مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

الأصحاب استحباب لفّافتين زائدتين على الأثواب الثلاثة المفروضة. (١) انتهى.

بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه ، فإنّه قال ـ فيما حكي (٢) عنه ـ : والمستحبّ إن زاد على ذلك لفّافتان إحداهما حبرة وعمامة ، وخرقة يشدّ بها فخذاه ـ إلى أن قال ـ كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه. (٣) انتهى.

وعن الفقيه التصريح بذلك حيث قال : والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفّافة سوى العمامة والخرقة ، فإنّهما لا تعدّان من الكفن ، ومن أحبّ أن يزيد زاد لفّافتين حتّى يبلغ الخمسة فلا بأس (٤). انتهى ، إلى غير ذلك من عبائرهم الظاهرة أو الصريحة في ذلك ، وقد تصدّى لنقل جملة منها في الحدائق (٥) وغيره.

والعجب من صاحب المدارك حيث نسب القول بعدم استحباب ما زاد على الثلاث إلى أبي الصلاح (٦) ، مع أنّ عبارته المحكيّة عنه صريحة في خلافه ، فإنّه قال ـ فيما حكي (٧) عنه ـ : يكفّنه في درع ومئزر ولفّافة ونمط ، ويعمّمه. ثمّ قال : والأفضل أن يكون الملاف ثلاثا إحداهنّ حبرة يمانيّة ، وتجزئه واحدة (٨). انتهى.

فالإنصاف أنّ القول باستحباب زيادة لفّافتين فضلا عن لفّافة حبرة لا يخلو

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ : ٢٩.

(٢) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠٤.

(٣) الغنية : ١٠٢.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠٤ ، وانظر : الفقيه ١ : ٩٢ ـ ٩٣ ، ذيل الحديث ٤٢٠.

(٥) راجع : الحدائق الناضرة ٤ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٦) مدارك الأحكام ٢ : ١٠١.

(٧) الحاكي عنه هو الشهيد في الذكرى ١ : ٣٦٤.

(٨) الكافي في الفقه : ٢٣٧.

٢٨١

عن وجه ، خصوصا بعد البناء على المسامحة ، ولا ينافيها شي‌ء من أخبار الباب ، كما ستعرفه.

مضافا إلى ما عن الفقه الرضويّ من الإشارة إلى ذلك ، حيث قال ـ فيما حكي (١) عنه ـ : ويكفّن بثلاث قطع وخمس وسبع (٢) ، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالسبع الثلاثة المفروضة ولفّافتان والعمامة وخرقة الفخذين.

وكيف كان فظاهر صحيحة زرارة ـ المعتضدة بما عرفت من الإجماعات المحكيّة وغيرها ـ إنّما هو استحباب خمسة أثواب عدا العمامة والخرقة ، فتكون زيادة حبرة على الأثواب المفروضة سنّة بمقتضى هذه الصحيحة وإن لم يفهم منها استحبابها بالخصوص ، لكن يكفي في ذلك فتوى الأصحاب ، كما هو ظاهر.

ولا ينافيها عدّ العمامة في صحيحة معاوية بن وهب من الخمسة التي يكفّن بها الميّت حيث قال : «يكفّن الميّت في خمسة أثواب : قميص لا يزرّ عليه ، وإزار ، وخرقة يعصّب بها وسطه ، وبرد يلفّ فيه ، وعمامة يعتمّ بها» (٣) إذ لا شبهة في جواز عدّ العمامة والخرقة من أجزاء الكفن ببعض الاعتبارات ، ولا دلالة في هذه الصحيحة على أنّ ما زاد على هذه الخمسة بدعة ، وإنّما تدلّ الصحيحة الأولى على أنّ ما زاد على الخمس فمبتدع ، ولم يجعل العمامة منها ، بل قد أشرنا إلى أنّه يستشعر أو يستظهر من سائر الأخبار ـ ولو لأجل الاعتضاد بفهم أكثر الأصحاب ـ أنّ الخرقة أيضا خارجة من هذه الخمسة.

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٠ و ٣١.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، التهذيب ١ : ٣١٠ / ٩٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٣.

٢٨٢

ويدلّ على استحباب زيادة الحبرة بالخصوص : رواية يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إنّي كفّنت أبي في ثوبين شطويّين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه ، وعمامة كانت لعليّ بن الحسين عليه‌السلام وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار» (١).

ولا يعارضها ـ كما أنّه لا يعارض الصحيحة المتقدّمة (٢) الدالّة على استحباب الزيادة ـ المستفيضة الناطقة بأنّ عليّا عليه‌السلام كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثة أثواب (٣) ، فإنّ الاقتصار في كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأثواب الثلاثة لا ينفي استحباب ما زاد بحيث يعارض القول ، لجواز أن يترك هذا المستحبّ لغرض أهمّ منه.

نعم ، ينافيها ظاهرا مبالغة الإمام عليه‌السلام ـ في حسنة الحلبي ، المتقدّمة (٤) ـ في تكفينه في ثلاثة أثواب ، بل يظهر منها كون الزيادة مذهبا للعامّة ، فتترجّح هذه الرواية حينئذ على معارضاتها الدالّة على استحباب الزيادة لذلك.

ولا يسمع في مقابلتها شهادة المحقّق والعلّامة ـ على ما حكي عنهما ـ باتّفاق العامّة على نفي استحباب الزائد (٥) ، فإنّ شهادتهما إنّما تقبل بالنسبة إلى عصر هما الذي انحصر فيه أقوال العامّة في أربعة ، لا بالنسبة إلى زمان الباقر عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٩ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٣ ، الإستبصار ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ / ٧٤٢ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٥.

(٢) في ص ٢٧٩ ، وهي صحيحة زرارة.

(٣) راجع : الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الأحاديث ٣ و ٤ و ٦ و ١١ و ١٧ و ١٩ ، والفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٨٣.

(٤) في ص ٢٧٨.

(٥) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٠٣ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٢ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ١٠ ، ذيل المسألة ١٥٩.

٢٨٣

الذي تشتّت فيه آراؤهم ، فلا مقتضي لصرف الرواية عن ظاهرها.

لكن يتوجّه عليه : قصورها عن المكافئة ، لا لمجرّد مخالفتها لفتوى الأصحاب واعتضاد معارضاتها بعملهم ، بل لضعف دلالتها على عدم استحباب الزائد ، لأنّ من الجائز ترك المستحبّ أحيانا في مقام عملهم لمقصد أهمّ ، فلا تعارض ما صرّح فيها باستحباب ما زاد.

مضافا إلى أنّ احتمال التقيّة في هذه الرواية أقوى من احتمال التقيّة في رواية يونس ، بل هذا الاحتمال في رواية يونس في غاية البعد ، لكونها ـ بحسب الظاهر ـ إخبارا عمّا وقع ، فيبعد صدورها تقيّة.

وأمّا هذه الرواية فهي في حدّ ذاتها يستشعر منها كونها معلولة ، ضرورة كفاية وصيّته من دون كتابة في خروج الصادق عليه‌السلام من عهدتها ، وما ذكره عليه‌السلام علّة لكتابته أشدّ إشعارا بذلك ، إذ العادة قاضية بتمكّن أولياء الميّت من تكفينه على وجه يشتبه عدد قطعات الكفن على عامّة الناس ، فكيف يخاف في مثل ذلك على الصادق عليه‌السلام من أن يبدّل الوصيّة!؟

فالذي يغلب على الظنّ صدق ما شهد به المحقّق والعلّامة من كون ترك الزيادة مذهبا للعامّة ، فكانت الزيادة لديهم من مبتدعات الرفضة ، فأراد الإمام عليه‌السلام بكتابته إظهار التبرّي عن عملهم ، لما فيه من المصالح ، كما كان يتّفق كثيرا مّا مثله في مكاتباتهم عليهم‌السلام.

بل ربما يستشمّ ذلك من مبالغة الأئمّة عليهم‌السلام في كثير من الأخبار في بيان أنّ العمامة والخرقة لا تعدّان من الكفن ، فإنّ من المحتمل قويّا إرادتهم بذلك توجيه مذهب الخاصّة ، ورفع التنافي بينه وبين ما يزعمه العامّة من كون ما زاد على

٢٨٤

الثلاث بدعة.

والحاصل : أنّ احتمال التقيّة في هذه الرواية في غاية القوّة ، وفي مرسلة يونس في غاية الضعف ، فلا يتكافئان ، فما عليه المشهور من استحباب زيادة حبرة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، بل قد عرفت أنّ استحباب زيادة لفّافتين مطلقا لا يخلو عن وجه موجّه ، لقاعدة التسامح.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مقتضى بعض ما عرفت إنّما هو استحباب زيادة اللفّافة مطلقا ، فكونها حبرة أفضل.

ويدلّ على استحباب زيادة الحبرة بالخصوص ـ مضافا إلى ما عرفت ـ صحيحة عبد الله بن سنان «البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا ، فإذا أدخل القبر وضع تحت خدّه وتحت جنبيه» (١) فإنّ البرد لو كان من الأثواب الثلاثة ، وجب لفّه على الميّت ، لكن مقتضى هذه الصحيحة استحباب زيادتها لا على أن يكون من الكفن ، بل ظاهرها عدم استحباب لفّه على الميّت ، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر بقرينة غيرها من النصوص والفتاوى المصرّحة بأنّ البرد يلفّ على الميّت ، فلا يبعد أن يكون إيجاده بالكيفيّة المذكورة في الصحيحة أفضل ، فتأمّل.

والأولى كون الحبرة (عبريّة) بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر جانب الوادي أو موضع آخر ، لما عن جملة من الأصحاب التصريح به ، بل عن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٦ / ١٤٠٠ ، و ٤٥٨ / ١٤٩٥ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٦.

٢٨٥

المعتبر والتذكرة تقييد الحبرة بكونها عبريّة في معقد إجماعهما (١).

وربما يستدلّ له بما في خبر زرارة «كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثة أثواب :ثوبين صحاريّين ، وثوب يمني (٢) عبريّ أو أظفار» (٣).

وأولى بالاستدلال له ما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللّذان أحرم فيهما يمانيّين عبريّ وأظفار ، وفيهما كفّن» (٤).

وكيف كان فقد قيّدوها بكونها (غير مطرّزة بالذهب).

ووجهه واضح بناء على ما عرفت فيما تقدّم من عدم الخلاف ظاهرا في اشتراط كون الكفن من جنس ما يصلّي فيه الرجل.

وعليه يتّجه اشتراط كونها غير مطرّزة بالحرير أيضا لو كان طرازها على وجه يمنع من الصلاة فيها ، وإلّا فالمتّجه جوازها بعد صدق العبرة عليها ، بل رجحانها ، لما ستعرف من استحباب المغالاة في الكفن ، والله العالم.

(و) منها : أن يزاد أيضا (خرقة لفخذيه) كما يدلّ عليه جملة من أخبار الباب ، التي بعضها نصّ في استحباب هذه الخرقة.

كصحيحة ابن سنان ، المصرّحة بأنّها «لا تعدّ شيئا ، وإنّما تصنع لتضمّ ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل منها» (٥) فهي ونحوها قرينة على عدم إرادة

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٩٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٢ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٩ ، المسألة ١٥٩.

(٢) في المصدر : «يمنة». وهي ضرب من برود اليمن. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٣٠٢ «يمن».

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٤ ـ ١٤٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

٢٨٦

الوجوب من غيرها من الأخبار الظاهرة فيه.

وينبغي أن (يكون طولها ثلاثة أذرع ونصف ، في عرض شبر) ونصف ، لقوله عليه‌السلام في خبر عمّار : «ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا وعرضها شبرا ونصفا» (١).

ثمّ لا يخفى عليك أنّ تجديد الخرقة في مثل هذه الرواية إنّما هو لبيان ما هو الأفضل. وإلّا فالفضل يحصل بمطلقها الذي يحصل به الغرض المنصوص عليه في صحيحة ابن سنان ونحوها ، كما يدلّ عليه أيضا إطلاق سائر الروايات التي لا مقتضي لتقييدها في مثل المقام ، كما لا يخفى وجهه.

بل لا يبعد أن يكون المراد بهذه الرواية كونها بهذا المقدار (تقريبا) لا تحقيقا ، كما لعلّه هو الذي يقتضيه الجمع بينها وبين قوله عليه‌السلام في رواية يونس ، الآتية : «وخذ خرقة طويلة عرضها شبر ـ إلى أن قال ـ وتكون الخرقة طويلة» (٢) الحديث.

والظاهر أنّ السنّة تتأدّى بلفّ الخرقة مطلقا على مقعدته ورجليه على نحو تضمّ بها ما هناك بحيث تمنع من خروج ما يخرج منه ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : «تؤخذ خرقة فيشدّ بها على مقعدته ورجليه ـ الى أن قال ـ إنّما تصنع لتضمّ ما هناك لئلّا يخرج منه شي‌ء» (٣).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٢٨٦ ، الهامش (٥).

٢٨٧

لكنّ الأولى شدّها على النحو الذي تعرّض لبيانها في مرسلة يونس ، حيث قال عليه‌السلام فيها : «واعمد إلى قطن فذرّ عليه شيئا من حنوط فضعه على فرجه قبل ودبر ، واحش القطن في دبره لئلّا يخرج منه شي‌ء ، وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدّها من حقويه وضمّ فخذيه ضمّا شديدا ولفّها في فخذيه ثمّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن وأغرزها (١) في الموضع الذي لفّفت فيه الخرقة ، وتكون الخرقة طويلة تلفّ فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفّا شديدا» (٢).

بل الأولى إيجادها على النحو الذي زعمه في المدارك أنّه هو الذي يظهر من مجموع الروايات (٣) ، وإن كان في استفادته منها تأمّل ، لكن لا تأمّل في أولويّته بشرط مراعاة عدم تخطّيه عمّا يفهم من المرسلة وغيرها من الروايات : (و) هو أن (يشدّ طرفاها) من أحد الجانبين (على حقويه) بشدود من خيط ونحوه ، أو بأن يشقّ رأسها بحيث يمكن شدّها على الوسط ، أو بأن يشدّ وسطه ببعض أحد جانبيها ثمّ يدخل ما استرسل منها بين فخذيه ، ويضمّ به عورته ضمّا شديدا ، ويخرج من تحت الشداد الذي على وسطه (ويلفّ بما استرسل منها) بعد إخراجه من تحت الشداد (فخذاه لفّا شديدا) فإذا انتهت أدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت الخرقة عنده.

لكنّك خبير بأنّه لا يفهم من شي‌ء من الروايات اعتبار إدخالها بين فخذيه وإخراجها من تحت الشداد ، بل ربما ينافيه خبر عمّار ، الذي قدّر طولها بثلاثة أذرع

__________________

(١) في التهذيب : «وأغمزها».

(٢) الكافي ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٢.

٢٨٨

ونصف ، إذا الظاهر عدم كفاية هذا المقدار للفّ الفخذين إلى الركبتين عند إيجاده بهذه الكيفيّة ، خصوصا لو لفّ وسطه ببعض تلك الخرقة.

نعم ، ربما يستظهر ذلك من رواية الكاهلي بناء على أن يكون متنها كما في المدارك (١) من قوله عليه‌السلام : «ثمّ أذفره بالخرقة ، ويكون تحتها القطن تذفره بها (٢) إذفارا قطنا كثيرا ثمّ تشدّ فخذيه على القطن بالخرقة شدّا شديدا حتى لا يخاف أن يظهر شي‌ء» (٣) بناء على أنّ المراد بالإذفار الإثفار ، لكنّ الرواية مجملة من حيث اللفظ والمعنى ، وكون ما ذكروه بعض محتملاتها كاف في رجحان إيجاده مع كونه بحسب الظاهر أوثق في الحفظ ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ مقتضى الرواية المتقدّمة وغيرها أن يكون لفّ الخرقة (بعد أن يجعل بين أليتيه شي‌ء من القطن) وإن لم يكن شرطا في استحبابها ، كالعكس ، كما لا يكاد يخفى وجههما على المتأمّل في الأخبار (فإن (٤) خشي خروج شي‌ء فلا بأس أن يحشى في دبره [قطنا] (٥)) بل وكذا في قبل المرأة ، كما يدلّ عليه مرسلة يونس ، المتقدّمة (٦).

وفي خبر عمّار : «وتدخل في مقعدته (٧) من القطن ما دخل» (٨).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٢.

(٢) في المصدر : «به».

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ / ٨٧٣ ، وفي الكافي ٣ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٤ بتفاوت بسير في بعض الألفاظ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥.

(٤) في الشرائع : «وإن».

(٥) ما بين المعقوفين من الشرائع.

(٦) في ص ٢٨٨.

(٧) في المصدر زيادة : «شيئا».

(٨) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١٠.

٢٨٩

وفي مرفوعة سهل ، الواردة في كيفيّة تكفين المرأة «ويصنع (١) لها القطن أكثر ممّا يصنع (٢) للرجال ، ويحشى القبل والدّبر بالقطن والحنوط» (٣) الحديث.

وفي رواية عمّار قال : «تحتاج المرأة من القطن قدر نصف منّ» (٤).

لكنّ المقدار المذكور فيها غير معلوم لنا ، مع أنّ هذه الرواية غير خالية من الاضطراب في جملة من فقراتها ، فالأولى الاجتزاء بما يحصل به الغرض.

وكيف كان فما عن السرائر ونهاية الإحكام ـ من منع ذلك مراعاة لحرمته ميّتا كحرمته حيّا (٥) ـ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه.

نعم ، الأحوط تركه ما لم يخش عليه خروج شي‌ء حيث لا يفهم من الروايات إلّا إرادته عند عدم الوثوق بعدم خروج شي‌ء منه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(و) منها : زيادة (عمامة) للرجل (يعمّم بها) كما يدلّ عليه جملة من الأخبار المتقدّمة ، ولا حدّ لها طولا ولا عرضا إلّا العرف.

نعم ، ينبغي أن لا تقصر طولا من أن تتأدّى بها الكيفيّة الموظّفة المعهودة التي لا خلاف فيها ظاهرا ، بل عليه دعوى الإجماع.

وهي أن يعمّم بها (محنّكا يلفّ رأسه بها لفّا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره) كما يدلّ عليها رواية يونس عنهم عليهم‌السلام ، و

__________________

(١) في التهذيب : «تضع» بدل «يصنع».

(٢) في التهذيب : «تضع» بدل «يصنع».

(٣) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب تكفين المرأة) الحديث ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٤ / ٩٤٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٦.

(٤) التهذيب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٤.

(٥) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢٠٦ ، وانظر : السرائر ١ : ١٦٤ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٦.

٢٩٠

فيها «ثمّ يعمّم يؤخذ وسط العمامة فتثنّى على رأسه بالتدوير ثمّ يلقى فضل الشقّ الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثمّ يمدّ على صدره» (١).

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في العمامة للميّت ، فقال :«حنّكه» (٢).

وفي رواية عثمان النواء عن الصادق عليه‌السلام «وإذا عمّمته فلا تعمّمه عمّة الأعرابي» قلت : كيف أصنع؟ قال : «خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثمّ ردّها إلى خلفه واطرح طرفيها على صدره» (٣).

وعن بعض نسخ الكافي (٤) «على ظهره» ولعلّه من تحريف النّسّاخ.

وعن الفقه الرضوي «ثمّ تعمّمه وتحنّكه فتثنّي على رأسه بالتدوير وتلقي فضل الشقّ الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثمّ تمدّ على صدره ثمّ تلفّ بالعمامة ، وإيّاك أن تعمّمه عمّة الأعرابي ، وتلقي طرفي العمامة على صدره» (٥).

والمراد بعمّة الأعرابي ـ كما استظهره في الحدائق ، ونسبه إلى المبسوط (٦) ـ

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ / ٨٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٥ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٨ ، التهذيب ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ / ٨٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٤) كما أشار إليه في جواهر الكلام ٤ : ٢٠٩ ، والحدائق الناضرة ٤ : ٣٥ ، وأوردها العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١٠٤ بلفظ «على ظهره».

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٨ ، مستدرك الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الكفن ، الحديث ١.

(٦) الحدائق الناضرة ٤ : ٣٦ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٧٩.

٢٩١

من غير حنك.

وفي خبر معاوية بن وهب «وعمامة يعمّم بها ويلقى فضلها على صدره» (١).

في الوسائل : ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد مثله ، إلّا أنّه قال : «ويلقى فضلها على وجهه» (٢) انتهى.

أقول : ينبغي حينئذ إمّا طرحها أو تأويلها بما لا ينافي غيرها ، كما هو الشأن في صحيحة عبد الله بن سنان : «وعمامة يعصّب بها رأسه ، ويردّ فضلها على رجليه» (٣).

في الحدائق : هكذا في التهذيب ، والظاهر أنّه تحريف ، وفي الكافي «ويردّ فضله على وجهه» (٤) انتهى.

أقول : لو لا اختلاف النسخ ومخالفة ما عدا الكيفيّة المذكورة لظاهر الأصحاب ، لكان الأولى في مثل المقام الالتزام بكون كلّ من الكيفيّات المستفادة منها بظاهرها من دون تأويل مستحبّا ، إذ لا مزاحمة في الأحكام المستحبّة ، لكن مخالفتها للفتاوى وغيرها من النصوص مع ما فيها من الاختلاف أشكل أمرها ، فالأولى بل الأحوط عدم التخطّي عمّا عرفت.

(و) منها : أن (تزاد للمرأة على كفن الرجل لفّافة لثدييها) كما يدلّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ، ذيل الحديث ١٣ من الباب ٢ من أبواب التكفين ، وانظر : التهذيب ١ : ٣١٠ / ٩٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٤ ـ ١٤٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٨.

(٤) الحدائق الناضرة ٤ : ٣٥. أقول : الموجود في الكافي كما في التهذيب ، لا حظ الهامش السابق.

٢٩٢

عليه ما رواه في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه ، قال : سألته كيف تكفّن المرأة؟ قال : «كما يكفّن الرجل غير أنّا نشدّ (١) على ثدييها خرقة تضمّ الثدي إلى الصدر وتشدّ على ظهرها» (٢) الحديث.

وضعفه منجبر بعمل الأصحاب ، بل في الجواهر : لم أجد فيه خلافا منهم (٣) ، مع أنّ المقام مقام المسامحة.

وما قيل ـ من أنّ قاعدة المسامحة لا تتمشّى في مثله ، لاستلزامه تضييع المال المحرّم ـ لا ينبغي الإصغاء إليه ، فإنّ المعتبرة الدالّة على أنّ «من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الأمر كما بلغه» (٤) واردة على ما دلّ على حرمة الإسراف وتضييع المال وإتلافه ، ضرورة عدم قصورها عن شمول المورد ، وخروجه بشمولها من موضوع هذه العناوين.

(و) لذا لا ينبغي الاستشكال في أنّه يستحبّ أن يزاد للمرأة سوى الحبرة (نمطا) كما عن كثير من الأصحاب التصريح به (٥) ، بل في المدارك نسبة استحبابه للمرأة إلى قطع الأصحاب (٦).

وعن الشيخ علي في حاشية الكتاب : النمط بالتحريك : ثوب فيه خطط معدّ للزينة ، فإن لم يوجد ، جعل بدله لفّافة ، كما يجعل بدل الحبرة لفّافة أخرى عند

__________________

(١) في الكافي : «غير أنّها تشدّ».

(٢) الكافي ٣ : ١٤٧ (باب تكفين المرأة) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٦.

(٣) جواهر الكلام ٤ : ٢١٠.

(٤) الكافي ٢ : ٨٧ / ٢ ، إقبال الأعمال : ٦٢٧.

(٥) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣٢.

(٦) مدارك الأحكام ٢ : ١٠٥.

٢٩٣

فقدها ، قاله الأصحاب (١).

وربما يستدلّ له : ببعض الأخبار التي لا يمكن استفادته منها من دون مسامحة.

وعمدة المستند شهرة الفتوى به بين الأصحاب بعد المسامحة في أدلّة السنن ، بل قد عرفت ـ فيما سبق ـ جواز الالتزام باستحباب زيادة لفّافتين على الكفن المفروض مطلقا في الرجل والمرأة ، فالأولى كون إحداهما حبرة والأخرى نمطا من دون فرق بين الرجل والمرأة ، كما استظهره الشهيد في محكيّ الذكرى عن بعض الأصحاب بل أكثرهم حيث إنّه قدس‌سره ـ بعد أن نقل جملة وافية من كلمات الأصحاب على ما حكاه عنه في الجواهر ـ قال : فظهر أنّ النمط مغاير للحبرة في كلام الأكثر ، وأنّ بعض الأصحاب على استحباب لفّافتين فوق الإزار الواجب للرجل والمرأة وإن كانت تسمّى إحداهما نمطا ، وأنّ الخمسة في كلام الأكثر غير الخرقة والعمامة ، والسبعة للمرأة غير القناع (٢). انتهى.

وربما استظهر عن بعض الأصحاب استحباب زيادة لفائف ثلاث ، بل عن بعضهم زيادة أربع (٣).

وهو في غاية البعد ، والالتزام به مسامحة مبالغة في المسامحة ، بل مسامحة في إجراء قاعدة التسامح ، فإنّك قد سمعت التصريح في صحيحة زرارة بأنّ «الكفن المفروض ثلاثة أثواب ـ إلى أن قال ـ فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة ،

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٤ ، وانظر : حاشية الشرائع (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره) ١٠ : ٨٥.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٣ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٦.

(٣) راجع : جواهر الكلام ٤ : ٢١١.

٢٩٤

فما زاد فمبتدع» (١) وظاهرها عموم الحكم في كلّ ميّت رجلا كان أم امرأة ، وغاية ما يمكن الالتزام به بحيث لا ينافي مضمون هذه الصحيحة إنّما هو القول بخروج العمامة وخرقة الفخذين ونحو هما من لفّافة الثديين والقناع ممّا لا يبعد دعوى انصراف لفظ «الثوب» عنه.

مضافا إلى دلالة الأخبار ـ بالصراحة في بعضها وببعض أنحاء الدلالة في بعض ـ على أنّها لا تعدّ من الكفن.

وأمّا الالتزام بجواز زيادة لفائف ثلاث أو أربع فهو مخالفة صريحة لظاهر الصحيحة ، كما هو ظاهر.

مضافا إلى إمكان دعوى القطع من تتبّع النصوص وغيرها بعدم إرادة الشارع لفّ الميّت في لفائف أربع أو خمس.

والاستدلال له بما روي من أنّ عليّا عليه‌السلام كفّن فاطمة عليها‌السلام في سبعة أثواب (٢) ـ بناء على انصراف الثوب عن القناع وخرقة الفخذين والثديين ـ ضعيف جدّا ، لضعف دعوى الانصراف في مثل هذه الرواية الظاهرة في إرادة مطلقه ولو تغليبا.

هذا ، مع عدم صلاحيّة مثل هذه الروايات لإثبات الحكم ولو كان مستحبّا بعد مخالفتها لظاهر الصحيحة ، فالأظهر عدم استحباب التعدّي عن اللفائف الثلاث ، بل عدم جوازه ، بل الأولى والأحوط هو الاجتزاء باللفّافة المفروضة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) بحار الأنوار ٨١ : ٣٣٥.

٢٩٥

فليجعل الحبرة أو النمط ـ الذي يحصل به التزيين ـ هي اللفّافة الواجبة ، تأسّيا بما صنع برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو زيدت الحبرة أو النمطة على ذلك ـ تأسّيا بفعل أبي الحسن عليه‌السلام في تكفين أبيه ـ فهو أيضا حسن.

ولو كان للميّت حبرة ونمط وأحبّ الجمع بينهما رجاء لتحصيل ما فيهما من الخصوصيّة ، يجعل إحداهما اللفّافة المفروضة والأخرى زائدة ، كي لا يتخطّى عمّا صنعه أبو الحسن عليه‌السلام.

وأمّا لو كانت اللفائف متّحدة نوعا بحيث لم يكن في شي‌ء منها احتمال خصوصيّة ، فالأولى بل الأحوط ترك الزيادة مطلقا وإن كان الأظهر ما عرفت من جواز زيادة اللفافتين بل استحبابها ، لكن لا يبعد أولويّة تركها ، بل أحبّيته إذا تحقّق بعنوان المتابعة لما صنع برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله العالم.

ثمّ إنّ النمط قد اختلفت الكلمات في تفسيره.

فعن المحقّق الشيخ عليّ ما سمعت (١).

وعن النهاية : أنّ النمط بالتحريك : ضرب من البسط له خمل رقيق (٢).

وعن المصباح : أنّه ثوب من صوف ذو لون من الألوان ، ولا يكاد يقال للأبيض (٣).

لكنّ المعروف لدى الأصحاب ـ على ما في الجواهر (٤) حاكيا عن المعتبر و

__________________

(١) راجع ص ٢٩٣.

(٢) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٥ ، وانظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١١٩ «نمط».

(٣) كما في جواهر الكلام ٤ : ٢١٦ ، وانظر : المصباح المنير : ٣٣٧.

(٤) جواهر الكلام ٤ : ٢١٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٦ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ١٢ ، ضمن المسألة ١٦٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٣٨ ، والسرائر ١ : ١٦٠.

٢٩٦

التذكرة والمنتهى والسرائر وغيرها ـ أنّه ثوب فيه خطط.

ونقل عن جامع المقاصد أنّه ـ بعد أن حكى عن جماعة من الأصحاب ذلك ـ قال : الظاهر أنّه لا خلاف في أنّ النمط ثوب كبير شامل للبدن كاللفّافة والحبرة (١). انتهى.

أقول : لم يتّضح التنافي بين التفاسير ، وعلى تقديره فالأوفق بالقواعد حمله على المعنى المعروف لدى الأصحاب وإن علم مخالفته لمعناه الحقيقي ، لما عرفت من أنّ عمدة المستند في إثبات استحبابه فتواهم ، فليحمل اللفظ على مرادهم دون معناه اللغوي ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ الظاهر عدم مشروعيّة العمامة إلّا للرجل ، والأخبار الآمرة بها ظاهرة في إرادته بالخصوص (و) أمّا المرأة فإنّما (يوضع لها بدلا من العمامة قناع) أي : خمار.

كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى ما عن غير واحد من نسبته إلى الأصحاب ، المشعرة بدعوى الإجماع عليه ـ صحيحة محمد بن مسلم ، المتقدّمة (٢).

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم تكفّن المرأة؟ قال : «تكفّن في خمسة أثواب أحدها : الخمار» (٣).

وهل يلحق الخنثى المشكل بالمرأة في وظيفتها ، كما عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد (٤) ، معلّلا بكونه بحكمها في وجوب التستّر ، أم لا ، كما يقتضيه

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٦ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٨٤.

(٢) في ص ٢٨٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٢٤ / ٩٤٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ١٨.

(٤) الحاكي عنه هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٧٢.

٢٩٧

الأصل؟ وجهان.

وربما يقال : إنّ الجمع بينهما احتياط.

وفيه : أنّ الاحتياط إنّما هو بتركهما معا ، وأمّا الجمع ففيه ارتكاب الحرام المعلوم إن استصحبنا حرمة العمامة للنساء والقناع للرجال بعد موتهما ، كما لا يخلو عن وجه ، فالأظهر ترك الجمع ، والأحوط ترك الجميع ، والله العالم.

(و) يستحبّ (أن يكون الكفن قطنا) كما يدلّ عليه رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الكتّان كان لبني إسرائيل يكفّنون به ، والقطن لامّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ورواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «الكفن يكون بردا ، فإن لم يكن بردا فاجعله كلّه قطنا ، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريّا» (٢) وظاهرها مغايرة البرد للقطن ، وكونه أفضل ، ولا بأس بالالتزام به في الجملة على تقدير تحقّق المغايرة ، فليتأمّل.

وأن يكون أبيض ، لرواية ابن القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : البسوا البياض فإنّه أطيب وأطهر ، وكفّنوا فيه موتاكم» (٣).

وعن مثنّى الحنّاط عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثلها (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٩ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٢ ، الإستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٩ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ / ٨٧٠ ، الإستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤٠ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤٥ (باب لباس البياض والقطن) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٤٥ (باب لباس البياض ..) الحديث ٢ ، الوسائل ، ذيل الحديث ١ من الباب ١٩ من أبواب التكفين.

٢٩٨

ورواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس من لباسكم شي‌ء أحسن من البياض فالبسوه ، وكفّنوا فيه موتاكم» (١).

وعن المعتبر والتذكرة أنّهما أرسلا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن بالقطن الأبيض (٢).

وينبغي استثناء الحبرة ، فإنّ الأولى كونها بردا أحمر ، تأسّيا بفعل الأئمّة عليهم‌السلام.

ففي رواية أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريّين ـ إلى أن قال ـ إنّ الحسن بن عليّ عليه‌السلام كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة ، وأنّ عليّا عليه‌السلام كفّن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة» (٣).

وربما يستشعر من هذه الرواية بل يستظهر منها استحباب اختيار البرد الأحمر ولو لم نقل به من حيث التأسّي ، كما لا يخفى وجهه.

وكذا ينبغي استثناء النمط من استحباب كون الكفن قطنا بناء على كونه ثوبا متّخذا من الصوف ، كما سمعته من اللغويّين ، كما أنّه ينبغي استثناؤه من كونه أبيض بناء على عدم إطلاقه إلّا على ذي لون ، والله العالم.

ثمّ إنّ الأظهر ـ بالنظر إلى ما مرّ ـ إنّما هو استحباب كون الكفن أبيض ، لا كراهة سائر الألوان.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٢) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٧ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٤ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٦ ، المسألة ١٥٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٦ / ٨٦٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التكفين ، الحديث ٣.

٢٩٩

نعم ، يكره خصوص السواد ، للنهي عنه في رواية الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يكفّن الميّت في السواد» (١).

وفي خبره الآخر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، الرجل يحرم في ثوب أسود ، قال : «لا يحرم في الثواب الأسود ، ولا يكفّن به» (٢).

وعن المعتبر والتذكرة وغير هما دعوى الإجماع على كراهته (٣).

وأمّا سائر الألوان فقد نسب (٤) كراهتها إلى المشهور ، فلا بأس بالالتزام بها فيها أيضا ، لذلك مسامحة ، والله العالم.

(و) يستحبّ أن (تنثر على الحبرة والإزار والقميص) بل على سائر أجزاء الكفن حتى القطن الذي يوضع في فرجه (ذريرة) كما تقدّم (٥) الكلام فيها وفي تعيين موضعها عند قول المصنّف : «ولا يجوز تطييبه بغير الكافور والذريرة» فراجع.

(و) يستحبّ أن (تكون الحبرة فوق اللفّافة والقميص باطنها) كما يدلّ عليه الأدلّة المتقدّمة الدالّة على استحباب اتّخاذ الحبرة من أجزاء الكفن ، لظهورها في كون الحبرة هي الثوب الظاهر الذي يجمع فيه الكفن وإن كان قضيّة الأصل وإطلاق بعض الأدلة : جواز العكس بجعل اللفّافة فوق الحبرة ، والقميص

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٩ / ١١ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٤ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب التكفين ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٣٥ / ١٣٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب التكفين ، الحديث ٢.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ٢١٨ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٨٩ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٧ ، المسألة ١٥٧ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٤٣.

(٤) الناسب هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٦٤.

(٥) في ص ٢٦٨.

٣٠٠