مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

غسّلت».

قال : وذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق عليه‌السلام (١).

وفي الوسائل : ورواه في كتاب مدينة العلم مسندا عن الصادق عليه‌السلام ، كما ذكره الشهيد في الذكرى (٢). انتهى.

لكن ينافيه ما رواه في التهذيب عن أحمد بن محمد مرسلا ، قال : وروي في الجارية تموت مع الرجل ، فقال : «إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ستّ دفنت ولم تغسّل» (٣).

وقد نقل عن ابن طاوس رحمه‌الله أنّه قال : إنّ لفظ «أقلّ» هنا وهم ، وأصله «أكثر» (٤) فعلى هذا ينطبق على الرواية المتقدّمة.

ولكنّ الاعتماد على مثل هذه الروايات ـ مع ما فيها من الضعف والشذوذ ـ في غاية الإشكال ، ولذا مال بعض مشايخنا ـ تبعا لبعض متأخّري المتأخّرين ـ إلى دوران جواز التغسيل في الصبي والصبيّة مدار جواز النظر واللمس (٥) ، وهذا وإن كان موافقا للأصل والقواعد ويؤيّده موثّقة عمّار ، المتقدّمة (٦) لكنّه مخالف لفتاوى الأصحاب ولرواية أبي النمير ، المتقدّمة (٧) المعتضدة بعمل الأصحاب ، فالالتزام به

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢.

(٢) الوسائل ، ذيل الحديث ٤ من الباب ٢٣ من أبواب غسل الميّت ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٠٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤١ / ٩٩٩.

(٤) كما في الوسائل ذيل الحديث ٣ من الباب ٢٣ من أبواب غسل الميّت ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٠٧.

(٥) جواهر الكلام ٤ : ٧٣ ، الحدائق الناضرة ٣ : ٣٩٧.

(٦) في ص ٩٩.

(٧) في ص ١٠٠.

١٠١

مشكل.

والذي يقتضيه الاحتياط إنّما هو تغسيل الصبي والصبيّة بعد الثلاث من فوق الثياب عند الضرورة بناء على ما هو الأظهر من جوازه للأجنبيّ وإن كان الأحوط تركه بعد البلوغ ودفنه كما هو بثيابه.

ولعلّ هذا هو الوجه فيما حكي عن ابن حمزة من أنّه قسّم الصبي ثلاثة أقسام : ابن ثلاث ، وابن أكثر ، ومراهق ، فالأوّل تغسّله النساء مجرّدا من ثيابه ، والثاني تغسّله من فوق ثيابه ، والثالث يدفن من غير غسل (١).

وكيف كان فهذا هو الأحوط لكن بشرط تخصيص الحكم فيما بعد الثلاث بحال الضرورة ، وأمّا قبل الثلاث فلا يشترط بالضرورة جزما ، بل يجوز ذلك اختيارا ، لإطلاق النصوص والفتاوى ، بل ظهورها في إرادة ذلك. مضافا إلى أنّه هو الذي يقتضيه الأصل والعمومات.

كما أنّ مقتضى جميع ما عرفت : عدم اعتبار كونه من فوق الثياب ، بل عدم وجوب ستر العورة ، كما عن جامع المقاصد والروض التصريح بذلك (٢) ، بل عن الأوّل نسبته إلى إطلاق النصّ والأصحاب (٣) ، فالصبي الذي لم يتجاوز الثلاث تغسّله المرأة مجرّدا (و) الصبيّة التي كذلك (يغسّلها) الرجل (مجرّدة) كما هو المشهور فيهما ، بل الظاهر عدم الخلاف في شي‌ء منهما في الجملة ، بل عن ظاهر التذكرة وصريح النهاية والروضة الإجماع عليه (٤).

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٢٢ ، وانظر : الوسيلة : ٦٣.

(٢) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٧٧ ـ ٧٨ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٦٤ ، وروض الجنان : ٩٧.

(٣) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٧٧ ـ ٧٨ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٦٤ ، وروض الجنان : ٩٧.

(٤) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٧٧ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٦٧ و ٣٦٨ ، المسألتان ١٣٤ و ١٣٥ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٣١ ، والروضة البهيّة ١ : ١٢٦ من دون ذكر الإجماع في الأخير.

١٠٢

وأمّا إذا تجاوز الثلاث : فقد عرفت أنّ مقتضى الاحتياط تغسيلهما من وراء الثوب خصوصا في الصبيّة التي لم يثبت لجواز تغسيلها حدّ من دليل يعتدّ به ، فإنّ القول بوجوب غسلها ما دام يجوز النظر إليها ـ أي ما لم تبلغ خصوصا قبل أن تتجاوز خمس سنين ـ لا يخلو عن قوّة ، والله العالم بحقائق أحكامه.

ثمّ إنّ المتبادر من تحديد العمر بثلاث سنين ليس إلّا إرادة مدّة الحياة ، فلا يقدح وقوع الغسل بعدها إذا حصل الموت عندها.

فما عن جامع المقاصد ـ من أنّ الثلاث سنين هي نهاية الجواز ، فلا بدّ من كون الغسل واقعا قبلها (١) ـ لا يخلو عن نظر.

فرع : الخنثى المشكل إذا كان لثلاث فما دون كغيره يغسّله الرجل والمرأة مطلقا ، وإن زاد عنها فإن كان له أمة ، تغسّله الأمة بلا إشكال على المختار من جوازه لها اختيارا ، وإلّا فتغسّله محارمه ، كما صرّح به العلّامة (٢) وغيره (٣) ، لعدم إمكان الوقوف على المماثل ، فيكون من مواضع الضرورة المبيحة لتغسيل المحارم.

والمناقشة فيه بعدم تناول ما دلّ على جواز تغسيل غير المماثل عند الضرورة لمثل المقام ، لظهورها أو صريحها في معلوم الرجوليّة والأنوثيّة ، ضعيفة جدّا ، إذ لا إشعار في شي‌ء من الأدلّة فضلا عن الظهور أو الصراحة بكون

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٧٨ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٦٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، الفرع «ط».

(٣) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٦١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٩٧.

١٠٣

العلم بالرجوليّة أو الأنوثيّة مأخوذا في موضوع الحكم بجواز التغسيل على جهة الموضوعيّة.

نعم ، يفهم من قول السائل حين سأل عن حكم رجل مات في السفر وليس معه إلّا النساء أو امرأة كذلك أو نحو ذلك : أنّ المقصود بالسؤال ليس إلّا إرادة حكم الموضوع الذي أحرزه بالعلم ، لكن لا على وجه يكون العلم بالموضوع مأخوذا فيه على جهة الموضوعيّة ، بل هو كسائر الخصوصيّات الشخصيّة التي لا يتخصّص بها الحكم الشرعي ، فليس المقام إلّا كسائر الموارد التي وقع السؤال فيها عن حكم الموضوعات الخارجيّة التي لا ينسبق إلى الذهن إلّا إرادة حكم تلك الموضوعات التي أحرزها بالعلم من حيث هي لا من حيث كونها معلومة ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ لكلّ من محارمه ذكرا كان أو أنثى تغسيله ، فإن ماثله في الواقع فهو ، وإلّا فالضرورة سوّغت غسله.

اللهمّ ، إلّا أن يمنع في مثل الفرض تحقّق الضرورة المبيحة لتغسيل غير المماثل ، لإمكان حصول الغسل من المماثل بتكرير الغسل بفعل الرجال والنساء.

لكن يتوجّه عليه : أنّ العبرة بحسب الظاهر إنّما هي بالاضطرار إلى حصول الغسل من غير المماثل ، لا عدم إمكان حصوله من المماثل في الواقع ، ومعلوم أنّ الضرورة متحقّقة في فعل من يغسّله ولو عند إرادة الاحتياط ، فيصحّ غسله ولو على تقدير عدم المماثلة ، فليتأمّل.

ويؤيّده بل يدلّ على عدم وجوب تكرار الغسل : ما سنذكره في توجيه الوجه الأخير من الوجوه الآتية إن شاء الله.

ويمكن أن يقال في المقام بجواز التغسيل لكلّ أحد ، أجنبيّا كان أم من

١٠٤

المحارم من دون اشتراط المماثلة ، بدعوى انصراف الأخبار ـ المانعة من تغسيل غير المماثل ـ عن الخنثى حيث إنّ المتبادر منها ـ ولو لأجل المناسبة المغروسة في الأذهان ـ ليس إلّا إرادة المنع من تغسيل من يحرم النظر إليه ، وحيث إنّ الأظهر جواز نظر كلّ من الطائفتين إليه ولمسه فلا يفهم من تلك الأخبار المنع من تغسيله ، فيجب على الجميع تغسيله ، للعمومات السليمة عن المخصّص.

لكن هذه الدعوى ـ مع قوّتها ـ غير خالية عن النظر بل المنع ، فالأظهر عموم شرطيّة المماثلة أو المحرميّة ، وعدم اختصاصها بما عدا الخنثى ، فلو انكشف الواقع بإخبار صادق ، لم يجز لغير المماثل غسله ، وحيث إنّ ما عدا المحارم لم يعلم بكونه مكلّفا بالغسل ، لجهله بالمماثلة لم يجب عليها مباشرته وإن قلنا بصحّته على تقدير حصوله منه ، كما سيأتي التكلّم فيه. وأمّا المحارم فيجب عليهم ذلك ، لعلمهم بتنجّز الخطاب في حقّهم ، فيجب عليهم غسله بمعنى أنّه يتعيّن عليهم ذلك ، لا أنّه لا يصحّ إلّا بفعلهم ، ضرورة صحّته من الأجنبيّ المماثل ، غاية الأمر أنّه لا يمكن القطع بحصوله منه إلّا بتكرير الغسل.

وكيف كان فإن فقدت المحارم ، هل يرتفع التكليف بالغسل ويجوز دفنه بدونه ، أو أنّه يجب على عامّة المكلّفين تغسيله مرّتين احتياطا ، تحصيلا للجزم بحصول الواجب مع شرطه ، أم لا يجب إلّا غسل واحد كفاية على الجميع؟ وجوه.

أمّا الأوّل : فتوجيهه : أنّ وجوب الغسل عند فقد المحرميّة مشروط بالمماثلة ، والشكّ في الشرط شكّ في المشروط ، فيرجع فيه إلى البراءة.

وتوهّم الرجوع إلى عمومات وجوب الغسل ، مدفوع : بخروج غير المماثل منها ، والشكّ في المقام إنّما هو في كون المشكوك من أفراد المخصّص

١٠٥

أو العامّ ، وقد تقرّر في محلّه بطلان التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقيّة.

لكن لا يخفى عليك أنّ مقتضى الأصل ليس إلّا عدم الوجوب لا عدم الجواز ، بل مقتضى الأصل : جواز غسله ولو مجرّدا عن الثياب ، كجواز مسّه والنظر إليه ، لأنّ شرط الحرمة أيضا ـ أعني عدم المماثل ـ غير محرز ، فهي ـ كالوجوب ـ منفيّة بالأصل ، فيبقى الفعل على أصل الجواز ، ويكفي في مشروعيّته احتمال كونه واجبا في الواقع وإتيانه بداعي هذا الاحتمال ، كما عرفته في نيّة الوضوء.

لكن لا يخفى عليك أنّه لو قلنا بجواز الغسل للأجنبيّ من فوق الثياب ـ كما هو الأظهر ـ فالأحوط إتيانه كذلك كي يكون متقرّبا بالفعل على كلّ تقدير.

وحاصل هذا الوجه : رجوع كلّ مكلّف إلى أصل البراءة عن التكليف بالغسل. وعلمه الإجمالي بتوجّه الخطاب بالغسل إلى إحدى الطائفتين لا يؤثّر في تنجيز التكليف على أحد ، كما في واجدي المنيّ في الثوب المشترك.

وأمّا الوجه الثاني : فتوجيهه : أنّ مقتضى وجوب الغسل كفاية على عامّة المكلّفين : عدم اختصاص التكليف به بمن يباشره بنفسه ، فالمباشرة شرط الوجود لا الوجوب ، فيجب على كلّ مكلّف ـ ولو بإعانة بعضهم لبعض ـ السعي في إيجاد الغسل من مماثل وإن لم يجب على نفسه المباشرة. ألا ترى أنّه لو ماتت امرأة ، يجب على الرجال أيضا ـ كالنساء ـ السعي في حصول غسلها في الخارج بتمهيد مقدّماته ، وإعلام من يماثلها ، وإلزامه بذلك على تقدير الامتناع ولو من باب الأمر بالمعروف ، إلى غير ذلك ممّا هو من آثار الوجوب الكفائي ، ففي ما نحن فيه يجب على المكلّفين السعي في حصول غسل الخنثى من مماثله ، وهو أمر مقدور ، غاية الأمر أنّه يتوقّف الجزم بحصول الواجب على تكرير الغسل بفعل

١٠٦

الرجال والنساء ، فيجب ذلك من باب الاحتياط.

نعم ، لو امتنع الاحتياط بأن انحصر المتمكّن من الغسل في إحدى الطائفتين ، أو توقّف على ارتكاب محرّم ـ كنظر الأجنبيّ ومسّه ـ ولم يمكن إيجاده بدونه ، كالغسل من وراء الثوب أو بتغميض العينين ولفّ اليدين بخرقة مثلا ، أو قلنا بأنّ غسل الأجنبيّ حرام ذاتا ، اتّجه القول بسقوط التكليف والرجوع إلى البراءة ، إذ لا يعقل أن يتنجّز في حقّ أحد التكليف بإيجاد الغسل من المماثل عند اشتباه موضوعه وتردّد حكم الموضوع المشتبه بين الواجب والحرام ، واستلزام الاحتياط فيه ارتكاب الحرام اليقيني.

ولا يجدي في تنجّز الخطاب بالغسل على المكلّفين ـ بعد فرض استلزام الاحتياط ارتكاب الحرام الواقعي ـ جواز مسّ كلّ من الرجال والنساء ونظره إليه وتغسيله إيّاه بملاحظة حكمة من حيث هو ، كما هو واضح ، لكنّك خبير بإمكان حصوله غالبا من دون توقّفه على مقدّمة محرّمة.

وأمّا احتمال الحرمة الذاتيّة في غسل الأجنبيّ مطلقا ولو من فوق الثياب فهو في غاية الضعف ، بل قد عرفت ـ فيما سبق ـ أنّ الأظهر استحبابه من فوق الثياب وإن كان الأحوط تركه.

فظهر لك بما ذكرناه في توجيه هذا الوجه ضعف الوجه الأوّل ، إلّا في بعض الصور ، كما تقدّمت الإشارة إليها.

وأمّا الوجه الأخير : فتوجيهه بأن يقال : إنّ اشتراط المماثلة والمحرميّة في الغسل ـ على ما يستفاد بالتأمّل في أدلّته ـ ليس من مقوّمات ماهيّة الغسل ، كاشتراط طهارة الماء وإطلاقه ، بل هو ـ كإباحته ـ من الشرائط المنتزعة من الأحكام

١٠٧

التّكليفيّة ، فإنّ المتأمّل في أدلّته يوشك أن لا يرتاب في أنّ اعتبار الشارع لهذا الشرط لم يكن إلّا لعدم رضاه بأن يتصدّى الأجنبيّ لهذا العمل المتوقّف غالبا على النظر واللمس ، فنهي الشارع عنه ليس لبطلانه في حدّ ذاته ، بل لكون فعله الخارجي مصداقا لعنوان مرجوع أو ملزوما لأمر كذلك ، فلا يعقل أن يطلبه الشارع ، فيفسد عمله لذلك ، نظير الوضوء بالماء المغصوب ، ولا يصلح مثل هذه الجهات العارضيّة المقبّحة للفعل مانعا من وقوعه امتثالا للأمر المتعلّق بالطبيعة إلّا إذا اتّصفت فعلا بالقبح بمعنى أنّ الفساد في مثل الفرض يدور مدار المنع الفعلي المنجّز لا الشأني ، فحيثما جاز صحّ فعله ، كما لو غسل الأجنبيّ بزعم المماثلة أو المحرميّة ، فانكشف خطوة ، أو توضّأ بماء مغصوب بزعم الملكيّة ، أو اغتسل في ماء بارد باعتقاد عدم الضرر ، فتبيّن كونه مضرّا ، إلى غير ذلك من الموارد التي نلتزم فيها بصحّة العبادات المشتملة على جهات مقبّحة عند عدم تأثير تلك الجهات في صيرورة الفعل من حيث صدوره عن الفاعل قبيحا ، وفيما نحن فيه وإن لم يكن المكلّف غافلا لكنّه بحكمه في عدم تنجّز النهي في حقّه ، بل قد يكون تكليفه في مقام العمل هو الإتيان بالفعل ، كما لو أحرز من نفسه القدرة على إيجاد الواجب الكفائي بنفسه أو بالتسبيب ، فإنّه يجب عليه حينئذ الإتيان بالفعل من باب المقدّمة العلميّة ، فمتى أوجده يصحّ غسله ، ويرتفع الخطاب المتعلّق به ولو لم يكن مماثلا في الواقع.

إن قلت : إذا كان الخطاب بمباشرة الغسل مخصوصا بالمماثل ولم يجب إلّا عليه ، فكيف يعقل أن يصحّ من غير المماثل ويقع امتثالا لأمر الواجب المتوجّه إلى المماثل!؟.

١٠٨

قلت : إذا كانت علّة الاختصاص كون غسل غير المماثل مشتملا على جهات مقبّحة للفعل كما هو المفروض ، فهي لا تصلح علّة إلّا لتخصيص الطلب ، لا لعدم حصول ذات المطلوب من حيث هي ، فيصحّ عمله مطلقا ولو على تقدير حرمته عليه إن لم يكن عبادة ، فيسقط بسببه التكليف ، لحصول الغرض ، وإن كانت عبادة ، يصحّ على تقدير تحقّقه قربة إلى الله ما لم يكن صدوره من المكلّف من حيث صدوره منه قبيحا بحيث يحسن عتابه وعقابه على الفعل.

ويكفي في كون العمل مقرّبا كونه محصّلا لما تعلّق به غرض الشارع في أمره وإن قصر الطلب الفعلي عن شموله ، لما فيه من موانع الطلب حيث يقبح صدوره من المكلّف حال الالتفات والعلم بعنوانه المقبّح له ، فلا يكون مطلوبا.

وصدوره منه حين الغفلة والجهل بالعنوان القبيح وإن لم يقبح فعلا ويحصل به ما هو الغرض الباعث على الأمر لكن ليس بهذا العنوان فعلا اختياريّا للمكلّف حتى يقع في حيّز الطلب ، فلا يشمله الخطاب اللفظي ، بل لا يكون هذا الفرد بخصوصيّته الشخصيّة مأمورا به في الواقع ، بل هو منهيّ عنه بهذا الاعتبار ، لعدم اختصاص حرمة الأشياء المشتملة على المفسدة ـ كالغصب ونحوه ـ بالأفراد المعلومة ، لكنّه لا أثر لمفسدته الذاتيّة وحرمته الواقعيّة في صيرورته قبيحا عند صدوره ممّن هو معذور في ارتكابه عقلا وشرعا ، فإنّ الأفعال الاختياريّة إنّما تتّصف بالحسن والقبح بعناوينها الاختياريّة ، فلا فرق من حيث الحسن والقبح بين الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة غفلة والواقعة في غيرها ، فمناط الطلب في الصورة الأولى أيضا موجود بحيث لو أمكن الأمر بها لأمر بها ، لكنّه غير ممكن ، فلا منافاة بين حرمة الشي‌ء واقعا واتّصافه بالحسن فعلا ووقوعه عبادة ومسقطا

١٠٩

للأمر المتعلّق بالطبيعة إذا تحقّق في الخارج بعنوانه الراجح الواقع في حيّز الطلب ، أي كونه مصداقا للطبيعة المأمور بها قرية إلى الله تعالى ، ولا يتوقّف ذلك على كونه مأمورا به بالفعل ، لما عرفت في نيّة الوضوء من أنّ القربة المصحّحة للعبادة ليست إلّا كون العمل لله تعالى ، لا لسائر الأغراض النفسانيّة ، وهذا المعنى محقّق في جميع الموارد التي حكمنا بصحّة العبادة.

ولا ينافيه ما ينويه الغافل عن قبحه من قصد امتثال الأمر المتعلّق به مع أنّه لم يتعلّق به بخصوصه أمر في الواقع ، لأنّ انتفاء الأمر الواقعي لا يخرج العمل الواقع لله تعالى من كونه كذلك ، غاية الأمر أنّه زعم أنّ الله قد أمره بذلك ، فأوجده لله بهذا الداعي ولم يكن الأمر كما زعم ، ولا ضير فيه ، كما تقدّم تحقيقه وتنقيحه في مبحث النيّة.

وبما ذكر يتّضح لك الوجه في صحّة الغسل فيما نحن فيه مطلقا بناء على الوجه الأخير لو أوجده لاحتمال وجوبه لأجل احتمال المماثلة ، فإنّه وإن لم ينو إلّا امتثال الأمر المحتمل لكن احتمال كونه واجبا من قبل الله تعالى أثّر في إيجاده ، فأوجده لله لا لسائر الأغراض ، ولذا نقول باستحقاق ثواب الانقياد على تقدير عدم مصادفة الاحتمال ، ومقتضاه صحّة العمل مطلقا إذا كان من قبيل ما هو المفروض فيما نحن فيه.

لكنّ الأحوط في المقام ـ بل في كلّ مورد حكمنا فيه بالتخيير بين فعل عبادة وتركها ، لدوران الأمر فيها بين المحذورين ونحوه إذا كان احتمال الحرمة فيه مسبّبا عن احتمال جهة عارضيّة مقبّحة كغصبيّة ماء الغسل ـ أن ينوي بفعله إيجاد الطبيعة الراجحة شرعا ، التي تعلّق بها الطلب الشرعي من دون أن يجعل

١١٠

وجوبها غاية للفعل ولو على سبيل الاحتمال كي يتأمّل في صحّته على تقدير عدم المصادفة وإن كان الأقوى صحّته كما عرفت.

ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه في توجيه الوجه الأخير أنّه لا يخلو عن قوّة لكن ما تقدّمه أحوط ، والله العالم.

(و) اعلم أنّ المشهور بين الأصحاب ـ كما صرّح به غير واحد منهم ـ أنّ (كلّ مظهر للشهادتين) ولم يعلم منه عدم الإذعان بشي‌ء منهما (وإن لم يكن معتقدا للحقّ) الذي يعتقده أهل الحقّ (يجوز تغسيله) بل يجب كفاية (عدا الخوارج والغلاة) والنواصب وغيرهم من الفرق المحكوم بكفرهم ولو بإنكار شي‌ء من ضروريّات الدين ، فإنّه لا يجب حينئذ تغسيلهم ، بل لا يجوز ، فإنّ الكافر لا يغسّل إجماعا ، كما صرّح به غير واحد ، للأصل مع ظهور الأدلّة في غيره.

وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمّار : «النصرانيّ يموت مع المسلمين لا تغسّله ولا كرامة ولا تدفنه ولا تقم على قبره وإن كان أبا» (١) وغيره من الأخبار الدالّة على أنّ الوجه في غسل الميّت تنظيفه وجعله أقرب إلى رحمة الله وأليق بشفاعة الملائكة ، وأنّه تطهير للميّت عن الجنابة الحادثة له عند الموت ، إلى غير ذلك ممّا يفهم منه عدم استحقاق الكافر للغسل مطلقا ، فلا إشكال في ذلك أصلا ، كما أنّه لا إشكال في وجوب تغسيل كلّ مؤمن معتقد لإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، وإنّما الإشكال فيما هو المشهور بين الأصحاب ـ بل عن غير واحد دعوى إجماعهم عليه ـ من وجوب تغسيل كلّ مظهر للشهادتين من سائر فرق

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ٩٨٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١ ، بتفاوت.

١١١

المسلمين ، مع أنّ مقتضى الأدلّة السابقة ليس إلّا وجوب تغسيل المسلم المعتقد للإمامة لا مطلقا ، كما لا يخفى على المتأمّل.

واستدلّ له : بما في بعض النصوص من العموم والإطلاق.

مثل : قوله عليه‌السلام : «اغسل كلّ الموتى : الغريق وأكيل السبع وكلّ شي‌ء إلّا ما قتل بين الصفّين» (١) الحديث.

وقوله عليه‌السلام : «غسل الميّت واجب» (٢).

مضافا إلى عموم أدلّة وجوب الصلاة على كلّ مسلم ، كقوله عليه‌السلام : «صلّ على من مات من أهل القبلة ، وحسابه على الله» (٣) بضميمة عدم القول بالفصل واشتراط مشروعيّة الصلاة على تقدّم الغسل.

وفي الجميع ما لا يخفى ، فإنّ إطلاقات النصوص مسوقة لبيان حكم آخر ، خصوصا الرواية الثانية ، فإنّها مهملة.

وأمّا الرواية الاولى وإن اشتملت على عموم لغويّ إلّا أنّ عمومها إنّما هو بالنسبة إلى أنواع الموتى ، كما يشهد لذلك تفصيل بعض أفراده ، كالغريق وما بعده ثمّ استثناء الشهيد منها ، ولذا لا ترى تنافيا بينها وبين ما دلّ على عدم تغسيل الكفّار ، لأنّ الكفر والإسلام وكونه مخالفا إنّما هو من أحوال الفرد لا من أفراد هذا العامّ.

وأمّا الرواية الواردة في باب الصلاة : فبعد تسليم سندها لا يفهم منها إلّا

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢١٣ ـ ٢١٤ / ٧٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الإستبصار ١ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٣١٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٨ / ١٠٢٥ ، الإستبصار ١ : ٤٦٨ / ١٨٠٩ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث ٢.

١١٢

مشروعيّتها ، لورود الأمر فيها في مقام توهّم الحظر ، فلا يفهم منه الوجوب.

وكيف كان فلا يمكن إثبات الوجوب بمثل هذه الأدلّة ، وإليه أشار المحقّق الأردبيلي ـ فيما حكي عنه ـ في مجمع البرهان ، حيث قال : وأمّا وجوب غسل كلّ مسلم فلعلّ دليله الإجماع ، وقد صرّح ـ فيما حكي عنه ـ بأنّ الظاهر أنّه لا نزاع فيه لأحد من المسلمين (١).

أقول : ولا يبعد أن يكون كذلك ، فإنّ الخلاف في تغسيل المخالف وإن نسب إلى جماعة من القدماء والمتأخّرين لكنّ الظاهر أنّ ذلك منهم ـ عدا بعض متأخّري المتأخّرين ـ إنّما هو لبنائهم على كفر المخالف.

وكيف كان فإن تمّ الإجماع فهو ، وإلّا فالمسألة في غاية الإشكال ، خصوصا بملاحظة ما صرّحوا به ، بل نسبه المحقّق الثاني في حاشية الشرائع ـ على ما حكي (٢) عنه ـ إلى ظاهر الأصحاب من أنّ الواجب إنّما هو تغسيلهم غسل أهل الخلاف ، فإنّ مقتضاه أن لا يكون مستندهم فيه إطلاقات أدلّة الغسل ، إذ لا يمكن استفادة وجوب غسل باطل من تلك الأدلّة ، فإنّ المراد بها ليس إلّا الغسل الصحيح ، ولذا استدلّ شيخنا المرتضى قدس‌سره عليه بالإجماع ، وقال : لو سلّمنا عدم ثبوت الإجماع على الكلّيّة ، كفى في المسألة ما دلّ على أنّه تجب المعاملة مع المخالف معاملة المسلمين المؤمنين في الأمور المتعلّقة بالمعاشرة التي من أهمّها أن لا يعامل مع موتاهم معاملة الكلاب ، وهذا واضح لمن لاحظ تلك الروايات (٣).

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٨٠ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٧٢.

(٢) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٧٧ ، وانظر : حاشية الشرائع (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره) ١٠ : ٨٣.

(٣) كتاب الطهارة : ٢٧٧.

١١٣

انتهى.

أقول : استفادة وجوب تغسيل موتاهم أو الصلاة عليها أو نحو هما في الفروض التي لا مدخليّة لها بأمور المعاشرة ـ كما لو مات أحدهم في مفازة لم يطّلع عليه إلّا آحاد من المسلمين بحيث لم يترتّب على غسله إلّا أداء التكليف فيما بين العبد وبين ربّه ـ من تلك الأدلّة في غاية الإشكال ، بل في حيّز المنع ، بل لا يبعد دعوى دلالة جملة من الأخبار الصادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام على خلافه ، فإنّ غاية ما يمكن استفادته من تلك الأدلّة إنّما هو وجوب المعاملة معهم معاملة المسلمين صورة من جهة المداراة معهم لدفع شرّهم أو جلب قلوبهم إلى الإيمان ، أو توقّف انتظام أمر المعاش عليه ، أو غير ذلك من الفوائد المترتّبة على حسن المعاشرة ، لا أنّه يجب علينا ترتيب آثار كونهم مسلمين في الواقع ، وإلّا لكان الواجب علينا السعي في تغسيلهم غسل أهل الحقّ ، وهو خلاف ما صرّح به جملة من الأصحاب ، فالإنصاف أنّ القول بوجوب غسلهم من حيث هو لو لا الإجماع مشكل.

نعم ، ربما يجب من باب المماشاة والتقيّة وحسن المعاشرة ونحوها ، لا لكونه غسل الميّت من حيث هو ، ولذا لا ينبغي الإشكال في أنّ الواجب إنّما هو تغسيلهم غسل أهل الخلاف إلزاما لهم بما في مذهبهم ، إذ لا يترتّب على تغسيلهم غسل أهل الحقّ شي‌ء من الفوائد المقصودة من الأمر بتغسيلهم ، اللهمّ إلّا أن تتوقّف المداراة وحسن المعاشرة والتوقّي من شرّهم عليه.

نعم ، لا ينبغي الاستشكال في أنّه يستفاد من تلك الأخبار أنّه لو تحقّق غسلهم في الخارج على ما يقتضيه مذهبهم سواء كان بفعلنا أو بفعلهم ، يترتّب

١١٤

عليه أثر الغسل الصحيح ، فيطهر بدنه ظاهرا كحال حياته ، ولا يجب الغسل بمسّه ، إلى غير ذلك من الآثار ، كما أنّه لا إشكال في ترتّب الآثار عليه لو غسّل بغسل أهل الحقّ إن ثبت مشروعيّته بإجماع ونحوه ، وإلّا ففيه إشكال ، ولا يجديه القول به من باب الاحتياط والمسامحة ، كما لا يخفى.

وليعلم أنّه لا منافاة بين القول بوجوب غسلهم كفاية وبين ما صرّحوا به من كراهة تغسيل المخالف ، فإنّ المقصود بالثاني كراهة مباشرته على تقدير وجود من يقوم بإيجاده ، لا مطلقا ، فتكون مباشرة الغسل حال وجود من به الكفاية من العبادات المكروهة التي عرفت توجيهها غير مرّة.

(و) ليعلم أيضا أنّه قد استثني ممّا تقدّم من تغسيل كلّ مسلم (الشهيد الذي قتل بين يدي الإمام ومات في المعركة) فإنّه (لا يغسّل ولا يكفّن) لو لم يكن مجرّدا من الثياب ، كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله (ويصلّى عليه) بلا خلاف ، بل في الجواهر : إجماعا في الجميع محصّلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالأخبار (١). انتهى.

والمراد بقتله بين يدي الإمام عليه‌السلام : التمثيل ، وإلّا فلا ريب في عموم الحكم بالنسبة إلى من قتل بين يدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو النائب عنهما بالخصوص ، بل لا ينبغي الاستشكال في اطّراد الحكم بالنسبة إلى كلّ من قتل في سبيل الله في كلّ جهاد بحقّ ولو في حال الغيبة ، كما لو دهم المسلمين عدوّ يخاف منه على بيضة الإسلام ، كما عن صريح جماعة وظاهر آخرين (٢) ، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها

__________________

(١) جواهر الكلام ٤ : ٩١.

(٢) انظر : الحدائق الناضرة ٣ : ٤١٥ ، وجواهر الكلام ٤ : ٨٧.

١١٥

الإجماع عليه (١).

ويشهد له إطلاق حسنة أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :«الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسّل إلّا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثمّ يموت بعد ، فإنّه يغسّل ويكفّن ويحنّط ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن حمزة في ثيابه ولم يغسّله ولكنّه صلّى عليه» (٢).

ونحوه في ذلك خبره الآخر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسّل ويكفّن ويحنّط؟ قال : «يدفن كما هو في ثيابه إلّا أن يكون به رمق» (٣) الحديث.

ومضمر أبي خالد ، قال : «اغسل كلّ الموتى الغريق وأكيل السبع وكلّ شي‌ء إلّا ما قتل بين الصفّين ، فإن كان به رمق غسّل وإلّا فلا» (٤).

ولا ينافي هذه الإطلاقات ما في جملة من الأخبار من إثبات هذا الحكم للشهيد بناء على اعتبار إذن الإمام أو نائبه في مسمّاه ـ كرواية أبي مريم عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «الشهيد إذا كان به رمق غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ، وإن لم يكن به رمق كفّن في أثوابه» (٥) ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٤ : ٨٧ ، وانظر : الغنية : ١٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ / ٩٧٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٠ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٥ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢١١ / ٣ ، الفقيه ١ : ٩٧ / ٤٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

١١٦

آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ينزع عن الشهيد الفرو والخفّ والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلّا أن يكون أصابه دم ، فإن أصابه دم ترك ولا يترك عليه شي‌ء معقود إلّا حلّ» (١) ومرسلة الطبرسي في مجمع البيان ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في شهداء احد : «زمّلوهم بدمائهم وثيابهم» (٢) ـ ضرورة عدم التنافي بين المثبتين ، فهذه الروايات ـ على تقدير تسليم الدعوى المذكورة ـ ليست إلّا كالأخبار الواردة في الوقائع الخاصّة ، مثل المستفيضة الواردة في قضيّة عمّار وعتبة أو هاشم بن عتبة من أنّ عليّا عليه‌السلام لم يغسّلها يوم صفّين ودفنهما في ثيابهما (٣).

هذا ، مع أنّ الدعوى المزبورة ممنوعة على مدّعيها أشدّ المنع ، فما في هذه الروايات من الإطلاق أيضا شاهد للمختار.

نعم ، المراد من جميع الأخبار ـ على ما يشهد به متونها ـ من المقتول في سبيل الله ليس إلّا المقتول في الجهاد ، لا مطلق من بذل نفسه في طاعة الله من غير جهاد ، فإنّه يجب غسله كغيره بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل عن المعتبر والتذكرة دعوى الإجماع عليه (٤).

ويؤيّده رواية العلاء بن سيابة عن رجل قتل وقطع رأسه في معصية الله

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١١ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ / ٩٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١٠.

(٢) مجمع البيان ١ ـ ٢ : ٣٨٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٦٨ ، و ٣ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ / ١٠٤١ ، و ٦ : ١٦٨ / ٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٤ ، و ٤٦٩ / ١٨١١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٤.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣١٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣١١ ـ ٣١٢ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٧٤ ، الفرع «ه».

١١٧

أيغسّل أم يفعل به ما يفعل بالشهيد؟ فقال : «إذا قتل في معصية الله يغسل أوّلا منه الدم ثمّ يصبّ عليه الماء صبّا» (١) الحديث.

فهذا ممّا لا إشكال فيه ، بل لعلّ المتبادر من القتل في سبيل الله ليس إلّا إرادة الجهاد.

نعم ، لا يعتبر على الظاهر كونه عند تقابل العسكرين ، فلو قتل واحد من عسكر المسلمين قبل تقابل العسكرين مثلا ـ كما لو كان عينا لهم ـ فالظاهر شمول إطلاق الأخبار له وإن كان ربما يستشعر من قوله عليه‌السلام : «إلّا ما قتل بين الصفّين» (٢) خلافه ، لكن لا يبعد جري هذه الرواية مجرى الغالب.

ثمّ إنّ المعتبر إنّما هو موته قبل أن يدركه المسلمون ، كما نطق به جملة من الأخبار المتقدّمة ، لكن لا يبعد أن يكون المراد من إداركه المسلمون : إخراجه من المعركة أو إدراكه حيّا بعد انقضاء الحرب عند تفقّد القتلى ، لا مجرّد الحضور عنده في أثناء الحرب وبه رمق وقد مات في المعركة ، كما يشهد له إطلاق قوله عليه‌السلام في رواية أبي خالد : «إلّا ما قتل بين الصفّين» (٣) خلافا لظاهر المحكيّ (٤) عن جماعة من القدماء والمتأخّرين ، فاكتفوا في وجوب التغسيل بمجرّد إدراكه حيّا ولو في أثناء الحرب ، لإطلاق الأخبار.

وفيه نظر ، لما أشرنا من إمكان دعوى أنّ المتبادر منها ليس إلّا إرادة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١١٦ ، الهامش (٤).

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١١٦ ، الهامش (٤).

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٩٠ ، وانظر : المقنعة : ٨٤ ، والمهذّب ١ : ٥٥ ، والذكرى ١ : ٣٢٠ ، وروض الجنان : ١١٠.

١١٨

ما عرفت.

ويؤيّده بل يشهد له : قضيّة عمّار ، فإنّ الظاهر حضور المسلمين عنده حين استسقى ، فسقي اللبن الذي كان آخر شرابه من الدنيا (١) مع أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يغسّله ، كما يدلّ عليه أخبار (٢) مستفيضة.

ويؤيّده أيضا : ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال يوم أحد : «من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع؟» فقال رجل : أنا أنظر لك يا رسول الله ، فنظر فوجده جريحا وبه رمق ، فقال له : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات ، فقال : أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنّي السلام ، قال : ثمّ لم أبرح إلى أن مات ولم يأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بتغسيل أحد منهم (٣).

وقد يشكل ما في هذه الرواية بأنّ ظاهرها كون القضيّة بعد تقضّي الحرب ، وهو ينافي ما يستظهر ، من المعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة على أنّه إذا مات بعد تقضّي الحرب ، يجب غسله حتى لو كان غير مستقرّ الحياة (٤).

وأشكل من هذه الرواية خبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا مات الشهيد من يومه أو من

__________________

(١) انظر : مروج الذهب ٢ : ٣٨١ ، واختيار معرفة الرجال : ٣٣ / ٦٤.

(٢) منها : ما في التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٦٨ ، و ٣ : ٣٣٢ / ١٠٤١ ، و ٦ : ١٦٨ / ٣٢٢ ، والاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٤ ، و ٤٦٩ / ١٨١١.

(٣) أورد الخبر صاحب الجواهر فيها ٤ : ٨٩ ـ ٩٠ ، وابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٢ : ٣٣١ ، وابن هشام في السيرة النبويّة ٣ : ٩٥.

(٤) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٩٠ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧١٢ ، المسألة ٥١٩.

١١٩

الغد فواروه في ثيابه ، وإن بقي أيّاما حتى تتغيّر جراحته غسّل» (١).

وقد حمله الشيخ وغيره ـ على ما حكي (٢) عنهم ـ على التقيّة. ولا بعد فيه خصوصا مع ما فيه كسابقه من الضعف ، والله العالم.

ثمّ إنّ ظاهر النصّ وكلام الأصحاب ـ كما عن جماعة (٣) التصريح به : ـ أنّه لا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير والرجل والمرأة والحرّ والعبد وبين من عاد سلاحه إليه فقتله وغيره ، ولا بين من قتل بالجرح أو بغيره من الأسباب.

وعن ظاهر كشف اللثام الاتّفاق في خصوص الصغير والمجنون (٤).

وعن المعتبر نسبة الخلاف في الصغير إلى أبي حنيفة ، وردّه بالإطلاق (٥).

ويؤيّده ما روي من أنّه كان في قتلي بدر واحد بعض الصغار (٦) ، وقد تقدّم (٧) في الرواية السابقة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمر بتغسيل أحد ممّن قتل يوم احد.

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله ـ بعد ما نقل (٨) ما عرفت ـ : وهو حسن إلّا أنّ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٢ / ٩٧٤ ، و ٦ : ١٦٨ / ٣٢١ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٥٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥.

(٢) كما في جواهر الكلام ٤ : ٩٠ ، وانظر : التهذيب ١ : ٣٣٢ ، ذيل الحديث ٩٧٤ ، والاستبصار ١ : ٢١٥ ، ذيل الحديث ٧٥٨.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣١٤ ، والحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٩١.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣١٤ ، والحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٩١ ، وانظر : كشف اللثام ٢ : ٢٢٦.

(٥) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ ٣١٤ ، انظر : المعتبر ١ : ٣١٢.

(٦) أسد الغابة ١ : ٤٢٥ / ٩٩٣ ، و ٤ : ٢٩٩ / ٤٠٨٩ ، عيون الأثر ١ : ٤٣٢ ، الإصابة ٤ : ٧٢٥ ـ ٧٢٦ / ٦٠٦١ ، الاستيعاب ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ / ٤٤٤.

(٧) في ص ١١٩.

(٨) في «ض ٧ ، ٨» : «بعد نقل».

١٢٠