مصباح الفقيه - ج ٥

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٥

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

ولذا حملها بعض الأصحاب ـ على ما حكي (١) عنه ـ على الاستحباب.

وفي الوسائل : أنّ الحمل على التقيّة ممكن (٢).

لكنّك خبير برجحان الاحتياط في مثل هذه الموارد ، بل لا بأس بمراعاته فيما لو وجد مقدار معتدّ به من أجزاء ميّت وإن لم تكن مشتملة على الصدر أو جزء تام آخر ، لما رواه إسحاق بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام وجد قطعا من ميّت ، فجمعت ثمّ صلّى عليها ثمّ دفنت» (٣).

وهي وإن كانت حكاية فعل مجمل لا تصلح مستندة لإثبات حكم مغاير لما علم من الأخبار المتقدّمة لكنّها تصلح منشأ للاحتمال المحسّن للاحتياط في مثل الفرض ، والله العالم.

فقد ظهر لك من جميع ما تقدّم أنّه إذا وجد بعض الميّت ، فإن كان فيه الصدر ، غسّل وكفّن وصلّي عليه ودفن ، بل وكذا الصدر وحده على الأحوط (و) أمّا (إن لم يكن) فيه الصدر أو الصدر وحده (وكان فيه العظم) (٤) فقد جزم الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنّه (غسّل) بل عن المنتهى عدم الخلاف فيه بين علمائنا (٥). وعن الخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه (٦). وعن جامع

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الوسائل فيها ذيل الحديث ١٣ من الباب ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل ، ذيل الحديث ١٣ من الباب ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٤ / ٤٨٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٧ / ٩٨٦ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث ٢.

(٤) في الشرائع : «عظم».

(٥) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٠٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٣٤.

(٦) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٠٤ ، وانظر : الخلاف ١ : ٧١٥ ، المسألة ٥٢٧ ، والغنية : ١٠٢.

١٤١

المقاصد نسبته إلى الأصحاب (١). وفي الجواهر : لم أعثر فيه على مخالف (٢).

لكن عن جملة من متأخّري المتأخّرين التردّد فيه (٣) ، بل منعه ، نظرا إلى انحصار مدركه المعتدّ به بنقل الإجماع الذي ليس بحجّة.

وربما يستدلّ له : بقاعدة الميسور ، والاستصحاب.

وفيهما ما لا يخفى ، فإنّ من شرطهما اتّحاد الموضوع المشكوك حكمه مع المتيقّن ولو بمسامحة عرفيّة كي يصدق على الحكم بثبوت الحكم في زمان الشكّ أنّه إبقاء المتيقّن وأنّه ميسور المتعذّر.

ونظير الاستدلال بهما في الضعف الاستدلال له بقوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٤) وقوله : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٥) فإنّ مقتضاه صحّة بعض الغسل حال التعذّر الذي هو خلاف الإجماع ، لا غسل البعض.

وأول الثاني إلى الأوّل لدى التحليل لا يجدي في استفادة حكمه من الدليل عند انتفاء موضوع الحكم الأوّل عرفا ، فلو أريد الاستصحاب في مثل المقام ، فليستصحب عدم تأثير غسل البعض في رفع حدثه وخبثه وعدم وجوب غسله منفردا حال اتّصاله بسائر الأجزاء على تقدير تعذّر غسل ما عداه ، لا الوجوب الغيريّ الثابت له حال التمكّن المعلوم انتفاؤه.

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٠٤ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٥٧.

(٢) جواهر الكلام ٤ : ١٠٤.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٠٤.

(٤) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ / ٤١٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٦.

١٤٢

لكنّك ستعرف توجيه استدلاله بهذه القواعد فيما سيأتي.

وأضعف منه الاستدلال له : بما روي : أنّ طائرا ألقت بمكة أو يمامة يدا ، فعرفت بالخاتم ، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، فغسّلها أهل مكة (١) ، فإنّه حكاية مجهولة لعمل ليس بحجّة.

ويتلو هما في الضعف الاستدلال بفحوى الأخبار المتقدّمة الآمرة بالصلاة على عظام الميّت خصوصا الصحيح الأخير المتضمّن للصلاة على العظم مطلقا.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ الأخذ بالفحوى لا يتمّ إلّا في الموضوع المقصود بالمنطوق ، وهو ما وجب عليه الصلاة ، لا مطلق العظم.

وأمّا الصحيح : فقد عرفت أنّه لا بدّ من تنزيله على ما لا يخالف النصّ والإجماع ، فلا يمكن استفادة الحكم من شي‌ء منها إلّا بالنسبة إلى الموضوع الذي يحكم عليه بوجوب الصلاة.

نعم ، ربما يستأنس بمثل هذه الأخبار للمطلوب ببعض التقريبات الآتية.

ودون هذه الاستدلالات في الضعف ما في الحدائق ـ وتبعه عليه جماعة ممّن تأخّر عنه ـ من الاستدلال له : بما رواه المشايخ الثلاثة عن أيّوب بن نوح ـ في الصحيح ـ عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» (٢).

__________________

(١) انظر : اسد الغابة ٣ : ٤٧٢ / ٣٣٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ / ١٣٦٩ ، الإستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل المسّ ، الحديث ١.

١٤٣

قال في تقريب الاستدلال : المراد بالميتة هنا ميتة الإنسان ، لا مطلق الميتة ، ليتمّ تفريع قوله عليه‌السلام : «فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم» إلى آخره ، وإذا ثبت إطلاق اسم ميتة الإنسان على القطعة المذكورة شرعا ، يثبت لها الأحكام المتعلّقة بميّت الإنسان من التغسيل والتحنيط والدفن وغير ذلك إلّا ما أخرجه الدليل. والاقتصار هنا على تفريع غسل المسّ لا يوجب نفي ما سواه من الأحكام. ولعلّ تخصيصه بالذكر ، لأنّه أخفى في الحكم (١). انتهى.

وفيه : أنّ التفريع لا يقتضي إلّا صدق كون القطعة ميتة من الإنسان في مقابل كونها من سائر الحيوانات ، وتحقّق هذا المعنى في الفرض بديهيّ ، غاية الأمر أنّه ثبت بهذه الرواية اطّراد الحكم وعدم اختصاصه بأجزاء الميّت ، ولا يتوقّف ثبوت حكم المسّ على صدق عنوان ميّت الإنسان على خصوص ما يقع عليه المسّ حتى يستشهد به لمدّعاه.

وأمّا ما ادّعاه في ذيل كلامه من أنّ ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب ثبوت الملازمة بين غسل المسّ وغسل الممسوس ففيه أوّلا : المنع.

نعم ، صريح كثير من الأصحاب بل معظمهم ثبوت الحكمين فيما هو المفروض في المقام في الجملة ، وهذا لا يقتضي التلازم بينهما بحيث يستدلّ لإثبات كلّ منهما بثبوت الآخر.

وثانيا : النقض بما إذا اتّصل الجزء ـ الذي يقع عليه المسّ ـ بالميّت أو انفصل عنه عند وجود سائر الأجزاء وعدم تمكّنه إلّا من غسل هذا البعض لفقد الماء أو غيره من الأعذار مع أنّه لا يجب غسله قطعا في الفرض الأوّل ، وعلى

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٤٢٦ ـ ٤٢٧.

١٤٤

إشكال فيه في الجملة في الفرض الثاني مع أنّ مسّه يوجب الغسل جزما.

وبهذا ظهر لك وجه آخر لضعف الاستدلال للوجوب بالاستصحاب وقاعدة الميسور ونحوهما.

فالإشكال كلّ الإشكال في المقام إنّما هو في أنّ غسل الجزء المنفصل عند فقد الباقي كغسله عند وجوب الباقي في عدم تأثيره في رفع الحدث والخبث ، أو أنّ غسل البعض في مثل الفرض بمنزلة غسل الكلّ في الأثر ، فإن كان من قبيل الأوّل ، فلا ينبغي الارتياب في عدم وجوبه ، كما لو اتّصل بما عداه ممّا تعذّر غسله ، وإنّما الشأن في إثبات كونه مؤثّرا كغسل الكلّ ، فإن ثبت ذلك ، يسهل الالتزام بوجوبه ، لإمكان دعوى القطع بعدم الفرق بين أبعاض الميّت ومجموعه في وجوب التطهير ، فيكون كلّ جزء جزء من جسده في حدّ ذاته واجبا مستقلّا وإن امتنع تحقّقه في الخارج حين الاتّصال إلّا بغسل الجميع ، فعند الانفصال يحب تطهير كلّ جزء مع التمكّن ، والمفروض إمكانه فيجب ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

ويؤيّده بل يشهد له : ما رواه محمد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام في علّة غسل الميّت «أنّه يغسّل ليطهر وينظف عن أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله ، لأنّه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة ، فيستحبّ إذا ورد على الله عزوجل ولقي أهل الطهارة ويماسّونه ويماسّهم أن يكون طاهرا نظيفا موجّها به إلى الله عزوجل» (١) الحديث.

وعن الفضل بن شاذان عنه أيضا «إنّما أمر بغسل الميّت ، لأنّه إذا مات كان

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٨٨ ـ ٨٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

١٤٥

الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى ، فأحبّ أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسّونه فيما بينهم (١) نظيفا موجّها إلى الله عزوجل» (٢).

فإنّ مفاد العلّة المنصوصة أنّ المقصود بالغسل تطهير جسد الميّت ، فإذا تعذّر تطهير الكلّ ، يجب تطهير البعض ، للأصل والقاعدة ، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.

وعلى هذا التقدير لا مانع من جريان الاستصحاب أيضا ، فإنّ موضوع وجوب التطهير حين اتّصال أجزاء الميّت ليس إلّا أجزاؤه ، فلنا أن نقول في كلّ جزء : أنّه كان واجبا تطهيره فليستصحب ، وهذا بخلاف ما لو أريد استصحاب وجوب الغسل ، فإنّ وجوب غسل الجزء في السابق كان غيريّا ، وقد علم انتفاؤه ، ووجوبه النفسي مشكوك الحدوث ، منفيّ بالأصل ، ولذا أنكرنا الاستصحاب فيما سبق.

وبهذا الذي أومأنا إليه يمكن توجيه المذهب المشهور بأن يقال : إنّه يفهم من مجموع الروايات خصوصا الروايتين المتقدّمتين ـ كما يؤيّدها المناسبات الذوقيّة والمؤيّدات السمعيّة ـ أنّ الشارع لم يقصد من الأمر بغسل الميّت بماء السدر والكافور والمطلق حصول أمر معنويّ لا نتعقّله كي يتوهّم كون متعلّق وجوب الغسل بدن الميّت من حيث كونه مصداقا لهذا المفهوم ، وإنّما قصد به

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فيما سهم» بدل «فيما بينهم». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٩ ـ ١١٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٤.

١٤٦

تطييب جسده وتطهيره وتنظيفه ، فيكون متعلّق الوجوب جميع أجزاء البدن على وجه يكون كلّ جزء جزء معروضا للوجوب النفسي لا الغيري التبعي بمعنى أنّ الغرض تعلّق بإيجاد وصف الطهارة في جميع الأجزاء ، لا المجموع من حيث المجموع ، فكلّ جزء جزء يجب غسله وتطهيره وإن توقّف صحّته شرعا على حصوله في ضمن المجموع ، كسائر الشرائط التعبّديّة التي هي من مقدّمات وجود الواجب لا وجوبه ، بل ينبغي الجزم بذلك ولو بالنظر إلى نفس ما دلّ على وجوب غسل الميّت ، إذ من المستبعد جدّا أن يكون للعنوان الانتزاعي مدخليّة في متعلّق الحكم ، بل المقصود بالحكم ليس إلّا الأجزاء بلحاظ كونها معنونة بهذا العنوان.

فعلى هذا نقول : مقتضى إيجاب الشارع تغسيل الميّت وتنظيفه ، المنحلّ إلى الأمر بغسل جميع أجزائه : عدم ارتفاع التكليف عمّا تيسّر بما تعذّر ، ولا مانع من تنجيز الخطاب بالنسبة إلى البعض الميسور إلّا احتمال اشتراط صحّة غسله بحصوله في ضمن المجموع ، كما كان كذلك حال وجود الكلّ ، والأصل ينفيه ، إذ ليس لنا دليل يقتضي الاشتراط مطلقا بحيث يعمّ الفرض.

فملخّص الكلام أنّه يستفاد من مجموع الأدلّة أنّ الشارع أوجب غسل جميع الأجزاء مطلقا ، واعتبر في صحّته أمورا تعبّديّة يجب التقييد بها بالقدر الثابت ، وحيث لم يثبت الاشتراط في مثل الفرض كي يسقط التكليف بالتعذّر لا يرفع اليد عمّا يقتضيه إطلاق محبوبيّة الفعل ومطلوبيّته.

ويؤيّده اشتهار القول بذلك بين أصحابنا رضوان الله عليهم ، ونقل إجماعهم عليه ، بل لا يبعد كون إجماعهم المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة بنفسه دليلا كافيا في مثل المقام ، والله العالم.

١٤٧

ولا يلحق بالقطعة المبانة من الميّت القطعة المنفصلة عن الحيّ ـ كما عن المعتبر والروض ومجمع البرهان والمدارك وغيرها التصريح بذلك (١) ـ لأنّها من جملة لم يتعلّق الأمر بغسل مجموعها حتى يفهم منه وجوب غسل الأجزاء حال انفرادها بالتوجيه المتقدّم.

فما عن الذكرى تبعا للمحكيّ عن التذكرة من منع هذا الدليل (٢) ـ حيث استدلّ به المصنّف (٣) وغيره (٤) بأنّ الجملة لم يحصل فيها الموت كي يجب غسلها ، بخلاف القطعة ـ ضعيف ، إذ لا يكفي في وجوب الغسل مجرّد حصول الموت ما لم يتعلّق به أمر شرعي ، وهو فيما نحن فيه أوّل الدعوى ، فالقول بالإلحاق ـ كما عن صريح جملة من الأصحاب بل عن ظاهر أكثرهم كما في الحدائق (٥) ـ ليس بشي‌ء.

اللهمّ إلّا أن يستدلّ له : بمرسلة (٦) أيّوب بن نوح ، بالتقريب الذي عرفته مع ما فيه.

مضافا إلى ضعف سندها ، وعدم انجباره بعمل الأصحاب حيث لم يستندوا إليها في فتواهم.

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١٠٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣١٩ ، وروض الجنان : ١١٢ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٠٧ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٧٥ ، ورياض المسائل ١ : ٤٦٥.

(٢) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣١٦ ، وانظر : الذكرى ١ : ٣١٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٧١ ، الفرع «د».

(٣) المعتبر ١ : ٣١٩.

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١١٢.

(٥) الحدائق الناضرة ٣ : ٤٢٧.

(٦) المتقدّمة في ص ١٤٣.

١٤٨

وفي الجواهر ـ بعد نقل القول بالإلحاق وتوجيهه وتضعيفه ـ قال :ولا ريب في أنّه أحوط إن لم يكن أظهر (١).

وفيه : أنّ فعل الغسل وإن كان أحوط لكن ترتيب أثر الغسل الصحيح عليه ـ من الحكم بطهارتها وعدم الغسل بمسّها ـ خلاف الاحتياط ، فالأحوط بل الأقوى عدم ترتيب الأثر عليه ، والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى القاعدة وجوب مراعاة الترتيب بين غسل الأعضاء إن تعدّدت وكان بينها ترتيب ، وعند اشتباه الأعضاء التي يراعى بينها الترتيب يجب الاحتياط بالتكرير.

وكذا تجب مراعاة المماثلة ، وعند الجهل بالحال حكمه حكم الخنثى ، وقدم تقدّم الكلام فيه مفصّلا.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر المتن وغيره ـ حيث اقتصر على ذكر اللحم المجرّد في مقابل القطعة ذات العظم ـ ثبوت الحكم في العظم المجرّد ، وهذا هو الذي يقتضيه التوجيه المتقدّم.

وما يقال في تضعيفه ـ من أنّ علّة وجوب غسل البدن تطهيره وتنظيفه ، والعظم لا تتوقّف طهارته على الغسل المعهود ، إذ يكفي فيه مطلق الغسل كسائر المتنجّسات ، ولا يصحّ الاستدلال له بما ورد في أكيل السبع من تغسيل العظم المجرّد (٢) ، لجريه مجرى العادة من عدم انفصال جميع اللحم عمّا يأكله

__________________

(١) جواهر الكلام ٤ : ١٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٢ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٩ / ١٠٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث ٥.

١٤٩

السبع كي يطهر بمطلق غسل العظام ـ ضعيف في الغاية ، لعدم العلم بانحصار فائدة الغسل في زوال النجاسة الخبثيّة ، بل المعلوم من النصوص خلافه ، كيف! وإلّا لما وجب غسل الأئمّة المعصومين المنزّهين عن الأرجاس والأدناس ، مع أنّه يجب قطعا ، وقد ورد في حديث أنّه لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سمعنا صوتا في البيت أنّ نبيّكم طاهر مطهّر فادفنوه ولا تغسّلوه ، قال : فرأيت عليّا عليه‌السلام رفع رأسه فزعا ، فقال : «اخسأ عدوّ الله ، فإنّه أمرني بغسله وكفنه» (١) الحديث ، فلا ينبغي الاستشكال فيه بالنسبة إلى العظم المجرّد أيضا.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما ذكرناه وجها لوجوب غسل بعض الميّت يقتضي وجوب تكفينه أيضا بما تيسّر ، ودفنه كذلك ، بل جريان القواعد المتقدّمة بالنسبة إلى التكفين والدفن أوضح من جريانها بالنسبة إلى الغسل ، كما لا يخفى وجهه (و) لذا لا ينبغي التشكيك في صحّة ما ذكره الأصحاب من أنّه بعد أن غسّل (لفّ في خرقة ودفن) بلا خلاف في شي‌ء منهما على الظاهر وإن اختلفت عبائرهم بالنسبة إلى الأوّل من التعبير باللّف في خرقة وبالتكفين ، لكن يحتمل إرادة الثاني من الأوّل ، كما أنّه يحتمل عكسه.

ولعلّ هذا هو الأولى ، كما أنّه هو الأظهر فيما لم يتناوله القطع الثلاث على النحو المعهود.

والالتزام بوجوب لفّ القطع الثلاث الواجبة من الكفن على العضو الموجود بغير الكيفيّة المعهودة مع ما فيه من الاستبعاد ممّا لا يساعد عليه دليل ، فإنّ من شرط جريان قاعدة الميسور ونحوها كون المأتيّ به من مراتب تحقّق

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٨ / ١٥٣٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

١٥٠

المأمور به بنظر العرف بنحو من المسامحة العرفيّة ، ومن المعلوم أنّ شدّ المئزر على الرأس أو العمامة على الرّجل لا ربط له بالمأمور به أصلا كي يتوهّم كونه ميسور المتعذّر.

نعم ، ربما يتخيّل ذلك فيما لو بقي من أعضائه ما يتناوله القطع الثلاث ولو منفصلة بعضها عن بعض ، كما لو وجد جزء من الرأس وجزء من البدن وشي‌ء من العورتين ، فلا يسقط في مثل الفرض اعتبار القطع الثلاث وإن تعذّر استعمالها على النحو المعهود ، فإنّ تعذّر الشرط لا يوجب سقوط المشروط ، كما عليه يبتني أصل الاستدلال.

ويدفعه : أنّ للكيفيّة الخاصّة مدخليّة في مطلوبيّة الخصوصيّات المعتبرة في الكفن ، بل هي بمنزلة الفصول المنوّعة للأجزاء حيث لا تندرج في مسمّياتها إلّا باستعمالها على الكيفيّة المعهودة.

ألا ترى أنّه لو لفّ في وسط الرأس المنقطع خرقة ، لا يطلق عليها العمامة عرفا إلّا بتجوّز بعيد ، بل إطلاق الحزام عليها أولى لديهم من إطلاق العمامة.

وكذا لو لفّت العورة المنفصلة في خرقة ، لا يطلق عليها المئزر.

والحاصل : أنّه لا يساعد العرف على إجراء قاعدة الميسور ونحوها بالنسبة إلى هذه الخصوصيّات ، بل ربما شاهدناهم يستنكرون وضع مجموع عظام الميّت في الكفن التامّ عند اجتماعها وانفصال بعضها عن بعض مع أنّ وجوب تكفينها في الجملة لعلّه كان مغروسا في أذهانهم.

فالتحقيق أنّ مقتضى قاعدة ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، وكذا الاستصحاب بالتقريب المتقدّم : إنّما هو وجوب تكفين ما وجد من الأعضاء ، لكنّه لمّا انتفى

١٥١

الموضوع الذي أمر بتكفينه على النحو المعهود ارتفع التكليف عنه ، لكن مقتضى قاعدة الميسور وجوب الإتيان بما هو بنظر العرف ميسور الكفن ، وليس ذلك إلّا لفّه بما يستره من دون فرق بين أن يكون ذلك بخرقة واحدة أو خرق متعدّدة.

ودعوى مساعدة العرف على استفادة اعتبار أزيد من ذلك لقاعدة «الميسور» لو لم ندّع القطع بفسادها فلا أقلّ من الشكّ فيها ، فيرجع إلى البراءة ، ولا مجال للاستصحاب بعد الشكّ في مدخليّة الأوصاف فيما هو موضوع الحكم ، وعدم مساعدة العرف على إهمالها ، كما هو المفروض.

نعم ، لو وجد بعض الميّت بحيث يتناوله القطع الثلاث أو القطعتان منها على النحو المتعارف ولو ببعض الكفن ـ كما لو بقي جزء من رأسه متّصلا بجزء من بدنه ، أو جزء من بدنه متّصلا بما دونه ، أو جزء متّصلا من رأسه إلى قدمه ـ تجب مراعاة الممكن.

وبما ذكرناه ظهر لك أنّ الأظهر ـ فيما لو رضّ جميع جسد الميّت من اللحم والعظم بحيث امتزج بعضها ببعض ولم يبق على هيئتها القابلة لاستعمال الكفن على النحو المعهود ـ أنّه لا يجب إلّا لفّه في خرقة ، لا الكفن التامّ ، والله العالم.

(وكذا السقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعدا) يغسّل ويكفّن ويدفن بلا خلاف في شي‌ء منها على الظاهر وإن اختلفوا ـ ظاهرا ـ فيما يعتبر في التكفين من وجوب الكفن التامّ ، كما هو ظاهر من عبّر بالكفن ، أو الاكتفاء بلفّه في خرقة ، كما يظهر من المتن ونحوه.

ويدلّ عليه : رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «السقط إذا تمّ له أربعة

١٥٢

أشهر غسّل» (١).

ومرفوعة أحمد بن محمد قال : «إذا تمّ السقط أربعة أشهر غسّل» وقال : «إذا تمّ له ستّة أشهر فهو تامّ ، وذلك أنّ الحسين بن عليّ عليه‌السلام ولد وهو ابن ستّة أشهر» (٢).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال : «نعم ، كلّ ذلك يجب عليه إذا استوى» (٣).

ولا معارضة بين مفهوم هذه الموثّقة وبين رواية زرارة وشي‌ء من فقرتي المرفوعة ، فإنّ المراد بصيرورته تامّا لدى ستّة أشهر صيرورته ولدا كاملا حيّا صالحا لأن يعيش ، كما يشهد له الاستشهاد بقضيّة الحسين عليه‌السلام.

والمراد باستواء خلقته إنّما هو تماميّة صورته ، وحدّها أربعة أشهر ، كما صرّح به في الفقه الرضوي ، قال : «إذا أسقطت المرأة وكان السقط تامّا ، غسّل وحنّط وكفّن ودفن ، وإن لم يكن تامّا ، فلا يغسّل ، ويدفن بدمه ، وحدّ تمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر» (٤).

ويدلّ عليه جملة من الأخبار (٥) الدالّة على أنّ النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثمّ تصير علقة أربعين يوما ثمّ تصير مضغة أربعين يوما فإذا أكمل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٦ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٦٠ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٨ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٥.

(٥) منها : ما في الكافي ٦ : ١٣ ـ ١٤ / ٣ و ٤.

١٥٣

أربعة أشهر ينفخ فيها الروح.

لكن في المقام إشكال ، وهو : أنّ هذه الروايات ـ بحسب الظاهر ـ جارية مجرى الغالب ، فيمكن تحقّق الاستواء قبل إكمال الأربعة أو بعد انقضائها بأيّام ، فيتحقّق في الموردين التنافي بين مفهوم أحد الحدّين مع منطوق الآخر ، فكما يمكن دعوى ورود التحديد باستواء خلقته في موثّقة سماعة مجرى الغالب ، فيكون الحدّ حقيقة هو ملزومه العاديّ ـ أعني إكمال الأربعة أشهر ـ كذلك يمكن دعوى عكسه.

ويمكن دفعه : بأنّ كون استواء خلقته مذكورا في السؤال يوهن ظهوره في الجواب في كونه لذاته حدّا ، لا لأمر يلازمه ، بل لا يبقى له حينئذ ظهور في إرادة بيان الحدّ إلّا من حيث مفهوم الشرط ، الموهون في مثل المقام بقوّة احتمال كون الشرط مسوقا لبيان تحقّق الموضوع بمقتضى العادة ، فلا يصلح لصرف ما هو بظاهره مسوق لبيان الحدّ ، كالخبرين الأوّلين الدالّين على أنّ الحدّ هو أربعة أشهر خصوصا بعد اعتضاده بفتوى الأصحاب ، ونقل إجماعهم وأنسبيّتها للتحديد حيث لا يتطرّق فيها الإجمال والإهمال ، بخلاف استواء خلقته ، فإنّه كثيرا مّا يختلف فيه أنظار أهل العرف.

لكن مع ذلك كلّه لو فرض استواء خلقته عرفا قبل تمام الأربعة أشهر ، لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.

كما أنّه لا ينبغي الالتفات ـ بعد ما سمعت من الأخبار ـ إلى إطلاق مكاتبة محمد بن الفضيل ، قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام أسأله عن السقط كيف يصنع

١٥٤

به؟ فكتب إليّ «السقط يدفن بدمه في موضعه» (١) لوجوب تقييده بما إذا لم تستو خلقته ولم يتمّ له أربعة أشهر بقرينة ما عرفت إن أمكن ، وإلّا يتعيّن طرحها ، والله العالم.

(وإن) وجد بعض الميّت و (لم يكن فيه عظم) بل كان لحما مجرّدا ، فلا يجب تغسيله بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن الغنية والخلاف والحدائق دعوى الإجماع عليه (٢) ، فلا ينبغي الالتفات حينئذ إلى كونه من جملة يجب غسل جميعها ، المقتضي لوجوب غسل ما تيسّر منها عند تعذّر الكلّ بحكم الاستصحاب وقاعدة الميسور ونحوها ، كما عرفت تقريبه في القطعة ذات العظم ، فإنّ إعمال الأصل والقاعدة في مثل هذه الموارد الخفيّة في مقابل جلّ الأصحاب بل كلّهم ينشأ من الاعوجاج والاستبداد بالرأي ، إذ كيف يعقل أن يفهم عرفا من هذه القواعد وجوب الغسل في مثل الفرض ولم يفهمه الأصحاب مع كون القواعد مغروسة في أذهانهم ، دائرة على ألسنتهم ، واصلة إلينا بواسطتهم ، عاملين بها في القطعة ذات العظم!؟ فإعراضهم عنها في مثل الفرض يكشف عن قصورها عن الشمول ، أو عثورهم على دليل يقتضي خلافها وإن كان بعيدا.

فالإنصاف أنّ العمل بمثل هذه القواعد في مثل هذه الموارد لا يجوز إلّا إذا اعتضدت بفهم الأصحاب وعملهم ، فلا ضير في إجرائها في مثل الفرض بالنسبة إلى التكفين والدفن ، لانجبارها فيهما بعملهم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٨ / ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥.

(٢) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١١٣ ، وانظر : الغنية : ١٠٢ ، والخلاف ١ : ٧١٥ ـ ٧١٦ ، المسألة ٥٢٧ ، والحدائق الناضرة ٣ : ٤٢٧.

١٥٥

وقد أشرنا فيما سبق إلى سرّ التفكيك بين الغسل والتكفين والدفن من أوضحيّة حكمة الحكم في التكفين والدفن منها بالنسبة إلى الغسل المتوقّف على شرائط تعبّديّة لا يتعقّل أهل العرف فائدتها ، فربما لا يساعد إفهامهم على استفادة مطلوبيّته بالنظر إلى كلّ جزء جزء على وجه يعمّ مثل الفرض بحيث يكون هذا النحو من الجزء أيضا لديهم موضوعا مستقلّا للوجوب النفسي حتى يمكن إثباته بالأصل والقاعدة ، وهذا بخلاف الكفن والدفن اللّذين هما من الواجبات التوصّليّة ، فلا امتناع في استفادة عدم سقوط ميسورهما في مثل الفرض من تلك القواعد دونه.

وكفاك شاهدا على ذلك جزم الأصحاب بذلك حيث حكموا بسقوط الغسل وثبوت الدفن بل الكفن أيضا على تردّد فيه من بعضهم ، بل اختيار عدمه ، كما عن المعتبر وجماعة (١) ممّن تبعه ، مع أنّ عمدة مستندهم في هذه الفروع ليست إلّا القواعد ، ولا يبعد أن لا يكون تردّد هذا البعض أو منعه مانعا من الرجوع إليها بالنسبة إلى الكفن أيضا.

وكيف كان فقد عرفت في القطعة ذات العظم أنّ مقتضاها ليس إلّا وجوب مطلق الكفن ولو بلفّها في خرقة من دون مراعاة الخصوصيّات المعتبرة فيه إذا تعذّر إيجاده على النحو الموظّف ، فالمقام أولى بذلك ، بل الظاهر عدم الخلاف في أنّه إذا وجد بعض الميّت ولم يكن فيه عظم (اقتصر على لفّه في خرقة ودفنه).

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١١٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣١٩ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٧٦ ، وذخيرة المعاد : ٩١ ، وكفاية الأحكام : ٧.

١٥٦

(وكذا السقط إذا لم تلجه الروح) بأن كان لدون أربعة أشهر يلفّ في خرقة ويدفن ، فلا يغسّل ولا يكفّن على النحو المعهود ، ولا يصلّى عليه بلا خلاف في شي‌ء منها على الظاهر ، بل عن المعتبر والتذكرة أنّه مذهب العلماء كافّة (١) ، مستثنيا في المعتبر (٢) ابن سيرين الذي لا عبرة بخلافه.

ويدلّ على عدم وجوب غسله كالصلاة عليه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ مفهوم الأخبار السابقة ، ومنطوق مكاتبة محمّد بن الفضيل ، المتقدّمة (٣) ، فهذا ممّا لا إشكال فيه خصوصا مع موافقته للأصل.

وإنّما الإشكال فيما يظهر من المتن وغيره من وجوب لفّه في خرقة ودفنه حيث لم نعثر على ما يدلّ على أوّلهما ، كما اعترف به في الحدائق (٤) وغيره (٥).

وأمّا وجوب دفنه فيظهر من المكاتبة المتقدّمة (٦) كالرضوي المتقدّم (٧).

لكن ربما استظهر (٨) عن العلّامة وغيره دعوى الإجماع عليهما ، والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

فرع : لو ولجه الروح قبل استواء خلقته أو إكمال أربعة أشهر ، فهو خارق

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١١٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٢٠ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٧٠ ، الفرع «أ».

(٢) المعتبر ١ : ٣٢٠.

(٣) في ص ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ : ٤٠٩.

(٥) مدارك الأحكام ٢ : ٧٧ ، ذخيرة المعاد : ٩١ ، رياض المسائل ١ : ٤٦٨.

(٦) في ص ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٧) في ص ١٥٣.

(٨) استظهر الشهيد الثاني في روض الجنان : ١١٣ عن العلّامة الحلّي دعوى الإجماع. وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٧٠ ، الفرع «أ» من المسألة ١٣٨.

١٥٧

للعادة لا ينصرف إليه شي‌ء من النصوص وفتاوى الأصحاب ، فالأحوط بل الأظهر غسله وتكفينه ودفنه كغيره من الأموات ، والله العالم.

(وإذا لم يحضر الميّت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء ، دفن بغير غسل ، ولا تقربه الكافرة) ولا المسلمة الأجنبيّة (وكذا المرأة).

(وروي : أنّهم يغسلون وجهها ويديها) (١) وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلا ، فراجع.

(وتجب إزالة النجاسة) العارضة (عن بدنه) قبل الغسل بلا إشكال فيه في الجملة ، بل لا خلاف فيه ظاهرا ، كما عن غير واحد التصريح به ، بل عن التذكرة والنهاية والمفاتيح الإجماع عليه (٢).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ جملة من الأخبار الواردة في كيفيّة غسل الميّت ، التي سيأتي نقلها تفصيلا في محلّها إن شاء الله.

منها : مرسلة يونس ، وفيها «ثمّ اغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع ، ثمّ اغسل فرجه ونقّه ، ثمّ اغسل رأسه بالرغوة ـ إلى أن قال في كيفيّة غسله بماء الكافور ـ : وافعل به كما فعلت في المرّة الأولى ، ابدأ بيديه ثمّ بفرجه وامسح بطنه مسحا رفيقا ، فإن خرج منه شي‌ء فأنقه ثمّ اغسل رأسه» (٣) الحديث.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ / ١٤٢٩ ، الإستبصار ١ : ٢٠٠ / ٧٠٥ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٢) الحاكي عنها هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٢٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٠٥ ، المسألة ١٢٢ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٢٣ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ١٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٤١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٣.

١٥٨

وخبر [الفضل بن] (١) عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن [غسل] (٢) الميّت ، فقال : «أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا ثمّ طهّره من غمز البطن ثمّ تضجعه ثمّ تغسّله» (٣) الحديث.

وخبر معاوية بن عمّار قال : أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام أن أعصر بطنه ثمّ أوضّيه بالأشنان ثمّ أغسل رأسه بالسدر (٤) ، الحديث.

وفي خبر علاء بن سيابة ـ الوارد في من قتل في معصية الله ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إذا قتل في معصية الله يغسل أوّلا منه الدم ثمّ يصبّ عليه الماء صبّا» (٥) الحديث.

وفي رواية الكاهلي (٦) «ثمّ ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ثلاث غسلات» (٧) الحديث.

لكن هذه الرواية ظاهرها أنّ الأمر بغسل الفرج ثلاثا قبل كلّ واحدة من الغسلات الثلاث من باب التعبّد ، فهي غير صالحة للاستدلال ، لكنّها غير خالية عن

__________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من «استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار» ٣ : ٤٠٨. وفي المصدر بدل «الفضل بن عبد الملك» : «أبو العباس». وهو كنيته.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٢ ، الإستبصار ١ : ٢٠٦ / ٧٢٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٩.

(٤) التهذيب ١ : ٣٠٣ / ٨٨٢ ، الإستبصار ١ : ٢٠٧ / ٧٢٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٨.

(٥) التهذيب ١ : ٤٤٨ / ١٤٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٦) في الطبعة الحجريّة : «الكافي» بدل «الكاهلي».

(٧) الكافي ٣ : ١٤٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ / ٨٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٥.

١٥٩

التأييد.

وأمّا الروايتان الأوليان وإن كان ظاهر هما ذلك لكن يفهم منهما وجوب إزالة النجاسة ، كما هو صريح الرواية الثالثة.

ويدلّ عليه أيضا : الأخبار المتقدّمة (١) في غسل الجنابة ، الدالّة على وجوب إزالة النجاسة قبله بضميمة الأخبار المستفيضة الواردة في هذا الباب ، الدالّة على أنّ غسل الميّت مثل غسل الجنابة (٢) ، بل يفهم من جملة منها أنّه عينه (٣).

لكنّك عرفت في مبحث الجنابة أنّ الأظهر إنّما هو وجوب إزالة النجاسة عن كلّ عضو قبل غسل ذلك العضو لا قبل الشروع في الغسل مطلقا حتى تكون طهارة البدن قبل الشروع في الغسل شرطا تعبّديّا في صحّة الغسل.

وما ورد في الأخبار ممّا يوهم ذلك كالأمر بغسل اليدين والفرج وما أصابه القذر من البدن قبل الغسل جار مجرى العادة لا يفهم منها أزيد من اشتراط طهارة المحلّ وعدم الاجتزاء بصبّة واحدة للغسل وإزالة النجاسة ، ومقتضاه ليس إلّا وجوب تقديم الإزالة على غسل العضو لا على أصل الغسل ، وقضيّة كون هذا الغسل مثله أو عينه ليس إلّا ذلك.

والأخبار الخاصّة الواردة في هذا الباب أيضا كالروايات المتقدّمة لا يكاد يفهم منها أزيد من ذلك.

لكن ربما يتراءى في بادئ النظر من كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد

__________________

(١) راجع ج ٣ ، ص ٣٨٦.

(٢) منها : ما في التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٧ ، والاستبصار ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٧٣٢ ، والوسائل ، الباب ٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ١٦٣ / ١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٢.

١٦٠