يخترق الصحراء في عناءِ |
|
دون مؤونة ودون ماءِ |
لكنهم قد واصلوا الطريقا |
|
متخذينَ صبرهم رفيقا |
حتى اذا ما وصلوا (تبوكا) |
|
والكلّ منهم قد غدا منهوكا |
ارتعب العدوُّ حين شاهدا |
|
جيشاً أتاهُ مؤمناً مسددا |
فاستسلموا طوعاً وأدّوا (الجزيه) |
|
وظل (يوحنّا) يجرُّ خزيه |
وقفلوا عوداً الى ديارهم |
|
يواصلون الليلَ في نهارهم |
في رحل طويلةِ وشُقّه |
|
بعيدة كثيرةِ المشقّه (١) |
* * *
__________________
(١) تواردت الانباء الى المدينة المنورة ، ان الروم يستعدون لغزو المسلمين وقد تحشدوا في تبوك فقرر الرسول صلىاللهعليهوآله ان يتصدى لردّهم ، فأصدر اوامره بالتهيؤ لقتال الروم ، لكن المنافقين في المدينة نشطوا في التحرك المضاد ، فكانوا يقومون بتثبيط العزائم لصرف المسلمين عن الانضمام لجيش الرسول فتخلّفَ بعض المؤمنين الضعاف عن غزوة تبوك وقد ذكرتهم سورة براءة.
واجه الرسول صلىاللهعليهوآله التحرك بقوة ، واعد جيشه للمسير ، وقد سمّي هذا الجيش بجيش العسرة لصعوبة تجهيزه لضخامته ولشدة الحرّ.
واستخلف الرسول صلىاللهعليهوآله على المدينة الامام علي عليهالسلام وكان الامام يريد الخروج مع الرسول ، فقال له الرسول قولته الشهيرة التي تتضمن الكثير من المضامين العقائدية والسياسية في حاضر الامة ومستقبلها : « أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، الا انه لا نبيّ بعدي » ويعرف هذا الحديث الصحيح في كتب السيرة والاخبار بحديث المنزلة الذي رواه الفريقان في مدوناتهم. خصائص النسائي / ١٤ ، وطبقات ابن سعد ١٣ / ٤.
مسجد ضرار
فوجدوا بين الطريق مشهدا |
|
منافقين قد اقاموا مسجدا (١) |
اساسُهُ النفاقُ والمراءُ |
|
والكذبُ والتزويرُ والرياءُ |
فرفضَ الرسولُ ان يُصلّيا |
|
في بقعةٍ تلوّثتْ من الريا |
فأمرَ الاصحابَ ان يدمّروا |
|
(قاعدةً) بناؤها مزوّرُ |
فلتحرقوه (مسجدَ الضرارِ) |
|
فقد بنتهُ عصبةُ الاشرارِ |
* * *
__________________
(١) اقام المنافقون مسجداً في اطراف المدينة سمي بمسجد ضرار ، عندما عاد الرسول صلىاللهعليهوآله من المعركة ، ووجد المسجد ، امر باحراقه ، وتحويله الى محلٍ للقمامة حتى لا يتحول الى قاعدة للنشاط التخريبي المضاد.
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) التوبة / ١٠٧ ـ ١٠٨
الثلاثة الذين خُلفوا
ودخلوا (المدينةَ المنوّره) |
|
ففاجأتهم ثلةٌ معتذره |
منهم ثلاثةٌ من الرجالِ |
|
يبكون والاكفُّ في الحبالِ |
لكن عفا الله عن (الثلاثه) |
|
بعد الدعا وبعد الاستغاثه |
وانهالت الوفودُ للمبايعه |
|
وكلها جاءت اليه طائعه |
وأسلم الجميعُ في الحجازِ |
|
حيث (تبوكٌ) آخرُ المغازي |
واسلمت كلُ جزيرة العرب |
|
لكنما رحيلُ (احمدَ) اقترب |
خلال ذلك النبيُّ عاهدا |
|
بعضَ الملا وكان ذاك سائدا (١) |
__________________
(١) لقد تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق : منهم كعب بن مالك الشاعر ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن امية الرافعي ، فلما تاب الله عليهم قال كعب : ما كنت قط اقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله الى تبوك ، وما اجتمعت لي راحلتان قط الا في ذلك اليوم ، وكنت اقول : اخرج غداً بعد غد فاني مقوىّ ، وتوانيت وثقلت بعد خروج النبي صلىاللهعليهوآله اياماً ادخل السوق ولا اقضي حاجة فلقيت هلال بن امية ومرارة بن الربيع ، وقد كانا تخلفا ايضاً فتوافقنا ان نبكر الى السوق ؛ فلم نقض حاجة فما زلنا نقول : نخرج غداً وبعد غد حتى بلغنا اقبال رسول الله صلىاللهعليهوآله فندمنا.
فلما وافى رسول الله صلىاللهعليهوآله استقبلناه نهنئه السلامة فسلمنا عليه فلم يردّ علينا السلام ، واعرض عنا ، وسلمنا على اخواننا فلم يردّوا علينا السلام فبلغ ذلك اهلونا فقطعوا
كلامنا ؛ وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا احد ولا يكلمنا فجاءت نساؤنا الى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلن : قد بلغنا على ازوجنا افنعتزلهم ؟ فقال رسول صلىاللهعليهوآله : لا تعتزلنَّهم
ولكن لا يقربوكن.
=
__________________
=
فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا : ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا اخواننا ولا اهلونا ؟ فهلموا نخرج الى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا او نموت. فخرجوا الى ذباب ـ جبل بالمدينة ـ فكانوا يصومون وكان اهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم ولا يكلمونهم.
فبقوا على هذا اياماً كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله ان يغفر لهم فلما طال عليهم الامر قال لهم كعب : يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله ، وقد سخط علينا اهلونا ، واخواننا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا احد ، فلِمَ لا يسخط بعضنا على بعض ؟ فتفرقوا في الجبل وحلفوا ان لا يكلم احد منهم صاحبه حتى يموت او يتوب الله عليه فبقوا على ذلك ثلاثة ايام ، وكل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى احد منهم صاحبه ولا يكلمه ، فلما كان في الليلة الثالثة ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله في بيت ام سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله تعالى : ( لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ )
قال الامام الصادق عليهالسلام هكذا نزلت وهو ابو ذر وابو خيثمة وعمير بن وهب الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم قال في هؤلاء الثلاثة : « وعلى الثلاثة الذين خلفوا » فقال العالم ـ يعني الامام موسى بن جعفر عليهالسلام ـ انما انزل : على الثلاثة الذين خالفوا ولو خلّفوا لم يكن عليهم عيب « حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت » حيث لا يكلمهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا اخوانهم ولا اهلوهم فضاقت عليهم المدينة حتى خرجوا منها وضاقت عليهم انفسهم حيث حلفوا ، لا يكلم بعضهم بعضاً فتفرقوا وتاب الله عليهم لما عرف من صدق نياتهم.
الميزان في تفسير القرآن ٩ / ٣٠٢. سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥.
البراءة من المشركين
اذ نزلت (براءةُ) التوحيدِ |
|
في الحج بعد تلكم العهودِ (١) |
من كلّ مشركٍ وكل آثمِ |
|
وكلِ عهدٍ جائر وظالمِ |
فحملَ الآياتِ في ذاك (عليّ) |
|
دون (ابي بكرٍ) بنصٍّ منزلِ |
معناه لا يُبلّغُ الآياتِ |
|
الاكَ او مثلُكَ في الصفاتِ |
وامتثل الامرَ الرسولُ الواثقُ |
|
وهو أمينٌ في البلاغ صادقُ |
وانطلق الامامُ حيث (الحرمُ) |
|
يبلّغُ الامرَ وفيه يُعلِمُ |
وقلبهُ الفتيُّ كالحديدِ |
|
لم يخش من لومٍ ومن وعيدِ |
قد قرأ (التوبةَ) في وادي (منى) |
|
مهدداً للمشركين مُعلنا |
ان لا يحجّوا بعد هذا العامِ |
|
لكعبةِ الايمان والاسلامِ |
وفرحَ الرسولُ بالذي جرى |
|
وراح يمدحُ الوصيَّ (حيدرا) |
* * *
__________________
(١) انتشر الاسلام في جزيرة العرب ، واخذت معاقل الكفر تتهاوى الواحدة تلو الاخرى ، فأنزل الله تعالى سورة البراءة في السنة التاسعة من الهجرة ، حيث وضعت حداً نهائياً لممارسات المشركين في الكعبة.
امر الرسول صلىاللهعليهوآله ابا بكر ان يذهب الى مكة لتبليغ سورة البراءة للمشركين الذين يتواجدون في مكة ، وفي الطريق بعث الرسول صلىاللهعليهوآله يأمر ابا بكر بالعودة واناطة المهمة بالامام علي عليهالسلام بعد نزول الوحي عليه في ذلك. وعندما استفسر ابو بكر عن السبب في هذا القرار وهل نزل فيه شيء اجابه الرسول : « لا ، الا اني امرت ان ابلغه انا او رجل من اهل بيتي ».
صحيح الترمذي ٢ / ١٨٣ ومسند احمد ٣ / ٢٨٣ ومستدرك الصحيحين ٣ / ٥١. وغيرها من المصادر.
حجةُ الوداع وبيعةُ الغدير
وبعد عامٍ حج للوداع |
|
لكن احسَّ ان نعاه ناعِ |
فوقفوا عند (غديرِ خمِّ) |
|
يستمعون للنبيِّ الامّي (١) |
اذ نزلت محكمةُ القرآنِ |
|
تأمرُ بالتبليغ والبيانِ |
(يا أيّها الرسولُ بلّغْ ما نزلْ |
|
ولا تخف يعصمك الله الأجلّ) |
فامتثل النبيُّ امر الباري |
|
ثم دعا عليَّ بالاكوارِ |
حيثُ ارتقاها قائلاً : من اولى |
|
مني بكم مقولةً وفعلا |
فضجَّ كلُّ الجمع : الله بنا |
|
أولى وبعده الرسولُ عندنا |
فقال : من كنتُ انا مولاهُ |
|
فذا عليّ في الورى مولاهُ |
سوف يُعادي الله من عاداه |
|
وينصرُ الله الذي والاهُ |
__________________
(١) في السنة العاشرة من الهجرة ، حج النبي صلىاللهعليهوآله الى مكة ، وهي حجته الاخيرة ، فسميت بحجة الوداع ، وحجة البلاغ ، وحجة التمام ، وعند منصرفهم من مكة ، نزلت على الرسول آية التبليغ وهي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... ) المائدة / ٦٧.
فجمع الرسول الناس عند الجحفة في مفترق الطرق للحجاز ، والشام ، واليمن ، في مكان يدعى غدير خم ، ووقف يخطب في الناس ، فأخذ بيد الامام علي عليهالسلام ونادى قائلاً : « أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين ، وانا اولى بهم من انفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ... » وبعد ان اكمل خطبته اخذ البيعة للامام علي عليهالسلام من المسلمين فبايعوه جميعاً.
ورد هذا الحديث في مصادر كثيرة متواترة أوردها العلامة الاميني في موسوعته الكبيرة « الغدير ».
فهو وصيّ يحفظُ الامانه |
|
اذ جمع الله به قرآنه |
اليوم اكملتُ لكم دينكُم |
|
وتَمّت النعمةُ لي عليكمُ |
فصاح كلُّ الصحب قد رضينا |
|
إمامةً تحرسُ فينا الدينا |
وبايعوا في (الجحفةِ) الوصيّا |
|
(أبا الحسينِ المرتضى عليا) |
وبعضُهم (بخبخ) ثم اخفى |
|
أمراً وفي بيعتهِ ما وفّى (١) |
ما عرفوا حقيقة الولايه |
|
وهي التي في الدين اسمى غايه |
مبدؤها الطاعةُ للقياده |
|
لتُحفظ الوحدةُ والسياده |
وهي امتدادٌ لخُطى النبوّه |
|
وعزمةٌ ونصرةٌ وقوّه |
وافترق الحجيج للاوطانِ |
|
وابتعدت قوافلُ الركبانِ |
ورجع الرسول يبني الأُمه |
|
بعد اداء تلكمُ المهمّه |
لكي يسيرَ جيشهُ امامهُ |
|
بحملة يقودُها (أُسامه) (٢) |
وهو فتىً لم يبلغ العشرينا |
|
لكنه كان امرأً أمينا |
قد لعنَ الرسولُ من تخلّفا |
|
عنه ومن انكرهُ او ارجفا |
ورغم ذاك البعضُ ظلَّ محجما |
|
معتذراً مشكّكاً متّهما |
__________________
(١) المشهور ان عمر بن الخطاب عندما بايع الامام علي ، قال له : « بخ بخ لك يا ابن ابي طالب ، لقد اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » لكن الزمن يدور واذا بعمر ينسى بيعته وقوله ، ويعمل على منع الامام علي من حقه في الخلافة.
(٢) عند وصول الرسول صلىاللهعليهوآله الى المدينة بدأ يجهز حملة لغزو الروم ، فدعا الى تجهيز جيش بقيادة اسامة بن زيد ، وهو شاب لم يبلغ العشرين من عمره ، فأظهر بعض الصحابة اعتراضهم على تأمير زيد ، لكن الرسول خطب في المسجد مؤكداً لياقته لهذه المهمة. وكان اصرار النبي قوياً على سير هذا الجيش بأسرع وقت ، وكان يقول صلىاللهعليهوآله لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ومع ذلك كان بعض الصحابة يحاولون التخلف عن هذا الجيش بمختلف الاعذار.
مرضُ النبيُ ووفاته
خلال ذلك النبيُّ اعتلا |
|
لكن سيف عزمه ما كلّا |
قد اثقلت عينيه منهُ (الحمّى) |
|
واصفرّ لونُه اذىً وهمّا |
فصار يدعو (بدواةٍ وكتف) |
|
لكن بعضَ صحبهِ كان أنف (١) |
وقال : إنما النبيُّ يهجرُ |
|
فحسبنا قرآننا والسِورُ |
ويا لها من قولة خطيره |
|
قد مزقت أُمتنا الكبيره |
وبعدها قال النبيُّ : قوموا |
|
عنّي فقد أُبطل ما أرومُ |
والله لو اخذتم الكتابا |
|
لما غدوتم بعدهُ أحزابا |
ولا انقلبتمُ على الاعقابِ |
|
بل كنتم من خيرة الاصحابِ (٢) |
وظل في علّته يُعاني |
|
ويرمقُ الناسَ بقلب حانِ |
__________________
(١) عندما اشتد برسول الله صلىاللهعليهوآله المرض ، وكان عنده جماعة من الصحابة ، دعا بكتف ودواة وقال لهم : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ». فقال عمر بن الخطاب : « ان النبي غلبه الوجع وعندكم كتاب الله ، فحسبنا كتاب الله ». صحيح البخاري ، كتاب العلم : ١ / ٢٢.
(٢) كان واضحاً بما لا يقبل الشك ان الرسول صلىاللهعليهوآله اراد ان يكتب كتاباً يؤكد فيه تعيين الامام علي عليهالسلام خليفة له من بعده ، وقد ادرك عمر هذا الامر فقال ما قال بحق الرسول ، ليمنع كتابة هذا العهد. ولم يعد بعد قول عمر ، من الممكن ان يكتب الرسول كتابه ، لان ذلك ستترتب عليه آثار خطيرة تمس شخصية الرسول صلىاللهعليهوآله وسنتهُ وعصمته لان الله تعالى يقول : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ويقول كذلك : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله في حديث متواتر : « اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا ـ وفي رواية زيد بن ارقم ـ ولقد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » وهو الحديث المتواتر المعروف بحديث الثقلين.
ورأسهُ في حجرِ صنوه (عليّ) |
|
تحيطهُ ملائكُ الربِّ العليّ |
وعندهُ سبطاه والزهراءُ |
|
وعمّهُ العباسُ والابناءُ |
وأُمهاتُ المؤمنين حولهُ |
|
يبكينَ منه مجدهُ وفضلهُ |
وخلفَ بابه تجمّعَ الملا |
|
واصبحَ الكلُّ هناك معولا |
وصِيحَ فيهم قُبضَ الرسولُ |
|
وأُثكلت فاطمةُ البتولُ |
وارتجّتِ الدنيا غداة ارتحلا |
|
(محمدٌ) للهِ جلَّ وعلا |
وقام في تجهيزه (الامامُ) |
|
وأهلُ بيته له قيامُ (١) |
صلّى عليه الله والملائكُ |
|
فهو النبيُّ الطاهر المباركُ |
ثمّ (عليّ) هو والعبّاسُ |
|
ثمّ توالت للصلاة الناسُ |
ودُفن الرسولُ في حجرتهِ |
|
ونزل (الامامُ) في حفرتهِ |
وذاك في الثامنِ والعشرينِ |
|
في صفرِ المظفرِ الميمونٍ |
قد وقع القضاءُ فيه والقدر |
|
من هجرة النبيِّ في احدى عشر |
وانقطع الوحي عن النزولِ |
|
بعد غيابِ طلعةِ الرسولِ |
فالحزن في كل القلوب خيّما |
|
والصيحة امتدّت لأعنانِ السما |
لكنّما الرسالةُ الغرّاءُ |
|
باقيةٌ خالدةٌ ... معطاءُ |
* * *
__________________
(١) توفي الرسول صلىاللهعليهوآله ورأسه في حجر علي عليهالسلام وقام الامام وعمهُ العباس بتغسيله وتجهيزه ، فيما كان القوم يتنازعون في « سقيفة بني ساعدة » حول امر الخلافة والسلطة.
ففي يوم وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله وهو الحدث الجلل في حياة الامة ، حيث انقطع الوحي من السماء ، دب الخلاف بين المسلمين ، وما زالت آثاره باقية الى اليوم في موضوع الامامة والخلافة. فسلام عليك سيدي يا رسول الله يوم ولدت ويوم جاهدت في تبليغ رسالة ربك ، وسلام عليك يوم رحلت إلا الملأ الأعلى ، وسلامٌ عليك في الأولين والآخرين ورحمة الله وبركاته.
الأِهْدَاء
الى يعسوب الدين
الى علي أمير المؤمنين.
اقدم هذا الجزء من (قوافل النور)
راجياً ان يكون علامة مضيئة في طريق الحبِ ، والولاءِ ، والوفاء
وقبساً هادياً ينير الدرب .. ويهزم الديجور.
إضاءة
مثّلت حياة أهل البيت الاطهار عليهمالسلام الخط اللاحب ، الذي سارت عليه أجيال الأمة في مراحلها التأريخية المتعاقبة. فالإمام علي عليهالسلام الذي جسّد في حياته ومواقفه مبادىء الرسالة الخاتمة ، كان المثل الأعلى والنموذج الفذ في تحمل أعباء الرسالة السماوية الخالدة. وكانت الزهراء وبنوها عليهمالسلام يمثلون العمق والإمتداد لذلك الخط الرباني المبارك ، بما جسّدوه في سيرتهم العطرة ومواقفهم الرسالية الخالدة.
وأجيالنا الاسلامية المؤمنة بالخط الإسلامي الأصيل ، وهي تواجه تحديات الحياة ، خصوصاً تلك التي مازالت تعيش تحديات الهجرة ، وصراع الهوية في الغرب البعيد عن القيم والتقاليد السماوية ، هي بأمسّ الحاجة إلى استحضار سيرة أهل البيت العطرة ، وأخذ الدروس والعبر من ذلك التأريخ المشرق ، لتتزود منه العزم والإصرار على السير في ذات الخط اللاحب الموصول ، ومواجهة التحديات الصعبة التي تفرضها ظروف الهجرة وإفرازاتها ، كما انها بأمسّ الحاجة الى أن تتسلح من معطيات سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله والحياة الثرة لأهل بيته عليهمالسلام بما يمدها بالزاد والقوة في معركتها الحضارية التي تخوضها في مختلف مواقع الصراع والمواجهة.
و « مؤسسة دار الاسلام » إذ تقدم هذا الجزء من الملحمة الادبية « قوافل النور » والمخصص لتأريخ وحركة الإمام علي عليهالسلام.
انما تهدف الى ربط الجيل المسلم بعناصر الهوية والأصالة ، ممثلة بسيرة النبي صلىاللهعليهوآله وأهل بيته عليهمالسلام وترجو أن تكون هذه الملحمة الشعرية ، بما تنطوي عليه من روح أدبية ، ووقائع تأريخية وأصالة فكرية ، ودروس تربوية ، زاداً ثقافياً ، ومعنوياً لهذه الإجيال التي تعقد عليها الآمال في معركة البناء والتغيير في الحاضر ، وآفاق الحضارة ، والتكامل الانساني في المستقبل.
والله من وراء القصد.
أهل البيت عليهمالسلام في القرآن والسنة
فضلٌ لأهلِ البيتِ ليس يُنكرُ |
|
حدّثَ فيه المصطفى والسورُ |
فهم بنصِّ « الذكرِ » طاهرونا |
|
من كلِّ رجس يُورثُ المجونا |
مُبرّؤن من ذنوبِ البشرِ |
|
مطهَّرٌ يولدُ عن مطهَّرِ |
قد ذكرتهم آيةُ « المودّه » |
|
فهم لدى الجزاءِ أوفى عُدّه |
حبُهمُ أفضلُ ما يُقرّبُ |
|
وودُّهم يطمعُ فيه المذنبُ |
الأوليا بآيةِ « الولايه » |
|
والأصفيا في منهج الهدايه |
بهم تُشيدُ آيةُ « المباهله » |
|
دون تعسّف ولا مجادله |
وسورةُ « الدهرِ » لهم تُشيرُ |
|
إذ أُكرم اليتيمُ والأَسيرُ |
وأَطعموا الطعامَ دون منّه |
|
لكنما حبّاً له والجنّه |
بفضلهم غدا الكتاب يُتلى |
|
إذ أصبحوا له بحقٍّ عِدلا |
الثقلانِ همْ معَ القرآنِ |
|
ليس لهم من العبادِ ثانِ |
وهم سفينةُ النجاةِ الراسيه |
|
رغم البلايا والرياحِ العاتيه |
من كان فيها راكباً فقد نجا |
|
من بعدِ عسرهِ ونالَ الفرجا |
عدّتُهم قالُ النبيُّ إثنا عشر |
|
أئمةً وقادةً الى البشر |
الحقُّ في مدارِهم يَدورُ |
|
والعلمُ في صدورِهم والنُورُ |
أوّلهم عليُّ « الوصيُّ » |
|
والآخِرُ المغيّبُ « المهديُّ » |
إن علياً معدنُ البطوله |
|
في ساحةِ الوثبة والرجوله (١) |
__________________
(١) وردت العديد من الآيات الكريمة في فضل أهل البيت عليهمالسلام كما وردت عن الرسول صلىاللهعليهوآله الكثير من الأحاديث التي تؤكد رفيع منزلتهم وعظم شأنهم وعصمتهم من الذنوب. ومن الآيات الكريمة التي تبين عصمة أهل البيت عليهمالسلام قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) الاحزاب / ٣٣.
روى الكثير من أهل التفسير والسير والحديث ، أن هذه الآية نزلت في الرسول صلىاللهعليهوآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، فقد أدخلهم الرسول تحت كساء خيبري وقال : اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وقد كان الرسول صلىاللهعليهوآله يوضح معنى هذه الآية للمسلمين ويقول : نزلت هذه الآية في خمسة ، فيّ ، وفي عليّ وفاطمة والحسن والحسين. صحيح مسلم : كتاب الفضائل ، ومستدرك الصحيحين ٢ / ١٥٠ ، وصحيح الترمذي ٥ / ٣١ وغيرها من المصادر.
وآية المودة هي قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى? ) الشورى / ٢٣
وقد روي أنها لما نزلت قيل للرسول صلىاللهعليهوآله من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟.
قال : علي وفاطمة وأبناهما. محب الدين الطبري : ذخائر العقبى / ٢٥.
وذكر الفخر الرازي في تفسيره الكبير : قد ثبت أن عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، هم أقارب النبي صلىاللهعليهوآله وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد من التعظيم.
ولا شك أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يحب فاطمة عليهاالسلام قال صلىاللهعليهوآله : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها.
كما ثبت بالنقل المتواتر عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه كان يحب علياً والحسن والحسين ، واذا ثبت هذا وجب على كل الأمة مثله. حسين الشامي : تهذيب التفسير الكبير ، تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى.
وآية الولاية هي قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة / ٥٥.
وقد ذكر أهل التفسير والتأريخ أن هذه الآية نزلت في الإمام علي عليهالسلام ، عندما تصدق بخاتمه لسائل ، وهو راكع في صلاته. أسباب النزول للواحدي ، سورة المائدة.
وآية المباهلة هي قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران / ٦١.
=
__________________
=
وقعت قصة المباهلة كما رواها المفسرون والمؤرخون مع نصارى نجران ، حيث جاءوا الى النبي صلىاللهعليهوآله ليحاوروه ويباهلوه ، فأمره الله تعالى أن يخرج بالإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، الى الوادي ، وأن يباهل بهم أهل نجران ، فيدعو الله أن ينزل العذاب على الكاذبين ، وعندما رأى النصارى الرسول صلىاللهعليهوآله وأهل بيته ، قال لهم أسقفهم : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة. فتراجعوا عن المباهلة ، وقد قال الرسول صلىاللهعليهوآله : والذي نفسي بيده ، أن الهلاك تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً.
وروى المفسرون والمؤرخون ، أن الحسن والحسين عليهماالسلام مرضا ذات يوم ، فنذر الإمام علي وفاطمة عليهاالسلام أن يصوما ثلاثة أيام إن شفيا من مرضهما ، فمنّ الله عليهما بالشفاء ، فاستقرض الإمام عليّ مالا ، ليكون لهم طعاماً في صيامهم.
في اليوم الأول جلسوا على مائدة الإفطار ، فإذا بمسكين يسألهم الطعام ، فأعطوه الطعام ، ولم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا في اليوم التالي صياماً ، وعندما جلسوا للإفطار ، وقف على الباب يتيمٌ ، ففعلوا مثلما فعلوا في اليوم السابق.
وتكرر الأمر مرة ثالثة مع أسير ، ونتيجة هذا الموقف الرسالي الكبير ، وروح الايثار العالية ، أنزل الله تعالى فيهم سورة الدهر وفيها : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ).
ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآله قوله : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً.
وقد ورد ذكر هذا بألفاظ مختلفة في نفس المضمون ، ومعنى الحديث أن أهل البيت عليهمالسلام ، هم الأدلّاء على القرآن والسنة ، وهم حفظة الاسلام ، وهم الذين يسلكون بالناس الى الطريق المستقيم. ومسند أحمد ٦٤ / ٣٦٦ ، سنن البيهقي ٢ / ١٤٨ ، سنن الدارمي ٢ / ٤٣١ والكثير من المصادر الحديثية.
قال الرسول صلىاللهعليهوآله : أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار.
وفي رواية أخرى : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٤٣ ، كنز العمال ٦ / ٢١٦ ، ذخائر العقبى / ٢٠ ، البغدادي في تأريخه ١٢ / ١٩
ويعرف هذا الحديث الشريف بحديث السفينة.
=
__________________
=
أكّد رسول الله صلىاللهعليهوآله في أحاديثه على إمامة الإمام الأول علي بن أبي طالب ، كما أكد على المهدي الموعود وأنه من ولد علي وفاطمة عليهماالسلام ، وبذلك حدّد صلىاللهعليهوآله من هم الأئمة بما لا يقبل الشك ، وقد وردت عنه أحاديث كثيرة في تعيين الأئمة عليهمالسلام وأن عددهم إثنا عشر إماماً أولهم الإمام علي وآخرهم المهدي المنتظر ، ومن هذه الأحاديث قوله صلىاللهعليهوآله :
ـ لا يزال أمرُ الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا.
ـ لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
صحيح مسلم ، كتاب الامارة ، وصحيح البخاري ٤ / ١٦٥ ، وسنن أبي داود ٤ / ١٠٦ ، وروايات أخرى في هذا المضمون أوردها أهل الحديث في مدوناتهم.