مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

باطن الحبرة.

لكنّك عرفت أنّ الأولى بل الأحوط في مثل الفرض هو الاجتزاء بالحبرة عن اللفّافة ، وعدم زيادة لفّافة أخرى ، بل قضيّة الأصل وإطلاق بعض ما عرفت ـ كما يشعر به ظاهر المتن ـ جواز جعل اللفّافة باطن القميص ، لكن يخرج بذلك من كونها هي اللفّافة الواجبة التي يطلق عليها الإزار في عرف الفقهاء ، فيكون الإزار الواجب في مثل الفرض هو الحبرة ، وتكون اللفّافة ـ التي جعلها تحت القميص ـ هي الثوب الزائد الذي أثبتنا بالأدلّة المتقدّمة جوازه ، لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكيفيّة من مخالفة الاحتياط.

وقد ظهر لك بما أشرنا إليه أنّه لا يتوجّه الاعتراض على العبارة بظهورها في جواز جعل القميص فوق اللفّافة الواجبة ، مع أنّ الظاهر عدم جوازه حيث عرفت أنّ اللفّافة متى جعلت تحت القميص تخرج من كونها هي الواجبة ، ولا دليل على المنع من اتّخاذها بهذه الكيفيّة بعد أن كانت الحبرة قائمة مقامها في إسقاط الفرض وإن كان خلاف الاحتياط.

هذا ، مع أنّه لا يفهم من العبارة إلّا إرادة استحباب كون الحبرة فوق اللفّافة ، والقميص باطنها في مقابل ما لو جعل اللفّافة فوق الحبرة ، والقميص باطن الحبرة ، فلا وقع للاعتراض من أصله ، فليتأمّل.

(و) يستحبّ أن (يكتب على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين اسمه) أي الميّت ، وعن سلّار والصدوق في الهداية : واسم أبيه (١)

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٢٤ ، وانظر : المراسم : ٤٨ ، والهداية : ١٠٦ ، وكذا الهامش (٩) منها.

٣٠١

(وأنّه يشهد الشهادتين) أي : يكتب عليها أنّ فلانا يشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (وإنّ ذكر) أي كتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله و (الأئمّة عليهم‌السلام وعددهم إلى آخرهم) مقرّا بإمامتهم (كان حسنا) قطعا ، كما عن جملة من الأصحاب التصريح بجميع ذلك ، وعن جملة منهم التصريح بكتابتها على بعض دون بعض ، وعن جماعة الكتابة على الأكفان بقول مطلق (١).

وعن الغنية دعوى الإجماع (٢) على ما في المتن غير أنّه ترك ذكر الحبرة.

والظاهر أنّ من اقتصر على بعض المذكورات لم يرد به الخصوصيّة.

وكيف كان يكفي ما عرفت في استحبابها ، مضافا إلى معلوميّة رجحان التيمّن ، واستدفاع الكرب والعذاب بمثل هذه الفقرات الشريفة بجميع أنحاء التوسّلات التي لا ينبغي الارتياب في أنّ كتابتها على الكفن من أوضح أفرادها بشهادة العرف.

وما يتوهّم مانعا ـ من استلزامها الإهانة والتحقير ، لعدم الأمن من التلويث ـ مدفوع أوّلا : بأنّ تحقّقها بقصد التيمّن والتوسّل يمنع صدق المهانة والتحقير عليها بشهادة العقل والعرف ، بل هو تعظيم محض.

نعم ، الأحوط ترك كتابتها في بعض المواضع الغير المناسبة بنظر العرف ممّا يحكمون بمنافاتها للاحترام ، خصوصا مع كونها مظنّة للتلويث.

وثانيا : أنّه كفى دليلا على جوازها في الجملة ـ الذي به يندفع هذا التوهّم ، مضافا إلى الإجماعات المحكيّة المعتضدة بالشهرة المحقّقة ، واشتهاره بين

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ٤ : ٢٢٢.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٢٢ ، وانظر : الغنية : ١٠٣.

٣٠٢

الشيعة قولا وفعلا ـ الأخبار الخاصّة :

ففي رواية أبي كهمس ـ المرويّة عن سعد بن عبد الله أيضا مثلها ، وعن محمّد بن شعيب أيضا كذلك (١) ـ قال : حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه‌السلام جالس عنده ـ إلى أن قال ـ دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن : «إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله» (٢).

وعن أبي كهمس أيضا في رواية أخرى مثلها (٣).

ويدلّ عليه أيضا رواية الاحتجاج ، الآتية (٤).

ويؤيّده ما حكي عن الكفعمي في كتاب «جنّة الأمان» بسنده إلى سيّد الساجدين عن أبيه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين في فضل دعاء الجوشن الكبير ، قال : «نزل هذا الدعاء على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض غزواته ، وعليه جوشن ثقيل آلمه ثقله ، فقال جبرئيل : يا محمّد ربّك يقرئك السلام ويقول : اخلع هذا الجوشن ، واقرأ هذا الدعاء فإنّه أمان لك ولأمّتك» وساق الكلام إلى أن قال :«ومن كتبه على كفنه استحى الله أن يعذّبه بالنار» وساق الحديث إلى أن قال : «وقال الحسين عليه‌السلام : أوصاني أبي بحفظ هذا الدعاء وأن أكتبه على كفنه وأن أعلّمه

__________________

(١) قوله : «المرويّة عن .. أيضا كذلك» هكذا في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة. وهو كما ترى. والظاهر أنّ الصحيح في العبارة هكذا : «المرويّة عن سعد بن عبد الله وعن محمّد بن شعيب أيضا مثلها».

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢ ، و ٣٠٩ / ٨٩٨ ، كمال الدين : ٧٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٣) كمال الدين : ٧٢ ـ ٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٤) في ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

٣٠٣

أهلي وأحثّهم عليه» (١) الخبر.

وعن المجلسي في «البحار» أنّه قال : ورواه في «البلد الأمين» بهذا السند أيضا ، وزاد فيه : «أنّه من كتبه في جام بكافور أو مسك ثمّ غسله ورشّه على كفنه أنزل الله في [قبره] (٢) ألف نور ، وآمنه هول منكر ونكير ، ورفع عنه عذاب القبر ، ويدخل كلّ يوم سبعون ألف ملك إلى قبره يبشّرونه بالجنّة ، ويوسّع عليه قبره مدّ بصره» (٣) الحديث.

وعن البحار أيضا عن «البلد الأمين» عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جعل هذا الدعاء في كفنه شهد له عند الله أنّه وفي بعهده ، ويكفي منكرا ونكيرا ، وتحفّه الملائكة عن يمينه وشماله بالولدان والحور ، ويجعل في أعلى علّيّين ، ويبنى له بيت في الجنّة» وهو هذا الدعاء (٤).

وعنه أيضا عن «فلاح السائل» : وكان جدّي ورّام بن أبي فراس رحمه‌الله ـ وكان ممّن يقتدى بفعله ـ أوصى أن يجعل في فمه بعد وفاته فصّ عقيق عليه أسماء أئمّته عليهم‌السلام فنقشت أنا فصّا [عقيقا] (٥) عليه : الله ربّي ، ومحمّد نبيّي وعليّ ـ وسمّيت الأئمّة عليهم‌السلام ـ أئمّتي ووسيلتي ، وأوصيت أن يجعل في فمي بعد الموت ليكون جواب الملكين عند المسألة في القبر سهلا إن شاء الله» (٦).

__________________

(١) جنّة الأمان (هامش المصباح) : ٢٤٦ ، وعنها نقلا عن البحار ٨١ : ٣٣١ / ٣٢ ، وغيره في جواهر الكلام ٤ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «قلبه». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٢٩ ، وانظر : بحار الأنوار ٨١ : ٣٣٢.

(٤) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٠ ، وانظر : بحار الأنوار ٨١ : ٣٣٢.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٢٦ ، وانظر : بحار الأنوار ٨٢ : ٥١ / ٤١ ، وفلاح السائل : ٧٥.

٣٠٤

ويؤيّده أيضا ما عن الشيخ في كتاب الغيبة عن أبي الحسن القمّي أنّه دخل على الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ، فوجده وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها آيات من القرآن وأسماء الأئمّة عليهم‌السلام على حواشيها ، فقلت : يا سيّدي ما هذه الساجة؟ فقال لي : هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها ، أو قال : أسند إليها (١).

وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في رجحان هذا النحو من الأعمال كيفما كان بأيّ نحو تحقّقت وإن لم يرد فيها دليل بالخصوص ، لكونها من أنحاء التوسّل والتبرّك واستدفاع الكرب ، المعلوم رجحانها عقلا ونقلا ، وبعد حصولها بهذه العناوين ما لم يقصد بها ورودها بالخصوص لا مجال لاحتمال التشريع ، كاحتمال التوهين الذي عرفت مناقضته لهذه العناوين ، فالأوجه جواز جميع هذه الأمور ورجحانها بل رجحان كتابة القرآن على الكفن ، أو غيره من الأدعية ، لكن مع رعاية الاحتياط بالتجنّب عن المواضع التي تنافي احترامها عرفا ، والله العالم.

(و) ينبغي أن (يكون ذلك) أي المكتوب على الكفن (بتربة الحسين عليه‌السلام) التي هي من أعظم الأسباب التي يتوسّل بها إلى الله لدينا في استدفاع الكرب والبلاء.

كما يؤيّده ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في التوقيعات الخارجة من الناحية المقدّسة في أجوبة مسائل الحميري أنّه سأله عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام «يوضع مع الميّت في قبره ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى» وسأل فقال : روي لنا عن الصادق عليه‌السلام أنّه كتب

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٢٦ / ٢٢٧ ، وانظر : الغيبة : ٢٢٢.

٣٠٥

على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله ، فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره؟ فأجاب عليه‌السلام «يجوز ذلك» (١).

وقد حكي (٢) عن الشيخ وغيره أنّهم ذكروا أنّ الكتابة تكون بتربة الحسين عليه‌السلام (فإن لم توجد) التربة ، أي : تعذّر الكتابة بها ، فبطين وماء ، وإن تعذّر ذلك أيضا (فبالإصبع).

ولا بأس في الالتزام بجميع ذلك بعد أن كان الفعل مباحا لذاته ، وصرّح مثل هؤلاء الأعلام باستحبابه ، خصوصا مع ما عرفت من كون جميع هذه الأعمال من أنحاء التوسّلات والتشرّفات التي ينبغي للعبد أن يهتمّ بها لرجاء الخير ، لكنّ في كفاية الكتابة بالإصبع لو كان لها في حدّ ذاتها مزيّة راجحة ـ بأن كانت الكتابة على الكفن في الواقع مستحبّا شرعيّا ـ تأمّلا ، إذ المتبادر من كتابة الكفن ليس إلّا المؤثّرة منها ، بل يصحّ سلب اسمها عن غير المؤثّرة ، فإنّها ليست بكتابة حقيقة ، ولذا قال في المسالك : فلتكن الكتابة مؤثّرة مع الإمكان (٣).

وصرّح غير واحد بأنّ الأولى في مثل الفرض هو الكتابة بالماء كي يتحقّق معها الاسم.

وهو أيضا لا يخلو عن إشكال ، إذ الظاهر أنّ المقصود بالكتابة في مثل المقام ليس إلّا الكتابة التي بقي أثرها مع الميّت عند نزول قبره ، فالأولى أن يكتب مع الإمكان بشي‌ء يبقى أثره ممّا عدا السواد الذي ستعرف تصريحهم بكراهته ،

__________________

(١) الاحتجاج ١ ـ ٢ : ٤٨٩.

(٢) الحاكي هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٩٨ ، وانظر : النهاية : ٣٢ ، والمقنعة : ٧٨.

(٣) مسالك الأفهام ١ : ٩٣.

٣٠٦

والله العالم.

وقد مرّ مرارا أنّ من سنن التكفين زيادة الحبرة ، وقد عرفت فيما مرّ أنّ مقتضى بعض أدلّتها استحباب زيادة مطلق ثوب أو ثوبين ، فكون الزائد حبرة إنّما هو على سبيل الفضل والاستحباب.

وعلى هذا (فإن فقدت الحبرة يجعل بدلها لفّافة أخرى) كما سمعت من بعض دعوى الإجماع عليه.

لكن أشرنا غير مرّة إلى أنّ الأولى بل الأحوط ترك الزيادة لو لم يكن الزائد حبرة أو نمطا ، والله العالم.

(و) قد حكي (١) عن الشيخ وأتباعه أنّ من السنن (أن يخاط الكفن بخيوط منه) بل عن الذكرى وغيره نسبته إلى الأصحاب (٢) ، بل في الجواهر : بلا خلاف أجده بين الأصحاب (٣). انتهى.

أقول : متابعتهم في مثل المقام ممّا لا ريب فيه (و) كذا فيما ذكروه من أنّه (لا تبلّ بالريق) كما نبّه عليه المصنّف رحمه‌الله في محكيّ المعتبر حيث قال ـ بعد أن حكى ذلك عن الشيخ في المبسوط والنهاية ـ : ورأيت الأصحاب يجتنبونه ، ولا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال ووقوفا على الأولى ، وهو موضع الوفاق (٤).

(و) من السنن الثابتة بالنصوص المستفيضة لو لم تكن متواترة أن (يجعل

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١٠٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٧٧.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٣ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٧٢ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٩٦.

(٣) جواهر الكلام ٤ : ٢٣٣.

(٤) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٣٠١ ، وكذا صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٣ ، وانظر :المعتبر ١ : ٢٨٩.

٣٠٧

معه جريدتان).

والجريدة عود النخل بعد أن تجرّد من الخوص ، وقبله يسمّى سعفا.

ويظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الجريدة تنفع المؤمن والكافر ، ولعلّه لذا لم يوفّق بها مخالفونا حيث تركوها ـ مع استفاضة أخبارهم بها على ما ذكره في الحدائق (١) ـ مراغمة للشيعة ، كغيرها من السنن التي نقل عنهم الاعتراف بكونها سنّة وتركوها لذلك ، والحمد لله على ذلك.

والأصل في استحبابها على ما رواه في التهذيب مرسلا «أنّ آدم عليه‌السلام لمّا أهبطه الله تعالى من جنّته إلى الأرض استوحش ، فسأل الله تعالى أن يؤنسه بشي‌ء من أشجار الجنّة ، فأنزل الله إليه النخلة ، وكان يأنس بها في حياته ، فلمّا حضرته الوفاة قال لولده : إنّي كنت آنس بها في حياتي وأرجو الأنس بها بعد وفاتي ، فإذا متّ فخذوا منها جريدا وشقّوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني ، ففعل ولده ذلك ، وفعلته الأنبياء بعده ثمّ اندرس ذلك في الجاهليّة فأحياه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وفعله وصارت سنّة متّبعة» (٢).

وعن المفيد في المقنعة مرسلا مثله ، قال : وروي عن الصادق عليه‌السلام «أنّ الجريدة تنفع المحسن والمسي‌ء» (٣).

وفي رواية حسن بن زياد أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجريدة التي تكون مع الميّت ، فقال : «تنفع المؤمن والكافر» (٤).

__________________

(١) الحدائق ، الناضرة ٤ : ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٦ / ٩٥٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ١٠.

(٣) المقنعة : ٨٢ ـ ٨٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، ذيل الحديث ١٠ ، والحديث ١١.

(٤) الفقيه ١ : ٨٩ / ٤٠٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

٣٠٨

ونفعها ـ على ما يظهر من جملة من الأخبار ـ دفع العذاب عن الميّت ما دامت رطبة.

ففي صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت الميّت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال : «يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ، إنّما العذاب والحساب كلّه في يوم واحد ، في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وإنّما جعلت السعفتان لذلك ، فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله تعالى» (١).

وعن عبد الله بن المغيرة عن حريز وفضيل وعبد الرحمن بن أبي عبد الله كلّهم ، قال : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأيّ شي‌ء توضع مع الميّت الجريدة؟ فقال : «إنّه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة» (٢).

ثمّ إنّ ظاهر الفتاوى وأغلب النصوص اعتبار تثنية الجريدة بأن تكون جريدتين ، ولا يبعد الاجتزاء بواحدة لدى الضرورة ، لقاعدة الميسور وغيرها ، بل ربما يستشعر بل يستظهر ذلك ـ أي جواز الاجتزاء بواحدة مطلقا ولو لدى الاختيار ـ من غير واحد من الأخبار.

ففي خبر يحيى بن عبادة المكّي أنّه قال : سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر عليه‌السلام عن التخضير ، فقال : «إنّ رجلا من الأنصار هلك ، فأوذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بموته ، فقال لمن يليه من قرابته : خضّروا صاحبكم فما أقلّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٢ / ٤ ، الفقيه ١ : ٨٩ / ٤١٠ ، علل الشرائع : ٣٠٢ (الباب ٢٤٣) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٣ / ٧ ، التهذيب ١ : ٣٢٧ / ٩٥٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ٧.

٣٠٩

المخضّرين يوم القيامة» قال : وما التخضير؟ قال : «جريدة خضرة توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة» (١).

وفي معاني الأخبار للصدوق بسنده عن يحيى بن عبادة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سمعه يقول : «إنّ رجلا مات من الأنصار فشهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : خضّروه فما أقل المخضّرين يوم القيامة» فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : وأي شي‌ء التخضير؟ قال : «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع [هنا] (٢) ـ وأشار بيده إلى عند ترقوته ـ تلفّ مع ثيابه».

قال الصدوق : جاء هذا الخبر هكذا ، والذي يجب استعماله أن يوضع للميّت جريدتان من النخل خضراوين (٣).

قال في الوسائل ـ بعد نقل ما سمعته من الصدوق ـ : هذا محمول على جواز الاقتصار على واحدة ، ويأتي مثله كثيرا (٤). انتهى.

أقول : وهذا هو الأوفق بالقواعد في السنن ، لكنّ الأولى عدم العمل بهذه الروايات ، بل الأخذ بما عداها ممّا ستسمعه من الأخبار الآتية المعمول بها لدى الأصحاب.

وأمّا إنكار ظهورها في إرادة الواحدة فلا يخلو عن مجازفة.

وارتكاب التأويل فيها بحملها على ما لا ينافي غيرها ليس بأولى من ردّ

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٤٠٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) معاني الأخبار : ٣٤٨ (باب معنى التخضير) الحديث ١ وذيله ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ٥ وذيله.

(٤) الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، ذيل الحديث ٥.

٣١٠

علمها إلى أهله في مثل المقام الذي لم يتعيّن علينا العمل به ، بل كنّا من أمره في سعة ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف نصّا وفتوى على الظاهر في استحباب كون الجريدتين (من سعف النخل) بل تعيّنه مع الإمكان.

نعم ، حكي (١) عن خلاف الشيخ ما يظهر منه التخيير بينه وبين غيره.

وعبارته المحكيّة قابلة للتأويل.

وعلى تقدير إرادة ظاهرها فضعفه ظاهر ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها ، وسيأتي بعض إن شاء الله.

(وإن لم يوجد النخل ، فـ) ـعن المشهور (٢) : أنّه يجعل بدله (من السدر ، فإن لم يوجد) السدر (فمن الخلاف ، وإلّا فمن شجر رطب) مطلقا.

ويدلّ على الأوّلين : ما رواه سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا قالوا : قلنا له : جعلنا الله فداك ، إن لم نقدر على الجريدة؟ فقال : «عود السدر» قلت : فإن لم نقدر على السدر؟ فقال : «عود الخلاف» (٣).

وعن المقنعة والجامع والمراسم عكس هذا الترتيب (٤) ، ولم يعلم مستندهم.

وأمّا الاجتزاء بشجر رطب أيّ شجر يكون عند فقد هما : فلما رواه عليّ بن

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٩ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠٤ ، المسألة ٤٩٩.

(٢) نسبه إلى المشهور العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١١٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٣ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٢٩٤ / ٨٥٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٤) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٠ ، وانظر : المقنعة : ٧٥ ، والجامع للشرائع : ٥٣ ، والمراسم : ٤٨.

٣١١

بلال أنّه كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شي‌ء من الشجر غير النخل ، فإنّه روي عن آبائك عليهم‌السلام أنّه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين ، وأنّها تنفع المؤمن والكافر؟ فأجاب عليه‌السلام «يجوز من شجر آخر رطب» (١).

وفي رواية الكليني عنه أيضا أنّه كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم نجد نجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ فكتب «يجوز إذا أعوزت الجريدة» ، والجريدة أفضل ، وبه جاءت الرواية» (٢).

وقضيّة إطلاقها التخيير بين ما عدا النخل ، كما حكي (٣) القول به عن غير واحد.

لكن قد يقال بأنّ مقتضى الجمع بينها وبين المرسلة المتقدّمة تقييد إطلاقها بما في تلك المرسلة ، لكنّ الأوفق بالقواعد في مثل المقام عدم ارتكاب التقييد ، بل حمل المقيّد على الأفضل.

وعن الشهيد في الدروس والبيان ـ وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه ـ القول بتقديم عود الرّمان على غيره مؤخّرا عن السدر والخلاف (٤).

ومستندهم على الظاهر ما رواه في الكافي ـ بعد الرواية المتقدّمة ـ عن عليّ ابن إبراهيم في رواية أخرى قال : «يجعل بدلها عود الرمّان» (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨٨ / ٤٠٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٣ ـ ١٥٤ / ١١ ، التهذيب ١ : ٢٩٤ / ٨٦٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٩.

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٠ ، وانظر : الدروس ١ : ١٠٩ ، والبيان : ٢٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٥٤ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

٣١٢

لكنّه بظاهره ينافي المرسلة المتقدّمة ، وتقييد إطلاقه بتلك المرسلة حتّى يثبت به مدّعاهم ليس بأولى من عكسه.

اللهمّ إلّا أن يقال بعدم صلاحيّة هذه الرواية قرينة لصرف المرسلة ـ المعمول بها عند الأصحاب ـ عن ظاهرها فضلا عن صلاحيّتها للمعارضة ، لقصورها عن مرتبة الحجّيّة ، وإنّما صير إلى القول بتقديم عود الرّمان على غيره في غير مورد المزاحمة من باب الاحتياط والمسامحة في أدلّة السنن.

وكيف كان فلا ريب في أولويّة مراعاة هذا الترتيب وإن لم نقل بلزومه.

ثمّ إنّ ظاهر أغلب الروايات بل صريحها اشتراط كون الجريدتين رطبتين ، أي خضراوين ، فلا تجزئ اليابستين.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ : خبر محمّد بن عليّ بن عيسى ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميّت توضع معه في حفرته؟ فقال : «لا يجوز اليابس» (١).

والظاهر عموم استحباب الجريدتين للكبير والصغير ، ولا ينافيه التعليل :بطرد العذاب في الروايات التي سمعتها ، فإنّ هذا النحو من العلل ـ بحسب الظاهر ـ لا يراد منها إلّا بيان حكمة شرعيّة الحكم ، ولا يراعى فيها الاطّراد كي ينافي شرعيّته في الصغير الذي لا يحتمل في حقّه العذاب كالكبير الذي لا يحتمل في حقّه ذلك إمّا لموته بعد التوبة أو لعصمته ، ولذا صنعه الأنبياء المعصومون من لدن آدم إلى الخاتم صلوات الله عليهم أجمعين ، وصارت سنّة متّبعة ، كما يدلّ عليه

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٢ / ١٣٨١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

٣١٣

بعض الأخبار المتقدّمة (١).

هذا ، مع أنّ المراد بالعذاب ـ بقرينة الرواية المتقدّمة الواردة لبيان أصل تشريع الحكم ـ ما يعمّ الكربة الحاصلة من وحشة القبر ، التي يدفعها الانس بالجريدة المتّخذة من النخلة التي روي في فضلها أنّ الله عزوجل خلقها من فضلة الطينة التي خلق منها آدم عليه‌السلام ، فلأجل ذلك تسمّى النخلة عمّة الإنسان (٢).

وكيف كان فلا مقتضى لقصر الحكم على الكبير مع كون المقام مقام المسامحة.

ثمّ إنّ المشهور ـ كما عن جماعة (٣) ـ تقدير طول الجريدتين بعظم الذراع ، بل عن الانتصار والغنية دعوى الإجماع عليه (٤).

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : وروي «أنّ الجريدتين كلّ واحدة بقدر عظم الذراع» (٥).

ولعلّه أشار بذلك إلى رواية يونس عنهم عليهم‌السلام «ويجعل له قطعتان من جريد النخل رطبا قدر ذراع تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف ممّا يلي الساق ونصف ممّا يلي الفخذ ، ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن» (٦) فإنّ عبائر الفقه

__________________

(١) في ص ٣٠٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ / ٩٥٣.

(٣) نسبه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٦ إلى الشهيد في الذكرى ١ : ٣٦٩ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٨٦ ، وغير هما ، كالبحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٤٢.

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٣٧ ، وانظر : الانتصار : ٣٦ ، والغنية : ١٠٣.

(٥) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٤٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام :١٦٨.

(٦) الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التكفين ، الحديث ٥.

٣١٤

كثيرا مّا قريبة جدّا من روايات يونس.

وفي رواية يحيى بن عبادة ، المتقدّمة (١) أيضا تقديره بذراع.

لكن حمل هاتين الروايتين على إرادة عظم الذراع من التقدير بذراع لا يبعد دعوى مخالفته للمنساق إلى الذهن من التقدير بالذراع.

ودعوى أنّ الذراع اسم للعظم على تقدير التسليم ممّا لا ينبغي الالتفات إليها في مقام بيان المقادير ، كما في سائر الموارد التي ورد التقدير بالذراع ، إلّا أنّ الذي يقرّب إرادته منها في المقام وقوع التحديد به في كلمات الأصحاب وكذا في الفقه الرضوي الذي هو في مثل المقام لا يبعد دعوى كونه حجّة ناهضة من دون مسامحة ، لأنّه إن كان من الحجّة فحجّة ، وإلّا فلا يقصر عن سائر المرسلات المعتضدة بعمل الأصحاب ، فإنّ تحديدهم بذلك كاشف عن صحّة مضمونه وكونه مرويّا.

واحتمال كون الرواية المشار إليها هي رواية يونس ونحوها ممّا يمكن الخدشة في دلالتها غير ضائر ، إذ لا يعتنى بمثل هذا الاحتمال في رفع اليد عن ظاهر المراسيل ، بل لو علم (٢) أنّ المراد بها ليس إلّا هذه الرواية ، يمكن أيضا دعوى انجبار قصور دلالتها كسندها بما عرفت.

وممّا يؤيّد إرادة عظم الذراع من الروايتين ـ مضافا إلى ما عرفت ـ : حسنة جميل بن درّاج ، قال : «إنّ الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة» (٣)

__________________

(١) في ص ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٢) في «ض ٨» : «سلّم» بدل «علم».

(٣) الكافي ٣ : ١٥٢ ـ ١٥٣ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠٩ / ٨٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

٣١٥

الحديث ، فإنّ التقدير بالشبر ونحوه لا يكون غالبا إلّا من باب التقريب ، كما نبّهنا عليه في مبحث تحديد الكرّ بالأشبار ، فيقرّب ذلك إرادة عظم الذراع من الروايتين ، لكونه قريبا من شبر ، فلا بأس بالتحديد بهما ، والله العالم.

وعن العماني تقديرها بأربع أصابع فما فوقها (١).

قيل : يمكن استفادته من رواية يحيى بن عبادة (٢) ، المتقدّمة (٣) التي ورد فيها «توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة».

وفيه تأمّل.

وفي محكيّ الذكرى : أنّ الكلّ جائز ، لثبوت أصل الشرعيّة وعدم القاطع على قدر معيّن (٤).

وهو حسن ، لكن لا لعدم القاطع على قدر معيّن ، بل لجواز العمل بكلّ ما روي ، وعدم المقتضي لإرجاع بعضها إلى بعض في مثل المقام ، لكنّ العمل بما عليه المشهور أحسن وأحوط.

ثمّ إنّ ظاهر المرسلة المتقدّمة في صدر المبحث اعتبار كون الجريدتين مشقوقتين.

ومثلها مرسلة الصدوق «مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقبر يعذّب صاحبه ، فدعا بجريدة فشقّها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه ، فقيل له : لم

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٣٣ ، المسألة ١٧٣.

(٢) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٣٨ ، وانظر : كشف اللثام ٢ : ٢٧٨.

(٣) في ص ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٤) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٧٨ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٧٠.

٣١٦

وضعتهما؟ قال : إنّه يخفّف عنه العذاب ما كانتا خضراوين» (١).

لكنّهما لا تصلحان لتقييد غير هما ممّا ظاهره الإطلاق ، بل ظاهرها إرادة غير المشقوقة ، مثل مرسلة يونس «ويجعل له قطعتان من جريد النخل» (٢) وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «وإنّما جعلت السعفتان لذلك» (٣) إلى غير ذلك من الروايات التي ظاهرها إرادة غير المشقوقة ، لكن لا على وجه ينافي كفاية المشقوقة ، كما أنّ كلمات الأصحاب أيضا كذلك ، فالأظهر كفاية مطلقه.

وربما يتراءى من ظاهر النصوص والفتاوى اشتراط كونها جريدة ، فلا يجزئ السعف الغير المجرّد من الخوص ، لكن لا يبعد جريها مجرى العادة ، فلا يبعد الاجتزاء بالسعف ، كما يشعر بذلك التعبير ب «سعفتان» في الصحيحة ، والله العالم.

(و) أمّا كيفيّة وضع الجريدتين : فعن المشهور (٤) ـ بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٥) ـ أن (تجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده ، والأخرى من الجانب الأيسر) مع ترقوته أيضا (بين القميص والإزار).

ويدلّ عليه صحيحة جميل أو حسنته ، قال : قال : «إنّ الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ممّا يلي الجلد الأيمن والأخرى في

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨٨ / ٤٠٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٣١٤ ، الهامش (٦).

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٠٩ ، الهامش (١).

(٤) نسبه إلى المشهور صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤١.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤١ ، وانظر : الغنية : ١٠٣.

٣١٧

الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص» (١).

ولا يقدح اشتمالها على ما لا يقول به المشهور من تحديدها بشبر خصوصا مع ما عرفت من إمكان إرجاعه إلى ما يقول به المشهور.

ويشهد له في الجملة : ما في رواية يحيى بن عبادة ، المتقدّمة (٢) «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع [هنا] ـ وأشار بيده إلى عند ترقوته ـ تلفّ مع ثيابه».

لكن ينافيه ما في رواية يونس قال : «وتجعل له ـ يعني الميّت ـ قطعتين من جريد النخل رطبا قدر ذراع يجعل له واحدة بين ركبتيه نصف فيما يلي الساق ونصف فيما يلي الفخذ ، ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن» (٣).

وعن الجعفي العمل بمضمونها (٤).

وفي مضمرة جميل ، قال : سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال : «فوق القميص دون الخاصرة» فسألته من أيّ جانب؟ فقال : «من الجانب الأيمن» (٥).

وربما احتمل كون متن الحديث «الحاصرة» بالحاء المهملة ، بمعنى الإزار ، لا المعجمة.

وعلى أيّ التقديرين فمخالفتها للمشهور ظاهرة ، كما أنّ ظاهرها كفاية الواحدة التي هي خلاف المشهور.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٢ ـ ١٥٣ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠٩ / ٨٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٢) في ص ٣١٠.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٣١٤ ، الهامش (٦).

(٤) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ١ : ٣٧١.

(٥) الكافي ٣ : ١٥٤ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

٣١٨

وعن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر أنّه ـ بعد ذكر الخلاف في المسألة ، ونقل رواية جميل ، الاولى ، ورواية يحيى بن عبادة مرسلة ـ قال : والروايتان ضعيفتان ، لأنّ القائل في الأولى مجهول ، والثانية مقطوعة السند ، ومع اختلاف الأقوال والروايات يجب الجزم بالقدر المشترك بينها ، وهو استحباب وضعها مع الميّت في كفنه أو في قبره بأيّ صورة شئت (١). انتهى.

أقول : الأولى توجيه القول باستحباب القدر المشترك بكونه أجمل وجوه الجمع بين الأخبار المختلفة بتنزيل ما فيها من الاختلاف على بيان بعض مراتب الفضل ، كما يؤيّد ذلك ما في بعضها من الإطلاق مع ورودها في مقام البيان.

مثل : رواية فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «توضع مع الميّت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر» (٢).

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الجريدة توضع في القبر ، قال : «لا بأس» (٣).

بل يظهر من بعض الروايات أنّه لو وضعت الجريدة على القبر أيضا نفعت في تخفيف العذاب ، مثل النبويّ المتقدّم (٤).

وفي رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أنّ الرشّ على القبور كان على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يجعل الجريدة على القبور حين يدفن الإنسان في

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٤٣ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٣ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التكفين ، الحديث ٦.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٣ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٥٨ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٤) في ص ٣١٦ ـ ٣١٧.

٣١٩

أوّل الزمان ويستحبّ ذلك للميّت» (١).

وكيف كان فالقول بكفاية القدر المشترك لا يخلو عن وجه ، والاقتصار على ما هو المشهور أحوط.

هذا كلّه لدى الاختيار ، وأمّا عند الضرورة فيجزئ مطلقه ، كما يدلّ عليه مرفوعة سهل بن زياد ، قال : قيل (٢) له : جعلت فداك ربما حضرني من أخافه ، فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويتنا (٣) ، فقال : «أدخلها حيث ما أمكن» (٤).

في الوسائل : ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى مرسلا مثله ، وزاد فيه : قال : «فإن وضعت في القبر فقد أجزأه» (٥).

وينبغي بذل الجهد في وضع الجريدة ولو في مقام التقيّة على وجه لا ينافيها.

ففي رواية أيّوب بن نوح ، قال : كتب أحمد بن القاسم إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يسأله عن المؤمن يموت فيأتيه الغاسل يغسّله وعنده جماعة من المرجئة هل يغسّله غسل العامّة ولا يعمّمه ولا يصيّر معه جريدة فكتب «يغسّل غسل المؤمن وإن كانوا حضورا ، وأمّا الجريدة فليستخف بها ولا يرونه وليجهد في ذلك جهده» (٦).

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٥٣٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التكفين ، الحديث ٦.

(٢) في «ض ٨» والتهذيب : «قلت» بدل «قيل».

(٣) في التهذيب : «رويناه».

(٤) الكافي ٣ : ١٥٣ / ٨ ، التهذيب ١ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ٩٥٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٥) الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التكفين ، الحديث ٢ ، وانظر : التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٥٧.

(٦) التهذيب ١ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩ / ١٤٥١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التكفين ، الحديث ٩.

٣٢٠