ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وأذن الله لمن قد ظُلموا

ان يَرفعوا سيوفهم ويقدموا (١)

__________________

(١) وجدت قريش ان امر الاسلام اخذ يتعاظم ، وان الخطر اصبح يتزايد حول وثنيتها ، لا سيما بعد ان وجد الاسلام ، والارض الصالحة والآمنة في يثرب. فاجتمع سراة قريش ورجالها في دار الندوة ، وقرروا قتل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت خطتهم باقتراح من ابي جهل تقضي بأن تنتخب كل قبيلة من قبائل قريش ، رجلاً منها يشترك في اغتيال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يتوزع دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم المطالبة بدمه.

قرر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في ضوء تلك الهجرة الى يثرب ، فلم تعد مكه مكاناً آمناً لرسالته ، فدعا وصيه وابن عمه علي بن ابي طالب عليه‌السلام وطلب منه ان ينام في فراشه ليوهم قريشاً بأنه لا يزال في بيته فلا تسارع في تعقبه ، واستجاب الامام علي بسرعة بقوله : « أو تسلم انت قال : بلى قال : اذن لا ابالي اوقعت على الموت او وقع الموت عليَّ » وكان هذا اعظم مظاهر التضحية والايثار وبات ليلته في فراش الرسول مطمئناً واثقاً ، فأنزل الله تعالى في حقه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) البقرة / ٢٠٧

خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بصحبة ابي بكر ، سراً باتجاه يثرب ، وعند الصباح ، نهض الامام علي من فراش النبي ، وادرك رجال قريش بأنهم غُلبوا ، فسارعوا الى تعقب الرسول ، وخصصوا جائزة سخية لمن ينجح في اعادة الرسول وصاحبه الى مكة.

مكث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ابي بكر في غار جبل ثور على مقربة من مكة ، لمدة ثلاثة ايام وكانت اسماء بنت ابي بكر ، تحمل لهما الطعام ، وبعد انقضاء الايام الثلاثة سار الرسول الى يثرب ، سالكاً طريقاً غير مألوف على ساحل البحر ، وكانت قريش تبحث عنه في الجبال والشعاب في محاولة للقبض عليه ، لكن الله سبحانه شاء ان تخيب مساعي قريش وان يصل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد عناء الهجرة الى يثرب ، حيث كان المسلمون هناك بانتظار قدومه المشرق الذي اشرقت به يثرب ، فسميت فيما بعد بالمدينة المنورة ، واستقبلته المدينة بالنشيد الخالد لبني النجار :

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا

جئت بالامر المطاع

جئت شرفت المدينة

مرحباً يا خير داع

=

٦١
 &



__________________

=

وهكذا تشكل الهجرة في تارخ الدعوة نقطة التحول الكبرى في مسيرة الاسلام ... حتى اصبح تاريخنا الاسلامي يبدأ منها. سيرة ابن هشام ٢ / ١٢٦. تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٩.

اوصى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الامام علي عليه‌السلام ان يوصل الامانات التي كانت بعهدته الى اهلها ، وان يلتحق به في الهجرة الى المدينة ، ويجلب معه ابنته فاطمة الزهراء عليها‌السلام وفاطمة بنت اسد وفاطمة بنت الزبير.

حاولت قريش منع الامام علي من الهجرة ، وطلبت منه اعادة النسوة الى مكة ، لكن الامام رفض ذلك ، وحاول احد رجال قريش منعه بالقوة ، فضربه الامام ضربة قوية اهوت به الى الارض. وتحدى قريش ان تمنعه. فواصل طريقه الى يثرب حتى وصلها بسلام ، حيث كان الرسول ينتظره بفارغ الصبر عند قبا وعندما رآه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على ما اصابه من نصب في طريق هجرته وهكذا بدأت مرحلة جديدة لبناء المجتمع الاسلامي الفريد.

اقدم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على بناء المسجد المركزي في المدينة المنورة ، وكانت هذه الخطوة بمثابة الخطوة الاولى لارساء دعائم الدولة الاسلامية ، فقد صار المسجد مقر العبادة ، والقيادة ، والقضاء ، وادارة الاعمال الاجتماعية ، الى جانب مهمته التعليمية والتوجيهية. حيث كان الرسول يعلم المسلمين فيه القرآن الكريم واحكام الاسلام وشؤون الجهاد والسياسة.

كان الصحابي الجليل بلال الحبشي لا ينطق العربية بشكل صحيح ، فكان يلفظ الشين سيناً ، حيث يقول : « اسهد » بدل اشهد ، ويروي ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بشأنه : « ان سين بلال شين عند الله ».

من الخطوات الاجتماعية الهامة التي اقدم عليها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في بداية عهده بالمدينة ، مؤاخاته بين المهاجرين والانصار ، من اجل ان يصنع المجتمع الاسلامي المترابط المتين في علائقه الاجتماعية. وقد آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا العمل بينه وبين الامام علي بن ابي طالب عليه‌السلام وقال له في هذه المناسبة كما قال في مناسبات اخرى : « انت مني بمنزلة هارون من موسى ، الا انه لا نبي بعدي ، وانت اخي ووارثي ». ينابيع المودة ٥٦ وسيرة ابن هشام ١ / ٥٠٧.

٦٢
 &

معركة بدر

فبئرُ (بدرٍ) كانت البدايه

منطلقاً للفتح والهدايه (١)

اذ أقبلت (قريشُ) في طغيانِ

تريدُ ان تثأرَ للاوثانِ

فكانت المعركةُ العظيمة

والعود بالنصرةِ والغنيمه

(حيدرة) كان فتاها البطلا

كم فارسٍ حولَ (القليب) جدّلا (٢)

تعينهُ ملائكُ السماءِ

في ساعةِ العسرةِ والبلاءِ

فنزلت محكمةُ (الانفالِ)

ترسمُ دربَ النور للاجيالِ

(فبدرُ) كانت منهجَ المسيرِ

لامةٍ تصبو الى التغييرِ

فمُنيتْ (قريشُ) بالهزيمة

حاملةً أحقادها القديمة

__________________

(١) حدثت معركة بدر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، قرب بئر بدر ، بين مكة والمدينة حينما نزل قوله تعالى : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى? نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ... ) الحج / ٣٩.

وقد كان للامداد الالهي لجيش المسلمين ، اثره الكبير في النصر على قريش التي فقدت هيبتها وجبروتها ، وخسرت بعضاً من رجالها وقادتها المعاندين وعلى رأسهم شيبة وعتبة والوليد ، وابو جهل ، وامية بن خلف وغيرهم.

وقد اطلق القرآن الكريم على هذا اليوم يوم الفرقان ، لانه قد حدث الحسم العسكري الكبير لصالح الرسالة ، الاسلامية وقد نزلت سورة الانفال في اثناء المعركة وبعدها.

(٢) كان للامام علي عليه‌السلام الحضور الفاعل والمؤثر في معركة بدر ، حيث قتل نصف عدد قتلى قريش ، وضرب المثل الاعلى في الشجاعة ، والاقدام ، والتضحية من اجل الرسالة والرسول.

٦٣
 &

تاركةً وراءها الاشلاءا

تملأُ من دماءها الصحراءا

وخاطب الرسولُ تلك القتلى

هل كان وعدُ الله فيكم عدلا ؟

اني وجدتُ الوعدَ حقاً حقا

اذ قال لي ربي قولاً صدقا

وقال للاسرى تعالوا علّموا

عشراً من الرجال حتى تسلموا (١)

واندحرت (قريشُ) وهي باكيه

حيث غدت في كلِ بيتٍ ناعيه

* * *



__________________

(١) كان من مظاهر اهتمام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم والمعرفة ان اعلن ان كل اسير من اسرى قريش يطلق من اسره اذا قام بتعليم عشرة من ابناء المسلمين القراءة والكتابة.

وهكذا شكلت معركة بدر الكبرى حداً فاصلاً بين مرحلتين أساسيتين في تاريخ الرسالة ، فقد كانت نقطة تحول شاخصة نقلت الأمة من حالة الضعف الى القوة ، ومن حالة الدعوة الى الدولة ، فاصبح المسلمون بعد هذه المعركة الفاصلة أمةً تحملُ كل خصائص ومميزات الأمة ذات المبدأ الفكري والمسار السياسي.

٦٤
 &

معركة أُحد

ثم تجمّعت بعيدَ عامِ

للثأر من رسالة الاسلامِ

فحشّدت جموعها الغفيرة

تحسبُ هذي الجولةَ الاخيره

فكان ذيّاك اللقا في (أُحدِ)

ما بين جمعٍ جاحدٍ ومهتدِ (١)

اذ أمر الرسولُ بعضَ الصحبِ

ان لا يغادروا مكان الحربِ

في جبلٍ يكمن حوله العدى

خوفاً على اُمته من الردى

__________________

(١) تعد معركة احد ، تجربة هامة وقاسية في مسيرة الرسالة ، فقد تعرض المسلمون لخسارة كبيرة ، وخسروا عدداً من الصحابة الاجلاء امثال حمزة عم الرسول ، ومصعب بن عمير ، وفرّ جماعة من الصحابة من المعركة ، وتركوا الرسول في خطر ، وقد أظهر الامام علي عليه‌السلام شجاعة نادرة وإخلاصاً منقطع النظير للرسول والرسالة ، حيث حال دون وصول المشركين الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومع ثلة قليلة امثال ابي دُجانة الانصاري ، وكان سبب هذا التدهور العسكري عدم التزام جماعة من جيش المسلمين بقرارات الرسول ، واستعجلوا الامور واغرتهم الغنائم ، وكان خالد بن الوليد ، ينتظر مثل هذه اللحظة ، فقام بحركة التفاف على جيش المسلمين من المؤخرة ، وتغيرت كفة الحرب لصالح قريش حتى انه جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشاع في المعركة ان الرسول قد قُتل فنزل قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى? أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى? عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ... ) آل عمران : ١٤٤

وكانت معركة احد درساً قاسياً للمسلمين واختباراً لايمانهم وطاعتهم للرسول والرسالة.

بعد معركة احد توجه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بناء الامة وتعليمها الاحكام والقوانين الاسلامية فشرعت احكام الخمس وغيره من الاحكام الشرعية الفرعية.

٦٥
 &

لكنهم قد خالفوا (النبيّا)

وآثروا الاموالَ والحُليّا

من بعد ان لاح بريقُ النصرِ

واوشكت هزيمةٌ للكفرِ

اذ صال (خالدٌ) على جيشِ الهدى

وصبَّ من احقاده السودِ الردى

فصيحَ فيهم قُتلَ الرسولُ

خديعةً صدّقها المخذولُ

لكنهُ وهو (ابنُ عبد المطلبْ)

صاحَ بهم (انا النبيُّ لا كذِبْ)

وحين فرَّ الصحبُ بانهزامِ

وتُركَ الرسولُ دون حامِ

سوى جماعة من الابطال

قد ثبتوا في موقف الرجالِ

اولُهم (عليٌ) الشجاعُ

ومن به يحتدمُ الصراعُ

وثلّة من افضلِ الاخيارِ

مثلُ (ابي دُجانةِ) الانصاريّ

وجُرح النبيُّ في جبهتِهِ

وسالت الدما على لحيته

واستشهد (الحمزةُ) في سبعينا

من خيرةِ الرجال والبنينا

فاستعبر النبيُّ حزناً وبكى

وهزّ دمعهُ السخينُ الفلكا

حيث دعا الى البكا عليه

فهو عظيمٌ قدرهُ لديه

وكان ذاك اليوم درساً قاسيا

اذ عرفوا مطيعَهم والعاصيا

ورجع الرسولُ للمدينة

يبني أصولَ الدولةِ الرصينه

فشُرع الحلالُ والحرامُ

والخمسُ والزكاةُ والصيامُ

حيث تقوَّت شوكةُ الاسلامِ

واندحرت جحافلُ الظلامِ

وامتد نورُ الله بالهدايه

بسورةٍ محكمةٍ وآيه

وانطلقَ الدعاةُ للآفاقِ

بالرغم من أئمةِ النفاقِ

* * *

٦٦
 &

معركة الخندق

اذ ذاك جاء الخبرُ الاكيدُ

تجمّعت قريشُ واليهودُ

خلفهما الاعرابُ والاحلافُ

والهمجُ الرعاع والاجلافُ

يبغونَ هدمَ معقلِ الرساله

بقتلهم (محمداً) وآله

فكان حفرُ (خندقَ) الامانِ

بفكرةٍ عصماء من (سلمانِ)

عرّفهُ نبيُنا للامه

(سلمانُ منا أهلَ بيتِ الرحمه)

فوقعت معركةُ (الاحزابِ)

مخيفةً لاشجع الاصحابِ

الا علياً ابن (شيبِ الحمد)

مشى (لعمرٍ بن عبدِ ودِّ)

عاجله الضربَ بذي (الفقارِ)

وهو لعمري عيبةُ الاسرارِ

فضربةٌ عند أبي (الحسينِ)

قد عدلت عبادةَ الثقلينِ

فقيل لا سيفَ سوى السيفِ الجليّ

في كفه (ولا فتى الا عليّ)

وكانت اليهودُ في الحصونِ

تؤججُ الاحقادَ بالضغونِ

بنو (قريظةٍ) وآلُ (المصطلق)

الفُ يهوديٍّ على الحقد انغلق

ثمّ استقرت دولةُ الاسلامِ

وثبتت قواعدُ النظامِ

رغم جموع الغيّ والنفاقِ

وزمرة اليهود والشقاقِ

فأصبح الرسولُ في دولتهِ

مطبّقاً ما جاءَ في دعوتهِ

يعلمُ الناسَ هدى القرآنِ

حيث استقامت روعةُ البنيانِ

وحين صار المسلمون قوه

مسلحين بالهدى والدعوه

يحمل بعضُهم هموم بعضِ

جناحُهم من رحمةٍ في خفضِ

٦٧
 &

ورغم ما تحملوا من جوعهم

تلتمع الخشيةُ في دموعهم

هم اروعُ الامثالِ في الصفاتِ

وهم حماةُ الدينِ والآياتِ

وهاجَ فيهم حبُهم للكعبه

فراح بعضُهم يناجي ربه

يقول يا ربِّ اين الفتحُ

وعدتنا متى يجيءُ الصبحُ (١)

__________________

(١) بعد ان اخذت انتصارات المسلمين تتوالى ، شعر اعداء الرسالة بالخطر ، وخططوا للقيام بحرب كبيرة ضد المسلمين ، حيث تحالفت قريش مع بعض القبائل العربية ، ومع اليهود ، وتحركوا نحو المدينة المنورة ، وقد بلغ عدد جيوشهم عشرة آلاف مقاتل.

وقد اقترح الصاحبي الجليل سلمان المحمدي « الفارسي » على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يحفر خندقاً حول المدينة لتحصينها من قوات المشركين واليهود. باشر المسلمون بحفر الخندق ، واستطاعوا ان يحموا المدينة من خطر الاعداء. وكان للامام علي عليه‌السلام دوره في هذه الحرب ، حيث بارز بطل المشركين عمرو بن عبدود العامري وصرعه ، بعدما نكص وتراجع المسلمون عن مبارزته ، وقد صور القرآن الكريم مشهد المسلمين وهم في حالة من الاضطراب والقلق والخوف بقوله : ( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) الاحزاب / ١٠ـ ١١.

كما وصف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله موقف الامام علي عليه‌السلام البطولي بقوله : « لمبارزة علي بن ابي طالب لعمرو بن عبدود يوم الخندق افضل من اعمال امتي الى يوم القيامة » مستدرك الصحيحين ٣ / ٣٢

بعد معركة الخندق تحركت بنو قريضة وبنو المصطلق لمحاربة الاسلام لكن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله احبط خططهم بحكمته ومبادراته الرسالية الفذة حتى اصبح الاسلام قوة دولية يتمتع بكيان سياسي وعسكري في المدينة المنورة.

عندما رأى اليهود محاصرة المشركين يوم الخندق لرسول الله في المدينة ، وظنوا انه مغلوبٌ لا محالة ، تكشفت احقادهم وضغائنهم التي انطوت عليها نفوسهم الخبيثة ، ولو لا ان الله أخزى الاحزاب لتمكن يهود بني قريضة من الفتك بالمسلمين من خلف ظهورهم ، فكان لا بدَّ للنبي أن يحسم موقفهم الخياني بقوة وصلابة ولهذا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمحاصرة اليهود في حصونهم من دون ان يعطي فرصة للراحة أو الاسترخاء ، فأذن المؤذن في الناس أنه : « من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر الا في بني قريضة ». الطبري ٣ / ١٧٩.

=

٦٨
 &



__________________

=

وأعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رايته لعلي عليه‌السلام وتبعه المسلمون مع ما بهم من ألمِ الجراح والجوع ، والسهر ، من أثر محاصرة الاحزاب .. واستولى الهلع والخوف على اليهود حين رأوا الرسول والمسلمين معه يحيطون بهم وأيقنوا أن النبي غير تاركهم حتى يناجزهم بشدة وحسم عن موقفهم الخياني الجبان.

وطلب اليهود أبا لبابة وهو عبدالله بن عبد المنذر يستشيرونه في امرهم ، ولكنه كشف لهم عما كان يعلمه من مصيرهم حين قاموا اليه صغاراً وكباراً يبكون. السيرة النبوية : ٢ / ٢٣٧.

ولم يقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرض بني قريضة وهو الجلاء والارتحال عن المدينة من دون عقوبة تناسب موقفهم الخياني السابق وهو نقض العهد ومحاولة الانقضاض على المسلمين. وأبا إلا النزول على حكم الله ورسوله ، وحاول الأوس التوسط ـ بطلب من اليهود ـ لدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحلِّ ازمتهم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للأوس : « ألا ترضون أن أجعل بيني وبين حلفائكم اليهود رجلاً منكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله فقولوا لهم أن يختاروا من الأوس من شاؤوا. فاختار اليهود سعد بن معاذ. حكماً وكان سعد جريحاً ، فحملوه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأستقبله وقال لمن حوله : قوموا الى سيدكم فقاموا اليه. ثم حكم سعد بقتل الرجال « المقاتلة » وسبي النساء والذراري وتقسيم الاموال على المسلمين. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد حكمت فيهم ـ يا سعد ـ بحكم الله فوق سبع أرقعة » اي سبع سموات. السيرة النبوية ٢ / ٢٣٩

وعلى إثر الانتصارات التي حققها المسلمون في المعارك الحاسمة تحولوا الى قوة كبيرة في الجزيرة ، وهنا بدأ يشدهم الشوق والحنين الى مكة الوطن والبيت الحرام ، وترتسم أمام عيونهم خيوط الأمل بالعودة اليها بعد الهجرة الطويلة. فهم يتطلعون الى اليوم الذي تتحقق فيه احلامهم بفتحها ، باعتبارها القلعة التي بقيت مستعصية على الفتح في طريق مسيرة الدعوة الاسلامية ، وهكذا سارت عجلة الاحداث وبدأت تباشير الفجر تلوح لهم في الأفق القريب ، فها هم يتجمعون ويشدون الحزم ، وينتظرون الإذن في المسير إلى مكة.

٦٩
 &

صلح الحديبية

فقرر النبيُّ أن يحجّا

في موسمٍ رجَّ (الحجاز) رجّا

وقلبهُ يهفو لبيت الله

لأنه أنشودةُ الشفاهِ

فساق (هديهُ) أمام جحفله

مكبراً مسبحاً في أوله

والصحبُ تحدو فيهم الآمالُ

لكعبةٍ يحضنها الجلالُ

قد فارقوها (ستةً) أعواما

تنتظرُ الأزواج واليتامى

فوصلوا لواحةِ (الحديبية)

وكلُهم يرى الوصولَ أُمنيه

لكنهم قد مُنعوا المسيرا

وعاد كل واحدٍ كسيرا

هناك بايعت جموع البرره

نبيّهم تحت ظلالِ الشجره

أن يفتدوه بالنفوسِ والولدْ

فهو القريبُ والحبيبُ والبلدْ

فنزلت آيٌ من الرحمنِ

وسُمّيت (ببيعة الرضوانِ)

وارتبكتْ قريشُ من هذا الخبرْ

فأرسلت وفداً ليردعَ الخطر

يَقدمهم (سهيلٌ بنُ عمروِ)

وهو حكيمٌ عارفٌ بالامر

فكان الاتّفاقُ أن يعودوا

وبعد عامٍ تُرفعُ القيودُ

وعشرةٌ من السنين هدنه

تعلّمَ الأصحابُ فيها السُنّه

أنكر بعضُ الصحب منهم (عمرُ)

بأنهم بالوعدِ لم ينتصروا

فغضبَ النبيُّ ثم وضّحا

بأنّهُ ما جاء حتى يفتحا

٧٠
 &

لكنّهُ طالبهم بالطاعه

أن يذعنوا لموقفِ الجماعه

ورجعت صاحبةُ الرسولِ

يواجهون (ابن أبي سلولِ)

بالوعي والأناةِ والصلابه

قد نهجت طريقَها الصحابه (١)

__________________

(١) في السنة السادسة من الهجرة وفي شهر ذي القعدة ، توجه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في جمع كبير من المهاجرين والانصار وبعض القبائل العربية ، نحو مكة لاداء فريضة الحج. وكانت الخطوة على قدر كبير من الأهمية والخطورة ، فلقد اثار تحرك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خوف المشركين في مكة ، فتحركوا لمواجهته عسكرياً ، بعد ان ظنوا انه يريد مواجهتهم عسكرياً.

لكن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله سلك طريقاً آخر ، واستقر في وادي الحديبية ، وأعلن انه لا يريد قتال قريش ، إنما جاء لزيارة البيت الحرام فبعثت قريش وفداً منها للتفاوض معه ، وبعد المفاوضات تمَّ توقيع معاهدة صلح عرفت بـ « صلح الحديبية » كان من أهم بنودها ، أن تتخلى قريش عن إيذاء المسلمين في مكة ، ولا تتعرض لهم بأذى وتكون الهدنة لعشر سنوات. تاريخ الطبري ٢ / ٢١٨ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٤.

وقبل عقد معاهدة الصلح بايع المسلمون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على نصرته والقتال تحت رايته وقد سميت هذه البيعة بيعة الرضوان وفيها أنزل الله تعالى : ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... ) الفتح / ١٨.

وسهيل بن عمرو ، هو مبعوث قريش في التفاوض مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد وقع المعاهدة ممثلاً عن قريش.

وكانت بنود المعاهدة تنص على ان يعود المسلمون إلى المدينة فلا يحجوا في هذا العام ، إنما يأتوا العام التالي للحج ، وقد إعترض بعض الصحابة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الاتفاق ، منهم عمر بن الخطاب ، لكن الأيام أثبتت أن هذه الوثيقة حققت مكاسب كبيرة للرسالة ، فلقد دخل الاسلام على إثرها عدد من الناس يفوق ما حدث في السنوات التي سبقت توقيع المعاهدة. وقد وصف الصاحبي البراء بن عازب ، ان فتح مكة كان يوم بيعة الرضوان. الطبرسي ـ مجمع البيان : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ).

وعبد الله بن أبي سلول ، رأس المنافقين في المدينة ، كان له دور خبيث في محاربة الرسالة ، وتثبيط عزائم المسلمين ، والغريب أن بعض المسلمين يعتبر هذا المنافق صحابياً ، على أساس أن الصحابي كل من رأى الرسول. وهم بذلك يلتمسون له العذر ولا يطعنون بإسلامه الكاذب وسلوكه المعادي للرسول والرسالة.

٧١
 &

معركة خيبر

لكنما (اليهودُ) ظلت حاقده

مغرورةً بجهلها معانده

حاصرها النبي عند (خيبرِ)

في يوم عودةِ الحبيبِ (جعفرِ)

قال : غداً اني سأعطي (الرايه)

الى فتىً يُعرفُ بالهداية

يكرُّ دائماً ولا يفرُّ

في سيفه دوماً يلوحُ النصرُ

وهو يحبُّ الله والرسولا

بحيث اضحى لهما خليلا

فسلّم (اللواءَ) للامامِ

مقتحماً معاقلَ الظلام

مقتلعاً بوابة الحقد الغبيِّ

ومردياً بسيفه (لمرحبِ)

وقد تهاوت بعدهُ القلاعُ

وانهزمت اذ ذاك (قينقاعُ) (١)

* * *

__________________

(١) كانت خيبر منطقة منيعة تقع على قمة جبل ، وفيها عدد كبير من المقاتلين اليهود ، وكان يهود خيبر يتبجحون بحصونهم وقوتهم ، قرر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله غزو هذا الموقع المعادي للرسالة والذي يثير الشغب ضد المسلمين.

بعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ابا بكر لفتح ثغرة في حصون خيبر ، فلم يتمكن من ذلك وعاد الى الرسول معتذراً عن القيام بالمهمة ، ثم ارسل الرسول ، عمر بن الخطاب للمهمة نفسها ، فعاد كما عاد ابو بكر معتذراً عن النجاح في مهمته فقرر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اعطاء الراية الى الامام علي عليه‌السلام حينما قال قولته الشهيرة « لاعطينّ الراية غداً رجلاً يحبُ الله ورسوله ويحبهُ الله ورسولهُ كرّاراً غير فرّار » ففتح الله على يديه حصون خيبر بعدما قتل قائدهم « مرحباً » وحقق النصر المؤزر للمسلمين. وفي ذلك يقول ابن ابي الحديد المعتزلي :

يا قالع الباب التي عن هزهِ

عجزت اكفٌّ اربعون واربع

سيرة ابن هشام ومغازي الواقدي ٢ / ٦٣٧.

٧٢
 &

معركة مؤتة

وبعدها أرسلَ جيشاً آخرا

قدم (زيداً) عندهُ (وجعفرا)

(وابنَ رواحةٍ) لغزو الرومِ

وهم ألدُّ زمرة الخصومِ

فنزل الجيش على (معّانِ)

مفكراً بكثرة (الرومانِ)

فأمر الرسولُ بالقتالِ

فثبتَ الرجالُ كالجبالِ

حيث هوى (زيدُ) الشجاع القسورُ

وبعده استشهدَ فيهم (جعفرُ)

(وابنُ رواحةٍ) شهيداً قد مضى

وفي جيوش الروم قد حل القضا

وفي المدينة النبيّ ينظرُ

لما جرى عليهم ويُخبرُ

وانحاز بالراية بعدُ (خالدُ)

والكلُّ في صبرٍ غدا يجالدُ

وبعدها عادوا مع الجراحِ

ينتظرون وثبةَ (البطاحِ) (١)

* * *

__________________

(١) في شهر جمادي الثانية من السنة الثامنة للهجرة تحشدت الروم وحلفاؤها من اليهود وفلول المشركين. فقرر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله غزو الروم ، وهم الدولة الكبرى في تلك الفترة ، وقد عين الرسول على رأس الجيش زيد بن حارثة ، ثم من بعده جعفر بن ابي طالب ، ثم من بعده عبد الله بن ابي رواحة. وقيل كانت الراية بيد جعفر.

دارت معركة ضارية بين الرومان الذين بلغ عدد قواتهم مائتي الف مقاتل ، في حين كان جيش المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل. وفي منطقة « معان » تدارس المسلمون الموقف العسكري ، وقرروا مواصلة القتال رغم الفارق العددي الكبير ، فلقد كان الغرض هو تحدي الدولة الكبيرة ، كمقدمة لتثبيت موقع الدولة الاسلامية ، وحدثت المعركة واستشهد القادة الثلاثة. بعد ان وقفوا في ارض المعركة وقفة البطولة الرسالية الخالدة ، ثم تراجع خالد بن الوليد ببقية الجيش ، ومن الجدير بالذكر ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب في المدينة ويحدث الناس عن المعركة وتفاصيلها. الواقدي ، وابن الاثير ، والطبري ، احداث غزوة مؤتة.

٧٣
 &

رسائل النبي الى الملوك

وارسل الرسولَ بالمرسومِ

لعرشِ فارسٍ وعرشِ الرومِ

ومرسلٌ ايضاً الى النجاشي

رسالةً تحملُ للاحباشِ

ثم كتابه الى (المقوّقسِ)

و (حارثٌ) كان ببيت المقدسِ

ثم كتاب (المنذر بن ساوا)

بـ (جيفرٍ) كتابه تساوى

وارسل الدعاة لليمامه

لهوذةٍ يعطونهُ علامه

بأن دين الله سوف يظهرُ

وفي البقاع كلها ينتشرُ

وخاطب النبيُّ كلَ واحدِ

منهم بلهجةِ الرسولِ القائدِ

ان اسلموا لدعوتي سريعاً

او ترفضوا فتأثموا جميعا

وذاك دأبُ الدعوة المكرّمه

ان تنشرَ الاسلام عبر الكلمه

والكلُّ قد اصغى ولكن (كسرى)

قد مزّق الكتاب منه كفرا (١)

* * *

__________________

(١) في السنة السادسة من الهجرة ، ارسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كتبه الى ملوك ورؤساء الدول الكبيرة آنذاك ، وهي دولة فارس والروم والاسكندرية والحبشة وغيرها وكان موقف كسرى هو الموقف المعاند من بين بقية الملوك. حيث مزق كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جهلاً منه وكفراً. اليعقوبي ٢ / ٧٧ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٢٩.

٧٤
 &

فتح مكة

وامتدت الدعوةُ في الجزيره

وهي نواة الامةِ الكبيره

والتزم الرسول بالمعاهده

لكنما قريشُ ظلّت حاقده

فنقضت عهودُها عند الخفا

وباغتت في الليلِ بعض الحلَفا

فهاجمت خزاعة الأبيه

أهلَ الوفا والجودَ والحميه

وحين جاء (عمروٌ الخزاعي)

الى النبيّ بدمٍ ملتاعِ

يقول في آبياته الاليمه

يخاطبُ النبوة الكريمه

(لاهمَّ اني ناشدٌ محمدا

حلفَ أبينا وابيكَ الاتلدا

ان قريشاً اخلفوكَ الموعدا

ونقضوا ميثاقكَ المؤكدا

هم بيتونا بالوتيرِ هجدا

وقتلونا ركعاً وسجدا)

فأقسمَ النبيُّ ان يردها

لانها خانت جهاراً عهدها

فحشّدَ الرجالَ نحو الفتحِ

عشرةَ آلافٍ قبيلَ الصبحِ

قد ذُعرَ الشركُ غداة شاهدا

جحافلاً تمشي وراء (احمدا)

وانهار صرحُ البغي والطغيانِ

يوم اتى يحبو (ابو سفيانِ)

يظهر ايماناً ويُخفي الكفرا

لم يشرح الله لديه صدرا

ويا لهُ من مشهدٍ اذ دخلوا

(لمكة) فانهار فيها (هُبلُ)

ثم هوت من بعده الاصنامُ

وعمت الفرحة والسلامُ

ودخل النبيُّ في تواضعِ

مطأطأ الرأس بقلب خاشعِ

مسبحاً بحمد رب البيتِ

وخاطب القوم بأعلى صوتِ

اليومَ عزٌ لقريشٍ يُبنى

فالبيتُ صار للجميع أمنا

مبيّناً في ذاك شأن (المسجدِ)

والجمعُ صاح باللسانِ واليدِ

٧٥
 &

لبّيكَ يا خيرَ الورى جميعا

غرست في قلوبنا الربيعا

فقال بعد ذاك : يا قوم اسمعوا

اذ عدت ما ترونني سأصنعُ

قالوا : أخٌ نعرفهُ كريما

مصدّقاً برّاً بنا رحيما

قال : اذهبوا فأنتم طُلقا

فقد عفوت عنكم ما سبقا

ودخلوا في دينه أفواجا

وملأوا الاقطارَ والفجاجا

وبعدها توجه (النبيُّ)

ليثربٍ وامرُهُ قويُّ (١)

__________________

(١) حدث في السنة الثامنة من الهجرة ان نقضت قريش بنود صلح حديبية ، فقرر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يغزو قريشاً لمخالفتها المعاهدة ، وسار في عشرة آلاف مقاتل نحو مكة ، وعسكر الجيش حول مكة ، فانهارت قريش وتداعت قواها ، خصوصاً بعد استسلام ابي سفيان وخضوعه بين يدي الرسول ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قولته التاريخية : « من دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن ».

ودخل المسلمون مكة فاتحين ، من دون قتال. وقد امر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الامام علي عليه‌السلام فأزال الاصنام من الكعبة. وبذلك تحقق النصر الالهي الكبير للرسالة الاسلامية حين دخل الناس في دين الله افواجا وخطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطابه التأريخي في المسجد حيث قام على باب الكعبة فقال : لا اله الا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده ، ألا كل مأثرةٍ او دمٍّ او مال يُدعى فهو تحت قدميَّ هاتين الا سدانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ، ففيه الديةُ مغلظة ، مائة من الابل ، اربعون منها في بطونها اولادها. يا معشر قريش ، ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ).

ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون اني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيراً ، اخ كريم ، وابن اخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء.

ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد ، فقام اليه علي ابن ابي طالب ومفتاح الكعبة في يده ، فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أين عثمان ابن طلحة ؟ فدُعي له ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يومُ برٍّ ووفاء »

سيرة ابن هشام ٤ / ٤٦ وتاريخ الطبري ٢ / ٣٣١ وتاريخ ابن الاثير ٢ / ٢٤٥.

٧٦
 &

معركة حنين

فاجتمعت (هوزانُ) الكفارِ

لكي تكيدَ امةَ (المختارِ)

ومعها قد أطبق الاعرابُ

ومشركون حلمهم سرابُ

يقودُهم (مالكٌ بن عوفِ)

ومعه الاهلون دون خوفِ

ففاجأوا الرسول في (حُنينِ)

بوثبة طبّقت الافقينِ

والمسلمون كثرةٌ في العددِ

وليس فيهم حاجةٌ للمددِ

فأعجبتهم يوم ذاك الكثره

وقد نسوا الرحمن عند الكرّه

فدارت الحربُ قبيلَ الفجرِ

والجيشُ في غفلتهِ لا يدري

فانهزمَ الجمع من الاصحابِ

وظل ذاك الجيشُ في اضطرابِ

الا النبيُ وحده قد ثبتا

وكان سيفهُ بعزمٍ مصلتا

وثلةٌ من الصحابِ الأوفيا

من خلصت نفوسهم من الريا

اولهم (عليّ) الكرّارُ

مضحياً وسيفهُ بتّارُ

وآخرون منهم (العبّاسُ)

يصيح يا لله أين الناسُ ؟

عودوا الى النصرة يا رجالُ

فأنكم فوارسٌ ابطالُ

وحيث شاهد الصحابُ (احمدا)

وصرخةً منه تطبّقُ المدى

وهو يكرُّ في صفوفِ الكفره

ثمّ ينادي أينَ أهلُ (الشجره) ؟

فرجعوا وباشروا القتالا

وقد غدوا في ضربهم ابطالا

٧٧
 &

ولاح في الآفاقِ طيرُ النصرِ

وانهزمت خوفاً جيوش الكفرِ

ونزلت آياتُ ربِّ النورِ

تعاتبُ الصحبَ على الغرورِ

ووزّعت من بعدها الغنائمُ

أسرى وخيلٌ حرّة كرائمُ

فاعترض (الانصارُ) في القضيّه

رغم النفوس الحرّةِ الابيّه

لكنما الرسولُ قد ارضاهمُ

بخطبة عصماء قد ابكاهمُ

وذاك نهجُ الخلقِ الكريمِ

ولفتةٍ من قائدٍ عظيمِ

ورجع الجيشُ الى (المدينه)

ليحرسوا أسوارَها الحصينه (١)

__________________

(١) بعد ان منّ الله على المسلمين بفتح مكة ، تأهب اهل هوازن لقتال المسلمين بقيادة مالك بن عوف ، وقد انضم اليهم بعض الاعراب ، وقد تحصنوا في الجبال المطلة على وادي حنين ، وعندما اقترب منهم المسلمون فاجأوهم بالنبال ، فذعر المسلمون وتشتت صفوفهم ، ولم يبق مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الا الامام علي عليه‌السلام والعباس بن عبد المطلب وثلة قليلة من المسلمين فأمر الرسول ان ينادي العباس بالمسلمين ليعيدهم اليه ، فناداهم بصوته الجهوري ، فعاد المسلمون ، وتغير الموقف العسكري لصالح المسلمين. ومنّ الله عليهم بالنصر بعد ان اعجبتهم كثرتهم كما عبر عنهم القرآن بقوله تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَى? رَسُولِهِ وَعَلَى ?الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَ?لِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ... ) التوبة / ٢٥.سيرة الرسول : للسيد محسن الامين / ١٣٢.

وكان نداء العباس للمسلمين : « يا معشر المهاجرين والانصار ، يا اصحاب رسول الله ، يا اصحاب سورة البقرة ، يا اهل بيعة الشجرة ، الى اين تفرون ؟ هذا رسول الله » .

قال ابو سعيد الخدري : لما اعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما اعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الانصار منها شيء ، وجد هذا الحيُّ من الانصار في انفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقى والله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قومه فسي اصحابه ، فدخل عليه سعد ابن عُبادة ، فقال : يا رسول الله ، ان هذا الحي من الانصار قد وجدوا عليك في انفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي اصبت ، قسمت في قومك ، واعطيت

=

٧٨
 &



__________________

=

عطايا عظاماً في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الانصار منها شيء. قال : فأين انت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما انا الا من قومي. قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال : فخرج سعد ، فجمع الانصار في تلك الحظيرة. قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا وجاء آخرون فردّهم ، فلما اجتمعوا له اتاه سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحيّ من الانصار ، فأتاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ، ثم قال : يا معشر الانصار : ما قالة بلغتني عنكم وجدةً وجدتموها عليَّ في انفسكم ؟ ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، واعداء فألف الله بين قلوبكم ! قالوا : بلى ، الله ورسوله أمنُّ وافضل ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الانصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ولرسوله المنُّ والفضل قال : صلى‌الله‌عليه‌وآله أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مُكذَّباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فآسيناك اوجدتم يا معشر الانصار في انفسكم في لُعاعة من الدنيا تألفتُ بها قوماً ليُسلموا ووكلتكم الى اسلامكم ألا ترضون يا معشر الانصار ان يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم ؟ والذي نفسُ محمد بيده لولا الهجرة لكنتُ امراً من الانصار ، ولو سلك الناس شِعباً وسلكت الانصار شِعباً لسلكت شعب الانصار. اللهمّ ارحم الانصار ، وابناء الانصار ، وابناء ابناء الانصار.

قال : فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتفرقوا. سيرة ابن هشام ٤ / ١٤١.

إن هذه الحادثة في أجواء معركة حنين تثير في نفوسنا الكثير من الدروس والعبر في مقدمتها شجاعة القائد وقدرته على إمتصاص الأزمات ، ومواجهة الأحداث والمشكلات بروحٍ موضوعية وصراحة تامة مع أمته وجيشه ، فها هو الرسول يستمع من الناس بكل تواضع وأنفتاح وتقدير لمواقف الأنصار الإيجابية المشرقة في حركة الرسول والرسالة.

٧٩
 &

غزوة تبوك

ويستعدوا للقاءِ ثانيه

عند (تبوكٍ) للحشودِ الجانيه

حيث تجمعت فلولٌ جمّه

شيطانُها ينفثُ فيها سُمّه

من كلِّ كافر ومن (نصرانيّ)

ومن منافق ومن شيطانِ

فعاجلَ الرسولُ ذاك الجمعا

بخطةٍ يريدُ منها الردعا

فأخبر الامةَ بالمسيرِ

بقولةٍ صريحةَ التعبيرِ

ان يتهيّئوا الى (الاحلافِ)

فجيشُهم ناف على الآلافِ

فنفر الصحبُ بكلّ عزمِ

وهمّةٍ صادقة وحزمِ

لكن بعض الضُعفا تخلفوا

بحجج من بعدها تأسفوا

قالوا : بأنّ في البيوت (عوره)

لذاك نحن لا نطيقُ النُصره

معذرّون يصنعون الحُججا

اضحوا يعوّقون من قد خرجا

لم يسمع الجمعُ لهم كلاما

ولم يعودوا بعدها كراما

فسار جيش الحقّ لا يبالي

بمن تخلّفوا مع (العيالِ)

وخلّف النبيُّ في المدينه

(حيدرةً) ونفسهُ حزينه

فقال : يا عليُّ انت مني

كمثل (هارون) تؤدّي عنّي

وسمع الناسُ (حديث المنزله)

وادركوا المعنى بغير مسألة

وانطلق الجيشُ برغم العُسره

والكلُّ منهم ما لديه (تمره)

٨٠