[٤٢] وأمّا حقّ الناصِح :
ـ فان تُلين له جناحك.
ـ ثمّ تُشَرئب له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتّى تفهم عنه نصيحته.
ـ ثمّ تنظر فيها : فإنْ كانَ وفَّق فيها للصواب حمدت الله على ذلك ، وقبلتَ منه وعرفتَ له نصيحته.
ـ وإن لم يكن وُفَّقَ له فيها رحمتَه ، ولم تتّهمهُ ، وعلمتَ أنّه لم يألُك نصحاً ، إلّا أنّه أخطأ ، ولم تُؤاخذه بذلك إلّا أن يكونَ عندك مستحِقّاً للتهمة ، فلا تعبأ بشيءٍ من أمره على كلّ حال. ولا قوّة إلّا بالله.
[٤٣] وأما حقّ الكبير :
ـ فإن حقّه توقير سِنِّه.
ـ وإجلال إسلامه ، إذا كان من أهل الفضل في الإسلام ، بتقدُّمه فيه.
ـ وترك مقابلته عند الخِصام.
ـ ولا تسبقه إلى طريق.
ـ ولا تؤمّه في طريق.
ولا تستجهله.
ـ وإن جهل عليك ، تحمّلَت ، وأكرمته بحقّ إسلامه ، وحرمته مع سِنّه ، فإنّما حقّ السِن بقدر الإسلام. ولا قوّة إلّا بالله.
[٤٤] وأمّا حقّ الصغير :
ـ فرحمته.
ـ وتثقيفهُ وتعليمه.
ـ والعفو عنه ، والستر عليه.
ـ والرفق به.
ـ والمعونة له.
ـ والستر على جرائر حداثته ، فإنّه سببٌ للتوبة.
ـ والمداراة له ، وترك مماحَكته ، فإنّ ذلك أدنى لرشده.
[٤٥] وأما حقّ السائل :
ـ فإعطاؤه [ على قدر حاجته ] إذا تيقّنتَ صدقَهُ وقَدَرتَ على سَدّ حاجته.
ـ والدعاء له في ما نَزل به.
ـ والمعاونة له على طلبته.
ـ وإن شككتَ في صدقة ، وسبقتْ إليه التهمةُ له ، ولم تعزم على ذلك ، لم تأمّن أن يكونَ من كيد الشيطان ، أراد أن يصدَّك عن حظّك ، ويحولَ بينك وبين التقرُّب إلى ربّك ، فتركتَه بسترهِ ، وردَدتَه ردّاً جميلاً.
ـ وإنْ غلبتْ نفسُك في أمره ، وأعطيتَه على ما عَرَضَ في نفسك منه ، فإنّ ذلك من عزم الاُمور.
[٤٦] وأمّا حق المسؤول :
ـ إن أعطى قُبلَ منه ( ما أعطى ) بالشُّكر له ، والمعرفة لفضله.
ـ وطلب وجه العُذر في منعه.
ـ وأحسِن به الظنّ.
ـ واعلم أنّه إن مَنَعَ فمالَه مَنَعَ ، وأن ليس التثريبُ في ماله ، وإن كان ظالماً ، فإنّ الإنسان لظلوم كفّار.
[٤٧] وأمّا حقّ مَن سرَّك الله به وعلى يديه :
ـ فإن كانَ تعمّدها لك : حمدتَ الله أوّلاً ، ثمّ شكرتَهُ على ذلك بقدره ، في موضع الجزاء.
ـ وكافأته على فضل الابتداء ، وأرصدتَ له المكافأةَ.
ـ وإن لم يكن تعمّدها : حمدت الله وشكرته ، وعلمت أنّه منه ، توحّدك بها.
ـ وأحببتَ هذا إذ كان سبباً من أسباب نِعَمِ الله عليك.
ـ وترجو له بعد ذلك خيراً ، فإنّ أسبابَ النّعم بركةٌ حيثُما كانَتْ ، وإن كان لم يتعمّد. ولا قوّة إلّا بالله.
[٤٨] وأمّا حقّ مَن ساءَك ( القضاء على يَدَيهْ بقولٍ أو فعلٍ ) :
ـ فإن كانَ تعمّدها كان العفو أولى بك ( لما فيه له من القمْع ، وحُسْن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق ).
ـ [ وإن علمت أنّ العفو عنه يضرُّ ، انتصرت ] فإنّ الله يقول : ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـ?ئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) على قوله : ( مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) وقال عزّ وجلّ : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ) هذا في العَمد.
ـ فإنْ لم يكن عَمْداً ، لم تظلمه بتعمُّد الانتصار منه ، فتكونَ قد كافأته في تعمّد على خطأ.
ـ ورفقتَ به ، وردَدته بألطفِ ما تقدِرُ عليه. ولا قوّة إلّا بالله.
[٤٩] وأمّا حقّ أهل مِلّتك ( عامَّةً ) :
ـ فإضمار السلامة.
ـ ونشر جناح الرحمة بهم.
ـ والرفق بمسيئهم.
ـ وتألّفهم.
ـ واستصلاحهم.
ـ وشكر محسنهم إلى نفسه ، وإليك ، فإنّ إحسانه إلى نفسه إحسانٌ إليك ، إذا كَفَّ أَذاه ، وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه.
ـ فَعُمَّهم ـ جميعاً ـ بدعوتك.
ـ وانصرهم ـ جميعاً ـ بنصرتك.
ـ وكُفَّ الأذى عنهم.
ـ وتُحبُّ لهم ما تُحبّ لنفسك ، وتكرهُ لهم ما تكره لنفسك.
ـ وأنْزِلُهم ـ جميعاً ـ منك منازلهم : كبيرهم لمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ ، وعجائزهم بمنزلة اُمّك.
ـ فَمَنْ أتاك تعاهَدْتَه بلُطفٍ ورحمةٍ.
ـ وصِلْ أخاك بما يجبُ للأخ على أخيه.
[٥٠] وأمّا حقّ أهْل الذمّة :
ـ فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قَبل الله.
ـ وتفي بما جعل لهم من ذمّته وعهده.
ـ وتكِلَهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم ، واُجبروا عليه.
ـ وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك ، في ما جرى بينك وبينهم من معاملة.
ـ ولا تظلمهم ما وَفَوا للهِ عزّ وجلّ بعهده ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمّة الله ، والوفاء بعهده وعهد رسول الله صلىاللهعليهوآله حائلٌ فإنّه بلغنا أنّه قال : « مَن ظَلَمَ معاهداً كنتُ خصمه » فاتّق الله. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
فهذه خمسون حقاً محيطاً بك ، لا تخرج منها في حال من الأحوال ، يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها ، والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
والحمد لله ربّ العالمين وصلواته على خير خلقه محمّد وآله أجمعين وسلّم تسليما.
إضاءة
يمثل الإمام محمد الباقر عليهالسلام مدرسة فكرية وأخلاقية في حياة المسلمين ، لما تزخر به هذه المدرسة بالعطاء الثر على مستوى بناء الفرد والمجتمع ، وتعدّ مرحلته عليهالسلام مرحلة تاريخية مهمة وخطيرة في حركة مدرسة أهل البيت عليهمالسلام حيث كان له الدور الأكبر في إرساء قواعد الجامعة الاسلامية الكبرى في حياة الأمة الاسلامية ، تلك الجامعة التي كانت وما زالت مصدر الإشعاع الفكري والروحي في تاريخ الاسلام والمسلمين ، ومن خلالها انطلقت الأفكار الأصيلة والمشاريع البناءة في مواجهة التحدّيات العقائدية والاجتماعية والسياسية التي تهدد العقل الاسلامي ، والكيان الفكري ، والسياسي للأمة بالتشويه والمسخ والتحريف ، وعلى الصعيد الداخلي للدولة الاسلامية.
فقد عاش الإمام أبو جعفر الباقر عليهالسلام مرحلة الصراعات السياسية للخطوط المختلفة في اتجاهات الحكم والسياسة ، كما واجه القلق الثقافي والاضطرابات العقائدية للمدرسة الكلامية والتيارات الفقهية التي عاصرها.
فكان عليهالسلام قطب الرحى للأمة والملاذ الآمن للعلماء ، وطلاب الحقيقة ، فقد تخرج على يديه مئات العلماء في مختلف صنوف المعرفة ، ونهل من علومه الاف الرواة والمحدثين يحملون فكره وهديه وأخلاقه ما ينير لهم الطريق في الحياة الفكرية والاجتماعية.
و « مؤسسة دار الاسلام » إذ تقدم الإمام الباقر عليهالسلام ضمن ملحمة « قوافل النور » المباركة في سيرة النبي وأهل بيته عليهمالسلام. لتشعر بالفخر والشرف أن تكون هذه الملحمة قد ساهمت في رسم حروفها ملامح الشخصية الفذّة ، والحياة الخالدة للإمام الباقر عليهالسلام ، فحياته تعبق بشذى العلم والطيب ، وتزخر بالهدى والمكرمات.
فهو الإمام الذي بقر العلم ، وتوسع في مغازيه وآفاقه. فسلام على امامنا أبي جعفر الباقر عليهالسلام وعلى ابائه الطاهرين عليهمالسلام وابنائه الميامين ورحمة الله وبركاته.
المولد المبارك
في دارةِ السجّادِ حلَّ نورُ |
|
وعمّت الفرحةُ والسرورُ |
قد وُلِد الباقرُ فهو بُشرى |
|
تَمسحُ أتعابَ القلوبِ الحيرى |
طلعتُهُ أضاءت المدينه |
|
بالبِشرِ والآمالِ والسكينه |
فأُمُّهُ فاطمةٌ بنتُ الحسَن |
|
صدّيقةٌ طاهرةٌ من الدَّرَن |
أوّلُ مولودٍ لآلِ هاشمِ |
|
من علويَّينِ من الأكارمِ |
في رجبٍ قد وُلِد الإمامُ |
|
فاستبشَر النبيُّ والإسلامُ |
قد ضمّهُ الحسينُ في أحضانهِ |
|
يَسقيه كأسَ الحُبّ من حنانهِ |
لقّبهُ بالباقرِ النبيُّ |
|
وقد نَماهُ للعُلى « عليُ » |
يَبقرُ علم الأوّلينَ بقرا |
|
ويغتدي للظامئين بحرا (١) |
__________________
(١) وُلِد الإمام محمد الباقر عليهالسلام في يوم الجمعة في غرة شهر رجب الحرام عام ٥٧ هـ أي قبل استشهاد جدّه الإمام الحسين عليهالسلام بثلاث سنوات كما في « وفيات الأعيان ».
وهو الإمام الخامس من أئمة أهل البيت عليهمالسلام الذين نصّ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ليخلفوه في قيادة الأمّة الاسلامية ، ومن الذين شملهم حديث الثقلين المتواتر : إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا.
وقد ولد من أبويين علوين طاهرين زكيين فاجتمعت فيه خصال جدّه السبط الحسن وجدّه سيّد الشهداء الحسين عليهمالسلام ، فأبوه سيّد الساجدين وزين العابدين وسراج الدين والدنيا الإمام علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهمالسلام.
=
__________________
=
وأمّه السيّدة الزكية الطاهرة فاطمة بنت الإمام الحسن سيّد شباب أهل الجنّة وتكنّى أمّ عبد الله ، وكانت من سيّدات نساء بني هاشم ، وكان الإمام زين العابدين عليهالسلام يسمّيها الصدّيقة ، ويقول فيها الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليهالسلام : كانت صدّيقة لم تدرك من آل الحسن مثلها.
لقد كان الإمام الباقر عليهالسلام بشارة النبي حيث حدّث عنه قبل ولادته ، وكان أهل البيت عليهمالسلام ينتظرونه بفارغ الصبر ، وقد أجريت له فور ولادته مراسيم الولادة كالاذان ، والإقامة ، في أذنية وحلق رأسه والتصدق بزنة شعره فضّة على المساكين ، والعقّ ، عنه بكبش والتصدق به على الفقراء. وسمّاه جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله بمحمد ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين وكان ذلك من أعلام نبوّته ، وقد استشف من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم والمعرفة وحماية الدين من التحريف وتربية العلماء والمحدثين.
مشاهد كربلاء
لم يبلغ الباقرُ سنَّ الثالثه |
|
إلّا وقد شاهدَ أقسى حادثه |
في كربلا عانى من الأهوالِ |
|
في محنةِ النّساءِ والأطفالِ |
رأى الحسينَ جدّهُ صريعا |
|
مقطّعاً على الثرى تقطِيعاً |
رأى الخيامَ أصبحت رَمادا |
|
رأى الخيولَ تطحنُ الأجسادا |
رأى النَّساءَ في البراري حيرى |
|
رأى العيونَ بالدموعِ عبرى |
رأى السماءَ امتلأت دُخانا |
|
رأى الرجالَ تَرفعُ السّنانا |
وفوقهُ رأسُ ابنِ بنتِ المصطفى |
|
وسيِّد المنتجبين الشُّرفا |
رأى السبايا في دروب الشامِ |
|
أسيرةً لزمرةِ اللَّئام |
رأى السَّياطَ تُلهِبُ الظُّهورا |
|
رأى القيودَ تُثقلُ النحورا |
فظلَّ قلبُه لها حَزينا |
|
يَمزجُ في لوعتهِ الأنينا |
مشاهدٌ ما فارقت عينيهَ |
|
فقد تراءتِ دائماً إليه |
يذكرُها فتهطلُ الدموعُ |
|
سخينةً يَغمرها الخشوعُ (١) |
* * *
__________________
(١) لقد عاش الإمام الباقر عليهالسلام منذ طفولته حادثة كربلاء ومصرع جدّه الحسين عليهالسلام وأهل بيته وأصحابهم بكل ما في تلك الحادثة من مشاهد مؤلمة وصور لا تغيب عن الذاكرة .. وقد حمل مأسوراً الى الكوفة والشام وكان مع السبايا أهل البيت عليهمالسلام فشاركهم المحن والمصائب الأليمة التي تتصدّع لها القلوب ، فبقيت تلك الصور والمشاهد مختزنة في قلبه بالحزن فتفيض عيناه بالدموع والثأر والإصرار على حمل مشعل الثورة والدفاع عن مبادئها وأهدافها المقدّسة.
حديث جابر بن عبد الله الأنصاري
لكنّهُ يُفرحهُ أن يَسمعا |
|
تلاوةَ القرآنِ أو صوتَ الدعا |
يُحبُّ أصحابَ النبيّ جدِّهِ |
|
لأنّهُ وارثُهُ من بعدهِ |
قد نقلوا له سلاماً منهُ |
|
ونقلوا بعض الصفاتِ عنه |
فقد روى « جابرٌ الأنصاري » |
|
ذلك عن نبيّنا المختارِ |
بأن ستُدرك الفتى « محمدا » |
|
الباقرَ المؤيدَ المسددا |
فاقرأهُ مني الحبَّ والسلاما |
|
فهو إمامٌ يَحفظ الإسلاما |
فجاء جابرٌ إلى السجّادِ |
|
ونجلُهُ الغضُّ مع الأولادِ |
يحملُ أجزاءً من القرآنِ |
|
فاقَ بها بقيةَ الأقرانِ |
عاد لأهلهِ مع الصغارِ |
|
فضمّه جابرٌ الانصاري |
مقبلاً لرأسهِ وصدرهِ |
|
يَشمُّ عطرَ أحمدٍ في نحرهِ |
قال له : لك السلامُ العَطِرُ |
|
يا أيُّها الباقرُ والمفتخرُ |
من جدِكِ المبعوثِ بالكتابِ |
|
وسيّدِ الأشراف والأطيابِ |
أَجابهُ لجدَّيَ السلامُ |
|
منّي يا جابرُ والاكرامُ |
ثم عليكَ أيُّها المُبجّلُ |
|
تحيّةٌ فيها الثنا متصلُ |
فردّ جابرٌ ليَ الشفاعة |
|
تضمنُها بعد قيامِ الساعه |
فابتسمَ الإمامُ بالقبولِ |
|
وقد أجابَ صاحبَ الرسول (١) |
__________________
(١) لقد ورد حديث الصحابي الجليل
جابر بن عبد الله الأنصاري بعدّة طرق وصيغ
=
__________________
=
متنوعة وكلّها تتفق على مضمون واحد ، فقد جاء كما في الإرشاد للشيخ المفيد عن الإمام الصادق عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : دخلتُ على جابر بن عبد الله فسلمتُ عليه فردَّ عليَّ السلام قال لي : مَن أنت ؟. ذلك بعد ما كُفّ بصره.
فقلت : محمد بن علي بن الحسين.
قال : يا بُنيّ ! أُدنُ منِّي. فدنوت منه ، فقبّل يديَ.
ثمّ قال لي : رسول الله يُقرئك السلام.
فقلت : وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته ، فكيف ذاك يا جابر ؟.
فقال : كنتُ ذات يوم ، فقال لي : يا جابر ! لعلك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له : محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة فأقرئه منَّي السلام.
وفي أبيات الملحمة تفصيل وتصوير لرواية أخرى اعتمدناها الشاعر في نظم قصة لقاء جابر مع الإمام الباقر عليهالسلام.
أسماؤه وصفاتهُ
ونقل الرواةُ من أسمائهِ |
|
ما يُخجلُ الفرقدَ في سمائهِ |
فهو الأمينُ الشاهدُ الصبورُ |
|
وهو الشبيه الباقرُ الشكورُ |
معتدلُ القامةِ في جمالِ |
|
وأسمرٌ مورّدٌ بخالِ |
له وقارٌ في الورى ورهبه |
|
تضطربُ القلوبُ منه هيبه (١) |
* * *
__________________
(١) لقب الإمام الباقر عليهالسلام بعدّة ألقاب وهي تدل ملامح شخصيته العظيمة وهي : الأمين ، الشاكر ، الشبيه ؛ لأنّه كان يشبه جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله. الصابر ، الشاهد ، الباقر ؛ وهذا من أكثر ألقابه اشتهاراً وانتشاراً ، وقد لقب هو وولده الإمام جعفر الصادق بـ « الباقرين » كما لقب بـ « الصادقين » من باب التغليب ، وكنيته « أبو جعفر » ولا كنية له غيرها.
وقد وصفه معاصروه بأن شمائلهُ كشمائل رسول الله صلىاللهعليهوآله وانّه كان معتدل القامة أسمر اللون ، رقيق البشرة ، له خال ، ضامر الكشح ، حسن الصوت ، مطرق الرأس.
قال عبد الله بن عطاء المكي كما في الارشاد للشيخ المفيد والبحار للمجلسي : ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبي بين يدي معلّمة.
وقال ابن العماد الحنبلي : أبو جعفر محمد الباقر كان من فقهاء أهل المدينة ، وقيل له الباقر لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وتوسع فيه ..
حديث قتادة
فقد روى « قتادةُ » الفقيهُ |
|
العالمُ المفسّرُ الوجيهُ |
قال : جلستُ عند جُلّ الصحبِ |
|
لم يرتعب خوفاً لديهم قلبي |
لكنّما حينَ رأيتُ الباقرا |
|
أصبح قلبي من ضلوعي طائرا |
هيبتُهُ قد ملأَت كياني |
|
فليس مَن يَسمعُ كالعيانِ |
يحملُ علمَ الأرضِ والسماءِ |
|
ونبعُهُ أصفى من الصفاءِ |
مُؤازراً والدَهُ في أمرهِ |
|
لأربعينَ سنةً من عُمرهِ |
يَعجبُ من عبادةِ السجّادِ |
|
مقتدياً بالهَدي والسَدادِ (١) |
* * *
__________________
(١) قال قتادة بن دعامة البصري للإمام الباقر عليهالسلام يوماً كما في كتاب في رحاب أهل البيت عليهمالسلام : لقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام أحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك.
وقال له عبد الله بن معمر الليثي كما في كشف الغمة : ما أحسب صدوركم إلّا منابت أشجار العلم فصار لكم ثمرهُ وللناس ورقهُ.
النص على إمامته
أوصى له السجّادُ بالإمامه |
|
معرّفاً لصحبهِ مقامه |
فهو إمامُ المسلمين بعده |
|
وهو الذي يَنفذُ فيهم عهده |
وصيّة عن النبيّ الأكرمِ |
|
إلى الإمام الباقرِ المعظّمِ |
حتى إذا ما رَحلَ السجّادُ |
|
وانهارَ من أهلِ العبا العمادُ |
قام الإمام باقرُ العلومِ |
|
بدوره الكبير والعظيمِ |
متبعاً سنّةَ من قد رحلا |
|
من سلفٍ كانوا أئمة الملا (١) |
* * *
__________________
(١) إنّ النص من قبل الإمام السجّاد عليهالسلام على إمامة ولده الإمام الباقر عليهالسلام تعتبر في الحقيقة توكيداً للنصوص الثابتة عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في إمامة أهل البيت عليهمالسلام التي تؤكد بطبيعتها على أنّ الإمامة في إثني عشر نقيباً كنقباء بني إسرائيل كلّهم من قريش.
ومن تلك النصوص ، النص الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري وقد جاء فيه : فقال : يا رسول الله ! ومَن الأئمة من ولد علي ابن أبي طالب ؟. قال : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ سيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين ، ثمّ الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر ، فإذا أدركته فأقرئه منّي السلام. كفاية الأثر ١٤٤ ـ ١٤٥.
كما إنّ الإمام زين العابدين عليهالسلام كان يوجه الأنظار دائماً إلى إمامة ابنه الباقر عليهالسلام ويستثمر الفرص والمناسبات لإعلانها أمام أبنائه وخاصته وتلامذته وثقاته من أجلِ أن يعمّق في وجدانهم حقيقة الإمامة المتمثلة بالإمام الباقر باعتباره الشخصية التي تجسد العمق والامتداد في مسيرة أهل البيت عليهمالسلام.