماعيل ، وبه سمّيت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، لأنّها كانت تطابق نطاقا فوق نطاق. وقيل : كان لها نطاقان

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب تكفين المرأة) الحديث ٣ ، التهذيب ١ : ٣٢٤ / ٩٤٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٩.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٥.

٢٣٣

تلبس أحد هما وتحمل في الآخر الزاد إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الغار. ومنه الحديث : المرأة تكفّن في درع ومنطق. ومثله : تكفّن المرأة في منطق ولفّافتين (١).

انتهى عبارة المجمع.

أقول : ولا يبعد أن يكون المراد ب «تمنطقت» في حديث الحائض أيضا هذا المعنى.

وكيف كان فالمراد بالمنطق فيما نحن فيه ـ على الظاهر ـ ليس إلّا هذا المعنى ، فالزائد الذي تختصّ به المرأة هو الخمار وإحدى اللفّافتين ، فليتأمّل.

ومنها : ما رواه يونس عنهم عليهم‌السلام في تحنيط الميّت وتكفينه ، قال : «ابسط الحبرة بسطا ثمّ ابسط عليه الإزار ثمّ ابسط القميص عليه» (٢) الحديث.

ومنها : ما رواه عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الميّت ، فذكر حديثا يقول فيه : «ثمّ تكفّنه ـ إلى أن قال ـ ثمّ تبدأ فتبسط اللفّافة طولا ثمّ تذرّ عليها من الذريرة ثمّ الإزار طولا حتى يغطّى الصدر والرّجلين» (٣) الحديث ، فإنّها صريحة في عدم إرادة الثوب الشامل للبدن من الإزار.

نعم ، في قوله عليه‌السلام : «ثمّ الإزار طولا» إجمال ، لكن لا ينافي الاستدلال ، كما هو ظاهر.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إنّي كفّنت أبي في ثوبين شطويّين كان يحرم فيهما ، وفي

__________________

(١) مجمع البحرين ٥ : ٢٣٩ ، وانظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٧٥ «نطق».

(٢) الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

٢٣٤

قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليه‌السلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار» (١).

وما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللّذان أحرم فيهما يمانيّين عبريّ وأظفار ، وفيهما كفّن» (٢).

وستعرف إن شاء الله أنّ أحد ثوبي الإحرام : الإزار الذي هو بمعنى المئزر ، لكن لقائل أن يقول : لا ملازمة بين كون الإزار أحد ثوبي الإحرام والاتّزار به حال التكفين ، فمن الجائز كونه كبيرا صالحا لأن يشمل جميع الجسد ويستعمل في الكفن كذلك ، إلّا أنّه يصلح مؤيّدا لتعيين المراد بالإزار في سائر الأخبار ، كما أنّ سائر الأخبار تصلح مبيّنة لكيفيّة استعماله في التكفين من كونه بهيئة الإزار لا اللفّافة ، كما يؤيّده ما في بعض الروايات من «أنّ الميّت بمنزلة المحرم» (٣).

فالإنصاف ـ بعد ملاحظة مجموع الأخبار وفتاوى الأصحاب وعمل المتشرّعة ـ لا مجال للتشكيك في كون المئزر أحد الأثواب الثلاثة ، وعلى تقدير الشكّ فالأصل عدم وجوب ستر سائر البدن بالثوب الذي عبّر عنه بالإزار في الأخبار.

نعم ، لا يتعيّن بالأصل اعتبار خصوص المئزر ، كما هو ظاهر.

وعمدة مستند صاحب المدارك ومن تبعه : ما ورد في الأخبار المستفيضة

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٩ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٣ ، الإستبصار ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ / ٧٤٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب كراهية تجمير الكفن ..) الحديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٣ ، الإستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

٢٣٥

من أنّه يكفّن الميّت في ثلاثة أثواب :كموثّقة سماعة ، المتقدّمة (١).

ومرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنّة ، وأمّا النساء ففريضته خمسة أثواب» (٢).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كتب أبي في وصيّته أن أكفّنه بثلاثة أثواب ، أحدها : رداء له حبرة كان يصلّي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي : لم تكتب هذا؟ فقال : أخاف أن يغلبك الناس فإن قالوا : كفّنه في أربعة أو خمسة ، فلا تفعل ، قال : وعمّمني بعد بعمامة ، وليس تعدّ العمامة من الكفن ، إنّما يعدّ ما يلفّ به الجسد» (٣).

وصحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريّين» (٤).

وصحيحة زرارة ، المتقدّمة (٥) التي اضطرب متنها.

قال في المدارك ـ بعد نقل الأخبار المتقدّمة ـ : وبالجملة ، فالأخبار الواردة بالأثواب الثلاثة مستفيضة ، ولا معارض لها ، فتعيّن العمل بها (٦). انتهى.

__________________

(١) في ص ٢٢٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٥١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٧ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٩٦ / ٨٦٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٥) في ص ٢٢٤.

(٦) مدارك الأحكام ٢ : ٩٤.

٢٣٦

وفيه : أنّه لا تنافي هذه الروايات كون أحد الأثواب الثلاثة المئزر ، فإنّه يطلق عليه الثوب لغة وعرفا وشرعا ، بل قد سمعت في صحيحة (١) معاوية بن عمّار «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثوبي إحرامه» المعلوم كون أحدهما الإزار ، فيعرف من ذلك أنّ المراد بالأثواب الثلاثة التي وردت في الأخبار المستفيضة من «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن فيها» كان أحدها الإزار ، فيكون ما دلّ على اعتبار الإزار مبيّنا لما في هذه الأخبار من الإجمال.

ودعوى أنّ المتبادر من الأثواب كونها شاملة ، ممنوعة أشدّ المنع ، خصوصا مع عدم كون أغلب الأخبار مسوقا لبيان تفصيل الثياب ، بل الظاهر أنّ أغلبها مسوقة لبيان عدم اعتبار الأزيد ، كما يزعمه العامّة على ما يظهر من بعض (٢) الأخبار.

نعم ، بقرينة العهد وكذا المناسبة الظاهرة يفهم اعتبار كونها شاملة في الجملة ، لا كون كلّ منها كذلك ، وليس في قوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي : «وليس تعدّ العمامة من الكفن ، إنّما يعدّ ما يلفّ به الجسد» (٣) إشعار بذلك فضلا عن الدلالة ، فإنّ الإزار أيضا يلفّ به الجسد.

نعم ، لو أمر بلفّ الجسد في شي‌ء ، يتبادر منه إرادة الشمول ، وهذا بخلاف ما لو كان للكفن كيفيّة معهودة.

وقيل : إنّ ما يلفّ به الجسد من الكفن ، فإنّه لو كان الإزار من أجزائه

__________________

(١) تقدّمت الصحيحة في ص ٢٣٥.

(٢) وهي حسنة الحلبي ، المتقدّمة في ص ٢٣٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٢٣٦ ، الهامش (٣).

٢٣٧

الخارجي ، يفهم من هذه الرواية أنّه من أجزاء الكفن ، وأنّه ليس كالعمامة ، فليس في شي‌ء من الأخبار المتقدّمة إشعار باعتبار كون الأثواب الثلاثة شاملة لجميع الجسد.

وأمّا قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ثلاثة أثواب تامّ لا أقلّ منه يوارى فيه جسده كلّه» على ما رواه في التهذيب (١) فلا ينهض دليلا لإثبات مدّعاه بعد ما عرفت ما فيه من التشويش وقوّة احتمال اشتماله على السقط ، مضافا إلى عدم صلاحيّة جعل كلمة «تامّ» صفة للأثواب كي يصلح دليلا له.

نعم ، ربما يشهد له حسنة حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : فالكفن ، قال : «تأخذ خرقة وتشدّ بها سفله وتضمّ فخذيه بها ليضمّ ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ثمّ يكفّن بقميص ولفّافة وبرد يجمع فيه الكفن» (٢) فإنّ المتبادر من اللفّافة إرادة الثوب الشامل ، والبرد أيضا كذلك.

لكن لا يبعد أن يكون المراد باللفّافة الإزار ، فإطلاق اللفّافة عليه باعتبار كونه يلفّ على معظم البدن ، كما يؤيّد إرادته قوله عليه‌السلام : «وبرد يجمع فيه الكفن» فإنّه يشعر بعدم كون اللفّافة شاملة.

وعلى تقدير تسليم ظهورها في إرادة الثوب الشامل فلا بدّ من تأويلها أمّا بتقييدها بالإزار وحمل البرد على الاستحباب ، كما سيأتي التكلّم فيه ، أو طرحها ، إذ لا يصلح مثل هذه الرواية لمعارضة ما عرفت خصوصا بعد إعراض الأصحاب

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، وفيه : «ثلاثة أثواب أو ثوب تامّ».

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٥ ، الإستبصار ١ : ٢٠٥ / ٧٢٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

٢٣٨

عنها.

نعم ، لو قيل بكون الاجتزاء بالإزار رخصة لا عزيمة ـ بمعنى جواز الإتيان بثوب شامل للبدن بدلا منه ـ لاتّجه الجمع بينها وبين ما عرفت بحملها على أحد فردي الواجب ، لكنّه خلاف ظاهر النصوص والفتاوى ، فالأظهر وجوب الإزار معيّنا ، وعدم جواز الاجتزاء عنه بالثوب الشامل.

وأمّا القميص فكونه أحد الأثواب الثلاثة ممّا لا شبهة فيه ، لوروده في جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها.

وهل يتعيّن بالخصوص ، كما هو ظاهر المشهور ، بل عن الغنية والخلاف الإجماع عليه (١) ، أم يجوز الاجتزاء عنه بثوب شامل ، كما هو خيرة المدارك (٢) ، وفاقا للمحكيّ عن المعتبر وابن الجنيد (٣) ، وعن جملة من متأخّري المتأخّرين الميل إليه (٤)؟ وجهان ، أحوطهما بل أظهر هما : الأوّل ، لظهور جملة من الأخبار في كونه بالخصوص من أجزاء الكفن.

كقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : «ثمّ الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف» (٥).

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٦٥ ، وانظر : الغنية : ١٠٢ ، والخلاف ١ : ٧٠١ ، المسألة ٤٩١.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٥.

(٣) الحاكي عنهما هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٧٩.

(٤) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٤ ـ ١٤٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

٢٣٩

وفيما رواه معاوية بن [وهب] (١) «قميص لا يزرّ عليه» (٢).

وفي حسنة حمران «ثمّ يكفّن بقميص» (٣) إلى آخره ، إلى غير ذلك من الروايات المتقدّمة.

ولا ينافيها الأخبار المستفيضة الواردة بالأثواب الثلاثة ، كما توهّمه صاحب المدارك (٤) ، لكونها بيانا لما في هذه الأخبار من الإجمال.

نعم ، ربما يستظهر التخيير من رواية محمّد بن سهل عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل ويصوم أيكفّن فيها؟ قال : «أحبّ ذلك الكفن» يعني قميصا ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب ، قال : «لا بأس ، والقميص أحبّ إليّ» (٥).

وأرسل الصدوق عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرجل يموت أيكفّن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال : «لا بأس والقميص أحبّ إليّ» (٦).

والظاهر أنّ هذه هي الرواية السابقة أرسلها الصدوق ، منقولة بالمعنى.

وكيف كان ففي التعويل على ظاهرها مع مخالفته للمشهور في الخروج من ظاهر المعتبرة المستفيضة إشكال.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «عمّار» بدل «وهب». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، التهذيب ١ : ٣١٠ / ٩٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٥ ، الإستبصار ١ : ٢٠٥ / ٧٢٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

(٤) مدارك الأحكام ٢ : ٩٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ / ٨٥٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

(٦) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٢٠.

٢٤٠