__________________
=
أخبرني ما حال هذه المرأة وبماذا حُلّت له وحُرّمتْ عليه ؟
فقال يحيى بن اكثم : والله لا اهتدي الى جواب هذا السؤال ، ولا اعرف الوجه فيه فأن رايت ان تفيدنا ؟
فقال ابو جعفر عليهالسلام : هذه أمة لرجل من الناس نظراً إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراماً عليه ، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له ، فلما كان عند الظهر اعتقها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له ، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظاهر فحلت له ، فلما كان نصف الليل طلقها طلقة واحدة فحرمت عليه ، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.
فقال المأمون لمن حضر من أهل بيته من العباسيين : هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ، أو يعرف فيما تقدم من السؤال ؟
ومن الجدير بالذكر هنا ان ليحيى بن اكثم عدة مسائل اخرى اجاب عنها الامام الجواد عليهالسلام في قضايا حديثة. الأحتجاج ٢ / ٢٤.
علمه وعطاؤه
ظل الجواد بعدها في طوسِ |
|
يشرق في الظلمة كالشموسِ |
مجادلاً بالحججِ القويه |
|
خصومه العنيدةُ العتيه |
بحجةِ السنةِ والقرآنِ |
|
راح يسوقُ أعظمَ البرهانِ |
حتى غدت اخباره معروفه |
|
تُسمعُ من طوسٍ لأرض الكوفه |
كيف لا وجدّه النبيُّ |
|
محمدٌ والمرتضى عليُ |
عشرةُ أعوامٍ وخمسٍ بقيا |
|
يؤم في طوسٍ جموعَ الاتقيا (١) |
* * *
__________________
(١) تشير المصادر ان الامام الجواد عليهالسلام بقي بعد وفاة ابيه الرضا عليهالسلام ١٧ سنة وانه عليهالسلام عاش اطول فترة من حياته خلال حكم المأمون العباسي ، وانه لم يكن في ضيق من أمره بحيث استغل هذه الفترة لأداء رسالته ، ولا سيما في الجوانب الفكرية والاجتماعية ، وفي خلال تلك الفترة اجتمع علماء شيعته على امامته ، واخذوا منه ، وريت عنه الكثير من الاحاديث في مختلف العلوم والمعارف ، وصارت له جمهرة كبيرة من الطلاب الذين نهلوا من علمه ، حتى نقلت المصادر شيوع علومه واخباره من طوس الى بغداد الى الكوفة ، وحتى المدينة ، حيث كان هناك بل اغلب امصار العالم الاسلامي آنذاك ، وقد وصلت الينا من علومه شذرات ذهبية في مجال علوم القرآن ، والحديث ، والفقه ، والكثير من علوم الكلام ، والنحو .. وغيرها. إضافة الى ما ورد عنه من المحاججات الفاخرة ، وقصار الحكم والمواعظ ، ومراجعة دقيقة لما تضمّه حلقته المباركة من افذاذ الرجال ممن نقل تراجمهم الشيخ الطوسي في « الفهرس » بأسماء تلاميذه تتضح عمق هذه الحلقة وسعة علومها.
اصحاب الامام الجواد عليهالسلام
من صحبه أحمدٌ البرقيُّ |
|
ثمَّ ابو طالب القميُّ |
وبعده صالح الهمداني |
|
والثقةُ المرعوف بالصفوانِ |
ثم عليُّ بن اسباط ومَن |
|
ألّف في علومه من كل فنِ |
والذكرُ من عبد العظيم يُتلى |
|
الى الوجيه حمزةِ بن يَعلى |
ثم ابو يوسفٍ الأنباري |
|
والعُمريُ صاحب الأسرارِ |
وابن شعيب ذلك البغدادي |
|
ومن روى الفقه عن الجوادِ |
والفضل من يوصفُ نيسابوري |
|
والبجلي بائعُ السابوري |
وغيرهم من الرواة الكرما |
|
الفقهاء العارفين العُلما (١) |
__________________
(١) احمد البرقي : أبو جعفر بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي. وقد عدّهُ الشيخ الطوسي في كتاب رجاله تارةً من اصحاب الجواد عليهالسلام واخرى من أصحاب الهادي عليهالسلام ويُعتبر البرقي من أعظم علماء الشيعة ، وثقاة الامامين الجواد والهادي عليهمالسلام وللبرقي أثر خالد ذلك هو كتابه « المحاسن » الذي كان مرجعاً لعلماء التاريخ والجغرافيا والتراجم ، كما كان مرجعاً لعلماء الحديث.
ابو طالب القمي : عبد الله بن الصلت مولى بني تيم اللات ابن تغلبة ثقة ، مسكون الى روايته ، له كتاب روى عن الرضا عليهالسلام ، يعرف له كتاب « التفسير » وهو من اصحاب الجواد عليهالسلام الا ان الشيخ الطوسي ذكره في اصحابه الرضا عليهالسلام.
صالح الهمداني : صالح بن محمد الهمداني من اصحاب الجواد عليهالسلام ثقة إلا ان الشيخ الطوسي ذكره في اصحاب الهادي عليهالسلام.
=
__________________
=
الصهبان : محمد بن عبد الجبار ، وهو ابن أبي الصهبان ، ثقة قمي من اصحاب الجواد عليهالسلام وولده وحفيده العسكري عليهالسلام.
علي بن أسباط : هو علي بن أسباط بن سالم الكندي ، بياع الزطي ، كوفي ، قال الكشي : انه كان فطحياً ، وقال النجاشي : ان كان فطحياً جرى بينهُ وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك ، فرجعوا الى أبي جعفر الثاني الجواد عليهالسلام فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول والرأي ، وقد روى عن الرضا عليهالسلام من قبل ذلك ، وكان ثقة ، أوثق الناس وأصدقهم لهجة ، وله أصل وروايات من كتبه : كتاب الدلائل ، وكتاب التفسير ، وكتاب المزار ، وكتاب نوادر مشهور. رجال النجاشي / ١٩٠.
عبد العظيم : بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام يكنى بابي القاسم ، كان عابداً ورعاً من خواص الامام الجواد ، وصاحب الامام الهادي ، وحفيده العسكري عليهمالسلام ، وقد عدَّ الامام الهادي زيارة قبره كفضل زيارة قبره الحسين عليهالسلام وقبره في الري جنوب طهران ويقصده الناس للزيارة.
حمزة بن يَعلى : الاشعري القمي ، من اصحاب الامام الجواد عليهالسلام روى عن الرضا عليهالسلام وابي جعفر الثاني ، وهو ثقة ، ومن وجوه العلماء الرواة. النجاشي / ١٤١.
ابو يوسف الانباري : يعقوب بن يزيد بن حماد الكاتب ثقة ، صدوق ، روى عن الامام الجواد عليهالسلام وهو من اصحابه ، وكان من اصحاب أبيه قبله.
العمري : عثمان بن سعيد ، يكنى أبا عمرو والسمان ، ويقال له : الزيات الأسدي ، ثقة جليل القدر من أصحاب الجواد عليهالسلام عاصر الامام العسكري عليهالسلام وصار له وكيلاً.
ابن شعيب : نوح بن شعيب البغدادي ، كان فقيهاً ، عالماً ، صالحاً ، مرضياً ، وقد وثقه الطوسي وهو من أصحاب الجواد عليهالسلام.
الفضل النيسابوري : هو ابو محمد الفضل بن شاذان بن الخليل الازدي النيسابوري ، كان ثقة جليلاً فقيهاً ، متكلماً ، ترحم عليه الامام العسكري عليهالسلام هو من اصحاب الجواد عليهالسلام وقد روى عنه كما روى عن أبيه الرضا عليهالسلام من قبل.
البجلي : ابو محمد صفوان بن يحيى
، بياع السابدي ، كوفي ، ثقة ثقة عين ، روى أبوه عن أبي عبد الله عليهالسلام وروى هو عن الرضا عليهالسلام وكانت له عنده منزلة شريفة ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى عليهالسلام وقد توكل للرضا وأبي جعفر ، وكانت له منزلة من الزهد
=
__________________
=
والعبادة ، وكان شريكاً لعبد الله بن جندب ، وعلي بن النعمان ، وروى انهم تعاقدوا في بيت الله الحرام : انه من مات منهم صلى من بقي صلاته ، وصام عنه صومه ، وزكى عنه زكاته ، فماتا وبقي صفوان ، فكان يصلي في يوم مائة وخمسين ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويزكى ثلاث دفعات ، وكل ما يتبرع به نفسه ما عدا ما ذكرناه تبرع عنهما ما مثله.
وقد صنف ثلاثين كتاباً كما ذكر اصحابنا منها : كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الحج ، كتاب الزكاة ، كتاب النكاح ، كتاب الطلاق ، كتاب الفرائض ، كتاب الوصايا ، كتاب الشري والبيع ، كتاب العتق والتدبير ، كتاب النبارات والنوادر ، مات صفوان بن يحيى رحمه الله سنة عشرة ومائتين ، وترحم عليه الامام الجواد عليهالسلام وشهد له بأنه كان من حزب أبائه الكرام وهو حزب الله المفلحون. الحاوي ١ / ٤٤٠.
هؤلاء وبعض الفقهاء والرواة من اصحاب الامام الجواد عليهالسلام الذين حملوا تراث مدرسة اهل البيت عليهمالسلام وأوصلوه الى الاجيال بأمانه وصدق رغم المعاناة والمحن.
ونضيف اليهم اخرين بعض الرواة الثقاة معتمدين في ذلك على كتاب أعلام الهداية الجزء الخاص بالامام الجواد عليهالسلام وهم :
الحسين بن سعيد الاهوازي : ابن حماد الاهوازي ثقة ، روى عن الامام الرضا عليهالسلام وأبي جعفر الجواد عليهالسلام وأبي الحسن الثالث وهو الامام الهادي عليهالسلام.
أخوه الحسين بن سعيد الاهوازي : من اصحاب الامام الرضا عليهالسلام والامام الجواد عليهالسلام يقول الشيخ الطوسي عن الحسين الاهوازي : ثقة ، أصله من الكوفة ، وانتقل مع أخيه الحسن رحمه الله الى الاهواز ، ثم تحول الى قم ، وتوفي بقم ، له ثلاثون كتاباً.
محمد بن اسماعيل : ابن بزيع ، عدّهُ الشيخ الطوسي من اصحاب الامام الرضا والامام الجواد عليهمالسلام ، وكان من خيار اصحاب الائمة في ورعه وتقواه حتى قال عنه الامام الرضا عليهالسلام عندما ذكر عنده عليهالسلام : « وددتُ آن فيكم مثله » ولمحمد بن اسماعيل علاقة خاصة ومتميزة بالامام الجواد عليهالسلام وقد روى عنه بعض الاحاديث المتعلقة باحكام الشريعة ، ومن الظريف انه سأل الامام يوماً ان يآمر له بقميص من قمصه ليجعلهُ كفناً ، فبعث اليه الامام عليهالسلام بذلك وهذا يدل على اتصاليه الوثيق بالامام وعمق صلته الروحية به.
علي بن مهزيار : كان مسيحياً
فهداه الله الى الايمان بالاسلام فأسلم ، واخلص وهو من
=
__________________
=
ابرز أصحاب الامام الجواد عليهالسلام ومن مشاهير علماء عصره فضلاً وتقوى ، وقد أجمع المترجمون له بالوثاقة في الرواية ، فقد قال النجاشي : كان ثقة في روايته لا يطعن عليه كما له مجموعة من المؤلفات تدل على سعة علمه ومصارفه ومن بينها ؛ كتاب الوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والطلاق ، والحدود ، والتفسير ، وكتاب البشارات ، ورسائل علي بن أسباط.
وهذه المؤلفات المتنوعة في مجالات الفقه ، والعقيدة والتفسير ، والاخلاق ، تشهد على انه من كبار الفقهاء في الاسلام.
ابراهيم بن آبي محمود الخراساني : من تقاة الرواة عن الامام الجواد عليهالسلام كما ذكر الكشي في رجاله ، وقد روى عن الامام موسى الكاظم عليهالسلام وعلي بن أبي موسى الرضا عليهالسلام.
ابراهيم بن محمد الهمداني : من الرجال الاجلاء والتقاة ، وقد روى عن الامام الجواد ، وأبيه الرضا ، وولده الهادي عليهمالسلام.
احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الكوفي : كان جليل القدر عظيم المنزلة عند الامام الجواد عليهالسلام وأبيه الرضا عليهالسلام.
أحمد بن معافي : من أصحاب الامام الجواد عليهالسلام.
جعفر بن محمد بن يونس الآحول : من اصحاب الجواد وأبيه وجده عليهمالسلام.
الحسين بن بشار الدياني : من اصحاب الجواد وابيه وجده عليهمالسلام.
الحكم بن علياء الاسدي : من اصحاب الجواد عليهالسلام.
داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليهالسلام : يكنى أبا هاشم الجعفري ، من أهل بغداد ، جليل القدر ، عظيم المنزلة عند الائمة عليهالسلام صاحب الامام الجواد عليهالسلام روى عنه كما روى عن ولده الهادي وحفيده العسكري.
عبد الجبار بن مبارك النهاوندي : من اصحاب الجواد وأبيه عليهالسلام.
علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهالسلام : كان شديد الورع ، كثير الفضل ، جليل ، القدر روى كثيراً عن الائمة عليهمالسلام كان صاحب للامام الجواد عليهالسلام ، ومن قبله للامام الصادق والكاظم والرضا عليهمالسلام.
علي بن بلال البغدادي : من أصحاب الجواد عليهالسلام فحسب.
ابو علي محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الاشعري : شيخ المقيميين روى عن
=
__________________
=
الامام الجواد عليهالسلام وسمع من الامام الرضا عليهالسلام.
ابو يوسف يعقوب بن اسحاق السكيت : كان عالماً باللغة ، من خواص اصحاب الامام الجواد عليهالسلام ومقرباً لديه ، وكان مقدماً عند الامام الهادي عليهالسلام قتلهُ المتوكل العباسي لصلابة ايمانه وتشيعه لأهل البيت عليهمالسلام.
ابو الحصين بن الحضيني : من اصحاب الجواد عليهالسلام وولده الهادي عليهالسلام.
نكتفي بهذه الثلة الصادقة من تقاة الامام الجواد عليهالسلام وقد أحصى الشيخ العطاردي صاحب مسند الامام الجواد مائة وواحداً وعشرين رواياً من رواة أحاديث الامام الجواد عليهالسلام بمن فيهم أصحابه ووكلاؤه وخواصه الذين يمثلون جماعة صالحة من كبار الفقهاء ووجهاء العلماء والادباء.
بينما أحصى السيد محمد كاظم القزويني في كتابه الامام الجواد من المهد الى اللحد ، مائة وخمسة وسبعين شخصاً من الرجال والنساء من اصحاب الامام الجواد عليهالسلام.
راجع أعلام الهدى قسم / الامام الجواد عليهالسلام.
خلافة المعتصم
حتى قضى المأمون في همومِ |
|
عند « البدندون » باقصى الرومِ |
ودفنُه قد تمَّ في طرطوسي |
|
يحمل أياماً على الرؤوسِ |
فقام بعده أخوهُ المعتصم |
|
وهو لعمري مستبدٌ منتقم |
ليس له علم ولا شجاعه |
|
ولا حفات القائدِ المطاعه |
كان شغوفاً همه الغلمانُ |
|
والعزف والغناءُ والقيانُ |
يثيرُ فتنةً وراءَ فتنه |
|
فأدخل الأُمةَ أي محنه (١) |
__________________
(١) ذكر السيوطي : فقد مرض المأمون بالروم ، فلما أشتد مرضه طلب ابنه العباس ليقدم عليه وهو يظن انه لا يدركه ، فأتاه وهو مجهود ، ولكن نفذت الكتب الى البلدان بتولية أخيه « ابو اسحاق المعتصم » بالخلافة من بعده ، وقيل ان ذلك وقع بامره ، وقيل بل كتبوا ذلك وقت غشيانه ، ثم مات المأمون يوم الخميس ١٨ رجب سنة ٢١٨ هـ بمنطقة بدندون في اقصى الروم ونقل الى « طرطوس » ودفن بها. تاريخ الخلفاء / ٣١٢ ـ ٣١٣.
ونقل المسعودي : نزل المأمون على عين ماء في « بدندون » بأقصى الروم ، وسرعان ما اخذته رعدة بسبب نضوح الماء عليه ، ولما علم دنو اجله اخذ يصيح : يا من لا يزول ملكه أرحم من زال ملكه. مزوج الذهب ٤ / ٣٣.
وفي ذلك قال الثعالبي : لا يعرف اب وابن من الخلفاء ابعد قبراً من هارون والمأمون ، حيث دفن هارون في طوس ، ودفن المأمون في طرطوس. لطائف المعارف / ١٤٥.
وفي ذلك أنشد ابو سعيد المخزومي :
هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون |
|
او عن ملكه المأسوسِ |
خلّفوه بعرصتي طرطوس |
|
مثل ما خلّفوا اباه بطوسِ |
=
__________________
=
بعد وفاة المأمون نال الخلافة اخوه ابو اسحاق المعتصم محمد بن هارون الذي ولد سنة ١٨٠ هـ وأمه أم ولد ، تركية ، اسمها ماردة ، وكانت حظية عند هارون.
وقد عرف المعتصم بالجهل ، وسوء الاخلاق ، وبسمات اخرى نذكر منها ما ورد في كتب التاريخ كما في السطور التالية :
ـ كان عرياً عن العلم والمعرفة ، وكانت كتابته ضعيفة ، بل قيل كان أمياً ، ولكنه كان ذا همّة وشجاعة. وقد عرف بالقسوة وشدة الغضب ، وكان أشد الناس بطشاً ، وعرف بالتبذير والاسراف في الطعام. السيوطي / ٣٣٤.
ـ كان معروفاً بالدلع في حب الغلمان ، وكان له غلام تركي إسمه « عجيب ».
ـ شهد عصره فتنة « خلق القرآن » جرياً على عادة أبيه المأمون أنه قتل لأجل ذلك خلقاً كثيراً من العلماء ، وضرب الامام أحمد بن حنبل لأجل ذلك. المصدر السابق
ـ أول من أدخل الاتراك في بلاط الخلافة لأنهم أخواله.
ـ اتخذ سامراء عاصمة له بدل بغداد ونقل الاتراك إليها.
ـ أخرج أحمد بن حنبل الذي سجنه أبو المأمون من قبل بخصوص قضية « خلق القرآن » وأعادة عليه القضية ، لكنه لم يقل فضربه ٣٨ سوطاً.
ـ كان له مجلس إنس وطرب وشرب. تتمة تاريخ الخلفاء / ٣٠٨.
ـ تلطخت يداه بالكثير من دماء العلويين وغيرهم ، كما فعل في دلف اندي كان معروفاً بالتصلب في مولاة علي ابن ابي طالب عليهالسلام وكذلك قتل « محمد بن القاسم » الثائر العلوي ، وكذلك إقدامه على سمَّ الامام الجواد عليهالسلام كما فعل ابوه المأمون من قبل من سمَّ الامام الرضا عليهالسلام وكما فعل جده هارون من سمَّ جده الامام الكاظم عليهالسلام.
ـ شهد عصره الكثير من الثورات والاضطرابات ، ولا سيما من العلويين ، وذلك لكثرة الفساد والظلم والاستبداد ، إضافة الى التمايز الطبقي بين الرعية.
وتشير المصادر التاريخية انه قد هلك في نهاية الامر في سامراء بعد ان احتجم ، فأصابته الحمّى ، فمات بعد ان حكم ٨ سنين و ٨ أشهر ، ومن الظريف المناسب ذكره هنا هو أكدت المصادر التاريخية على ان المعتصم كان ثامن خلفاء بني العباس ، وثامن أولاد العباس ، وقد انجب ثمانية أولاد ، وثمان بنات ، ولهذا يعرف بصاحب الثمانية.
الثورات على المعتصم
قد كثرت في عهده الثوراتُ |
|
ونسيت في بيتهِ الآياتُ |
فالطالقان ثار فيها العلوي |
|
محمد بن القاسم الفذ القوي |
وثورة الزط بارض البصره |
|
عارمة ويا لها من ثوره |
وبابكٌ قد ثار وهو الخرّمي |
|
وثورة « المبرقعِ » المكرّمِ |
وجاءت الرومُ الى « زبطره » |
|
وغيرها من البلاد كثره |
واضطرب الاقليم والاقليمُ |
|
وليس من خليفةٍ يقومُ (١) |
__________________
(١) تطرقنا فيما سبق الى جملة من سمات عصر المعتصم العباسي ، وأشرنا الى جملة من المفاسد التي عمت المجتمع آنذاك ، كل تلك العوامل وغيرها ادخلت خلافة المعتصم في الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية ، حيث قامت الثورات ، وشاع التمرد على السلطة ، وكثر الطامعون في غزو الخلافة الاسلامية ، وهذه ابرز الثورات التي وقعت آنذاك :
ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين عليهالسلام : وأمه صفية بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين عليهالسلام وقد خرج اولاً في الكوفة ، ثم تنقل بين خراسان ومرو ، ثم انتقل الى الطالقان وقد عرض الخلافة انذاك الى حروب ووقائع كثيرة حتى أُسرع بخديعة ، وقد أختلف في قتله فمن يقول انه قتل سمّاً في حبسه ، ومنهم من يقول انه هرب من حبسه واختفت اخباره ، ومنهم من يقول انه امتدت ايامه حتى خلافة المتوكل العباسي حيث مات في حبسه.
وقد وصفه المؤرخون بانه من اهل العبادة ، والزهد ، والورع ، ومن اهل العلم والفقه ، وكان ملازماً لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله حسن السيرة ، وللطائفة الزيدية فيه اعتقاد في إمامته.
مقاتل الطابيين / ٣٧٦.
ثورة الزط في البصرة : وهم جماعة غلبوا على طريق البصرة وعاتوا فساداً واخلفوا السبيل ، وكان يقودهم رجل اسمه محمد بن عثمان ، ولهم مع المعتصم وقائده عجيف وقائع طويلة حتى سقطوا في الاسر ، ثم نقلوا الى خانقين ، فأغارت عليهم الروم ولم يفلت.
=
__________________
=
ووثب الزط بالبطائح بين البصرة وواسط فقطعوا الطريق فوجه اليهم المعتصم قائده احمد بن سعيد لكنه هزم ثم أرسل اليهم قائده عجيف سنة ٢١٩ هـ فطلبوا الامان وساروا على حكم المعتصم ، ثم ادخلهم بغداد وبعد ذلك اسكنهم خانقي. تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٢.
ثورة بابك الخرّمي : وفي سنة ٢٢١ هـ خرج بابك الخرمي بعد ان جمع جيشاً كبيراً ، وكان طامعاً في انتزاع الخلافة من المعتصم ، فأرسل إليه المعتصم جيشاً بقيادة الافشين « حيدر بن كاوس » لمحاربته ، وجرت بينهما معارك شديدة انتهت بهزيمة بابك بعد ان امسكوه في بلاد ارمينية ، ثم حمله الافشين الى سامراء مع اخيه عبد الله وهما يركبان فيلين ويرتديان زينة مذهبة ، ثم غدر به المعتصم وقطع اعضائه وقتله شر قتلة ، وإما اخوه عبد الله فبعثوا به الى بغداد ليفعل به ما فُعل ببابك من قبل ، وكان بابك إسمه الحسين ، وللشعراء فيه اقوال حسنة. تتمة اخبار الخلفاء للقمي / ٣٠٦.
ثورة المبرقع في فلسطين : وفي سنة ٢٢٧ هـ خالف على المعتصم ابو حرب المبرقع اليماني في فلسطين ، والمبرقع صفة وليست لقباً له لانه البس وجه برقعاً ، وكان سبب خروجه أن بعض جند المعتصم اراد دخول داره في غيابه فمنعته احدى نسائه فضربها الجندي بسوط ولما رجع ابو حرب المبرقع أخبرته زوجته بذلك ، فامتشق سيفه وقتل الجندي ثم هرب بعد ان تبرقع وتحصّن في بعض جبال الاردن ، حتى استجاب للثورة معه جماعة من الفلاحين في تلك المنطقة ، وسرعان ما توسع جيشه ليشمل رؤساء من اهل اليمن ودمشق حتى وصلت اخباره الى المعتصم ، وهو مريض فارسل اليه جيشاً بقيادة رجاء بن ايوب في زهاء الف رجل وقيل مائة الف رجل ، فلما راى كثرة جيش المبرقع رجع ولم يحاربه حتى تركه الى انصراف غالبية من كان معه من الفلاحين للحصاد ولأمور الزراعة ، وبقي المبرقع في زهاء الف رجل حينئذ هلك المعتصم وتولى الواثق أمره فيما بعد ، ثم أُسر في زمن الواثق.
سيطرة الروم على زبطرة : لما ضيّق الافشين قائد جيش المعتصم على بابك الخرمي المذكور سابقاً كتب بابك الى ملك الروم « توفيل » يستحثه على المسلمين ، ويؤكد له ان جيش المعتصم قليل ، حينئذ تحرك ملك الروم سنة ٢٢٣ هـ واحتلّ مدينة زبطرة ، وقتل وأسّر وسبى النساء وفعل الافاعيل ، وسرعان ما غضب المعتصم ووجّه له جيشاً حتى احتل اعظم مدن الروم وهي عمورية بعد حصار شديد ، ثم اسّر حتى احتل مدينة عظيمة ايضاً في الروم هي باطس ، واحدث هناك مجازر من قتل وحرق وسبي.
دور الاتراك
قد حازت المعتصمَ الاتراكُ |
|
فجيشهم وجمعهم فتّاكُ |
أخوالهُ ومن بهم تقوّى |
|
بغير رحمةٍ وغير تقوى |
قد أغدق الأموالَ والضياعا |
|
عليهم وأرخص المتاعا |
مما آثار من خفيظة العربُ |
|
وكثرت في أرض بغداد الكُربُ (١) |
__________________
(١) لعلَّ من أخس أعمال المعتصم العباسي هو الميل الى أخواله الاتراك وجلبهم الى بغداد وتسليطهم على العرب والفرس ، حتى عاثوا هناك فساداً ، وقد بلغ عدد الاتراك في زمانه سبعين الف ، وتؤكد مصادر التاريخ انه قد صرف عليهم من الاموال الضياع وان تكوين جيش منهم أضاع الشيء الكثير من خزانة الدولة ، ممّا أثر آنذاك على الوضع الاقتصادي للدولة نتيجة هذا التبذير.
في سنة ٢٢٠ هـ تحول المعتصم من بغداد حيث بنى سامراء ، وذلك لانه إعتنى بأقتناء الاتراك ، حيث بعث الى سمرقند وبعض النواحي في شرائهم ، وبذل فيهم الاموال وألبسهم مناطق الذهب ، فكانوا يطردون خيله في بغداد ويؤذون الناس الى ان ضاقت بهم البلد ، وشكى الناس ذلك الى المعتصم وهدّدوه باللجوء الى الله سبحانه بالدعاء عليه فكان ذلك سبب بنائه سامراء وتحوّله اليها. تاريخ الخلفاء / ٣٣٥.
وبلغت غلمانه من الاتراك بضعة عشر الف ، وكان يتشبّه بهم في مشيه. نفس المصدر.
وكان شاعر اهل البيت عليهمالسلام دعبل الخزاعي قد هجاه لاجل ذلك ولما خاف بطشه هرب الى مصر اولاً ثم الى المغرب ، ومما هجاه به :
ملوك بني العباس في الكتب سبعة |
|
ولم تأتنا في ثامن منهم الكتبُ |
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة |
|
غداة ثووا فيها وثامنهم كلبُ |
=
__________________
=
وإني لأرفع كلبهم عنك رغبةً |
|
لأنك ذو ذنبٍ وليس له ذنبُ |
قد ضاع امر الناس حيث يسوسهم |
|
وصيف واشناس وقد عظم الخطبُ |
وهمّك تركي عليه مهانة |
|
فأنت له أم وانت له أبُ |
وهنا يشير دعبل في « وصيف واشناس » الى اثنين من الاتراك جلبهم المعتصم وقد استبدا بأمر الخلافة دونه ، كذلك يشير في البيت الاخير الى غلام تركي إسمه « عجيب » ولع به المعتصم كثيرا.
ومن الجدير ذكره هنا ان الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهالسلام قد ذكر في مغيباته المعتصم العباسي فيمن يتولى الخلافة في بغداد بقوله عليهالسلام : وثامنهم كلبهم.
تتمة أخبار الخلفاء / ٣٠١.
محنة الجواد عليهالسلام
وخشي المعتصمُ الجوادا |
|
فوجه الاضغانَ والاحقادا |
واستقدم الامامَ للعراقِ |
|
مبيتاً للحقدِ والنفاقِ |
اسكنه بغدادَ كي يراقبه |
|
وكي يَبثَ خلفهُ عقاربه |
فحط في بغداد كالأسيرِ |
|
بهمه وصبرهِ الكبيرِ |
وظل تسعةً من الشهورِ |
|
قاسى بها فضائعَ الامورِ (١) |
* * *
__________________
(١) تشير المصادر التاريخية ان الامام الجواد عليهالسلام عاد من خراسان الى المدينة مع زوجته بنت المأمون ، وهناك عمل الامام على بث الوعي الديني والافكار العلوية وكوّن قاعدة شعبية واسعة له ، حينئذ شعر المعتصم العباسي ان نشاط الامام الجواد عليهالسلام يهدد ملكه لذا قرر استدعائه الى بغداد ليكون على مقربة منه لكي يحصي عليه انفاسه ويراقب حركاته.
وبهذا الصدد يقول الطبرسي : لمّا انصرف ابو جعفر الجواد عليهالسلام من عند المأمون ومعه بنت المأمون زوجته الى المدينة ، فلم يزل بها حتى اشخصه المعتصم الى بغداد أواخر محرم سنة ٢٢٠ هـ فأقام بها حتى استشهاده. اعلام الورى ٢ / ١٠٥.
وهكذا بقي الامام عليهالسلام يعاني الضيق وشدة المراقبة قرابة تسعة أشهر من أوائل صفر حتى إستشهاده في أواخر ذي القعدة عام ٢٢٠ هـ.
شهادته عليهالسلام
حتى قضى بالسم في بغدادِ |
|
من بعد ان أوصى الامام الهادي |
وصيةً بالعهدِ والامامه |
|
وبعد أن عرّفه مقامه |
فكفنوه عند دار الواثقِ |
|
وهو لعمري الصادق بن الصادقِ |
وحمّل الجثمان للمقابرِ |
|
ما بين محزون وبين حائرِ |
فكان يوماً لم تكن بغدادُ |
|
تشهدُ مثله ولا البلادُ |
تزاحمَ الآلاف في التشييعِ |
|
واصطخبت مواكبُ الدموعِ (١) |
__________________
(١) أشرنا فيما سبق الى ان السمّ هو الوسيلة الناجحة التي يلجأ إليها الطغاة وولاة السوء للتخلص من خصومهم ، وهذا هو ديدن الأئمة المعصومين عليهمالسلام إبتداءً من الامام الحسن المجتبى عليهالسلام من طغاة أزمنتهم ، وهكذا حال امامنا الجواد عليهالسلام الذي لاقى ربه شهيداً مسموماً على يد المعتصم العباسي وقد أقر بذلك جمهور ارباب السير والتاريخ.
وهذا ملخّص الامر كما أكّدته المصادر التي دونت سيرته عليهالسلام :
لمّا أُشخص الامام الجواد عليهالسلام الى
العراق أخذ المعتصم العباسي وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون الحيلة في قتله ، فقال جعفر لأخته أم الفضل زوجة الامام الجواد عليهالسلام
وكانت أخته لأمه وأبيه في ذلك لأنه ـ جعفر ـ عرف انحرافها عن الجواد وغيرتها عليه لتفضيله
ـ أم ابي الحسن الهادي ـ عليها ، ولانها لم ترزق منه بولد فأجابت أخاها على
المؤامرة وجعلوا للإمام عليهالسلام سمّاً في شيء من العنب الرازقي وكان عليهالسلام يعجبه فلما أكل منه ندمت
=
__________________
=
زوجته أم الفضل على فعلها وجعلت تبكي ، فلما سألها عن السبب أخبرته بالامر فقال لها الامام عليهالسلام : سألتُ الله تعالى أن يبتليك بفقرٍ لا ينجبر وبلاء لا ينستر.
وسرعان ما بليت بعلّة في جسمها بحيث انفقت جميع ما تملك لزوال تلك العلة حتى احتاجت لمعونة الناس ، وأما أخوها جعفر الذي اشترك معها في هذا الامر فقد ذكر الرواة انه سقط في بئر وهو سكران ولما اخرجوه وجدوه ميتاً ، وهكذا صدقت نبوءة الامام عليهالسلام واستجاب الله سبحانه دعائه فيما أراد.
ولما سرى السم في جسد الامام عليهالسلام وشعر بدنوّ أجله نصّ أمام أعيان شيعته على إمامة ولده الامام أبي الحسن علي الهادي عليهالسلام وأوصى إليه بالمواريث والسلاح ومضى الى ربه شهيداً مسموماً في سنة ٢٢٠ هـ وعمره آنذاك ٢٥ سنة ودفن في بغداد في تربة جده موسى بن جعفر عليهالسلام.
منتهى الآمال ٢ / ٥٦٤ ، أثبات الوصية للمسعودي / ٢١٩ ، المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ٤٣٥ ، تاريخ العلويين / ١٧٤.
إن خروج اللالاف من شيعة أهل البيت عليهمالسلام الذين خرجوا في تشييع الامام الجواد عليهالسلام يدلُّ على اتساع مدرسة أهل البيت عليهمالسلام في زمان الامام الجواد عليهالسلام والجهد الذي بذله في إنتشاء هذه المدرسة وكثرة إتباعها.
رحل الامام الجواد عليهالسلام وقد ترك من الاولاد اربعة ، وهؤلاء الاولاد هم :
١. الامام علي الهادي عليهالسلام ٢. ابو احمد موسى المبرقع ، وللأثنين عقب ٣. ابو احمد الحسين ٤. ابو موسى عمران. وكذلك له اربعة بنات هنَّ :
١. فاطمة ٢. خديجة ٣. ام كلثوم ٤. حكيمة.
وقيل له كذلك : زينب ، ام محمد ، ميمونة لكن الشيخ المفيد يقول :
وخلّف من بعده من الولد : علياً ابنه الامام ، وموسى المبرقع ، ومن البنات : فاطمة ، امامة ، ولم يخلّف ذكراً غير ما سمّيناه ، وأيّد ذلك الطبرسي في « إعلام الورى » والعاملي في « اعيان الشيعة ». الارشاد / ٣٢٧.
مرقدهُ ومشهدهُ
وصار قبره بجنب الكاظمِ |
|
علامة تضيء بالمكارمِ |
وقبةً مصوغة بالذهبِ |
|
شبيهة لقبةٍ بيثربِ |
بالطهرِ والرهبةِ والخشوعِ |
|
صارت محطَ الخيرِ للجموعِ |
فيها تجاب دعوةُ المضطرِ |
|
اذا دعا في علنٍ وسرِ |
تزهو بها بغداد في الأزمانِ |
|
مفعمة باكمل المعاني |
راح عليها يُقرأُ السلام |
|
ما مرت الايامُ والاعوام (١) |
__________________
(١) وهكذا هوى من سماء الامامة كوكب ساطع ليحلّ مدفوناً الى جوار جدّه موسى بن جعفر عليهالسلام حيث تسطع أنوار الذهب في قبّتين لامعتين صارت فيما بعد محطاً لبكاء الضارعين ، حيث تجاب الدعوات ، وتنزل البركات ، وتكاد أرض بغداد تشمخ بها فخراً وعزّاً أبد الدهور ، وهذه الملايين من مسلمي الشرق والغرب تتقاطر عليها ، حيث تقام الصلوات وتسمع الدعوات ، وهكذا انطوت صفحة نيّرة من صفحات الامامة الخالدة برحيل ابي جعفر الجواد عليهالسلام الى ربه شهيداً مسموماً مظلوماً ، وهو صغير العمر ، بل اصغر الائمة المعصومين سناً ليتولى الامامة من بعده ولده النقي ، التقي الامام علي الهادي عليهالسلام.
وللشعراء العقائديين باع طويل في رثاء الامام الجواد عليهالسلام والثناء عليه وبيان فضائله وفضل مرقده المقدس وما ظهرت هناك من كرامات ومفاخر على مرّ الدهور ، وسنورد هنا بعض ما قالوه :
١ ـ قال علي بن عيسى الاربلي صاحب « كشف الغمّة » :
إمام هدىً له شرف ومجدٌ |
|
أقرّ به الموالي والمعادي |
تصوب يداه بالجدوى فتغني |
|
عن الانواء في السنة الجمادٍ |
بنى في ذروة العلياء مجداً |
|
بعيد الصيت مرتفع العمادٍ |
=
__________________
=
٢ ـ وقال العلامة الشيخ « قاسم محي الدين » :
اذا رمت الشفاعة في المعادِ |
|
فلذ بحمى محمد الجوادِ |
شفيعاً للأنامٍ وخير غوثِ |
|
مغيثاً للورى يوم التنادِ |
به الاملاك قد شرفت وفيه |
|
سمت شأواً على السبع الشداد |
إمام لو دعي المقدور وافى |
|
لنا فذ حكمه سلس القيادِ |
مناقبه الثواقب ليس تحصى |
|
بها أعترف الموالي والمعادي |
بأخمصه رقي أوج المعالي |
|
وطاول عرشها سامي العمادِ |
جوادٌ ما دعي للجود إلا |
|
غدت كفاهُ تهمي كالغوادي |
فلا عجبٌ إذا نعشو إليه |
|
فساطع نوره للخلق هادي |
ومن غير الجواد ابن عليٍّ |
|
شفيع الخلق في يوم المعادِ |
له فضل يفوق الناس فيه |
|
وهل فضلٌ حكى فضل الجوادي |
٣ ـ وقال الاستاذ محمد جواد قسّام النجفي :
وإن أنس لا أنسى الجواد محمداً |
|
أبا جعفر من فيض أنمله بحر |
معاجزه كالنجم لاحت منيرة |
|
فليس لها فكر وليس لها حصر |
أقرً بها الحسّاد بالرغم منهم |
|
فسل عنها يحيى حين حلَّ به الحصر |
لقد أشخصوه عن مدينة جدّه |
|
لبغداد قهراً عندما دُبّر الامر |
ودسّوا له سمّاً على يد زوجةٍ |
|
بها من أبيها كامن ذلك الغدر |
فظلَّ يعاني السمًّ في الدارِ وحده |
|
ثلاثة أيامٍ آما علمت فهرُ |
٤ ـ قال آخر :
لُذ إن دهتك الرزايا |
|
والدهر عيشك نكّد |
بكاظم الغيظ موسى |
|
وبالجواد محمد |
=
__________________
=
٥ ـ وقال آخر :
يا أبا جعفر يا رمز التقى |
|
فيك ارجو الفوز يوم المحشرٍ |
أنتم حصني وأنتم عدّتي |
|
وبكم نيلُ المنى للمهتدي |
٦ ـ وقال آخر :
ما خاب من أمّ جواداً |
|
فهل يخيب من أم جوادين |
فسلام الله على ابي جعفر الجواد وعلى آبائه وأجداده وأبنائه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
والحمد لله رب العالمين.