مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

ومرفوعة عبد الصمد بن هارون عن الصادق عليه‌السلام «إذا أدخلت الميّت القبر إن كان رجلا فسلّه سلّا ، والمرأة تؤخذ عرضا فإنّه أستر» (١).

وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام قال : «يسلّ الرجل سلّا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون أولى الناس بالمرأة في مؤخّرها» (٢).

(و) ينبغي (أن ينزل من يتناوله حافيا) وينزع رداءه (ويكشف رأسه ويحلّ أزراره).

كما يدلّ عليه خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ولا خفّين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة» (٣).

وخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء ، وحلّل أزرارك» قال : قلت : والخفّ ، قال :«لا بأس بالخفّ في وقت الضرورة والتقيّة» (٤).

ورواه الشيخ عن المسمعي مثله ، وزاد «ليجهد في ذلك جهده» (٥).

وخبر عليّ بن يقطين قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : «لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة ولا الحذاء ولا الطيلسان ، وحلّل أزرارك ، و

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٢٥ / ٩٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الدفن ، الحديث ١ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٦ / ٩٥١ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٣١٤ / ٩١٣ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٢ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣١٣ ـ ٣١٤ / ٩١١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، ذيل الحديث ٤.

٣٨١

بذلك سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جرت» (١).

وفي العلل روى عن ابن أبي عمير مثله ، وزاد : قلت : فالخفّ ، قال : «لا أرى به بأسا» قلت : لم يكره الحذاء؟ قال : «مخافة أن يعثر برجله فيهدم» (٢).

أقول : يظهر وجه نفي البأس عن الخفّ في هذه الرواية من خبر الحضرمي ، المتقدّم (٣) ، كما أنّه يستشعر من رواية سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا عمامة» قلت : فالخفّ ، قال : «لا بأس بالخفّ فإنّ في خلع الخفّ شناعة» (٤) حيث يستشمّ منها كون خلع الخفّ خلاف المتعارف عند العامّة.

ثمّ إنّه لو قيل بكراهة الأشياء المذكورة في الروايات لا استحباب تركها ـ كما هو ظاهر المتن وغيره ـ لكان أوفق بظواهر النصوص.

اللهمّ إلّا أن يستشمّ ذلك من قوله عليه‌السلام في خبر علي : «وبذلك جرت سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» بل وكذا من تعليل ترك خلع الخفّ في رواية ابن عميرة : بأنّ فيه شناعة ، فليتأمّل.

وكيف كان فالأمر في ذلك سهل ، وأسهل منه دفع ما قد يتوهّم من ظهور بعض تلك الأخبار في الحرمة بعد مخالفتها للإجماع ظاهرا ، وأظهريّة أغلب الأخبار في كون تركها من السنن التي لا بأس في مخالفتها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٢ (باب دخول القبر ..) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٠٥ (الباب ٢٤٩) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٣) في ص ٣٨١.

(٤) التهذيب ١ : ٣١٣ / ٩١٠ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

٣٨٢

مضافا الى خبر إسماعيل بن بزيع ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام دخل القبر ولم يحلّ أزراره (١).

(ويكره أن يتولّى ذلك) أي الإنزال في القبر (الأقارب) في الرجل ، كما صرّح به غير واحد ، بل في الحدائق : إنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه (٢).

وهذا هو العمدة في مستند الحكم بعد البناء على المسامحة ، وإلّا فإثباته بالنسبة إلى ما عدا الأب بالأخبار مشكل.

وأمّا الأب فيدلّ على كراهة دخوله في قبر ولده مطلقا جملة من الأخبار : ففي رواية [حفص بن] (٣) البختري وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام «يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده» (٤).

ورواية عبد الله بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر ولده» (٥).

ورواية [عبد الله بن] (٦) محمّد بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الوالد لا ينزل في قبر ولده ، والولد ينزل في قبر والده» (٧).

ورواية عبد الله [العنبري] (٨) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يدفن ابنه ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١٤ / ٩١٢ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ / ٧٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.

(٢) الحدائق الناضرة ٤ : ١١٤.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٣ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٣ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) التهذيب ١ : ٣٢٠ / ٩٢٩ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «بن عنبري». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

٣٨٣

فقال : «لا يدفنه في التراب» قلت : فالابن يدفن أباه ، قال : «نعم لا بأس» (١).

وعن عبد الله بن راشد ، قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام حين مات إسماعيل ابنه ، فأنزل في قبره ثمّ رمى بنفسه على الأرض ممّا يلي القبلة ثمّ قال : «هكذا صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإبراهيم» ثمّ قال : «إنّ الرجل ينزل في قبر والده ، ولا ينزل في قبر ولده» (٢).

وعن [مرّة مولى] (٣) محمّد بن خالد ، قال : لمّا مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله عليه‌السلام ، إلى القبر أرسل نفسه فقعد على حاشية القبر ولم ينزل في القبر وقال : «هكذا صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإبراهيم ولده» (٤).

وعن عليّ بن عبد الله ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام قال في حديث :«لمّا قبض إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا عليّ انزل فألحد ابني ، فنزل عليّ عليه‌السلام فألحد إبراهيم في لحده ، فقال الناس : إنّه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ولكنّي لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يهبط أجره ، ثمّ انصرف صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٤ / ٨ ، التهذيب ١ : ٣٢٠ / ٩٣٠ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٤ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٧.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) إكمال الدين : ٧٢ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

٣٨٤

وهذه الأخبار كما تراها أغلبها مصرّحة بنفي البأس في الولد ، ولذا حكي (١) عن ابن سعيد استثناؤه من الحكم المذكور ، وعن المنتهى (٢) الميل إليه ، لكنّه حمله سائر الأصحاب على خفّة الكراهة بالنسبة إليه.

لكن رواية عليّ بن عبد الله تنافي كراهته في سائر الأرحام أيضا.

ونظيرها في ذلك : ما روي أنّ عليّا عليه‌السلام مع العبّاس دفنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وفي رواية : مع فضل بن عبّاس ورجل آخر (٤).

وربما ينافيها أيضا المستفيضة الدالّة على استحباب أن ينزل الوليّ في قبره ، كخبر محمّد بن عجلان «فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به ممّا يلي رأسه» (٥) الخبر ، ونحوه خبر محمّد بن عطية (٦).

وفي خبر محمّد بن عجلان ، الآخر : «فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به عند رأسه ، وليحسر عن خدّه وليلصق خدّه بالأرض» (٧) الحديث.

وعن المنتهى أنّه قال : ويستحبّ أن ينزل إلى القبر الوليّ أو من يأمره الوليّ إذا كان رجلا ، فإن كان امرأة لا ينزل إلى قبرها إلّا زوجها أو ذو رحم لها ، وهو وفاق العلماء (٨). انتهى.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٨٦ ، وانظر : الجامع للشرائع : ٥٥.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٨٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٦٢.

(٣) الإرشاد ـ المفيد ـ ١ : ١٨٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٩٦ / ٨٦٩ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٥ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٥.

(٦) التهذيب ١ : ٣١٢ ـ ٣١٣ / ٩٠٧ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٧.

(٧) التهذيب ١ : ٣١٣ / ٩٠٩ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٨.

(٨) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٨٧ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٥٩.

٣٨٥

وقد يقال في توجيه جميع ما ذكر : بأنّ مفادها نفي البأس أو استحباب النزول في القبر ، كما هو الشأن في حقّ الوليّ ، وهو أعمّ من إنزاله فيه ، والذي يكره هو الثاني دون الأوّل.

وهو لا يخلو عن بعد ، لكن قد يقرّبه معهوديّة جميع ما ذكرناه لدى الأصحاب ، وعدم اعتنائهم بها وإفتاؤهم بالكراهة ، فإنّه يورث قوّة الظنّ بأنّ التجنّب عنه هو الراجح شرعا.

ولعلّ منشأه كونه مورثا لقساوة القلب ، كما عللها بها بعض (١).

ويؤيّده : رواية عبيد بن زرارة ، الدالّة على كراهة إهالة التراب على قبر ذي رحم ، قال : مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ولد ، فحضر أبو عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا الحد تقدّم أبوه فطرح عليه التراب ، فأخذ أبو عبد الله عليه‌السلام بكفّيه ، وقال :«لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميّته التراب» فقلنا : يا ابن رسول الله أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : «أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم ، فإنّ ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربّه» (٢).

فالأولى والأوفق بقاعدة التسامح إنّما هو تجنّب الأرحام من مباشرة إنزاله في القبر إلّا في المرأة ، فإنّ الأفضل أن لا يتولّاه إلّا زوجها أو المحارم.

كما يدلّ عليه رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢٩٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٩ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٩ / ٩٢٨ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٣٨٦

مضت السنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها» (١).

وقد سمعت من المنتهى في العبارة المتقدّمة (٢) دعوى وفاق العلماء على أنّ المرأة لا ينزل إلى قبرها إلّا زوجها أو ذو رحم لها ، وظاهرها عدم جوازه لمن عدا الزوج والمحارم ، ومراده بالحصر ـ على الظاهر ـ ليس إلّا فيما إذا كان المباشر للفعل الرجال ، كما هو الغالب ، فلا يتوجّه عليه النقض بدعوى القطع بجوازه للنساء.

نعم ، يتوجّه على ما ادّعاه من الوفاق تصريح كثير من الأصحاب بالاستحباب ، ومن هنا يقوى الظنّ بعدم إرادته الوجوب من العبارة.

وكيف كان فهو ضعيف ، لعدم الدليل عليه (٣).

ورواية السكوني مع ضعفها لا يبعد دعوى ظهورها في الاستحباب ، ويتأكّد ذلك بالنسبة إلى من يتناولها من مؤخّرها.

ففي خبر زيد بن عليّ عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخّرها» (٤).

ولا يبعد أن يكون وجه تخصيص «أولى الناس» بالذكر في هذه الرواية كونه غالبا من جملة من كان يراها في حياتها ، لا تعيّنه عليه كي يفهم من هذه

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٣ ـ ١٩٤ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ / ٩٤٨ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٢) في ص ٣٨٥.

(٣) كلمة «عليه» لم ترد في الطبعة الحجريّة.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٣٨١ ، الهامش (٢).

٣٨٧

الرواية استحباب مباشرة خصوص الوليّ وأفضليّتها من مباشرة سائر المحارم ، فلا يبعد عدم الفرق بين المحارم.

نعم ، لو كان وليّها زوجها ، فالأولى أن يتولّاه الزوج دون سائر المحارم ، كما صرّح به بعض ، ويلوح من آخرين.

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : «إذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها من موضع ينال وركها» (١).

وربما يؤيّده كون مناط الحكم ـ الذي هو إباحة النظر واللمس حال الحياة ـ فيه أشدّ.

وقد يستدلّ له : بما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها» (٢).

وفيه نظر ، فإنّ أحقّيّته بها لا تستلزم استحباب المباشرة ، والله العالم.

(ويستحبّ أن يدعو) له (عند إنزاله في القبر) بالمأثور ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أتيت بالميّت القبر فسلّه من قبل رجليه ، فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي ، وقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهمّ افسح له في قبره وألحقه بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقل كما قلت في الصلاة عليه مرّة واحدة من عند : اللهمّ إن كان محسنا فزد في إحسانه ،

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١١٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧١.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٤ / ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ / ٩٤٩ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

٣٨٨

وإن كان مسيئا فاغفر له وتجاوز عنه ، واستغفر له ما استطعت» قال : «وكان عليّ ابن الحسين عليهما‌السلام إذا أدخل الميّت القبر قال : اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه وصاعد عمله ولقّه منك رضوانا» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

(و) أمّا الكلام (في) نفس (الدفن) فهو في الجملة ممّا لا شبهة في وجوبه على الكفاية ، كسائر تجهيزات الميّت ، ولا يبعد أن يكون وجوبه إجمالا من الضروريّات.

وفيه (فروض وسنن ، فالفروض أن يوارى في الأرض) مواراة يكون من شأنها حفظه عادة عن أن يظهر بدنه بفعل السباع أو هبوب الرياح ونزول الأمطار ، ونحوها من العوارض العاديّة ، ولا يجزئ ستره تحت الأرض لا على الوجه المذكور ، إذ لا ينسبق إلى الذهن من إيجاب دفن الميّت إلّا هذا النحو من المواراة ، لا مطلق وضعه تحت التراب.

مضافا إلى معهوديّة اعتبار كونه كذلك في أذهان المتشرّعة بل وغيرهم ، فلا يفهم من أمر الشارع إلّا إرادة ما هو المعهود ، ولم يعهد من أحد الاجتزاء في دفن موتاه بمجرّد وضعه تحت التراب لا على نحو يحفظه عن السباع وغيرها.

وهذا المعنى ملزوم غالبا لعدم انتشار ريحه الذي هو إحدى فوائد الدفن ، كما أشار إليه الرضا صلوات الله عليه فيما روي عنه عن علل فضل بن شاذان «أنّه يدفن لئلّا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره ، وتغيّر ريحه ، ولا يتأذّى به الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد ، وليكون مستورا عن الأولياء و

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٤ / ١ ، التهذيب ١ : ٣١٥ / ٩١٥ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٣٨٩

الأعداء ، فلا يشمت العدوّ ولا يحزن الصديق» (١).

بل لو فرض تخلّف هذه الصفة عن الدفن المانع من ظهور الجسد عادة عند طروّ ما يتصوّر من الطواري المتعارفة ، للزم مراعاتها ، لكونها بنفسها من الفوائد المقصودة بالدفن ، كما يشهد بذلك ـ مضافا إلى الرواية المتقدّمة ـ تصريح جملة من الأعلام به ، بل عن غير واحد منهم دعوى الإجماع عليه.

ففي المدارك : قد قطع الأصحاب وغير هم بأنّ الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الإنس ريحه ، وعن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا ، لأنّ فائدة الدفن إنّما تتمّ بذلك (٢). انتهى.

فما في الجواهر ـ من تقوية كفاية مسمّى الدفن ، وعدم اعتبار الوصفين ، لعدم الدليل عليهما حيث لم يثبت في الدفن حقيقة شرعيّة ولا عرفيّة ، ولم يؤخذ شي‌ء منهما في مفهومه لغة ، ولم يتحقّق الإجماع على شي‌ء منهما بعد خلوّ كلام جملة من الأصحاب عن ذكرهما (٣) ـ ضعيف ، لما أشرنا إليه من أنّ المعهود لدى الناس في دفن موتاهم ليس إلّا ما كان جامعا للوصفين ، فلا ينصرف الذهن عند الأمر بدفن الميّت في كلمات الشارع والمتشرّعة إلّا إلى إرادة ما هو المعهود عند الناس ، بل لا يبعد دعوى كون ما هو المتعارف لديهم أخصّ من ذلك أيضا ، إلّا أنّ حكمته بحسب الظاهر ليست إلّا الاحتياط وشدّة الاهتمام بأمر الموتى ، بل قد أشرنا إلى أنّ المتبادر من الأمر بدفن الميّت مع قطع النظر عن العهد ليس إلّا إرادة

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٦٨ / ٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ١٣٣.

(٣) جواهر الكلام ٤ : ٢٩١.

٣٩٠

دفن يكون من شأنه حفظ جثّته عن الظهور بسبب الطواري ، المنافي لاحترامه ، وهو ملزوم عادة لعدم انتشار ريحه.

وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في اشتراط كون الدفن كذلك خصوصا بعد ما سمعت من دعوى الإجماع عليه وشهادة الرواية به ، بل المتأمّل في الأخبار الواردة في كيفيّة الدفن لا يكاد يشكّ في عدم الاجتزاء في حفر القبور بأقلّ ممّا يحفظ جثّته عن السباع ، ويستر ريحه عن الإنس ، فهذا ممّا لا إشكال فيه.

كما أنّه لا إشكال في اعتبار دفنه في الأرض (مع القدرة) وعدم كفاية وضعه في تابوت أو صندوق من حديد ونحوه ممّا يفيد فائدة الدفن وليس بدفن ، لعدم الخلاف فيه ظاهرا ، مضافا إلى عدم صدق الدفن الذي يدلّ على وجوبه النصّ والإجماع.

لكن قد يتأمّل في اعتبار المواراة وعدم كفاية وضعه على الأرض والبناء عليه بناء متقنا ، وكذا فيما لو وضع في جدار ونحوه عند الأمن من انهدامه عادة أو استلزامه توهين الميّت ونحوه وإن كان صريح بعض وظاهر آخرين عدم كفايته واعتبار كونه في حفيرة من الأرض ، بل ربما استظهر منهم الإجماع عليه نظرا إلى عدم صدق الدفن عليه ولا أقلّ من انصرافه عنه ، إلّا أنّه قد يقوى في النظر جري الأخبار الآمرة بدفن الأموات مجرى العادة ، وعدم كون خصوصيّة المواراة المتوقّف عليها صدق الدفن من مقوّمات الموضوع ، كما لا يبعد دعوى مساعدة العرف عليه ، لكنّه مع ذلك لا تأمّل في أنّ الأوّل ـ مع أنّه أحوط ـ أشبه بالقواعد ، جمودا على ما تقتضيه ظواهر الأدلّة القاضية بوجوب الدفن.

نعم ، لا شبهة في جواز الاجتزاء بذلك بل وجوبه عند تعذّر الحفر ، لقاعدة

٣٩١

الميسور ، بل لا شبهة في وجوب إجراء القاعدة بالنسبة إلى سائر الشرائط المعتبرة في الدفن ، ولعلّه ممّا لا خلاف فيه أيضا ، فلا يجوز إهمال موتى المسلمين وإبقاؤها مطروحة على الأرض قطعا ، بل يجب كفاية سترها بالدفن على الوجه المعتبر شرعا مع القدرة ، وإلّا فليتحرّ إلى ما هو الأقرب إليه فالأقرب بشهادة العرف وقضاء القاعدة ، والله العالم.

(وراكب البحر) ونحوه إذا مات يفعل به ما يفعل بغيره من التغسيل والتكفين والتحنيط والصلاة عليه و (يلقى فيه إمّا مثقّلا) بحجر أو حديد ونحو هما ممّا يمنع ظهوره على وجه الماء (أو مستورا في وعاء كالخابية وشبهها) مخيّرا بينهما على المشهور على ما حكاه بعض (١) بل عن آخر (٢) أنّه نسبه إلى الأصحاب.

ويدلّ على الأوّل خبر وهب بن وهب عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا مات الميّت في البحر غسّل وكفّن وحنّط ثمّ يصلّى عليه ثمّ يوثق في رجله حجر ويرمى به في الماء» (٣).

ومرسل أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في الرجل يموت مع القوم في البحر ، فقال : «يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويرمى به في البحر» (٤).

ومرفوعة سهل بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا مات الرجل في

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٩٣.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٩٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٩ / ٩٩٥ ، الإستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٦١ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢١٤ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ / ٩٩٣ ، الإستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٥٩ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

٣٩٢

السفينة ولم يقدر على الشط ، قال : يكفّن ويحنّط ويلقى في الماء» (١).

وعن الفقه الرضوي «وإن مات في سفينة فاغسله وكفّنه وثقّل رجليه وألقه في البحر» (٢).

ويدلّ على الثاني صحيحة أيّوب بن الحرّ قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال : «يوضع في خابية ويوكأ رأسها وتطرح في الماء» (٣).

وأحسن وجوه الجمع بين الروايات حملها على التخيير بين الأمرين ، كما يساعد عليه الفهم العرفي ويشهد له فتاوى الأصحاب ، لكن وضعه في خابية ونحوها مع الإمكان أولى بل أحوط ، لاحتمال جري الأخبار الآمرة بالتثقيل مجرى الغالب من عدم تيسّر ستره في وعاء مستغنى عنه في البحر ، كما يؤيّده ما قد يقال من كونه أوفق باحترام الميّت وأنسب بحفظه من الحيوانات ، وإن كان الأقوى جواز الأمرين مطلقا ، لإطلاق أدلّتهما المقتصر في التصرّف في كلّ منهما بقرينة الآخر على الحمل على كون المأمور به من أفراد الواجب ، لا واجبا بالخصوص ، كما أنّ تخصيص الحجر في بعض تلك الروايات وكذا الخابية بالذكر ليس إلّا لذلك.

وربما مال أو قال بتعيّن الأخير غير واحد من المتأخّرين ، كصاحب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ / ٩٩٤ ، الإستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٦٠ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٧١ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٦ ، الإستبصار ١ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ٧٦٢ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٣٩٣

المدارك (١) وغيره ، نظرا إلى ضعف الأخبار الدالّة على جواز التثقيل ، وانحصار الخبر الصحيح في الباب برواية أيّوب.

وفيه ما لا يخفى بعد استفاضة الأخبار وانجبار ضعفها بعمل الأصحاب قديما وحديثا حتى أنّه حكي (٢) عن المقنعة والمبسوط والوسيلة والسرائر والفقيه والنهاية الاقتصار على الأوّل المشعر بتعيّنه وإن بعد إرادتهم له.

وكيف كان فالأقوى ما عرفت من التخيير بين الأمرين لكن لا يكون ذلك إلّا (مع تعذّر الوصول إلى البرّ) أو تعسّره ، ضرورة انصراف الأخبار سؤالا وجوابا عن صورة تيسّره ، وانسباقها إلى إرادة الحكم في صورة التعذّر أو التعسّر الرافع للتكليف ، فلا موقع للاستفصال في مثل الفرض كي يكون تركه مفيدا للعموم ، ولا يبعد أن لا يكون التقييد بما عرفت موردا للخلاف.

نعم ، في المدارك نسب إلى ظاهر المفيد في المقنعة والمصنّف في المعتبر جواز ذلك ابتداء (٣). ولعلّه في غير محلّه ، ولذا أنكر عليه بعض من تأخّر عنه.

وكيف كان فهو ضعيف ، لما عرفت ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب الدفن عند تيسّره.

وهل يجب الصبر عليه مع رجاء التمكّن من الأرض في زمان قصير أو قبل فساد الميّت؟ فيه إشكال ، بل خلاف : من إطلاق الأدلّة ، ومن انصرافها إلى إرادة الحكم عند تعذّر الدفن ، فلا يجوز الإلقاء في البحر إلّا بعد إحراز تعذّر الدفن.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ١٣٥.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٩٣ ، وانظر : المقنعة : ٨٦ ، والمبسوط ١ : ١٨١ ، والوسيلة : ٦٩ ، والسرائر ١ : ١٦٩ ، والفقيه ١ : ٩٦ / ٤٤١ ، والنهاية : ٤٤.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ١٣٤ ، وانظر : المقنعة : ٨٦ ، والمعتبر ١ : ٢٩١.

٣٩٤

وهذا مع أنّه أحوط لا يخلو عن قوّة ما لم يستلزم محذورا من فساد الميّت أو إيذاء أهل السفينة أو نحو هما من المحاذير ولو بمقتضى العرف والعادة على تأمّل فيه ، والله العالم.

(و) من الفروض (أن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة) كما نصّ عليه جماعة ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (١) ، وعن شرح الجمل للقاضي نفي الخلاف فيه (٢).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع المحكيّ ، المعتضد بالشهرة المحقّقة ، وباستقرار سيرة المتشرّعة على الالتزام به ـ صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة وأنّه حضره الموت وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون يصلّون إلى بيت المقدّس ، فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القبلة ، فجرت به السنّة» (٣) الحديث.

والمتبادر من السنّة في مثل المقام هي الطريقة الثابتة ، لا الاستحباب.

وقصورها عن إفادة تمام المدّعى ـ أعني إضجاعه على جانبه الأيمن ـ غير ضائر بعد معهوديّته لدى المتشرّعة حيث يستكشف ما جرت به السنّة من سيرة المتشرّعة ، فليتأمّل.

ورواية العلاء بن سيابة في حديث القتيل الذي اتي برأسه «إذا أنت صرت

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٩٦ ، وانظر : الغنية : ١٠٥.

(٢) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٩٦ ، وانظر : شرح جمل العلم والعمل : ١٥٤.

(٣) الفقيه ٤ : ١٣٧ / ٤٧٩ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

٣٩٥

إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجّهته للقبلة» (١) الحديث.

وخبر دعائم الإسلام عن عليّ عليه‌السلام أنّه «شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة رجل من بني عبد المطّلب فلمّا أنزلوه في قبره قال : أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكبّوه لوجهه ولا تلقوه لظهره» (٢).

وعن الفقه الرضوي «ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة» (٣).

وضعف سنده مجبور بما عرفت ، فإنّه يورث الوثوق بكون مضمونه متن رواية مقبولة.

فما عن ظاهر ابن حمزة في وسيلته (٤) ـ من استحبابه ، اعتمادا على الأصل أو ظهور لفظ «السنّة» في الصحيحة فيه ـ ضعيف.

ويتلوه في الضعف ما عن جامع ابن سعيد من استحباب كونه على جانبه الأيمن.

قال في محكيّ الجامع : والواجب دفنه مستقبل القبلة ، والسنّة أن تكون رجلاه شرقيّا ورأسه غربيّا (٥). انتهى.

والأظهر ما عرفت من وجوب ما جرت به السنّة واستقرّ عليه سيرة المتشرّعة من دفن كلّ ميّت يجب دفنه مستقبل القبلة على جانبه الأيمن (إلّا أن يكون الميّت امرأة غير مسلمة) ذميّة كانت أم غيرها (حاملا من مسلم

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٨ / ١٤٤٩ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٠٩ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٠.

(٤) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٩٦ ، وانظر : الوسيلة : ٦٨.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٩٦ ، وانظر : الجامع للشرائع : ٥٤.

٣٩٦

فيستدبر بها القبلة) ليكون الجنين وجهه إليها ، فإنّه هو المقصود بالدفن أصالة ، ولا حرمة لامّه كي يجب دفنها إلّا بالتبع ، فهي بمنزلة الوعاء للجنين غير ملحوظة بذاتها ، ولذا يجوز دفنها في مقابر المسلمين ، كما صرّح به غير واحد ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه (١) ، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا (٢).

ولا يجوز دفنها في مقابر الكفّار ، لكونه توهينا بالولد الذي يجري عليه أحكام المسلمين.

وتوهّم وجوب شقّ بطنها وإخراج الولد منها ودفنه مع المسلمين ، مدفوع :بقصور ما دلّ على المنع من دفن الكفّار مع المسلمين عن اقتضاء مثل ذلك ، بمعنى قصوره عن شمول مثل الفرض خصوصا مع إمكان أن يقال بكونه منافيا لاحترام الولد.

هذا ، مع ما في خبر يونس من التصريح بخلافه ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الجارية اليهوديّة والنصرانيّة فيواقعها فتحمل ثمّ يدعوها إلى أن تسلم ، فتأبى عليه فدنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على النصرانيّة ، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب عليه‌السلام «يدفن معها» (٣).

(و) أمّا (السنن) فمنها : (أن يحفر القبر قدر القامة أو إلى الترقوة) كما صرّح به المصنّف وغيره ، بل عن التذكرة (٤) ـ كظاهر غير واحد ـ دعوى

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٩٨ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٣٠ ، المسألة ٥٥٧.

(٢) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٩٨ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٢ : ١٠٩ ، المسألة ٢٥٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ / ٩٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٤) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٢ : ٨٨ ، المسألة ٢٣١.

٣٩٧

الإجماع عليه.

ففي مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام قال : «حدّ القبر إلى الترقوة ـ وقال بعضهم : إلى الثدي ، وقال بعضهم : قامة الرجل حتّى يمدّ الثوب على رأس من في القبر ـ وأمّا اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس» قال : «ولمّا حضر عليّ بن الحسين عليه‌السلام الوفاة قال : احفروا لي حتّى تبلغوا الرشح» (١).

والمراد بالبعض على الظاهر بعض أصحابه حاكيا عن الأئمّة عليهم‌السلام ، كما يشهد له ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، قال : وروى أصحابنا أنّ حدّ القبر (٢) ، وذكر نحوه ، لكن قد ينافيه أنّ الصدوق روى مرسلا عن الصادق عليه‌السلام نحوه إلى قوله : «الجلوس» (٣).

وكيف كان فما في الكافي ـ مع اعتضاده بفتوى الأصحاب ونقل إجماعهم ، الكاشفين عن ورود رواية مقبولة لدى الأصحاب ـ يكفي في إثبات المطلوب خصوصا بعد البناء على المسامحة ، ولا ينافيه ما سمعت من أمر عليّ بن الحسين عليه‌السلام بالحفر إلى الرشح ، إذا لعلّ بلوغه ذلك في أرض البقيع ـ التي دفن فيها صلوات الله عليه ـ يحصل بالمقدار المزبور ، ويحتمل أن يكون ذلك في حدّ ذاته حدّا مستقلّا وإن لم يتعرّض لذكره الأصحاب.

وأمّا ما رواه أبو الصلت الهروي عن الرضا عليه‌السلام في حديث أنّه قال :«سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل وأن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ / ١٤٦٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الدفن ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٦٥ (باب حدّ حفر القبر ..) الحديث ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨ / ٤٩٨.

٣٩٨

يشقّ لي ضريحة ، فإن أبوا إلّا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا ، فإنّ الله سيوسّعه ما يشاء» (١) فلعلّه كان لعلّة مخصوصة بمورده ، لا استحباب هذا الحدّ بالخصوص عموما وإن احتمل ذلك أيضا بأن يكون أفضل الأفراد.

لكن ينافيه على هذا التقدير ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع» (٢) كما أنّه ينافي التحديد بالقامة أيضا ، فإنّ الثلاثة أذرع بحسب العادة أقلّ من القامة ، بل هي قريبة من التحديد بالترقوة ، فمقتضى هذه الرواية كراهة ما زاد عليها ، لكنّها ـ لأجل المخالفة لفتوى الأصحاب ومعارضتها بما عرفت ـ لا تنهض حجّة لإثباتها ولو من باب المسامحة ، فتأمّل.

وربّما يوجّه ما رواه أبو الصلت بما لا ينافي الحدّين المتقدّمين بحمله على تقارب المراقي بعضها من بعض.

وفيه مع ما فيه من البعد يبعّده الأمر بجعل اللحد ذراعين وشبرا ، إذ من المستبعد جدّا أن يراد جعل مثل هذا اللحد في قبر لا يتجاوز عمقه ثلاثة أذرع ، والله العالم.

(و) منها : أن (يجعل له لحد) فإنّه أفضل من الشقّ مع صلابة الأرض ، بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر (٣) ، بل إجماعا ، كما عن جماعة (٤) نقله.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٤٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٦٦ / ٤ ، التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٤ : ٣٠١.

(٤) الحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٣٠١ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧٠٦ ، المسألة ٥٠٣ ، والغنية : ١٠٦ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٨٩ ، المسألة ٢٣٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٦١ ، والذكرى ٢ : ١٣ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٣٩ ، وروض الجنان : ٣١٦ ، والحدائق الناضرة ٤ : ١٠٠.

٣٩٩

ويدلّ عليه : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحّد له أبو طلحة» (١) ومعلوم أنّه لم يكن إلّا بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام لكونه هو المتولّي لأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا شبهة في أنّ اختياره اللحد لم يكن إلّا لأرجحيّته.

وخبر عليّ بن عبد الله عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال في حديث : «لمّا قبض إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي انزل فألحد إبراهيم في لحده» (٢).

وفيه إشعار بمعروفيّة اللحد من الصدر الأوّل ، كصحيح أبي بصير : «فإذا وضعته في اللحد» (٣) ، الحديث ، وظاهر أنّ اختياره مع ما فيه من الكلفة الزائدة لم يكن إلّا لأفضليّته.

كما يستشعر ذلك من التعليل الوارد فيما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «إنّ أبي كتب في وصيّته ـ إلى أن قال ـ وشققنا له الأرض من أجل أنّه كان بادنا» (٤).

ومنه يعرف الوجه فيما رواه إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام حين احتضر : إذا أنا متّ فاحفروا لي وشقّوا لي شقّا ، فإن

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٧ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الدفن ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٥ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٨ / ٩٢٤ ، و ٤٥٦ ـ ٤٥٧ / ١٤٨٩ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الدفن ، الحديث ٣.

٤٠٠