مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

قيل لكم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحّد له فقد صدقوا» (١).

فلا منافاة حينئذ بين هاتين الروايتين وبين ما دلّ على أنّ اللحد أفضل ، كما يؤيّده النبوي : «اللحد لنا والشقّ لغيرنا» (٢).

وعن ظاهر المعتبر وغيره (٣) كونه عامّيّا ، لكنّه لا بأس بذكره في مقام التأييد خصوصا في مثل هذا الفرع الذي استفاض نقل الإجماع عليه ، لكن قد ينافيه رواية أبي الصلت ، المتقدّمة (٤).

ولعلّ اختيار الشقّ فيها كاختيار سبع مراقي كان لعلّة مخصوصة بموردها ، والله العالم.

وربما تنزّل هذه الرواية على إرادته في الأرض الرخوة ، فيجمع بين الروايات بذلك ، ولعلّه لذا خصّ غير واحد منهم موضوع الحكم باستحباب اللحد ـ في فتاويهم وبعض معاقد إجماعاتهم ـ بالأرض الصلبة ، ولكنّه لا يخلو عن تأمّل.

وكيف كان فالمراد باللحد أنّه إذا انتهى إلى أرض القبر حفر في جانبه مكانا يوضع فيه الميّت ، والشقّ أن يحفر في قعره شبه النهر يوضع فيه الميّت ثمّ يسقف عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٦ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٦ / ١٥٥٤ و ١٥٥٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٣ / ٣٢٠٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦٣ / ١٠٤٥ ، سنن النسائي ٤ : ٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٤٠٨ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / ٢٣١٩ ـ ٢٣٢٧.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣٠٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٩٦ ، ومدارك الأحكام ٢ : ١٣٨.

(٤) في ص ٣٩٨.

٤٠١

وليكن اللحد (ممّا يلي القبلة) كما نصّ عليه جماعة ، بل عن الروض نسبته إلى الأصحاب (١) ، وكفى به حجّة في مثله مسامحة ، والله العالم.

(و) منها : أن (تحلّ عقد الأكفان) إذا وضع في القبر (من قبل رأسه ورجليه) وغير هما إن كانت.

كما يدلّ عليه رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عقد كفن الميّت ، فقال : «إذا أدخلته القبر فحلّها» (٢).

ورواية أبي حمزة ، قال : قلت لأحدهما عليهما‌السلام : يحلّ عقد كفن الميّت ، قال :«نعم ، ويبرز وجهه» (٣).

ورواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا وضعته في لحده فحلّ عقده» (٤).

وخبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلّا يستلقي ، ويحلّ عقد كفنه كلّها ، ويكشف عن وجهه ثمّ يدعى له» (٥).

وعليه يحمل الأمر بشقّ الكفن ، الوارد في مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يشقّ الكفن من عند رأس الميّت إذا أدخل قبره» (٦) وخبر

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٤ : ٣٠٣ ، وليس في نسختنا من روض الجنان : ٣١٦ نسبته إلى الأصحاب.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥٠ / ١٤٦٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩٢ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٨ / ٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٦) الكافي ٣ : ١٩٦ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣١٧ / ٩٢١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.

٤٠٢

حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يشقّ الكفن إذا أدخل الميّت في قبره من عند رأسه» (١) بقرينة الروايات السابقة ومخالفة الشقّ لما عليه الأصحاب ، كما اعترف به غير واحد.

(و) منها : أن (يجعل معه شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام) للتبرّك والاستشفاع.

فعن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام ـ وقرأت التوقيع ومنه نسخت ـ «يوضع مع الميّت في قبره ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله» (٢).

وعن الاحتجاج روايته عن محمّد بن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه (٣).

ويؤيّده ما عن العلّامة في المنتهى أنّه قال : إنّ امرأة كانت تزني وتضع أولادها وتحرقها بالنار خوفا من أهلها ولم يعلم بها غير أمّها ، فلمّا ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الأرض ، فنقلت من ذلك المكان إلى غيره فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصادق عليه‌السلام وحكوا له القصّة ، فقال لامّها : «ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟» فأخبرته بباطن أمرها ، فقال الصادق عليه‌السلام : «إنّ الأرض لا تقبل هذه لأنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب الله ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥٨ / ١٤٩٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٧٦ / ١٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٣) عنه في الوسائل ، ذيل الحديث ١ من الباب ١٢ من أبواب التكفين ، وانظر : الاحتجاج : ٤٨٩.

٤٠٣

اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه‌السلام» ففعل ذلك بها فسترها الله تعالى (١).

وعن جعفر بن عيسى أنّه سمع أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «ما على أحدكم إذا دفن الميّت ووسّده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين ولا يضعها تحت رأسه؟» (٢).

قيل : إنّ المراد بالطين تربة الحسين عليه‌السلام ، لمعهوديّتها عندهم (٣).

وعن الفقه الرضوي «ويجعل في أكفانه شي‌ء من طين القبر وتربة الحسين عليه‌السلام» (٤).

(و) منها : أن (يلقّنه) الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم‌السلام بأسمائهم حتّى إمام زمانه عليه‌السلام بعد وضعه في قبره قبل تشريج اللبن ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال : «إذا وضعت الميّت في لحده فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واقرأ آية الكرسي واضرب يدك على منكبه الأيمن ثمّ قل : يا فلان قل : رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّا وبعليّ إماما ، وتسمّي إمام زمانه» (٥) الحديث.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٤٦١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٢) مصباح المتهجّد : ٦٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٣) انظر : الوسائل ، ذيل الحديث ٣ من الباب ١٢ من أبواب التكفين ، والحدائق الناضرة ٤ : ١١٢.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١١٢ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٨٤.

(٥) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩٠ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.

٤٠٤

ونحوه خبره الآخر ، إلّا أنّه قال : «وسمّ حتى (١) إمام زمانه» (٢).

وخبر محفوظ الإسكاف عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا أردت أن تدفن الميّت ـ إلى أن قال ـ ويدني فمه إلى سمعه ويقول : اسمع افهم ، ثلاث مرّات ، الله ربّك ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّك والإسلام دينك وفلان إمامك ، اسمع وافهم ، وأعدها عليه ثلاث مرّات هذا التلقين» (٣).

وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه فقل : الله ربّك والإسلام دينك ومحمّد نبيّك والقرآن كتابك وعليّ إمامك» (٤).

وفي خبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «ثمّ يدعى ويقال : اللهمّ عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهمّ افسح له في قبره ولقّنه حجّته وألحقه بنبيّه وقه شرّ منكر ونكير ، ثمّ تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر وتحرّكه تحريكا شديدا وتقول : يا فلان بن فلان ، الله ربّك ومحمّد نبيّك والإسلام دينك وعليّ وليّك وإمامك ، وتسمّي الأئمّة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد إلى آخرهم أئمّتك أئمّة هدى أبرار ، ثمّ تعيد عليه التلقين مرّة أخرى ، فإذا وضعت عليه اللبن ، فقل : اللهمّ ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة

__________________

(١) كلمة «حتى» لم ترد في الكافي.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٦ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٥ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / ٩٢٣ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٥ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٨ / ٩٢٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

٤٠٥

يستغني بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولّاه» (١) الحديث.

وخبر إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إذا نزلت في قبر فقل : بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تسلّ الميّت سلّا ، فإذا وضعته في قبره فحلّ عقدته وقل : اللهمّ يا ربّ عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهمّ إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه بنبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصالح شيعته واهدنا وإيّاه إلى صراط مستقيم ، اللهمّ عفوك عفوك ، ثمّ تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحرّكه تحريكا شديدا ثمّ تقول : يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل : الله ربّي ومحمّد نبييّ والإسلام ديني والقرآن كتابي وعليّ عليه‌السلام إمامي ، حتّى تستوفي (٢) الأئمّة عليهم‌السلام ، ثمّ تعيد عليه القول ثمّ تقول : أفهمت يا فلان» فقال عليه‌السلام : «فإنّه يجيب ويقول : نعم ، ثمّ تقول : ثبّتك الله بالقول الثابت ، وهداك الله إلى صراط مستقيم ، عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقرّ من رحمته ، ثمّ تقول : اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليك ولقّنه منك برهانا ، اللهمّ عفوك عفوك ، ثمّ تضع الطين واللبن ، فما دمت تضع الطين واللبن تقول : اللهمّ صل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك ، فإنّما رحمتك للظالمين ، ثمّ تخرج من القبر وتقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللهمّ ارفع درجته في أعلى عليّين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين» (٣).

__________________

(١) الفقه ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٢) في «ض ٨» والوسائل : «تسوق» بدل «تستوفي».

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ / ١٤٩٢ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.

٤٠٦

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها استحباب أشياء أخر أيضا ، مثل أن يتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن يقرأ الحمد والمعوّذتين ، والإخلاص وآية الكرسي عند وضع الميّت في قبره.

(و) يفهم من جملة منها : استحباب أن (يدعو له) بالمأثور قبل التلقين ، ومن بعضها بعده أيضا ، بل وفي أكثر أحواله ، كرواية إسحاق بن عمّار ، المتقدّمة (١) وغيرها.

(ثمّ يشرج) عليه (اللبن) أي ينضّد به لحده لئلّا يصل إليه التراب.

ولا خلاف في استحبابه ظاهرا ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، ويمكن استفادته من جملة من الأخبار ، كخبر إسحاق ، المتقدّم (٢) ، والصحيحة الآتية وغيرهما.

ولا فرق ظاهرا بين اللبن وغيره ممّا يفيد فائدته ، كالآجر ونحوه.

ففي صحيحة أبان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «جعل عليّ عليه‌السلام على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبنا» فقلت : أرأيت إن جعل الرجل عليه آجرا هل يضرّ الميّت؟ قال : «لا» (٣).

وينبغي سدّ خلله بالطين وإتقان بنائه.

ففي خبر ابن القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «لمّا مات إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبره خللا فسوّاه بيده ثمّ قال : إذا عمل

__________________

(١) في ص ٤٠٦.

(٢) في ص ٤٠٦.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٤٠٧

أحدكم عملا فليتقن» (١) الحديث.

ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل على لحد سعد بن معاذ وسوّى اللبن عليه وجعل يقول : ناولني حجرا ، ناولني ترابا رطبا يسدّ به ما بين اللبنتين ، فلمّا أن فرغ وحثا عليه التراب وسوّى قبره قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم أنّه سيبلى ويصل إليه البلاء ولكنّ الله يحبّ عبدا إذا عمل عملا أحكمه» (٢).

(و) منها : أن (يخرج من قبل رجل القبر) ففي عدّة أخبار «إنّ لكلّ بيت بابا ، وإنّ باب القبر من قبل الرّجلين» (٣) ومقتضاه استحباب الدخول منه أيضا.

لكن في مرفوعة سهل بن زياد ، المضمرة ، قال : «يدخل الرجل القبر من حيث يشاء ، ولا يخرج إلّا من قبل رجليه» (٤).

ورواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من دخل القبر فلا يخرج منه إلّا من قبل الرّجلين» (٥).

وظاهر الروايتين كراهة الخروج من غيره لا استحباب الخروج منه ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ / ٤٥ ، الوسائل ، الباب ٦٠ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٢) أمالي الصدوق : ٣١٤ / ٢ ، علل الشرائع : ٣٠٩ ـ ٣١٠ (الباب ٢٦٢) الحديث ٤ ، الوسائل ، الباب ٦٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٢ ، بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٣ ، ذيل الحديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٦ / ٩١٨ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الدفن ، الحديث ٤ و ٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٣ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣١٦ / ٩١٧ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٤٠٨

(و) منها : أن (يهيل الحاضرون) غير اولي الرحم (عليه التراب ب) اليد أو (ظهور الأكفّ قائلين) ما قاله أبو عبد الله عليه‌السلام فيما رواه عمر بن أذينة ، قال :رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يطرح التراب على الميّت فيمسكه ساعة في يده ثمّ يطرحه ولا يزيد على ثلاثة أكفّ ، قال : فسألته عن ذلك ، فقال : «يا عمر كنت أقول : إيمانا بك وتصديقا ببعثك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، اللهمّ زدنا إيمانا وتسليما ، هكذا كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه جرت السنّة» (١).

وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا حثوت التراب على الميّت فقل : إيمانا بك وتصديقا ببعثك (٢) ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله» قال : «وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من حثا على ميّت وقال هذا القول أعطاه الله بكلّ ذرّة حسنة» (٣).

وعن محمّد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا أنّه قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام وهو في جنازة ، فحثا التراب على القبر بظهر كفّيه (٤).

والأفضل أن يحثو التراب ثلاث مرّات ، كما في رواية داود بن النعمان ، قال :رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يقول ، إلى أن قال : فلمّا ادخل الميّت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرّات بيده (٥).

وعن محمّد بن مسلم ، قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام في جنازة رجل من

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٨ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٢) في التهذيب : «بنبيّك» بدل «ببعثك».

(٣) الكافي ٣ : ١٩٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٩ / ٩٢٦ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣١٨ / ٩٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٨ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٤٠٩

أصحابنا فلمّا أن دفنوه قام إلى قبره فحثا التراب عليه ممّا يلي رأسه ثلاثا بكفّه ثمّ بسط كفّه على القبر ثمّ قال : «اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه وأصعد إليك روحه ولقّه منك رضوانا وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» ثمّ مضى (١).

وينبغي أن يقول أيضا عند إهالة التراب : (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) كما ذكره المصنّف وغيره ، بل عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب (٢) ، وكفى به دليلا لمثله.

(و) منها : أن (يرفع القبر) عن الأرض ب (مقدار أربع أصابع) كما يدلّ عليه جملة من الأخبار :ففي خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «ويرفع القبر أربع أصابع» (٣).

ورواية عقبة بن بشير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام :يا عليّ ادفنّي في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ، ورشّ عليه من الماء» (٤).

وعن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ أبي قال لي ذات يوم

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٨ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٩ / ٩٢٧ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣١٠ ، وفي الذكرى ٢ : ٢٦ ، وكذا في الطبعة الحجريّة منه : ٦٧ ـ بعد قوله : وليقولوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ : «قال الأصحاب : ولا يهيل ذو الرحم ..».

(٣) الكافي ٣ : ٢٠١ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٤) الكافي ١ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ / ٣٦ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

٤١٠

في مرضه : إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني وارفع قبري أربع أصابع ورشّه بالماء» (١).

ورواية عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إنّ أبي استودعني ما هناك ـ إلى أن قال ـ وأن يربّع قبره ويرفعه أربع أصابع» (٢) الحديث.

ولا فرق في حصول الموظّف بين كون الأصابع مضمومات أو مفرّجات.

ويدلّ على الأوّل : ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يستحبّ أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة ، ويرفع قبره قدر أربع أصابع مضمومة وينضح عليه الماء ، ويخلّى عنه» (٣).

ويدلّ على الثاني : ما رواه الحلبي في حديث ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :«إنّ أبي أمرني أن أرفع القبر أربع أصابع مفرّجات ، وذكر أنّ رشّ القبر بالماء حسن» (٤).

وعن عبيد الله الحلبي ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرّجات ، وذكر أنّ الرشّ بالماء حسن» (٥).

ويحتمل أن تكون المضمومات أوّل مرتبة الفضل ، وجواز ما زاد إلى أن بلغ أربع أصابع مفرّجات ، فيكره ما زاد عليها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٠ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ١ : ٣٠٧ / ٨ ، الإرشاد ـ للمفيد ـ ٢ : ١٨١ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٠ / ٩٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٣٢١ / ٩٣٤ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٧.

٤١١

كما يدلّ عليه ما رواه عمر بن واقد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام في حديث أنّه قال : «إذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها ، ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرّجات» (١).

لكن قد ينافيه خبر إبراهيم بن عليّ عن جعفر عن أبيه «أنّ قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع شبرا من الأرض» (٢).

وخبر أبي البختري ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه‌السلام «أنّ قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع من الأرض قدر شبر وأربع أصابع» (٣).

إلّا أنّهما معارضتان برواية عقبة بن بشير ، المتقدّمة (٤) ، مع إمكان مدخليّة الخصوصيّة في ذلك ، فالأولى هو الاقتصار على الأربع أصابع مضمومة أو مفرّجة ، والله العالم.

(و) منها : أن (يربّع) القبر ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها.

وفي الجواهر : أنّ المراد بالتربيع هنا خلاف التدوير والتسديس ما كانت له زوايا قائمة ، لا المربّع المتساوي الأضلاع ، قيل : لتعطيل كثير من الأرض ، وعدم كونه معهودا في الزمن السالف ، كما نرى فيما بقي آثارها من القبور ، وعن بعضهم أنّ المراد بالتربيع خلاف التسنيم ، وربما استظهر ذلك من التذكرة ، ولا ريب في

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ١١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦٩ / ١٥٣٨ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ٨.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٥ / ٥٦٨ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ١٠.

(٤) في ص ٤١٠.

٤١٢

بعده (١). انتهى.

أقول : ويؤيّد إرادة المعنى الأوّل مرسلة الحسين بن الوليد ـ المرويّة عن العلل ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت لأيّ علّة يربّع القبر؟ قال : «لعلّة البيت ، لأنّه نزل مربّعا» (٢).

ويؤيّد المعنى الأخير : خبر الأعمش ، المرويّ عن الخصال «والقبور تربّع ولا تسنّم» (٣) إذ الظاهر أنّ قوله : «ولا تسنّم» تفسير لما قبله ، فيكون مفاده مفاد ما عن الفقه الرضوي قال : «ويكون مسطّحا لا مسنّما» (٤).

وكيف كان فلا تأمّل في استحباب التربيع بكلا المعنيين خصوصا بالمعنى الأخير حيث أضافه بعض (٥) إلى مذهبنا ، كما أنّه لا تأمّل في كراهة التسنيم ، لاستفاضة نقل الإجماع عليها ، بل عن غير واحد من العامّة الاعتراف بأنّ السنّة إنّما هو تسطيح القبور ، لكنّهم عدلوا عنه مراغمة للشيعة (٦) ، والحمد لله الموفّق للصواب.

(و) منها : أن (يصبّ عليه) أي : على القبر (الماء) كما يدلّ عليه جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤ : ٣١٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٢ : ٩٧ ، المسألة ٢٤٠.

(٢) علل الشرائع : ٣٠٥ (الباب ٢٤٨) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الدفن ، الحديث ١٢.

(٣) الخصال : ٦٠٣ ـ ٦٠٤ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٢٥ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٥.

(٥) المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٠١.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٤٥ ، المجموع ٥ : ٢٩٧ ، الوجيز ١ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٢ : ٤٥٣.

٤١٣

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام في رشّ الماء على القبر قال :«يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب» (١).

لكن في أغلب الأخبار وقع التعبير بلفظ «الرشّ» وفي بعضها الأمر بالنضح ، كما في صحيحة زرارة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا فرغت من القبر فانضحه ، ثمّ ضع يدك عند رأسه وتغمز كفّك عليه بعد النضح» (٢) ومقتضى إطلاقه استحباب النضح مطلقا ، كما صرّح به بعض (٣) ، بل عن المنتهى : عليه فتوى علمائنا (٤).

لكنّ الأفضل في كيفيّة صبّ الماء أن يستقبل القبلة ويبدأ (من قبل رأسه ثمّ يدور عليه ، فإنّ فضل من الماء شي‌ء ألقاه على وسط القبر).

كما يدلّ عليه رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى عند الرّجل ثمّ تدور على القبر من الجانب الآخر ثمّ يرشّ على وسط القبر فكذلك السنّة» (٥).

وفي خبر سالم بن مكرم ـ المرويّ عن الفقيه ، الذي تقدّم (٦) صدره عند بيان استحباب الدعاء في القبر ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «فإذا سوّي قبره فصبّ على قبره الماء ، وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل القبلة ، وتبدأ بصبّ الماء عند رأسه وتدور به على قبره من أربع جوانبه حتّى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٠ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٠ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٣) جواهر الكلام ٤ : ٣١٦.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣١٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٦٣.

(٥) التهذيب ١ : ٣٢٠ / ٩٣١ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٦) في ص ٤٠٥.

٤١٤

فإن فضل من الماء شي‌ء فصبّه على وسط القبر» (١) إلى آخره.

وفي الجواهر ـ بعد نقل خبر سالم ـ قال : الظاهر أنّ ذلك من عبارة الصدوق ، لا من تتمّة خبر سالم ، وجعل اتّحاده مع ما في الفقه الرضوي من مؤيّدات ذلك (٢).

أقول : على تقدير تماميّة الاستظهار وعدم كون الفقه الرضوي بعينه من كلام الإمام عليه‌السلام فلا ينبغي التأمّل في كون هذه العبارة ـ ولو كانت صادرة عن الصدوق ـ نقلا لمضمون رواية واصلة إليه ، وكفى بمثله دليلا في مثل المقام ، والله العالم.

(و) منها : أن (توضع اليد) غامزا بها (على القبر) كما يدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٣).

وينبغي أن يكون الغمز من عند رأسه ، كما يدلّ عليه الصحيحة (٤).

وأن يكون مفرّجة الأصابع ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «إذا حثي عليه التراب وسوّي قبره فضع كفّك على قبره عند رأسه وفرّج أصابعك واغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء» (٥).

ويتأكّد استحباب وضع اليد لمن لم يحضر الصلاة عليه ، كما يدلّ عليه خبر

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٢) جواهر الكلام ٤ : ٣١٧ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧١.

(٣) في ص ٤١٤.

(٤) أي : صحيحة زرارة ، المتقدّمة في ص ٤١٤.

(٥) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩٠ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٤١٥

إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه‌السلام : إنّ أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميّت لم يرجعوا حتّى يمسحوا أيديهم على القبر أفسنّة ذلك أم بدعة؟ فقال : «ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه» (١).

ورواية محمّد بن إسحاق ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : شي‌ء يصنعه الناس عندنا يضعون أيديهم على القبر إذا دفن الميّت ، قال : «إنّما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه ، وأمّا من أدرك الصلاة عليه فلا» (٢).

وظاهر هاتين الروايتين كفاية مطلق وضع اليد ، وعدم اعتبار الغمز.

ويحتمل بعيدا كونه سنّة أخرى مغايرة للأولى ، ثابتة لمن لم يحضر الصلاة عليه ، والله العالم.

(و) منها : أن (يترحّم على الميّت) بعد دفنه.

والأولى أن يدعو له بما هو المأثور.

مثل : ما في رواية إسحاق بن عمّار ، المتقدّمة (٣).

ويقرب منه ما في خبر محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهمّ صل وحدته وآنس وحشته وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك ، وإذا خرجت من قبره فقل : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، اللهمّ ارفع درجته في أعلى علّيّين واخلف على عقبه في الغابرين يا ربّ العالمين (٤)» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٢ / ١٥٠٦ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦٧ / ١٥٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٣) في ص ٤٠٦.

(٤) في التهذيب : «وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين».

(٥) الكافي ٣ : ١٩٦ / ٦ ، التهذيب ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ / ٩٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

٤١٦

وخبر سالم بن مكرم «فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهمّ ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولّاه ، ومتى زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر ، فإذا خرجت من القبر فقل وأنت تنفض يديك من التراب : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ احث التراب عليه بظهر كفّيك ثلاث مرّات ، وقل : [اللهمّ] إيمانا بك وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، فإنّه من فعل ذلك وقال هذه الكلمات كتب الله له بكلّ ذرّة حسنة» (١).

(و) منها : أن (يلقّنه الوليّ بعد انصراف الناس عنه بأرفع صوته) كما يدلّ عليه خبر يحيى بن عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ما على أهل الميّت أن يدرؤوا عن ميّتهم لقاء منكر ونكير» قال : قلت : كيف نصنع؟ قال : «إذا أفرد الميّت فليستخلف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثمّ ينادي بأعلى صوته : يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله سيّد النبيّين وأنّ عليّا أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين ، وأنّ ما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حقّ والبعث حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، فيقول منكر لنكير : انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجّته» (٢).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠١ / ١١ ، الفقيه ١ : ١٠٩ / ٥٠١ ، التهذيب ١ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٩٣٥ و ٩٣٦ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٤١٧

ورواية عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ينبغي أن يتخلّف عند قبر الميّت أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ، ويقبض على التراب بكفّيه ، ويلقّنه برفيع (١) صوته ، فإذا فعل ذلك كفى الميّت المسألة في قبره» (٢).

والظاهر عدم العبرة بخصوص الألفاظ الواردة ، وجواز الاجتزاء بكلّ ما يؤدّي مؤدّاها ، إذ المقصود بالتلقين على الظاهر ليس إلّا تذكرة العهود السابقة والعقائد الحقّة التي يسأل عنها ، بل لو قيل بأولويّة تلقين كلّ شخص بلسانه الذي كان يفهمه حال حياته ، لكان وجها وإن كان الأوجه أولويّة الألفاظ المأثورة حتى لم لم يكن يعقلها حال حياته ، لانتقال الميّت إلى عالم آخر لا يختلف عليه الحال باختلاف الألسن على الظاهر ، والله العالم.

والظاهر عدم كون سائر الخصوصيّات المذكورة في الروايتين ـ عدا انفراد الملقّن الذي تطابقت النصوص والفتاوى على اعتباره ـ كوضع الفم عند رأسه وكونه بأرفع صوته وقبضه على التراب من مقوّمات موضوع التلقين ، بل هي من قبيل الفضل والاستحباب.

وكونه من الوليّ أيضا لا يبعد أن يكون كذلك ، كما يستشمّ من رواية يحيى ابن عبد الله ، المتقدّمة (٣).

__________________

(١) في العلل : «ويرفع» بدل «برفيع».

(٢) علل الشرائع : ٣٠٨ (الباب ٢٥٧) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٣) في ص ٤١٧.

٤١٨

ويشهد له : إطلاق رواية جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ما على أحدكم إذا دفن ميّته وانصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره ثمّ يقول : يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله وأنّ عليّا أمير المؤمنين [إمامك] (١) وفلان وفلان حتّى يأتي على آخرهم ، فإذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه : قد كفينا الوصول إليه ومسألتنا إيّاه ، فإنّه قد لقّن حجّته فينصرفان عنه ولا يدخلان إليه» (٢).

ودعوى أنّ المتبادر من إضافة الميّت إليه هو خصوص الوليّ ممنوعة ، فإنّ المتبادر من الإضافة في مثل المقام ليس إلّا إرادته بأدنى ملابسة ، وقد أشرنا مرارا أنّه لا يراعى في مثل هذه الموارد قاعدة الإطلاق والتقييد ، بل يؤخذ بإطلاق المطلق ، ويحمل المقيّد على كونه أفضل الأفراد ، فالأظهر جوازه من كلّ أحد ، وكونه من الوليّ أفضل ، ومراعاة سائر الخصوصيّات تزيده فضلا ، والله العالم.

ومنها : ما عن مصباح الكفعمي من الصلاة ليلة الدفن ، قال : صلاة الهديّة ليلة الدفن ركعتان ، في الأولى الحمد وآية الكرسي ، وفي الثانية الحمد والقدر عشرا ، فإذا سلّم قال : اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد ، وابعث ثوابها إلى قبر فلان.

قال : وفي رواية أخرى بعد الحمد : التوحيد مرّتين في الاولى ، وفي الثانية ألهاكم التكاثر عشرا ، ثمّ الدعاء المذكور (٣). انتهى.

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥٩ / ١٤٩٦ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٣) المصباح : ٤١١ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، الحديث ٢ و ٣.

٤١٩

وفي صحّة الاستئجار عليها ـ كما هو المتعارف في هذه الأعصار ـ إشكال يأتي البحث عنه في كتاب الصلاة إن شاء الله.

(والتعزية مستحبّة) وقد تظافرت الأخبار في فضلها وزيادة أجرها حتّى أنّه روي بعدّة طرق عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عزّى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شي‌ء» (١).

وفي عدّة روايات عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عزّى حزينا كسي في الموقف حلّة يحبّر بها» (٢).

وعنه أيضا عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «التعزية تورث الجنّة» (٣).

ويتأكّد استحبابها بالنسبة إلى الثكلى [و] لقد روي فيها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «من عزّى الثكلى أظلّه الله تعالى في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» (٤).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان فيما ناجى به موسى عليه‌السلام ربّه قال : يا ربّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٥ / ٢ ، و ٢٢٧ / ٤ ، ثواب الأعمال : ٢٣٦ / ٤ ، قرب الإسناد : ٥١ / ١٦٦ ، و ١٥٦ / ٥٧٤ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٥ / ١ ، ثواب الأعمال : ٢٣٥ (باب ثواب التعزية) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٣) ثواب الأعمال : ٢٣٥ (باب ثواب التعزية) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الدفن ، الحديث ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٧ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

٤٢٠