ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

واللهِ ما كذبتُ فيكم مرَّهْ

منذُ عَرفتُ ضرّهُ وشرَّهُ

قالَ : سلُوا مِنْ « جابرِ الأنصاري »

وأنسَ الخادمَ للمختارِ

ومِنْ « أبي سعيد الخدريّ »

وزيد بنِ أرقمِ المكِّيّ

إنهمْ قدْ سمعوا ما قالا

منَ النبيِّ ذلكَ المقالا

فقال « شمرٌ » : أعبدُ الله على

حرف اذا عرفتُ ما قدْ نقلا

فردَّهُ « حَبيبٌ » أنت صادقُ

فيما تقولُ انكَ المنافقُ

فإنْ شككتمْ بالّذي أقولُ

وبالّذي قدْ قالَهُ الرسولُ

أتُنكرونَ أنني ابنُ فاطمَهْ

بضعةِ أحمدِ الطهورِ العالِمَهْ

أتَطلبوني بقتيل قُتِلا

أمْ تَطلبوني بتُراث اُكِلا

فأخَذوا لا ينطقونَ شيّا

كأنّما لم يدعُ فيهم حَيّا

فقالَ : هلْ نسيتمُ الرسائلا

وقولَكُم أقبِلْ إِلَيْنا عاجِلا

فأَنكرَ القومُ الحديثَ الواقِعا

وردّدوا لابدَّ أنْ تُبايعا

فقالَ : لا واللهِ لا أُعطيكمُ

يَدي كما الذليلُ أو أستسْلِمُ

ولا أفِرُّ كالعبيدِ خوفا

هيهاتَ واللهِ وهزَّ السيفا

وأقبلَ القومُ اليهِ « كالدِّبا »

غطُّوا الفَلاةَ مَشرِقاً ومَغرِبا (١)

__________________

(١) اقترب الجيش الاموي من خيام الحسين عليه‌السلام يتعجّل الزمن لارتكاب أبشع جريمة ، وكان كالموج يغطي الصحراء ، فأشار الامام بيده ليوقف الزمن المنحرف ويلقي عليهم كلمة النصيحة والرشاد في خطبة عظيمة سجلها التاريخ لم تبق لهم عذراً حيث قال : أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ وحتى اعتذر اليكم من مقدمي عليكم ، فان قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم علي سبيل ، وإن لم تقبلوا منِّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم ، فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ، انّ وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين.

=

٢٢١
 &

__________________

=

فلمّا سمعن النساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهن فأرسل اليهن أخاه العباس وابنه علي الأكبر وقال لهما : سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن.

ولمّا سكتن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وعلى الملائكة والانبياء وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه.

ثم قال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم انكم زحفتم الى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون إنا لله وإنا ليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين.

أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا الى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأوّل المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه ، أوَ ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ، أو ليس جعفر الطيار عمّي ، أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ، فان صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه ، وإن كذّبتموني فانّ فيكم مَن إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك ، يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي.

فقال الشمر : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول.

فقال له حبيب بن مظاهر : والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك.

ثم قال الحسين عليه‌السلام فان كنتم في شك من هذا القول أفتشكون إني ابن بنت نبيكم فوَالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته او بقصاص جراحة ، فأخذوا لا يكلّمونه.

=

٢٢٢
 &

فأوقدَ الحسينُ حولَ الخِيَمِ

ناراً لكي يَحمي بناتِ الكرمِ

فصاحَ بعضُهم تعجَّلْتَ القَضا

رَدَّ الحسينُ أنتَ أولى باللَّظى

فرفعَ الحسينُ كفّاً للسَّما

فلفَّتِ النيرانُ ذاك المجرِما

* * *



__________________

=

فنادى : يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الاشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا لي أن أقدم قد اينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة ؟

فقالوا : لم نفعل. قال : سبحان الله بلى والله لقد فعلتم.

ثم قال : أيها الناس اذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم الى مأمني من الارض ، فقال له قيس ابن الاشعث : أولا تنزل على حكم بني عمك ؟ فانهم لن يروك الا ما تحب ولن يصل اليك منهم مكروه.

فقال الحسين عليه‌السلام : أنت أخو أخيك أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا أقرّ قرار العبيد عباد الله إنّي عذت بربِّي وربِّكم أن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب.

٢٢٣
 &

زهير بن القين يخطب بين الصفّين

وخرجَ « ابنُ القينِ » فيهم يخطبُ

وهوَ الفتى المقاتلُ المجرَّبُ

قال : كلانا إخوةٌ في الدينِ

تجمَعُنا رسالةُ الأمينِ

ما لم تقعْ ما بينَنا السيوفُ

وتلتقي الصفوفُ والصفوفُ

وقَدْ بُلِينا ببني محمدِ

مِنْ خاذلٍ لهمْ ومِنْ مؤيدِ

لينظر الله الذي يكونُ

ويُعرفَ الوفيُّ والخؤونُ

سوف ترونَ الذلَّ بعدَ اليومِ

مِنْ آلِ سُفيانَ شِرارِ القومِ

فقابلُوا قولَتهُ بالشتمِ

وطالبوهُ بيعةً للسلمِ

فقال : يرضى منكمُ يزيدُ

دونَ دمِ السبطِ لِما يُريدُ

لكنهمْ لم يسمعوا كلامَه

ولم يخافُوا وقفةَ القيامَهْ

فبدرَ السبطُ لهُ ونادى

كُفّ فهمْ قدْ جانبوا الرَّشادا

* * *

٢٢٤
 &

بُرير بن خُضير يخطب بالناس

ثم ابتدا مِنْ بعدِهِ « بُريرُ »

والصدقُ في حديثهِ والخيرُ

المُقرئُ القرآنِ مِنْ « هَمدانِ »

والصَّلبُ في مواقعِ الطعانِ

هذا الفراتُ عَذْبهُ يَسِيلُ

والسِبطُ أَوْرى قلبَهُ الغَلِيلُ

هَلْ ذا جزاءُ أحمدِ المختارِ

في أهلهِ والفتيةِ الأبرارِ

فرَشقُوهُ بالسهامِ الحاقدَهْ

وبالقلوبِ الفَظَّةِ العاندَهْ (١)

* * *

__________________

(١) من أجل حماية النساء والأطفال ، كان الحسين قد حفر خندقاً خلف الخيام ، وأشعل فيه النار حتى تكون المعركة من وجه واحد ، وخرج زهير بن القين وبرير ابن خضير وبعض أصحاب الحسين الى الجيش الأموي ، يخطبون فيهم ويعظونهم الموعظة الأخيرة ، ويذكِّرونهم بفضل الإمام الحسين ومنزلة أهل البيت عليهم‌السلام ، ودور آل أبي سفيان في هدم الاسلام واستعباد أمّة محمد. لكن القوم أصرّوا على عنادهم وركبوا أهواءهم واستكبروا استكبارا ، فلم ينفعهم نداء الحق ، ولم تهزّهم موعظة الأبرار ، فجعلوا يرشقونهم بسهام الغدر والخيانة.

٢٢٥
 &

الحسين عليه‌السلام إمتداد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

فنشرَ الحسينُ مُصْحَفاً على

هامتهِ مخاطباً كلَّ المَلا

بَيني وبينكُم كتابُ الربِّ

وسنةُ الرسولِ وهيَ حَسْبي

أشهدهُمْ عنْ نفسهِ وأكَّدا

وما عليهِ مِنْ ثيابِ « أحمدا »

فسيفهُ سيفُ النبيِّ الهادي

ودرعهُ المعروفُ في الجهادِ

وعمّةُ النبيِّ فوقَ رأسِهِ

وقُدْسُهُ ميراثُهُ مِنْ قُدسهِ

مُحذّراً اياهمُ مِنْ قتلهِ

فهوَ فتى محمدٍ وأهلهِ

وقالَ : لي عهدٌ لجدّي عنْ أبي

أنكَ مقتولٌ لِشرِّ العُصَبِ

ثُمّ تُذَلّونَ بقَتلي أبَدا

يا مَنْ قَتلتُم فاطِماً وأحمَدا

وسلَّطَ اللهُ عليكم قدَرَهُ

يسقيكُم كؤوسَهُ المصبّرَهْ

ثمَّ دنا مِنْ « عُمر » وسألَهْ

وقدْ أحاطَتْ بالحسينِ القتَلَهْ

تَزعمُ إنْ قَتلتني ستَحيا

بعدي طويلاً قَدْ ملكْتَ « الريّا »

واللهِ لا تفرحُ بعدي فيها

وسوفَ تبقى حائراً سَفيها (١)

__________________

(١) بعد أن عطّل الجيش الأموي دور العقل والقلب ، وأوصدوا باب الحوار ، توجّه اليهم الإمام الحسين عليه‌السلام في خطبة بليغة تحكي مفرداتها القوة ، والوضوح ، والحجة ، فأثار فيهم كل شواهد التاريخ وكشف لهم عن بؤس الحاضر وشقاء المستقبل ، فخرج إليهم ناشراً المصحف الشريف على رأسه ، وقال : تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحا ، حين استصرختمونا والهين ، فأصخرناكم موجفين ، سللتم علينا سيفاً في أيمانكم ، وحششتم علينا ناراً

=

٢٢٦
 &



__________________

=

اقتدحناها على عدوِّنا وعدوِّكم ، فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم. فهلّا لكم الويلات ، ولكن أسرعتم اليها كطيرة الدّبا ، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها ، فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومُحرِّفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئي السّنن. ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون. أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشجت عليه أصولكم ، وتأزرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب.

ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي قد ركز بين اثنتين بين السِّلة والذِّلة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيّة ، من أن نُؤثر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام. ألا وإنِّي زاحفٌ بهذه الاُسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر ، ثم أنشد أبيات فروة بن مسك المرادي :

فإن نهزِم فهزّامون قُدماً

وإن نُهزَم فغير مُهزّمينا

وما أنْ طبّنا جبنٌ ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشّامتين بنا أفيقوا

سَيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رُفِّع من أناس

بكلكلهِ أناخ بآخرينا

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليَّ أبي عن جدي رسول الله « فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون إني توكلت على الله ربِّي وربِّكم ما من دابة إلّا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ».

ثمّ رفع يديه نحو السماء وقال : اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف ، وسلِّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّرة ، فإنهم كذّبونا وخذلونا ، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير.

والله لا يدع أحداً منهم إلّا انتقم لي منه قتلة بقتلة وضربة بضربة ، وانه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي.

٢٢٧
 &

موقف الحرّ

« والحرُّ » كانَ حاضراً في الموقفِ

يسمعُ مِنْ سبطِ النبيِّ الأشرفِ

فقالَ هلْ تقاتلوهُ « يا عُمَر »

وهو بقيةُ الكرامِ مِنْ « مُضَر » ؟

فردَّ إي والله بلْ قتالُ

أيسرُهُ أنْ تسقطَ الأَوصالُ

فغادرَ « الحرُّ » إلى الحسينِ

مُطَأْطِئاً وخاشعَ العينينِ

وكانَ مِنْ أشجعِ أهلِ الكوفَهْ

له بها مواقفُ موصوفَهْ

يقولُ قدْ خيّرتُ نفسي الآنا

أنْ أدخلَ النارَ أو الجِنانا

لا لستُ أختارُ على الجنانِ

دنياً تردّتْ في يدِ الشيطانِ

وخاطبَ الحسينَ هلْ مِنْ توبَهْ

لمُذنب مُكبّل بالحَوبَهْ ؟

أنا الذي جَعْجعتُ بالنساءِ

وسُقتُ رَكبكمْ لكربلاءِ

قالَ الحسينُ تُبْ يَتُبْ ربُّ السما

عليكَ فاستبشِرْ بموتِ الكُرَما

فاتّجهَ « الحرُّ » إلى القتالِ

مُخاطباً يدعو إلى النزالِ

« إنّي أنا الحرُّ ومأوى الضيفِ

أضربُ في أعناقكمْ بالسيفِ

عَنْ خيرِ مَنْ حلَّ بأرضِ الخيفِ

أضربكمْ ولا أرى مِنْ حَيفِ » (١)

إني انا الحُرُ ونجلُ الحُرِ

أشجعُ من ذي لبدٍ هزبرِ

__________________

(١) أثرت خطبة الامام الحسين عليه‌السلام ببعض افراد الجيش الاموي ، ومن أبرزهم الحر بن يزيد الرياحي ، والابيات واضحة في اشارتها الى قصة توبته ، والتحاقه بجبهة الحسين عليه‌السلام قبل ان تشتبك السيوف وتلتحم الأسنة.

٢٢٨
 &

ولستُ بالجبانِ عند الكرِ

لكنني الثابتُ عند الفَرِ

فصاحَ « عُمَرٌ » بالرجالِ ويلكُمْ

أتعلمونَ منْ يردُّ سيلكُمْ

أُولاءِ أهلُ المصرِ والبصائرِ

والمسْتميتونَ ذَوو المفاخرِ

فَلا تُبارزوهُم وحْدانا

بل املأوا عليهمُ المَيدانا

فحملَ الطغاةُ نحوَ الميمنَهْ

رماحُهم بخزيهِمْ مسنَّنهْ

فردّهمْ أهلُ الثباتِ البررَهْ

وصرعوا منهمْ رجالاً فجَرَهْ

فرجعوا بالعارِ والشتاتِ

وحملوا مِنْ جانبِ الفراتِ (١)

* * *



__________________

(١) بدأت المعركة بين جيش الضلال ، واصحاب الحسين عليه‌السلام بحملات غير متكافئة بين الطرفين فاستبسل اصحاب الحسين في رد الهجوم الاموي وشتتوا الصفوف المعادية ، فأراد عمر بن سعد تجميع قواته ويحثهم على الثبات في المعركة.

٢٢٩
 &

الأنصار يستبشرون بالشهادة

فواجهوا « مسلماً بنَ عوسجَهْ »

وثلةً مِنْ قومهِ مُدجَّجَهْ

قاتلهمْ « مسلمُ الضبابي »

« والبجليُّ » جاحدُ الكتابِ

وكثرتْ فيهمْ جموعُ القتلى

والكلُّ في جهادهِ قَدْ أَبْلى

واستبسلَ الابطالُ في الدفاعِ

عنْ آلِ بيتِ المصطفى المطاعِ

فمسلمٌ كان يقولُ صادقا

مجاهراً في حقه وناطقا

ان تسألوا عني فأني ذو لبد

من فرع قومٍ من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائدٌ عن الرشد

وكافرٌ بدين جبار صمد

فاستُشْهِدَ المجاهدُ « ابنُ عوسجَهْ »

ومدَّ للردى يداً مُختلجَهْ

فجاءَهُ الحسينُ معْ « حَبيبِ »

ويا لهُ مِنْ مشهد رهيبِ

وقرأ الحسينُ « منهُمْ مَنْ قَضى »

وعينُهُ تفيضُ دَمعاً ورِضا

ثمّ دنا « لمسلم » « حبيبُ »

لعلهُ يسألُ أو يجيبُ

وقالَ : أوْصِ يا أخي وصيتَكْ

فقدْ وصلتَ بالهدى منيّتَكْ

أشارَ « مسلمٌ » لهُ بهذا

وصيّتي فكنْ لهُ مَلاذا (١)

__________________

(١) بعد الحملة الاولى التي شنها جيش عمر بن سعد على معسكر الحسين استشهد « مسلم بن عوسجة الاسدي » وهو أول شهيد من اصحاب الحسين عليه‌السلام وقد ذكرت المصادر التأريخية بأنه كان صحابياً جليلاً ، روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأخذ البيعة للحسين في الكوفة ، وكان شيخاً كبير السن ، ومن الشخصيات البارزة في المجتمع الكوفي

=

٢٣٠
 &

ثمّ مَضى لربِّهِ سَعيدا

مُضَمَّخاً مُرمَّلاً شَهيدا

وهجمَ « الشمرُ » يريدُ الميسرَهْ

لكنْ غدَتْ جموعهُم مدمّرَهْ

وفي الصحابِ « ابنُ عميرِ الكلبي »

مجَرّبٌ بطعنهِ والضربِ

شدَّ عليه « ابنُ ثبيتِ الحضرمي »

معَ « بكرِ بنِ حيّ المذمّمِ »

فقَطعا يداً لهُ وساقا

وأسرُوهُ مُحْكماً وِثاقا

* * *



__________________

=

ومن الذين شاركوا في فتوحات بلاد فارس ، وقد ابدى عدوهُ شبث بن ربعي الأسف على قتله ، وحين سقط على الارض وبه رمق ، مشى اليه الامام الحسين عليه‌السلام وحبيب بن مظاهر الاسدي فقرأ الحسين عليه‌السلام الآية الكريمة : ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى? نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ثم اشار مسلم لحبيب وقال : اوصيك بهذا ـ واشار الى الحسين ـ أن تموت دونه وهو مشهد يطفح بالحب والولاء والوفاء.

٢٣١
 &

أوّل إمرأة تُقتَل مع الحسين عليه‌السلام

ثمّ اذا ما قتلوهُ صَبرا

زوجتُه أتتْ اليهِ عَبْرى

تقولُ : أبشِرْ يا فتى بالجنَّهْ

فمقتلُ الاحرارِ صارَ سُنَّهْ

فسَمعَ الشمرُ لها مَقالا

دعا بهِ غلامَهُ وقالا

احمِلْ عليها فأصابَ المقتَلا

ما غيرُها شهيدةٌ بكربلا

ثم رموا برأسهِ لاُمِّهِ

فمسحتْ جبينَهْ منْ دمهِ

وبرزَتْ تريدُ أنْ تقاتِلْ

فردَّها الحسينُ للمَحامِلْ

ثمّ دعا لها بحُسنِ الدعوَهْ

كذاكَ يفعلُ الإِبا بالنّسوَهْ (١)

وحملَ « الشمرُ » على الاطنابِ

وصاحَ بالنيرانِ والأحْطابِ

يريدُ أنْ يُحرِّقَ الخِياما

ويُرعبَ النساءَ واليتامى

فبادرَ الحسينُ بالدعاءِ

عليهِ والعيونُ في السماءِ

أحرقكَ اللهُ بنارِ الآخِرَهْ

وأُمةً خلفَ خطاكَ سائرَهْ

__________________

(١) ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على ميسرة الحسين ، فاستشهد « عبد الله بن عمر الكلبي » بعد ان وقع اسيراً وقتلوه صبراً.

فمشت إليه زوجته ام وهب ، فقالت له : هنيئاً لك الجنة ، فضربها رجل بعمود على رأسها ، فماتت مكانها ، وكانت اول شهيدة من النساء في معسكر الحسين عليه‌السلام ثم رموا برأس زوجها عبد الله الى الحسين ، فأخذته أمه وهي تمسح الدم عنه ، وأخذت عمود خيمة ، وبرزت الى الاعداء ، فردها الحسين وقال ارجعي رحمك الله فقد وضع عنك الجهاد.

٢٣٢
 &

وحملَ « ابنُ القينِ » في الكرامِ

فكشفَ « الشمرَ » عنِ الخيامِ

وحينَ شاهدَ « ابنُ قيس عزرَهُ »

الوهنَ في أصحابهِ والفَترَهْ (١)

أرسلَ يطلبُ الرجالَ منْ « عمرِ »

لما أصابَ جيشَهُ مِنَ الخورِ

فأرسلَ « الحُصَينُ » بالرماةِ

قالَ لهم : خُذوا على الفراتِ

فعُقرِتْ في الشاطئ الخيولُ

وكثُرَ القاتِلُ والمقتُولُ

وأمرَ « ابنُ سعد » الفرسانا

أن يُشعِلوا في الخيَمِ النيرانا

فصاحتِ النساءُ والاطفالُ

ودُهشتْ زينبُ والعِيالُ

* * *

__________________

(١) كان قائد الخيالة في جيش عمر بن سعد « عزرة بن قيس » الذي أخذ يمدُّ الجيش بالرجال وسيطر على نهر الفرات ، واما عمر بن سعد فاقدم على عمل شنيع وهو اشعال النار في مخيم الحسين ليرعب النساء والاطفال.

٢٣٣
 &

أبو الشّعثاء

وكانَ في معسكرِ الأعداءِ

« يزيدٌ » الفحلُ « أبو الشّعثاءِ »

لما رأى ما فعلَ الأوغادُ

مالَ الى الحسينِ لا يُذادُ

ثمّ جَثا بين يَدِ الحسينِ

يَرمي سِهاماً نُقعَتْ بالبينِ

والسبطُ يدعو كانَ بالتسديدِ

فما توانى القوسُ مِنْ « يزيدِ »

ثمّ هَوى الى الثرى صَريعاً

وعينهُ رِقراقَةٌ دُموعاً (١)

* * *

__________________

(١) هو يزيد بن زياد ابو الشعثاء الكندي كان رامياً ماهراً بالسهام ، جثا على ركبتيه وراح يرمي خيل الاعداء المهاجمين بالسهام ، وكان يقول له الحسين عليه‌السلام : « اللّهمّ سدد رميته واجعل ثوابه الجنة » ولما نفدت سهامه حمل على القوم ، فقتل منهم جماعة ثم استشهد رحمه الله.

٢٣٤
 &

الحسين عليه‌السلام يُصلِّي وسط المعركة

ومالتِ الشمسُ الى الزوالِ

ولمْ تزَلْ ملحمةُ الرجالِ

وشاهدَ الشمسَ « أبو ثمامَهْ »

فعرفَ الظهرَ مِنَ العلامَهْ

فقالَ للحسين : يا ابنَ طه

أقبلتِ الصلاةُ فَلنَلقاها

فرفعَ الحسينُ طَرفاً للسَّما

قالَ : صدقتَ القولَ يا ابنَ الكُرَما

جعلَكَ اللهُ لهُ مُصَلِّيا

فقدْ ذكرتَ أمرَنا المُنَجِّيا

سلوا العتاةَ كي يكُفُّوا عنا

حتى نصلّي ونُقيمَ الرُّكْنا (١)

فنعقَ « الحُصينُ » بلْ لا تُقْبلُ

فردّهُ « حبيبٌ » أنتَ الأرْذَلُ

تزعمُ لا تُقبلُ مِنْ آلِ النبي

وتُقبلُ الصلاةُ مِنكَ يا غَبي

فحملَ « الحُصينُ » في جماعَهْ

على « حبيبِ » الخيرِ وقتَ الطاعَهْ

واشتبكَ الرجالُ بالرجالِ

وكانَ ذاكَ ساعةَ الزوالِ

* * *

__________________

(١) عند زوال الشمس حان وقت صلاة الظهر ، فعرف ابو ثمامة الصائدي وقت الصلاة. وهو عمر بن عبد الله الذي كان يشتري السلاح لحركة مسلم بن عقيل في الكوفة ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، فاخبر الحسين بوقت الصلاة فقال الحسين عليه‌السلام : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين نعم هذا أول وقتها ، ولكن الحصين بن نمير أعلن ان الصلاة لا تقبل من الحسين عليه‌السلام فاجابه حبيب أتزعم انها لا تقبل من الحسين عليه‌السلام وتقبل منك يا حمار .. أقسم انك لا تحكم من كتاب الله ايتين ، فغضب الحصين وشدَّ على حبيب في جماعة يناجزه وقت الصلاة.

٢٣٥
 &

شهادة حبيب بن مظاهر الأسديّ

يحدوهُمُ « حبيبُ » بالأشعارِ

وسيفهُ يضربُ بالفجّارِ

من أَسَد بدينهِ يُفاخِرُ

« أنا حَبيبٌ وأبي مظاهرُ »

فانجلَتِ الغبرةُ عنْ « حَبيبِ »

وهوَ مضرَّجٌ على الكثيبِ

فهدَّ قتلُهُ الحسينَ فاشتكى

لربّهِ مُحتَسباً ثمّ بَكى (١)

وقامَ للصلاةِ بالأبرارِ

الخاشعينَ القلبَ للجبارِ

صلّى صلاةَ الخوفِ في الطّفوفِ

وحولَهُ غابٌ مِنَ السيوفِ

وَقاهُ بالنفسِ « سعيدُ الحنفي »

يستقبلُ النَّبْلَ بقلب مُرهَفِ

يقولُ : هلْ وفيتُ يا إمامي

قالَ : بلى يا أيُّها المحامي

أنتَ الى الجنةِ تَمضي قَبلي

معَ النبيِّ المصطفى وأهْلي (٢)

وهتفَ الحسينُ بالأصحابِ

لجنة مفتوحةِ الأبوابِ

فيها الرسولُ جدُّنا يَنتظرُ

قدومَكُم بلهفةٍ فاستبشِروا

قالُوا : نفوسُنا لنفسِك الفِدا

فإننا بينَ يدَيكَ الشُّهَدا

واللهِ لا لَن يَصِلُوا حِماكا

ما نبضَتْ عروقُنا حِراكا

__________________

(١) حبيب بن مظاهر الاسدي من اصحاب الامام علي عليه‌السلام وهو أحد وجوه الشيعة وزعماء الكوفة ، حاول استقدام جماعة من بني اسد لنصرة الحسين عليه‌السلام لكن الجيش الاموي حال دون ذلك ، وكان حبيب معظماً عند اهل البيت عليهم‌السلام وعند الحسين خاصة ، اثرت شهادته على الامام الحسين عليه‌السلام وقال في نعيه : احتسب نفسي وحماة أصحابي.

له قبر شاخص اليوم في الحرم الحسيني المطهر.

(٢) صلى الامام الحسين عليه‌السلام بأصحابه صلاة الخوف وكانت السهام تنهال عليهم كالمطر فوقف المجاهد البطل ، سعيد الحنفي يقي الحسين بنفسه ، ويصدها بصدره حتى اُثخن بالجراح وسقط شهيداً بعد الصلاة ، رحمه الله.

٢٣٦
 &

شهادة زهير بن القين

وخرجَ « ابنُ القينِ » للبرازِ

هوَ يقولُ الشعرَ بارتجازِ

« أقدم هُدِيتَ هادِياً مَهديا

اليومَ ألقى جدَّكَ النبيا

وحسَناً والمرتضى عليّا

ذاكَ الذي نعرفهُ الوصِيا

وذا الجناحَينِ الفتى الكميا

وأسدَ الله الشهيدَ الحيا

أنا زهيرٌ وأنا ابنُ القينِ

أذودُكم بالسيفِ عنْ حسينِ

إنّ حسيناً احدُ السبطَيْنِ

أضربكُم ولا أرى منْ شَيْنِ »

ثمّ هوى بسيفهِ والقوسِ

قتلَهُ « المهاجرُ بنُ أوسِ »

فوقفَ الحسينُ فوقَ مصرعهِ

يندبهُ بساخناتِ أدمعهِ (١)

ثمَ وقى « ابنُ قرظةَ الأنصاري »

وجهَ ابنِ فاطمٍ بصدرٍ عارِ

حتّى اذا أُثْخنَ بالجراحِ

إستأذنَ الحسينَ بالرواحِ

بشَّرَهُ سيدهُ بالجنّهْ

في ساعةِ الحشرِ بغيرِ منَّهْ (٢)

__________________

(١) زهير بن القين البجلي ، شخصية بارزة في الكوفة ، وكان كبير السن ، عثماني الاتجاه ، التحق بالامام الحسين عليه‌السلام خلال مسيره من مكة الى العراق ، جعله الامام الحسين على ميمنة اصحابه ، قاتل قتال الابطال ، فقتل جماعة كبيرة من الجيش المعادي قبل ان يستشهد ، نعاه الحسين بقوله : « لا يبعدنك الله يا زهير ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير ».

(٢) ابن قرظة : هو عمرو بن قرظة الانصاري ، وقف كذلك يقي الامام الحسين عليه‌السلام سهام الاعداء بصدره حتى اثخن بالجراح ، وهو يقول : أوفيت يا ابن رسول الله ؟ قال : نعم انت أمامي في الجنة ، فأقرِئْ رسول الله مني السلام ، وأعلمه اني في الأثر ، ثم سقط شهيداً رحمه الله.

٢٣٧
 &

ثمّ تهاوى « ابنُ هلالِ الجملي »

الى الوغى بقولةِ مرتجلِ

« أرمي بها معلمةً أفواقُها

مسمومةً تجري بها أخفاقُها

ليملأنَّ أرضَها رشاقُها

والنفسُ لا ينفعُها إشفاقُها »

فجرّدَ السيفَ وراحَ يضرِبُ

والكلُّ مِن يديهِ صارَ يهربُ

فرشَقوهُ بالسهامِ والحجَرْ

وأسرُوهُ وهوَ شلوٌ محتضَرْ

فقالَ للشمرِ ألستَ مُسلماً

تواجهُ اللهَ بهذهِ الدما

فغضبَ الشيطانُ ثمّ قتلَهْ

وراحَ للجنانِ يلقى أملَهْ (١)

وبرزَ ابنا عروةِ الغفاري

والتحقا بموكبِ الأنصارِ

يرتجزانِ والسيوفُ مشرعَهْ

وفي الحديدِ أوجهٌ مقنَّعهْ

« قدْ علمَتْ حقاً بنو غفارِ

وخندفٌ بعدَ بني نزارِ

لنضربَنَّ معشرَ الفجارِ

بكلِّ عَضب صارم بَتّارِ »

وشدَّ بعدُ « أسلمٌ » و « واضحُ »

والكلُّ منهمْ بطلٌ مكافحُ

فخضّبَتْ سيوفُهم والأسلُ

وقاتَلوا كالصِّيدِ حتى قُتلوا

فأَقبلَ الحسينُ نحوَ عبدهِ

« أسلم » مسَّ خدَّهُ بخدِّهْ (٢)

* * *

__________________

(١) الجملي : هو نافع بن هلال الجملي المذحجي ، كان يستخدم نبالاً مسمومة كتب اسمه عليها يرمي جيش عمر بن سعد ، فقتل منهم جماعة حتى نفدت سهامه ، فبرز إليهم شاهراً سيفه فقاتل حتى كسروا عضديه ، وأخذوه اسيراً حيث قال لابن سعد : لو بقيت لي عضد ما اسرتموني ، فجرد الشمر سيفه وقتله ، فمضى الى ربه شهيداً في قافلة الحسين عليه‌السلام.

(٢) اسلم ، وواضح ، من الفتيان الترك الموالي ، كانا في ركب الحسين ، قاتلا قتالاً بطولياً ، وقبل أن تفيض روحاهما ، وضع الامام الحسين عليه‌السلام خده الشريف على خديهما ، ثم قضيا نحبيهما مفتخرين بما صنعه الحسين عليه‌السلام تكريماً لهما.

٢٣٨
 &

شهادة بُرير بن خُضير

وبعدَها بارزهُم « بُرَيرُ »

فيهِ المعالي والندى والخيرُ

مُرتجزاً يصيحُ في شجاعَهْ

بايعتُ آلَ المصطفى بالطاعَهْ

كرّ عليهم بَطلاً يُزمْجِرُ

« أنا بُريرٌ وأبي خُضيّرُ »

واجههُ يزيدٌ بنُ معقلِ

فنالَ منهُ ضربةً بمقتلِ

ثمّ مضى « بريرُ » في التحدِّي

مُواجهاً الى « رضي العبدي »

فاعتركا سُويعةً ثمّ هوى

« رضي » الى الارضِ صريعاً واكتوى

قامَ « بريرٌ » مُتعباً جَريحا

وجرَّ سيفَهْ ليستريحا

عاجلَهُ بضربة « بالهندي »

« كعبُ بنُ جابرِ بنِ عمرو الأزدي »

حيثُ هوى يُرتّل القرآنا

ويلعنُ الطاغوتَ والشيطانا (١)

ثمّ بَدا « حنظلةُ الشبامي »

يؤكدُ النصرةَ للإِمامِ (٢)

* * *

__________________

(١) برير بن خضير : من أنصار أهل البيت عليهم‌السلام كان يقول بضلالة معاوية ، وان امام الهدى هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ذكرته مصادر التاريخ والرجال بأنه سيد القراء ، وأحد وجوه الكوفة ، وقرائها ، كان شيخاً تابعياً ، ناسكاً ، وله في الهمدانيين شرف ومنزلة رفيعة.

(٢) حنظلة الشبامي : هو حنظلة بن سعد الشبامي ، وقف قبل أن يبارز جيش عمر ابن سعد ، خطب فيهم محذراً إياهم من سوء عاقبة قتال الحسين عليه‌السلام ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا انهم واجهوه بالعناد والاصرار ، فحمل عليهم ، وقاتل حتى قُتِل « رحمه الله ».

٢٣٩
 &

شجاعة عابس

وقد تحدّى « ابنُ شبيبِ الشاكري »

جيشَ ابنِ سعد بفؤاد ثائرِ

فخاطبَ الحسينَ في خشوعِ

وجفنُهُ يَخفقُ بالدموعِ

ليسَ على الأرضِ أعزُّ مِنكا

بمهجتي سوفَ أذبُّ عنكا

عليكَ يا ابن المصطفى السلامُ

اليومَ فيكَ دينُنا يُقامُ

واقتحَم الجحفلَ حرّاً صابِرا

للهِ ما اكرمَهُ مُناصرا

شدَّ عليهِ القومُ بالحجارَهْ

لما رأوا في سيفهِ شرارَهْ

وحينَ شاهدَ الجفاةَ الغدرَهْ

ألقى اليهم درعَهُ ومِغْفَرَهْ

يطردُ منهمُ المئاتِ حاسِرا

فقيلَ جنَّ « عابِسٌ » مُغامِرا

أجابَهُم أجنَّني الحسينُ

فحبُّهُ أمانةٌ ودَينُ

حتى قضى مُضرّجاً شهيدا

مُبتسماَ يُعانقُ الخُلودا (١)

* * *

__________________

(١) عابس بن شبيب الشاكري : من رجال الشيعة ، عُرف بالشجاعة ، والقوة والجرأة ، والخطابة ، ارسله مسلم الى الحسين ليخبره ببيعة اهل الكوفة فلم يتمكن من ذلك ، برز الى جيش ابن سعد يتحداهم بالقتال ، فأحجموا عنه لما يعرفون عنه من شجاعة وبسالة نادرة ، فأمرهم ابن سعد بأن يرموه بالحجارة ، لكنه هجم عليهم حاسر الرأس ملقياً درعه ، ومغفره ، فأحاطوا به من كل جانب ، حتى قتل فتنازعوا فيه ، فحسم عمر بن سعد الامر بقوله : هذا لم يقتله واحد.

٢٤٠